Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

نظرة إلى آفاق الاتصالات في القرن 21 الخصوصيّة المعاصرة في ظل تهديدات "فايسبوك"- "واتس آب"

$
0
0
لنفكر للحظة في كمية المعلومات التي يمكن تجميعها عن كل فرد، عبر الثنائي "فايسبوك"- "واتس آب"؟ لنختصر التفكير الطويل بسؤال معكوس: ماذا يبقى من مناحي حياتنا وعلاقاتنا وخططنا وأفكارنا وحواراتنا ومساراتنا وعائلاتنا و...، خارج ما نضعه يومياً، بل لحظة بلحظة، على هذين الموقعين؟ لنفكر أنهما يصبحان شيئاً واحداً، ما هي كمية المعلومات المتضمّنة فيهما عن كل فرد منا؟ ماذا يعني وصول "فايسبوك"إلى قائمة أرقام الهواتف المتضمنة في صفحاتنا على "واتس آب"؟ هناك من يُهرّب خصوصياته من "فايسبوك"الذي يتقاسمه بالتعريف مع آخرين (أليس هو شبكة؟)، إلى "واتس آب"حيث الخفاء الوثير لجهاز الخليوي الفائق الخصوصيّة. ماذا يحدث عندما يمتزج "المنكشف"الفايسبوكي مع الممتنع عن الانكشاف والخفي في الخليوي و"واتس آب"؟ الأرجح أن ثمة مروحة هائلة من النقاشات التي تتقاطع عند الخصوصيّة، لكن لا تختزل بها، في ولادة هذا العملاق المزدوج "فايسبوك- "واتس آب"!
 
أجساد مرصودة
 
لندخل الى عوالم اخرى. ألا يسجّل الخليوي تنقل أجسادنا، عبر بثّه المتواصل مع أعمدة الشبكات، وكذلك الأجساد التي تقترب منا أو تبتعد عنا، وعلى مدار الساعة؟ كيف يكون المهرب من العملاق المزدوج "فايسبوك"- "واتس آب"، خصوصاً عندما يخترقا، بل حتى عندما تحصل مؤسسات أمنية على معلوماتهما مجمّعة ومُنسقة؟ لنتخيل أن "داتا"الاتصالات التي أدّى مسار التحقيق في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري إلى وصولها باستمرار إلى الأجهزة الأمنية، لنتخيل أنها مُزجت مع المعلومات والكتابات والتدوينات والصور الموجودة على "فايسبوك"و"واتس- آب"، ماذا تكون الخصوصية؟ ماذا يكون الفرد؟ كيف نرسم صورة التفاعل- الصراع بين الفرد الاتصالي المتعدد من ناحية، والمجتمع ومؤسسة الدولة (وهي معولمة أيضاً) في  للقرن 21؟
 
تُلحّ هذه الأسئلة عند التفكير بصفقة شراء موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"العملاق، مع تطبيق "واتس آب"للتواصل بالنصوص والصور عبر شبكات الخليوي (مع ملاحظة وجود مؤثّر متفاوت لكلا الطرفين على الوسيط الذي يتعملق فيه الآخر، بمعنى حضور "فايسبوك"على الخليوي، وحضور "واتس آب"على الانترنت). هناك نقاش فوّار معاصر عن أثر حضور "أنا"الفرد بطرق متعدّدة، وعبر وسائط متنوّعة. كيف يمكن ملاقاة هذا الفرد الاتصالي الذي يبدو أقرب إلى "ثقب أسود"يلتهم ما يقرّب إليه من وسائل للاتصال، بل يطلب المزيد دوماً، حتى لو هددته بالابتعاد عن التواصل الأساسي: التواصل الإنساني المباشر بين البشر.
 
إذا كان الفرد الاتصالي في القرن 21 يبثّ نفسه، لحظة بلحظة، في أشكال متعدّدة، وعبر وسائط متنوّعة، فأي وسيلة تقنيّة تتناسب مع هذا التعدّد الفردي الفائق المعاصرة؟ ماذا ينجم عن التلاقي بين ممارسة التفاعل الاجتماعي للفرد على الانترنت، مع عوالم اتصالاته عبر الشبكات الخليوية؟
 
شاشة بسطوات متشابكة
 
ربما لم يفكر مارك زكربرج بهذا البعد الفلسفي في الاتصالات المعاصرة (لعله فكّر. من يدرِ؟)، لكن من الممكن استحضار بُعدٍ آخر في هذا الأمر: ميل متصاعد غرباً عند الشباب لهجران "فايسبوك"، مقابل صعود هائل في استعمال تطبيق "واتس آب"للتبادل مواد ميلتي ميديا (النصوص ضمنها، على رغم أنها كانت البداية في هذا التطبيق). في صفقة "فايسبوك"- "واتس آب"ما هو أبعد من مجرد الردّ على تراجع الجمهور عن وسيلة اتصال. في هذه الصفقة، يتلاقى الوسيط الافتراضي لشبكة الانترنت (هي شبكة كوابل وكومبيوترات أساساً)، مع الوسيط اللاسلكي العالمي للخليوي الذي يتعامل معه "واتس آب". هناك لقاء لعالمين متقابلين. يتمثل أولهما بالشبكات الاجتماعية الرقميّة التي تنسب إليها أمور لا تحصى في المجتمعات المعاصرة (تبتدأ بالتغيير السياسي ولا تنتهي عند تغيير معنى "الاجتماعي"وكون الإنسان هو "كائن اجتماعي"كفرد). ويحضر الاجتماعي الرقمي المتشابك عبر "فايسبوك"وهو شبكي يستند إلى الكومبيوتر ولوح "تابلت"وما يشبههما. ويتمثّل الثاني بتطبيق "واتس آب"الاتصالي، الذي يعتمد أساساً على أداة مفردة، إذ يجمع على شاشة الخليوي أساساً، تجارب متنوّعة كالـ"أس أم أس"لتبادل النصوص الخليوية القصيرة، والتدوين النصّي القصير "مايكروبلوغ" Micro blog الآتي من عالم الشبكة العنكبوتية وتجارب الـ"بلوغرز"، و"سكايب"للقاءات المرئية- المسموعة، وتبادل أشرطة الفيديو في "يوتيوب"الذي هو أيضاً أرشيف للمرئي- المسموع، بما فيه التلفزيون والسينما!
إذاً، يجمع الثنائي الاتصالي "فايسبوك"- "واتس آب"هذه التقنيّات والوسائط والأدوات كلها في واحد، سواء أكان هذا الواحد خليوي أو كومبيوتر أو "تابلت". الأرجح أن "الواحد"هو الشاشة الرقمية. ثمة مفارقة من المهم تأمّلها: ذوبان "شاشات"لا حصر لها، في "شاشة"واحدة تتعامل مع فرد اتصالي يدأب على بثّ نفسه بتعدّد واسع.
 
تهديدات متنوّعة
 
من الصعب ترك هذه المعطيات دون الدخول، ولو لبرهة خاطفة، الى العالم المسحور للخصوصيّة الفردية في القرن 21. يستطيع هواة الفلسفة التأمل طويلاً في العلاقة بين مفهومي الفردية والخصوصيّة. تصعد الفلسفة الانسانية بالفرد الى مرتبة شبه ألوهية عبر كوجيتو ديكارت الشهير "أنا أفكر، إذن أنا موجود". في المقابل، تعطي فلسفة ما بعد الحداثة للفرد أبعاداً أكثر بساطة ولكنها أكثر تعدداً في الوجود والهوية، عبر أفكار لجيل مُفكّرين ممتد من كلود-ليفي شتراوسإلى جان بودريار. وتتصل الخصوصيّة بهذا النقاش بشكل وثيق: أين يبتدأ الفرد، وكيف يرسم حدوده جسدياً وفكريّاً، في المجتمع؟
 
من المستطاع الهبوط إلى أرض الوقائع بهذا النقاش، ربما عبر التفكير بموجات النقاش عن الخصوصية التي أثارتها ممارسات الأفراد عبر "فايسبوك" (وكذلك في "يوتيوب"و"انستاغرام"و"فليكر"وغيرها). إذا صوّرت مراهقة نفسها في ثياب "خفيفة"ونشرت صورتها عبر وسائل متنوّعة، أين تبدأ حدود الخصوصيّة وأين تنتهي؟ إذا نشر "كوبل"لمحات من تجاربهما الحميمة على الشبكات، كيف نفكر في الخصوصيّة؟ بقول آخر، إذا اختار الفرد الانكشاف، هل يكون مكشوفاً فعلياً، وكيف تكون خصوصيته؟
 
في معنى أقل تجريداً وأكثر عملانية، هناك المعلومات التي يضعها الأفراد عن أنفسهم في الشبكات الاجتماعية. لنفكر أنها مهمة تماماً. لنفكر أن أجهزة الدولة والاستخبارات تهتم بهذه المعلومات على يصعب الاستخفاف به، وفق ما أظهرته تجربة إدوارد سنودن بالنسبة للممارسات "وكالة الأمن القومي"الأميركية. طالما اتُّهِمَ "فايسبوك"بأنه يبيع معلومات خاصة بالأفراد الى شركات الاعلانات، من دون علمهم. ووُجّهت إليه أصابع الاتهام بالتواطؤ، بمعنى ما، مع مؤسسات استخباراتية كـ"وكالة الأمن القومي". ليس "واتس آب"ببعيد عن هذه التهم، خصوصاً أن مصادر تمويله ليست واضحة تماماً في تطبيق يبيع خدماته مجاناً. لطالما غيّر "فايسبوك"شروط الخصوصيّة على موقعه، خلال السنوات الماضية. وفي كل مرّة، تثور ثائرة جماعات الدفاع عن الحقوق الرقمية ونشطاء حماية الخصوصيّة الفردية. (بالمناسبة، من قرأ فعليّاً تلك النصوص الطويلة التي يشترط الموافقة عليها قبل الوصول الى خدمات شبكية كثيرة، منها "فايسبوك"، بدل الاكتفاء بالنقر على زر "أنا أوافق" I agree)، الذي لا بد منه تحت طائلة غير منظورة بعدم الوصول الى تلك الخدمات)؟ للحديث بقية.

Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles