تاريخ الأزهر منذ البدايات
البورصة وضرورة تثبيت أسعارالأسهم
بقلم : محمد السويسي
بعد كل ندوة أو مؤتمر إقتصادي تجابه بأسئلة عدة تتضمن الإستنكار او الإستفسار لماذا الدعوة إلى تجميد أسعار الأسهم ؟
وماهي إيجابيات ذلك ؟ وهو سؤال في محلة لتوضيح الأمر لعدم إقتناع القطاعين المالي والإقتصادي بجدوى ذلك لتعارضه مع مصالحهم ، مع إتباعهم مدرسة "وول ستريت "رغم سلبياتها ، وقد أوصلت الإقتصاد الأمريكي إلى الهاوية في الثلاثينات التي لم ينقذها منها سوى إتفاقية "برايتون وودز"التي كانت قمة العبقرية المالية التي أعطت للنقد الأمريكي قوة أسطورية دون تغطية ذهبية ، دُعمت ورسخت بخلق الذرائع والدوافع لإشعال الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى تدمير اوروبا وجزءاً من آسيا واحتلال الدول العربية والإستيلاء على فلسطين .
وكان الحزب النازي العنصري في الثلاثينات ، وفقاً لتحليلات الكتاب الروس منتصف الستينات في كتاب أصدروه بعنوان "من صنع هتلر"، قد نُظم سراً وحُرض من قبل الصهيونية العالمية وتمويلها لشن الحروب التدميرية للمنشآت والمصانع في أوروبا بهدف إفقارها وتعطيل إقتصادها ، ولإجبارها على التوجه نحو أمريكا لاستيراد البضائع من أغذية وآلآت ومصانع ومعدات عسكرية ، وبذلك تتخلص أمريكا من فائض البضائع المكدسة لديها في المستودعات بما يعيد تنشيط إقتصادها لعقود طويلة بمكيافيلية إجرامية مفرطة على حساب دماء ملايين القتلى ألأبرياء نتيجة الحرب ، مما عزز من قيمة الدولار مع إشتداد الطلب عليه بحيث أضحى وحدة نقدية عالمية ومقياساً للقيم أقوى من الذهب أحياناً .
لقد نجحت أمريكا بهذا التخطيط الشيطاني الذي كان قد أشار إليه عملاق الصناعة الأمريكية "هنري فورد"في كتاب له بعنوان "اليهودي العالمي أكبر مشكلة في العالم "، إذ حذر من تسلل اليهود إلأوروبيين إلى أمريكا والإستيلاء على الصناعة والإعلام فيها ، لأن ذلك سيكون بداية النهاية لحرية القرار الأمريكي في السياسات الدولية والتنظيم الإقتصادي والمالي . ولقد صحّت تنبؤات هنري فورد ، لأنه كان مشاركاً في بعض السياسات الخارجية لأمريكا وتأمين معظم حاجياتها من الآلة الحربية والمعدات الثقيلة ، وبالتالي مطلعاً على وضع أوروبا وما يجري فيها .
وكان من نتائج الحرب العالمية الثانية الإستيلاء على أموال اليهود والأوربيين في البنوك من قبل الصهيونية العالمية بحجة إفلاسها وتهريبها إلى أمريكا والإدعاء بأن النازيين هم من استولوا على تلك الأموال المودعة من ذهب ونقد وأودعوها في الخارج ؟!.
ولكن السؤال المطروح مع إنتهاء الحرب وانهزام النازية هو : أين ذهبت مدخرات المواطنين الأوربيين التي كانت موجودة في مصارفهم بالمليارات ؟!
بالطبع لم تجرؤ أوروبا على إثارة الموضوع وقد أضحت مَدِينَةً لأمريكا بتحريرها من النازية وحمايتها من خطر التوسع السوفياتي الذي اكتسح قسماً كبيراً من اوروبا واحتلها في ما كان يعرف بأوروبا الشرقية ، عدا الخوف من معاداة السامية إن أثير هذا الموضوع ، وقد أسكتها تقديم المساعدة الأمريكية لإعادة بنائها بقيمة 13 مليار دولار بموجب مشروع مارشال .
ومن هنا سادت الصهيونية بقوة مالية هائلة في صناعة القرار الأمريكي بما جنته من الأموال الأوروبية نتيجة الحرب المعدة من قبلها ، خاصة وأن كبار العائلات اليهودية هي من كانت تشرف على هذه البنوك و تديرها ، كما وأن الحرب التي أعلنتها النازية على اليهود وتمجيد العنصر الآري عجل تماماً في ترحيل الأموال من كافة أنحاء أوروبا نحو أمريكا . وبذلك سقط تحذير "هنري فورد "واستولت الصهيونية على الصناعة والتجارة والإعلام في أمريكا و حازت على القرار السياسي فيها بما يتناسب ومصالحها مع تدخلها في العمليات الإنتخابية لأعضاء الكونغرس ولرئاسة الجمهورية بقوتها الإعلامية والمالية .
ومع التراجع الإقتصادي الأمريكي في الربع الأخير من القرن العشرين حاولت أمريكا والصهيونية إعادة تكرير سيناريو هتلر والنازية ، بخلق بن لادن والقاعدة كعدو لأمريكا والغرب لنهب أموال العرب والمسلمين ، بحيث جعلوا منهما أسطورة كرتونية مشابهة لحكايات سوبرمان وطرزان والرجال الخارقين الخرافيين الذين هم جزء أساسي من صناعة الفكر السينمائي الأمريكي ، ولما لم تؤت "أسطورة القاعدة"ثمارها عمدوا مع بداية هذا القرن إلى التدخل العسكري المباشر باحتلال أفغانستان والعراق والسعي إلى تقسيمه وتقسيم اليمن والسودان وبذر الشقاق بين الإيرانيين والعرب بقصد دفعهم للحرب والتقاتل فيما بينهم ، كما سبق وأن فعلوا بأوروبا ، لإحياء الترسانه الصناعية العسكرية لدول الغرب في تصنيع السلاح وبيعه للمتقاتلين في محاولة عقيمة لكسر الجمود الإقتصادي والتخفيف من حدة البطالة لديهم .
ومع فشل كل تلك المخططات العقيمة لجأت أمريكا إلى الكي بإعلان الإفلاس المتعمد لأعظم المؤسسات المالية لديها خريف العام 2008 وبالتالي الإستيلاء على آلاف المليارات من أموال الدول العربية التي اعتادت بدون سبب وجيه إيداع معظم أموالها في البنوك الأمريكية ، رغم توقع مصادرتها بين لحظة وأخرى كما جرت العادة في أوقات وظروف سابقة .
ولكن السؤال الذي لايزال مطروحاً بعد هذه الإحتلالات و"تأميم"المؤسسات المالية إن صح التعبير بالإستيلاء على أموالها بإفلاس إحتيالي :
هل أن أمريكا قد تخلصت من أزمتها المالية الحادة ؟ بالطبع لا نظراً لغلبة الفساد السياسي والإداري فيها بشكل خطير الذي يمنع ويعرقل تقديم الحلول الملائمة التي سنأتي على إيرادها .
والقصد من إيراد تنظيم القاعدة الوهمي كمثل ، فلأنه كذبة دنكوشتية صنعها الغرب وأطلقها لتشكل الغطاء للإضرار بمصالح الأمة العربية ، وماذلك إلا إفلاس سياسي يدل على المأزق المالي والإقتصادي والإجتماعي الذي يجتاح أمريكا بحيث تورطت في أعمال إرهابية غير مفيدة لاستعادة وضعها المالي ؛ فالحروب لاتخلف سوى الفقر للشعوب المغلوبة أو الضعيفة بحيث تفقد قدرتها الشرائية لصالح السلع الرخيصة بديلاً عن السلع الأمريكية الغالية الثمن وبالتالي تزيد من مشاكل المصانع الأمريكية وصعوباتها .
وبالمقارنة ، بين الأمس واليوم ،فإن أمريكا هي التي تحملت تكاليف ثمن البضائع التي أرسلت إلى أوروبا زمن الحرب العالمية الثانية تحت شعار مشروع مارشال نظراً لأنها ، أي اوروبا ، كانت في وضع المفلس وقد دمرت ونهبت أموالها مع إنتهاء الحرب ولم تتمكن مطلقاً من تسديد أثمانها ، كما ولم تكن الحكومة الأمريكية لتتمكن من تحمل هذه النفقات لولا اتفاقية برايتون وودز التي تخلت عن التغطية الذهبية لصالح النقد الأمريكي الورقي .
الأسهم والبورصة :
كانت الأسهم عبارة عن صك بِقيَم حقيقية شبه ثابتة لشراكة بين مجموعات مالية غنية أو متوسطة من أجل بناء مشروع صناعي أو تجاري يتطلب مالاً يتعذر على شخص واحد القيام به ، ولم يكن ثمن الأسهم ليزداد إلا بنسب بسيطة وفقاً لنسب أرباحه وبعد مرور وقت طويل ، ومن هنا نجحت الصناعة الأمريكية ، بتواز مع النهضة الأوروبية ، واتسعت منذ الثورة الصناعية وتطور الآلة حتى بدايات القرن العشرين حيث ظهر التنافس الحاد بين القارتين ، أمريكا وأوروبا، في إنتاج السلع والتنافس على الأسواق التجارية في آسيا والشرق الأوسط اللذان كانا لايزالان رهينة لشركة الهند البريطانية و"ورثتها"من الأوروبيين ، فكان لابد مع تسلل الرأسمال اليهودي إلى أمريكا مع تعاظم قواها العسكرية واتساع أسواقها الداخلية للبضائع المختلفة ، وتنامي الشعور القومي للأمريكيين لتعزيز إنتاجهم وحمايته بفرضهم المكوس العالية على البضائع المستوردة .
ومع كل هذا الحرص فلقد بدأ الكساد يدب في توريد السلع الأمريكية مع ضعف أسواقها الخارجية قياساً بأوروبا ، فكان لابد من ضرب الإقتصاد الأوروبي وتدمير مصانعه بتحريض من الصهاينة وتمويل الإستعدادات العسكرية بعد استحداث فتنة ما ، إعتمدت على الحس القومي بين الشعوب الأوروبية ، فكان إستحضار شخص عنصري ملائم كهتلر هو الشرارة المناسبة لاقتتال الأوروبيين إنطلاقاً من ألمانيا ، ووسيلة ناجحة ، ليس لضرب إقتصادها فحسب بل ونهب مدخراتها المالية الموجودة في المصارف تحت عنوان الحرب .
ولقد نجح هذا التدبير من اليهود الصهاينة الذين لازالوا يتبعونه ، فاحترفوا المهن المصرفية وتملكها وتفرغوا لها للسيطرة على معظم القطاعات والمؤسسات المالية للإستيلاء على أموال الناس وأموال الحكومات الأجنبية المودعة في المصارف الأمريكية والغربية في زمن السلم ،بعد كل عقد ونصف تقريباً بادعاء إفلاسها .
ولإحكام السيطرة اليهودية على السوق الأمريكية ، كان هذا التطور في أسواق "وول ستريت"في نيويورك ، بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث أكبر تجمع للجاليات اليهودية الأمريكية الثرية من الأموال الأوروبية ، فعمدت إلى صالات البورصة بالتعاون مع السلطات الأمريكية وموافقتها إلى طرح الأسهم في بازار المزايدات الوهمية خارج الرقابة المالية بحجة إمتصاص التضخم المالي للمحافظة على قوة النقد الأمريكي وسيادته في الأسواق العالمية ، مما يعني السيطرة الحكومية على كبريات الشركات الإحتكارية الضخمة لإفلاسها عند اللزوم وإعادة تجزئتها بشكل مؤسسات عائلية صغيرة مما يتيح تشغيل أكبر للأيدي العاملة المستقلة لأضعاف سلطة الإتحادات العمالية التي كانت تقلق الأمريكيين ، وقد غذت مخاوفهم كتابات "كارل ماركس"وخطابات لينين النارية التي كانت تبنىء بقرب سقوط الرأسمالية الأمريكية من الباب العمالي . وما كانت المكارثية سوى صوت اليهود لإحكام السيطرة علىى السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية والسيطرة على مجلسي الشيوخ والكونغرس مما زاد من نفوذ الصهاينة في الإمساك بالقرار المالي الأمريكي وبالتالي نشر الفساد الإداري والسياسي بما يُمكّنهم من حماية مصالحهم مع إمساكهم بسلطة المال .
