تأليف : محمد السويسي
ان حكام إسرائيل يعلمون تماماً ان يهود فرنسا وبريطانيا والصهيونية العالمية هم من اقاموا نظام الملالي الإيراني في العام 1979 بديلاً عن نظام الشاه وفق تنسيق مسبق ، بين المعارضة الإيرانية مع آل روتشيلد الفرنسيين ويهود بريطانيا وبالتالي موافقة أمريكا ، الذي تعهد فيه الملالي فيما لو وصلوا الى السلطة بحماية امن إسرائيل وحدودها من هجمات المقاومة الفلسطينية وبذل الجهد لمنع قيام دولة فلسطينية بإنشاء مليشيا شيعية محلية في لبنان بديلاً عن جيش لحد الذي اضحى عبئاً على الجيش الإسرائيلي مع فشله الدائم في حماية أمن إسرائيل .
مع شرط الموافقة على أن تتولى طهران الإنفاق على جميع الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية المعارضة للسلطة الفلسطينية لمنع وحدة الفلسطينيين وبالتالي عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية واختصارها في غزة مؤقتاً إلى حين موافقة مصر على ضم بعض أراضي سيناء اليها لترحيل جميع فلسطينيي الضفة والقدس نحوها ، وربما فلسطينيي الداخل ايضاً .
كما التعهد بتمويل التنظيمات و الحركات الدينية والأحزاب الإسلامية في العالم العربي وخارجه بالتنسيق المباشر مع امريكا وبريطانيا وإسرائيل .
إلا ان إيران فضلت ان يكون التنسيق فيما بينها وبين إسرائيل من خلال وسطاء بريطانيين وألمان وروس وليس بشكل مباشر حتى لايفتضح الأمر .
وصل الملالي بشراكة مع قوى المعارضة في الخارج الى السلطة بديلاً عن الشاه بعد خروجه من إيران بناء لرغبة امريكية على ان يعود بعد أن تهدأ الأوضاع مطمئناً الى الجيش ليعيد مسك الأمور .
إلا أن الحكام الجدد جاؤوا لتطبيق نهج امريكي جديد بالنسبة لدول العالم الثالث وهو بالإستغناء عن الجيوش لتحل محلها قوات حرس وطني اشبه بالشرطة بسلاح المليشيات لقمع التظاهرات مع جيش صغير بعديده وأسلحته للمحافظة على النظام والإستقرار دون حاجة للصدام مع دول أخرى مع وجود الشرطي الأمريكي بأساطيله البحرية وقواعده العسكرية في معظم انحاء العالم .
والقصد من ذلك هو توفير السيولة بين ايدي المواطنين لرفع قدراتهم الشرائية للبضائع الغربية من اوروبية وتلك المصنعة في الصين لحساب الشركات الغربية .
من هنا عمد الملالي فوراً إلى إعدام كبار الضباط وحل الجيش لإعادة تكوينه من جديد وفق النمط المتفق عليه مع الأمريكان ولكن على اسس عقائدية دينية ليكون بخدمة الحكام ونظام ولاية الفقيه الإلهي دون الشعب .
هذا الضعف الذي اعترى الجيش الإيراني مع إعادة تكوينه أغرى عراق صدام حسين للدخول في حرب مع إيران لتمزيق إتفاقية الجزائر لاستعادة اراض حدودية كان قد تنازل عنها لشاه إيران .
شجعت أمريكا الحرب بين العراق وإيران بغرض تدمير جيوشهما واستنزاف قدراتهما المالية والإقتصادية ، وحضت اوروبا على بيع السلاح للعراق ، وإسرائيل لبيع السلاح لإيران من خلال وسطاء إسرائيليين إيرانيين بإشراف مباشر من الرئيس موشيه كاتساف الإيراني الأصل فيما عرف فيما بعد بفضيحة الكونترا ، عدا شراءالسلاح من روسيا والصين والسوق السوداء .
هذه الحرب وثقت العلاقة السرية بين إسرائيل وطهران بتشجيع من اثرياء يهود أوروبا ووول ستريت مما شجع حكام طهران على مواجهة الأمريكان في خطف موظفي السفارة الأمريكية لديهم فيما عرف بأزمة الرهائن في 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1979.
والقصد من خطفهم كان افتعال الخلاف مع واشنطن وقطع العلاقات معها للتخلص من الإلتزامات الإيرانية تجاه واشنطن بإشراك المعارضة الإيرانية في الحكم الذين تعتبرهم الملالي منافسين لها في السلطة ، فتمت مضايقتهم وتهشيلهم من البلاد الى الخارج متهمة إياهم بانهم عملاء لأمريكا ليحتكر الملالي السلطة في البلاد بمفردهم بيد من حديد بالغة القسوة .
هذا الطرد للمعارضة لتعطيل الديمقراطية في البلاد وإنشاء نظام ديكتاتوري فردي إلهي لم يكن ليتم إلا بموافقة وتحريض من اليهود الإسرائيليين من أصل إيراني بما لهم من مصلحة في ذلك ، إذ تم وضع يدهم على تجارة إيران الداخلية .
وقد تعززت هذه العلاقات الإيرانية الإسرائيلية مع غزو القوات الأمريكية للعراق حيث تم التعاون بشكل وثيق بين إسرائيل وإيران على ملاحقة علماء الذرة والصواريخ والطياريين العراقيين لقتلهم إنتقاماً من قصفهم لإيران وتل ابيب خلال الحرب الإيرانية العراقية . الذي كان قد سبقه التعاون على حماية حدود إسرائيل ومستعمراتها الشمالية من هجمات المقاومة الفلسطينية واجتثات جيش لحد من جنوب لبنان الذي اضحى يشكل عبئاً مالياً وعسكرياً على الجيش الإسرائيلي مع إنعدام جدواه ومقدرته على بسط الأمن في مستعمرات إسرائيل الشمالية ليحل محله حزب الله الأكثر كفاءة بعنوان إسلامي وتعاون ودعم سوري بتمويل إيراني .
وإيران لم تكن لتسخّر حزب الله الشيعي المذهبي لحماية حدود إسرائيل ومستعمراتها ، ولا كان الحزب ليرضى بهذه المهمة اللاأخلاقية التي تتعارض مع معتقداته الدينية . ولكنها التقية المذهبية الدينية ، إذ كانت الوسيلة الوحيدة لخداع الرأي العام اللبناني والعربي لجعل سلاح حزب الله سلاحاً شرعياً بمواجهة سلاح الجيش اللبناني في تخطيط إيراني مستقبلي لوضع يده على السلطة والحكم في لبنان وجعله محمية إيرانية كما حال العراق وسوريا ، واليمن حتى الأمس القريب .
رغم هذا التعاون الإستخباراتي والعسكري الوثيق بين طهران وتل ابيب فإن تهديدات إيران على لسان خامنئي ونجاد لم تكن لتتوقف عن محو إسرائيل عن الخريطة ولا تهديدات نتنياهو بقصف المفاعلات النووية الإيرانية وإسقاط النظام في طهران ؟!
فما جدية تلك التهديدات وما دوافعها ؟
قد يتبادر للبعض من المطلعين على بواطن الأمور ان ذلك الخلاف مجرد توزيع ادوار بين تل ابيب وطهران ومجرد تمثيلية لاأساس لها ، إلا ان الواقع غير ذلك بل إنها تهديدات جدية من قبلهما .
وإن كانت إيران عاجزة عن تنفيذ تهديداتها لضعفها العسكري إلا انها تعبر عن مكنونات حقيقة لديها في التمني بإزالة إسرائيل فيما لو كان لديها المقدرة على ذلك .
ولنأخذ دوافع كل منهما على حدة لنفهم أسباب هذا العداء وخلفياته .
