في زيارة الرئيس المؤقت عدلي منصور لليونان البارحة، 20 يناير 2014، أهداه الرئيس اليوناني "تاج الجزيرة"، نسخة طبق الأصل من إكليل غار برونزي مذهب مقدوني مرصع بدوالي توت، من القرن الأول قبل الميلاد. إلا أن الزيارة يبدو أنها انتهت بما لا يرضي اليونان كما رشـَح في بيان رئيسها. وأرجو أن يكون ذلك اصلاحاً لبعض الحيف الذي أصاب مصر من اتفاقية تقاسم المكامن الطاقة مع قبرص الموقعة من خمس أسابيع، 12 ديسمبر 2013، فقد كانت مهينة لمصر في شقيها. الشق الأول فرض على مصر منطقة حظر تنقيب بدون موافقة قبرص في حزام عرضه 10 كم داخل المياه المصرية، دون فرض حزام مماثل في المياه القبرصية. والشق الثاني من الاتفاقية هو إرساء أسس تقاسم Unitization مكامن الهيدروكربون المشتركة. ويمتد هذا النوع من الاتفاقيات ليشمل حدود الخزان الجيولوجي الحاوي للمكمن. وكلما تم اكتشاف معلومات جديدة عن امتداد (أو انتشار) هذا المكمن الجيولوجي، فإن الاتفاقية تمتد لتشمله. ولذلك فعلى الرغم من طنطنة الإعلام القبرصي عن تلك الاتفاقية قبلها بشهر، إلى أن الإعلام المصري لم ينبس ببنت شفة عن الاتفاقية حتى بعد توقيعها وبكلمات قليلة مدغمة. ولم يجرؤ الإعلام المصري على نشر صورة حفل التوقيع (المرفقة) على تلك الاتفاقية في القاهرة بحضور الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء وكل الوزراء، في حين نشرتها كل الصحف القبرصية. طالعوا معلومات الاتفاقية في موسوعة المعرفة هنا. http://bit.ly/1eQHcsF
وبينما تشتعل المشاكل لمصر في حوض النيل وخصوصا مع إثيوبيا والسودان، وتنشب كذلك مشاكل هائلة مع ليبيا، نرى أن الرئيس المؤقت وحكومته يصبون كل جهدهم في محادثات مع قبرص واليونان، ويوقعوا اتفاقية برغم عدم وجود مجلس نيابي ليصدق عليها. فهل الأمر بهذه الخطورة ولا يتحمل الانتظار لحين وصول رئيس منتخب وبرلمان منتخب؟ أم أن توقيع تلك الاتفاقيات هي شرط الرئاسة؟ أم على الرئيس المؤقت أن يقوم بكل المهام البغيضة قبل أن يتقاعد؟
زيارة عدلي منصور لليونان
نعود لزيارة عدلي منصور البارحة لأثينا. طبعاً الدولة المصرية تمارس تعتيماً كاملاً على الموضوع. ومثلما زعموا أن الرئيس القبرصي جاء لمصر للاطمئنان على خارطة الطريق، فنحن نعرف أن اليونانيين، في أزمتهم الاقتصادية الخانقة، لن يقابلوا مسؤولاً مصرياً إلا لمناقشة ترسيم الحدود.
على غير المعتاد في الصحافة اليونانية، فتغطيتها لزيارة عدلي منصور لليونان لم تكتب كلمة عن الزيارة قبلها. وبعد الزيارة: لا تغطية بالإنجليزية إلا بيان شبه رسمي. وباللغة اليونانية، كانت الصحف اليونانية ناقلة من بعضها البعض بالحرف. فاضطررنا للانتظار للبيان الصحفي للرئيسين.
بيان (كلام) عدلي منصور فارغ (أي خاوي من أي مضمون).
ثلاث نقاط هامة ومزعجة أثيرت في زيارة عدلي منصور لليونان، وذلك حسب الصحف اليونانية والمؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين.
- أولا: ترسيم الحدود الاقتصادية كان على رأس قائمة النقاش، بإجماع الصحف اليونانية. وقد أشار الرئيس اليوناني، في بيانه، بشكل غير مباشر لخلاف يعوق التوصل لترسيم الحدود.
