Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

نظام الحد الأدنى للأجور وتأثيراته السلبية

$
0
0

 

بقلم : محمد السويسي

نظام الحد الأدنى للأجور فرضته النقابات العمالية بعد نضال طويل على اصحاب المصالح والمؤسسات الخاصة لقاء بدل عادل لجهد الموظف والعامل في معظم انحاء العالم ، خاصة في الدول الغربية باستثناء ألمانيا في الغرب والصين في الشرق .

ولو نظرنا الى تطبيقاته فإن في ذلك اختلال للعدالة كبير بحيث يساوي في الأجر بين المؤسسات والمصانع الكبرى وبين المؤسسات المتوسطة والصغيرة الفردية الناشئة لباعة الجملة والمفرق .

اما نتائجه فلقد إنعكست على العالم الغربي بانفجار الأزمة المالية والإقتصادية العالمية بما ادى الى اغلاق المصانع والمؤسسات الكبرى والمتوسطة بمعظمها وتشريد ملايين العمال والموظفين وذلك لتفاوت الأجور بين دول واخرى ، اي بين العالم الغربي وآسيا . 

وبذلك انتقلت الرساميل الصناعية من الغرب الى الصين لتدني الأجور فيها ،  وإلى ألمانيا  لعدم وجود حد أدنى لأجور لديها ؛ لانه يستحيل تطبيق نظام عالمي لتوحيد الأجور نظراً لتفاوت مستوى المعيشة بين دولة وأخرى ، وهذه الإستحالة بما فيها عدم انصاف أدت الى تحويل الأموال لصالح الصين وألمانيا  على إقتصاد حساب الدول الأخرى ونموها .

وهذ الخلل تتحمله الحكومات والمجتمعات الغربية لأنه كان من الخطأ الشديد وضع حد أدنى للأجر بما يؤدي الى تعميم البطالة وبالتالي التضخم بحيث أن اي زيادة في الأجر تؤدي إلى ارتفاع في اسعار السلع والخدمات بما  ينتفي الإيجاب من الزيادة ، خاصة وان تحديد الحد الأدنى  للأجور فيه سلبيات اكثر منه ايجابيات اذ لايمكن لمؤسسة ناشئة برأسمال متواضع ان تدفع اجوراً لمؤسسة ناشطة تزيد مبيعاتها الشهرية عن مبيعات مؤسسسة جديدة على مدى عام كامل ..

ومن هنا كان من الخطأ توحيد الحد الأدني للأجور ، اذ من أين يمكن للمؤسسة الناشئة بإمكانياتها المالية المتواضعة ان تدفع أجوراً موازية لمؤسسة ثرية  قديمة ناشطة ؟!

لذا كان لابد من اعادة النظر في هذه التنظيمات وترك حرية تحديد الأجر لكل مؤسسة لحالها وفق امكانياتها ،  اذ ان ذلك لايعني ان يكون الأجر قليلاً ، بل قد يكون مضاعفاً في بعض المؤسسات . 

ويبقى الأهم وهو ان تحديد الأجور ادى الى تفضيل العامل الأجنبي الآسيوي لقلة أجره على العامل الوطني او المحلي تهرباً من مسؤوليات رسمية قد تترتب عليه لاقدرات  له فيها ، بما يؤدي الى انهيار اقتصادي واجتماعي وزيادة في تنامي الفقر والبطالة مع تفشي الجريمه ان لم تتم المبادرة الى اصلاح الوضع .

 


الحرب العالمية الأولي (3)

$
0
0

حصلت ألمانيا على ناميبيا وتنجانيقا وتوجو وثبت الوضع البلجيكي فى الكونجو وكانت إنجلترا قد سبقت الجميع كالعادة وحصلت على مصر والسودان ومعظم شرق أفريقيا المطل على المحيط الهندي ومن قبل كل ذلك إستولت علي عدن فى الجهة المقابلة وذلك لتأمين مواصلاتها البحرية إلى الهند، وفرنسا مستقرة فى شمال وغرب أفريقيا.

ثم أن الإمبراطورية الألمانية الجديدة بدأت حياتها بفرض تعويضات قاسية على فرنسا المهزومة فى معركة سيدان عام 1870 بلغت 5 مليار فرنك ذهب مما جعل ألمانيا أغني إقتصاد فى العالم. وفى عام 1888 إرتقى القيصر الشاب فيلهلم الثاني عرش البلاد فى سن الثلاثين خلفا لوالده فريديش الثالث الذى مات قبل أن يتم مائة يوم على العرش.. ويجمع المؤرخون أن القيصر الجديد كان نزقا متسرعا لا يقدر للأمور قدرها الواجب إذ أنه بمجرد توليه العرش عمل علي تقليل نفوذ المستشار الخبير بأمور السياسة الدولية أوتو فون بسمارك والذى كان دائما يريد تحاشي محنة الحرب علي جبهتين شرقا وغربا وكانت سياسته باستمرار مبناها التوازن حتي لا تضطر ألمانيا المحشورة جغرافيا إلى تشتيت مجهودها الحربي على جبهتي روسيا وفرنسا. وهذا هو الخطأ الذى وقع فيه القيصر فيما بعد ذلك بربع قرن وهو ما أدي إلى نهاية حكمه بالكامل.. وكان القيصر الشاب منبهرا بالتجربة الإنجليزية البحرية (كانت الملكة فكتوريا هي جدته لأمه) وأراد أن يكون لبلاده أسطول بحري قوي يحمي خطوط تجارتها ويشكل عماد قوتها العسكرية كما تفعل بريطانيا وهنا بدأت المشاكل تتصاعد. فانجلترا كانت قلقة للغاية من تصاعد القوة البحرية الألمانية، وكان الوزراء البريطانيون يسعون إلى إقناع القيصر فيلهلم عن طريق عائلة أمه فى قصر باكنجهام بالتخلي عن طموحاته البحرية، وظهرت أيامها مقولة الأمم البحرية (بريطانيا)  والأمم الارضية (ألمانيا).

وزاد من التوتر أن ألمانيا إتجهت للصناعة بكل قوة فأصبحت منافسا قويا جدا للمنتجات البريطانية التي كانت سمعتها عالميا فوق الممتازة. وقامت فى ألمانيا نهضة كبيرة سواء فى القوانين أو فى التنظيم الإجتماعي أو فى التعليم والبحث العلمي أو على الأرض فى صورة موجة عمرانية هائلة حولت برلين إلى مدينة عالمية كبري. ورويدا رويدا أصبحت برلين منافسا للندن فى كل شىء تقريبا، من المتاحف والمعارض إلى التجارة والتمويل إلي النفوذ العسكري والسياسي.

وفي ظل هذه الأوضاع المتسارعة ظهر عجز الصفوة فى المجتمعات الأوروبية عن فهم ما يحدث حولهم فى العالم وظهر عفنها على السطح حيث إعتقد كل ملك أو إمبراطور   أن حكمه إنما هو بتفويض من الله (ماعدا جورج الخامس ملك بريطانيا ووالده إدوارد السابع حيث أنهما ملوك دستوريون) واعتقدت الحاشية المحيطة بهؤلاء الملوك أنها قادرة علي إنفاذ ما تراه إرادتها القومية لأن أوهام العظمة قد لعبت بالرؤوس فأضاعت العقول.فإمبراطور النمسا كان رجلا عجوزا فى ثمانينات العمر عندما تم إغتيال ولي عهده ولم يكن قادرا على فهم التحولات الكبري التي صاحبت التصنيع المكثف فى المانيا والذي نتج عنه حركة عمالية إشتراكية لا تعترف بالسلطة المقدسة. وقيصر روسيا نيكولا الثاني كان أيضا ممن يعتقدون فى الحق الإلهي والتميز الفريد لشخص الحاكم بل أنه لم يتعظ من قيام ثورة علي حكمه فى عام 1905 كادت أن تودي بالعرش بأسره، إضافة لهزيمة عسكرية ساحقة على يد القوات اليابانية. وقيصر المانيا فيلهيلم الثاني كان كما شهدنا رجلا طامحا طامعا لا يعي دروس التاريخ ولا يريد أن ينتظر حتي تتحول بلاده إلى قوة عالمية عن طريق البناء الممتد فى الزمان فأراد إختصار الزمن وإنجاز ذلك فى جيل واحد، وطاوعته صفوته وحاشيته ولم يقم أحدهم بنصحه كما ينبغي. أما ثالثهم فى الحرب هو الملك جورج الخامس (جورجي)إبن خالهم.. وهو جد الملكة إليزابيث الحالية وحفيد الملكة فكتوريا التي هي جدة الأبطال الثلاثة فى الحرب الأولي، فقد فيها (نيكي) فى روسيا عرشه وحياته بالثورة البلشفية وفقد  (ويللي)فى ألمانيا  العرش فقط بالثورة العمالية وإعلان الجمهورية وبقي الثالث (جورجي) ملكا لأنه كان ملكا دستوريا ليست له سلطات حقيقية،

 نعود الآن إلى أوضاع ما قبل الحرب مباشرة

المعالجات الأمريكية للأزمة المالية

$
0
0

 

بقلم : محمد السويسي

لازالت الأزمة المالية التي أنفجرت العام الماضي تتفاعل في العالم أجمع وفي أمريكا بالذات ، التي انطلقت من عندها ، يوماً بعد يوم كالحصان الجامح الذي يتعذر السيطرة عليه من سائسه رغم قصارى جهده . وتفاعلات تلك الأزمة تمايزت بين بلد وآخر، وبالتالي طرق العلاج ، إلا انها بالنسبة للدول الصناعية الكبرى أيقظتها من سباتها بعدم الركون إلى الدولار كعملة إحتياطية عالمية وبالتالي عدم الإطمئنان إلى النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا التي بدت عاجزة في الدفاع عن أخطائها و نهجها مع إنكشاف الفساد المالي والإداري الذي شاب قيادتها خلال العهد الماضي ومسؤوليتها عما آلت إليه الأحوال من إرتفاع أسعار النفط بصورة متعمدة غير منطقية مما سارع في تفجير الأزمة ، وبما أحدث من أضرار بالغة وتداعيات على الإقتصاد العالمي ، خاصة مع تورط عائلتي جورج بوش الأبن ونائبه ديك تشيني ، الرئيس السابق لمجموعة هاليبرتون ، في إستثمارات ضخمة في قطاع النفط بأساليب يشوبها العيب . لذا فإن العهد الحالي للرئيس باراك أوباما يعاني من جهود مضنية لإعادة الإعتبار للولايات المتحدة ولنقدها وسلامة توجهاتها المالية لاستعادة ثقة العالم الحر بقيادتها ، التي كسبتها خلال الحرب العالمية الثانية وخسرتها في حرب العراق وتداعياتها ، وفق مبادىء أساسية أهمها :

إصلاح النظم المالية الأمريكية وتجديدها ، دعم الرعاية الصحية ، وتخفيض الضريبة عن المواطن ، وتعزيز الطبقة الوسطى ، ووضع نظام ضريبي جديد ملائم وعادل.

إلا أن ذلك يبقى عديم الجدوى إن لم يسبقه إعادة الثقة بالدولار ، عماد الإقتصاد الأمريكي ، الإجتماعي والثقافي ، وعنوان القوة والإحترام والهيبة للولايات المتحدة . فالجهود المحلية من قرارات ومراسيم لن تنفع في إستعادة الثقة بالدولار ولا بوقف الركود المتنامي في أمريكا إن لم يترافق ذلك مع تعديل للسياسات الخارجية بالتخلي نهائياً عن الأساليب القديمة لإستعادة الثقة بالقيادة الأمريكية وذلك باحترام الشعوب في مطالبها العادلة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ، كي تعود أمريكا لصدارتها لتقود العالم من جديد على أسس أخلاقية عادلة .

الدولار وفقدان الثقة :

فالدولار يتعرض لضغوط شديدة لفقدان بعضاً من قوته مع تراجع الإقتصاد الأمريكي أمام نمو الإقتصاد الصيني الإغراقي وتحدي اليورو . ومع فقدان الثقة به كعملة إحتياطية ، بتأثير من الأزمة الأمريكية ، دعت أوروبا إلى المطالبة بقوة إلى إعتماد نقد عالمي جديد بديلاً عنه للتعامل به في محاولة لإحباط محاولات الروس والصينين في فرض الرنينمين الصيني والروبل الروسي كعملات إحتياطية بمساواة الدولار ولو وفق سلة عملات معتمدة من كل دولة .

والمسعى الصيني جدي وملح في هذا الأمر من حيث أنها الأكثر ضرراً من تراجع الدولار بما انها قد أقرضت الحكومة الأمريكية في وقت سابق 800 مليار دولار استثمرتها في سندات حكومية ، هي جزء من إحتياط نقدي لديها، بنحو ألفي مليار دولار ، كانت الصين تسعى الى زيادة تراكمه إلى أن فاجأتها الأزمة المالية الأمريكية بما أقلقها وأزعجها بحيث عبرت عن مخاوفها من ضياع أموالها، على لسان رئيس وزرائها وين جياباو ، والمطالبة باستعادتها وكأن أمريكا على شفير الإفلاس . فالصين تعتبر أكبر مستثمر أجنبي في مجالات مرتبطة بديون الحكومة الأمريكية مما فاجأ البعض لضخامة المبلغ المدين أو المستثمر مع إنكشاف الأمر ، عدا الإنتقاد والتساؤل الداخلي.

ولكن ماالذي دعا الصين إلى التورط في هذا الدين أو الإقراض مع عدم الحاجة وعدم التكافؤ ، حتى إنكشاف الأزمة ؟ .

الواقع أن الصين كانت تتصرف تصرفاً إنتهازياً ، بالمعنى الإقتصادي ، بما تمليه عليها مصلحتها مع إختلال الميزان التجاري لصالحها حيث أغرقت الأسواق الأمريكية بالسلع الرخيصة التي عطلت المصانع الأمريكية وزادت من حدة البطالة وزيادة أعباء كلفة الخزينة من تعويضات البطالة فكانت التسليفات الصينية بمئات المليارات تعمل على رفد الخزينة الأمريكية لتوفير المال بين أيدي المستهلكين للإنفاق على شراء البضائع الصينية في دورة إقتصادية مرنة وذكية لرفع الإرهاق عن الخزينة الأمريكية مع إغلاق المصانع وتشرد العمال بما يتلائم والمصلحة الصينية التي كانت تكدس الإحتياط النقدي من الدولارات ، غب الطلب ، لصالح السندات الأمريكية لحث أصحاب المصانع المنهارة إلى إعادة تجربة حظوظهم على الأرض الصينية حيث خصصت المساحات الكبرى شمال الصين من أجل إقامة المصانع الأجنبية التي كان للأمريكيين الحصة الكبرى فيها لمختلف أنواع السلع التي كان يتم تصنيعها بأيد صينية لرخص أجورها ليعاد تصديرها إلى الولايات المتحدة بمواصفات أمريكية وأرباح فاحشة .

وقد تعددت الأهداف الصينية من تلك السياسات الماكرة ، أهمها فتح أسواق واسعة لها في العالم و في أمريكا للحصول على قطعها النادر ، وجلب المصانع الأمريكية لتعلم التكنولوجيا الأمريكية المتطورة او بالأحرى الإستحواذ عليها بشكل مشروع لايتطرق إليه الشك مع دوافع الحاجة والبطالة والخوف في أمريكا من تجدد أزمة الكساد التي مر عليها أكثر من ثلاثة أرباع القرن .

ولكن مع إنفجار الأزمة بتواتر سريع في أمريكا ومحاولة التماسك الغربي للدفاع عن النظام الراسمالي مع إنكشاف الأخطاء والعيوب والتخلف والإهمال ، كانت الدعوة للإصلاح بشكل قاس مترافقة مع ضرورة مواجهة الإغراق السلعي الصيني ودعم الحمائية ضدها. وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل إتخاذ إجراءات داخلية عملية جريئة وإقتصادية غير متوقعة وفق أنظمة مالية مغايرة تماماً للأنظمة والقواعد القديمة التي اعتبرت ، مع عدم تطورها بما يتلائم ومطلع القرن الجديد المسؤولة عن الحالة التي وصلت إليها أمريكا وإعادة النظر بسياساتها الدفاعية والخارجية .

وقد عبر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس وقتذاك عن تلك التوجهات بشكل واضح بالإعلان عن مجموعة من الإصلاحات الجريئة التي تستهدف بشكل مباشر الحد من الإسراف والإضافات الزائدة عن التكاليف التي تستنزف مئات بلايين الدولارات مما زاد من تضخم الميزانية الدفاعية دون أن تجعل أمريكا أكثر أمناً. ولم يزعج الصين ذلك ، ولكن ماأزعجها هو التوجه نحو إعادة النظر باستيراد السلع الأمريكية وتصنيعها خارج الحدود بما سبب من موجات متلاحقة من البطالة وأدى إلى اتساع الكساد وإغلاق المصانع في الداخل مع فقدان القوة الشرائية من أيدي شريحة كبيرة من المواطنين الأمريكيين بشكل متزايد .

وقد عبر الرئيس أوباما عن قلقه وخططه لمواجهة هذا الأمر بالقول "حقاً ، أنا لاأرضى بمستقبل تنبت وتنمو فيه الأعمال والوظائف وصناعات الغد خارج حدودنا . فقد آن الأوان كي تتصدر أمريكا وتقود من جديد "وقد باشر بالفعل بخطوات عملية لإنجاز هذا الأمر بتفكيك الإ رث الضريبي الذي اتبع سابقاً ، بحيث انه أعاد رفع معدل الضرائب بالنسبة إلى العائلات الثرية إلى مستواها السابق وألغى العديد من التخفيضات الضريبية للشركات في مقابل إقرار التخفيضات الضريبية لعائلات الطبقة الوسطى والشركات الصغرى لتوفير السيولة الشرائية والتخفيف من حدة البطالة .

وقد أشهرت الخزانة الأمريكية أول خطة موازنة تنطبق وتوجهات الرئيس أوباما للسنة المالية التي تبدأ في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل تضمنت العودة إلى أعلى معدلات الضريبة على العائدات المعتمدة سابقاً ومقدارها 39.6 بالمئة بالنسبة إلى الشريحة الأكثر ثراء من المواطنين ، و36 بالمئة بالنسبة إلى الشريحة الأخرى، حيث كان الرئيس جورج بوش منذ السنة الأولى لدخوله البيت الأبيض قد خفض المعدلات العليا للمداخيل الكبرى إلى 35 بالمئة وللشريحة الأخرى إلى 33 بالمئة لسبب غير مفهوم .

إن التخفيضات الجديدة الضريبية للطبقات الوسطى والفقيرة التي أقدم عليها الرئيس أوباما سيستفيد منها 95 بالمئة من العائلات الأمريكية مما سيسمح لكل "عائلة نموذجية "بادخار 800 دولار أمريكي سنوياً ، أي مامجموعه 736 بليون دولار على مدى عشر سنوات عدا عن 787 مليار دولار ضخت في وكالات الحكومة الفيدرالية للتحفيز الإقتصادي .

هذا على الصعيد الداخلي ، أما على الصعيد الخارجي فلقد بدأت أمريكا بالمحادثات الثنائية مع أوروبا للتبادل التجاري ووضع الخطط الملائمة لمواجهة الإقتصاد الصيني المتنامي . وقد أعلن وزير الخزانة أن أمريكا تود إقام أوثق العلاقات مع الصين ، أثناء زيارته لها ، في سياق طمأنتها لديونها للحكومة الأمريكية بأنها في وضع آمن ، إلا أنه ربط تمتين هذه العلاقات بتخفيض العجز التجاري بين البلدين بما يوازي العلاقة القائمة منذ عقود مع القوى الإقتصادية في أوروبا لوضع حد للإنتقاد في التساهل الأمريكي السابق أمام السياسات الإقتصادية الصينية التي ساهمت في فقدان ملايين الأمريكيين وظائفهم . ومن جهة أخرى بدأت واشنطن بتوجيه صندوق النقد الدولي بعد أن أمنت له السيولة من خلال قمم العشرين لإقراضه وفق شروط ونيات غير معلنة تصب في المصالح الأمريكية من حيث رفض الحمائية أمام سلعها ، التي هي من أول أهداف الصندوق لإغراق المستدينين بالسلع الأمريكية ، مقابل إقراضهم ، بديلاً عن البضائع الصينية .

وهذا الحذر الأمريكي والتخوف من نيات الصينيين تجاه إقتصادهم أوجزه الأميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان البحرية الأمريكية المشتركة بتصريح له "بأن تعزيز الصين لقواتها البحرية والجوية المدعوم بإقتصاد قوى يستهدف فيما يبدو الولايات المتحدة "مما يدل على الحذر والجدية والعزم الذي تتصدى به أمريكا لتمدد الإقتصاد الصيني لديها وفي العالم . إلا أن هذا الحذر غير كاف إذا كانت أمريكا مستمرة في سياسة الإفقار للشعوب الأخرى ولم تعزز مداخيلها بتعزيز الأمن في دول العالم الثالث ، خاصة أفغانستان والسودان والعراق ، وحل القضية الفلسطينية ،عقدة المشاكل وباب الحل في الشرق الأوسط ، لتأمين أسواق إستهلاكية لبضائعها مع توفير السيولة ورفع المستوى والملاءة لزبائن محتملين .

الموقف الصيني من الحمائية :

إن هذه السياسات المالية الأمريكية المعلنة واجهتها الصين بموقف هجومي بالمطالبة بديونها إلى حد التشهير بأمريكا ورفض الحمائية التي يدعو إليها الغرب على سلعها ، لما تشكله من خطر على إقتصادها وكساد مصانعها ، بحيث أنها دعت إلى إعادة تشكيل النظام المالي بعدم الإعتماد على الدولار كاحتياط عالمي واستبداله بسلة من العملات والسلع المهمة ، وتجلى ذلك في تصريح لرئيس البنك المركزي الصيني بأن النظام الحالي المرتكز على الدولار عرضة للأزمات المالية بصورة كبيرة . وقد بالغت الصين في المواجهة باتجاهها نحو سلسلة من ترتيبات المقايضة مع بنوك مركزية لبلدان تشمل الأرجنتين ، وكوريا الجنوبية ، وأندونيسيا ، وماليزيا ، وروسيا البيضاء ، بحيث تتمكن عن طريقها من جعل عملتها متاحة لدول أخرى في حال نفاد العملات الأجنبية . وقد وجدت الصين في البرازيل مؤيداً لمبادراتها بحيث ستبدأ محادثتهما حول التجارة الثنائية التي سيتعين تسويتها بالريمنمنبي والريال بدلاً من الدولار الأمريكي . إن تلك التدابير الصينية قد لاتؤتي ثمارها مطلقاً مع قوة الدولار وهيمنته على المدى المنظور ، إلا أن المتاعب التي تثيرها في هذا الأمر القصد منها غل اليد الأمريكية من التفرد بالقرار الدولي في المسائل الإقتصادية الدولية ، وفي تعزير دور الصين التجاري والإقتصادي من موقع الدفاع عن تجاراتها بالحد من الحمائية التي بدأها الغرب ضد بضائعها بما يسبب من ضرر بالغ لصادراتها.

أوروبا والخلاف الصيني الأمريكي :

لقد وجدت هذه السياسات الإقتصادية الأمريكية بمواجهة الصين دعماً من الأوروبيين مع إرتفاع العجز التجاري بين الإتحاد الأوروبي والصين بشكل ملحوظ في العام 2008 الذي وصل إلى 169 مليار يورو مقارنة بنحو 49 مليار يورو عام 2000 ، مما دفع الإتحاد الأوروبي اللجؤ إلى الحمائية ضد السلع الصينية ، بما يتعارض ومضمون إتفاقية التجارة الدولية التي تنادي بها أوروبا وأمريكا ، بفرض العديد من الرسوم ضد السلع الصينية للحد من إغراق أسواقها ووقف منافستها لسلعها . وقد حذرت الصين على لسان مسؤوليها من اللجؤ إلى الحمائية بمواجهة سلعها ، لأن هذا النهج لن يجلب سوى المشاكل وأن من مصلحة الصين والإتحاد الأوروبي إبقاء سوقيهما مفتوحة.

ويتلخص رأي البريطانيين ، عن المواجهة الصينية الأمريكية ، بأن التجارة العالمية قد تنهار مالم يأخذ العالم بخطوات منسقة وملموسة لتمويل تدفقات التجارة ، وبأن الأزمة المالية العالمية قد تحولت إلى أزمة تجارية في ظل تضرر العديد من الدول المصدرة الكبرى ضرراً بالغاً جراء التراجع وتأثر الدول النامية تأثراً شديداً بانخفاض الطلب .

كما اعتبار التجارة أسوأ ضحية للأزمة المالية العالمية في ظل وجود دائرة مفرغة نتجت عن إنخفاض الصادرات ، مما تسبب في إنخفاض الإنتاج وارتفاع معدل فقدان الوظائف واستمرار الإنخفاض في طلب المستهلكين ، وما إلى ذلك . وبأنه لايمكن حدوث انتعاش إقتصادي من دون إنعاش التجارة العالمية ، لأن التجارة كانت وراء الإنتعاش بعد الحرب العالمية في اليابان والمانيا وسائر أنحاء أوروبا والولايات المتحدة ، كما كانت محرك النمو بآسيا في العقود الأخيرة . إلا ان رأي البريطانيين بضخ كميات هائلة من الأموال لتمويل حركة التجارة لإنعاشها ليس في مكانه لأن الأمر يتطلب إجراءات عدة مسبقة ضرورية ، خاصة في الدول الناشئة التي يُعتمد عليها في تصريف الإنتاج الغربي .

وان تبني رئيس وزراء بريطانيا وجهة نظر الأمريكيين بضرورة الإبتعاد عن سياسة الحمائية التجارية الجمركية للسلع الغربية من قبل الدول النامية ، ليست في مكانها لما تسببه من ضرر بالغ على إقتصادها الضعيف والهش . فسياسة الحمائية التجارية قد تؤتي ثمارها في أوروبا ، لما تتمايز به من تنوع وتكامل في الإنتاج الصناعي والزراعي ، ولكن لايمكن تطبيقها على الدول الناشئة ، خاصة الدول العربية لأنها لاتتناسب مع تطلعاتها وطموحاتها ، إلا وفق إتفاقيات تجارية أو بروتوكولات ثنائية ، لما في ذلك مصلحة للطرفين .

إن محاباة الأمريكيين في الخطوات السياسية والإقتصادية من قبل الأوروبيين لعقود عدة ، خاصة فيما يعود لسياسات الصندوق الدولي وتطبيق بعض بنود إتفاقية منظمة التجارة العالمية على دول العالم الثالث ، أدى مع إنفجار الأزمة إلى تفاقم العجز التجاري لدى الإتحاد الأوروبي بحيث شهد تراجعا في تدفق السلع مع كبار شركائه ، إذ انخفضت الصادرات إلى تركيا بنسبة 41 بالمائة في كانون الثاني/ يناير ، شباط / فبراير على أساس سنوي ، تليها روسيا بنسبة 30 في المائة ، ثم كوريا الجنوبية بنسبة 30 في المائة ، والهند بنسبة 31 بالمائة . وانخفضت الواردات من روسيا بنسبة 39 في المائة ، وتركيا بنسبة 30 في المائة ، والنروج والبرازيل بنسبة 28 في المائة لكل منهما . أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية من 11.7 مليار يورو إلى 4.2 مليار يورو في كانون الثاني/ يناير ، شباط / فبراير على أساس سنوي ، ومع سويسرا من 3.1 مليار إلى 2.2 مليار يورو .