التلاعب بالأسهم وضررها على الإقتصاد :
إن التلاعب بأسعار الأسهم جعل الشركات الأمريكية وبالتالي الإقتصاد الأمريكي برمته بيد اليهود الصهاينة ولن أتوسع فكل من هو ملم بالسياسات المالية ومسيرة البورصة يدرك تماماً كيف بالإمكان إفلاس أي مصنع أو شركة مما بلغت قوتها بالتلاعب بأسهمها من خلال سوق البورصة ودعاياتها . ولكن هذا التلاعب اللامسؤول بأسهم الشركات الضخمة برفع أسعارها بسبب الجشع ، يؤدي أحياناً إلى رفع أسعار السلع بتناسب مع ارتفاع قيم الأسهم لمزيد من خداع المساهمين وبالتالي ضعف إستهلاكها من قبل المواطنين مع ضيق إحتياجاتهم أو متطلباتهم وفقاً لمدخولهم .
وهذا التلاعب بأسعار الأسهم كان بداية لكساد منتوجات المصانع الأمريكية مع إرتفاع أسعارها بصورة طردية متوازية ، وبالتالي كان هذا الإرتفاع الغير ضروري مضراً بالإقتصاد الوطني مع بداية غزو الصناعات الإستهلاكية الصينية للأسواق الأمريكية ولأسواق العالم أجمع .
ومع هذا التورط اللامسؤول لم يعد بالإمكان التراجع أو إعادة التقويم الإقتصادي لمواضع معينة لإصلاح الحال المتردي الذي يقتضي بداية تخفيض الأجور لوقف ارتفاع أسعار السلع وقد أضحت حقاً مكتسباً يصعب إنتزاعه ، لذا عمدت الرأسمالية الأمريكية بما تضم من شراكة بين اليهود والأمريكيين إلى الخروج من هذا المأزق الحالي منذ بداية الأزمة المالية العالمية إلى إعادة "تهريب "أموالها نحو أوروبا والصين بشكل رئيسي لإعادة توظيفها في مصانعها مع إتساع اسواق صادراتها ، خاصة وأن أجر العامل الصيني الشهري يكاد يعادل أجر العامل الأمريكي اليومي وقد يقل أحياناً مما يرفع أسعار السلع الأمريكية بشكل كبير يعجز عن المنافسة ؛ وتلك كارثة حقيقية يواجهها الإقتصاد الأمريكي الذي يتخبط في كيفية الخلاص من أزمته الحالية التي حاول التهرب منها بحروب الخارج التي تزيد من أزماته وتعقدها ، إذ أن تركيبة النظام الأمريكي تجعله غير ذي حاجة لأموال البلدان الأخرى ، التي يسعى إليها بكل الأساليب والطرق ،إلا للإبقاء عليها في حالة من التخلف العلمي والصناعي لإجبارها على شراء منتجاته ، وكان هذا الأمر مقبولاً قبل نهوض الصين الإقتصادي ، أما الآن فقد أضحى الأمر معقداً وخطيراً بالنسبة للوضع الإقتصادي الأمريكي .
وهنا نتسأل ونطرح السؤال الشهير عند الأزمات .. ماالعمل ، لوقف هذا الإنهيار الأمريكي المتسارع والمضطرم تحت الرماد بقوة نحو إنفجار إجتماعي مرتقب وفق القوانين الإقتصادية ؟
كيفية تجاوز الأزمة المالية :
إن التصرف والتخبط الأمريكي منذ بدء الأزمة المالية التي اجتاحتها تنطبق والمثل السائر"أنا أعمى مابشوف أنا ضرّاب السيوف"، وهذا أمر مؤسف لأنه يزيد من الطين بلة . وليس من مخرج له سوى بالإقدام على قرارت جريئة بقدر الزلزلة التي أعلن فيها جورج بوش الحرب الصليبية لغزو أفغانستان والعراق ،عدا نشر الإرهاب والفوضى في العالم بادعاء الخوف من طوطم وهمي صنعته أمريكا واطلقت عليه أسم "القاعدة"مما وضعها في موضع الشك عن مسؤوليتها في تفجير برجي نيويورك التي أدانها العالم الإسلامي ، وأثار الهزؤ والسخرية من ضحالة وسخافة السياسات الأمريكية وقلل من إحترام مسؤوليها لمحاولتهم الإستهزاء بعقلية الشعوب وفهمها بما ينطبق عليه القول "الغبي من استغبي الناس ".
لذا فإن الإصلاح المالي والإقتصادي يقتضي من الأمريكيين للخروج من مأزقهم ، مايلي :
أ-التوسع في الضمانات الصحية والإجتماعية وتعويضات البطالة لتشمل كافة الشرائح دون إستثناء والتمسك بها لتكون قاعدة صلبة لإعادة النظر في كل القوانين المالية والضريبية برفع نسبها على الأرباح إلى حدود 99% ، بعد تخفيض سقف مستوى الأرباح وتحديده بما يتلائم ومكافحة التضخم المالي .
ب- تخفيض الأجور إلى الحد المقبول ، بداية لتخفيض أسعار السلع لإعادة رواجها لتصبح قادرة على المنافسة للبضائع الأجنبية إلى حد ما ، بما يضمن لجم تزايد أعداد المصانع والمؤسسات التجارية المغلقة وبالتالي وقف تنامي البطالة والجريمة .
ج- تصفية المصانع الضخمة ماأمكن بمنع إقراضها من البنوك منعاً لتلاعبها في أسواق البورصة على حساب مدخرات المواطنين ، وإعادة تشجيع الصناعات والمصانع العائلية الصغيرة لأنها تعتمد على المنافسة والقبول بالأرباح مهما تدنت بما يكفيها سد حاجاتها الضرورية بالتخلي عن الرفاهية التي كانت تحياها ، مع إلغاء الفائدة على الودائع المصرفية بصورة نهائية لحث المواطنين على المشاركة والتعاون بإعادة البناء الصناعي والتجاري .
د- إعادة تنظيم أسواق البورصة بما يتلائم والوضع المستجد بتثبيت أسعار الأسهم على أن تصدر الشركات أسهماً إسمية متنوعة على ثلاثة درجات بأسعار مختلفة بين عشرة ومائة دولار ، وإلغاء أسهم لحامله لمنع المضاربات وأعمال الإحتيال التي كانت ترفع من أسعار الأسهم إلى ثلاثمائة ضعف أحياناً ! مما يعني زيادة أسعار السلع بشكل مؤذ مما يفقد القدرة على شرائها مع وجود سلع منافسة مستوردة .
