بقلم : محمد السويسي
لازالت الأزمة المالية التي أنفجرت العام الماضي تتفاعل في العالم أجمع وفي أمريكا بالذات ، التي انطلقت من عندها ، يوماً بعد يوم كالحصان الجامح الذي يتعذر السيطرة عليه من سائسه رغم قصارى جهده . وتفاعلات تلك الأزمة تمايزت بين بلد وآخر، وبالتالي طرق العلاج ، إلا انها بالنسبة للدول الصناعية الكبرى أيقظتها من سباتها بعدم الركون إلى الدولار كعملة إحتياطية عالمية وبالتالي عدم الإطمئنان إلى النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا التي بدت عاجزة في الدفاع عن أخطائها و نهجها مع إنكشاف الفساد المالي والإداري الذي شاب قيادتها خلال العهد الماضي ومسؤوليتها عما آلت إليه الأحوال من إرتفاع أسعار النفط بصورة متعمدة غير منطقية مما سارع في تفجير الأزمة ، وبما أحدث من أضرار بالغة وتداعيات على الإقتصاد العالمي ، خاصة مع تورط عائلتي جورج بوش الأبن ونائبه ديك تشيني ، الرئيس السابق لمجموعة هاليبرتون ، في إستثمارات ضخمة في قطاع النفط بأساليب يشوبها العيب . لذا فإن العهد الحالي للرئيس باراك أوباما يعاني من جهود مضنية لإعادة الإعتبار للولايات المتحدة ولنقدها وسلامة توجهاتها المالية لاستعادة ثقة العالم الحر بقيادتها ، التي كسبتها خلال الحرب العالمية الثانية وخسرتها في حرب العراق وتداعياتها ، وفق مبادىء أساسية أهمها :
إصلاح النظم المالية الأمريكية وتجديدها ، دعم الرعاية الصحية ، وتخفيض الضريبة عن المواطن ، وتعزيز الطبقة الوسطى ، ووضع نظام ضريبي جديد ملائم وعادل.
إلا أن ذلك يبقى عديم الجدوى إن لم يسبقه إعادة الثقة بالدولار ، عماد الإقتصاد الأمريكي ، الإجتماعي والثقافي ، وعنوان القوة والإحترام والهيبة للولايات المتحدة . فالجهود المحلية من قرارات ومراسيم لن تنفع في إستعادة الثقة بالدولار ولا بوقف الركود المتنامي في أمريكا إن لم يترافق ذلك مع تعديل للسياسات الخارجية بالتخلي نهائياً عن الأساليب القديمة لإستعادة الثقة بالقيادة الأمريكية وذلك باحترام الشعوب في مطالبها العادلة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ، كي تعود أمريكا لصدارتها لتقود العالم من جديد على أسس أخلاقية عادلة .
الدولار وفقدان الثقة :
فالدولار يتعرض لضغوط شديدة لفقدان بعضاً من قوته مع تراجع الإقتصاد الأمريكي أمام نمو الإقتصاد الصيني الإغراقي وتحدي اليورو . ومع فقدان الثقة به كعملة إحتياطية ، بتأثير من الأزمة الأمريكية ، دعت أوروبا إلى المطالبة بقوة إلى إعتماد نقد عالمي جديد بديلاً عنه للتعامل به في محاولة لإحباط محاولات الروس والصينين في فرض الرنينمين الصيني والروبل الروسي كعملات إحتياطية بمساواة الدولار ولو وفق سلة عملات معتمدة من كل دولة .
والمسعى الصيني جدي وملح في هذا الأمر من حيث أنها الأكثر ضرراً من تراجع الدولار بما انها قد أقرضت الحكومة الأمريكية في وقت سابق 800 مليار دولار استثمرتها في سندات حكومية ، هي جزء من إحتياط نقدي لديها، بنحو ألفي مليار دولار ، كانت الصين تسعى الى زيادة تراكمه إلى أن فاجأتها الأزمة المالية الأمريكية بما أقلقها وأزعجها بحيث عبرت عن مخاوفها من ضياع أموالها، على لسان رئيس وزرائها وين جياباو ، والمطالبة باستعادتها وكأن أمريكا على شفير الإفلاس . فالصين تعتبر أكبر مستثمر أجنبي في مجالات مرتبطة بديون الحكومة الأمريكية مما فاجأ البعض لضخامة المبلغ المدين أو المستثمر مع إنكشاف الأمر ، عدا الإنتقاد والتساؤل الداخلي.
ولكن ماالذي دعا الصين إلى التورط في هذا الدين أو الإقراض مع عدم الحاجة وعدم التكافؤ ، حتى إنكشاف الأزمة ؟ .
الواقع أن الصين كانت تتصرف تصرفاً إنتهازياً ، بالمعنى الإقتصادي ، بما تمليه عليها مصلحتها مع إختلال الميزان التجاري لصالحها حيث أغرقت الأسواق الأمريكية بالسلع الرخيصة التي عطلت المصانع الأمريكية وزادت من حدة البطالة وزيادة أعباء كلفة الخزينة من تعويضات البطالة فكانت التسليفات الصينية بمئات المليارات تعمل على رفد الخزينة الأمريكية لتوفير المال بين أيدي المستهلكين للإنفاق على شراء البضائع الصينية في دورة إقتصادية مرنة وذكية لرفع الإرهاق عن الخزينة الأمريكية مع إغلاق المصانع وتشرد العمال بما يتلائم والمصلحة الصينية التي كانت تكدس الإحتياط النقدي من الدولارات ، غب الطلب ، لصالح السندات الأمريكية لحث أصحاب المصانع المنهارة إلى إعادة تجربة حظوظهم على الأرض الصينية حيث خصصت المساحات الكبرى شمال الصين من أجل إقامة المصانع الأجنبية التي كان للأمريكيين الحصة الكبرى فيها لمختلف أنواع السلع التي كان يتم تصنيعها بأيد صينية لرخص أجورها ليعاد تصديرها إلى الولايات المتحدة بمواصفات أمريكية وأرباح فاحشة .
وقد تعددت الأهداف الصينية من تلك السياسات الماكرة ، أهمها فتح أسواق واسعة لها في العالم و في أمريكا للحصول على قطعها النادر ، وجلب المصانع الأمريكية لتعلم التكنولوجيا الأمريكية المتطورة او بالأحرى الإستحواذ عليها بشكل مشروع لايتطرق إليه الشك مع دوافع الحاجة والبطالة والخوف في أمريكا من تجدد أزمة الكساد التي مر عليها أكثر من ثلاثة أرباع القرن .
ولكن مع إنفجار الأزمة بتواتر سريع في أمريكا ومحاولة التماسك الغربي للدفاع عن النظام الراسمالي مع إنكشاف الأخطاء والعيوب والتخلف والإهمال ، كانت الدعوة للإصلاح بشكل قاس مترافقة مع ضرورة مواجهة الإغراق السلعي الصيني ودعم الحمائية ضدها. وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل إتخاذ إجراءات داخلية عملية جريئة وإقتصادية غير متوقعة وفق أنظمة مالية مغايرة تماماً للأنظمة والقواعد القديمة التي اعتبرت ، مع عدم تطورها بما يتلائم ومطلع القرن الجديد المسؤولة عن الحالة التي وصلت إليها أمريكا وإعادة النظر بسياساتها الدفاعية والخارجية .
وقد عبر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس وقتذاك عن تلك التوجهات بشكل واضح بالإعلان عن مجموعة من الإصلاحات الجريئة التي تستهدف بشكل مباشر الحد من الإسراف والإضافات الزائدة عن التكاليف التي تستنزف مئات بلايين الدولارات مما زاد من تضخم الميزانية الدفاعية دون أن تجعل أمريكا أكثر أمناً. ولم يزعج الصين ذلك ، ولكن ماأزعجها هو التوجه نحو إعادة النظر باستيراد السلع الأمريكية وتصنيعها خارج الحدود بما سبب من موجات متلاحقة من البطالة وأدى إلى اتساع الكساد وإغلاق المصانع في الداخل مع فقدان القوة الشرائية من أيدي شريحة كبيرة من المواطنين الأمريكيين بشكل متزايد .