الخلفيات الإيرانية : رغم التعاون الوثيق بين طهران وتل ابيب على الصعيدين الإقتصادى ، واللوجيستي والمخابراتي في سوريا والعراق ولبنان ، فإن إيران لاتنفك عن تهديد إسرائيل رغم عجزها عن ذلك مما يعني انه مجرد تهديد ديماغوجي فارغ عديم الجدوى ،إلا أن القصد منه دعم حزب الله أمام الرأي العام العربي كحزب معادي لإسرائيل على مذهب ولاية الفقيه الإيراني ، ولإزعاج امريكا التي ترفض مساواتها بإسرائيل في الإعتماد عليها منذ ان تحالفت معها في حرب العراق أو الأعتراف بها كدولة عظمى .
وكأن امريكا هي من تعين وتحدد الدول العظمى وليس قوة البلدان الداخلية على الصعد الإقتصادية والمالية والصناعية والعلمية والعسكرية التي تفتقدها إيران بأجمعها مع تفرغها لاعمال الإرهاب اللامجدية ضد العالم العربي الذي خصصت له إنفاقاً مالياً غير محدود على حساب نهوض شعبها وتقدمه ، بما يصب في مصلحة إسرائيل ويضر بالقضية الفلسطينية عن غير قصد منها دون شك .
إذ انها تعتقد بأنها في اعمالها الإرهابية ضد العالم العربي تستطيع ان تقنع امريكا والغرب بجدوى الإعتماد عليها كحليف وحيد في الشرق الأوسط بديلاً عن إسرائيل بعد ان اثبتت كفاءتها في حماية حدودها من الهجمات الفلسطينية والإستحواذ على العراق وسوريا من خلال مليشياتهاالمذهبية من شعوبيي الداخل بما عجزب عنه إسرائيل على مدى عقود طويلة منذ قيامها وحتى الآن ، وذلك لقصر نظر حكامها الذين وقعوا أسرى نظرية قرب ظهور المهدي الذي سيخلص العالم من الشرور ويوالي إيران ويجعلها زعيمة على العالم .
ونظرية الظهور المهدية تلك لاتزال تتوالى في كل قرن أو عقد من الزمن في العراق وإيران ودول عدة منذ الف عام وحتى الآن دون اي ظهور حقيقي سوى في الإعلام والمراكز الدينية التي نشأت في الأصل من الفقه الإيراني ، بتأثيراته العقائدية الفارسية دون سواه واخذتها المذاهب الأخرى عنه مع ضعف الدولة العباسية وتخلف الإجتهاد وضياعة في سفسطات وفلسفات غريبة مع هيمنة أئمة الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام على وضع الحديث .
الخلفيات الإسرائيلية : التهديدات الإسرائيلية ضد طهران لاتقل عن مثيلتها الإيرانية .إذ ان مسؤولي تل ابيب لاينفكون عن التهديد بقصف المفاعلات النووية الإيرانية وإسقاط النظام الإيراني الإرهابي سبب الشر في المنطقة رغم العلاقات الوثيقة السرية والعلنية بينهما على صعد عدة .
فما حقيقة ذلك ؟ وهل ان إسرائيل جادة فعلاً بإسقاط النظام الإيراني ؟!
لو نظرنا الى الوقائع على الأرض فإنه لامصلحة لإسرائيل باسقاط النظام الإيراني ، بل ولربما هي الأكثر تمسكاً به من خامنئي نفسه ومن الملالي ومن الحرس الثوري ، ويعود ذلك انها الأكثر إنتفاعاً من النظام الإيراني من بين دول العالم اجمع ومن الشعب الإيراني نفسه الذي يعاني الفقر والجوع بفعل مماراسات حكامه بالإنفاق على تصدير الثورة التي تستنزف معظم مداخيلهم النفطية .
وإيجابياته العديدة بالنسبة لإسرائيل هو انه قد سخر ميليشيا حزب الله لحماية حدودها ومستعمراتها من هجمات المقاومة الفلسطينية دون ان اي إنفاق مالي من قبلها ، كما كان يجري الحال من قبل ان يأتي النظام الإيراني ويتفاهم معها على هذا الأمر من خلال يهود أوروبا .
كما وان إيران نجحت في بث الإرهاب بين العرب وإذكاء حرب مذهبية شعوبية ، والى تفتيت جيشي العراق وسوريا واليمن بما لم تكن تحلم به امريكا أو تل ابيب عدا شق الصف الفلسطيني بما تبذل طهران من سخاء مالي للأحزاب المعارضة لحكوماتها وللمنظمات الفلسطينة المعارضة للسلطة بما ادى الى عرقلة قيام الدولة الفلسطينية .
ولكن الأهم من كل ذلك هو ان إسرائيل من خلال اليهود الإسرائيليين من اصل إيراني قد وضعوا أيديهم على كل التجارات الإيرانية من استيراد وتصدير بما فيه النفط والسجاد والمنتجات الزراعية وبعض مكونات المفاعلات النووية ، لان إسرائيل هي الوحيدة التي تستطيع ان تتجاوز العقوبات دون اي محاسبة ،الى حد أن الرئيس جورج دبليو بوش قد تمنى عليها في خطاب علني قبل إنتهاء ولايته باسابيع ان تتوقف عن تسويق البضائع الإيرانية من سجاد وفستق وغيره من المنتوجات ، لأن ذلك يضعف مفعول العقوبات الدولية ضد إيران .
لذا فإن إسرائيل من خلال اللوبي اليهودي في امريكا عمدت الى تأخير المحادثات النووية على مدى اثني عشر عاماً خوفاً من رفع العقوبات عن إيران ، لانه عندها ستستغني طهران عن خدماتها لتقوم هي بتسويق بضائعها واستيراد حاجياتها مباشرة دون حاجة لوساطة يهود إسرائيل .
ومن هنا فإن إسرائيل تهدد وتسمع أمريكا واوباما بالذات لتعاطفه مع إيران ، بأنها ستقصف المفاعلات النووية الإيرانية بما قد يؤدي الى إسقاط النظام الإيراني الذي تحتاجه أمريكا في اعمال الإرهاب ضد الدول العربية ، إذا لم يتم تجميد العمل بالإتفاقية النووية وإعادة النظر فيها . على أمل ان تمتد المفاوضات إلى مالانهاية لإبقاء العقوبات على حالها بحيث تظل إسرائيل المهيمنة على الإقتصاد الإيراني .
لذا ليس من المستبعد ان تعمد إسرائيل الى قصف المفاعلات النووية كعملية إنتقام لوقف مصالحها مع إيران إن لم تبادر إدارة اوباما الى وقف العمل بهذه الإتفاقية .ولكن مع تمسك اوباما بها فإن اسرائيل اتجهت نحو الكونغرس ، وإلى الحزب الجمهوري بالذات من خلال اللوبي اليهودي للعمل على وقفها وإبطالها والعودة الى نقطة الصفر في المفاوضات ، لتعود مصالحها في الإستفادة كما كانت عليه قبل إبرام الإتفافية .
والواقع إن المصالح الإسرائيلية الإيرانية اصطدمت مع مصالح الشركات الغربية من امريكية وأوروبية وروسية التي تسعى الى الإستفادة من 150 مليار دولارإيرانية مجمدة بفعل العقوبات ، لهذا سعت من خلال حكوماتها الى الضغط على امريكا للإسراع في انجاز الملف النووي الإيراني كيفما اتفق ، خاصة وانهم هولوا على إيران وخدعوها من خلال بريطانيا وروسيا والمانيا بانه في حال امتنعت إيران عن توقيع إلإتفاقية ضمن مهلة زمنية محددة فإن صقور إسرائيل قد اعدت العدة لقصفها وتدمير مفاعلاتها على غير راي القيادة السياسية .