وقد يتم التلاعب بقيم الأسهم بأعمال المضاربة الإحتيالية بما يؤدي إلى تخفيض أسعارها إلى أدنى مستوى رغم وجود الأصول الفائضة التي تزيد عن قيمها ولكن الخوف والجهل مع وجود الدعاية المؤذية هو الذي يؤدي إلى إفلاس الشركة أو المصنع مع فقدان المساهمين الثقة بها وبأسهمها .
لذا كان من الضروري تثبيت سعر الأسهم لكسب ثقة المواطنين ليقبلوا على شرائها توخياً للربح بدل الإحتفاظ بمدخراتهم في البنوك دون فائدة ، وبذلك يساهمون في إعادة إعمار بلادهم والتخفيف من حدة البطالة ، شرط إلغاء الفوائد المصرفية على ودائع الإدخار لإنجاح الأمر .
ه- وقف العمل بإتفاقية "منظمة التجارة العالمية "التي ليست سوى خدعة تورطت بها أمريكا من قبل واضعيها من المستشارين اليهود بحجة الهيمنة على أسواق الخارج وسيطرة البضائع الأمريكية الزراعية والصناعية مع رفع الرسوم عنها من قبل البلد المستورد الموقع على الإتفاقية ، مما أدى إلى عكس المتوقع منها مع فقدان معظم الدول النامية قدرتها على الإستيراد للبضائع الأمريكية كما في الماضي مع فقدان موردها الأساسي من الرسوم الجمركية ، عدا إرتفاع أسعارها قياساً لسلع منافسة من دول أخرى .
إن مجرد قراءة بنود هذه الإتفاقية لمنظمة التجارة العالمية فإنك تعجب كيف أن دولة عظيمة كأمريكا قاصرة عن إدراك أن كل بند فيها يؤدي إلى ضرر بالغ في تجارتها وإقتصادها ويفسح المجال لدول أخرى موقعة عليها الإستفادة منها على حسابها . إلا أننا نستنتج من هذا الجهل أن أمريكا أضحت إمبراطورية عجوز مصابة بالخرف الحيزبوني وفقدان الذاكرة بحيث تسير بتسارع إلى حتفها المحتوم ، وفقاً لمنطق التاريخ في عمر الأمم ، بما أنها لاتستطيع التمييز بين الصواب والخطأ ،وهذا أمر مؤسف ينعكس سلباً عليها وعلى العالم أجمع .
Nostalgia 4
وهنا لابد من وقفة أمام بعض العناصر الغير مفهومة من الصورة.
كانت مخابرات ألمانيا الشرقية من الأجهزة الأقدر فى العالم. وقد نجحت هذه المخابرات عدة مرات فى إختراق مراكز القوة الغربية بسهولة لا يحلم بها أي شخص يعمل فى هذا المجال.
فى عام 1963 كانت الفتاة الشابة إيلين روميتش تعيش مع والديها فى واشنطن حيث يعمل والدها فى المكتب الحربي التابع لسفارة ألمانيا الغربية لدي الولايات المتحدة. وكانت هذه الأسرة قد نزحت من شرق ألمانيا إلى غربها قبل ذلك بحوالي 9 سنوات. وقد تداخلت روميتش مع المجتمع العسكرى الأمريكي وكانت تغشي النوادي الخاصة بالضباط ونجحت فى التعرف علي شخصيات عسكرية كبيرة وانتهي بها المطاف إلى التعرف على الرئيس جون كيندي شخصيا. وكان الرئيس يدعوها إلى حفلات البيت الأبيض الخاصة وإلى إستعمال حمام السباحة الخاص بالرئيس ونشأت بينهما علاقة حميمة أقلقت رجال مكتب المباحث الفيدرالي الذى كان يرأسه أحد الخصوم السياسيين للرئيس وهو إدجار هوفر. واكتشف الأمريكيون أن روميتش علي علاقة بجهاز المخابرات الألماني الشرقى وتم إبلاغ المدعي العام روبرت كيندي، المشرف على عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي بالأمر وكادت رئاسة كيندي أن تنتهي بفضيحة وعزل من المنصب لولا أن كيندي الشقيق قد تصرف بسرعة وأمر بترحيلها إلى ألمانيا لأن إقامتها قد إنتهت.
وفى عام 1974 إضطر المستشار الألماني الغربي فيللي براندت إلى الإستقالة من المنصب بسبب ثقته الغير محدودة فى أحد مساعديه ويدعي جونتر جيوم الذى كان أيضا قد نزح من الشرق إلى الغرب مع زوجته وإبنه قبل حوالي 20 عاما ونجح فى الصعود علي التدرج التنظيمي للحزب الإشتراكي الألماني بحيث أنه إقترب من براندت وأصبح مساعدا له بعد توليه منصب المستشارية وكان يسرب كل مقابلاته وأخباره إلى الشرق. وقد كان براندت مولعا بالنساء ويقال أن جيوم عرف هذا الضعف وكان يحاول دائما إستغلاله لمصلحته حتي يظل قريبا من المستشار.
كانت المخابرات الشرقية بالفعل ناجحة فى رصد كل حركة فى غرب ألمانيا وكانت مسيطرة على الدولة الشرقية بالكامل وقد بلغ عدد العاملين بها من مكشوفين ومستترين أكثر من 150 ألف رجل وامرأة ومراهق. وقد إتبعت المخابرات الألمانية الشرقية نظاما لا إنساني فى جمع المعلومات حيث كانت ترسل شبابا يقيمون علاقة غرامية مع سكرتيرات وعاملات فى الأجهزة الحساسة فى الدولة الغربية ويقنعوهن بالزواج والحياة معهم وبعد أن يحصلوا منهن على المطلوب من الوثائق والأسرار يختفون فجأة ويعودون إلى ألمانيا الشرقية لممارسة الحياة الأصلية هناك حيث لهم زوجات وأولاد وحياة كاملة ويتركون الزوجة الأخري فى الغرب حتي ولو كانت حاملا أو أما لطفل. وكان يطلق على هذه الطريقة أسلوب روميو، أى العاشق المحب. وهو إسم مقتبس من مسرحية روميو وجوليت الشهيرة.
وفى جميع الحالات كانت تقارير هؤلاء الجواسيس تذهب إلى إدارة العمليات الخارجية بوزارة أمن الدولة التي كان يقودها إريش ميلكه وزير أمن الدولة. وكانت إدارة العمليات الخارجية واقعة فى يد السيد/ ماركوس فولف. وماركوس فولف شخصية غامضة تكاد تكون أسطورية تجمع بين الأضداد وتحار فى فهمها النفوس.
فهو ألماني يهودي من عائلة عالية الثقافة وقد بدأ حياته صحفيا وقام بتغطية أحداث محكمة نورنبرج عام 1945 و1946 مكلفا من جانب سلطات الإحتلال السوفيتية فى القطاع الشرقي.
وبعد ذلك إختفى لفترة ولم يكن أحد يعلم أنه هو العقل المدبر خلف كل تلك الضربات الأمنية للغرب.
وعندما تم إلتقاط صورة له فى ستوكهولم فى منتصف ثمانينات القرن العشرين عرفت ملامحه للمخابرات الغربية لأول مرة، إذ أن كل ما كان معروف عنخ هو إسم كودي فقط. وهذه الصورة الملتقطة أدت إلى أن يستقيل من منصبه.
وفى أعقاب إنهيار الشيوعية وقعت ملاحقات قضائية للمسئولين عن قتل الهاربين من الدولة الشرقية إلى الدولة الغربية لألمانيا ولم يجد المحققون دليلا واحدا مكتوبا ضد هونيكر بأنه أمر بإطلاق النار على من يحاول الهرب. وتمت محاكمة الجنود الصغار الذين قاموا بالفعل بإطلاق النار بأنفسهم ولكن أحدا من الكبار لم يحاكم بطريقة جدية.
وهناك ثلاثة من الشخصيات الألمانية الشرقية كان لكل منهم مصيرا يختلف عن مصير الآخرين.
رئيس الدولة هونيكر.
وزير أمن الدولة ميلكه.
رئيس العمليات الخاصة فولف.
كيف بعت صنعاء أيها الرئيس؟
وهو فى طريقه إلى نيويورك، توقف عبدربه منصور هادي في لندن، قيل لي: «برنامجه مزحوم بشكل كبير، ووقته قصير، ولكنك الوحيد الذي ستحظى بلقائه من الإعلاميين، هو يرحب بك».
دخلت وسلمت عليه. قلت كيف اليمن؟ نظر إلى وجهي المتصحر، وقال: مثل سيارة تسير على رمال متحركة. ونحاول بكل حيلة أن نخرجها من الرمل. صدقته حينها، قلت في نفسي، هو بدوي لا يكذب، وأنا لم يزل بداخلي بدوي صغير، رغم طول الإقامة في لندن، يصدق ما يقال. قلت له: لعل السائق يخرجها من الرمل ذات يوم. ابتسم، ثم تكلمنا في التاريخ والحروب الكثيرة التي مرت على اليمن، وقال: الحروب يجب أن تقف. صدقته. لم يكن أمامي خيار سوى أن أصدقه.
بعدها بشهور بدأ مؤتمر الحوار، واختارني هادي على قائمته لمؤتمر الحوار، وذهبت إلى صنعاء، وتمت مسرحية الحوار التي غطت أكبر جريمة كان يعد لها الحوثيون، بالتعاون مع الثعبان الأكبر. كان زملاء لي قد بدؤوا يحذرون من هادي، أما أنا فقد كنت أراه مسيح اليمن الجديد، وكنت أرقب لحظة الخلاص بعشق من يرى المسيح خارجاً من صفحات الإنجيل يحيي موات شعب إسرائيل، ويفتح العيون التي عميت بفعل غبار الأيام والأزمان وثارات الناس.
ودارت الأيام، واستلمت رسالة من صديق يقول لي فيها: أنت إما مخدوع في هادي، أو مأجور له. آلمتني العبارة، وطويت على ألم جرحي، وظللت متمسكاً بالأمل في هادي حتى آخر نفس في هذا الحلم، الذي حوله هادي فيما بعد إلى كابوس جعلني أمشي في «إدجوير رود»، وسط لندن منكس الرأس، عندما يلقاني ذلك الجزائري الذي كان يقول لي دائماً: «أنتم، اليمنيين، أصل العرب وفخرها». صرت اليوم أتحاشى أن أرى أي عربي خشية أن يرى فيَّ صورة هادي، وهو يسلم مفاتيح صنعاء لهولاكو، الذي سمعته بعدها بأيام يقول إن صنعاء هي رابع عاصمة عربية تسقط في يده.
قال لي أحد المسؤولين البارزين إن هادي أمر مستشاره العسكري والأمني علي محسن الأحمر يوم السقوط، أن يتوجه إلى مقر ما كان يعرف باسم الفرقة الأولى مدرع، وإنه سيمده بالدبابات للدفاع عن صنعاء من بوابتها الشمالية. وانتظر القائد العسكري، ولم تأت الدبابات، ليكتشف أن رئيسه أراد أن يتخلص منه في معركة لم يكن معه فيها أكثر من 500 من المقاتلين، مقابل آلاف المقاتلين من الحوثيين وجماعة صالح. هادي، أنت رجل خارج من صفحات كتب الأساطير القديمة التي تحدثنا أن الملوك كانوا عندما يريدون التخلص من قادتهم العسكريين، يرسلونهم إلى معارك خاسرة.
ليس السؤال اليوم: هل يستحق الأحمر هذا المصير أم لا؟ لكن السؤال هو: كيف يمكن أن يأمنك أحد بعد ما حدث؟ كنت أبرئ هادي من تهمة التآمر، كنت أقول هادي غير وزير دفاعه، محمد ناصر أحمد، الرجل الآخر الذي خدعني ذات يوم، بحروبه الكاذبه على الإرهاب في الجنوب، تلك الحروب التي كان يستغلها ليتيح الفرصة للحوثيين لقضم الأراضي في الشمال. قال لي وزير لقيته في لندن «كانت حروب وزير الدفاع على القاعدة في شبوة مجرد دعاية إعلامية».، وقال إنه يسعى لتسليم الشمال للحوثيين ليسيطر هو على الجنوب. يا إلهي! ما أكثر الشبه بين هادي ومحمد ناصر أحمد الذي أراه على صورة علي عبدالله صالح.
هادي باع صنعاء، ثم خرج في اليوم الثاني ليقول للناس إنها لم تسقط. الرجل الذي يكثر من قراءة كتب المؤامرات العالمية، والكتب التي تتحدث عن إعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط، يظن نفسه أحد القادة الذين سيعيدون رسم خرائط المنطقة، حسب تصريحات مسؤول في حكومته. يريد أن يرفع لمجلس الأمن أسماء المعرقلين للمبادرة الخليجية، الذين يتآمرون عليه، وهو أكبر معرقلي المبادرة، لو كان الزمان يمشي على قدميه لرأينا هادي وصالح والحوثي مطاردين دولياً، لكننا في زمن يمشي بالمقلوب. مرحباً بكم يا سادة إلى زمن عبدربه منصور هادي، الرجل الذي قال لي ذات يوم، إنه يحاول أن يسوق السيارة وسط الرمال المتحركة، لأكتشف فيما بعد أنه أصلاً ليست لديه رخصة لقيادة سيارة على الأسفلت، في ظروف عادية، فكيف بقيادة سيارة تلتهمها رمال الصحراء.
هادي أنت خطيئتنا الكبرى ولعنتنا الأزلية. التزمت بمواجهة الحوثيين على أبواب صنعاء، وطلبت من السعوديين المليارات، ثم لما عدت إلى صنعاء سلطت على السعوديين الأمريكيين لمنع تدخلهم ضد البرابرة الجدد الذين هجموا على صنعاء، مثل جراد قادم من عام 1948. ماذا تسمي هذا في مقاييس الرجال أيها البدوي الذي ما احترمت رجلاً بعد الشـــهيد إبراهيم الحمدي كما احترمته؟
اعذرني أيها الرئيس. أنا اليوم اكتب خارج حدود العقل، اكتب وجعي ووجع الملايين الذين خرجوا يصوتون لك، وخذلتهم جميعاً. وجع خالد الآنسي الذي جئته مساء في خيمته بساحة التغيير، وعلى إصبعي حبر انتخاب هادي، فقال لي: انتخبت؟ قلتُ: نعم، قال: آمل ألا تندم. هأنا يا خالد أعض الإصبع التي انتخبتْ هادي، ندماً وغيظاً وحسرة.
كان الحوثيون يتقدمون في صوفان شمال صنعاء، والأمريكيون يسألون وزير دفاع هادي: ما الذي يحدث؟ ومحمد ناصر أحمد، يقول: مجرد مناوشات بين الحوثيين ورجال علي محسن، ولما وصل الحوثيون إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، ونهبوا ما فيها من عتاد عسكري، كان القائد العام للقوات المسلحة لا يزال يصرح: «الجيش يقف على الحياد»، وهو الذي قال عندما سئل: لماذا لا يواجه الحوثيين؟ قال لسائله: تريدوننا أن نخلصكم من الحوثيين، ثم ترجعون أنتم علينا. بالله عليك يا هادي، أهذا وزير دفاع، أم تاجر دماء؟ كيف يكون لبعض الناس هذه القدرة الرهيبة على أن يسببوا الكوارث، ثم يتعايشوا معها!
لكنها مدرسة واحدة، مدرسة المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله، مدرسة هادي الذي وجه وزير الداخلية بإطلاق الرصاص على أقدام المتظاهرين، ثم أبلغ الحوثيين، بأنه لا يرغب في التصعيد، وأن الحل سيكون سياسياً، لكي يورط وزير داخليته فيما بعد. هذه غابة لا دولة أيها الرئيس، وكيف لا تكون تلك غابة، وأنت يوم سقوط صنعاء لا ترد على تلفونات المدافعين عن صنعاء من مسؤوليك العسكريين والمدنيين.
يؤسفني أن اكتب مقالاً كهذا، يؤسفني أنني صوت لك، اعتذر للناس الذين ربما أسهمت بكتاباتي ولقاءاتي المتلفزة في خداعهم عن حقيقة أمرك. قبل شهور يا هادي، لو رشحت نفسك لرئاسة الجمهورية في انتخابات رئاسية لفزت بنسبة عالية، أما اليوم، فأتحدى أن تفوز حتى بأصوات الذين قدمت لهم صنعاء على طبق من ألم وعار. لن ينتخبك الجنوبيون لأنهــــم يرونك صورة صالح، ولن ينتخبك الشماليون، لأنك بعت العاصـــمة، ولن ينتخبك الحوثيون لأنهم يحتقرونك، ولن ينتخـــبك الإخوان لأنهم ذاقوا منك ما لم يخطر لهم على بال، أما صالح فقد كان أدرى الرجال بك حين جعلك يوما ما نائباً له، ومن عادة نائب الرئيس في بلداننا أن يكون بمواصفاتك أيها الرئيس.
قلت لأحد قيادات الحراك في بريطانيا: لقد باع هادي صنعاء. قال لي: كيف تنتظر ممن هرب من عدن في 1986 أن يدافع عن صنعاء في 2014!
سيحاكمك الزمان يا هادي، والويل لك من حكم التاريخ، الذي كان يمكن أن تكون فيه رقماً صعباً لولا أنك رضيت أن يجعلك الحوثيون صفراً على الشـــمال. الويل لك، ولنا الله.
المصدر القدس العربي
كيف سقطت صنعاء؟
يؤكد الشارع اليمني والسلطة أيضا وجود مؤامرة خلف سقوط صنعاء، لكن الخلاف يدور حول تحديد هوية من يقف وراءها. فبينما ألقى الرئيس عبد ربه منصور هادي باللوم على الخارج، أكد مراقبون أنه ووزيري دفاعه وداخليته كانوا طرفا في سقوط العاصمة.
عبده عايش-صنعاء
واعتبر هادي في خطاب ألقاه الثلاثاء بقصر الرئاسة أمام رؤساء وأعضاء مجالس النواب والشورى والوزراء، أن "المؤامرة كبيرة"، متهما من وصفهم بالانتهازيين من الداخل بالمشاركة فيها.
لكن القيادي بجماعة الحوثي علي القحوم قال في اتصال مع الجزيرة إن من أسماهم "الشرفاء"في الجيش والأجهزة الأمنية أيدوا "الثورة"من خلال عدم مواجهة "اللجان الشعبية"، في إشارة إلى مسلحي الجماعة.
وأكد أن وزير الدفاع بنفسه سبق أن دعا العناصر الأمنية في الجيش والداخلية إلى عدم مقاتلة مسلحي الحوثي الذين دخلوا صنعاء.
هادي: أطراف داخلية وخارجية شاركت في المؤامرة الكبرى (غيتي) |
أطراف المؤامرة
وبالنسبة للشارع اليمني، فإن أطراف المؤامرة هم الحوثيون والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي ووزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد.
ويعتقد كثيرون أن "المؤامرة"نفذت بالتحالف مع أطراف خارجية تعادي ثورات الربيع العربي، وخاصة أميركا وبعض الدول الخليجية التي خططت لضرب تيار الإخوان المسلمين ممثلا في حزب التجمع اليمني للإصلاح وإقصائه من المشهد السياسي.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي صادق الروحاني إن ما يحدث في صنعاء هو ذروة العملية الاستخبارية الكبرى المسماة "كوديا" (حرث الأرض) "والتي تنفذها المخابرات الإيرانية بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الأميركية (سي.آي.أي) بالاتفاق مع هادي ووزير دفاعه. لكن الحوثيين لن يتركوا أحدا ممن تآمروا معهم".
واعتبر الروحاني في حديث للجزيرة نت أن ما جرى انقلاب عسكري كامل الأركان، وهو نفس سيناريو إسقاط ثورتي مصر وليبيا، لكن المرعب أن البلد مقدم على صراع مفتوح وأنهار من الدم، على حد قوله.
من جانبه يؤكد الخبير في النزاعات المسلحة علي الذهب أن "المؤامرة"واضحة وإسقاط صنعاء بيد الحوثيين بدأ منذ إسقاط عمران يوم 8 يوليو/تموز الماضي، قائلا إن الرئيس هادي ووزير دفاعه يتحملان مسؤولية ما جرى.
وأضاف أن قصة التآمر بدأت مع استهداف اللواء 310 في محافظة عمران، وهو أقوى وحدة عسكرية بشمال صنعاء إذ يمتلك قوة ضاربة، والتآمر على قتل قائده العميد حميد القشيبي أهم القادة العسكريين المؤيدين لثورة 2011 ورفيق اللواء علي محسن الأحمر.
تواطؤ سياسي
وأكد الذهب أن الحوثيين لم يسقطوا عمران بأنفسهم، بل كان هناك تواطؤ سياسي واصطفاف قبلي ومذهبي بمؤازرة من جنود وضباط من قوات الحرس الجمهوري ووحدات عسكرية أخرى من الموالين للمخلوع صالح.
وقال إنه خلال معركة صنعاء سمح للمسلحين الحوثيين باستهداف مقر الفرقة الأولى والتلفزيون بشمال غرب العاصمة مع إمدادهم بالسلاح والمقاتلين من داخل مخيماتهم بحي الجراف في شارع المطار.
وأضاف أن القوات الأمنية والعسكرية لم تعترض طريق الحوثيين، كما لم تتحرك ألوية الاحتياط وظلت ساكنة في مواقعها.
وقال الذهب إن هادي دفع اللواء علي محسن الأحمر لقيادة المعارك ضد هجوم الحوثيين، لكن الأخير لم يجد أي دعم أو إمداد من الوحدات العسكرية وألوية الاحتياط ولا من الطيران.
وأشار إلى أن هادي أمر الأحمر بوقف القتال والانسحاب من مقر الفرقة الأولى مدرع التي كانت هدف الحوثيين الرئيسي من الحرب.
واعتبر أن هادي عمل على تفتيت قوات الجيش اليمني وخاصة تلك التي أيدت الثورة ضد المخلوع صالح، وقام عبر عملية هيكلية بتوزيع ألوية الجيش في مناطق بعيدة عن مركز العاصمة لتقطيع أوصالها.
المصدر:الجزيرة
Nostalgia 5
عندما تدافعت حركة المظاهرات فى أكتوبر عام 1989 قرر المكتب السياسي للحزب الشيوعي عقب نهاية الإحتفالات مباشرة إقالة الرئيس هونيكر من منصبه ومنحه إجازة لكي يستجم وكان ذلك معناه تحديد إقامته فى مكان بعيد عن برلين. وعندما سقط السور وأصبح من المحال إيقاف عجلة التوحيد عن الدوران سافر هونيكر إلى موسكو هربا من إحتمال ملاحقته قضائيا إلا أن أحداث الإتحاد السوفيتي نفسه دفعت بالحكومة الروسية إلى إعادته إلى برلين حيث دخل السجن بتهمة إصدار أوامر ضرب النار على من يحاول الهرب من الشرق للغرب.
إلا أن محاكمته كانت فى الأساس شأنا سياسيا كما أن المحققين لم يهتدوا إلى أى أمر كتابي صادر عنه وبالتالي تفتق ذهن السلطات إلى أن صحته معتلة ولا يستطيع مواصلة المحاكمة فخرج متهما كما هو ولم تبرئه أي محكمة. وكانت زوجته قد غادرت البلاد إلى شيلي حيث تعيش إبنتهما. وكانت رغبة هونيكر اللحاق بهما ولكن نظرا لاتهامه الجنائي كانت أمواله واقعة تحت الحجز بحيث أنه لا يستطيع حتي شراء تذكرة السفر.
وعند هذه اللحظة تطوع أحد النجوم ممن كانوا حاضرين فى الصف الأول من ضيوف إحتفال الذكرى الأربعين لإنشاء ألمانيا الديموقراطية قبل ذلك بعدة أعوام فى أكتوبر 1989 بأن يدفع هو ثمن التذكرة: الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
سافر هونيكر إلى سانتياجو ومات بعد ذلك بفترة قصيرة حيث أنه كان بالفعل فى مرض الموت وانطوت صفحته إلى الأبد.
أما إيريش مليكه الوزير القوي جدا بوزارة أمن الدولة والذى كان يعرف كل شىء داخل ألمانيا الشرقية فقد قدم للمحاكمة بتهمة قتل شرطي فى مدينة برلين عام 1930 فى فترة الفوضي التي عمت جمهورية فايمار حين كانت القوتان السياسيتان النازية والشيوعية تتناحران على السلطة فى ظل دولة مفككة عقب الحرب العالمية الأولي. وكان هةنيكر بالطبع عضوا فى الحركة الشيوعية وقام بقتل شرطي دورية فى أحد تلك المظاهرات. ولكن لم يمكن القبض عليه حيث أنه هرب إلى الإتحاد السوفيتي قبلة الشيوعيين فى ذلك الزمان. ولما كانت جريمة القتل لا تتقادم فى ألمانيا فقد فتح التحقيق من جديد وقدمت عريضة الإتهام ودخل ميلكه السجن بالفعل ولكن نظرا لظروفه الصحية وتقدمه قى السن، حيث كان قد جاوز الخامسة والثمانين، فقد توقف نظر الدعوي وأخلي سبيله لعدم قدرته على الإستمرار إذ أنه بفعل السن والصدمة والمرض فقد ذاكرته وأصبح ذاهلا لا يعي شيئا حوله حتي مات بعد ذلك بقليل فى برلين.
