Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

نظرة قانونية إلى معاهدة ماستريشت

$
0
0

قالت السيدة كريستين لاجارد المحامية الفرنسية المرموقة سابقا فى مكتب بيكر آند ماكينزى للإستشارات القانونية بعد أن اصبحت رئيسة صندوق النقد الدولى أن آلية إنقاذ عملة اليورو هى من خلق الضرورة ولابد لها من أن تـسمو على الإلتزامات العقدية السابقة!! ماهى القصة؟
ورد فى ديباجة الإتفاقية أن الهدف منها هو دفع وتطوير التقدم الإقتصادى والإجتماعى بطريقة متوازنة بين الدول الموقعة لخلق مجال إقتصادى داخلى بلا حدود بين الدول الأعضاء لتدعيم المحتوى الإقتصادى والإجتماعى المشترك بهدف خلق عملة موحدة على المدى البعيد. وبعد ذلك تحدثت الإتفاقية عن حماية المصالح والحقوق للدول الأعضاء بصفة فردية. وبعد ذلك إنتقل النص إلى خلق نظام للتعاون بين البنوك المركزية يأخذ صورة بنك مركزى أوروبى يقوم بمهامه من خلال نصوص الإتفاق الموقع بين الدول ويثبت سعر الصرف بين العملات الداخلة فى العملة المشتركة بطريقة لا رجوع عنها مع حرصه على أن تكون السياسات النقدية والإقتصادية واقعة فى نطاق الإطار الصالح لتنفيذ إتفاقات التعاون وفى نطاق السياسة المالية المنضبطة والميزانيات المحكومة بالأسس الإقتصادية المتينة.
ثم جاء فى المادة 104 ب من الإتفاقية نص صريح يحظر توزيع المسئولية الخاصة بأحد الدول أو أحد حكومات المناطق أو الحكومات المحلية على باقى الشخصيات القانونية مثل الدول.. بمعنى أن الإتحاد الأوروبى ليس وحدة إندماجية تتقاسم حصيلة الضرائب فيما بينها كما هو الحال بين الولايات الألمانية مثلا بحيث إن لاقت حكومة ولاية برلين مثلا مصاعب مالية يهب الجميع ممثلين فى شخص الإتحاد الفيدرالى لنجدتها..
وهذا النص هو بالضبط مربط الفرس.. فاليونان مثلا أو إيطاليا أو إسبانيا كانت جميعا تحيا حياة أعلى من مستواها الحقيقى وذلك بتمويل من قروض تحصل عليها الدولة هناك من البنوك التجارية عن طريق بيع سندات على خزانة تلك الدول.. وعندما كان الأمر يدق عليها كانت تلجأ أحيانا إلى التمويل بالعجز أى طبع أوراق بنكنوت فى الحدود التى تسمح بها قواعد البنك المركزى الأوروبى..
ولكن عندما زاد الأمر عن حده وثقلت أعباء الدين السيادى على تلك الدول بدأت البنوك فى قبض يدها عن القروض وهنا بدأت الدول تصرخ مطالبة بالإنقاذ.. وهنا لابد من معرفة عاملين على جانب كبير من الأهمية..
أولا من هم المقرضون؟ ثانيا كيف يأتى الإنقاذ؟
المقرضون هم أولا البنوك الإستثمارية التى تبيع متجات مشتقة Derivatives مرتبطة بحزمة من الأوراق المالية أو بمؤشر معين مثل الداكس الألمانى أو الداو جونز الأمريكى أو شىء من هذا القبيل. وقد قام بنك جولدمان ساكس بتسهيل طريق الغواية لليونان مثلا عن طريق عملية تبادل عملة الدراخمة بالدولار لكميات هائلة بسعر تفضيلى لليونان ولكن على الجانب الآخر فإن هناك عمولة قدرها 400 مليون يورو سنويا تدفعها اليونان حتى عام 2037 على ما أذكر..
والمقرضون هم أيضا البنوك التجارية العادية وشركات التأمين التى تمتلك مالا وفيرا تحاول إستثماره فى أى مجال على وجه الأرض..
وهنا يأتى دور السيدة كريستين لا جارد.. فقد علمنا جميعا أن البنوك الفرنسية هى صاحبة أكبر مخاطرة فى تلك الديون بحيث إن أعلنت الدول المدينة عدم قدرتها على الوفاء تنهار تلك البنوك..
ولهذا فإن تقييم فرنسا كدولة من جانب شركات التقييم مودى وستاندارد آند بور وفيتش قد هبط من حالة ال3 إيه إلى حالة الترقب والوضع تحت الملاحظة.. وقد كتبت مجلة الإيكونوميست منذ شهرين تقريبا تقريرا عن حالة الإقتصاد فى أوروبا ذكرت فيه أن ما يحدث فى إيطاليا وإسبانيا واليونان هو تقريبا لعب عيال بالمقارنة بالسيناريو الفرنسى لأن البنوك الفرنسية أكثر الجميع exposure أى تعرضا للخطر لو أن قنبلة الديون الأوروبية قد إنفجرت.. والسيدة لاجارد صرحت منذ مدة قصيرة أن النصوص العقدية فى معاهدة ماستريشت أصبحت لا يعتد بها فى حالات الضرورة التى اعتبرت هى أن أوروبا متواجدة فى إحداها !! أى أنها تعمل لصالح البنوك الفرنسية وتحافظ على أموالها من الضياع.. حيث أن أموال البنوك الفرنسية وشركات التأمين هى أموال مودعين فرنسيين وأموال صناديق معاشات المؤمن عليهم من المواطنين الفرنسيين فإن ضاعت ضاعوا..
ورغم صراحة نص الإتفاقية إلا أن السيدة لاجارد تتذرع بحالة الضرورة..
ولكن ما هو أسلوب الإنقاذ؟
الأسلوب الذى لجات يه دول الإتفاقية هو أسلوب ناتج عن ضغط الدول الجنوبية على الدول الشمالية وهو يتمثل فى أن يشترى البنك الأوروبى من البنوك التجارية الدائنة للدول عالية المديونية مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا، يشترى منها هذه الديون ويصبح هو دائن تلك الدول أى يحل محل البنوك فى صفة الدائن ثم بعد ذلك يخفض سعر الفائدة على اليورو حتى يصبح حمل الديون على هذه الدول أخف إلى أن يمر قدر من الزمان تستطيع فيه هذه الدول عالية المديونية أن تخفض نفقاتها وتساوى أوضاعها. ولكن من أين يأتى البنك المركزى الأوروبى بالأموال اللازمة لتخليص البنوك التجارية وسد الدين عن الدول المديونة لصالح البنوك التى هى فى معظمها فرنسية أو بنوك إستثمارية؟ هذا هو السؤال الذى يخشى كثيرون مواجهته حيث أن الواقع يقول أن البنك المركزى الأوروبى لا يمتلك هذه الكميات الكبيرة من النقد.. فعليه إذن أن يسحبها من دول أخرى غير المديونة وبالذات ألمانيا. وقد كان هذا هو محل الدعوى الدستورية التى رفعها عدد من الأشخاص داخل ألمانيا فى الصيف الماضى لفحص دستورية أن تدفع الدولة الألمانية من حصيلة الضرائب التى تجمعها نصيبا يبلغ قدره 27% من المبلغ المرصود لإنقاذ الدول المتعثرة.. وهذا الرقم المتفق عليه هو 700 مليار يور يقع نصيب ألمانيا فيه بحوالى 189 مليار يورو.. وهو بالضبط منطوق الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية العليا فى سبتمبر 2012 حيث نص على الا تتجاوز حصة ألمانيا مبلغ 190 مليار يورو.
وهذا الإنقاذ كما أسلفت يتعارض تعارضا صريحا مع نص المعاهدة التى إعترفت لكل كيان قانونى باستقلاليته وعدم إرتباطه بالدول الأخرى لا فى السراء ولا فى الضراء وبيان ذلك هو أن المعاهدة لم يكن يراد لها أن تعيد توزيع الأعباء ولكنا كان يرجى من توقيعها تنظيم السياسات المالية والإقتصادية بين الدول الأعضاء بحيث لا تضر إحداها الآخرين أو دولة أخرى.. والنص كما رأينا صريح..