وقد عبر الرئيس أوباما عن قلقه وخططه لمواجهة هذا الأمر بالقول "حقاً ، أنا لاأرضى بمستقبل تنبت وتنمو فيه الأعمال والوظائف وصناعات الغد خارج حدودنا . فقد آن الأوان كي تتصدر أمريكا وتقود من جديد "وقد باشر بالفعل بخطوات عملية لإنجاز هذا الأمر بتفكيك الإ رث الضريبي الذي اتبع سابقاً ، بحيث انه أعاد رفع معدل الضرائب بالنسبة إلى العائلات الثرية إلى مستواها السابق وألغى العديد من التخفيضات الضريبية للشركات في مقابل إقرار التخفيضات الضريبية لعائلات الطبقة الوسطى والشركات الصغرى لتوفير السيولة الشرائية والتخفيف من حدة البطالة .
وقد أشهرت الخزانة الأمريكية أول خطة موازنة تنطبق وتوجهات الرئيس أوباما للسنة المالية التي تبدأ في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل تضمنت العودة إلى أعلى معدلات الضريبة على العائدات المعتمدة سابقاً ومقدارها 39.6 بالمئة بالنسبة إلى الشريحة الأكثر ثراء من المواطنين ، و36 بالمئة بالنسبة إلى الشريحة الأخرى، حيث كان الرئيس جورج بوش منذ السنة الأولى لدخوله البيت الأبيض قد خفض المعدلات العليا للمداخيل الكبرى إلى 35 بالمئة وللشريحة الأخرى إلى 33 بالمئة لسبب غير مفهوم .
إن التخفيضات الجديدة الضريبية للطبقات الوسطى والفقيرة التي أقدم عليها الرئيس أوباما سيستفيد منها 95 بالمئة من العائلات الأمريكية مما سيسمح لكل "عائلة نموذجية "بادخار 800 دولار أمريكي سنوياً ، أي مامجموعه 736 بليون دولار على مدى عشر سنوات عدا عن 787 مليار دولار ضخت في وكالات الحكومة الفيدرالية للتحفيز الإقتصادي .
هذا على الصعيد الداخلي ، أما على الصعيد الخارجي فلقد بدأت أمريكا بالمحادثات الثنائية مع أوروبا للتبادل التجاري ووضع الخطط الملائمة لمواجهة الإقتصاد الصيني المتنامي . وقد أعلن وزير الخزانة أن أمريكا تود إقام أوثق العلاقات مع الصين ، أثناء زيارته لها ، في سياق طمأنتها لديونها للحكومة الأمريكية بأنها في وضع آمن ، إلا أنه ربط تمتين هذه العلاقات بتخفيض العجز التجاري بين البلدين بما يوازي العلاقة القائمة منذ عقود مع القوى الإقتصادية في أوروبا لوضع حد للإنتقاد في التساهل الأمريكي السابق أمام السياسات الإقتصادية الصينية التي ساهمت في فقدان ملايين الأمريكيين وظائفهم . ومن جهة أخرى بدأت واشنطن بتوجيه صندوق النقد الدولي بعد أن أمنت له السيولة من خلال قمم العشرين لإقراضه وفق شروط ونيات غير معلنة تصب في المصالح الأمريكية من حيث رفض الحمائية أمام سلعها ، التي هي من أول أهداف الصندوق لإغراق المستدينين بالسلع الأمريكية ، مقابل إقراضهم ، بديلاً عن البضائع الصينية .
وهذا الحذر الأمريكي والتخوف من نيات الصينيين تجاه إقتصادهم أوجزه الأميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان البحرية الأمريكية المشتركة بتصريح له "بأن تعزيز الصين لقواتها البحرية والجوية المدعوم بإقتصاد قوى يستهدف فيما يبدو الولايات المتحدة "مما يدل على الحذر والجدية والعزم الذي تتصدى به أمريكا لتمدد الإقتصاد الصيني لديها وفي العالم . إلا أن هذا الحذر غير كاف إذا كانت أمريكا مستمرة في سياسة الإفقار للشعوب الأخرى ولم تعزز مداخيلها بتعزيز الأمن في دول العالم الثالث ، خاصة أفغانستان والسودان والعراق ، وحل القضية الفلسطينية ،عقدة المشاكل وباب الحل في الشرق الأوسط ، لتأمين أسواق إستهلاكية لبضائعها مع توفير السيولة ورفع المستوى والملاءة لزبائن محتملين .