إن هذا التراجع الأوربي الإقتصادي والتجاري والمالي يتطلب منهم القيام بالخطوات الإصلاحية المعقولة التي يجاهرون بها ، والتى تتبخر وللأسف وراء الكواليس عند كل لقاء أو إجتماع يضم الأمريكيين ، بحيث يعودون إلى النهج القديم القائم على رفض التعاون والشراكة مع الدول النامية للمحافظة على مستوى الرفاهية لمجتمعاتهم كما في السابق على حساب حاجات الشعوب الأخرى وضروراتها بحيث أن المنظمة الألمانية "إغاثة حوعى العالم "أعلنت بأن جوعى العالم قد يتخطى المليار نسمة نهاية هذا العام وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة ، لايستطيعون تغطية حاجاتهم اليومية ، ومعظمهم يعيش في آسيا وأفريقيا الغنية بثرواتها الطبيعية ولكن المستغلة من الغرب بطريقة غير عادلة بما أدى إلى إفقارهم وشح السيولة المالية بين أيديهم ، وهذا النهج كان خاطئاً جداً مع تداعياته عقب الأزمة المالية بحيث حلت الصين بسلعها الرخيصة محلهم ، كالذي استأجر حقلاً شاسعاً بخل على خدمته في موسم الجفاف توفيراً لمال ينفقه على بذخه وملذاته ، فآل حاله عند القطاف ، فقراً وعوزاً مع شح موارد الحقل ، بعد أن كان يعد نفسه بالربح الوفير.

أو كالربان الذي فقد البوصلة في عرض البحر فأخفى الطعام والماء عن معاونيه طمعاً في النجاة بنفسه ، دون أن يشاركهم ليعاونوه في الوصول إلى بر الأمان لأنانيته وضيق أفقه فهلكوا وهلك معهم . وهكذا الحال بين الغرب والعالم الثالث فعسى أن يغير من نظرته وأسلوبه بما فيه خير للجميع.

العرب و الإصلاحات المالية:

رغم إجتياح تسونامي الأزمة المالية للعالم بحيث لم ينجو منها أحد ، ولو بتفاوت ، فإن القرارات العربية لمواجهة الأزمة لاتزال على حالها في القصور وعدم القدرة على المعالجة لأنها أصلاً إستعارة أو تقليد لمنهج غربي غير ملائم ، ومع ذلك فإنهم لأزالوا يتطلعون وينتظرون الإجراءات الغربية لإعادة الإصلاح على نهجها كما اعتادوا بخطوات سابقة كانت معيقة حتى للغرب أيضاً لعدم أخذهم بالمتغيرات وجمودهم ، فكيف هي الحال مع العرب إن ظلوا عليها ؟.

فهذه الأزمة المالية غير عادية فكذلك يجب أن تكون معالجتها أيضاً غير عادية ، ونلحظ ذلك بما تنتهجه أمريكا من تنظيمات إقتصادية ومالية وبما تصدره من مراسيم تنسف تماماً الفلسفة الرأسمالية القديمة للقرن الماضي التي كانت قد شرعت لمواجهة النظام الإقتصادي السوفياتي الذي قام على رأسمالية الدولة ، وإن اختلفت التعابير وتعددت ، إلا أنها سقطت جميعها مع سقوط الشيوعية الماركسية وأفول القرن العشرين على خطط وتنظيمات شاخت واعتبرت بالية بالتجربة والإمتحان .

ولقد عبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن هذا الواقع تماماً بالقول في خطابه في 14 نيسان "أن المسألة ببساطة هو أنه لايمكننا أن نستمر على هذا المنوال حينما يكون لدينا نظام مالي للقرن الحادي العشرين تحكمه لوائح وأنظمة من القرن العشرين ، إذ أنها هي التي سمحت لهذا التهور والطيش بتهديد الإقتصاد برمته .. وقد آن الأوان كي نضع قواعد جديدة متشددة لسير عمل وول ستريت لضمان عدم وقوعنا أبداً في هذه الورطة " .

ومع وضوح الرؤيا في العلاج فإننا نقف حائرين متسائلين عن أسباب التخلف العربي في وضع الخطط والتنظيمات المالية والإقتصادية الملائمة لنهوضه والتي لايمكن أن تأتلف مع النظم الغربية أوالأمريكية ، لخلاف في التكوين والممارسة الأخلاقية والإجتماعية في التعامل ، خاصة الأسواق المالية على أنواعها التي تقع تحت هذا المفهوم والتي لايمكن التخلي عن نهجها في الغرب لأسباب عديدة أهمها لجم التضخم والمحافظة على قوة النقد .

ومع ذلك نتساءل لماذا هذا التردي في استعمال أدوات تعيق نهوضنا بل وتشد بنا إلى الوراء ، مع وجود وسائل وتنظيمات أفضل لمجتمعنا ، فهل عدمت الخبرة والفهم الإقتصادي والإجتماعي للنهوض بنا ؟

سؤال ووضع محير نجيب عليه عندما نطلع على أهداف الغرب من إجتماعات قمة العشرين وتوجهاته ونياته الغير ملائمة لنا والتي لسنا بحاجة إليها .

وقبل أن أبدأ بالإجابة أود أن أعرًف وأوضح ، بأن مجموعة قمة العشرين هي عبارة عن تكتل إقتصادي عالمي يهدف إلى تبادل وجهات النظر حول تحديات منظومة الإقتصاد العالمي وبحث آليات التنسيق والتعاون المشتركة في سبيل مواجهة هذه التحديات . وقد اقترن أسم مجموعة العشرين تيمناً بعدد الأعضاء المشاركين فيه ، وقسمت هذه الدول وفقاً لتصنيف البنك الدولي لثلاث فئات تبعاً لنوعية إقتصاد كل دولة ، إلى إقتصاد متقدم ، وناشىء ، وشبه ناشىء ، والمملكة السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي ضُمت إلى مجموعة العشرين وفق التصنيف الأخير. وأهداف هذا التجمع هو حث الأعضاء على دعم القطاع الخاص ، وتحسين بيئة الإستثمار الأجنبي ، وإعطاء الأولوية للإستثمار في مشاريع البنى التحتية ، وإيجاد وظائف للشباب ، وتطوير سوق ثانوية للسندات والصكوك .

لو تعمقنا قليلاً في تلك البنود التي وضعت من الدول الصناعية الثمانية الكبرى بتوجيه وضغوط من أمريكا لتطبيقها ، فإننا نجدها ملائمة تماماً للمصالح الغربية ولهذا جاءت التنظيمات الغربية والقوانين المرعية والمراسيم لتطبيق تلك المبادىء ملائمة للعالم الغربي في هذا الشأن مع استنزاف مدخرات وأموال العالم الثالث بوسائل عدة بما يوازي استنزاف موارده الطبيعية .

وسلبيات هذه المبادىء هو في أسلوب التطبيق على صعيد المصارف والمؤسسات المالية وعدم حث العرب على وضع الخطط الملائمة للتقديمات الإجتماعية والصحية التي لايمكن نجاح خطة أو نهوض إقتصادي بدونها .

وهم يتجاهلونها تماماً بل ويخيفون البعض بأنها ترهق الخزينة في عملية مخادعة بالمطلق وذلك لإبقاء بذور التخلف والتفجير والفقر في مجتمعات العالم الثالث وإعاقته ماأمكن لقصور النظرة الإقتصادية الغربية التي يدفع ثمنها اليوم .

وأسوأ التقليد المتبع للغرب هو تنظيم الأسواق المالية التي يجب نسف منهجها بالمطلق لأنها بما هي عليه تزيد من إعاقة الإقتصاد بما يتوجب تعديلها بطريقة جذرية لكسب مشاركة أوسع للمواطنين وحفظ أموال المساهمين وأرباحهم برقابة حكومية بما يستحيل فيها أي خسارة إلا لفساد في الإدارة متعمد . فالتنظيمات الغربية في أسواق البورصة المعتمدة حالياً هي ملائمة وضرورية لأسواق وول ستريت وما شابهها إن ترافقت مع المراقبة الحكومية أيضاً ، ولكنها جداً مؤذية للأسواق العربية وتعيق نهوض مجتمعه لاختلاف التركيبة الإقتصادية الغربية عن دول العالم الثالث ، بدليل الخسائر الدائمة للمتعاملين من خلالها . وقد تضطر دولة نامية أن تستعمل أسلوب الأسواق الحالية المتبعة في حال تدني العملة الوطنية بشكل خطير ، وعندها بعملية ذكية منظمة من الممكن إصلاح الأمر لوقف التدهور النقدي وتداعياته .

أما التدهور الإقتصادي أو بالأحرى عدم نهوضه فلا يمكن لجمه في العالم العربي إلا بوضع نظام مالي جديد للمصارف والأسواق المالية . ولن أستطيع الإجابة عن السؤال المطروح وهو ، لماذا يتقاعس العرب عن تنظيم وضعهم المالي والمصرفي والإجتماعي مع المقدرة على ذلك وتوفر الإمكانيات والحل ، خاصة أنه لايكلف الخزينة أي مصاريف إضافية ، فإني لااملك الجواب الشافي ، لذا أترك ذلك لإستنتاج القارىء بعد تأنفي قراءة المقال .

 

الخنفساء المضيئة وأهميتها

$
0
0

لم أكن أدري أهمية الخنفساء المضيئة وأهمية دورها في الطبيعة بما يخدم الإنسان ..

إذ أنه في إحدى إيام الإصطياف في الجبل تأخرت في العودة الى البيت حتى منتصف الليل والقمر غائب في طور الولادة ، والكهرباء مقطوعة ولاأملك في جيبي مصباحاً . 

وكان يجب على أن أعبر طريقاً ضيقاً نزولاً عند سفحة تلة ..
واحترت كيف أفعل وأتلمس طريقي في هذه الكروسة الضيقة الوعرة ..
 
وانشغل رأسي في التفكير بشأنها طوال الطريق إلى أن وصلت اليها فتفاجأت إذ وجدتها مضاءة من جانبي المنحدر وقد تراكم على اعشاب حافتيها الآلآف من الخنافس المضيئة ، لاتلمس طريقي براحة وسعادة واجتازها بسهولة ويسر متجنباً الإصطدام بها ..
 
ومن هنا أدركت أهمية هذه الخنفسة التي لاتنام إلا على الأعشاب عند أطراف المنحدرات مما يعني أنها مبرمجة من خالقها في خدمة الإنسان كما النحل مبرمج لصناعة العسل ، ودود القز لصناعة الحرير .

داعش وشبكة الردع

$
0
0


فيما يغرق كثيرون من محلّلي العرب في استعادة الحرب الباردة ومفاهيمها، ويثيرون جدالاً شبه فقهي عن "سايكس بيكو"، عند الحديث عن الحرب على "داعش"، تفوتهم ملاحظة ما يولد تحت الأعين الآن وهنا: إنها حرب أولى في تطبيق مفهوم "الشبكة"على مستوى الردع الاستراتيجي. والحال إن من يغرق في الماضي بلا رجعة، ليس عليه أن يلوم غيره عندما يفوته فهم متغيّرات الزمن. 


انتهت الحرب الباردة. يبدو الأمر واضحاً. انتهى زمن تفرّد القطب الأميركي الأحادي. يرى كثيرون الأمر كذلك. ولا جدوى من القول أن اللحظة هي انتقال من مرحلة إلى مرحلة، لأن الأمور هي دوماً انتقال من ذلك النوع. 

"الثقب"التركي ليس أسود!

حتى لا نغرق في التنظير "الجاف"، لندقّق في بعض الوقائع، تحديداً لندقق في شبكة التحالف الذي تنسجه أميركا في حربها الجديدة في الشرق الأوسط. 

لنبدأ من تركيا. ألا تبدو كأنها نقطة غامضة (ليس تماماً ثقباً أسود)، في التحالف؟ تخرج دولة أطلسيّة أساسيّة وهي الأقرب جغرافيّاً وسياسيّاً إلى منطقة الصراع الإقليمي ومعطياته، لترفض التوقيع على بيان تولت أمره أميركا، وهي القائد الفعلي لحلف الأطلسي. يزيد في غموض الأمر أن تركيا كانت نقطة ارتكاز استراتيجية في حربين لأميركا في الشرق الأوسط: تحرير الكويت وغزو العراق. في ذلك السياق، يبدو الحديث عن رهائن أتراك عند "داعش"في الموصل، أقل كثيراً من أن يبرر ذلك التموضع استراتيجيّاً. استطراداً، هناك قيود كثيرة على الحركة التركيّة، كضعف قوة "الاخوان المسلمين"ظاهريّاً فيه، على الأقل كما ظهر في الأثر الضعيف حتى الآن الذي تركه انتخاب سليم الجبوري على مجمل المعادلة العراقيّة الداخلية (تحّفظ الجبوري أيضاً على الضربات الأميركيّة، ولو بطريقة مواربة).

ليس مجدياً أيضاً إغماض العين عن العلاقات الوثيقة بين "داعش"وتركيا. يذكّر ذلك أيضاً بمقولة أن هناك من يطلق مجنوناً ثم يشرع في المطالبة بأن يأخذ ثمن مستشفى لضبط المجنون المنفلت. بقول أكثر جديّة، هناك في المنطقة من يقول بأن "الإخوان المسلمين"هم إسلام معتدل وبديل للسلفيّات المتطرفة كـ"داعش".

يجدر التذكّر أيضاً أن المسألة الكرديّة لم تعد مؤرّقة للرئيس رجب طيّب أردوغان، بل أن تحرّك "داعش"في حزيران الماضي عزّز علاقات أنقرة مع أكراد العراق بطريقة واضحة، وهو أمر يضاف إلى أخبار متواترة عن صيغ للتسوية مع "حزب العمال الكردستاني"لعبد الله أوجلان. في هذا التشابك، ماذا تريد تركيا كمقابل استراتيجي لمشاركتها (معلنة أو مضمرة) ضد "داعش"؟ 

على رغم أن موقفاً تركيّاً غامضاً إلى ذلك الحدّ من شأنه أن يكون خرقاً أساسيّاً في شبكة التحالف ضد "داعش"، لم يؤثّر ذلك في العلاقات الأميركيّة- التركية، أقلّه ظاهراً. لماذا؟ ما الذي يدور فعليّاً بين واشنطن وأنقرة؟ أين نضع الموقف التركي من مصر- السيسي؟ هل يمتد الأمر إلى ليبيا؟ هل تحاول أميركا أن تصل إلى تسويّة ما في العلاقة بين السعودية وتركيا؟ المفارقة أن متانة العلاقة بين طهران وأنقرة ربما تعيق تلك التسوية بأكثر مما تفعله متانة العلاقة بين أردوغان و"الاخوان المسلمين"!

خيوط رخوة في الخليج

يفيد الغموض التركي في صوغ تصوّر عن الفارق بين التحالف المرتكز إلى مفهوم الشبكة الاستراتيجية. إذ تتيح الشبكة مرونة لامتصاص التفاوتات بين الدول ونماذجها ومواقفها ومعطياتها، ما يميّزها عن التحالف الاستراتيجي على طريقة الحرب الباردة أو حتى بالشكل الذي ظهر في حروب البلقان مثلاً، في زمن الأحاديّة الأميركيّة المكينة. استطراداً، هل كان ممكناً حتى زمن قريب، تصوّر أن تكون دولة كروسيا منخرطة في حرب أوكرانيا، وتشارك في مؤتمر لتحالف تقوده أميركا في باريس؟ الأمر جدير بتأمل منفصل.

وفي اجتماع جدّة، كانت هناك "نقاط مرنة"اخرى. ليست العلاقات بين الدول الخليجية في أحسن أوقاتها، بل أنها تمرّ في أزمة لم تعان نظيرها منذ تأسيس الاتحاد قبل ما يزيد على عقود ثلاثة. من السهل القول بأن الموقف من "الاخوان المسلمين"هو في قلب تلك الأزمة (مع تذكر تركيا أيضاً)، لكن هل يفسّر ذلك الأزمة بأسرها؟ لا بد من المسارعة للقول بأن هناك مساحة واسعة من التقاطع في مواقف تلك الدول حيال الثورة ضد نظام الأسد في سوريا، لكن هل يكفي ذلك في حرب ضد "داعش"ربما تحوّلت بطريقة أو اخرى إلى حرب ضد السنّة؟ 

في المقابل، لا تقبل تلك الدول (وكذلك مصر والأزهر) الوصول إلى تبني موقف فقهي من "داعش"، على رغم أن أمراً كذلك يجنّب تحوّل صورة الحرب إلى معركة ضد السنّة والإسلام، بل أنه ربما مثّل مطلباً أميركيّاً أيضاً. لا داعي للحديث عن متانة العلاقة بين أميركا ومجمل تلك الدول، لكن هناك أيضاً "رخاوة"في الخيوط، تتمثّل في انتقال مشهد الطاقة إلى الغاز، والأهم كثيراً هو وصول أميركا إلى الاستقلال عن نفط الشرق الأوسط، وهو تحوّل استراتيجي عالمي. لماذا أصر معظم الإعلام الغربي على ربط "الربيع العربي"بالغاز، خصوصاً غاز المتوسّط؟ ما العلاقة بين مآل "ثورة 25 يناير"و"حقل دلتا النيل"في المتوسط الذي لم تطالب به مصر أبداً؟ 
من المثير ملاحظة الانخفاض المستمر في سعر النفط والغاز رغم تصاعد الحروب في الشرق الأوسط، وهو أمر لم يكن ممكناً تصوّره لا في الحرب الباردة ولا في الأحاديّة الأميركيّة.

تناغم واشنطن وطهران

في سياق متّصل تماماً، يبدو غياب إيران عن جدّة (وبعدها فرنسا)، أقرب إلى التناغم مع الحركة الأميركيّة، ولننس كلمات الشيطنة من الاتجاهات كافة. ربما يفسّر ذلك "تناقضاً"آخر هو إعلان أميركا أنها تحاور إيران على هامش المباحاثات النووية بشأن "داعش"، لكنها لا تراها طرفاً في التحالف الذي تنسجه أميركا! إذا أخرجت الكلمات من رنينها وطنينها، ماذا يعني ذلك؟ ألا يمكن القول بأنه بين الحوار والتحالف، هنالك "التناغم"؟ ألم تكن أميركا هي التي تكرّر نفي أن يكون الحوار النووي يشمل شيئاً آخر غيره، حتى أثناء الاتفاق المؤقت في أيلول 2013؟ 

إذا وُضِعَت تلك التناقضات في مسار التفكير في لحظة حرب أميركا على "داعش"، يبدو الحديث عن الحرب الباردة كأنها نكتة...باردة. ومع ذلك، لا يتمالك بعض مفكري العرب نفسه في مطالبة أميركا (بل الغرب)، بأن "تفرض نموذجها"، ما يشير إلى الغرق في ماضي الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية وحروبها. 

هناك منهم أيضاً من لا يملّ النقاش عن "سايكس- بيكو"، كأنما يريد أن يعطي فتوى في نصٍ ديني. كانت "سايكس- بيكو"اتفاقية بين قوى خارجيّة مسيطرة على الشرق الأوسط، بشأن الخرائط الجغرافية السياسية للمنطقة. بمعنى ما، ما زال ذلك السياق حاضراً وبقوة. إذا نُظِر إلى "سايكس- بيكو"من حرفيّة الخرائط وممرات الحدود، يصعب القول بأنها مستمرة كما هي، على رغم أن معظمها ما زال متماسكاً. 

بقول آخر، لا جدوى من نقاش حرب "داعش"انطلاقاً من "سايكس- بيكو"لأن الأهم هو التغيّر الذي حصل في علاقات القوى الخارجية المسيطرة على الشرق الأوسط. إذاً، لماذا الحديث عن "سايكس- بيكو"؟ ربما لأن سياق الحوادث يعطي انطباعاً بأن المنطقة تعيش زلزالاً هائلاً، ربما ليس أقل من انهيار الامبراطورية الاسلامية وخلافتها في زمن "سايكس- بيكو"، ولا التوزّع السياسي- الجغرافي في زمن الحرب الباردة!

وللحديث بقيّة.

المصدر: 

http://www.almodon.com/opinion/a7be2cfb-35af-4017-b467-c37452907cc4

الحشرات المضيئة معلومة وتفسير

$
0
0

 

كتب عامر عساف

 

 

 

°أن بعض الكائنات تصدر ضوءاً يمكننا رؤيته ويعرف هذا النوع من المخلوقات بالأحياء المضيئة إلا أن المخلوقات لا تستخدم الكهرباء لإصدار الضوء فهي تستخدم المواد الكيماوية الموجودة داخل خلايا أجسامه وينتج منها الضوء عندما تحدث تغيرات في تلك المواد الكيماوية . معظم المخلوقات التي تصدر ضوءاً من الحشرات التي تطير ليلاً وبإمكان الديدان المتوهجة واليراعات إنتاج مواد كيماوية تسمى لوسفرين ، وتضيء هذه المادة الكيماوية عندما تخلط بالأكسجين الذي تدخله في جسمها من الهواء الخارجي . وأكثر الأضواء إثارة تلك التي تصدرها اليراعات الماليزية . وذكور اليراعات فقط التي يمكنها أن تصدر الضوء دون الإناث ، حيث يقف المئات منها على شجرة واحدة بين المستنقعات ويقوم الجميع بإصدار الضوء في وقت واحد حينئذٍ تضاء تلك الشجرة بالكامل مدة ثانية في شكل وميض يمكن رؤيته على بعد مئات الأمتار ويسهّل ذلك لإناثها إيجاد أماكن الذكور . ومثال ذلك حشرة الحباحب التي تضيء بلون اخضر في الليل

يوجد حشرة يراعة تنتمي إلى أسرة الخنافس غمدية الأجنحة تتميز بظاهرة الإضاءة الباردة. تنتشر في معظم المناطق الاستوائية الحارة والغابات

يتركب جسم الخنافس المضيئة من ثلاث مناطق هي: • -الرأس: وهى المنطقة الأمامية من الجسم ويحمل الرأس زوجين من الأعين المركبة وزوجًا من قرون الاستشعار وكذلك أجزاء الفم القارضة والتي تستخدمها الخنافس وكذلك يرقاتها في افتراس الحشرات الأخرى الصغيرة وافتراس البزاقات والقواقع وديدان الأرض. • -الصدر: عبارة عن ثلاث حلقات وتحمل كل حلقة زوج من أرجل المشي وتحمل الحلقة الثانية والثالثة زوجين من الأجنحة. وبعض الأنواع نجدها غير مجنحة. • -البطن: وهي المنطقة الأخيرة من الجسم وتتكون من 11 حلقة. • دورة حياة الخنافس المضيئة • يحدث التزاوج بين الذكور والإناث في فصل الصيف ليلاً ثم تضع الأنثى البيض في التربة والذي يفقس بعد 4 أسابيع ثم يعطي عدة أطوار يرقية والتي تتغذى بافتراس الحشرات الصغيرة ثم تقضي فصلي الخريف والشتاء في بيات شتوي حيث تدفن نفسها في التربة وممكن أن تظل في بياتها لمدة سنتين ومع بداية الصيف تتغذى وتنشط وتتحول إلى طور العذراء وبعد ذلك تتحول إلى خنافس كاملة ذكور وإناث وتعيش الخنافس الكاملة من عدة أسابيع إلى شهرين حسب النوع • ظاهرة الضياء • تحدث هذه الظاهرة عند توافر صبغة تسمى لوسيفيرين وإنزيم يسمى مع وجود مصدر للأكسجين ومصدر للطاقة وهو مركب أدينوسين ثلاثي الفوسفات. (ATP) ونتيجة هذا التفاعل ينتج مركب يسمى (Oxyluciferen) وينبعث الضوء. • توجد هذه المركبات الكيمائية في الخنافس المضيئة على جانبي السطح البطني لمنطقة البطن عدد من الخلايا تسمى الخلايا الضوئية وهذه الخلايا غالبا ما توجد في الحلقات الأخيرة من البطن سواء للأطوار الكاملة أو يرقاتها. وتتوقف كمية الضوء المنبعثة من الخنافس على كمية الأكسجين الداخلة في التفاعل فعندما تريد الخنافس إنتاج وميض طويل لفترة طويلة فإن المخ يعطى تياراً عصبياً إلى نهايات الجهاز التنفسي لإنتاج كمية كبيرة من الأكسجين إلى داخل الخلايا الضوئية فيصدر ضوء بكمية كبيرة. وفي بعض الأنواع تصدر الخنافس وميض متقطع وفي هذه الحالة يتوقف التيار العصبي لثواني فيتوقف الوميض ثم يحدث التيار العصبي مرة أخرى ويصدر الضوء من جديد. • إن الضوء الصادر من الخنافس المضيئة يسمى الضوء البارد، عند تحليل العلماء لهذا الضوء وجدوا أنه عبارة عن 100% طاقة ضوئية و صفر% حرارة، حيث أن هذا الضوء لو كان به نسبة حرارة ولو بسيطة لاحترق جسم الخنفساء ودمرت • أسباب استعمال الضوء هذه الخنافس تتواجد في بيئة قاسية ذات حرارة مرتفعة جدّاً فلهذا تلجأ إلى النشاط والبحث عن الغذاء ليلاً . لكي ترى بعضها وسط الغابات الشاسعة والأشجار العالية المتشابكة والتي تخفي ضوء القمر والنجوم في الليالي الصافية،جعل لهذه الخنافس هذه الظاهرة لعدة أسباب وهي:- • لتنير لها الغابات الكثيفة المظلمة ليلاً وترى ما حولها من ظلام دامس. • تتعرف الخنافس التابعة لنفس النوع على بعضها من خلال درجة الضوء وهل هو متصل أم متقطع في شكل ومضات منفصلة. • تستخدم هذا الضوء في جذب فرائسها من الحشرات الأخرى الصغيرة والبزاقات والقواقع وديدان الأرض والتي تنبهر بأضوائها فتقترب منها ثم تقوم بالتغذية عليها. • يستخدم الذكور هذا الضوء لجذب الإناث لعملية التزاوج حيث لكل ذكر إشارة ضوئية معروفة لدى الإناث التابعة لنفس نوعه. بمجرد رؤية الإناث لهذه الإشارات الضوئية فإنها تعطى إشارةً مماثلةً للذكر فينجذب إليها الذكر للتزاوج ونجد بعض الإناث التي لا ترغب في التزاوج من الذكور تقوم بعدم الرد عليهم بالإشارات ×

«نظرية الألعاب» وتطبيقاتها في الحرب على «داعش»

$
0
0

تنتشر ألعاب التسلية مثل الورق وطاولة النرد في بلادنا على نطاق واسع، وتستأثر بشطر معتبر من التحدي الرمزي بين المتبارين في القرى والمدن العربية؛ فعلى إيقاعها الحماسي تمضي الأمسيات بسلاسة نسبية، وعلى خلفيتها يحتسي اللاعبون والمتفرجون مشروباتهم ويستهلكون بشغف لفافات تبغهم. ولكن الألعاب لا تنحصر في جانب التسلية فقط، إذ مثلت مباريات الزجل اللبناني ـ على سبيل المثال ـ وما رافقها من عزف الجوقات المصاحبة على الآلات الموسيقية وسيلة لكسب الرزق، مع ما لها من متعة وتحد رمزي أيضاً. في كل الأحوال، لا يمكن تعقل أي لعبة، فردية أو جماعية، للتسلية أو لكسب الرزق، ورق وطاولة نرد أو زجل، من دون أن تكون لها أصول وقواعد لعب محددة. ولأن الحرب تعد مباراة مسلحة برغم مآسيها وضحاياها، كونها تمثل موقفاً يتطلب قرارات من عدة لاعبين يؤثرون بقراراتهم، بعضهم على بعض، فإن تحديد طبيعة الحرب المقبلة على «داعش» ينبغي أن ينطلق من «نظرية الألعاب». ولا يخفى أن تعيين طبيعة الحرب أي حرب - يعد أمراً مصيرياً للتحليل الأقرب إلى الدقة، لأنه بمجرد معرفة قواعد اللعبة يمكن ابتداء الانهماك في تحليل الأهداف والسيناريوهات.

طبيعة الحرب المقبلة

كانت الحرب وما زالت أكثر المباريات عنفاً في التاريخ الإنساني، حيث عرفت الإنسانية أربعة عشر ألف حرب، يقدر عدد ضحاياها بحوالي ثلاثة مليارات ونصف المليار ضحية. ولما كانت تقديرات عدد البشر منذ بدء التاريخ الإنساني وحتى الآن تقدر بحوالي مئة مليار من البشر، تكون النتيجة أن نسبة واحد إلى ثلاثين من الجنس البشري قد قضت بسبب المباريات المسلحة، أي الحروب. وأصبح من البديهيات والمسلمات أن الحروب لا تمثل غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية أو توسعات جغرافية أو للاستحواذ على ثروات طبيعية. في الحرب على «داعش»، تقود الولايات المتحدة الأميركية «تحالفاً دولياً» متضارب المصالح لمواجهة تنظيم يتمدد على رقعة جغرافية ممتدة بين سوريا العراق، عرفت تاريخياً باسم «بادية الشام». ولما كان قائد التحالف قد عين من البداية حدود تدخله بالضربات الجوية، يتعين إذاً على الأطراف المحلية والإقليمية الحليفة خوض المعارك على الأرض لمواجهة «داعش». وبعطف غموض أهداف «التحالف الدولي» على تلك الحقيقة، سيعني ذلك فتح مروحة واسعة من الاحتمالات أمام الأطراف المحلية والإقليمية، لمنافسة وتحجيم بعضهم بعضاً.

الحرب المقبلة ونظرية لعبها

بسبب تنوع الألعاب وتغلغلها في حياة البشر حول الكرة الأرضية، فقد ظهرت منذ حوالي القرن «نظرية الألعاب» Game Theory التي لقيت اهتماماً متزايداً بمرور الوقت لإمكان تطبيقها على حقول معرفية متعددة. أصبحت النظرية تطبق على نطاق واسع في الاقتصاد؛ حيث حصلت أعمال تتناولها ثماني مرات على جائزة نوبل، مثلما تستخدم في السياسة والبيولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والمعلوماتية. وطبقاً «لنظرية الألعاب»، يتم في الشكل تحديد عدد اللاعبين ونظام التسلسل في أي لعبة، والخيارات أو النقلات المتاحة أمام اللاعبين. وفي المضمون تحتاج أي لعبة إلى طريقة للحساب تؤدي إلى تخصيص أرباح وجوائز، معنوية أو مادية، للفائزين في نهايتها حتى يستقيم منطقها الداخلي. في العلوم الاقتصادية يتم احتساب الأرباح نقداً في الغالب، فيما تحتسب العلوم السياسية المكاسب طبقاً لعدد أصوات الناخبين مثلاً أو عدد مقاعد البرلمان التي حصدها حزب ما؛ أما في الحروب المتعددة الأطراف ـ مثل الحرب المقبلة ـ فالمنطقي أن يتحقق الموضوع باقتراب كل لاعب من أهدافه الحقيقية. تقضي «نظرية الألعاب» بأن العامل الحاكم في تحديد نتيجة الألعاب الذهنية يعتمد على الموقف المعلوماتي للاعبين المنخرطين فيها، والذاكرة التي تسمح لهم باستعادة دائمة لقواعد اللعبة والنقلات التي قام بها الخصوم في الماضي وخبراتهم الذاتية السابقة في مواقف شبيهة، فيصبح مهماً تنشيط الذاكرة في ما اجترحته القريحة الاستراتيجية الأميركية في الماضي لتوازنات المنطقة.

توازنات مُهَندَسَة أميركياً

استراحت واشنطن إلى محاور واستقطابات ثلاثة لحفظ التوازن في الشرق الأوسط الكبير طيلة فترة الحرب الباردة وحتى أحداث سبتمبر 2001: الهند في مواجهة باكستان، إيران في مواجهة العراق وإسرائيل في مواجهة دول الطوق العربية. سمح التوازن في الاستقطابات الثلاثة لأميركا بتمرير مصالحها في المنطقة، بعدما ضمنت توظيف طاقات الأطراف في احتواء بعضهم لبعض وليس مواجهة المصالح الأميركية. لكن التوازن الهندي ـ الباكستاني انهار في أعقاب احتلال أفغانستان وضمور الأدوار الباكستانية واشتعال تناقضاتها الداخلية والعرقية، كما أن احتلال العراق في العام 2003 أطاح التوازن العراقي ـ الإيراني القائم وتدحرج الأمر وصولاً إلى تمكن إيران من مفاصل القوة العراقية، في تعديل صارخ لنتيجة الحرب العراقية ـ الإيرانية بأثر رجعي. ومن الواضح أن انهيار التوازن العربي ـ الإسرائيلي واستمرار الصراع على المستوى الرمزي؛ مع غياب تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، جعل فكرة التوازنات المهندسة أميركياً في الشرق الأوسط طيلة أكثر من خمسة عقود ضرباً من الماضي في ثلاثة أركان المثلث المذكور.
تبدو المصالح الأميركية الأعمق في الشرق الأوسط راهناً متمثلة في حماية النفط من الأقطاب المنافسة وخاصة الصين، فضلاً عن ضمان أمن إسرائيل وإعادة تشكيل التوازن والخرائط بما يضمن ويرسخ هذا الهدف ومعه أمن الحلفاء الإقليميين الآخرين. من هذا المنظور يبدو التقدم الذي حققه المحور الإيراني خلال السنوات الأخيرة على كامل الساحة الممتدة من العراق مروراً بسوريا وحتى لبنان، مزعجاً للتوازن المرغوب أميركياً. من المنطقي إذاً أن الغرض الأساسي من العمليات العسكرية المقبلة يتمثل في تغيير المعادلات المحلية في العراق وسوريا على الأرض، قبل الشروع بحلول سياسية تترجم هذا التغير إلى معادلات إقليمية وتوازنات جديدة، تضمن في النهاية المصالح الأميركية في المنطقة ضماناً أكثر نجاعة، وكل ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً نسبياً. على ذلك، ليس المطلوب أميركياً القضاء على المحور الذي تقوده إيران، أو الانتصار للمحور الذي تقوده السعودية، فهذا أمر غير ممكن، نظرياً وعملياً، بضربات جوية فضلاً عن كونه يصطدم مع التصور الأميركي الأساسي للتوازنات المطلوبة في المنطقة. ومرد ذلك أن الصراع السني ـ الشيعي الذي يقوده البلدان يشكل مركز الدائرة التي سيدور عليها التوازن الإقليمي الجديد والمطلوب أميركياً، ويستجيب لحاجة إسرائيلية في تبديل هوية الصراعات المركزية في المنطقة إلى طائفية ومذهبية. الفارق شاسع وضخم بين تدمير أحد المحاور في اللعبة أو حتى الانتصار لأحد الأطراف، وتعديل التوازن لمصلحة ما تهندسه أميركا من توازنات.

جوهر اللعبة

خصم الولايات المتحدة الأميركية الحقيقي في الحرب المقبلة ليس تنظيم «داعش»؛ بل التوازنات القائمة حالياً في المشرق العربي، أي خصم غير مرئي وتخيلي ويصعب الإحاطة به من الوهلة الأولى. وهذا ما يفسر طول مدة الحرب المرتقبة واكتفاء الولايات المتحدة بالضربات الجوية، لأن المطلوب أميركياً ليس أداء مهمات قتالية اعتيادية لتدمير أهداف فيزيقية محددة وشاخصة أو حتى احتلال أرض وفقاً لجدول زمني مفترض، بل خلق توازنات غير مرئية بالعين المجردة ولكنها ملموسة تخيلياً. وما إتاحة الفرصة للأطراف المحلية والإقليمية لتغيير الواقع على الأرض وفقاً للتصورات الأميركية، سوى تفعيل «الأدوات» لتحجيم بعضها البعض ىالآخر للوصول في النهاية إلى التوازن المطلوب. باختصار غير مخل، المطلوب أميركياً من الحرب المقبلة ضبط التناقضات البنيوية والعداوات التاريخية في المشرق العربي بشكل أكثر مناسبة لواشنطن، وليس اجتراح تسويات تاريخية شاملة أو تعديلات بنيوية جذرية بين المتصارعين.
لعبة الحرب المقبلة ليست لعبة بين طرفين مثل طاولة النرد، أو حتى بين أربعة أطراف يتحالف اثنان منهما في مواجهة الاثنين الآخرين كمثل لعبة الورق، ولا بين عدة أطراف للحصول على المراكز الأولى مثل ألعاب القوى والمضمار. إنها حرب الجميع ضد الجميع، مع وجود لاعب أساسي (أميركا) ولاعبين فرعيين (الأطراف المحلية والإقليمية والدولية)، وهذا هو الجديد واللافت في الحرب المقبلة على «داعش» وقواعد لعبها. على ذلك، ينحدر الاحتفال بالحرب المقبلة لأي محور إقليمي انتمى المحتفلون، بجوهر ومعنى لعبة الحرب إلى حدود التحدي الرمزي أو «التزريك» المشارقي المصاحب لألعاب الورق وحفلات الزجل، ولا يرقى بأي حال إلى مقام الفصل الفارق في تاريخ المنطقة الذي سيبدأ عملياً مع هذه الحرب، ولا إلى «نظرية الألعاب» وتعقيداتها.
وفي النهاية، سترتهن نتيجة اللعبة ـ إلى حد كبير ـ بقدرة اللاعب الأساسي فيها على ترجمة خياله النظري المعقد إلى توازنات جديدة على أرض المشرق العربي، عبر ثلاث أدوات. أولاً السيطرة الإعلامية الكاملة فوق منصة «محاربة الإرهاب»، وثانياً ضبط كثافة النيران كمياً ونوعياً على أرض المعركة وفقاً لأهدافها، وثالثاً، وهو الأهم، دفع اللاعبين الفرعيين ومصالحهم إلى الاصطدام المحسوب بعضهم ببعض من وراء الكواليس!

أمريكا والصين ، قطبا الرأسمالية الهجينة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

بدأت أسس الشراكة التجارية بين أمريكا والصين في  بداية السبيعينات من القرن الماضي مع زيارة هنري كيسنجر لتطبيع العلاقات مع الصين بتوجيه من رأسماليي وول ستريت التي توجت بزيارة الرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1972 .

هذه الزيارة كانت مفاجئة للجميع ، إلا أنه لم يكن أحد يدري ماهو الهدف من هذه الزيارة من دولة تمثل قمة الرأسمالية لدولة شيوعية تعتبر قمة الإشتراكية والتطرف ضد العالم الرأسمالي في خطابها السياسي ؟.

إلا أن زيارات متعددة سبقت لتجار أمريكيين للصين وقتذاك من أجل شراء البضائع ، هي التي فتحت الباب  ومهدت للشراكة الصناعية والتجارية فيما بعد بين أمريكا والصين .

إذ أن الأمريكيين كانوا يلحون في طلبياتهم على مواصفات إنتاجية معينة لتطابق مواصفات اسواقهم التجارية في النوعية والجودة التي كان يفتقر اليها الصينيون في سلع معينة بينما يبرعون في سلع أخرى . وبما أن الصينيون كانوا لايملكون المهارات الفنية والمعدات  اللازمة لتلبية الرغبات الأمريكية ، فقد اقترح الأمريكان عليهم أن يسمحوا لهم ببناء بضعة مصانع لديهم لتصنيع السلع التي يرغبون بها ، ولكن بأيد صينية يدربونها شرط ان تكون بنفس الأجر الذي يدفع للعمال في الصين ، نظراً للفارق الكبير بين تدني أجر العامل الصيني وارتفاع أجر العامل الأمريكي بما يزيد عنه  بعشرين ضعفاً تقريباً وقتذاك .

وجد الصينيون في هذا العرض الأمريكي فرصة لنقل التكنولوجيا الغربية لكافة أنواع السلع التي يحتاجون اليها ، فخصصوا لهم  ارضاً صناعية واسعة ، سهلت للرأسمالية الأمريكية في وول ستريت التخطيط لانفجار الأزمة المالية العالمية في العام 2007 ليبدأ نقل المصانع الأمريكية مع رساميلها ، بعد إعلان إفلاسها ، الى الصين  مع تدريب  مجموعة كبيرة من الأيدي العاملة الصينية على استخدام المصانع الأمريكية بما يكفي للتوسع في الإنتاج السلعي بشراكة صينية أمريكية بكلفة رخيصة وجودة عالية ، وبالتالي بدء إنتقال بعض رؤوس الأموال الأوروبية واليابانية للإستثمار في الصين في هذه المصانع المشتركة بترافق مع مصانع أخرى أوروبية تنقصهم لسلع استهلاكية معينة .

هذه النقلة كانت إيجابية بالنسبة للصين إذ لم ينقل اليها رؤوس الأموال والتكنولوجيا الغربية وتشغيل الأيدي العاملة فحسب ، بل فتحت لها الأسواق الأمريكية والأوروبية على مصراعيها وما يتبعها من زبائن جاهزة غب الطلب في كل أنحاء العالم بما لم تكن تحلم به .

إلا أن ذلك  تسبب بسلبيات كبيرة على المجتمع الأمريكي والأوروبي لنزوح الرأسمال الغربي نحو الصين وارتفاع البطالة  وزيادة حدة الفقر فيه بما أربك الحكومات الغربية ، إذ كان الإعتقاد انه يمكن التعويض عن إفلاس المصانع بدفع  تعويضات بطالة للعاطلين عن العمل لفترة قد لاتزيد عن العام او العامين ومن ثم يبدأ الجميع يتأقملون بأعمال تجارية بسيطة وزراعية وحرفية ، إلا أن "حساب الحقل لم ينطبق  على حساب البيدر"، إذ أن البطالة  تفاقمت لفقدان السيولة المالية الشرائية بين ايدي المواطنين التي انعكست على صغار الباعة بتراجع الطلب على السلع  الإستهلاكية لديهم وتزايد الأيدي الحرفية أو المهنية التي تفوق بأعدادها حاجات السوق ، وبالتالي تضخم الإنتاج الزراعي مع الإقبال الكثيف على العمل فيه لزحف عمال المدن العاطلين عن العمل نحو الريف والقرى بحيث زاد الإنتاج كثيراً عن حاجات السوق ؛ زاده بلّة توقف روسيا عن استيراد المنتوجات الزراعية الغربية المقدرة بخمسة مليارات دولار سنوياً رداً على العقوبات التي فرضت عليها عقب حرب القرم .

وبالفعل فإن تلك الأزمة الطارئة بين روسيا والغرب  التي لم تكن متوقعة ، أربكت امريكا وأوروبا تجاه الروس ، بحيث يطالب المزارعين الغربيين حكوماتهم بالتعويض عليهم وإلا توقفوا عن الزراعة نهائياً منعاً لتزايد الخسائر . كما وأنها  مشكله واجهتها أمريكا مع حلفائها الأوروبيين الذين بدأت أنظارهم تتجه نحوها لإيجاد مخرج لهذه الأزمة  التي ورطتهم بها مع تبعيتهم لها ، أما باستيراد منتوجاتهم الزراعية أو إيجاد أسواق أخرى بديلة لهم ؛ وهو مأزق ليس بالهين إذ أن سياسات أمريكا الخارجية هي التي وضعت الجميع في هذا المأزق مع تطبيق إتفاقية منظمة التجارة العالمية التي عجلت في تفجير الأزمة المالية لسلبياتها .

لذا فإن أمريكا بدأت حالياً بعد طول تفكير ، بتعديل خططها الفوضوية تجاه منطقة الشرق الأوسط ، إذ انها كانت قد اجتهدت بالتعاون مع إيران منذ العام 2003 ، إثر احتلال العراق ، الى خلق توترات أمنية دائمة في المنطقة تعيق دولها بما فيها إيران  عن التفرغ للبناء الإقتصادي ، الصناعي والزراعي ، خوفاً من منافسة شراكتها التجارية مع الصين ، إذ أنه  لولا التورط الإيراني مع أمريكا على احتلال العراق والتمدد فيه ومن ثم محاولة التوسع اللامجدي في المنطقة من خلال المليشيات المحلية  الموالية لها وتورطها في سوريا على حساب قدراتها المالية ونشاطها الإقتصادي ، لكانت إيران بتعاون مع الدول العربية قادرة وإياهم على إنماء المنطقة  وبالتالي منافسة السلع الصينية الأمريكية بسلع وطنية  محلية عربية إيرانية .

ولكنه الدهاء الغربي بادعاء صداقتها لإيران كذباً ، بهدف إشغالها في خصام مع العرب لتبذير أموالهما معاً بالإنفاق على الأمن والدفاع والقتال فيما لاطائل منه ، إذ أن أمريكا هي المستفيد الأول من هذا النزاع المتفجر بين دول ضعيفة مغلوبة على أمرها .

وخطة أمريكا الجديدة  عقب مؤتمر جدة ، بالتعاون مع أوروبا والدول العربية ، استدعت تدخلها عسكرياً مباشرة بالطيران الحربي في سوريا والعراق بقصف مناطق المليشيات الإرهابية التكفيرية المسلحة التي كانت واشنطن بالأصل وراء تشكيلها  ، كما القاعدة سابقاً ، لإرهاق قدرات المنطقة  إقتصادياً ومالياً ، من اجل إعادة الأمن والإستقرار بين الدول العربية مع فقدان إيران السيطرة على الوضع في كل من سوريا والعراق بما لم تتوقعه أمريكا ، لذا اعلن الرئيس باراك أوباما
في 7/8/2014 عن أعادة تقسيم خريطة سوريا والعراق ووفاة إتفاقية سايكس بيكو التي لم يعد لها من وجود مع انتهاء صلاحيتها ؛ وحدد تقسيماً جديداً يقوم على ثلاث دول :

دولة كردية في شمال العراق ودولة داعش الإسلامية في الوسط حتى الداخل السوري ، وثالثة شيعية في جنوب العراق على ان تكون عاصمتهم بغداد ضمن جمهورية كونفدرالية ؟!  .

والقصد من هذا التقسيم هو إعادة بعث الإستقرار في كل من العراق وسوريا ووقف الإقتتال نظراً لفشل إيران في هذه المسعي بعد سنوات  طويلة من تواجدها بتفويض من أمريكا .

 إذ أن احداث اوكرانيا  والخلاف مع روسيا بشأنها   قلب المعادلات والمخططات جميعها لإعادة تصويبها بما يتوافق والمصالح الغربية ، فكان مؤتمر جدة الذي تطلب التعاون الغربي مع العرب وإيران معاُ من أجل إعادة الإستقرار للمنطقة وبالتالي إعادة البناء من الأضرار التي خلفها اعمال الإرهاب على مدى سنوات طويلة ، من جراء احتلال العراق ،  بحيث يؤدي الأمر الى إيجاد  فرص كبيرة للعمل وبالتالي توفير السيولة بين أكبر شريحة من المواطنين لاستيراد السلع الزراعية وخلافها من أوروبا من أجل التعويض عن مستوردات السوق الروسي الذي فقدوه من جراء أزمة اوكرانيا .

مع فرط التحالف الأمني الأمريكي الروسي بتوزيع مناطق  النفوذ بينهما في العالم واختلال المعادلات السابقة بالعودة الى الحرب الباردة كما كانت في السابق بين الإتحاد السوفياتي وأمريكا ، تحول الأمر الى تنافس إقتصادي بين الجبارين بتسابق لتوظيف الأموال وإنشاء التكتلات الإقتصادية و المالية مع دول العالم . فكان تكتل البريكس من دول البرازيلوالصين والهند  وروسيا  وجنوب أفريقيا   ، بما يشبه الحلف في السعي لإنشاء صندوق مشترك للإستثمار يتراوح محتواه بين 50 و100 مليار دولار ، إلا أنه لايرقى الى الشراكة المتينة بين أمريكا والصين ،  إذ انها شراكة حقيقية في استثمار الرأسمالية الأمريكة أموالها في تصنيع بضائعها في الصين بكلفة متدنية ، اما البريكس فهو تعاون وتبادل في فتح الأسواق فيما بين أعضائه ؛ لذا لم يكن مستغرباً ان تكون الصين عضواً فيه باحثة عن مصلحتها في الإستثمار في هذه الدول مع فائض الأموال لديها بإقامة مصانع لها في هذه الدول بأيد صينية بما تملك من خبرة صناعية متقدمه وبالتالي المساهمة في مختلف المشاريع الإنتاجية والإستثمارية .

ودخول الصين في مجموعة حلف البريكس يعني دخول أمريكا بطريقة غير مباشرة بصفتها شريكة لها في معظم المشاريع الإنتاجية والتجارية ، وبالتالي فإن دخول الصين وتوسعها  هو دخول للشريك الأمريكي وتوسعه  بطريقة غير مباشرة في هذا الحلف التي أقيم أصلاً بمواجهة القوى الإقتصادية الأمريكية ، إلا أنها لم تكن موفقة بإدخال الصينيين اليه ، الذي يعني إدخال الشريك الأمريكي بشكل فعلي ؛ ولاشك أنهم يعلمون ذلك ولكن لاحيلة لهم .

هذه الشراكة الصينية الأمريكية جعلت الوضع صعباً بالنسبة للدول الأخرى مع اتباع الصين  السياسة الإغراقية السلعية التي عجزت عن مواجهتها دول عدة مع وجود نظام الحد الأدنى للأجور لديها ، الذي  تفتقده الصين والمانيا وهو سر استمرارهما ونجاحهما في مواجهة الأزمة المالية التي اسقطت بلدانها مشكلة توالي إرتفاع الأجور بما يعني توالي ارتفاع اسعار السلع بما لايحتمل مع عدم قدرتها على منافسة الأسعار الإغراقية للسلع الصينية والآسيوية والهندية . إلا أن بعض دول أمريكا اللاتينية بدأت تحاول اللحاق بالركب مع تخليها عن هذا المبدأ بتركها حرية الأجر لكل  مؤسسة أو مصنع بما يتلائم مع قدراته المالية وفق نظام المنافسة الحرة ؛ لذا بدأت بعض الرساميل الأجنبية تتسابق  نحو المكسيك للإستثمار فيها مع تدني أجر العامل لديها الذي يعتبر في أسوأ حالاته افضل من تفشي البطالة وتناميها   .

ومع هذا التنامي للشراكة  المالية الإقتصادية التجارية الصناعية بين أمريكا والصين فإن ذلك سيؤدي الى تراجع دور روسيا كقطب سياسي عالمي مواجه لأمريكا لضعف نقدها مع وهن  إقتصادها ومؤسساتها المالية لفساد نظامها في تورط بعض أركان السلطة  في أعمال تجارية فاسدة عديدة باحتكارها من خلال عائلاتهم وأصدقائهم وأقاربهم عدا الإستفادة من المال العام بما يعرقل النمو والنهضة المرجوة بشكل حكمي  ، على عكس النظام الأمريكي الذي يقتصر نشاطه على القطاع الخاص دون اي شراكة من قبل الحكام ، وكذلك الصينيين ، وهذا سر نجاحهما معاً .

لذا فإن هذه الشراكة الإقتصادية المتينة ستؤدي الى تطور الصين بشكل هائل لتصبح القطب الآخر كدولة عظمى في مواجهة أمريكا بديلاً عن الروس الذين يسعون الى الإبقاء على مواقعهم بالقوة والإرهاب على حساب نموهم الإقتصادي وهذا مستحيل .إذ ان الدول العظمى اذا لم يكن لها من قاعدة إقتصادية قوية ونقد نقوي فيستحيل ان تكون دولة عظمى ولو أطلقت على نفسها هذا التعريف ، إذ أن القوة تبدأ بالإقتصاد كما هي الصين التي لاتستعمل السلاح أو الإرهاب ضد اي دولة أخرى وقد غزت العالم وفرضت نفسها بسلعها الرخيصة الثمن دون إطلاق رصاصة واحدة .

ومع هذا التطور العالمي للإقتصاد نتساءل أين الدول العربية من هذا التطور والمتغيرات الإقتصادية المستجدة على الصعيد الدولي ؟!

مع كل الحملات الظالمة  الذي تساق ضد الحكومات العربية من شعوبها ، فإن لبنان هو الأول بين الدول العربية الذي كان يستطيع ان يتبوأ موقعه بين دول العالم الثالث المتقدمة والتفاعل معها في الصناعة والزراعة ومختلف الأنشطة الإقتصادية نظراً   لثروة ابنائه العلمية  لولا تحالف الإقطاع المالي الحاكم  مع المليشيات المسلحة التي يرعاها في تحالف وشراكة معها ، لتعينه  منذ العام 1975 على حصر أعماله التجارية في العاصمة بيروت  بتعطيل كل المرافق الرسمية المنتجة  في طرابلس من سكة حديد ومطار ومصفاة نفط ومرفأ ومحطة كهرباء ،- التي كانت قد أنشئت من حكومة الإنتداب الفرنسي كرافد اساسي للخزينة العامة لأهمية  موقعها التجاري التاريخي وملائمته - ، رغم ما في ذلك من أضرار على الخزينة والوطن بما ادى التي تراكم 65 مليار دولار ديناً عليه لسؤ ممارسات هذه الطبقة الرأسمالية  وجشعها ، بحيث يستحيل إيفاء هذاالدين ما لم تعد هذه المرافق إلى العمل في مدينة طرابلس كما كانت عليه من قبل.

إذ أن هذا التعطيل القسري لهذه المؤسسات الرسمية قد أضر الخزينة بحوالي عشرة مليارات دولار سنوياً ، إلا أنه يحقق ارباحاً تقدر بحوالي خمسة مليارات دولار سنوياً لهذا الإقطاع المالي  بشراكة مع المليشيات ، لأنه لو أعيد تشغيلها فقد تتضائل ارباحه الى مليار دولار سنوياً  تقريباً بما يجعله يصرف النظر نهائياً عن إعادة تشغيلها مع تقديمه مصالحه الخاصة على مصالح الوطن . ولولا أن المليشيات المسلحة الحزبية تعمل بإمرته وحمايته لما استطاعت الإستمرار حتى الآن في تهديم اقتصاد الوطن لدوام استمرار أرباحها اللامشروعة .

وبالإنتقال من لبنان الى الخليج ، خاصة المملكة العربية السعودية فإنها ووجهت منذ عقود بمعارضة أمريكية وإعاقة لمعظم مشروعاتها الزراعية ، خاصة زراعة القمح التي تعتبر مادة استراتيجية ضرورية اعترضت عليها بحجة الخوف من نفاذ المخزون المائي ،  علماً انها لم تعترض على إهدار مخزون المياه الجوفية بليبيا  لمشروع النهر العظيم   في العام 1983 الذي لم يكن من حاجة ملحة له لقلة أعداد السكان الذي لم يتجاوز الخمسة ملايين نسمة ، وقتذاك ،   كانت قادرة على الإكتفاء بمياه الآبار المتعددة لمشاريع فردية صغيرة الى جانب مشاريع تحلية المياه .

إضطرت المملكة تحت ضغط أمريكا وغضبها الى إيقاف زراعة القمح التي لاتشجع زراعته لدى الدول المغلوبة على أمرها نظراً  للفائض الهائل لديها التي تتطع دائماً الى تصريفه للخارج عدا تطويع الدول الفقيرة لسياساتها من خلاله .

ولما حاولت المملكة إستثمار اراض زراعية في السودان أو الحبشة أو مصر أو سوريا كانت امريكا تعرقل كل جهودها في هذا السبيل بوسائل متعددة  ، إلا أن معظمها يتعلق بتعمد الإضطراب الأمني في تلك الدول وفي المنطقة وبث الإرهاب فيها من أدوات محلية وإقليمية لإعاقة اي نهوض إقتصادي او صناعي أو زراعي . لذا فإنه لابد من إعادة النظر في شأن الزراعة الداخلية من قمح وعلف وخضار في دول الخليج بالسماح للزراعات الصغيرة والمتوسطة  بالتوسع بالقرب من الآبار ، لأن المياه يعود معظمها الى جوف الأرض عند الري ، خاصة في المساء ، عدا توفر مياه الشرب من مشاريع تحلية المياه في المملكة مع توفر صناعة معظم قطع الغيار اللازمة لها . ومن الأجدى استحداث ربط مائي بين المملكة وسائر دول الخليج لدوام توفرالمياه وتطوير تحليته ، ومن ثم الإنتقال للإستثمار الزراعي في الخارج بعقود مبتكرة تفرضها الضرورة والحاجة  في شراكة حقيقية بين صاحب الأرض والشريك الخليجي ، بما يتيح الزيادة في إنتاجها والإهتمام بها من قبل صاحب الأرض الأصيل .