- ثانيا: إثارة الرئيس اليوناني لحق قبرص في مياهها الاقتصادية الخالصة "في وجه العدوان التركي"يعني أن هناك خلاف مع مصر حول تفسير مصر لذلك. وتلك النقطة تثير العجب إذ أن مصر قد وقعت اتفاقية ترسيم حدود معيبة مع قبرص في 2003، هي سبب تبجح اليونان اليوم.
- ثالثا: اقترح الرئيس اليوناني اطاراً للتعاون العسكري في مياه البلدين (وللتصنيع الحربي). وكان اطاراً سابقاً قد انقضى في 2007 ولم يُجدد. فهل ذلك هو ما استدعى لقاءً منفردا لعدلي مع وزير الدفاع اليوناني؟ اليونان تستغل رئاستها للاتحاد الاوروبي للنصف الأول من 2014، للحصول من مصر على أقصى قدر من التنازلات. ويخلط المسؤولون اليونانيون مطالبهم في ترسيم حدود غير عادل مع مصر وتنقيب في المياه المصرية مع مطالب الاتحاد الاوروبي من سلاح البحرية المصرية القيام بدور في منع الهجرة غير الشرعية، ضمن برنامج "يورو-سر". وأرجو ألا يسقط المسؤولون المصريون في حبائل تلك الحيل.
عودة للصورة الكبيرة
نعود للصورة الكبيرة، غاز شرق المتوسط. فالدنيا مقلوبة عليها. الرئيس القبرصي بعد أن فرض حظر التنقيب على مصر باتفاقية 12-12-2013 المهينة، توجه مباشرة للندن (شل؟). ويسافر غداً، 22 يناير 2014، إلى برلين. وروسيا عرضت، في مارس 2013، تسييل الغاز الإسرائيلي، ورفضت إسرائيل عرضها، في يونيو 2013. فأخذت روسيا، في نوفمبر 2013، امتياز التنقيب في المياه السورية، بشكل يمنع مرور أنبوب لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا ثم أوروبا. والصين اشترت حصة في شركة وودسايد الأسترالية التي بدورها اشترت ثلث حقل لفياثان. ونائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الطاقة، إموس هوكشتاين، يزور قبرص، اليوم 21 يناير 2014، لبحث سبل تصدير الغاز الإسرائيلي/القبرصي عبر تركيا أو مصر، وللاطمئنان على اتفاقيات الطاقة التي عقدتها قبرص مصر وإسرائيل واليونان.
يعني المفاوضات تجري على قدم وساق حول غاز شرق المتوسط، إلا مع مصر. المفاوضات مع مصر هي حول الوضع السياسي والاعتراف بحاكم أو بغيره، ومحاولة انتزاع حقوق مصر البحرية والبترولية مقابل ذلك الاعتراف.
إذا أرادت مصر أن تخرج من الضغوط السياسية التي لا تنتهي، فعلى رأس الحكم في مصر أن يتكلم مباشرة مع رأس الحكم في أمريكا عن القضايا الثلاث الرئيسية (الغاز، إسرائيل، النيل). "وكما تراني يا جميل أراك".
الصفقة
تحضرني قصة من الأندلس في عام 1428م، أجرى خوان الثاني ملك قشتالة مزاداً بين ثلاث أبناء عم مسلمين، محمد الثامن ويوسف الرابع ومحمد التاسع، على من يعطيه أكبر تنازلات مقابل تنصيبه حاكماً على غرناطة. وكلما اتفق مع واحد منهم، ولاه الحكم لمدة سنة، يجري خلالها مفاوضات مع غريميه للحصول على تنازلات أكثر حتى قتل الثلاثة بعضهم بعضاً.
هل هناك صفقة للحكم مقابل التنازل عن الحقوق البحرية لمصر منذ 2005؟
أخيراً
قناة الجزيرة تـُلِح في الاتصال بي لعرض قضية الغاز، وأرفض. ففي عهد مرسي نشرت الجزيرة معلومات مضللة حول القضية. كما لا أريد اعطاء الفاسدين مأخذاً على قضية وطنية عادلة.