الموقف الصيني من الحمائية :
إن هذه السياسات المالية الأمريكية المعلنة واجهتها الصين بموقف هجومي بالمطالبة بديونها إلى حد التشهير بأمريكا ورفض الحمائية التي يدعو إليها الغرب على سلعها ، لما تشكله من خطر على إقتصادها وكساد مصانعها ، بحيث أنها دعت إلى إعادة تشكيل النظام المالي بعدم الإعتماد على الدولار كاحتياط عالمي واستبداله بسلة من العملات والسلع المهمة ، وتجلى ذلك في تصريح لرئيس البنك المركزي الصيني بأن النظام الحالي المرتكز على الدولار عرضة للأزمات المالية بصورة كبيرة . وقد بالغت الصين في المواجهة باتجاهها نحو سلسلة من ترتيبات المقايضة مع بنوك مركزية لبلدان تشمل الأرجنتين ، وكوريا الجنوبية ، وأندونيسيا ، وماليزيا ، وروسيا البيضاء ، بحيث تتمكن عن طريقها من جعل عملتها متاحة لدول أخرى في حال نفاد العملات الأجنبية . وقد وجدت الصين في البرازيل مؤيداً لمبادراتها بحيث ستبدأ محادثتهما حول التجارة الثنائية التي سيتعين تسويتها بالريمنمنبي والريال بدلاً من الدولار الأمريكي . إن تلك التدابير الصينية قد لاتؤتي ثمارها مطلقاً مع قوة الدولار وهيمنته على المدى المنظور ، إلا أن المتاعب التي تثيرها في هذا الأمر القصد منها غل اليد الأمريكية من التفرد بالقرار الدولي في المسائل الإقتصادية الدولية ، وفي تعزير دور الصين التجاري والإقتصادي من موقع الدفاع عن تجاراتها بالحد من الحمائية التي بدأها الغرب ضد بضائعها بما يسبب من ضرر بالغ لصادراتها.
أوروبا والخلاف الصيني الأمريكي :
لقد وجدت هذه السياسات الإقتصادية الأمريكية بمواجهة الصين دعماً من الأوروبيين مع إرتفاع العجز التجاري بين الإتحاد الأوروبي والصين بشكل ملحوظ في العام 2008 الذي وصل إلى 169 مليار يورو مقارنة بنحو 49 مليار يورو عام 2000 ، مما دفع الإتحاد الأوروبي اللجؤ إلى الحمائية ضد السلع الصينية ، بما يتعارض ومضمون إتفاقية التجارة الدولية التي تنادي بها أوروبا وأمريكا ، بفرض العديد من الرسوم ضد السلع الصينية للحد من إغراق أسواقها ووقف منافستها لسلعها . وقد حذرت الصين على لسان مسؤوليها من اللجؤ إلى الحمائية بمواجهة سلعها ، لأن هذا النهج لن يجلب سوى المشاكل وأن من مصلحة الصين والإتحاد الأوروبي إبقاء سوقيهما مفتوحة.
ويتلخص رأي البريطانيين ، عن المواجهة الصينية الأمريكية ، بأن التجارة العالمية قد تنهار مالم يأخذ العالم بخطوات منسقة وملموسة لتمويل تدفقات التجارة ، وبأن الأزمة المالية العالمية قد تحولت إلى أزمة تجارية في ظل تضرر العديد من الدول المصدرة الكبرى ضرراً بالغاً جراء التراجع وتأثر الدول النامية تأثراً شديداً بانخفاض الطلب .