ومع أن المملكة لديها اكثر من ثلاثمئة  ألف طالب يدرسون في الجامعات الغربية بمختلف الإختصاصات في محاولة منها  لتطوير مجتمعها الداخلي نحو الحداثة ، إلا أن تخرج هؤلاء الطلبة  لايعتبر كافياً في تطوير المجتمع السعودي وبناء إقتصاده مستقبلاً ، إذا لم يتم تحديث النقل الداخلي وتيسيره بتذليل كل العقبات أمامه ليصبح  بأقل تكلفة ممكنة مع العمل والتخطيط لتوفير السيولة المالية بين ايدي المواطنين إلى جانب تحقيق كافة التأمينات الإجتماعية والتعويضات للرجل والمرأة معاً .

أما على الصعيد الصناعي فإن تبادل الإستثمارات بين دول الخليج  وبين  الدول الصناعية الكبرى الأقل اجراً  كالصين هو افضل استثمار لخلق مجتمع علمي لديها ؛ على أن تبدأ كما الأمريكيين بشراكة مع الصينيين على بناء مصانع لحسابهم  في الصين  واستثمارها ومن ثم شراء مصانع من عندهم للتصنيع في الخليج لدوام التعاون والتوسع به في تدريب مهنيين سعوديين وخليجيين .

إلا انه يجب ان يترافق ذلك بإنشاء  مؤسسات مصرفية ومالية خليجية في العالم الغربي وفي أمريكا بالذات لحفظ المال العربي من الضياع في البنوك الغربية التي يتعمد اصحابها على إفلاسها عمداً بين فترة وأخرى كلما ارتفعت السيولة الأجنبية بها كعمل من أعمال النصب والإحتيال ، إلا أنهم يبررون ذلك بأن هذا المال لاوظيفة له لموديعه  من رؤساء الدول وكبار مسؤوليها والإ لما اودعوه لديهم ، وهو عذر اقبح من ذنب ، إلا أنه قد يكون فيه شيء من الصحة ، ولكن لايبرر سرقته ونهبه .


شهب لا تـُرد وصواعق لا تـُصد

$
0
0

 
السعودية (ومثلها كل الدول العربية) تلعب دور محوري في نزع السلاح القديم من العالم - أي لم خردة سلاح العالم. فتشتري صفقة صواريخ صينية DF-21 موديل 1991.

متى سيفهم العرب (بما فيهم مصر) أن دخول الإلكترونيات والاتصالات في القطع الحربية الكبيرة جعل من المحال استخدام أي طرف لأي سلاح كبير ضد رغبة صانعه. وبالتالي فاللهاث وراء جمع الأسلحة الكبيرة لا يفيد في شيء إلا بهجة الجموع غير المتعلمة. ولعل الأزمة البسيطة في العلاقات المصرية الأمريكية أوضحت كيف أن كل الأسلحة الكبيرة (طائرات، دبابات، ...) أصبحت حبيسة المخازن بمجرد حجب الصيانة عنها.

لقد ولى عهد (نجاعة) شراء السلاح إلى غير رجعة.
الأسلحة الذكية تحيل تجارة السلاح التقليدي الكبير للانقراض.

فمثلاً بالاضافة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تحد من تحريك المقاتلات والدبابات المصرية إلى سيناء، فأنا لن أستغرب إن اكتشف الجيش المصري أن مقاتلاته ودباباته الحديثة لن تعمل (لن تستجيب تقنياً) إذا حاول تحريكها مثلاً إلى سيناء. 

لذلك فنحن أمام لحظة تاريخية فارقة. فالجيوش كما عهدناها في القرن العشرين مآلها الانقراض السريع للدول غير الصناعية. وهو أمر يتسق مع تآكل مفهوم السيادة في عصرنا الحالي. 
ولكن انتظروا. إذا لم يعد هناك جيوش عربية، فمن يحكمنا؟ وماذا نفعل بثلث ميزانياتنا الذي ننفقه على شراء كتل الصلب لكي نرسم عليها أعلام بلادنا؟

فعلى القادة العرب تحاشي سخرية الدول الكبرى بالإلحاح على اقتناء أسلحة كبيرة من تراث القرن العشرين. 

إغداق الأموال على الدول الكبرى لن يطيل بقاء حكمك.

انفق فلوسك في تعليم شعبك ورعايته، فيحميك.


من يهدد السعودية؟

العنوان المسجوع "شهب لا تـُرد وصواعق لا تـُصد لحماية الحرمين الشريفين"كان مانشيت جريدة عكاظ للإعلان رسمياً عن شراء السعودية للصواريخ الصينية القديمة، عن لسان اللواء أنور عشقي، الخبير الاستراتيجي السعودي. ولكننا نعلم أن مكة والمدينة لا يوجد من يهددهما على الاطلاق. كما أن السجع وغيره من المحسنات البلاغية لن يـُلقي الرعب في قلوب الإيرانيين، فأكثرهم لا يتكلم العربية. 

والتهديد الوحيد لقصف السعودية هو من صواريخ إيرانية قصيرة المدى والتي لن تُطلق من إيران، بل من ميليشيات حليفة لإيران في محيط السعودية (الحوثيون باليمن، أو عصائب أهل الحق في العراق) أو من داخل السعودية (في القطيف مثلا، لا قدر الله). والرد على عصابات كر وفر لا يكون بصواريخ بالستية ثمن الواحدة منها نحو 20 مليون دولار، رداً على صاروخ تكلفته بضعة ألاف من الدولارات. لذلك فردع ذلك التهديد لا يكون عسكرياً، خاصة حين يكون الخصم منتج لتلك الصواريخ ويمد أحد حلفائه (حزب الله) بعشرات الآلاف من الصواريخ، فكم يا ترى يكون كم الصواريخ المكدسة لدى الصانع نفسه؟

إيران قد توغر النعرات الطائفية لإثارة الضغينة بين شيعة القطيف ووهابيي نجد. الصاروخ البالستي البالغ ثمن الواحد منه 20 مليون دولار لن يحمي السعودية من هذه المشكلة. ولكن قديماً قالوا: "أن ترد الماء بالماء أكيس". إيران أيضا لديها طوائف وأديان وأعراق ولغات متعددة. ولكنها تؤمّن نفسها بالمساواة ولو نظرياً. فقد كان وزير دفاعها منذ 8 سنوات عربياً من الأحواز، "علي شمخاني"، فهل تستطيع السعودية تعيين وزير دفاع من خارج آل سعود، ولا أقول شيعي من القطيف؟

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20140918/Con20140918723944.htm

صفقات السلاح لشراء ود الدول الكبرى

ببساطة السعودية تريد شراء ود الصين، وبذات الوقت لا الصين ولاأمريكا سيسمحوا، حسب مدونة منع انتشار الصواريخ البالستية، ببيع صواريخ متقدمة للسعودية أو أي دولة من العالم الثالث.

http://www.marefa.org/index.php/مدونة_السلوك_الدولية_ضد_انتشار_الصواريخ_البالستية


فضيحة الميج-29 الجزائرية:

ولعل فضيحة صفقة الطائرات الميج-29 الجزائرية عام 2007 هي خير دليل على ضعف وهوان العرب واستهانة صناع السلاح بنا، لولا الصدفة. فقد اشترت الجزائر 34 ميج-29 بمبلغ 3.1 مليار دولار. ولدى وصول طائرات الميج الجديدة، فوجئ عمال الصيانة بالقوات الجوية الجزائرية بكتابات باللغة العربية على بعض أجزاء الطائرات. وبالتمحيص اكتشفوا أن الكتابات هي أرقام تخزين الورش الجزائرية لقطع من طائرات ميج-21 كانت الجزائر قد استبدلتها بقطع أحدث ضمن خطة تطوير في عام 1990. روسيا رفضت الاتهامات لمدة عام كامل، حتى واجهتها الجزائر بالأدلة الدامغة، فاضطرت روسيا لسحب كل طائرات الميج-29 من الجزائر واستبدلتها بطائرات أخرى "جديدة"من طراز ميج-35. ليس الهدف من تلك الرواية التعريض بروسيا أو الاشادة بيقظة الجزائر - وكلاهما واجب، بل لأننا العرب كلنا ذاك الرجل، فنتعرض للنصب والاحتيال ليل نهار.

http://ar.algerie360.com/مسؤول-روسي-يعترف-بـالاحتيال-على-الجز/


pic.twitter.com/ZROIFbOQUt

المخازن التجارية الكبرى وأثرها في تعميم الفقر والبطالة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

بدأت المخازن  الإستهلاكية الكبرى تغزو العالم العربي في الربع الأخير من القرن الماضي بشكل واسع متنام ، من شركات أجنبية ومن ثم محلية ، أبهرت عامة الناس في أناقتها ونظافتها وترتيبها وإضاءاتها ، وبالتالي وفرت معظم السلع التي تحتاجها العائلات في إستهلاكها اليومي والتي لاتحتاجها ، إلا من باب الفضول والإغراء من حيث جاذبية السلعة وشكلها وبما يتوفر في الجيب من مال .

وهذه المخازن قد تقتصر محتوياتها على المواد الغذائية ، وقد تتوسع لكل الحاجات المنزلية ، بل ولمتطلبات الزبائن  الإستهلاكية من الإبرة حتى السيارة ، إلا ان معظمها يقتصر على حاجيات ربات البيوت المطبخية من مواد غذائية وخضار ومواد تنظيف  ومعدات كهربائية وخلافها .

إلا أنه قبل أن استرسل فإنه يجب التفريق بين المخازن الغذائية الإستهلاكية وبين الأسواق التجارية الإستهلاكية ، وهناك فرق كبير بينهما قد لاينتبه اليه المواطن العادي ولايعني المستهلك ، طالما أنه يؤمن حاجياته . إلا أنه قد يندفع أكثر الأحيان في تأمين حاجياته الشرائية نحو المخازن الإستهلاكية دون الأخرى لسهولة  التناول والشراء منها مع تعدد الخيارات وتنوعها  . وقد أشرت الى هذا الفرق لأبني عليه مطالعتي في سلبيات الأولى وإيجابيات الأخرى  على الوضع الإجتماعي في الوسط المديني الذي تتواجد فيه هذه المراكز الغذائية الإستهلاكية .

عقب الأزمة المالية العالمية في العام 2007  بدأت ترتفع الأصوات لإيجاد حل لهذه البطالة المتفاقمة التي انفجرت فجأة دون سابق إنذار وأدت إلى إغلاق المصانع والشركات الغربية ، ليدرس البعض دور المخازن الإستهلاكية في تفاقم البطالة ، وليتوصلوا الى استنتاجات تدعو إلى عدم التوسع بها ، بل وإلى إغلاقها لصالح محلات التجزئة الصغيرة التي تعطلت أعمال معظمها بسببها .

وبما انه يتعذر إغلاقها فقد دعا البعض الى عدم إعطاء تراخيص جديدة لمخازن استهلاكية ضخمة أخرى . وظل الأمر مجرد صرخة تبنتها بعض الشركات من اصحاب هذه المخازن دون تشريع قانوني من حكومات الدول الأوروبية ، إذ غلب على تلك الأصوات مشاكل إقتصادية ومعيشية أكبر بفعل تداعيات الأزمة المالية وتنامي البطالة والفقر ، حيث ضاعت هكذا نداءات التي رأى البعض أنه لاجدوى منها في التخفيف من حدة الأزمة على ضخامة حجمها ؛  فأُهملت ليستمرالعمل في إنشاء هذه المخازن بنفس المنوال الجاري وبالتالي تفاقم الضرر الإقتصادي والإجتماعي على المجتمع المديني وسائر الوطن .

أما سلبيات إنشاء هذه المخازن وضررها فإنها تعكس في واقعها وحقيقتها  جشع ومسيرة  الرأسمالية  النهمة الذي لاتشبع ؛ وتلتهم ماحولها كما التهام النار للقش  دون شفقة أو رحمة ، وفق الإيضاح التالي :

لو عدنا قليلاً إلى الوراء وأوغلنا في القدم حتى العصر المملوكي ،  الذي لاتزال آثاره   قائمة حتى الآن في الأسواق القديمة لمدينتي القاهرة وطرابلس – لبنان ، فإننا نجد مساحات هذه المحلات التجارية ، تتراوح بين العشرة والعشرون متراً في معظمها  ، لتتوسع في العصر العثماني لتصل في متوسطها الى ثلاثون متراً ، باستثناء الخانات المشابهة للأسواق الإستهلاكة المعاصرة التي سآتي عليها فيما بعد ، ولتتراوح مساحتها خلال  مرحلة الإستعمارالبريطاني الفرنسي الى خمسون متراً بمعدل وسطي ، مع استثناءات قليلة لمحلات قد تقارب المئة متر ؛ ولكن في المحصلة فإنها ظلت في معظمها على نفس المساحات القديمة باستثاء تعديل طفيف في الزيادة .

وسبب هذا التعديل العثماني في المساحات فرضته الظروف ، لتنامي ثروات الطبقة الوسطى التي كانت تحتاج الى زيادة في مساحات المخازن تبعاً لزيادة الطلب مع إرتفاع عدد المواليد في كل مدينة . مما يعني أن تخطيط هذه المساحات كانت تراعي إمكانيات وقدرات الباعة المالية ونوع عملهم . فلو القينا نظرة على هذه الأسواق والهدف من إعدادها لوجدنا ان المساحات تتعدل فعلاً وفقاً لنوع التجارة  أي نوعية السلع المعروضة فيها ورواجها في الحاجة اليها .

ولو مررنا في الأسواق المملوكية القديمة لمدينة القاهرة أو سوق الصياغين في مدينة طرابلس- لبنان ، لوجدنا ان محلات الذهب هي الأصغر حجماً بين محلات المهن الأخرى ، إذ تتراوح مساحاتها بين الخمسة والعشرة أمتار كحد أقصى للمخزن الواحد لأن حجم بضاعتها محدود ، ولو توسعنا في الجولة ، فإن محلات الخضار هي ايضاً محلات صغيرة الحجم إلا أنها تزيد قليلاً عن محلات باعة الذهب ، ليس لأن بضاعتها تستهلك سريعاً في الإقبال على شرائها ، بل بهدف توسيع الرزق والإفادة بين أكبر عدد من الباعة ، إذ أن  وراء كل بائع إسرة ومسؤوليات . ولكن مع التجول في سوق الموسكي في القاهرة وسوق البازركان  في مدينة طرابلس حيث باعة الأقمشة  ، نجد وسعة في هذه المحلات بحيث قد تصل مساحة المحل الى خمسون متراً ، ماعدا الإستثناء الذي ليس مقياساً ، وفقاً لنوعية بضاعتها التي تتطلب تخزيناً وتكديساً مع تعدد انواع الأقمشة والألوان تبعاً للفصول .

ولكن ماأريد أن اشير اليه هنا في هذا السياق الضروري الذي سأنتقل منه الى التحدث عن أضرار المخازن الإستهلاكية الحديثة الضخمة ، هو أن الشارع أو الحي فيما مضى قد تجد فيه حوالي خمسون محلاً للخضار او البقالة  بشكل متلاصق ومع ذلك فالكل في بحبوحة مالية رغم تشابه نوعية السلع.

أما اليوم فقد اختلف الأمر تماماً مع افتتاح المخازن الإستهلاكية الكبرى ، إذ لو قمنا بإحصاء ضمن مدينة معينة كبيرة لدراسة وضع باعة البقالة فيها ، أي باعة المواد الغذائية من حبوب ومعلبات وخلافه ، من قبل افتتاح المخازن الإستهلاكية الكبيرة فإننا سنذهل بالنتيجة السلبية التي تسبب فيها هذه المخازن في الإضرار بالطبقة الوسطى وتفشي البطالة داخل المجتمع  بحيث أدى ظهورها إلى إغلاق محلات بقالة عريقة كانت تعيش في بحبوحة مالية وتشغل ألاف الأيدي العاملة ، إلا أن ظهور المخازن الإستهلاكية ادى الى إفلاسها وبالتالي إغلاقها وصرف عمالها وموظفيها .

والضرر ليس بالضرروة ان تكون المخازن الإستهلاكية الكبرى مجاورة لصغار الباعة أو على مقربة منها ، بل أن ضررها قد يمتد لكيلومترات عدة بشكل دائري  شعاعي .وللتأكد من ذلك فلنأخذ بضعة أمثلة عشوائية واقعية من مختلف الأماكن من مدينة طرابلس ، كمثال عن كل مدن لبنان والمدن العربية ،  للتأكد من هذه السلبيات ومدى الأضرار التي أنزلتها بالمحلات الصغيرة  للمواد الغذائية وسلع أخرى مختلفة .

محلات زيدٌ للبقالة ، وكانت افتتحت في العام 1985 ، وقد أخذ صاحبها تعويضه من الشركة التي يعمل بها لشراء محل في طرف المدينة الشمالي من طبقتين بمساحة مئة متر تقريباً ليعمل به في بيع البقالة والخضار ، لم يكن المبلغ معه كافياً بل نقده للمالك كدفعة اولى ثم بدأ يوفي ثمنه من أرباح المحل حيث  كان يعمل مع ثلاثة من أولاده به .و بعد خمس سنوات ازدهر العمل في المحل ، فاصبح لديه عشرة عمال ، بعضهم لتوصيل الطلبات الى البيوت ومنهم لصناعة اللبن والجبن وآخر للذهاب الى السوق لأكثر من مرة في اليوم لشراء الخضار والفواكه كلما نقصت ، وكان يجب عليك الإنتظار لشراء حاجياتك حتى يأتي دورك ، وتزوج الشباب الثلاثة خلال عشر سنوات من العمل ليشتري كل واحد منهم منزلا وسيارة وعلموا اولادهم في مدارس خاصة ومن ثم في جامعات خاصة ليتخصص  احدهم في جامعات لندن ، وكله من أرباح المحل .

ولكن فجأة منذ خمس سنوات ، بدأت اعمال المحل تتراجع ويتناقص عدد العمال إلى أن أصبحوا اثنين فقط بحكم الضرورة ، ثم ليتوقف نشاط المحل نهائياً نهاية العام الماضي ويتفرق الجميع ، ليتم تأجير المحل ويذهب كلٌ في سبيله . ولابد من الإشارة إلى ان مبيعات هذا المحل كانت لاتقل عن الثلاثة آلآف دولار يومياً فما فوق لتبدأ بالتناقص إلى أن اضحت مئتي دولار فقط من قبل ان يغلق نهائياً .

ولنأخذ مثلاً آخر من وسط المدينة كعينة لمئات المحلات المماثلة ، وهو بقال صغير افتتح محله  العام 1980 في حي صغير بين الأبنية ، وكانت مبيعاته لاتقل عن الخمسمئة دولار يومياً استطاع من خلاله  الزواج والإنجاب وتربية اولاده وتعليمهم وتزويجهم مع كل فرد منهم سيارة بعد ان توظفوا ، ولكنه الآن يشكو ويفكر بالإغلاق وقد استغنى عن بيع البوظة خوفاً من ارتفاع فاتورة الكهرباء ، إذ هبطت مبيعاته الى الخمسين دولاراً في اليوم ، وهو دائم الجلوس امام المحل لندرة الزبائن .

وأسوق مثلاً ثالثاً واخيراً وهو محل لبيع الأدوات المنزلية في وسط المدينة كان عمله مزدهراً ، ولكن ماان فتحت المخازن الإستهلاكية الكبرى حتى خف عمله تماماً مما اضطره الى الإقفال وتأجير المحل ، كما عشرات غيره  داخل الأسواق واطراف المدينة  ، عدا إغلاق محلات عدة لبيع اللحوم داخل الأسواق القديمة وخارجها  .

والسبب في ذلك التراجع في العمل والإقفال لهذه المحلات الصغيرة من بعد ازدهارها ، هو أن  ثلاث مخازن استهلاكية كبرى تبيع المواد الغذائية واللحوم والأدوات المنزلية المطبخية والكهربائية ، قد افتتحت على أطراف المدينة اعتباراً من العام 2000 لتبدأ المحلات التي اشرت اليها بالإقفال .

وتأثيرات هذا الإقفال لمئات المحلات خطيرة جداً على الوضع الإجتماعي في المدينة بسبب افتتاح المحلات الإستهلاكية الكبيرة تلك برساميل ضخمة اوجدت فيها كل انواع السلع وبكميات كبيرة . وقد تكون قد وظفت ربما بضع مئات من العمال ، إلا أنها قد تسببت بإقفال مئات المؤسسات العائلية الصغيرة التي كانت تضم وتستخدم وتعيل  عشرات الآلآف من الأفراد ؛ كما وأدت إلى  عجز ألاف المؤسسات عن التوظيف مع تراجع قدراتها المالية مما يعني تفاقم البطالة لعشرات الآف من الشباب داخل الوطن  .عدا المصاعب المالية لآلآف المؤسسات التي تنازع في البقاء وقد تراجعت اعمالها بشكل مخيف واعترى أصحابها  الفقر والعوز ، أذ بدأت معظم العائلات الميسورة والمتوسطة والموظفين ممن يملكون السيارات بالتوجه لشراء حاجياتها من المحلات الإستهلاكية  ، بينما كانت قبلاً تشتري حاجياتها من البقاليات المجاورة لمساكنها  وبالتالي إفادة آلاف العائلات التي تعتمد على العمل في هذه المحلات  لتأمين معيشتها .

ومن هنا فإن المخازن  الإستهلاكية الكبرى كانت بلاء على المجتمعات المدينية إذ  عممت البطالة فيها ، من ظاهرة وباطنة ، لآلآف العائلات كان بالإمكان تجنبها فيما لو ان الدولة انتبهت لهذا الأمر بتنظيمها ، بحيث لاترخص لمحل بقالة  تزيد مساحته عن المئة متر كحد اقصى ليتاح للأخرين ان يعلموا بما فيه خدمة أفراد المجتمع وتحصينه . ويحضرني  هنا رواية من الأدب  العربي الشعبي  متداولة ، وهو أن أحدهم توقف صباحاً  ليشتري من محل ، فقال له البائع لقد استفتحت اليوم فأتمنى عليك ان تتوجه لجاري وتشتري من عنده لتسعده ويكون نهاره مباركاً . والقصد من ذلك هو ان تعمل الدولة وتخطط في توزيع الرزق بعدالة بما فيه خيرالمجتمع .

وانهي بتحديد الفروقات بين المخازن الإستهلاكية والأسواق الإستهلاكية ، فالمخازن الإستهلاكية الكبرى عبارة عن مكان واسع تعرض فيه كافة أنواع  المواد الغذائية والإستهلاكية في قاعة ضخمة واحدة ، اما الأسواق الإستهلاكية الكبرى فهي اسواق حقيقية فيها قاعات وطبقات ضخمة مكيّفة ومحلات مستقلة ومطاعم ومقاهي ودور سينما ومسابح ، أي انها اسواق متكاملة كما المحلات خارجها ، إذ كل مخزن فيها مستقل لحاله ، أي أن  كل صاحب مخزن مستثمر فيها  قد يكون من عائلة متوسطة حيث يتم تشغيل ألاف الأيدي العاملة وبالتالي امتصاص البطالة ، لذا فإن وجودها إيجابي لتشغيل الأيدي العاطلة عن العمل ، مما يعني النهوض بالطبقة الوسطى في اعمالها التجارية من بيع وشراء ، على عكس المخازن الإستهلاكية الكبرى التي أضرت بسوق العمل ، من أرباب عمل وعمال ، اي أضرت بالطبقات الوسطى والفقيرة بتعطيل أعمالها واشغالها ، وبالتالي أضرت بالوطن واقتصاده ومجتمعه لغياب الدولة وإهمالها .

صراع حول مزاد بيع الجهاز العصبي لمصر - المشروع القومي للبرودباند

$
0
0

وزير الاتصالات يريد التخلص من رئيس المصرية للاتصالات للانفراد بمزاد بيع البنية التحتية لشبكة الاتصالات المصرية. إنه صراع الأجهزة. هذا هو محتوى خبر في "المصري اليوم"عدد الأحد 28 سبتمبر 2014، بعنوان 

عاطف حلمي وزير الاتصالات وتكنولوجيا

  وزير الاتصالات يتبنى خطة للإطاحة بـ«النواوي» من «المصرية للاتصالات»

http://www.almasryalyoum.com/news/details/533848 

سوء خدمة الإنترنت، ثم انطلاق ما سُمّي #ثورة_الإنترنتالتي باركتها كل أجهزة الدولة، بما فيها وزارة الاتصالات والمصرية للاتصالات وجهاز تنظيم الاتصالات. (أرجو ما يطلعش واحد يصرّخ: ماتقولش كدة على ثورة الإنترنت المجيدة). على وكان أول اعلان عن رئاسة الوزراء في أول يوم لتولي ابراهيم محلب المنصب، في 2 مارس 2014، كان اطلاق "المشروع القومي للبرودباند". وقد ظهر اعلان ربع صفحة في اليوم التالي بالأهرام لاستدراج مؤهلات المقاولين. وتصادف ذلك مع اذاعة جهاز تنظيم الاتصالات عن أرقام تدل


ثم بدأ المسئولون في الظهور على التلفزيونات ليقولوا لنا أن المشكلة هي في أن الكابلات النحاسية التي تتكون منها شبكة الاتصالات القومية مهترئة. ويجب استبدالها بشبكة من الألياف الضوئية، تتكلف فقط 12 مليار دولار.

وفي 28 مايو 2014، سافر محمد النواوي، رئيس المصرية للاتصالات، إلى نيويورك تسبقه حملة إعلانية من TE Data وشركته في محطة CNBC الأمريكية، ليتكلم عن شبكة الألياف الضوئية لتحسن خدمة البرودباند، تمهيداً لطرح سندات تمويل هذه الخطة القومية الوهمية.

http://video.cnbc.com/gallery/?video=3000279775#.

طبعا زعم أن استبدال النحاس بألياف ضوئية سيحسن خدمة الإنترنت هو كلام مغرض يفترض جهل السامعين. فما دامت مصر كلها تتصل بشبكة الإنترنت في الخارج عبر وصلة ضئيلة جداً، فلن يفيد أن تستبدل النحاس حتى بشبكة من الذهب الخالص.

طبعاً الغرض من الفيلم كله هو الاقتراض من الخارج بسندات. ولكن لابد من رهن لضمان القرض. وفي تلك الحالة الرهن هو الشبكة القومية للاتصالات، أو ما يسمونها البنية التحتية للاتصالات. لذلك فالعمل يجري على قدم وساق لفصل البنية التحتية عن الشركة المصرية للاتصالات، حتى يتم رهنها أو بيعها.

وبعد أن نقترض الـ12 مليار دولار، لن نبني شيء وستختفي القروض في الحسابات الشخصية، وتبقى البلد بعد 5 سنوات من الآن على نفس الشبكة النحاسية، ولكن ستكون مملوكة حينئذ لأجنبي وتكون مصر قد أصبحت مدينة بـ12 مليار دولار زائد فوائدهم. - فلا نامت أعين الجبناء.

محمد النواوي

محمد النواوي هو أحد عصابة الأربعة التي كانت ومازالت تمرر الكابلات البحرية الدولية عبر مصر مجاناً لحساب علاء مبارك (حتى اليوم)، ليضيع على البلد سنوياً ما يقرب من 2 مليار دولار. محمد النواوي هو زوج ابنة كمال أبو المجد (رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق ورجل كل العصور)، وعديل ابراهيم المعلم، رئيس صحيفة الشروق. وكلهم محسوبين على قوة أحد الأجهزة النافذة في مصر. وهذا الجهاز هو من رشح النواوي للرئيس محمد مرسي ليعيـّنه رئيساً للمصرية للاتصالات.
لذلك لاحظ أن المقال عن الصراع منشور في صحيفة المصري اليوم الصفراء، المحسوبة على جهازين آخرين أكثر نفاذاً من الجهاز الأول، واحد منهم بلدي.

http://www.marefa.org/index.php/الجهاز_العصبي_للدول

أردوغان يواجه النظام المصري

$
0
0

مثلت كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي جرت قبل أيام قليلة، منعطفاً حاداً في العلاقات المصرية - التركية المتردية بالفعل منذ إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وممثلها في قصر الرئاسة العام الماضي. كان غريباً أن يخصص الرئيس التركي الثقل الأساسي لخطابه للنيل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووصفه الانتفاضة الشعبية المصرية الثانية في حزيران 2013 باعتبارها «انقلاباً عسكرياً»، متجاهلاً عشرات الملايين من المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين لإطاحة حليفته جماعة «الإخوان المسلمين». ذهب الرئيس المصري إلى نيويورك ضمن حملة سياسية - إعلامية منسقة لنيل اعتراف المجتمع الدولي بشرعية نظامه، ونجح بوضوح في الحصول عليه. وتجلى ذلك الاعتراف في اللقاء مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الراغب بشدة في رص اصطفاف عربي في تحالفه بمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية». أما أردوغان، فقد انحصر هدفه في الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة - على ما يبدو - في التنديد بحملة الرئيس المصري، ناقلاً أسلوبه الشخصي التهجمي إلى المحفل الأهم في السياسة الدولية وعاكساً في الوقت نفسه وضعية تركيا الإقليمية الجديدة.

عكست كلمة أردوغان أهمية العامل الشخصي في مكونات صناعة القرار التركي وبدرجة تفوق أي زعيم تركي آخر، حيث جرت العادة أن يكون رئيس الوزراء هو من يلقي كلمة تركيا في هذا المحفل وليس رئيس الجمهورية التركية البرلمانية الطابع، وهو ما فعله أردوغان شخصياً في الدورات السابقة عندما كان رئيساً للوزراء. الآن، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية بنصف أصوات الأتراك، يسعى أردوغان إلى تطويع مواد الدستور وتأويلها لمصلحة موقع الرئيس. ثانياً، ينقل أردوغان تخوفاته الداخلية من تحرك المؤسسة العسكرية التركية ضده، إلى المنبر الدولي الأهم في ربط واضح بين ما جرى في مصر وبين تخوفاته الشخصية. ويظهر ذلك في عملية التلاعب بالصور عبر برنامج الفوتوشوب، فظهرت وسائل إعلام تركية موالية له بصوره متحدثاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة والقاعة مكتظة بالمستمعين، فيما كانت القاعة شبه خاوية في الواقع. ولكن العامل الشخصي - على أهميته في صنع القرار التركي الأردوغاني - لا ينفي حسابات سياسية أيضاً في اتخاذ هذا الموقف. ثالثاً، طمح أردوغان في قيادة المنطقة وتمديد حضور تركيا الإقليمي مع صعود جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في بدايات «الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا إلى جوار «حماس» في غزة، وما بدا لتركيا أن ذات الجماعة في سوريا ستستطيع إسقاط النظام هناك والحلول محله في مقاعد السلطة. ومع إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، وهي الجماعة الأم، فقد تبددت أحلام أردوغان في القيادة الإقليمية. قد يكون عامل الانتقام والمرارة حاضراً في حسابات أردوغان - وهو أمر يبدو راجحاً - ولكن حسابات العائد/التكلفة الأردوغانية لا يمكن استبعادها من التحليل. رابعاً، سيعني الاعتراف بالنظام الجديد في مصر فقدان حكومة حزب «العدالة والتنمية» لصدقيتها أمام تحالفاتها الإقليمية، وبالتالي موقف أردوغان الحالي هو أيضاً محاولة لتشكيل «مادة لاصقة» لهذا التحالف المتضعضع. خامساً والأهم، أن السابقة التاريخية في السنوات العشر الماضية تقول إن حكومة حزب «العدالة والتنمية» انتزعت أدواراً مصرية تقليدية بسهولة نسبية وبأثمان قليلة للغاية؛ سواء في المفاوضات السورية - الإسرائيلية أو في تسوية الحرب الأهلية في الصومال، أو حروب الرأي العام المحدودة التكلفة التي خاضتها تركيا وربحت أرباحاً معنوية كبيرة خصماً من رصيد مصر. المثال على ذلك «واقعة دافوس» عام 2009، التي انسحب فيها أردوغان خلال جلسة مع بيريز مع بقاء الأمين العام للجامعة العربية المصري عمرو موسى في الجلسة، فظهر أردوغان بطلاً شعبياً مقارنة بعمرو موسى في ظل بقاء العلاقات السياسية مع إسرائيل واتفاقات التعاون العسكري والتجاري على حالها. ثم، بالتسلسل، جاءت حادثة «أسطول الحرية» عام 2010 لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، الذي شارك فيه نظام حسني مبارك مع إسرائيل، فصعدت شعبية أردوغان في المنطقة أيضاً على حساب المواقف المصرية، مع ملاحظة استشهاد تسعة مواطنين أتراك في مقابل عشرات الألوف من الشهداء المصريين في الحروب السابقة مع إسرائيل. على هذا الأساس تكون حسابات أردوغان دائرة وفقاً لاعتبار أن العائد من الهجوم على النظام المصري الجديد أعلى بكثير من تكاليفه، نظراً للعوامل الخمسة المذكورة أعلاه.

في سياق الخيارات المصرية بمواجهة أردوغان يجب دوماً الفصل بين الأواصر التاريخية والثقافية التي تجمع بين الشعبين التركي والمصري، وجعلها فوق الخلاف السياسي بين النظامين الحاكمين في القاهرة وأنقره؛ فالحكام زائلون والشعوب باقية. أما في طريقة التعاطي مع مواقف أردوغان، فما زالت المواقف المصرية دون مستوى ما تستطيع أن تفعل في الواقع. يمكن للقاهرة - من بين ما يمكنها أن تفعله - مراجعة ملف العلاقات مع تركيا بما يتسق مع الحقوق والالتزامات الدولية وأواصر الصداقة بين الشعبين التركي والمصري، فتمنع عن عائلة أردوغان شخصياً وليس كل رجال الأعمال الأتراك، ما تتحصل عليه من امتيازات وفوائد على حساب الشعب المصري! تسمح اتفاقية «الرورو» الموقعة بين القاهرة وأنقرة العام 2012 للسفن التركية بالتهرب من رسوم عائدات قناة السويس، عبر رسو السفن التركية القادمة من الموانئ التركية إلى الموانئ المصرية، ومن ثم نقل البضائع براً إلى البحر الأحمر، ما يفقد مصر مليار دولار سنوياً عائدات مرور ضائعة لقناة السويس. والمستفيد الأكبر من هذا الاتفاق على الجانب التركي هي شركات الشحن المملوكة لأحمد براق أردوغان ابن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

تصدّر تركيا ما قيمته عشرون مليار دولار سنوياً إلى دول الخليج العربية، ذهبت تقليدياً إلى هناك عبر الأراضي السورية. ومع قطع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتردي علاقات أنقرة وبغداد، لم يعد أمام الصادرات التركية سوى طريقين للوصول إلى الخليج هما إسرائيل/الأردن/ البحر الأحمر أو مصر/البحر الأحمر، ومن وقتها وحتى الآن تستعمل تركيا الطريقين وتدفع ثمناً كبيراً لإسرائيل لقاء مرور البضائع التركية. كانت كل سفينة تركية ستدفع في العادة أربعمئة ألف دولار لعبور قناة السويس محملة بالسلع ومئتي ألف للعودة فارغة، ما يعني ستمئة ألف دولار لكل سفينة. بينما تجعل «اتفاقية الرورو» السفن التركية تدفع خمسة عشر ألف دولار فقط للسفينة في الذهاب والعودة، مع استعمال الوقود المصري المدعوم من خزينة الدولة وشبكة الطرق المصرية مجاناً، ما يعني أن السفن المملوكة لعائلة أردوغان تعبر مصر مجاناً تقريباً، ما يجعل الخسائر المصرية والأرباح لآل أردوغان مليار دولار سنوياً. وفي اللحظة التي كتبت فيها هذه السطور، ما زالت سفن الشحن البحري المملوكة لأحمد براق أردوغان تستعمل «اتفاقية الرورو»، لمراكمة أرباحها على حساب قناة السويس التي بناها المصريون بعرقهم ودمهم وأرواحهم. من الطبيعي لأي نظام يتشدق بالديموقراطية أن يتمتع بالشفافية وأن يفصل بين العام والخاص، ويمنع صانع القرار من الاستفادة بقرارات لمصلحته الشخصية كما هي الحال مع المصالح التجارية لأحمد براق أردوغان والسياسات الإقليمية لرجب طيب أردوغان، ولكن تلك قضية الشعب التركي وليس أي أحد آخر. تغيرت المنابر على أردوغان من ميادين تركيا إلى دافوس إلى الأمم المتحدة، وظلت طريقته التهجمية واحدة. لا يعكس ذلك ثباتاً على المبدأ بالضرورة، بل فشلاً في استيعاب المتغيرات الإقليمية التي جعلته رابحاً في بدايات «الربيع العربي»، وخاسراً بوضوح الآن بعد إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وانطلاق الحرب على «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.

الأجدى بـ«مصر الجديدة» أن تثبت وجودها الإقليمي في مواجهة أردوغان ومنعه من الحصول على امتيازات مجانية أو إحراز نقاط سهلة عليها كما جرى خلال السنوات العشر الماضية. وربما كانت مراجعة «اتفاقية الرورو»، بداية العد العكسي للانطلاقة المصرية المأمولة؛ فهذا ما يمكنه التأثير على الحسابات السياسية للرئيس التركي، وليس الرد بالهجوم الإعلامي المضاد أو البيانات الروتينية لوزارة الخارجية المصرية.

"علي بابا"الصيني يلعب بين اسكتلندا و"آفاتار"

$
0
0

فيما كانت الإمبراطورية البريطانية السابقة تنتظر بقلق مصير وحدة جزرها المتناثرة بين بحر المانش والمحيط الأطلسي، فازت الصين (التي يراها البعض في مسار يذكّر بإمبراطوريات الأباطرة الآفلة) في "استفتاء"حاسم في بورصة الإمبراطورية الأميركيّة (وهو وصف شائع للوضع المتألّق للولايات المتحدّة حاضراً).

Alibaba We grow because we're flexible. Like any marriage

لم يكن ذلك الاستفتاء سوى الطرح الأول العام Initial Public Offering (اختصاراً "آي بي أو" IPO) لأسهم موقع "علي بابا" Alibaba الصينيّة: الموقع الأول للتجارة الإلكترونيّة. في الأسهم، كما في الانتخابات، تحسم الميول في المصائر. وسجّل "علي بابا"نصراً كاسحاً بأن جمعت أسهمه في الـ"آي بي أو"المخصّص له في بورصة نيويورك، قرابة 25 مليار دولار، ما رفع قيمة ذلك الموقع للتجارة الالكترونية إلى 228 مليار دولار.

لعبة "الواقع الفائق
"

كان الـ"آي بي أو"لموقع "علي بابا"أحد أضخم الطروحات في سجل البورصات كلها، بل إنه كان الثاني حجماً في ذلك التاريخ. وبذلك، تفوّق "علي بابا"الصيني على شركات أميركيّة أعطت الولايات المتحدة أبهى صور قوتها الناعمة في عصر المعلوماتيّة والاتصالات، مثل "فايسبوك" (شبكات التواصل الاجتماعي) و"أمازون" (التجارة الإلكترونيّة) و"آي بي أم" (صناعة الكومبيوتر ومكوّناته وأنواعه) و"إنتل" (صناعة الرقاقات الإلكترونيّة).

وتكتمل المفارقة في ملاحظة أنه لم يعد من شركات أميركيّة (وعالميّة أيضاً) تتفوق على "علي بابا"، سوى "آبل"و"غوغل"و"مايكروسوفت". يلاحظ أيضاً أن الشركات الثلاث الأخيرة تعمل في مجال المعلوماتية والاتصالات، ما يعني أن الاقتصاد التقليدي لم يعد فيه شركة، من عمالقة الاقتصاد الجديد، قادرة على منافسة الصين في اقتصاد الفضاء الإفتراضي للإنترنت. ولعله ليس عبثاً أيضاً أن "علي بابا"لم يقبل أن يسجّل أسهمه في بورصة "نازداك"التي تعتبر بورصة المعلوماتية والاتصالات، وكذلك تعتبر بورصة الاقتصاد الرقمي الافتراضي. وأصرّ القيمون على الموقع، الذي يعمل كليّاً في التجارة الإلكترونيّة في الفضاء الافتراضي للانترنت، أن تسجّل أسهمه في بورصة السوق "الفعليّة"، ما يؤكّد واقعة باتت شبه بديهيّة وهي التقلّص المستمر للفوارق بين الافتراضي والفعلي في الأزمنة الحاضرة، والتي باتت توصف بأنها أزمنة "الواقع الفائق" ("هايبر رياليتي" Hyper Reality)، حيث يندمج الافتراضي بالفعلي ويتشبكان تماماً.

ما بعد حداثة "آفاتار"واسكتلندا
الأرجح أن صورة المفارقة التي صنعها موقع التجارة الافتراضية الصيني، هي أكثر تشابكاً مما ترسمه الأبعاد السابقة. هناك وجه آخر للمعطيات المتشابكة التي ارتسمت حول النجاح التاريخي لـ"علي بابا"الصيني، المدعوم من الحزب الشيوعي "الماوي"، في قلب العاصمة الفعلية للعولمة المعاصرة: بورصة نيويورك. 


يظهر ذلك الوجه في أن "علي بابا"أحرز تفوّقه المعولم بالاستناد إلى معطى محليّ تماماً، بمعنى سيطرته التامة على التجارة الإلكترونيّة في... الصين. يبدو الأمر كأنه كليشيهه ينتمي إلى عصر الثورة الصناعيّة الأولى السوق الوطني الصيني. في عصر العولمة الحاضرة، لم يعد السوق مرسوماً بالجغرافيا وحدها، بل أن الجغرافيا السياسية لم تعد حدوداً للأسواق منذ عقود طويلة، أي منذ بداية الشركات العملاقة العابرة للقارات في سبعينات القرن الماضي.

لا نجاة للصين!
في العودة إلى النجاح المدوي لـ"آي بي"موقع التجارة الإلكترونيّة الصيني "علي بابا"، من المستطاع أيضاً تذكّر أنه يأتي من بلد ما فتئ "يعاند"ذائقة الحداثة بقوة. مثال بسيط: أظهرت سلطة بكين حساسيّة فائقة على فيلم "آفاتار"الشهير الذي اعتبر من التعبيرات الثقافيّة التي تؤكّد على خصوصيّة الهويات والثقافات وحقوقها، وصولاً إلى مناهضة ما يتجاوزها عبر دعاوى واسعة حتى عندما يكون رأسمالية كبرى، لا تعرف حدوداً لامبراطورية قواها في الاستثمار والسيطرة على الموارد والأسواق.


الأرجح أن السياق عينه أظهر أحد أقوى تعبيراته حاضرا،ً في الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عن الامبراطورية البريطانية، والذي تزامن مع الطرح الأولي لأسهم "علي بابا"الصيني في بورصة نيويورك! في معنى ما، تكون تلك المصادفة في الزمن مفعمة بالدلالة أيضاً. ومع الـ"نعم"الاسكتلندية المترافقة مع تثبيب أفق الهوية المتميّزة ونيلها وعوداً سياسيّة صريحة بزيادة التعبير عنها عبر سلطات محليّة واسعة للجغرافيا الاسكتلندية، ظهر غير صوت في القارة الأوروبيّة ليتحدّث عن موجة من الهويات الخصوصيّة وجدت في الاستفتاء الاسكتلندي سنداً لنهوضها، في وجه مؤسّسة "الدولة الوطنيّة"في أوروبا، على غرار كاتالونيا في إسبانيا. لا يغيب عن البال أن الهويات الصغيرة في أوروبا لا تتجه بالضرورة إلى الانفصال عن المنظومة الجغرافيّة - السياسيّة الكبيرة التي يمثّلها "الاتحاد الأوروبي"، على غرار بقاء تشيكيا وسلوفينيا في ذلك الاتحاد، بعد تفكك دولة تشيكوسلوفاكيا.

إستطراداً، يصعب اعتبار الصين ناجية من تلك التشابكات عينها. لم يكن قلق السلطات الصينية من فيلم "آفاتار"سوى تعبير آخر عن خشيتها المستمرة من الهويات الثقافيّة المتعددة، خصوصاً هوية الإيغور المرتبطة ببُعد ديني إسلامي. ورغم مرور سنوات كثيرة، ما زالت هونغ كونغ تقاوم اندماجها في المنظومة الجغرافية - السياسيّة الواسعة للصين الشعبيّة. تغذي الصين نزاعات ترتكز على الهوية في نيبال والهند، لكنها ليست في منأى عن تلك الصراعات عينها، وهذه مفارقة قويّة. ربما يمثّل موقع "علي بابا"مفارقة مماثلة، في ذلك السياق، بمعنى أنه ينجح في رسم خصوصية الهوية المحليّة في سياق العولمة، لكنه يذكّر أيضاً بأن البلد الذي يدعمه (مواربة، على طريقة صينية باتت مشهورة)، يعاني إشكالاتٍ ربما تكون الهوية المحليّة (الإيغور المسلمون) أحد أقسى مساراتها. وللنقاش بقيّة.

 

خواطر في "نظرية العقل"ما بين طرابيشي والجابري

$
0
0

لقيت طروحات المفكر محمد عابد الجابري اهتماماً كبيراً من الجمهور العربي عامة ، والمثقفين خاصة ، والمفكرين العرب الآخرين بوجه أخص ، لذلك تناولها بعض الكتاب بالتعقيب والتحليل في مقالات وأبحاث ، بمن فيهم المفكر علي حرب، في كتابه "مداخلات"وهشام غصيب في كتابه "هل هناك عقل عربي؟ قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري"، وغيرهما . وقد أنصب الإهتمام في الغالب على مشروعه في "نقد العقل العربي"الذي تضمن أربعة كتب: "تكوين العقل العربي"، و "بنية العقل العربي"و "العقل السياسي العربي"و "العقل الأخلاقي العربي"، مع أنني أرى أن مشروعه في "نقد العقل العربي"لا يقتصر على هذه الكتب بل يشمل معظم مؤلفاته السابقة واللاحقة لهذا المشروع ، ابتداء من كتابه الهام:"نحن والتراث ، قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي"، فضلاً عن "التراث والحداثة"، و "الخطاب العربي المعاصر"، و "وجهة نظر نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر"و "مسألة الهوية: العروبة والإسلام ... والغرب"و "المشروع النهضوي العربي" ... إلخ . 

ولعلني لا ابتعد عن الصواب ، إذا أشرت إلى أن النقد السلبي ، بل الهجومي، الذي شنه المفكر جورج طرابيشي على مشروع نقد العقل العربي وعلى صاحبه يعتبر أهم ما كتب في هذا الشأن، وأقصد بالذات مشروع طرابيشي في "نقد نقد العقل العربي"الذي يتألف من أربعة كتب: "نظرية العقل"و "أشكاليات العقل العربي"(وسأقتصر في "خواطري"هذه على هذين  الكتابين، إذ كُتبت هذه"الخواطر"قبل صدور الكتابين التاليين:)  و "وحدة العقل العربي"و "العقل المستقيل في الإسلام" .

واعترف بأنني استقبلت مشروع طرابيشي الذي أعرف مقدرته البحثية ، بترحيب وشغف ، على الرغم مما أكنه للجابري من مكانة خاصة في نفسي وفي عقلي ، لا سيما و أنا أتابع كتاباته بعناية فائقة منذ قرابة ثلاثة عقود من الزمن ، و أصبحت استشهد ببعض عباراته في كتاباتي، بل استوحي منه بعض الأراء والفرضيات ، ويمكن أن أرجع أسباب ذلك الترحيب والإهتمام إلى ما يلي: 

أولاً: أن هذا السجال الفكري المحتدم منذ  فترة  حول "العقل العربي"له دلالاته الصحية العميقة على الفكر العربي المعاصر ، بل وعلى مستقبل الأمة العربية . فقد آن الأوان للكشف عن عقدنا المستحكمة ومفاهيمنا الساذجة والراسخة ، و/ أوهامنا السائدة ، و أورامنا الخبيثة ، وما نحاول السكوت عنه من محظورات كثيرة وخطيرة . فتشخيص الداء نصف الشفاء . 

ثانياً: لأن طلب الحق لا ينحصر في طريق واحد، كما يقول ابن رشد في رده على أهل الكلام ، فهناك عدة وسائل للوصول إلى الحقيقة حتى إذا كانت نسبية ، بل للحقيقة نفسها عدد من الأوجه ، لا يرى منها المشاهد إلا وجهاً واحداً ، في الغالب ، وقد يرى منها باحث متبحر عدداً معيناً من الأوجه ، دون غيرها ، كما قد يراقب عدداً أخر منها، دون الإحاطة بمجملها . كما قد تختلف زاوية النظر إلى تلك الأوجه، مما يؤثر على النتيجة النهائية لأحكام هذا أو ذاك . وهكذا فإن الحقيقة المطلقة غاية يعـزّ ادراكها من جانب العقل البشري المحدود ، لذلك لا يحق لأحد الإدعاء بامتلاكها .

ثالثاً: أن الجهود التي بذلها طرابيشي لدى تنقيبه وتحقيقه في المراجع  التي استند إليها الجابري ، ومدى أصالتها ودقتها ، من حيث كونها مراجع أصلية أو ثانوية، ومن حيث دقة ترجمة بعض نصوصها إلى العربية أحياناً ، وتقليب أوجه فهمها وتفهيمها ، من جانب الكاتب و إلى القارئ ، أقول إن هذه الجهود المضنية ، بصرف النظر عن الحكم على نتائجها في هذا المقام، تدل على أن هناك من يقف بالمرصاد لكل كاتب أو باحث، يحاسبه على دقة مراجعه ومستنداته، حتى اذا إعتُبر من كبار المفكرين، بل ان هذه النخبة الأخيرة معرضة للحساب العسير أكثر من غيرها، وهذه علامة إيجابية عن حضور روح المحاسبة والنقد في الوسط الفكري العربي  .

رابعاً: يقدم طرابيشي للقارئ العربي سيلاُ هائلاً من المعلومات وخلاصة أفكار عدد كبير من المؤلفين العرب والأجانب، من خلال الإشارة إلى مئات المراجع الهامة . إلا أنه قد أغفل  تثبيت اسم المؤلف والناشر، بالإضافة إلى العنوان، باللغة الأصلية(الفرنسية مثلاً) لا باللغة العربية فقط ، وهذا نقص يعاب عليه ، وهو الذي يعيب على الآخرين عدم دقتهم في الإقتباس من المراجع، كما أنه يفوِّت على المتتبع فرصة التأكد من مراجعه هو بالذات ، لصعوبة الحصول على المرجع دون معرفة اسم المؤلف والناشر باللغة الأصلية . ويمكن تقسيم ردود طرابيشي على الجابري إلى فرعين أساسين :

الفرع الأول : يتناول الشكل ، ويتضمن إعادة التنقيب والبحث في المراجع التي استند إليها صاحب مشروع نقد العقل العربي (انظر ثالثاً أعلاه) وفي هذا الصدد يقول طرابيشي :"ولقد شاءت الصدفة أن أقع على الأصل الأجنبي لشاهد كان وظفه الجابري في اسناد اطروحاته ، فدهشت لما وجدته في روحه وحرفه معاً ينطق بعكس ما يقوله (بتشديد الواو وكسرها) إياه، ومن ثم اندفعت اتحرى عن شواهد الجابري واتحقق منها واحداً فواحداً، سواء أكانت عربية أم أجنبية ، فانفتح عندئذ أمامي باب أكبر للذهول : فليس بين مئات شواهد الجابري ، وفي "تكوين العقل العربي"سوى قلة قليلة ما أصابها تحريف أو تزييف أو توظيف بعكس منطوقها. ومن ثم ارتددت نحو "تكوين العقل العربي"أقرأه بعين جديدة ، وبمحاسبة نقدية صارمة . وعندئذ اكتشفت أن "الزيف"- ولا أتردد في استعمال هذه الكلمة – يكمن في الإشكاليات نفسها، وليس فقط في تعزيزاتها وحيثياتها من الشواهد" ("نظرية العقل"ص9). 

وهكذا فإن التنقيب في المراجع ونقدها ينتشران في معظم فصول كتاب طرابيشي الأول "نظرية العقل"على وجه الخصوص ، فضلاً عن أنه يكتشف من خلال بحثه الإستقصائي أن "الزيف"-كما يسميه- يتعدى الشكل (المراجع) إلى الموضوع(الإشكاليات) بالذات ، ما يجعلنا ننتقل إلى الفرع التالي :

الفرع الثاني: الذي يتناول الموضوع أو المضمون ، وينطوي على اعتراضات جديرة بالإعتبار ، بل أن بعضها قد يستحق التأييد ، وبعضها الأخر قد يؤخذ بتحفظ ، وفي هذا السياق يضطلع طرابيشي في كتابه "نظرية العقل"على مدى 365 صفحة ، بتحليل و نقد بعض ما ورد في كتاب الجابري"تكوين العقل العربي"مع الإسترشاد بمؤلفات الجابري الأخرى أحياناً وذلك في خمسة فصول : (1)"أصول نظرية العقل عند الجابري"،(2)"التوظيف المركزي الأثني لنظرية العقل"،(3)"هجاء العقل العربي"،(4)"تطور مفهوم العقل في الحداثة الأوروبية"و(5)"العقل والعقلية". أما كتابه الثاني المعنون "اشكاليات العقل العربي"، فيحتوي على ثلاثة فصول :"أشكالية الإطار المرجعي للعقل العربي"(عصر التدوين)، (2)"اشكالية اللغة والعقل"و (3) "اشكالية البنية اللاشعورية للعقل العربي ". وكل واحد من هذه الفصول جدير بالإستعراض والبحث والمناقشة والتقويم والتعقيب ، مما يزيد من إثراء الموضوع.  بيد أننا سنكتفي في هذه الخواطر الموجزة بالرد على طرابيشي في أطروحة تدخل في صلب"المضمون"، بل في أسس أسباب عناية الأخير بالرد على الجابري. ومع أننا نقف في هذا الرد ، في ساحة الجابري، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أننا نقف مواقف المحاباة من الجابري ، بل على العكس من ذلك فقد حاولنا أن نلتزم الموضوعية إلى أقصى حد ممكن ، فنقف إلى جانب الرأي ، لا صاحبه ، لأن حكمنا قد انصرف ، في لحظة معينة ، إلى أنه أقرب إلى الحقيقة ، هذا مع احترامنا الشديد لكلا المفكرين ، علماً أننا نؤيد آراء طرابيشي في مواضيع أخرى متعددة في كتابيه ، وقد نتناولها في مناسبات قادمة . ففي سياق تبرير رده على الجابري ، وبذل كل هذه الجهود العظيمة التي امتدت على مدى ثماني سنوات لتحرير و إخراج كتابه الأول فقط ، يقول طرابيشي: "من حق القارئ أن يسأل –وقد سألني بالفعل بعض الأصدقاء ممن عرفوا بهذا المشروع لنقد النقد- هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟! 

وجوابي: "بلا"، ذلك أن الجابري ، بالقوة التي يتبدى عليها خطابه وبالشهرة التي نالها ، وبإحكام الإشكاليات التي اعتقل فيها العقل والتراث العربيين،قد بات يشكل ما أسماه غاستون باشلار، عقبة إيستمولوجية ، فالجابري قد نجح- لنعترف له بذلك- في اغلاق العديد من أبواب التأويل والإجتهاد . ومالم يعد فتح ما أغلقه فإن الدراسات التراثية لن تحرز بعد الآن تقدما ، ولا كذلك عملية تفكير العقل العربي بنفسه انطلاقاً من تراثه ومن توسطه التاريخي ما بين العقلين اليوناني القديم والأوروبي الحديث" ("نظرية العقل"ص 9). ولي على بعض أجزاء هذه المقولة عدة ملاحظات واعتراضات :

• لا أتفق مع الكاتب الناقد المحترم في أن الجابري قد أغلق "العديد من أبواب التأويل والإجتهاد"في مجال الدراسات التراثية ، بل أرى ، على العكس من ذلك ، أنه فتح أبوابها على مصراعيه ، بدليل أنه لولا مشروع الجابري، لما اضطلع الناقد نفسه (أي طرابيشي) بمشروعه الكبير في "نقد النقد"الذي نوهنا به سابقاً ، ولما فتح لنا هذه الآفاق الشاسعة من الفكر السجالي أو التحاوري العميق والمعزز بالمراجع والمستندات المتعددة ، وذلك بصرف النظر الآن عن اتفاقنا أو عدم اتفاقنا معه في كل ماورد في كتابيه المذكورين أعلاه ، ودون الدخول في استعراض أسلوبه "الهجائي"ضد صاحب مشروع "نقد العقل العربي"مما يقلل من قيمة كتابات هذا الناقد الماهر(طرابيشي) .

• كما أن محاولات الجابري في فتح أبواب التأويل والنقاش والإجتهاد منتشرة ، بشكل أو أخر ، في مختلف مؤلفاته ، بل وخاصة في كتابه الأهم "تكوين العقل العربي"الذي يخصه طرابيشي بنقده ، او بالأحرى انتقاده ، يقول الجابري فيه :"كان المفروض إذن أن يكون هذا الكتاب مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الكتب والأبحاث ، تمتد على مدى مئة عام". ثم يقول"وفي هذه الحالة كان يستفيد حتماً من الأعمال السابقة له: يتعلم منها ويتجنب تكرار أخطائها ، في إضافة لبنة إلى صرحها ... و أن هو شعر بأن هذا الصرح في حاجة إلى تفكيك و إعادة بناء، وكان له من الطموح ما يكفي ، أقدم على تدشين خطاب جديد في موضوع، لا نقول :جديد، بل متجدد"(  تكوين العقل العربي"مركز دراسات الوحدة العربية. 1991، ص5)

• إذن يتمنى الجابري لو كان كتابه حلقة من سلسلة اجتهادات و أبحاث بدأت منذ قرن من الزمان ليشكل مجرد"لبنة في صرحها". وحتى إذا شعر بضرورة تفكيك ذلك الصرح و إعادة بنائه ، فإنه قد يقدم على "تدشين"او "افتتاح"خطاب ليس جديداً بل متجدداً. و"التدشين"يعني البداية أو فتح الأبواب للآخرين لتقديم عطاءاتهم واجتهاداتهم ، وخاصة في موضوع التراث الذي نحن بصدده . وهو بذلك لا يغلق الباب كما يدعي طرابيشي، بل يفتحه على مصراعيه . 

• ويُلاحظ أن الجابري يرى أن باب الإجتهاد في الفقه الإسلامي السني خاصة مغلق بسبب انغلاق العقل الإسلامي والعربي ، لا بسبب قرار اتخذته السلطات الدينية  أو الدنيوية. وهذا  قد يصدق على الفقه الشيعي، الذي لم يغلق باب الاجتهاد، من الناحية العملية . وهكذا فإنه يدعو إلى انفتاح العقل العربي بغية تحقيق التأويل والإجتهاد .

• أما موقف الجابري من"الدراسات التراثية"و"تفكير العقل العربي بنفسه انطلاقاً من تراثه"، فلا أعتقد أنني أكون مبالغاً إذا قلت أنه يعتبر أول من حَمَلَ عالياً راية الفكر التراثي بصيغته العقلانية العميقة ، و بإطاره التاريخي المحدد ، فدعا إلى نبذ الفهم التراثي للتراث والإنتقال إلى الفهم الحداثي . وقال : "أن الحداثة لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي ، بقدر ما تعني الإرتفاع بطريقة التعامل مع التراث إلى مستوى ما نسميه بـ"المعاصرة"أعني مواكبة التقدم الحاصل على الصعيد العالمي" ("التراث والحداثة"ط1، مركز دراسات الوحدة العربية ، ص15). ويقول في موضع آخر: "اندماج الذات في التراث شيء، واندماج التراث في الذات شيء آخر، أن يحتوينا التراث شيء، و أن نحتوي التراث شيء آخر..." ("نحن والتراث"  ط6 ، ص 21).  

• ويعني ذلك برأيي أننا كنا ولا نزال نتعامل مع التراث باعتباره جزءاً من "الذات"أو الذات عينها ، بينما المفروض أن نتعامل مع التراث بإعتباره "موضوعاً"خارجاً عن الذات ، لذلك يشير الجابري ببلاغة إلى أننا يجب أن نتحول من "كائنات تراثية إلى كائنات لها تراث". 

• وهكذا يسعى الجابري ، من خلال معظم مؤلفاته ، إلى فتح أبواب جديدة لقراءة التراث ، وتحليله ونقده ، باعتباره "موضوعاً"لفهم "الذات"وعقلنتها، ووضعها في إطارها الواقعي والصريح ، لا إطارها الوهمي والغامض / بغية الإنطلاق من تلك الأرضية الواقعية إلى التفاعل مع الحاضر ومستلزماته وشروطه ، لا على الصعيد المحلي أو القطري أو القومي فحسب بل على الصعيد العالمي ، بل و الكوني في ذات الوقت ، وعلى نفس المستوى ، ذلك لأننا لم نعد نعيش في جزيرة منفصلة عن العالم ، بل في زقاق طويل ومتعرج من أزقة القرية العالمية الكبيرة. 

• لا أعتقد أن الجابري يشكل "عقبة ايستمولوجية"بل على العكس فإنه كان ولا يزال يشكل زخماً إبستمولوجياً عظيماً ، فقد نعتبره من أوائل الذين شرحوا للقارئ العربي معنى ومغزى تعبير الـ"إبستمولوجيا"بالذات، من خلال العديد من كتاباته ، وخاصة كتابه الرائد :"مدخل إلى فلسفة العلوم "الذي وضع لأول مرة أمام القارئ العربي خلاصة مبادئ الفكر العالمي ، بما فيها مفهوم الـ"ابستمولوجيا"بإعتبارها تقترب من مفهوم "فلسفة العلوم"أو تمثل بإختصار "شروط المعرفة البشرية وقيمتها وحدودها". 

• أما على صعيد الفهم الإبستمولوجي للتراث فإن مختلف كتاباته تشهد على أنه من الرواد المطالبين بهذا الفهم ، فإلى جانب الشواهد التي ذكرتها في الفقرة الثالثة أعلاه ، بشأن دراسة التراث دراسة موضوعية علمية (إبستمولوجية) لا ذاتية أو إيديولوجية ، التي دعا فيها ، بنفس المعنى إلى "التخلي عن الفهم التراثي للتراث "كما أسلفنا ، أي "التحرر من الرواسب التراثية في عملية فهمنا للتراث " ("نحن والتراث"،ص 21)، أضاف قائلاً :"القارئ العربي مؤطر بتراثه ، بمعنى أن التراث يحتويه احتواء يفقده استقلاله وحريته. لقد تلقى القارئ العربي ويتلقى ، تراثه منذ ميلاده ، ككلمات ومفاهيم ، كلغة وتفكير، كحكايات وخرافات وخيال، كطريقة في التعامل مع الأشياء كأسلوب في التفكير، كمعارف وحقائق كل ذلك من دون نقد وبعيداً عن الروح النقدية .. لذلك فعندما يقرأ القارئ العربي نصاً من نصوص تراثه يقرأه متذكراً لا مكتشفاً ولامستفهماً"("نحن والتراث"ص 22).

• فالجابري لا يشكل بهذا المعنى عقبة إبستمولوجية بل فتحاً إبستمولوجياً لأنه يدعو القارئ العربي أن يكون مكتشفاً ومستفهماً ، دون أن يكون "مؤطراً بتراثه"وخاضعاً له، أي أنْ يُخضع التراث لعقله وتحليله ونقده واكتناه أبعاده السحيقة و آثاره الحلوة والمرّة ، وتأثيره على حياته الراهنة والقادمة ، وعلاقاته بالآخرين ولا سيما علاقاته بـ "الآخر": الحضارة الغربية ، العلم الحديث والتكنولوجيات المتقدمة ، الفكر العالمي المتطور ... إلخ.

• ولئن لاحظنا أن الجابري كان واضحاً في موقفه إزاء التراث ، خاصة من حيث الإتجاه العلمي الإبستمولوجي منه، فإننا لم نفهم في الواقع موقف طرابيشي الصريح من ذلك التراث، لا من خلال كتابيه المذكورين أعلاه اللذين يرد فيهما على الجابري ، ولا من صفحات كتابه إلهام "المثقفون العرب والتراث". ومع ذلك فإن قارئ كتابه الأخير هذا قد يخرج على الأرجح بنتيجة، تكاد تكون حتمية ، مفادها أن مؤلف كتابه "المثقفون العرب والتراث، التحليل النفسي لعصاب جماعي"، مفكر يعادي التراث ، بوجه عام ، ويعتبره عقبة حقيقية في فكر هذه الأمة وبالتالي تطورها من خلال أخذها بسبيل الحضارة الحديثة . وبغض النظر عما نسمعه من الحزازات الشخصية ، بين طرابيشي والجابري ، كنا نود أن يكون مفكرنا المحترم الأول أقل حسماً و أكثر تواضعاً و أشد احتراماً لمفكر رائد مثل الجابري . ولا بأس أن ينتقده أو بالأحرى ينقده بقساوة بل بصرامة علمية شديدة كما فعل أحيانا، ولكن دون أن يشوه نقده بعبارات هجاء وسخرية صريحة ونابية في بعض الحلات، وبذلك يرفع قيمة نقده ويعزز مكانة الناقد و النقد ،ويقدم للقارئ العربي صورة مثالية لما ينبغي أن يكون عليه النقد المنزه من المهاترات التي قد تكون شخصية أكثر مما تكون موضوعية. 

• وختاماً فإن هذه ليس دراسة معمقة ، بل مجرد خواطر عابرة ، تحاول أن تخضع للتحليل قطرات قليلة من نهر متدفق من الفكر العربي المعاصر المتأثر به ، أو المتفاعل مع الفكر العالمي الحديث ، يقدمه لنا اثنان من المفكرين العرب البارزين ،لذلك أرجو أن لا يتوقع القارئ ، من هذه المقالة المتواضعة ، أكثر من الحصول على لمحة من رأي عابر قد يصيب أو قد يخطئ.

التحرير للبتروكيماويات - لماذا وُلِد العملاق سراً؟ أهو الدعم المستتر أم البحث عن ممول؟

$
0
0

الثالث من اليمين چوي گوانگ-چول رئيس إس كي للهندسة والإنشاءات، ووزير الخارجية المصري نبيل فهمي، ثم باسل الباز رئيس كربون القابضة، وفي أقصى اليسار: رئيس مجلس ادارة كربون القابضة. في مقر إس كي، سول، كوريا الجنوبية، 17 ديسمبر 2013.

وزير البترول يعلن لرويترز اليوم، 29 سبتمبر 2014، أن وزارته ستستثمر 1.9 مليار دولار في ETHYDCO لإنتاج الإثيلين. ولكن من المتابعة  الأخبار الأجنبية نعرف أن  مشروع هائل يولد في مصر هو "مجمع التحرير للبتروكيماويات"، وهو مشروع مصنع للپتروكيماويات في العين السخنة، مصر، بتكلفة 3.9 - 5 مليار دولار، مما يجعله أكبر مشروع في مصر منذ مجمع الألومنيوم سنة 1970. يضم المشروع أكبر وحدة وحدة تكسير تحفيزي مائع في العالم (اشتروها من شركة جنرال إلكتريك بمبلغ 500 مليون دولار في ربيع 2014. لانتاج الإثيلين وبتروكيماويات أخرى. المشروع تملكه شركة النساجون الشرقيون للبتروكيماويات (فريد خميس، عبر شركة فرعية اسمها كربون القابضة يرأسها كل من فريدة ابنة فريد خميس وزوجها باسل ابن أسامة الباز). 

حجم التمويل المطلوب للمشروع يفوق بمراحل قدرة النساجون الشرقيون. بل أن تمويل شراء وحدة التكسير من جنرال إلكتريك وتوقيع عقد التصميم مع شركة إس كي الكورية لابد أنه تم بعد دورة تمويل أو اكتتاب. فمن هم الشركاء الحاليين؟ وتسعى الشركة للحصول على تمويل من بنوك أمريكية وآسيوية أو العثور على شركاء عرب. 

لذلك نتساءل: لماذا يبقى المشروع سراً، ولا نعرف أخباره إلى من الصحافة الأجنبية؟

الخبر جيد ما عدا نقطتين:

1- دعم مستتر لفريد خميس بنحو 200 مليون دولار سنوياً منذ 2008 على حساب بوتاجاز المواطنين

حسب الدكتور ابراهيم زهران، وكيل وزارة البترول المتقاعد، فإن وزارة البترول تقوم، منذ حوالي عام 2008، بتوريد البروبان لشركة EPP التابعة لفريد خميس بسعر 1 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين أن السعر العالمي لها هو 16 دولار. والبروبان تنتجه الوزارة على حساب انتاج مصر من البوتاجاز، إذ أن النوعين تنتجهما نفس الوحدة، التي لها قدرة انتاج اجمالية (من الغازين) ثابتة هي 200 طن يومياً. لذا فقد تزامن بدء توريد البروبان لفريد خميس مع بداية أزمات نقص البوتاجاز.
ولماذا لا يـُعلن عن هذا الدعم فيدخل ضمن حصة الدولة في رأسمال المشروع؟ ولمصلحة من؟ وهل هناك شريك خفي هام يستوجب هذا الدعم؟

2 - هل سيتم المشروع بديل لتوسعات الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات؟

ما هي الحكمة في اسهام الدولة بمبلغ 1.9 مليار دولار نقداً (بالاضافة للدعم غير المعلن بنحو 200 مليون دولار سنوياً) في إنشاء مشروع قطاع خاص بدلاً من التوسعات والتجديدات المطلوبة في معامل التكرير التابعة للدولة؟

 

المشروع كبير وطموح. وهذا شيء جيد. ولكن مساهمة الحكومة فيه يجب أن تكون واضحة للجميع: كم تدفع؟ وكم يدفع الآخرون، حتى يمكن حساب نسبة الحكومة من الأسهم؟

دعونا نفرح بمشاريع القطاع الخاص ومشاريع القطاع المختلط، طالما توافر الوضوح.

 

أترككم مع مقال مجمع التحرير للبتروكيماويات 

http://www.marefa.org/index.php
/مجموعة_التحرير_للپتروكيماويات 

http://www.marefa.org/index.php/باسل_الباز 

 

 

 

 

 


مسئولية المرشد الملاحي فى الطرق المائية

$
0
0

كنت قد كتبت لكم منذ عدة سنوات أن المرشدين الملاحيين ليسوا خاضعين لقواعد المسئولية أثناء تأدية عملهم فى قيادة السفن داخل المجري الملاحي وأنهم فى هذه الحالة يعتبرون مفوضين من قبل مالك السفينة حتي تضاف إليه تبعات أخطائهم، وهي النظرية التي تبناها الفقه لكي يخرجهم من مسئولية الأخطاء التي تحدث أثناء الملاحة حيث أن الدول صاحبة الحق فى إستغلال الممرات الملاحية تريد تنمية مواردها عن طريق الرسوم ولكن بدون التعرض للمسئوليات الناجمة عن عمل موظفيها أو من تستخدمهم فى قضاء مسئولياتها.

وهذه القاعدة تطبق فى حالات الخطأ الذي يفترض الفقهاء أنه لا يقع إلا عن طريق عدم التحوط العادي وعدم بذل القدر الكافي من العناية..

أما حالة الإهمال الجسيم الناتج عن رعونة أحد المرشدين ورغبته فى التسابق مع مرشد آخر علي حساب مال الغير فهو ما لم يفكر فيه الفقهاء من قبل ولا عملوا له حسابا لكونهم قد إفترضوا البلوغ والرجولة فى من يقوم بهذا العمل ويمسك بيده مسئولية تقدر بعشرات الملايين.

وقعت أمس حادثة تصادم فى مدخل قناة السويس بين سفينتين يقودهما مرشدان مصريان وقد صورت على اليوتيوب وتظهر واحدة منهما تسبق الأخري وكأننا بشأن زوج من المكوجية يركبان العجلة فى شارع شبرا..

هذا علي الأقل ما ظهر فى شريط اليوتيوب..

تنزل المرة دي

$
0
0


الصحف التركية الصادرة اليوم الخميس 2 أكتوبر 2014 يتصدرها خبر: مسئول بوزارة النقل المصرية لوكالة أناضول: مصر ليس لديها خطط لإلغاء اتفاقية تمرير العبارات مجانا.

مما يجعلنا نتساءل: ماذا استفادت مصر من الجعجعة الفارغة؟


الاتفاقية لم ولا تعنِ شيئاً:

اتفاقية تمرير العبارات لم توقـّع رسمياً إلا في 23 يونيو 2013، أي قبل عزل مرسي بأسبوع. بينما العبارات تمر عبر مصر منذ يوم 1 ديسمبر 2011، ومررت مجاناً مئات الآلاف من رحلات الشاحنات عبر مصر وجلبت معها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الأشقاء الذي استقبلتهم أجهزة الأمن والجوازات بالترحاب. كل ذلك قبل توقيع أي اتفاقية. لذلك فالاتفاقية ما هي إلا غطاء شكلي لا أكثر. وكان لي شرف الكشف عنها في عام 2012، وقمت بنشر عدة مقالات عن التمرير المجاني لعبارات أحمد أردغان في صحف الحياة والأهرام والأخبار. وهذا هو المقال:

http://www.marefa.org/index.php/%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D8...


ما القصة إذاً؟

العبارات تمر بأوامر كونية. تحصيل رسوم على العبارات يعني إيقاف تدفقها، والذي يجلب ضرراً شديداً للاقتصاد الزراعي التركي. تدمير الصادرات الزراعية التركية يهدد دور تركيا المحوري في اضرام الحرب في سوريا والعراق. وإذا توقفت تركيا عن أداء دورها في الحربين السورية والعراقية وفي تهريب نفط كردستان العراق فإن ذلك سيخل بالتوازن العالمي بين أمريكا وروسيا. 

المنطق المذكور آنفاً معيب. فتحصيل مصر لرسوم مرور العبارات لا يعني بالضرورة تدمير الصادرات الزراعية التركية. ألم تُخلق المعونات الدولية لمثل تلك الطوارئ؟


وماذا تفعل مصر؟

هذا لا يعني أن تخنع مصر للمشيئة الكونية، دون أن تجأر بطلباتها.

كان ومازال الواجب على حاكم مصر، بدءاً من طنطاوي ثم مرسي ثم السيسي أن يقول لأمريكا بحزم: موافق، ولكن كما تخافون على اقتصاد تركيا فهذا هو المبلغ الذي تحتاجه مصر لاستقرارها في هذه اللعبة الكونية. - هذا بافتراض أن مصر راضية بالأسس الأخلاقية والعقائدية لتلك الحرب، وضامنة أن ما بدأ بالثور العراقي سينتهي عند الثور السوري.

 

الحكمة من رأس الذئب الطائر


بعد طريقتي وفاة آخر رئيسين حاولا لعب "سياسة دولية"، السادات و
قبله عبد الناصر، وإقصاء المشير أبو غزالة حين حاول لعبها، فقد فهم الزعماء المصريون اللاحقون الدرس، كما تعلم الثعلب الحكمة من رأس الذئب الطائر في كليلة ودمنة. فلم يظهر من تصرفات الزعماء المصريين بعد السادات أى فهم للموقف الدولي، بل ينآى بعضهم بنفسه عن شبهة الظهور بمظهر من يحاول أن يفهم، عملا بمقولة عبد المطلب بن هاشم: "للبيت رب يحميه، أما أنا فرب تلك الإبل". ويلخص المثل التونسي هذا الموقف: "اللي قـْرَوا ماتوا"، أي "الذين قرأوا (وفهموا) ماتوا".


http://www.dailysabah.com/politics/2014/10/01/egypt-no-plans-to-scrap-turkey-transport-deal 

 

الإقتصاد التركي ، حوافز ومسيرة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

لايمكن فصل مسيرة الإقتصاد التركي عن المسيرة السياسية لتركيا ؛ لأن نجاحه وإزدهاره الذي بدأ نموه مع وصول "حزب العدالة والتنمية " الى الحكم برئاسة رجب طيب أردوغان إثر نجاحه في الإنتخابات النيابية التي جرت في العام  2002 يدعو الى التساؤل والحيرة لدى البعض وكأنه فورة عارضة غير مخطط له .

إذن لنعد قليلاً إلى الوراء لفهم مايجري حالياً ، فتركيا كانت مركزاً للخلافة الإسلامية التي آلت اليها من آخر خليفة عباسي هو "محمد الثالث المتوكل على الله "الذي  كان مقيماً في القاهرة برعاية المماليك ، وانتزعها منه السلطان العثماني سليم الأول عند احتلاله لمصر في العام 1517م ، ليصبح كل سلطان عثماني منذ ذلك التاريخ خليفة للمسلمين ويحمل لقب "أمير المؤمنين"و"خليفة رسول رب العالمين". وكان قد سبق لشريف مكة أن سلم السلطان سليم مفاتيح الحرمين الشريفين  اعترافاً بخضوع الأراضي المقدسة الإسلامية للعثمانيين ، إلى أن زالت دولتهم  نهائياً  في 29 تشرين الأول / أكتوبر من  العام 1929  مع قيام الجمهورية التركية، التي تعتبر حالياً الوريث الشرعي للدولة العثمانية.

ومن هنا  فإن مجىء حزب "الرفاه "الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان الى السلطة في العام 1996  لم يكن صدفة في مواجهة خلفاء أتاتورك من العسكر الذين يدينون بالوفاء لعقيدته ونهجه العلماني المتشدد ، إلا أنهم اضطروا إلى القبول بأربكان في تولي السلطة  بناء لضغط أمريكي وفقاً لشروطهم التي لم يحفل  أربكان أو حزبه بالتقيد بها لتوسعه في نشر المنهج الإسلامي على كل صعد  ، في التعليم والإدارة والشرطة  ، بما اعتبره العسكر خرقاً للإتفاق مع امريكا لمحاولة اربكان اجتثات فكر أتاتورك ونهجه الذي يتمسكون به . ومن هنا وقع الصدام الذي أدى الى حل حزب الرفاه في العام 1997 ، ليخلفه أردوغان بعد سنوات عدة باصرار من الأمريكان والبريطانيين على التوجه الإسلامي لتركيا .

ولابد أن نتساءل هنا عن الهدف من إصرار الأمريكان على استلام حزب إسلامي للسلطة في تركيا العلمانية ، وماهي مشكلتها مع العسكر ؟!

هذا السؤال دائما مايتردد وهو جدير بالطرح إلا أن أجوبته متعددة ومعقدة سأقتصر على الأهم منها وأترك الباقي لتحليل القارىء وخياله بعد قراءة المقال .

أعود الى السلطنة العثمانية في بداياتها التي تمددت في معظم انحاء اوروبا فتركت بعد زوالها جاليات تركية كبيرة في معظم المدن الأوروبية والقرى تنشط  في كل القطاعات بعد أن أصبحت جزءاً من هذه البلدان وقد حملت جنسياتها إلا أنها احتفظت بحنينها لأصولها التركية بعاداتها فيما بينها إجتماعياً وعائلياً مع تمسكها بعقيدتها الدينية  بمظهر علماني متسامح .

هذه الوجود التركي الراسخ في العمق الأوروبي في ممارساته  التجارية أنجب قطاعات تجارية وصناعية مهمة متماسكة فيما بينها في جميع بلاد الغرب ، من أوروبا حتى أمريكا من خلال مجموعة رجال أعمال أرستقراطيين  عرفوا  بحركة "خدمة "الممثلة بالداعية فتح الله غولن . وهي حركة اسلامية في ممارساتها فيما بينها ولكن منفتحة على كل الأديان بحيث تجد عند المدخل في مراكزها الرئيسية نسخ من القرأن والإنجيل والتوراة كرسالة  يرسلونها للمجتمع الغربي عن تسامحهم الديني وعدم تعصبهم ، وللتأكيد ايضاً  على اعتراف الإسلام بالديانتين المسيحية واليهودية بما يتيح لهم التحرك بحرية في بلاد الغرب الذي كان يراقب كل تصرفاتهم وممارساتهم التي ارتاح إليها لبعدها عن العمل الدعوي الديني التبشيري والسياسي . وبذلك استطاعت هذه الحركة تشكيل مايمكن تسميته بلوبي إقتصادي متعاون ، إن صح تسميته ، مندمج في المجتمع الأوروبي ، والأمريكي بخاصة في علاقات تجارية وإمكانيات مادية هائلة تدعو إلى الإعجاب والتقدير .

هذه الإمكانيات الإقتصادية المالية والعلاقات مع الغرب وظفها "غولن "وأنصاره في خدمة الشعب التركي بما يشبه التسلل في بداية سبعينات القرن الماضي ومن ثم التغلغل معتمداً على علاقاته الجيدة مع أمريكا في مواجهة تسلط العسكر الذين كانوا ليعارضون مخططه في إنشاء مدارس عدة تدرس المواد العلمية وفق برنامج وزارة التربية التركية إلا انه ادخل في مناهجها تعليم القرأن ومبادئه فيما عرف ب"إتحاد المدراس الخاصة " . و بذلك استطاع من خلال هذه المدراس ان  يتسلل إلى جميع الإدارات الرسمية وقوى الأمن والجيش دون أي إنتساب حزبي سوى الإعتراف بفضل هذا الإتحاد عليهم بتأمين تعليمهم وتقديم خدمات إجتماعية متعددة لهم ، وكان كل هذا الإنفاق يقع من مدخول الزكاة الذي يأتيه من أتراك الغرب وبعض التبرعات من بعض رجال الأعمال الأتراك  في اوروبا ، إلى جانب مساهمات المنتسبين لحركته ، ومن ثم من أتراك الداخل دون اي طموح منه أو من حركته في الوصول الى السلطة ، إذ أن هذا يتنافى مع توجهاتهم التي تقوم على اسس ثلاث : محاربة الجهل بالتعليم ومنح فرص العمل بمد يد المساعدة لمواجهة الفقر كما تشجيع الحوار داخل المجتمع تلافياً للصراع في داخله ليكون صورة مشرقة تجاه الغرب . إذ كان غولن يخطط لاندماج تركيا في المجتمع الغربي ومن ثم للإنضواء  في الإتحاد الأوروبي وبالتالي لمنطقة اليورو .

قبل أن اخوض في اتصال الأمريكان بفتح الله غولن  لاستلام السلطة  باقتراح من بريطانيا في العام 1995 ،لابد أن اشير الى أن الروس كانوا قد احتلوا أفغانستان في 7تموز/ يوليو 1979 بعد استعدادات محمومة لم ينفع معها كل  محاولات أمريكا المسبقة لمنع ذلك ، فلجأت الى خيار خلع الشاه واستبداله بنظام إسلامي في إيران لمواجهة الإحتلال الروسي لأفغانستان مستغلة تحرك المعارضة ضده لتتبناه ولتجتمع مع الإمام الخميني في باريس الذي وافق على استلام السلطة وفق شروط أمريكية لم يطبقها ولم يرفضها وفق سياسة مراوغة حيرّت الغرب إلا أن أمريكا لم تقطع التواصل  مع نظامه  الذي كان يُحضًر لمهمات خطيرة أهمها التكفل بتمويل الحركات والأحزاب والجميعات والأندية من علمانية ويسارية وثقافية واجتماعية  في البلدان العربية ، خاصة الدينية منها ، التي كانت تمول  من المخابرات الغربية ، إلا أن الحمل المالي أضحى ثقيلاً عليها   مع تزايد أعدادها ، لذا سعت بريطانيا لدى امريكا للإتيان بنظام الملالي الإيراني الذي تعهد بتمويل كل هذه الحركات إن وصل الى السلطة بديلاً عن الشاه .

