الدولة وسنينها
نحن الآن فى عام 1947 فى ألمانيا المهزومة.. فى مكتب حكومى بالقرب من مدينة هانوفر فى شمال ألمانيا.. وسبب وجودنا هناك فى ذلك التوقيت هو إعادة الأسرى الألمان الذين أسرهم الإنجليز فى الحرب إلى بلادهم وبالتالى بما أنهم أسرى القوات البريطانية فيكون نزولهم إلى ألمانيا على أرض القطاع الإنجليزى من ألمانيا المحتلة بواسطة 3 قطاعات رئيسية، سوفيتى فى الشرق وبريطانى فى الشمال وأمريكى فى الجنوب بالإضافة إلى قطاع تم تخليقه فى الجنوب الغربى لفرنسا التى كانت فى الأصل دولة مهزومة قام الألمان باحتلالها لمدة 4 سنوات كاملة ولما وضعت الحرب أوزارها توسط تشرشل لدى ترومان لكى يعطى "الأمة العظيمة"قطاعا فى ألمانيا وكأنها دولة منتصرة، رغم أن ذلك غير صحيح..
وسبب وجودنا بالذات فى هذه المنطقة هو وصول أحد المقاتلين الألمان الذين أسروا فى تونس على يد الإنجليز ثم تم ترحيله إلى إنجلترا حيث أطلق عليه الإنجليز البولنديين لكى يسوموه العذاب تكديرا وإتعابا – ولا أقول إذلالا لأن ذلك ممنوع باتفاقيات جنيف – وعندما ساءت صحته على يد البولنديين قام الإنجليز بترحيله إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث وجد هناك رعاية ومعاملة أفضل كثيرا مما إضطر إلى قبوله فى إنجلترا..
وهذا المقاتل الألمانى كان يعمل سائقا فى وحدات الإس إس، مجرد سائق، ولكنه عن طريق هذه المهنة كان يخالط كبار الضباط فى الإس إس وبالتالى صنفه الأمريكيون عندما قرأوا ملفه على أنه عنصر إس إس..
وعلى ذلك كان عليه حضور دورة إزالة النازية من عقله وإعادة تأهيله، كما كان الأمريكيون يطلقون على هذه الدورات.. فكانوا يعلمونه كيف يمشى بدون خطوة الأوزة الإستعراضية العسكرية وكيف يستطيع ترك جسمه مسترخيا أثناء مشيته حتى يتخلص من الروح العسكرية التى جبل عليها منذ أيام القيصر وبالطبع كانوا يوجهون عقله وفكره إلى قيم الديموقراطية والتعددية ودولة القانون إلى آخره.. كل ذلك لكى يمحوا نازيته التى إفترضوا وجودها بسبب خدمته فى الإس إس...
المهم أن زوجته الشابة التى عرفت موعد وصوله إلى أرض الوطن والتى تنتظر عودته منذ عام 1943 قد توجهت بالقطار المزدحم الخانق من قريتها بالقرب من مدينة نورنبرج فى جنوب ألمانيا إلى تلك المنطقة بالقرب من هانوفر فى شمال ألمانيا وهى مسافة تقارب الستمائة كيلومتر فى زمن كان ركوب القطار فيه ترفا، حيث أن كثيرا من الجنود الألمان عادوا من روسيا سيرا على الأقدام هاربين من جحيم الأسر السوفيتى !!!
المهم أن هذه الزوجة الشابة صحبت معها طفلتها ذات الخمس سنوات والتى لم تكن تعرف من هو أبوها وأرادت أن تراه..
وفى خضم التدافع بين النساء اللاتى أردن رؤية أزواجهن وضيق الصدور وعدم إتساع المكان وصراخ الأطفال والخوف المسيطر على الجميع صرخ الموظف الألمانى المسئول عن تنظيم اللقاءات فى السيدات بأن تنتظمن وتحترمن النظام (هذه القصة وقعت عام 1947 أى قبل إنشاء جمهورية ألمانيا الإتحادية بعامين كاملين) فقالت بطلة قصتنا للموظف إنما أنت كالخروف.Du bist ein Hammel
وهنا تبدأ قصتنا الحقيقية والتى كان كل ما سبق مجرد مقدمة لها..
↧
الدولة وسنينها
↧