وما تحاول أنجيلا ميركل عمله فى هذا الصدد هو أن تربط بين موافقتها على التدخل لإنقاذ اليونان وإسبانيا وبين إلتزام هاتين الدولتين بالإجراءات التقشفية التى من شأنها أن تحسن عجز الموازنة وتزيد من دخل الدولة المتعثرة وتقلل من الهالك المادى الضائع بلا طائل.. ولكن..
ولكن الدول المستهترة من أمثال اليونان وإيطاليا لا يريدون حتى أن يلتزموا بذلك..
الواقع أن هناك مصلحة أكيدة لألمانيا فى وجود الإتحاد الأوروبى.. أولا المصلحة السياسية التى تجعل من الألمانى ذى الماضى الكريه مواطنا أوروبيا منضما إلى هوية جديدة تنسى الناس ما كان من أمره.. أى أنها القبول العالمى بألمانيا التى كفرت عن أخطائها طويلا وكثيرا وغاليا..
ثانيا المصلحة الإقتصادية متواجدة فى حقيقة هيمنة الشركات والبنوك الألمانية على الأسواق الأوروبية سواء بالمنتجات أو بممارسة النفوذ.. فشركات مثل سيمنس أو فولكس فاجن أو دايملر أو أليانس أو دويشه بنك هى بحكم وجود الإتحاد الأوروبى كنظام قانونى شركات أوروبية يحق لها الدخول فى مناقصات وتوريدات من كل صنف ونوع على كل أرض أوروبا دونما حواجز وبلا حدود.. وبالطبع فالإتحاد الأوروبى هو أيضا إتحاد جمركى يجعل من القوة التصديرية الأولى فى أوروبا مركز هيمنة على الحياة الإقتصادية..
أما على المستوى العالمى فوجود الإتحاد الأوروبى يكسب القوة الإقتصادية الألمانية بعدا جديدا لكونها جزء من مجموعة تمثل ثقلا فى الإقتصاد العالمى لا يستهان به.. ففى تعامل ألمانيا مع الصين مثلا أو مع الولايات المتحدة هناك فرق بين أن تكون ممثلا لدولة يبلغ تعداد سكانها 82 مليون وأن تكون ممثلا لاتحاد يبلغ تعداد سكانه فوق 500 مليون، حتى وإن كان بعضهم لا يزال فى مرحلة تخطى عقبات النظم الشيوعية القديمة.
إلا أن هذه المصالح الحيوية لا يمكن أن تكون مبررا لتوزيع أعباء الدول المستهترة على أكتاف ألمانيا خصوصا وأن هذا الفرض قد تم تناوله من قبل وعولج بالوضوح المفصل فى إتفاقية ماستريشت..
وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد أثمرت السياسة التقشفية التى تريد ألمانيا فرضها على اليونان عن تقرير صدر أمس فقط 19 ديسمبر 2012 عن وكالة ستاندارد آند بور الأمريكية وجهت فيه المديح لمحاولات الحكومة الجديدة فى اليونان للسيطرة على النفقات وتحسين مصادر تمويل الدولة.
والبنك المركزى الأوروبى وضع شروطا قام بإملائها الألمان للحصول على الدعم الذى شرحته آنفا أهمها أن تطلب الدولة المتعثرة ذلك رسميا بحيث لا يحصل على المساعدة إلا من اعترف بوجود مشكلة مالية لديه.. ثانيا أن ترتبط المساعدة بتقدم ملحوظ فى ماليات تلك الدول إرتباطا بجدول زمنى حتى لا تصبح المساعدة برميل بلا قرار.. وقد كانت ميركل فى بداية معالجتها للموضوع فى أواخر 2011 تطالب أيضا بوضع مفتشين للرقابة على ماليات اليونان إلا أن المظاهرات العنيفة فى ذلك البلد جعلتها تعدل عن رأيها وتكتفى بالشروط آنفة الذكر..


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles