Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

4 - Little Boy and Fat Man

$
0
0

وقد كان وقع الضربة اليابانية شديدا جدا على نفوس الأمريكيين. فقد أدركوا أن دفاعاتهم لا تصلح لخوض حروب الغارات الجوية، حيث أن الحروب الجوية كانت لا تزال فى مهدها فى ذلك الوقت. وفى أول إجتماع مع اركان القوات المسلحة تم إبلاغ الرئيس أن أول خط دفاعى يمكنه التماسك فى مواجهة غزو أرضى يابانى محتمل عقب تلك الغارة هو بالقرب من شيكاجو !! أى أن غزوا يابانيا من جهة الغرب سوف يستحوذ على نصف البلاد فى موجته الأولى بلا مقاومة. وهذه بالطبع كارثة شديدة الخطورة.

وأظن أن حالة الهلع التى كان عليها كل مسئولى الدولة كانت سببا مباشرا في قرار إعتقال الأمريكيين من أصول يابانية حيث أن الجميع كانوا مهووسين بفكرة الغزو البرى عقب الضربة الجوية.

وفى ذلك الإجتماع عبر الرئيس عن غضبه من أن جميع أقوال المسئولين وتقاريرهم جاءت سلبية وانتقد ذلك بقوله أن أحدا منكم لم يقل لى كيف سيحارب أو ما هى خطته لمقاومة هذا العدوان بل أنكم جميعا رسمتم لى صورة قاتمة للغاية.

وكانت المؤسسة الأمنية مهمومة أيضا بنتائج إعلان حالة الحرب على ألمانيا التى كانت فى ذلك الوقت من عام 1941 قد تمكنت من كل أوروبا ووقف جنودها على أبواب موسكو. فاستقر فى الإدراك العام أن ألمانيا لا تقهر.

وكانت القوات الجوية الألمانية قد بدأت فى إدخال أسلوب قصف المدن بغرض تحطيم الروح المعنوية فقصفت قبل ذلك بعام مدينة كوفنترى متبوعة بلندن وأحدث ذلك تدميرا إعتبره الناس وقتها شديدا.

وكانت إيطاليا حليفة ألمانيا فى تلك الحرب بناءا على توقيع إتفاق التحالف بينهما قبل إندلاع الحرب بثلاثة شهور فقط.

وكان عمال الشحن والتفريغ فى ميناء نيويورك الحيوى جدا معظمهم من المنحدرين من أصول إيطالية أو من الجيل الأول من المهاجرين الإيطاليين.

والمجتمع الإيطالى الكاثوليكى لم يكن يندمج بسهولة مع المجتمع الأمريكى البروتستانتى. وهكذا ظلت المعلومات عما يجرى داخل الميناء سرا غامضا لا تعلم الحكومة عنه شيئا ولا تستطيع إختراق المجتمع الإيطالى إذ أن العمال وأصحاب قوراب الصيد ملتزمون بالصمت وعدم التحدث مع السلطات. وكانت إنجلترا تعتمد على خط حياة بدايته فى الولايات المتحدة ونهايته فى إنجلترا يأتى بالسلاح والقمح والمواد الغذائية من الولايات المتحدة. وعلى ذلك كان أى عمل تخريبى ضد الميناء هو بمثابة قتل لانجلترا الأرض الوحيدة "التى لا تزال حرة فى أوروبا"كما كان يحلو للإنجليز وصف بلادهم.

فكان لزاما على الإدارة الأمريكية تأمين سير العمل فى الميناء لحماية المواصلات التى تخدم الحرب سواء من الإضراب المعطل أو من التخريب المدمر.

ولابد من ذكر أن الولايات المتحدة كانت طرفا فاعلا في الحرب حتي قبل غارة اليابان حيث أن الرئيس روزفلت كان يري بثاقب نظره مبكرا جدا أن تأييد الحلفاء ضد الفاشية هو مما يصب في  المصلحة‏ الأمريكية فاقنع الكونجرس أن يصدر في مارس 41 قانون lend lease Actالذي يمنح الحلفاء بريطانيا وروسيا والصين قروض بلا فائدة لا تسدد إلا بعد الحرب. 

وبلغ حجم القروض 50 مليار دولار وهو ما يعادل 700 مليار دولار تقريبا  بأسعار اليوم، وهو مبلغ يقارب ما اخرجته الحكومة الأمريكية عام 2008 لتحفيز الاقتصاد‏ أثناء الأزمة العقارية الأخيرة. 

وهذه الطريقة في الدعم كانت هي الحجة التي كان الرئيس السادات فيما بعد يتخذها علي السوفيت كلما طالبوه بسداد القروض المستحقة علي مصر.

والسادات كان شديد الإعجاب بروزفلت وقد عبر عن ذلك كثيرا وكان يمتدح "أحاديث المدفاة"وهي أحاديث روزفلت‏ الإذاعية. 

ومن بين الدول المستفيدة بالمعونة الأمريكية دولة لن تخطر على البال. إنها فيتنام التي كان زعيمها هو شي منه يحصل علي معونة أمريكية ليقاتل اليابانيين. حتي انه أخذ فقرات كاملة من الدستور الأمريكي وقراها في إعلان استقلال فيتنام عام 45 في نهاية الحرب، مع تحوير الكلمات التي تنتقد اصلا الملك جورج الثالث لكي تنتقد فرنسا!!!

كما أن ماو تسي تونج كان أيضا حليفا أمريكيا يحارب اليابان بالأموال الأمريكية.

كلمة جانبية على الهامش

كل من درس بعضا من التاريخ الحديث لابد أن يصل إلى هذه النتائج. الولايات المتحدة هى صورة متطرفة من بريطانيا. فالإنجليز كانوا يقولون عن أنفسهم يوما أنهم أصحاب مصالح دائمة وليسوا أصحاب صداقات أو عداوات دائمة. والأمريكيون هم تماما كالانجليز ولكن بصورة أشد وضوحا وأسرع تقلبا.

فمن تأييد ماوتسى تونج وهوشى منه إلى الحرب عليهما.  ومن مساندة الإتحاد السوفيتى إلى محاربته حربا باردة عقب نهاية الحرب العالمية بمدة لم تزد عن عدة شهور. ومن تأييد الجهاد الإسلامى فى أفغانستان إلى ضربه بعد ذلك بمنتهى الشدة. ومن صناعة صدام حسين إلى إعدامه بعد سنوات قليلة. ومن صناعة نوريجا إلى ملاحقته والقبض عليه وإذلاله.

فهى مصالح وأرباح المؤسسة الصناعية الأمريكية التى تبيع سلاحا وتريد إستمرار حالة الحرب، مضافا إليها خوف غريزي من المؤسسة العسكرية من أن تخسر لمدة ثانية واحدة القدرة على السيطرة الكاملة على العالم مضافا إليها دين عام هائل القدر لا يمكن سداده أبدا وعلى ذلك لا يمكن للولايات المتحدة أن تفكر من جديد بعقلية مبدأ العزلة الذى ساد فى القرن التاسع عشر حيث أنها تحتاج إلى من يقرضها ويعطيها الطاقة الرخيصة ويشترى منها المنتجات المصنعة.

ومحصلة هذه العوامل هى هذا التقلب المستمر فى السياسات وعدم الثقة فى أى شىء أو شخص خارج الولايات المتحدة. وقد حذر الرئيس الجمهورى أيزنهاور من مطامع تلك المؤسسة الصناعية العسكرية مبكرا لدى خروجه من البيت الأبيض عقب قضاء 8 سنوات على راس السلطة التنفيذية. ولكن هذه المؤسسة كانت أقوى منه ومن كل خلفائه. وعندما تقابل الرئيس نيكسون مع إحدى الطالبات المعتصمات فى مبنى النصب التذكارى للينكولن عام 1970 بعد أن تسلل إلى الإعتصام ليلا بلا حرس، قالت له هذه الفتاة أنتم تفعلون كذا وكذا وكذا والمءسسة العسكرية الصناعية تتحكم فى أقدار البلاد فرد عليها أنا أحاول جاهدا to make the best out of itأى أن أحصل على افضل ما يمكن الحصول عليه.. فردت عليه الطالبة الشابة قائلة "إننى أشعر من كلامك كأنك تتحدث عن وحش لا يمكنك السيطرة عليه.. فأنت تحاول، مجرد محاولة".. وقد بهت نيكسون من هذا التحليل الدقيق وقال لمن حوله بعد ذلك لقد إستطاعت هذه الفتاة أن تلخص أزمة السياسة الأمريكية التى أعايشها منذ 35 عاما أفضل مما إستطعت أنا خلال كل هذه السنوات..

