Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

ذكرى قصف دريسدن (3)

$
0
0

ولبحث الأمر من وجهة نظر قانونية لابد أيضا من العودة قليلا إلى الوراء.
كانت حروب نابليون فى أوروبا تمتاز بالوحشية الشديدة والأعداد المهولة للضحايا على جانبى خط النار. فمعركة لايبزج 1813 وحدها على سبيل المثال وهى مدينة فى شرق ألمانيا كان عدد الجنود المحاربين فيها 600 ألف على الجانبين ولم تنقض الأعمال الحربية التى دامت 3 أيام إلا وقد سقط ما يزيد عن 90 ألف قتيل من الجانبين عدا الجرحى والمشوهين.
صحيح أن من يستسلم من المحاربين كان يترك لشأنه ويؤسر ولا يقتل لكن الحرب كانت لا تعفى أى مدنى من عواقبها الوخيمة. وفى أعقاب مؤتمر فيينا الذى أعاد كل شىء فى أوروبا إلى نصابه القديم وصفى الثورة الفرنسية بتخطيط وإشراف السيد ميترنيخ وزير خارجية النمسا (والأب الروحى الفكرى لهنرى كيسنجر)، فكر كثير من العقلاء فى وضع قواعد للحرب تجعلها أخف وطأة عما شهدته البشرية قبل ذلك من أهوال.
ويبدو أنها كانت فكرة محلا للمناقشة حيث أن السيد كارل فون كلاوسيفيتز الجنرال والمحلل الستراتيجى ذا النظرة الثاقبة وصاحب المؤلف المشهور للغاية عن الحروب قد أبدى رأيه فى تلك النقطة بالذات حيث قال أنه من السخف أن يحاول أحد وضع الحرب فى إطار "معتدل"حيث أنها عمل متطرف وعنيف وسوف تظل هكذا ما وجدت حروب.
ويبدو أن هذا النظر قد ساد لأربعين عاما حتى جاءت الحرب الإيطالية النمساوية بموقعة سولفرينو فى عام 1859 والتى كانت تتميز بوحشية من الجانبين حتى أنه كان من نتائجها الحسنة إنشاء أتفاقية الصليب الأحمر التى تحمى المدنيين وتحمى غير المحاربين من أطباء وممرضات وتمنح الرعاية الطبية للمصابين بغض النظر عن إنتمائهم. وقد كانت هذه قفزة هائلة للأمام فى مجال وضع قواعد يتفق عليها فى الحروب.
كما أن أخبار الفظائع الأمريكية التى كانت تقع على الجانب الآخر من الأطلنطى خلال الحرب الأهلية الأمريكية والتى جعلت الأخ يقتل أخاه فى بعض الأحيان والأب يقتل أولاده بسبب الخلاف السياسى كانت تتوارد على أوروبا مما جعل من الصليب الأحمر فكرة حرية بالتنفيذ وقد وقعت إتفاقيتها بالفعل فى عام 1863 وهذه الإتفاقية قد طبقت لأول مرة فى موقعة سيدان فى الحرب الالمانية الفرنسية عام 1870 ولكن فقط من طرف ألمانيا حيث أن جنرالات فرنسا لم يقوموا بتعريف جنودهم بحقوقهم التى ترتبها لهم هذه الإتفاقية.. وقد تناولنا هذه القصة من قبل.
ومن بعد توحيد ألمانيا عام 1871 ساد فى أوروبا سلام طويل نسبيا وكانت تلك فترة حكم الملكة فكتوريا التى توسع فى عهدها مدى الإمبراطورية البريطانية إلى منتهاه عبر كل التاريخ مما جعل كثيرا من الإنجليز وغيرهم يطلقون على هذا العصر إسم عصر السلام البريطانى Pax Britannica وهو العصر الذى يتميز بالسلام بين الشعوب الأوروبية وتلعب فيه إنجلترا دورا محوريا فى الحفاظ على هذا الحال. وهو كما نرى فكر متأثر بشدة بالنزعة المعروفة بالمركزية الأوروبية.
وعلى ذلك فقد فكرت الدول الأوروبية فى وضع إتفاق ينظم من الأعمال الحربية ويجعلها تأتى فى سياق أقل توحشا وأكثر مراعاة لظروف المدنيين من النساء والأطفال فكان أن تواضعت الدول على معاهدة لاهاى فى هولندا عام 1907 وكان محلها الحروب البرية أى أنها لم تشمل حروب البحر.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles