لقد تكلف مشروع مانهاتنالسري لإنتاج القنابل في حينه 2 مليار دولار وهو ما يعادل 26 مليار دولار بأسعار اليوم.
ومن الجدير بالذكر أن الرئيس هاري ترومانصاحب القرار قد كتب فيما بعد في تبريرات استعماله في اليابان أن ما انفق عليه 2 مليار دولار لا يمكن إبقاؤه هكذا دون استعمال لأن أموال الأمريكيين لابد من استثمارها بطريقة مجدية.
واختيار مدينتي هيروشيما و ناجازاكى له أيضا قصة لابد من أن تروي.
فقد ترك الرئيس ترومان للجنرال ماك آرثرالمسئول عن عمليات القتال مع اليابان إختيار الهدف الذى سوف يتم ضربه بالقنبلة الذرية. وقام الجنرال ماك أرثر بتفويض جنرال آخر بالإختيار الحاسم. وقد كان المعيار الذى تم إعتماده هو هدف يكون به أكبر عدد ممكن من الضحايا حتى تتوافر عينة واسعة يمكن على أساس منها دراسة التأثير الذري على حياة الضحايا. وبذلك تم إختيار هيروشيما التى كان يقطنها عدد كبير من المدنيين..
والجنرال ماك أرثركان قد تلقى ضربة يابانية على القاعدة الأمريكية فى الفليبين بعد ضربة بيرل هاربوربأقل من 12 ساعة رغم التحذير الذى صدر إليه من رئيس الأركان جورج مارشال بأن يكون مستعدا لأن المعلومات والدلائل تشير بل وتؤكد أن ضربة بيرل هاربور لن تكون الأخيرة من جانب اليابان. وقد كان ماك أرثر مغرورا معتدا بنفسه حيث أن تقديره الأولى كان أن اليابانيين لن يهاجموا الفليبين واستمر معتقدا فى ذلك رغم التحذيرات الحاسمة التى سمعها على التليفون من قيادة الأركان فكانت الهزيمة الأمريكية الثانية فى خلال 24 ساعة أو أقل.. ولو أن الزمن به إنصاف لحقت عليه المحاكمة العسكرية عن الإهمال الذى تسبب فى ضربة جديدة رغم المعرفة المسبقة. إذ أن القائدين العسكرى والبحرى فى قاعدة بيرل هابور قد فصلا من الخدمة عقب وقوع الكارثة مباشرة.
ثم أن دوجلاس ماك أرثر أخطأ مرة أخرى فيما بعد فى حرب كوريا عندما أبلغ الرئيس بأن الصين لن تهاجم ولن تتدخل فى الحرب واطمأن إليه الرئيس لكن بعد ذلك ثبت خطأ تقديره ودخلت الصين الحرب ضد الولايات المتحدة وكانت الطامة الكبرى التى دفعت الرئيس ترومان إلى إعلان حالة الطوارىء ورفع ميزانية الدفاع إلى أربعة أمثالها وكلها إجراءات جاءت لعلاج آثار أخطاء الجنرال ماك أرثر.
أما بيرل هاربورفهى ضربة تعادل ضربة 67 بالنسبة لمصر.
وعملية بيرل هاربور هى تقليد محكم لعملية ضرب الأسطول الإيطالى الراسى فى مدينة تارانتو قبل ذلك بعام واحد واستخدمت فيها بريطانيا سلاح الطيران بكفاءة عالية مع إضافة خزانات وقود للطائرات لزيادة مدى رحلتها وكانت فكرة ثورية فى ذلك الوقت.
ومن المفيد القول بأن كثير من القادة الأمريكيين ومنهم ستيمسون وزير الحربية كانوا يعتقدون أن اليابان الآسيوية لا يمكنها أن تخطط وتقوم بضربة كبيرة من هذا النوع وحدها ضد قوة غربية (أوروبية المنشأ) وأن ألمانيا لابد أنها قد ساعدتها بسلاح الجو الألمانى.. وهو ما يقع فى باب الخيالات.
وشىء من هذا القبيل وقع أيضا فى مصر فى عام 67 عندما قيل أن طائرات تحمل علم الولايات المتحدة قد سقطت على الأراضى المصرية وهو إفتراء لا اساس له وإنما هى محاولات الضباط الفاشلين من كل الثقافات لأن يتملصوا من التهمة.
وهتلر نفسه أثبت التاريخ أنه قد فوجىء بعملية بيرل هاربور فى مقر قيادته فى بروسيا الشرقية وعندما علم بذلك لم يتمالك نفسه وأمر بتوزيع الشامبانيا على الموجودين حيث أن الحرب تعتبر فى حكم المنتهية لأن اليابان لم تخسر حربا واحدة منذ 3000 عام !!! أو هكذا قال لمن حوله.
وعندما جاء وفد من رجال الكونجرس لمقابلة الرئيس لم يرو لهم عن حجم الخسائر التى وقعت للبحرية الأمريكية فى صباح ذلك اليوم بل أنه لم يصارحهم حتى بنيته فى طلب إعلان حالة الحرب من الكونجرس بمجلسيه فى الصباح التالى وأخذ يراوغ فى ردود الأسئلة. ويبدو أن السبب كان خوفه من عواقب معرفة مدى التقصير الذى إرتكبته الحكومة فى حق واجب الدفاع إذ لم يكن متاحا للولايات المتحدة إلا فرقة عسكرية واحدة يمكن إرسالها للقتال بينما كان لليابان ما يزيد على 100 فرقة وكان لألمانيا ما يزيد عن 200 فرقة مجهزة. إلى هذا الحد كانت الولايات المتحدة مكشوفة ومعرضة للهجوم.
وهذا التقصير لم يكن الرئيس يريد أن يعرف به الشعب أولا لما له من عواقب معنوية على الناس وثانيا بسبب الحرص على مكانته التارخية كرئيس أمريكى.
وحين دخل الرئيس روزفلت إلى سريره بعد منتصف ليل ذلك اليوم الرهيب بعد سهرة طويلة مع المسئولين لم يفت عليه قبل الدخول للنوم أن يلتقى المدعى العام الأمريكى وقتها الذى طلب منه أن يصدر قرارا باعتقال الأمريكيين من أصل يابانى حيث أنهم يمثلون خطرا على الأمن القومى لأنه من غير المعروف إلى أى جهة سوف ينحازون. ولم يتردد الرئيس فى إتخاذ القرار وصدر بالفعل فى تلك الليلة وبدأت الإعتقالات والوضع فى معسكرات خاصة لعدد 92 ألف شخص من ذكر وأنثى وشاب وعجوز، هكذا بلا محاكمات ولا تهم ولا أساس. . وهو إجراء لو قامت به أى دولة فى عالمنا هذا اليوم لكان مدعاة لسخط أمريكى كبير علي من إتخذه !! وهذا يعد من القرارات التى لا تشرّف الديموقراطية الأمريكية بأى شكل من الأشكال ولا يتحدث فى شأنه اليوم متحدث.
والحقيقة أن القنبلتين اللتين ألقيتا على اليابان لم يفتحا بابا للتفوق الأمريكى العسكرى بل لقد كانا مجرد الفصل الختامى من إعداد العالم للتفوق الأمريكى الكامل والكاسح. ومن المؤكد أن للرئيس فرانكلين روزفلت أثر هام جدا على تلك النقلة الهائلة لبلد لا يملك جيشا يزيد فى قوته عن جيش دولة لا إهتمام عسكرى لديها كالسويد إلى مرتبة بلد له السيادة العسكرية المطلقة وأهم منها السيادة الإقتصادية التى تحققت فى مؤتمر بريتون وودزالذى عقد قبل نهاية الحرب فى فترة رئاسة روزفلت ذى الرؤية الثاقبة. والحقيقة أن المرء لا يملك إلا الإعجاب بالقدرة والتناغم الذين كانا من مميزات حكم ذلك الرئيس. فمؤتمر بريتون وودزهذا عقد فى يونيو عام 1944 أى بمجرد تواتر أنباء نجاح الإنزال البرى والبحرى على نورماندى لتحرير أوروبا. وروزفلت كالعادة كان سريعا لم يضيع وقتا طويلا فى كل ما وقع من مواقف من قبل. فالسعى إلى السيادة المطلقة لم يتوقف لحظة منذ قامت الحرب سواء فى مد إنجلترا بالمستشارين العسكريين أو بالمواد الغذائية أو بالبترول أو حتى بمحاولة إصطناع وإختلاق هجوم ألمانى بالغواصات على سفن أمريكية (كما حدث فى الحرب الأولى) لكى يتم تبرير دخول أمريكا الحرب. ذلك أنه كان يدرك أن من سينتصر فى تلك الحرب سوف يساهم فى تشكيل أقدار العالم بصفة أساسية عقب نهايتها، فهى حرب أوروبية !!!
وبنظرته الإقتصادية الثاقبة رأى أن التوسع العسكرى لليابان هو مما يهدد كل منطقة المحيط الهادى فقرر أن يفرض عليها حظرا بتروليا وكان ذلك هو السبب المباشر لهجوم بيرل هاربور حيث يرسو أسطول المحيط الهادى الذى كان يمكنه صد زحف اليابان على مصادر البترول فى جاوة. وهذا الشأن البترولى يجعلنا نضع ما عرفنا من كلامه إلى مستشاره بيرنزبعد ذلك فى شأن البترول وضعا له قيمة مختلفة ودلالة عميقة. فهو خبير بترول بالفطرة الإستراتيجية. ولا ننسى هنا أنه قد إفتتح رئاسته بالإصرار على إنفاذ قوانين النيو ديل التى قلبت الحياة التشريعية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية داخل الولايات المتحدة وزادت من هجوم أعدائه عليه حتى أن رئيس المحكمة العليا كان يجاهر بأنه لن يمرر صفقة النيو ديل "طالما كان هذا المقعد إبن العاهرة مقيما فى البيت الأبيض" !!!
ومن اللطائف فى شأن هذا الرئيس أنه عندما وقعت الغارة اليابانية وصمم على أن يقف على ساقيه أمام الكونجرس بمجلسيه ليطلب منهما إعلان حالة الحرب على اليابان حتى لا يبدو ضعيفا عاجزا عن مواجهة الموقف العصيب رأت إدارة مكتب التحقيقات الفدراليأن السيارة التى يستخدمها فى تنقلاته ليست صالحة فى حالات الخطر حيث أنها ليست ضد الرصاص. وكانت قد صدرت تعليمات منذ ايام الأزمة الإقتصادية الكبرى بعدم شراء سيارات حكومية بثمن يزيد عن مبلغ 750 دولار فقط !!! وهو بالطبع مبلغ تافه لا يشترى سيارة مصفحة ضد الرصاص. وهكذا لم يكن فى كل ممتلكات الدولة سيارة تصلح لهذا الغرض..وعندما أصر مكتب التحقيقات الفيدرالى أن هناك خطر على حياة الرئيس من عملية إغتيال يقوم بها عملاء اليابان تفتق ذهن وزير المالية عن أن سيارة رئيس عصابة المافيا آل كابون هى سيارة قوية ومصفحة ضد الرصاص وكانت فى حيازة وزارة المالية إقتضاءا لدين ضريبى على هذا المجرم. وبالفعل جاءوا بهذه السيارة واستقل روزفلت سيارة رئيس عصابة المافيا كابون من البيت الأبيض إلى الكونجرس لكى يخاطب الأمة ويشد من أزرها ويعلن حالة الحرب. أما خطابه أمام الكونجرس فله قصة أخرى
ومقررات مؤتمر بريتون وودز هي التي رفعت الولايات المتحدة وعملتها وسندات خزانتها العامة الي مرتبة القوة العظمى حيث تم ربط أسعار السلع الأساسية بالدولار الذي حل محل الجنيه الاسترليني كاملة قابلة للتحويل من كل العالم وبذلك أصبح العالم بأسره يقرض الولايات المتحدة بسعر الفائدة الذي يرضيها بل بالسعر الذي يقرره مجلس الاحتياط الفدراليالذي هو بمثابة البنك المركزي الأمريكي.
وكلها إنجازات عهد روزفلتذي البصيرة.