وهذا هو غالبا ما قصده آيزنهاور الذى كان نيكسون 8 سنوات نائبا له..
هى القوة المتعاظمة للمؤسسة الصناعية العسكرية التى تريد حربا بصفة مستمرة حتى تربح مالا. وأظن أن مجهود فرانكلين روزفلت لم يكن بسيطا فى تمهيد الطريق لهذه المؤسسة لكي تحكم وتتحكم فى العالم.

*************

فى ظل كل هذه الأوضاع المهترئة للمؤسسة الأمنية الأمريكية وقع حادث إحتراق السفينة نورماندى الفرنسية التى كانت الولايات المتحدة قد إستولت عليها بمقتضى حالة الحرب التى قامت بينها وبين ألمانيا وقانون الإستيلاء على منقولات العدو  Angaryعقب تحطيم أسطول المحيط الهادى بفعل الغارة اليابانية. وكان ذلك بحكم أن ألمانيا قد أصبحت هى ممثلة الدولة الفرنسية بعد أن هزمتها وقامت باحتلالها. وهذه السفينة كانت هائلة السعة وكبيرة المسطح مما يجعل من يحوزها يتمتع بميزة نقل قوات وسلاح بسرعة وبكمية كبيرة ولذلك قررت حكومة الولايات المتحدة تنحويلها من سفينة ركاب فاخرة إلى سفينة نقل جنود، بعد أن كان هناك إقتراح بتحويلها إلى حاملة طائرات بديلا عما فقدته البحرية فى بيرل هاربور. ولكن نقل الجنود إلى بريطانيا كانت له الأولوية فتقرر تحويلها إلى ناقلة جنود عبر الأطلنطى.

وبمجرد الإعلان عن هذا المشروع فى أعقاب الغارة اليابانية نشب حريق هائل دمر تلك السفينة بالكامل وحولها إلى ركام. وهنا ثارت الشكوك حول إمكانية حدوث عملية تخريب إشتبهت السلطات الأمريكية فى وقوف عملاء إيطاليين خلفها بغرض قطع خطوط الإمداد بين القارتين.

وعلى ذلك وبسبب ما سبق ذكره من أسباب سمح الرئيس روزفلت لإدارة شرطة نيويورك وللمباحث الفيدرالية بالإتصال بقادة المافيا الإيطاليين لكى يتوصلوا لإتفاق يضمن مصالح الطرفين. وكان زعيم المافيا المحبوس فى قضايا تسهيل الدعارة هو لاكى لوسيانو وهو بالطبع إيطالى محكوم عليه بأن يقضى فترة طويلة للغاية قد تصل إلى 40 عاما فى السجن منذ منتصف الثلاثينات.

وهكذا تم تأمين الميناء من كافة الأنشطة التخريبية التى كانت هاجسا فى رأس الإدارة الأمريكية على الرغم من أنه لم تثبت أى حالة من حالات التخريب أو الشروع فيه، إلا أن هذه الصفقة كانت من حظ لاكى لوسيانو الذى أفرج عنه عقب الحرب مباشرة إفراجا شرطيا معلق على مغادرة الولايات المتحدة على الفور إلى إيطاليا. وقد غادر الأراضى الأمريكية بالفعل وبعد ذلك إتجه من هناك إلى هافانا.
وقد أفضى نجاح التجربة الأولى مع المافيا إلى الدخول فى التجربة الأكثر عمقا والأبعد أترا وهى تجربة المعاونة المسبقة من المافيا لإنزال الحلفاء على شواطىء صقلية قبل إنزال النورماندى بأكثر من عام.وهذه قصة لابد يوما ما من إفراد فصل كامل لها.

 

إنتهت الملاحظات..


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles