تأليف : محمد السويسي
لكل بلد في العالم عاداته وأعراسه التي تختلف من منطقة الى أخرى التي تتغير مع الوقت وفقاً للتطور العلمي والحضاري والمديني .
وسوف أقصر مقالي بالتحدث عن الأعراس في مدينة طرابلس الفيحاء اللبنانية خلال القرن الماضي من بداياته حتى منتصف الخمسينات منه حيث كان الحجاب هو السائد لجميع نساء المدينة المسلمات من صبايا ونساء قبل أن ينحسر الى منديل أسود أو ملون يغطي الرأس نهاية الخمسينات ومن ثم السفور كالأجنبيات مع تقدم العلم والتعليم المدرسي والجامعي الذي اقتضى الإختلاط .
لذا فإنه قبل السفور كان لايستطيع الشاب الزواج إلا برأي أمه او أخواته وقريباته حيث يختارون له العروس التي يجدونها ملائمة له وفق مواصفات يعرضها لهم سلفاً لإنتقاء شريكة حياته .
وكان بعض أهالي العروس لايمانعون في إعارة صورة لإبنتهم بغطاء الرأس لعرضها على العريس . كما كان هناك خاطبات يحملن بعض الصور ويتنقلن بها بين البيوت من معارفهن ، إلا انهن كن قلة نادرة لايعتمد عليهن إلا في الطبقات الشعبية والدنيا.
وعندما كانت تتم الموافقة على العروس برأي الأم غالباً ، كان العريس يتوجه مع والديه الى بيت العروس لطلب يدها من والدها او ولي امرها بحيث يتاح له ان يشاهدها وهي تقدم له ولمرافقيه أكواب من شراب الليموناضة التي هي عبارة عن عصير الليمون الحامض ممزوجاً بالماء ومحلى بالسكر مع قطرات من ماء زهر النارنج الفوّاح .
بعد تقديم الشراب تجلس العروس باستحياء وخفر لاترفع عيونها عن الأرض بجانب والدتها . عندها بعد الإنتهاء من شرب الأكواب يهمس العريس في أذن امه بالموافقة او الرفض . إلا ان الرفض نادراً ماكان يحدث خوفاً من إغضاب الشاب لوالده وامه وأهله . وإن تمت الموافقة ينتحي العريس مع والده ووالد العروس جانباً ليتفقوا على المهر من مقدم ومؤخر ومكان السكن وعن موعد العرس للإنتقال الى بيت الزوجية .
اما عن المقدرة المالية ونوع العمل فيكون قد تم السؤال عنها من الأم عند زيارتها الأولى ، إلا أنه يتم التأكيد عليها من العريس .
ولكن الموافقة على العريس للحضور الى البيت لطلب عروسه لاتتم إلا من بعد اسبوع او اسبوعين من زيارة الأم لبيت العروس و طلب يدها لإبنهم ، ليتمكن والدها من السؤال عن اخلاقيات الشاب وقدراته المالية وسلوكه في العمل او المهنة أو الوظيفة .
بعد أن تتم الموافقة على العروس وعلى جميع الشروط من الطرفين ، تقرأ الفاتحة ليسمح للعريس التحادث مع عروسه للتعرف عليها جيداً قبل الإقتران بها وللتفاهم معها على إعداد العرس والمدعوين ، إلا ان حضوره يكون بوجود والديها وإخوتها واخواتها ليجلس مدة نصف ساعة تقريباً بالقرب منها يتحادثان ثم ينصرف على أن يتم عقد القران أو "كتب الكتاب"خلال ايام قليلة من هذه اللقاءات ، دون ان يسمح لها بالمغادرة معه الى أي مكان .
وكان يتم عقد القران من قبل المأذون ووكلاء العروس والعريس في منزل والد العروس بحضور الأهل ليوزع الشراب ومن ثم الملبس في صرر على المدعوين إحتفالاً بالمناسبة . وإذا تم عقد القران بحضور الأصدقاء والمقربين فيوزع الملبس في علب خاصة بهذه المناسبات ، فضية أو زجاجية ، إلا أنه لاتظهر العروس ابداً إلا بعد ذهاب المدعوين باستثناء الأهل .كما ولايتم تحرير العقد إلا سؤال المأذون للعروس برفقة والدها، من خلف باب غرفة غرفة جانبية لتطل برأسها بحضور امها واهلها ، إن كانت توافق على العريس ام لا.
الإعداد للعرس : بعد ان يتم عقد القران بحضور المأذون والشهود وتحديد المهر المتفق عليه عند الخطبة يسمح للعريس الخروج مع خطيبته ، بعد تبادل تلبيس الخواتم الذهبية من قبل العريس والعروس ، شرط ان ترافقها امها او أخوها وذلك لشراء فستان العرس وشراء "العلامة "أو "النقوط"وهي عبارة عن عقد وأساور وخواتم ذهبية تقدم من العريس ومن أهلها ، كل على حدة ، وفق قدرات العريس المالية وقدرات أهلها ، اما نفقات العرس فهي على أهل العروس كاملة ، إلا انه من الممكن القبول بتقديم الفستان من العريس إن أصر على ذلك .