كما اعتبار التجارة أسوأ ضحية للأزمة المالية العالمية في ظل وجود دائرة مفرغة نتجت عن إنخفاض الصادرات ، مما تسبب في إنخفاض الإنتاج وارتفاع معدل فقدان الوظائف واستمرار الإنخفاض في طلب المستهلكين ، وما إلى ذلك . وبأنه لايمكن حدوث انتعاش إقتصادي من دون إنعاش التجارة العالمية ، لأن التجارة كانت وراء الإنتعاش بعد الحرب العالمية في اليابان والمانيا وسائر أنحاء أوروبا والولايات المتحدة ، كما كانت محرك النمو بآسيا في العقود الأخيرة . إلا ان رأي البريطانيين بضخ كميات هائلة من الأموال لتمويل حركة التجارة لإنعاشها ليس في مكانه لأن الأمر يتطلب إجراءات عدة مسبقة ضرورية ، خاصة في الدول الناشئة التي يُعتمد عليها في تصريف الإنتاج الغربي .
وان تبني رئيس وزراء بريطانيا وجهة نظر الأمريكيين بضرورة الإبتعاد عن سياسة الحمائية التجارية الجمركية للسلع الغربية من قبل الدول النامية ، ليست في مكانها لما تسببه من ضرر بالغ على إقتصادها الضعيف والهش . فسياسة الحمائية التجارية قد تؤتي ثمارها في أوروبا ، لما تتمايز به من تنوع وتكامل في الإنتاج الصناعي والزراعي ، ولكن لايمكن تطبيقها على الدول الناشئة ، خاصة الدول العربية لأنها لاتتناسب مع تطلعاتها وطموحاتها ، إلا وفق إتفاقيات تجارية أو بروتوكولات ثنائية ، لما في ذلك مصلحة للطرفين .
إن محاباة الأمريكيين في الخطوات السياسية والإقتصادية من قبل الأوروبيين لعقود عدة ، خاصة فيما يعود لسياسات الصندوق الدولي وتطبيق بعض بنود إتفاقية منظمة التجارة العالمية على دول العالم الثالث ، أدى مع إنفجار الأزمة إلى تفاقم العجز التجاري لدى الإتحاد الأوروبي بحيث شهد تراجعا في تدفق السلع مع كبار شركائه ، إذ انخفضت الصادرات إلى تركيا بنسبة 41 بالمائة في كانون الثاني/ يناير ، شباط / فبراير على أساس سنوي ، تليها روسيا بنسبة 30 في المائة ، ثم كوريا الجنوبية بنسبة 30 في المائة ، والهند بنسبة 31 بالمائة . وانخفضت الواردات من روسيا بنسبة 39 في المائة ، وتركيا بنسبة 30 في المائة ، والنروج والبرازيل بنسبة 28 في المائة لكل منهما . أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية من 11.7 مليار يورو إلى 4.2 مليار يورو في كانون الثاني/ يناير ، شباط / فبراير على أساس سنوي ، ومع سويسرا من 3.1 مليار إلى 2.2 مليار يورو .
إن هذا التراجع الأوربي الإقتصادي والتجاري والمالي يتطلب منهم القيام بالخطوات الإصلاحية المعقولة التي يجاهرون بها ، والتى تتبخر وللأسف وراء الكواليس عند كل لقاء أو إجتماع يضم الأمريكيين ، بحيث يعودون إلى النهج القديم القائم على رفض التعاون والشراكة مع الدول النامية للمحافظة على مستوى الرفاهية لمجتمعاتهم كما في السابق على حساب حاجات الشعوب الأخرى وضروراتها بحيث أن المنظمة الألمانية "إغاثة حوعى العالم "أعلنت بأن جوعى العالم قد يتخطى المليار نسمة نهاية هذا العام وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة ، لايستطيعون تغطية حاجاتهم اليومية ، ومعظمهم يعيش في آسيا وأفريقيا الغنية بثرواتها الطبيعية ولكن المستغلة من الغرب بطريقة غير عادلة بما أدى إلى إفقارهم وشح السيولة المالية بين أيديهم ، وهذا النهج كان خاطئاً جداً مع تداعياته عقب الأزمة المالية بحيث حلت الصين بسلعها الرخيصة محلهم ، كالذي استأجر حقلاً شاسعاً بخل على خدمته في موسم الجفاف توفيراً لمال ينفقه على بذخه وملذاته ، فآل حاله عند القطاف ، فقراً وعوزاً مع شح موارد الحقل ، بعد أن كان يعد نفسه بالربح الوفير.
أو كالربان الذي فقد البوصلة في عرض البحر فأخفى الطعام والماء عن معاونيه طمعاً في النجاة بنفسه ، دون أن يشاركهم ليعاونوه في الوصول إلى بر الأمان لأنانيته وضيق أفقه فهلكوا وهلك معهم . وهكذا الحال بين الغرب والعالم الثالث فعسى أن يغير من نظرته وأسلوبه بما فيه خير للجميع.
العرب و الإصلاحات المالية:
رغم إجتياح تسونامي الأزمة المالية للعالم بحيث لم ينجو منها أحد ، ولو بتفاوت ، فإن القرارات العربية لمواجهة الأزمة لاتزال على حالها في القصور وعدم القدرة على المعالجة لأنها أصلاً إستعارة أو تقليد لمنهج غربي غير ملائم ، ومع ذلك فإنهم لأزالوا يتطلعون وينتظرون الإجراءات الغربية لإعادة الإصلاح على نهجها كما اعتادوا بخطوات سابقة كانت معيقة حتى للغرب أيضاً لعدم أخذهم بالمتغيرات وجمودهم ، فكيف هي الحال مع العرب إن ظلوا عليها ؟.
فهذه الأزمة المالية غير عادية فكذلك يجب أن تكون معالجتها أيضاً غير عادية ، ونلحظ ذلك بما تنتهجه أمريكا من تنظيمات إقتصادية ومالية وبما تصدره من مراسيم تنسف تماماً الفلسفة الرأسمالية القديمة للقرن الماضي التي كانت قد شرعت لمواجهة النظام الإقتصادي السوفياتي الذي قام على رأسمالية الدولة ، وإن اختلفت التعابير وتعددت ، إلا أنها سقطت جميعها مع سقوط الشيوعية الماركسية وأفول القرن العشرين على خطط وتنظيمات شاخت واعتبرت بالية بالتجربة والإمتحان .
ولقد عبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن هذا الواقع تماماً بالقول في خطابه في 14 نيسان "أن المسألة ببساطة هو أنه لايمكننا أن نستمر على هذا المنوال حينما يكون لدينا نظام مالي للقرن الحادي العشرين تحكمه لوائح وأنظمة من القرن العشرين ، إذ أنها هي التي سمحت لهذا التهور والطيش بتهديد الإقتصاد برمته .. وقد آن الأوان كي نضع قواعد جديدة متشددة لسير عمل وول ستريت لضمان عدم وقوعنا أبداً في هذه الورطة " .
ومع وضوح الرؤيا في العلاج فإننا نقف حائرين متسائلين عن أسباب التخلف العربي في وضع الخطط والتنظيمات المالية والإقتصادية الملائمة لنهوضه والتي لايمكن أن تأتلف مع النظم الغربية أوالأمريكية ، لخلاف في التكوين والممارسة الأخلاقية والإجتماعية في التعامل ، خاصة الأسواق المالية على أنواعها التي تقع تحت هذا المفهوم والتي لايمكن التخلي عن نهجها في الغرب لأسباب عديدة أهمها لجم التضخم والمحافظة على قوة النقد .
ومع ذلك نتساءل لماذا هذا التردي في استعمال أدوات تعيق نهوضنا بل وتشد بنا إلى الوراء ، مع وجود وسائل وتنظيمات أفضل لمجتمعنا ، فهل عدمت الخبرة والفهم الإقتصادي والإجتماعي للنهوض بنا ؟
سؤال ووضع محير نجيب عليه عندما نطلع على أهداف الغرب من إجتماعات قمة العشرين وتوجهاته ونياته الغير ملائمة لنا والتي لسنا بحاجة إليها .