وبالفعل تقيد النظام الإيراني بهذا التعهد في تمويل الأحزاب والحركات العربية ، إلا أنه سعى لتجنيدهم لصالحه وليس لصالح الغرب ، إلا أن أمريكا تجاهلت ذلك إذ انها في النهاية هي  المستفيدة الوحيدة ، لأن إيران الضعيفة  ، إقتصادياً وصناعياً وعسكرياً ، تنشط في النهاية في  حضنها لاستطاعتها إزالة نظامها متى شاءت إن انتفت الحاجة اليه .

كان الشاه قبل زوال نظامه  قد أمد أواصر الصداقة مع الروس بحيث كان غير مستعد لتحريك الشيعة الأفغان ضدهم ؛ وكذلك كان العسكر الأتراك في غزل مع الروس ايضاً بحيث يرفضون إثارة أي مشاكل ضدهم في أفغانستان ،مما أثار غضب الأمريكان  لذا اتجهوا نحو عبدالله غولن الذي يربطه بهم علاقات  وثيقة من خلال حركته التي تدعو للسلام ويمتد نشاطها لأكثر من 160 بلداً في العالم لتولي السلطة في تركيا .

رحب غولن بهذا الإتصال ولكنه اقترح أن يولي أمر الحكم الى زعيم حزب "الرفاه"نجم الدين أربكان بضمانته ، إذ لاقبل لحركته بتولي السلطة لأنها ليست حزباً ، كما  أنه يخاف عليها من استعداء معارضين ضدها وزوالها بما يتعارض ورسالته الإجتماعية السلمية العالمية ، إلا أنه ابدى تخوفه من غضب العسكر في حال عدم موافقتهم على حكومة إسلامية ، ولكن الأمريكان ضمنوا عدم تحرك العسكر مقابل إسلام سلمي كالذي يمارسه غولن في بلاد الغرب وداخل تركيا .

تولى نجم الدين أربكان السلطة  في تركيا من العام 1996 إلا أنه اضطر إلى الإستقالة في صيف 1997تحت ضغط العسكر الذين اتهموه بمحاولة أسلمة المجتمع التركي رغم كل تنازلاته بالتوقيع على قرارات الطرد على عدد من الضباط المسلمين الذين ضبطوا يزاولون الصلاة سراً في مكاتبهم أوالذهاب الى المساجد للصلاة برفقة أربكان ؟!

ومن ثم اصدرت المحكمة الدستورية قراراً  بمنع أربكان  من ممارسة العمل السياسي وحل حزبه دون التشاور المسبق مع الأمريكان الذين اغضبهم هذا التصرف ، لذا سعوا  الى إعادة ترميم الأمور بالضغط على العسكر مجدداً لإعادة الحكم الإسلامي الى تركيا ، إلا أن العسكر أصروا على إبعاد اربكان و حزبه من تولي السلطة نهائياً ،حفاظاً على هيبة المؤسسة العسكرية وعقيدتها ، فتم اقتراح وسط من البريطانيين بتأليف حزب جديد يضم منتسبي حزب الرفاه ، فكان حزب "العدالة والتنمية"بزعامة رجب طيب أدروغان أحد أهم تلاميذ أربكان  كحل بديل .

قبل اردوغان كرئيس للحكومة أن يتولي السلطة في العام 2006 بصلاحيات حكومية واسعة بعد لقاءات عدة سبقت مع  غولن ، تم الإتفاق فيها على البناء الإقتصادي بدعم سياسي إقتصادي من أمريكا وأوروبا ومجموعة حركة "خدمة "، وهم من كبار الرأسماليين الأتراك في أوروبا وأمريكا حيث يشاركون في قطاعات اقتصادية عدة كالمطاعم والفنادق والإعلام والمجوهرات والبورصة بشراكة مع رأسماليين غربيين الذين تعهدوا بتصريف فائض البضائع التركية بأكملها في بلاد الغرب وفق المواصفات الأوروبية .

إثر ذلك شهدت تركيا بداية نشاط صناعي وإقتصادي  كبير على مختلف الأصعدة بعد رفع قيمة عملتها التي قاربت قيمة النقد الأمريكي ، بعد أن كانت في أسفل الحضيض ، لتسهيل تبادل النقد وعمليات التصدير والإستيراد . فتحسنت الأجور بشكل عال بحيث أضحى المواطن التركي قادراً على شراء مايحتاجه من بضائع  غربية مع توفر السيولة المالية بين يديه ليتجدد المجتمع التركي بالإنتقال من مظاهر التخلف والفقر الى الحداثة والتجدد بما أذهل المراقبين .

وهنا يطرح السؤال ، لما سعت أمريكا وأوروبا بنهوض تركيا الإسلامية من خلال قوى إسلامية محلية بعد تمزيق إمبراطوريتها  وعلمنتها وعسكرتها إثر الحرب العالمية الأولى ؟

ونجيب بأن النهوض بتركيا ورفع الحظر عن ممارسة الدين الإسلامي فيها بشكل علني يعود الفضل فيه للداعية فتح الله غولن ، ليس لاعتداله ودعوته السلمية فحسب ، بل  لأن نشاطه الإقتصادي  بدأ يشكل تنافساً مستقبلياً للمصالح الرأسمالية في الغرب وهيمنتها من خلال أتباعه من الإرستقراطية الإقتصادية التركية الثرية ، خاصة وأنهم أوروبيون وأمريكيون  بالولادة .

لذا فضل أباطرة المال من يهود بريطانيا وول ستريت وآل روتشيلد الفرنسيين بخطتهم تلك توجيه استثمارات مجموعة غولن من أوروبا إلى تركيا للنهوض باقتصادها بشراكة مالية منهم ومساعدات تقنية صناعية وبالدعم المالي إن احتاج الأمر ، إلا ان القوة المالية لهذه المجموعة التركية الأوروبية التي تعمل في الظل ، تجعلها في استغناء عن أي مساعدة ، إلا بتصريف السلع التركية المنتجة لديهم بمواصفات غربية .

ولكن الهدف الأساسي الغربي الغير معلن لهذا الدعم والتحفيز  ، هو إعطاء الثقة بالإقتصاد التركي عربياً ودولياً  لحرف الإستثمار المالي الخليجي والسعودي من اوروبا وأمريكا وجذبه نحو تركيا ، للحد من  الهجرة العربية الإسلامية نحو اوروبا التي ستؤدي في النهاية الى سيادة المؤسسات المالية والمصارف العربية والتوسع في الهجرة بما يشكل خطراً حقيقياً على المصالح اليهودية في بلاد الغرب ، لأن الإستثمارات والمدخرات والتحويلات العربية بمئات المليارات من الدولارات إن لم يكن بالآلآف ستتم من خلال هذه المؤسسات والمصارف مما قد يعني ولادة  لوبي عربي يفرض إرادته على القرارات السياسية الغربية ، بما قد يعني فك تحالفه مع إسرائيل مستقبلاً وبالتالي زوالها بعد تقليص النفوذ المالي اليهودي أو تحجيمه .

من هنا لجأت وول ستريت الى استباق الأمور بالتفاوض مع قادة طهران - بعد تعكر علاقتهم مع  أمريكا  إثر نكثهم بالوعود التي أعطوها للغرب في التعاون معه وتنفيذ مخططاته   مقابل استلامها السلطة بديلاً عن الشاه  لاطمئنانهم الى عدم وجود خطر عليهم من قيام انقلاب عسكري ضدهم  إذ أنهم حلوا الجيش الإيراني  عقب رحيل الشاه وإعدموا  قادته من كبار الضباط وسرحوا الباقين من ضباط وجنود  لصالح إنشاء مليشيات متعددة  بديلاً له ، أهمها الحرس الثوري لحماية نظامهم - من خلال وسطاء عراقيين وإيرانيين من جنسيات أمريكية بإشراف البيت الأبيض ، طلب فيه الأمريكان من الإيرانيين  تدعيم  علاقاتهم  السياسية والتجارية مع تركيا مقابل ان يطلقوا يدهم في البلدان العربية لنشر الفوضى والإضطراب بما يلهي العرب ويثنيهم عن الإستثمار والتوسع به في البلدان الغربية لينفقوا أموالهم  في التسلح للدفاع عن أنفسهم  واستنزافهم في محاربة الإرهاب من خلال تنظيم القاعدة الذي اصبح مشكلة لامريكا بعد أن تخلت عنه إثر إنسحاب الروس من افغانستان في العام 1989 ، أي بعد عشر سنوات من الإحتلال ، إلا أن طهران سرعان ماأبدت عجزها عن تنفيذ هذا المخطط ضد الدول العربية مشترطة احتلال العراق بتحالف مع أمريكا  لتنطلق منه نحو الخليج والعالم  العربي لاسقاط انظمتها وتفتيت دولها  بما يحقق رغبة الإقطاع المالي الأمريكي .

بعد مباحثات ، تمت الموافقة على شن حرب برئاسة أمريكا إثر تفجير برجي نيويورك ليتم غزو افغانستان والعراق ، كان بنتيجته تدمير العراق وإمكانياته الإقتصادية والصناعية والمالية بشكل مريع ، وتشريد ابنائه  وتهجيرهم وهدم مدنهم  وقراهم ونهب ممتلكاتهم  وتقطيع أوصال وطنهم بشكل بربربي وحشي كما حال القرون الوسطى  دون اي مبرر ، سوى لخطة مبيتة تعيقه عن النهوض والتمدد  الإستثماري خارج البلاد لعقود عدة مع دوام التدخل الإيراني في شأنه وإثارة المشاكل في وجهه بدعم ومساندة أمريكية وبريطانية  .

كان لتركيا مصلحة كبرى  فيما جرى ، إذ تضاعفت وتصاعدت أرقام المستوردات العراقية من عندها خاصة الزراعية مع تراجع الإنتاج الزراعي في العراق ، كما تراجع الزراعة والصناعة في إيران لصالح الإستيراد من تركيا  لانشغال طهران  في الإنفاق على تصدير الثورة ، لذا كانت العلاقات بين إنقرة وطهران ممتازة لاتحتاج الى اي توسط من أمريكا او لندن لتدعيمها .

ولكن سرعان ماتم التباين في وجهات النظر بينهما بشأن تردي الوضع في سوريا ، إذ أن تركيا ترفض الهيمنة الإيرانية عليها ، إذ يجب ان تكتفي بالعراق لتكون سوريا من حصتها ، خاصة وأن شمال سوريا حتى حلب يعتبر المتنفس التجاري لتركيا . فتم الإتفاق بعد توسط بريطانيا على إرجاء الخلاف و نقل المصانع السورية لمختلف أنواع السلع من حلب الى داخل تركيا وإعادة تشغيلها من هناك من خلال اصحابها إن شاؤوا أو بيعها للأتراك ، وقد بيع معظمها بأبخس الأثمان .

رغم التسعير المذهبي وسياسة التبشير الذي تقودها إيران بروح استعمارية مغامرة رغم ضعفها الإقتصادي والعسكري ، فإن علاقتها مع النظام التركي السني قائمة على التعاون على أحسن مايرام بدفع وتشجيع من أمريكا ، زادت حرارتها مع وصول أوباما الى البيت الأبيض في العام 2008   ، الذي يراهن على طهران كحصان طروادة في تنفيذ المخططات الأمريكية في المنطقة العربية ، التي هي في النهاية توجهات وول ستريت ، لتطويق المملكة العربية السعودية والخليج بالتنظيمات والدول الشعوبية تمهيداً لإسقاطها ، مما يعني رفع الكابوس عن صدر اليهود في وقف التغلغل  العربي للتوظيف في الصناعات والمؤسسات المالية الغربية والإقتصادية ،  إن في اوروبا  أو أمريكا أو الصين ، مقابل ان يعترف الغرب بإيران دولة عظمى بترافق مع السماح لها بالتمدد المذهبي .

 إذ أن طهران تتبع خطى المرحلة التبشرية الغربية في افريقيا وبعض العالم ، خلال المرحلة الإستعمارية التي جعلت من شعوب هذه الدول ادوات لها مع دخولها في المسيحية . و رغم عدم دقة هذا التحليل الذي يستعمله معظم الكتاب في العالم ، فإن إيران تعتبر ان نشر التشيع في العالم العربي يسهل لها امر الهمينة عليه سياسياً واقتصادياً . ولكن إن تمعنا في الأمر فإنه لايؤيدها من  الشيعة العرب إلا الذين يتلقون المال منها كما حال تأييد بعض المسيحيين و المسلمين السنة لها أو مهادنتها من أحزاب ودول وجماعات وقادة ، وأولهم تركيا المستفيد الأكبر من إيران وفق مصالح مشتركة .

 لذا فإن حالات التشيع الحاصل في بعض الدول العربية ،على ندرتها ،  هو تشيع للمال والمصلحة الشخصية  وليس للمذهب الإيراني أو إيماناً او حباً به  ، مع ضعف الوازع الديني وغلبة النفاق في المجتمع العربي .

وهكذا فإن إزدهار الإقتصاد التركي كان نتيجة معطيات دولية معقدة ، حيث أن الفضل يعود فيه لفتح الله غولن وجماعته لإعطاء النشاط التركي مظهراً اوروبياً لجذب الرساميل العربية وحصرها في تركيا بالشراكة معها لتفعيل الإستثمار في الخليج ومصر والسودان ، تعويقاً له وإلهاء عن الإنطلاق نحو الغرب .

إلا أن سؤ تصرف الإيرانيين حين وصل "الإخوان المسلمين "للسلطة في مصر وتسرعهم بما تناقلته الصحف العالمية في سعيهم لتشييع الشعب المصري وتشجيع النظام  على حل الجيش المصري والإكتفاء بحرس ثوري على النمط الإيراني أخاف المجتمع المصري والجيش ، خاصة عندما أكد هذه المخاوف أحد أعضاء مجلس الشعب المصري في إحدى خطاباته في البرلمان بالقول انه لاحاجة للجيش المصري الذي هو سبب بلاء مصر ؟! ليطاح عقب ذلك بالمخطط الأمريكي مع الإنقلاب العسكري المصري المفاجىء ضد الرئيس مرسي والإطاحة به ، ليعقبه تحالف غير متوقع بين مصر والمملكة العربية السعودية ، كانت نتيجته تمويل تسليح الجيش المصري  بما ادى الى تعديل الخطط الأمريكية برمتها  في الشرق الأوسط لتعود أمريكا الى العراق وسوريا بتدخل عسكري دولي ضم دول الخليج ، في خطط جديدة لإنهاء الفوضى فيهما بمساعدة تركيا دون إيران التي اضحت مرفوضة في العالم العربي وبالتالي مثار إنتقاد من أمريكا والغرب وعدم الثقة بها ، عدا عن إنزعاجهم منها إثر توثيق العلاقات والتعاون  بينها وبين روسيا في شأن الأزمة السورية الموكولة أصلاً لتركيا وليس لإيران ،  إذ أن الأمريكان عندهم حساسية مفرطة من تمتين العلاقة مع الروس من اي دولة في العالم .

وهدف امريكا من هذا التدخل الجوي الحربي مؤخراً ضد قواعد التنظيمات التكفيرية في كل من سوريا والعراق ، إنما هو للسعي الى استقرار المنطقة التي اتعبتها الممارسات الإيرانية الفوضوية دون طائل التي أضرت بسمعة أمريكا كحليف لإيران في العراق،  إذ كان القصد الأمريكي من تولية شأن العراق  لإيران هو لجعله قاعدة إنطلاق  للهمينة على العالم العربي وإسقاط الأنظمة السعودية والخليجية من الداخل ، وفق تحليلات الصحافة الأمريكية ، وليس شن حرب شعوبية مذهبية اشبه بالإبادة ضد العرب ، مما أحرج واشنطن لدعمها ممارسات النظام الإيراني في المنطقة .

لذا فإن المرحلة الجديدة  في البناء الإقتصادي في المنطقة ستبدأ بعد استعادة الأمن والإستقرار في  سوريا والعراق بإطلاق مشاريع البناء الضخمة بمئات المليارات من الدولارات بشراكة أمريكية تركية ، لتوفير السيولة المالية والقدرة الشرائية بين أيدي الناس حرصاً على تصريف البضائع الإستهلاكية الصينية – الأمريكية تحسباً لكسادها الذي بدأ يلوح بالأفق مع تنامي  الفقر والبطالة  في العالم .

لذا  فأن أمريكا اشد تمسكاً بالشراكة مع تركيا اليوم أكثر من الأمس  لأنها فقدت الأمل نهائياً من إيران التي هيمنت على العراق بدعم أمريكي إثر احتلاله لتمكينها من التغلغل في العالم العربي والشراكة معه لحصر الإسثمارات فيه بديلاً عن اوروبا ، إلا أنها  فشلت فشلاً ذريعاً في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان ، إذ غلب على سياساتها  التعصب المذهبي على حساب مصلحتها ومصلحة شعبها ، كما تسببت بضياع مصر التي كانت تركيا بصدد الإستثمار فيها بشكل قوي واحتوائها إقتصادياً .

أمام هذا الفشل والعجز الإيراني ، أعتمدت  أمريكا تركيا بديلا عن  إيران لتنفيذ نفس  المخطط المالي والإقتصادي الذي كانت قد اوكلته  لها   للتغلغل في العالم العربي وفي البلدان الإسلامية المجاورة  لروسيا التي لإيران نفوذ فيها .

وانطلاقا من هذه المعطيات والتطورات لذا فإن حزب اردوغان سرّع في نشاطه الصناعي والتجاري الداخلي لحصر هذه الإستثمارات والشراكة مع الغرب به بديلاً عن مجموعة غولن اي عن حركة "خدمة "، وبدأ يتجه لنزع قبضة غولن عن المدارس والإدارات  والقضاء والشرطة والجيش بإنشاء المدراس الدينية ومدارس تعليم القرآن لتحل محل  مدراس غولن ، بترافق مع مواجهة إعلامية  عنيفة لحزب أردوغان ضد إعلام صحيفة "زمان "، أقوى صحيفة في تركيا موالية لغولن كما مواجهة صحيفة "بوغون "المتعاطفة مع حركة غولن بدعم من بعض رجال الأعمال الأتراك المحليين ، وبالتالي مواجهة الإعلام المرئي للمجموعة التلفزيونية "سمانيولو"التي تدار من قبل مجموعة غولن  وتمتلك الكثير من القنوات المتخصصة من اخبار وثقافة واقتصاد وبرامج اطفال وغيرها .

والرئيس أردوغان يقود المعركة شخصياً ضد غولن في محاولة لتحجيم نشاطه واقتلاع نفوذه من تركيا إذا أمكن ، لإثبات جدارته امام الغرب وشعبه كرجل تركيا القوي بديلاً عن أتاتورك ، ليكون أبا الأتراك الفعلي الجديد في قلوبهم من أجل شراكة قوية مع أمريكا خارج نطاق شراكة فتح الله غولن بحيث يحل محله في علاقاته مع الغرب وشراكته .

 

 

حلايب بين الانتخابات السودانيّة والمصريّة 1953 – 1992

$
0
0

العلاقة بالسودان دقيقة وتحتاج دائما للمتابعة الدقيقة ولكل الجوانب الصحيحة والمثيرة ... وقد قرات المقال التالي في موقع سودانايل وعلي بساطته الا ان كاتيبه لهم تقديرهم العلمي والعام...ومع ذلك فهم يتجاهلون وقائع مماثلة كثيرة في نفس الموضوع وثمة اعراف دولية حول الحدود الادارية والسياسية وواقع اجتماعي اقتصادي ... لكن الامر يحتاج الي تفهم ودي لابسط الامور وهذه النزاعات بين الامم اصبحت لخدمة النظم في الغالب... والشعوب الذكية تفهم ذالك "وتطنش" .. بالمصري ...! لكن ثمة بعض المثقفين - علي كل الطراف - لا يتابعون حقائق موقف الشعوب !!

عن سودانايل
الصفحة الرئيسية

 

الخميس, 02 تشرين1/أكتوير 2014 21:08

حلايب بين الانتخابات السودانيّة والمصريّة 1953 – 1992
د. سلمان محمد أحمد سلمان 
ود. أحمد إبراهيم أبوشوك

 

1
أثارتْ تصريحاتُ المفوضيّةِ القوميّة للانتخابات بالسُّودان يوم الأحد 7 سبتمبر عام 2014، "أنَّ ترسيم الدوائر الجغرافية للانتخابات النيابية القادمة بالسُّودان سيشمل منطقة حلايب"، ردودَ فعلٍ غاضبةٍ في القاهرة. فقد أعلن السفير بدر عبد العاطي، المتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، في يوم الأثنين 8 سبتمبر، "إنَّ منطقتي حلايب وشلاتين جزءٌ لا يتجزأ من الأراضي المصرية التى لا يمكن اجتزاؤهما، أو التفاوض حولهما مع دولة السُّودان الشقيق."ثم تحدث السفير عبد العاطي يوم الخميس 11 سبتمبر، وأوضح في مقابلةٍ أوردتها شبكة تلفزيون "النيل"الرسمية، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، أنَّ "قضية حلايب وشلاتين قضية محسومة؛ لأنها جزء من الأراضي المصرية."وواصل السفير عبد العاطي استخفافه بالموقف السُّوداني من حلايب مضيفاً أنَّ "طرح هذه القضية في وسائل الإعلام، سواء السُّودانية أو المصرية، هدفه تعكير صفو العلاقات بين البلدين فقط لا غير."وكتب السيد عباس الطرابيلي مقالاً في صحيفة الوفد يوم الثلاثاء 9 سبتمبر بعنوان "حلايب.. والاستفزاز السُّوداني الجديد."أشار الكاتب في المقال إلى تبعيّة حلايب لمصر، وأنه لا تفاوض في هذا الأمر، وأدّعى "أنَّ كل الوثائق تؤكد سيادة مصر علي مثلث حلايب.. وهو ما كشفتُه شخصياً هنا في الوفد منذ أوائل التسعينيات، ولم أتوقف إلا بعدما استعادت مصر سيادتها كاملةً علي هذا المثلث."أما عن إعلان حلايب منطقة تكامل فقد ذكر الكاتب "وحتي فكرة «التكامل الاقتصادي» في هذه المنطقة التي شاعت في سنوات عصر الرئيس حسني مبارك الأخيرة، رفضتها شخصياً.. فإذا أردنا تكاملاً مع السُّودان فليكن بعيداً عن أي منطقة «تدعي» الخرطوم أنها.. سودانية."أما الإعلامي المصري عمرو أديب فقد "اتهم الرئيس المعزول محمد مرسي بإعطاء مدينة “حلايب” الحدودية الجنوبية لدولة السُّودان، واصفاً إياه بـ”الغير وطني الإرهابي والجاسوس."

سنوضّح في هذا المقال أنَّ كل الانتخابات التي جرت في السُّودان، ابتداءً من انتخابات عام 1953 وانتهاءً بانتخابات عام 1986 قد شملت منطقة حلايب، ولم ينتج عنها أي اعتراضٍ أو ملاحظاتٍ من القاهرة، وذلك بخلاف الانتخابات السُّودانية لعام 1958. ويثبت هذا المقال أن الحكومة المصرية لم تجر أية انتخاباتٍ مصريةٍ في منطقة حلايب على الإطلاق، وظلت حلايب وحدةً إداريةً تابعة لمحافظة البحر الأحمر السُّودانية إلى أن احتلتها القوات المصرية عام 1992.

 

2
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الأولى عام 1953
جرتْ أول انتخابات برلمانية في السُّودان في شهر نوفمبر عام 1953، بمقتضى قانون الحكم الذاتي الذي تمَّ الاتفاق عليه بين الأطراف الثلاثة – انجلترا ومصر والأحزاب السُّودانية – في بداية ذلك العام. وقد تمَّ الاتفاق على تشكيل لجنة انتخابات مختلطة، تكّونت من سبعة أعضاء، ثلاثة منهم سودانيون عيّنهم الحاكم العام، بينما تمّ تعيين الأربعة أعضاء المتبقين من انجلترا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية والهند. وتمَّ الاتفاق على أن يترأس ممثلُ الهند، السيد سوكومار سن، لجنة الانتخابات (راجع مقالات الدكتور أحمد إبرهيم أبوشوك بعنوان: لجنة الانتخابات السُّودانية من "سُكومار سن"إلى "مختار الأصم": قراءة تقويمية؟ المنشورة بموقعي سودانايل والراكوبة)." 

وقد اختارت مصر السيد عبد الفتاح حسن مندوباً وممثلاً لها في لجنة الانتخابات السُّودانية لعام 1953م. بالإضافة إلى عضوية مصر في لجنة الانتخابات فلا بد من التذكير بمسألتين أخريتين ترتبطان بمسألة قبول مصر إجراء الانتخابات في منطقة حلايب. فالسُّودان كان ولا يزال في تلك الحقبة التاريخية مستعمرةً انجليزيةً مصريةً، تديرها الدولتان بموجب اتفاقياتٍ وقّعتاها معاً. عليه فقد كان لمصر دورٌ في إدارة شؤون السُّودان. وقد ازداد ذلك الدور بتعيين مجلس الحاكم العام، بموجب قانون الحكم الذاتي، والذي كان أحد أعضائه مصرياً، وهو السيد حسين ذو الفقار. وقد ظل السيد ذو الفقار ممثلاً لمصر في السُّودان ومستشاراً للحاكم العام حتى نهاية شهر ديسمبر عام 1955.

لهذه الأسباب فقد شاركت مصر مشاركةً كبيرةً وفاعلةً في انتخابات عام 1953 التي شملت دوائرها الانتخابية منطقة حلايب. وقد فاز في دائرتها (الدائرة 70 الأمرأر والبشارين) السيد محمد كرار كجر عن الحزب الوطني الاتحادي. كما جرت الانتخابات في القُرى التي كانت تقع شمال وادي حلفا وخط 22 شمال (وشملت قرى سره وفرس ودبيره وأرقين والتي كانت تُعرف بـ "نتوء حلفا")، وفاز في دائرتها الانتخابية (الدائرة 29 وادي حلفا) السيد محمد نور الدين عن الحزب الوطني الاتحادي أيضاً. 

 

3
لم تُثِرْ القاهرة، على الرغم من وضعها الدستوري بصفتها إحدى دولتي الاستعمار للسودان، مسألة إجراء السُّودان للانتخابات في منطقة حلايب، كما لم يُثِرْها أو يعترض أو يحتج عليها الممثل المصري في لجنة الانتخابات السيد عبد الفتاح حسن. كما بارك تلك الانتخابات وتفاصيلها ونتائجها – بما في ذلك انتخابات حلايب - السيد حسين ذو الفقار العضو المصري في مجلس الحاكم العام، وهو المجلس الذي أشرف على الانتخابات، ووافق على نتيجتها.
عليه فقد أوضحت انتخابات عام 1953 تبعيّة منطقة حلايب للسودان تبعيّةً كاملة، وقبول مصر الكامل لذلك الوضع. وقد تمَّ تأكيد ذلك الوضع بمذكرة الاعتراف المصرية باستقلال السُّودان. لم تحمل تلك المذكرة أية إشارةٍ إلى منطقة حلايب أو تبعيّتها لمصر، ولم تتضمّن المذكرة أي شروطٍ لذلك الاعتراف. وهكذا جاء الاعتراف المصري باستقلال السُّودان عام 1956، بحدوده السياسية التي تشمل حلايب ونتوء حلفا، دون أي شرطٍ أو قيد. 

 

4
ولا بُدَّ من مقارنة الموقف المصري تجاه حلايب بالموقف الإثيوبي تجاه منطقة قامبيلا التي كانت تحت إدارة السُّودان وقتها. فقد طلبت الحكومة الإثيوبية من حكومة السيد إسماعيل الأزهري إعادة المنطقة إلى إثيوبيا قبل أن تقوم الحكومة الإثيوبية بالاعتراف باستقلال السُّودان. وقد قامت حكومة السيد الأزهري بإعادة منطقة قامبيلا إلى إثيوبيا في أول يناير عام 1956. وتمّ في ذلك اليوم إنزال العلمين الإنجليزي والمصري، ورُفِعَ العلم السُّوداني لدقائق ثم تمّ إنزاله. ثم رُفِعَ العلم الإثيوبي، وتمّ تسليم المنطقة للحاكم الإثيوبي الجديد وطاقمه الإداري وفرقته العسكرية.

 

5
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الثانية عام 1958
بدأت الاستعدادات للانتخابات البرلمانية الثانية في شهر سبتمر عام 1957، وأُعلن يوم 27 فبراير 1958 اليوم الأول لبداية الاقتراع في كل أنحاء السُّودان. وفي ذلك المناخ الانتخابي قرّرت مصر فجأةً ولأوّلِ مرّة إثارة مسألة مثلث حلايب في 29 يناير عام 1958، حيث بعثت الحكومة المصرية إلى حكومة السُّودان مذكرةً، تعارض فيها إدخال منطقة حلايب الواقعة على سواحل البحر الأحمر، وكذلك المنطقة الواقعة شمال وادي حلفا، ضمن الدوائر الانتخابية السُّودانية، تذرعاً بأن ذلك الإجراء يناقض اتفاقية 19 يناير 1899، ويشكّل خرقاً للسيادة المصرية. وبناءً على هذا الإدعاء قامت الحكومة المصرية بإرسال فرقةٍ عسكريةٍ إلى منطقة حلايب. وأردفت تلك المذكرة بمذكرةٍ أخرى مؤرخة في 9 فبراير عام 1958، سلّمها اللواء محمود سيف اليزل خليفة، السفير المصري في الخرطوم، إلى السيد عبد الله خليل، رئيس وزراء السُّودان آنذاك، وذلك في يوم 13 فبراير 1958. وتقضي تلك المذكرة باشراك سكان منطقتي حلايب وشمال وادي حلفا في الاستفاء على قيام الجمهورية العربية المحتدة بين مصر وسوريا. 

وفور تسليم تلك المذكرة، أعلن السُّودان رسمياً في 13 فبراير عام 1958 رفضه التام للاستفتاء الذي قرّرت مصر إجراءه في حلايب ووادي حلفا، بحجة أن المنطقتين أراضي سودانية بمقتضى تعديلات اتفاقية الحكم الثنائي والتفاهمات التي تلتها، وبحكم الإجراءات العملية والإدارية التي قام بها السُّودان في منطقة حلايب أثناء فترة الحكم الثنائي وسنوات الحكم المدني الأول (أي بين الأعوام 1902 وحتى عام 1958).
توالت مجموعة من التطورات بعد تلك المذكرات، وشملت شكوى السُّودان لمجلس الأمن، وتراجع مصر عن قرارها إجراء الاستفتاء وسحب كتيبتها العسكرية، والسماح للسودان بإجراء انتخابات عام 1958 في منطقة حلايب (راجع مقالات الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان عن نزاع حلايب وشكوى السُّودان لمجلس الأمن المنشورة في موقعه الالكتروني وفي موقعي سودانايل والراكوبة). 

وقد جرت الانتخابات السُّودانية في شهري فبراير ومارس عام 1958. تمّ تقسيم دائرة حلايب إلى دائرتين. الدائرة الأولى الأمرأر 96، وفاز فيها السيد محمد حمد موسى عن حزب الشعب الديمقراطي. أما الدائرة الثانية فقد كانت البشارين 97، وفاز فيها السيد حامد كرار أحمد عن حزب الشعب الديمقراطي أيضاً. واحتفظ السيد محمد نور الدين بمقعده عن دائرة حلفا (الدائرة 143)، أيضاً عن حزب الشعب الديمقراطي.
وهكذا تمَّ إجراء الانتخابات البرلمانية الثانية في كل أنحاء السُّودان بما في ذلك منطقة حلايب التي أصبحت دائرتين انتخابيتين. ومما لاشك فيه أن التراجع المصري، وإجراء الانتخابات السُّودانية، وعدم إجراء الاستفتاء المصري هي بيناتٌ في كامل القوة، تعضّد بوضوح موقف السُّودان تجاه نزاع حلايب.

 

6
انتخابات المجلس المركزي لعام 1963
لم تصدر حكومة الفريق عبود دستوراً لحكم البلاد خلال سنواتها الستة في السلطة. وفي حقيقة الأمر فإن الحكومة لم تقم حتى بتشكيل لجنة لصياغة مشروع دستورٍ للبلاد خلال تلك السنوات، وظلّت البلاد تحكم بالأوامر الجمهورية التي كان يصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقد كوّن المجلس لجنةً برئاسة رئيس القضاء السيد محمد أحمد أبو رنات عام 1959، بعد عامٍ من وصول الفريق عبود للسلطة، لدراسة المشاركة الشعبية في حكم البلاد. أصدرت اللجنة مقترحها بقيام مجالس محلية مُنتخبة في كل أنحاء السُّودان، على أن تقوم هذه المجالس في كل مديرية من مديريات السُّودان التسعة بانتخاب مجلس لتلك المديرية، ثم يقوم كلٌ من مجالس المديريات التسعة بانتخاب ستةٍ من أعضائه للمجلس المركزي في الخرطوم. وبالإضافة إلى أعضائه الأربعة والخمسين المنتخبين انتخاباً غير مباشر، يقوم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعيين ثمانية عشر عضواً ليرتفع عدد أعضاء المجلس المركزي إلى اثنين وسبعين عضواً. 
غير أن حكومة الفريق عبود لم تلتفت إلى مقترحات لجنة القاضي أبو رنات حتى عام 1963، عندما شرعت في الانتخابات وتشكيل المجلس المركزي. وقد جرت انتخابات المجلس المركزي في كل أنحاء السُّودان، بما في ذلك منطقة حلايب، دون أي اعتراضٍ من الحكومة المصرية. وتشكّل المجلس المركزي في منتصف عام 1963. 

 

7
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الثالثة في عام 1965 
بعد سبعة أشهر من نجاح ثورة أكتوبر عام 1964 وسقوط نظام الفريق إبراهيم عبود، تم إجراء ثالث انتخاباتٍ برلمانية في تاريخ السُّودان. وقد شملت الانتخابات التي جرت في شهر يونيو عام 1965منطقة حلايب التي تمّ تقسيمها هذه المرة إلى ثلاث دوائرٍ. وكانت نتيجة الانتخابات فيها كالآتي:
أولاً: الدائرة 176 عتباي، وقد فاز فيها السيد محمد عثمان الحاج تيته عن الحزب الوطني الاتحادي.
ثانياً: الدائرة 177 الأوليب، وقد فاز فيها السيد محمد كرار كجر عن الحزب الوطني الاتحادي.
ثالثاً: الدائرة 178 سيدون، وقد فاز فيها السيد أحمد علي عبد الله عن الحزب الوطني الاتحادي.
وقد جرت تلك الانتخابات في الدوائر الثلاثة دون أن تثير مصر معارضةً أو حتى ملاحظةً حولها، ودون أن تشير إلى قرار مجلس الأمن الذي كان مفاده العودة إلى الوضع الذي كان سائداً في حلايب قبل 29 يناير 1958، ومناقشة الطرفين السُّوداني والمصري للخلاف بعد الانتخابات السُّودانية في مارس عام 1958.

 

8
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الرابعة في عام 1968
جرت الانتخابات الرابعة في عام 1968 إثر حلِّ الجمعية التأسيسية في فبراير من ذلك العام. وقد تواصل تقسيم منطقة حلايب إلى ثلاث دوائر كما حدث في انتخابات عام 1965. وقد كانت نتائج الانتخابات كالآتي:
أولاً: الدائرة 176 عتباي، وقد فاز فيها السيد محمد عثمان الحاج تيته عن الحزب الاتحادي الديمقراطي.
ثانياً: الدائرة 177 الأوليب، وقد فاز فيها السيد محمد الأمين الطاهر عن الحزب الاتحادي الديمقراطي.
ثالثاً: الدائرة 178 سيدون، وقد فاز فيها السيد أبو الناس إبراهيم الهندي عن الحزب الاتحادي الديمقراطي.
لا بد من اإاشارة هنا إلى أن حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي اللذين تبادلا الفوز في دوائر حلايب في انتخابات عام 1958، وعام 1965، كانا قد اندمجا تحت مظلة الحزب الاتحادي الديمقراطي عام 1967. ومثلما حدث عام 1965 فإن مصر لم تبدِ أية اعتراضاتٍ أو ملاحظاتٍ حول انتخابات حلايب عام 1968. 

 

9
الاستفتاء على رئيس الجمهورية عام 1971
تم الاستفتاء على رئاسة الجمهورية الذي أصبح بموجبه العقيد جعفر نميري أول رئيسٍ للجمهورية في السُّودان في شهر أغسطس عام 1971، بعد أسابيع قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها الرائد هاشم العطا. وقد شمل الاستفتاء منطقة حلايب، ولم تُبدِ مصر أي احتجاجٍ أو ملاحظات، بل إن الباحث المتمعّن لأحداث تلك الحقبة من تاريخ السُّودان لا بُدّ أن يتوصّل إلى نتيجة أن الرئيس المصري أنور السادات كان ممن دفعوا بالعقيد جعفر نميري ليصبح رئيساً لجمهورية السُّودان، وكان واضحاً أن مسألة إجراء الاستفتاء في منطقة حلايب لم تكن بالنسبة للرئيس السادات أمراً يتطّلب من مصر التوقّف عنده أو التدقيق فيه، لأن فوز العقيد نميري برئاسة الجمهورية في الخرطوم كان يمثل الأهمية الاستراتيجية السياسية القصوى للقاهرة في ذلك الوقت.

 

10
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الخامسة عام 1986
جرت الانتخابات البرلمانية الخامسة في السُّودان في شهر أبريل من عام 1986، بعد سنةٍ من سقوط نظام المشير جعفر نميري. وقد شملت الدوائر الجغرافية، مثلما حدث في الانتخابات السُّودانية الماضية، منطقة حلايب. وقد تمّ ضمُّ الدوائر الثلاثة السابقة (عتباي، والأوليب وسيدون) في دائرة واحدة وأُعيد تسميتها "دائرة حلايب 203."وقد فاز في تلك الدائرة السيد عيسى أحمد الحاج محمد عن الحزب الاتحادي الديمقراطي. ولا بد من إضافة أن إعادة ترسيم حدود دوائر حلايب كان يتمّ وفق حدود مجلس ريفي الأمرأر والبشارين، الذي عُدل اسمه في عهد حكومة مايو إلى مجلس ريفي حلايب.
ومثل تعاملها مع بقية الانتخابات السُّودانية السابقة، فقد لزمت القاهرة الصمت، ولم تبدِ أي اعتراضٍ أو ملاحظاتٍ على اشتمال منطقة حلايب في الدوائر الجغرافية للانتخابات السُّودانية البرلمانية الخامسة عام 1986. لزمت القاهرة الصمت رغم أن العلاقات بين الخرطوم والقاهرة كانت قد ساءت كثيراً في ذلك العام بسبب رفض مصر تسليم السُّودان الرئيس المخلوع جعفر نميري الذي كان قد لجأ إلى القاهرة بعد الإطاحة به في انتفاضة أبريل عام 1985 وهو في طريقه من واشنطن إلى الخرطوم. كما لزمت القاهرة الصمت رغم تسمية الدائرة لأول مرة في تاريخ الانتخابات السُّودانية باسم "دائرة حلايب"، مما يجب أن يكون قد أزال أي غموضٍ حول مدلولات إجراء الانتخابات السُّودانية في تلك المنطقة. 
وقد كانت الانتخابات البرلمانية الخامسة التي جرت عام 1986 هي آخر انتخاباتٍ تُجرى في السُّودان قبل استيلاء الجبهة القومية الإسلامية على السلطة في الخرطوم عبر انقلاب 30 يونيو عام 1989، ثم دخول القوات المصرية حلايب واحتلالها عام 1992. 

 

11
وبهذا العرض نصل إلى نتيجة مفادها أن كل الانتخابات السُّودانية التي تمَّ إجراؤها منذ عام 1953 وحتى عام 1986 شملت منطقة حلايب، ولم يتم إجراء أية انتخابات مصرية في المنطقة خلال تلك الحقبة التاريخية. وإن محاولة مصر إجراء استفتائها في حلايب عام 1958 كانت المحاولة الوحيدة التي لم يُكتب لها النجاح، بل إن مصر نفسها تراجعت عن عقد الاستفتاء قبل يوم واحد من التاريخ المحدد له، وذلك بعد أن اعترض السُّودان بشكوى أمام مجلس الأمن الدولي. غير أن هذا الوضع تغيّر تغييراً جذرياً منذ عام 1992 عندما دخلت القوات المصرية حلايب واحتلتها، إثر تدهور العلاقات بين نظام الإنقاذ ونظام مبارك، ثم أعلنت القاهرة ضمَّ حلايب رسمياً لها عام 1995، إثر فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والتي تمَّ اتهام نظام الإنقاذ بالمسؤولية الكاملة عنها.
وقد توقّف السُّودان منذ ذلك التاريخ عن ممارسة سيادته وحقوقه وواجباته في منطقة حلايب، وظلّ ولا يزال الصمتُ هو الموقف الرسمي الحكومي للوضع والتطورات في حلايب، وموقفَ أحزاب المعارضة السُّودانية أيضاً. 
لهذه الأسباب فإن المفوضية القومية للانتخابات بالسُّودان تعي جيداً أنه ليس بمقدورها إجراء الانتخابات القادمة (عام 2015) في حلايب، مثلما حدث تماماً في انتخابات عام 2010. كما أن المفوضية نفسها تعي أن تصريحاتها تلك ليست أكثر من محاولةٍ لاكتساب بعض الزخم الإعلامي في مواجهة اللامبالاة الشعبية الواسعة للمفوضية، ولفكرة الانتخابات نفسها.
المصدر: صحيفة السوداني، الجمعة، 26 سبتمبر 2014.

 

 

لا عودة إلي القرون الوسطي

$
0
0

 ..

 

في سيراليون اضرب الحانوتية للمطالبة برفع الأجور. خبر شبه عادي.

لكن عندما نعلم أن تلك المنطقة هي من أشد المناطق تأثرا بوباء الايبولا، لا يصبح الأمر عاديا.

فترك جثث المرضي بلا دفن يضاعف من انتشار الوباء عدة مرات.

وشيء شبيه بذلك كان يحدث في القرون الوسطى في أوروبا عندما أصابها بلاء الطاعون في القرن الرابع عشر، إذ أن الخوف من ملامسة جثث المرضي عند دفنهم جعل المغامرين وشذاذ الآفاق يعملون بهذه المهنة ويطلبون اجورا عالية جدا لأن الحانوتية يخشون العمل. وهو سبب أقل دناءة من سبب سيراليون، أو لعل حانوتية سيراليون يدارون خوفهم وراء حجة الإضراب. 

علي كل الأحوال، أرجو مقارنة ه‏ذا التصرف بتصرف الأمريكيين مثلا أثناء زلزال سان فرانسيسكو أو الألمان أثناء الحرب عقب الغارات الجوية المكثفة..‏ أو اليابانيين عقب ضرب ناجازاكي وهيروشيما..

للموضوع خلفية قانونية لابد من تناولها..

الأصل فى الأمور هو أن العمل حرية وليس فيه إكراه. والأصل فى الأمور أيضا أن حق الإضراب مكفول للعمال دون تخريب ودون تدمير ممتلكات الغير.
ولكن للدولة حقوق إستثنائية بمقتضي أحوال الطوارئ تبطل هذه الأصول الفانونية وتتعدي عليها كما رأينا فى سان فرانسيسكو.

http://blog.marefa.org/node/870

فقد كان بمقتضى التفويض الصادر لعمدتها شميتس ولكونه منتخبا من قبل الشعب، كان له أن يصدر أمرا إداريا يعلن فيه عن أن كل من يضبط بالسرقة أو النهب أو محاولة السرقة أو النهب سوف يطلق عليه الرصاص فورا بدون إنتظار لتحقيق محاكمة وشهود وتثبت من التهمة. وبالفعل تم قتل ما يقرب من 500 شخص بهذه الطريقة بل ولم يتحقق أحد ولا جهة من شخصياتهم، فقد أحرقت جثثهم بعد مراكمتها على هيئة كوم كبير أشعلت فيه النيران ولم يسأل أحد عنهم بعد ذلك أبدا.

كما أن الدولة قامت بإجبار القادرين من الذكور على العمل فى مجال الإنقاذ والإخلاء والإطفاء وإزالة الركام إلخ.. وكان الخيار بين العمل أو الموت برصاص الجيش الذى دخل المدينة لكي ينقذ الموقف.

وكذلك قام الجيش بدون أي رجوع إلى سلطة إدارية أو تشريعية بتفجير عدد كبير من المنازل بالديناميت لكي يقطع على النيران مسيرتها المنتقلة من منزل لمنزل. وفي ذلك ما فيه من تعدي على حق الملكية لأصحاب هذه العقارات.

فى عام 1962 وقع إعصار كبير فى شمال المحيط الأطلنطي فى أعالي البحار نتج عنه فيضان هائل من مياه البحر كسر الحاجز الذى يقي مدينة هامبورج بحيث أن المياه قد زحفت وهدمت كثيرا من المنازل بالليل والناس نائمون وكان ذلك فى الشتاء.

وكان وزير الداخلية فى حكومة هامبورج فى ذلك الوقت سياسيا لامعا واعدا متحدثا لبقا فى البرلمان خبيرا فى شئون الدفاع يدعي هلموت شميدت.

والجيش الألماني هو مؤسسة إتحادية ليس لحكومات الولايات الألمانية أن تتعامل معها إلا من خلال الحكومة الإتحادية..

كان السيد هلموت شميدت بحكم ‏كونه ضابطا سابقا، كمعظم أبناء جيله، قد اتجه منذ البداية الي دراسة شئون التسليح والدفاع والستراتيجيات فكان عضوا هاما في لجنة القوات المسلحة والدفاع والتسليح في البرلمان فكان مطلعا علي أنواع الأسلحة وقدراتها إلخ..، كما أن خبرته السابقة كضابط سابق كانت حية وحاضرة.

وبدراسة الموقف المتدهور في هامبورج عرف أن إخلاء الجزء الغربي من المدينة هو أمر حتمي حتي لا يرتفع عدد ضحايا الغرق والتدافع والبرد الي أرقام عالية.

وقد فكر بسرعة ورأي أن أفضل وسيلة إخلاء هي الطائرات الهليكوبتر التي لم يكن يحوز عليها سوي سلاح الطيران.

ولكن لم يكن الوزير المحلي لولاية هامبورج يملك سلطة تحريك أي وحدات من الجيش ‏ناهيك عن حظر استعمال الجيش في حفظ الأمن الداخلي حظرا دستوريا، والاعصار المركزي يتقدم بسرعة في اتجاه المدينة حيث ماكان قد وصل إليها هو مجرد المقدمة. وكانت الساعة تقارب منتصف الليل. فماذا يفعل؟

كانت أول عقبة تقف فى طريق هلموت شميدت هي كونه ليس رئيس حكومة ولاية هامبورج بل هو وزير داخليتها فقط. ومن حسن حظه وحظ البلاد أن رئيس الحكومة كان رجلا من نفس الحزب بحيث لم يكن هناك نزاع حزبي بينهما، ولكنه كان رلائيسا للحكومة ينبغي مشاورته قبل اي تحرك. وقد حاول أن يسأل شميدت عما يفعله من حركات سريعة فى تلك الليلة فرد عليه شميدت بحزم قائلا له ما معناه إطلع أنت منها فهذه الأمور أنا أدري منك بها. ومن حسن الحظ أيضا أن رئيس حكومة ولاية هامبورج لم يكن من النوع العنيد الذى يتمسك بكل شىء لمجرد إثبات وجوده فأخلي الطريق بالفعل لشميدت لكي يتصرف.

وأصبح شميدت منذ تلك اللحظة مسئولا أمام الناس عن إدارة الأزمة.

إتصل فورا بالوحدات البريطانية المرابطة فى مدينة هامبورج وما حولها وطلب منهم بطريقة حازمة ولكن مؤدبة التدخل بصفة إنسانية لإنقاذ أهالي هامبورج وجاءت الموافقة سريعة من القيادة البريطانية حيث أن مدينة هامبورج وما حولها كانت تقع فى نطاق القطاع البريطاني من قطاعات الإحتلال التابعة للحلفاء الثلاثة.

ثم جاءت بعد ذلك الخطوة الأكثر جدية فى الموضوع .

كانت الخطوة الأكثر جدية فى الموضوع هي التصرف السريع لاستعمال طائرات الجيش الألماني فى عمليات الإنقاذ الليلي بينما الإتصالات مقطوعة بسبب السيل ولا يمكن الوصول إلى الحكومة الفيدرالية فى بون، بل يقال أن شميدت لم ينتظر حتي أن يحاول الإتصال بالحكومة الفيدرالية، إنما إستعمل معرفته بكثير من الضباط فى أن يكلفهم بالأمر المباشر وعلى مسئوليته الشخصية أن يخرجوا طائرات الهليكوبتر من الهناجر ويصدروا إليها الأوامر لكي تشرع فى الإنقاذ، كل ذلك والحكومة الفيدرالية برئاسة المستشار آديناور فى واد آخر. وبالطبع فإن الحظر الدستوري على إستعمال الجيش فى أعمال حفظ الأمن كان عقبة ليست سهلة. (فيما بعد برر شميدت ذلك بأن ذلك لم يكن حفظ أمن) كما أن تحرك قوات الجيش الألماني بالذات كانت مقيدة بسبب وضع البلاد تحت الهيمنة العسكرية المتحالفة، وقد حصل مقدما على تصريح من المنطقة العسكرية البريطانية التي كانت لها خطوط تليفون مستقلة عن الشبكة العمومية. وبالطبع فإن ضباط القوات المسلحة لم ينتظروا بل اصدروا الأوامر وتدفقت الطائرات وتمت عملية الإنقاذ بنجاح ولم تسفر الكارثة إلا عن موت حوالي 300 شخص فقط، بينما كانت الخسائر المتوقعة فى حالة عدم مشاركة القوات الجوية تقدر بالآلاف.

وفيما بعد قال شميدت أنه عندما فعل ذلك كان يعرف أنه يتعدي علي سلطات غيره سواء كان رئيس حكومة هامبورج أو وزير الدفاع أو المستشار ولكن للضرورة أحكام وقال كلمته الشهيرة "لم أنظر لا للدستور ولا للقانون، ولكني نظرت إلى الكارثة".

وهذه هي دول ديموقراطية حديثة لا شك فى دستوريتها ولا قانونيتها ولا ديموقراطيتها ولا عدالة قوانينها ولكنها عند الطوارئ بدّت مصلحة الناس على هذه النصوص التي توضع عادة موضع الإحترام بل والتقديس إنما فى الأحوال العادية..

نعود الآن إلى قصة سيراليون وإضراب الحانوتية

الحانوتية هم أصحاب مهنة مثل كل المهن الأخري والتي يحق لها الإضراب بالطبع. ولكن نظرية أحوال الضرورة تقف عائقا قويا فى وجه ممارسة هذا الحق، إذ أن الإضراب عن دفن الأموات من شأنه أن يتسبب فى كارثة هائلة الحجم ليس فقط فى هذه المنطقة ولكن فى القطر بأسره وقد تكون بؤرة لنشر الطاعون عن طريق الجرذان إضافة إلي إنتشار الإيبولا نفسها. وهذا الأمر قد يهدد سلامة إستقلال البلاد ذاته حيث أن الجيران من الدول الأخرى لهم مصلحة أكيدة فى دفع هذا الخطر وهي مصلحة مشروعة وجديرة بالحماية. وقد قررت أمريكا بالفعل إرسال قوات عسكرية لكي تتولي الأمور التي فشلت فيها حكومات تلك الدول. ولكن القرار الأمريكي هو قرار صحيح حيث أن الأمن الصحي للعالم لا يمكن تركه لدولة ضعيفة السيطرة على مواطنيها. ولا يمكن التذرع بالسيادة حيث أن تلك السيادة قد ثبت إخفاقها.
وهكذا فإن إضرابا كهذا يجعل من حق الدولة فى إستعمال القوة شأنا لا مناص منه، ولا عليها إن هي لجأت إلي القوة فى إجبار هؤلاء "المضربين"علي أن يقوموا بعملهم دون إبطاء وبلا صوت معارض. وهذا بالضبط ما قامت به قوات الجيش الأمريكي فى سان فرانسيسكو. أما إبتزاز الدولة فى محاولة للحصول علي مكاسب فئوية فى حالة من حالات الضرورة فهو عودة بالأمور إلي ظروف القرون الوسطي كما أسلفت عندما كان المغامرون والافاقون يعرضون خدمات الدفن أثناء إنتشار الطاعون لقاء أجور مبالغ فيها وكانت القري أو الأهالي ترضخ حتي لا يتفشي البلاء.

صحيح أن الدول الحديثة تقوم على الحرية والديموقراطية والإختيار بلا إجبار، لكن كل هذه القيم الطيبة لا محل لها فى أحوال الكوارث والطوارئ والأوبئة وطبعا الحروب، وذلك فى أعتي الديموقراطيات.

بقي أن أقول لكم أنه فى كلتي الحالتين سواء فى سان فرانسيسكو أو فى هامبورج فإنه لم يفتح أي تحقيق مع أي شخص لا بتهمة مخالفة الدستور ولا بتهمة التعدي على إختصاصات الغير ولا بتهم قتل بالرصاص أو هدم منازل (إلا مع بعض العاملين فى الإدارة الهندسية لمدينة سان فرانسيسكو بسبب إكتشاف أعمدة رخامية تم حسابها فى المستخلص قبل الزلزال وهي ليست أعمدة حقيقة وكشفت عنها المعاينة فيما بعد الزلزال ولكن هذا أمر فساد لا علاقة له بالتعدي على الإختصاصات). بل علي العكس فى حالة هلموت شميدت فقد عرف الرجل أكثر على مستوي الحزب وعلي مستوي البلاد كلها وأصبح يلقب بمدير الأزمات حتي أنه بعد 10 سنوات أصبح مستشار ألمانيا فى ظل الأزمتين المتزامنتين، أزمة المستشار فيللي براندت مع الجاسوس الشرقي وأزمة البترول.

أما فى بلد آخر فقد قيل أن القوات البحرية لم تخرج لإنقاذ العبارة الغارقة  لأن من يصدر الأوامر نائم ولا يمكن إيقاظه !!
كما أن هجوما عاتيا بأكبر قوة عسكرية فى التاريخ كان من الممكن صده بكفاءة بل وربما منعه لولا نوم الزعيم الذى كان يحتفظ لنفسه بحق تحريك الدبابات مما أضاع على البلاد فرصة الدفاع الفعال.. إنه هجوم النورماندي عام 1944.

وأعتقد أنه لا يختلف إثنان على أن الإجراءات التي إتخذت فى حالتي سان فرانسيسكو وهامبورج تتفق والفهم الأعمق للديموقراطية، إذ أن هذه الإمكانيات المتاحة للجيوش هي من أموال دافعي الضرائب، فلا أقل من أن تساهم بقدر الإمكان فى تخفيف البلاء عن هؤلاء الممولين فى حالات الضرورة، رغم عدم وجود عدو خارجي. وغير ذلك هو كما أسلفت من أحوال القرون الوسطي التي لا ينبغي العودة إليها..فالدولة الديموقراطية الحديثة لها حقوق عليا تسمو على كل شىء آخر فى أحوال الضرورة.

كلمة نهائية

 

تتراوح التقديرات حول عدد ضحايا الطاعون في أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر بين 20 و25 مليون شخص، فقط لاعطائكم صورة عن هول  الكارثة التي حلت بكل مناطق القارة عام 1347 واستمرت لمدة 4 سنوات تحصد الأرواح بدون أي معرفة طبية أو حتي شبه طبية‏ متوارثة، بل كان كل ما يفعله الناس هو الدعاء ومحاولة الإسراع بدفن الموتي، ولهذا نشأ بيزنس الدفن عالي التكاليف.

هم دفعوا فعلا ثمنا باهظا لتقدمهم وذلك في مناسبات عديدة جدا..

 

 
Viewing all 560 articles
Browse latest View live