أم العرس فيتم في بيت أهل العروس لتخرج من بيت أهلها الى بيت الزوجية بعربة تجرها حصان او بالسيارة .
ويتم تحديد العرس خلال أيام ما أن يتم الإنتهاء من شراء "العلامة" ومن خياطة فستان العرس ، أي خلال شهر من عقد القران حيث يتم الإتصال بمتعهدات الأعراس الذين كن لايتجاوزن الثلاثة او الأربعة متعهدات في كل المدينة .
إلا أن اشهرهن "أم جميل "السورية ، التي كانت كبيرة السن وقوامها كقوام الممثلة مديحة يسري في بعض أفلامها في دور العالمة في المقاهي والحانات ، حيث كانت "أم جميل مع الحمرة والبودرة الفاقعة على وجهها والشامات السوداء تضع الكحل حول عينيها بشكل ظاهر وأقراط الألماس والذهب تتدلى طويلة من اذنيها مع عقود الألماس والذهب تطوق جيدها مع حزمة من أساور الذهب تلتف حول ساعديها الإضافة لخلاخل الذهب حول كاحليها حتى حافة بابوجها الأحمر .
ولكن شهرتها كانت في قدرتها الفائقة في العزف على العود الذي يرافق فرقتها من راقصة ومغنية وضاربات على الطبل والدفوف والصنوج بمشاركة صبايا العرس في التصفيق والرقص الحماسي والمشاركة بالغناء الى مابعد منتصف الليل حيث يأتي العريس ويجلس على "البرزة"مع عريسه دون وجود أي رجال آخرين في الحفل لتنطلق الزغاريد والغناء مجدداً الذي يتعالى ويزداد مع بدء العريس تلبيس "العلامة "من الذهب والألماس لعروسه لتبدأ بعدها النقوط من خواتم وعقود واساور وليرات ذهبية من الأهل والمقربين ، ومن ثم ليأخذ عروسه بعد وداع أبويها واخوتها واهلها جميعاً على الباب والشرفات حتى تغيب في عتمة الليل لرحلة زوجية طويلة .
تتخلل الحفل ، الذي يقتصر على النساء دون الرجال ، فترات استراحة لتستريح المغنية والراقصة التي تذهب الى غرفة خاصة لتستبدل بذلة الرقص بأخرى من لون آخر من اصل سبع بذلات ، هذا إذا كانت إذا كانت عدد ايام العرس سبعة ايام ، أما إذا كان العرس لثلاثة ايام فتستبدل الراقصة ثلاث بذلات فقط ، مع سبع استراحات يوزع خلالها سبعة انواع من النقولات ، اي من السكاكر والشكولاه وعرموش الفستق والنوجه والحلقوم والملبن كما وأصناف اخرى مختلفة .
وقد يكون هناك أكثر من مغنية واكثر من راقصة وفق رغبة اهل العروس أو مصلحة "أم جميل "التي كانت تتقاضى خمس ليرات ذهبية عن كل يوم عرس يوماً بعد يوم إلى ان ينتهي العرس تدفع لها سلفاً قبل بداية مساء الحفل .
لذا كان العرس على هذا المستوى مكلفاً جداً لايقوى عليه إلا الأثرياء من الطبقات الوسطى الغنية وما فوق .
اما الآن فمعظم الأعراس تقام في الأوتيلات وصالات الأفراح في المدينة وخارجها المخصصة لذلك التي تبلغ كلفتها بالنسبة للطبقات الوسطى حوالي 25 الف دولار على اقل تقدير وفقاً لأعداد المدعوين الذي يصاحبه غداء فاخر ، اما بالنسبة للأثرياء فلا تقل كلفة العرس الواحد عن المئة الف دولار .
ولكن ما يؤلم ان الطبقات الوسطى التي تصر على هكذا أعراس تحمّل نفسها مالايطاق احياناً ، حيث تستدين مبالغ ضخمة من اجل إقامة هذا العرس في منافسة مع الأصدقاء والأقرباء الذين سبقوهم .
وأختم بأن الأعراس عادات سخيفة لامعنى لها ، إذ انها هدر اموال في غير محلها .فقد تكون مبهجة للنساء .ولكنها كم هي سخيفة للرجال إن حضروها .
سابقاً كانت تقام للنساء ، مع الرقص والغناء والزغاريد تمتد من ثلاثة الى سبعة ايام، على عكس اليوم حيث اصبحت مختلطة للرجال والنساء مع بذخ وتبذير مالي وهدر لليلة واحدة. من هذا المنطلق فإني لاأحضر عرساً حتى لو كان لأقرباء أو مقربين .