وقبل أن أبدأ بالإجابة أود أن أعرًف وأوضح ، بأن مجموعة قمة العشرين هي عبارة عن تكتل إقتصادي عالمي يهدف إلى تبادل وجهات النظر حول تحديات منظومة الإقتصاد العالمي وبحث آليات التنسيق والتعاون المشتركة في سبيل مواجهة هذه التحديات . وقد اقترن أسم مجموعة العشرين تيمناً بعدد الأعضاء المشاركين فيه ، وقسمت هذه الدول وفقاً لتصنيف البنك الدولي لثلاث فئات تبعاً لنوعية إقتصاد كل دولة ، إلى إقتصاد متقدم ، وناشىء ، وشبه ناشىء ، والمملكة السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي ضُمت إلى مجموعة العشرين وفق التصنيف الأخير. وأهداف هذا التجمع هو حث الأعضاء على دعم القطاع الخاص ، وتحسين بيئة الإستثمار الأجنبي ، وإعطاء الأولوية للإستثمار في مشاريع البنى التحتية ، وإيجاد وظائف للشباب ، وتطوير سوق ثانوية للسندات والصكوك .
لو تعمقنا قليلاً في تلك البنود التي وضعت من الدول الصناعية الثمانية الكبرى بتوجيه وضغوط من أمريكا لتطبيقها ، فإننا نجدها ملائمة تماماً للمصالح الغربية ولهذا جاءت التنظيمات الغربية والقوانين المرعية والمراسيم لتطبيق تلك المبادىء ملائمة للعالم الغربي في هذا الشأن مع استنزاف مدخرات وأموال العالم الثالث بوسائل عدة بما يوازي استنزاف موارده الطبيعية .
وسلبيات هذه المبادىء هو في أسلوب التطبيق على صعيد المصارف والمؤسسات المالية وعدم حث العرب على وضع الخطط الملائمة للتقديمات الإجتماعية والصحية التي لايمكن نجاح خطة أو نهوض إقتصادي بدونها .
وهم يتجاهلونها تماماً بل ويخيفون البعض بأنها ترهق الخزينة في عملية مخادعة بالمطلق وذلك لإبقاء بذور التخلف والتفجير والفقر في مجتمعات العالم الثالث وإعاقته ماأمكن لقصور النظرة الإقتصادية الغربية التي يدفع ثمنها اليوم .
وأسوأ التقليد المتبع للغرب هو تنظيم الأسواق المالية التي يجب نسف منهجها بالمطلق لأنها بما هي عليه تزيد من إعاقة الإقتصاد بما يتوجب تعديلها بطريقة جذرية لكسب مشاركة أوسع للمواطنين وحفظ أموال المساهمين وأرباحهم برقابة حكومية بما يستحيل فيها أي خسارة إلا لفساد في الإدارة متعمد . فالتنظيمات الغربية في أسواق البورصة المعتمدة حالياً هي ملائمة وضرورية لأسواق وول ستريت وما شابهها إن ترافقت مع المراقبة الحكومية أيضاً ، ولكنها جداً مؤذية للأسواق العربية وتعيق نهوض مجتمعه لاختلاف التركيبة الإقتصادية الغربية عن دول العالم الثالث ، بدليل الخسائر الدائمة للمتعاملين من خلالها . وقد تضطر دولة نامية أن تستعمل أسلوب الأسواق الحالية المتبعة في حال تدني العملة الوطنية بشكل خطير ، وعندها بعملية ذكية منظمة من الممكن إصلاح الأمر لوقف التدهور النقدي وتداعياته .
أما التدهور الإقتصادي أو بالأحرى عدم نهوضه فلا يمكن لجمه في العالم العربي إلا بوضع نظام مالي جديد للمصارف والأسواق المالية . ولن أستطيع الإجابة عن السؤال المطروح وهو ، لماذا يتقاعس العرب عن تنظيم وضعهم المالي والمصرفي والإجتماعي مع المقدرة على ذلك وتوفر الإمكانيات والحل ، خاصة أنه لايكلف الخزينة أي مصاريف إضافية ، فإني لااملك الجواب الشافي ، لذا أترك ذلك لإستنتاج القارىء بعد تأنفي قراءة المقال .