ويبقي ماركوس فولف هو الشخصية صاحبة القصص الأشد إثارة والأكثر غموضا..
عبر كثيرون من أصدقاء الصبا لهذا الرجل فى لقاءات تليفزيونية أجريت عقب سقوط ألمانيا الشرقية عن دهشتهم الشديدة من أن رجلا فى ثقافة وعلم وخلفية ماركوس فولف يقبل القيام بدور فى ذلك النظام القهري. فقد كان والده طبيبا وأخوه مخرج سينمائي والعائلة بأسرها من المثقفين اليساريين الذين إضطهدوا على يد نظام هتلر خلال الثلاثينات مما دفعهم إلى الهرب إلى الإتحاد السوفيتي.
وهو رجل ذواق للفن ومحب للقراءة والثقافة ويعشق الموسيق ولا يبدو عليه أنه من هؤلاء الضباط الذين يعملون فى مجال المخابرات. ولكنه عقب عودته من الإتحاد السوفيتي عمل صحفيا ثم إختفي لفترة كان خلالها يتلقي تدريبات فى الإتحاد السوفيتي.
وكان قسم العمليات الخاصة بمخابرات ألمانيا الشرقية هو أقوي قسم فيها وله أكبر قدر من الميزانية المرصودة. وكانت المخابرات تلجأ إلى حيل غير شريفة مثل نظام التجسس المعروف بإسم روميو والذى تسبب فى عدة محاولات للإنتحار من جانب السيدات الغربيات لدي إكتشافهن حقيقة الروميو.
وقد إستقال فولف من منصبه عقب أن نجحت المخابرات السويدية فى تصويره فى ستوكهولم فى أوائل الثمانينات. وجاءت هذه الإستقالة فى صالحه حيث أنه لم يتعرض لأي مساءلة قضائية حول نشاطه أثناء الحرب الباردة. واتضح فيما بعد أن خروجه من دائرة الملاحقة إنما جاء بناءا على شفاعة أو وساطة إسرائيلية. ولا يقع السبب كما يعتقد البعض فى يهوديته، بل فيما هو أعمق من ذلك كثيرا.
فقسم العمليات الخارجية كان ينسق أيضا ويقوم بتدريب الفصائل الفلسطينية خلال السبعينات والثمانينات. وقد رأينا ياسر عرفات جالسا على منصة ضيوف الشرف الكبار فى إحتفالات الذكرى الأربعين.
والذى لم يكن يعرفه عرفات عندما كان يقوم بتهنئة هونيكر بالعيد الأربعيني، هو أن جميع أسرار الفصائل الفلسطينية المتدربة فى ألمانيا الشرقية أو المتعاونة مع مخابراتها فى عمليات خارجية كانت تنقل بانتظام إلى المخابرات الإسرائيليةالتي نجحت فى تجنيد فولف. وهكذا كانت حكومة ألمانيا الشرقية تسير فى إتجاه وماركوس فولف يسير فى الإتجاه المعاكس، فقط فيما يتعلق بالأمور الفلسطينية الإسرائيلية.
بل أكثر من ذلك.
فى عام 2002 قرأ المواطن الألماني أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قررت إعادة الأرشيف شبه الكامل من أوراق مخابرات ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا بعد فحصها والإحتفاظ بما كانت تراه مناسبا لها، إذ أن هذا الأرشيف قد إنتقل بالكامل (لا أحد يعرف كيف) خلال أحداث الثورة عام 1989 إلى حيازة الولايات المتحدة الأمريكية. ولا أظن أنا شخصيا أن ماركوس فولف كان بعيدا عن تلك العملية.
ختام وإفصاح
وهكذا فقد رأينا كيف كانت الحياة تسير في ألمانيا الشرقية سواء فى مجال الحريات أو العمل أو السفر أو الإقتصاد أو الأمن.
فهل يعقل أن يحن عاقل إلى الحياة فى ظل هذا النظام؟
إن لفظ Nostalgia يعني فى اللغة الحنين العاطفي إلى الماضي. وبالفعل فهناك كثيرون من مواطني ألمانيا الشرقية يجاهرون بحنينهم إلى تلك الحياة وإلى الأيام "الجميلة"التي عرفوها فى ظل النظام الشيوعي.
ولله فى خلقه شئون.
الغارة على العالم الإسلامى-١
الطلاق كما الخلع لايقع باللفظ ، إلا بحكم معلل من القضاء
تأليف : محمد السويسي
الطلاق كما الخلع شبه مستحيل في الإسلام ومن الصعب تطبيقه إلا وفق شروط صعبة جداً تحتاج الى قاض للبت بها وليست مجرد كلمة تلفظ دون مسؤولية يتفوه بها الزوج ليدمر عائلة بأكملها التي هي جزء من مجتمع إسلامي متكامل محصن ، وإلا انهار هذا المجتمع إذا تركنا الأمر على غاربه .
إذ أن الطلاق لايقوم في الفقه أبداً إلا بموافقة قاض شرعي غير مختل وعلى علم واسع جداً في أصول الفقه ومقاصد الشريعة بعد أخذه بالأسباب وعرض الصلح ...
ولو رمى الرجل الطلاق على زوجته شفهياُ ألف مرة فإنه لايقع إلا بحكم قاض إذا اقتنع وأخذ بالأسباب وأقرت بها الزوجة ، اوقبلت به ووافقت على الطلاق كما سبق في موافقتها على الزواج في الأساس . إذ أن الطلاق مشروط بموافقتها شرعاً إلا أنه قد يقع على غير موافقتها لعلة يأخذ بها القاضي إذ اقتنع بالأسباب .
وتقصير العلماء هو الذي جعل الطلاق أمراً هيناً بمتناول العامة والأخذ به كمتعة قابلة للتغيير من سقط المتاع وكأن المرأة سلعة للبيع والشراء على مذبح الشهوات بما لايقره الإسلام وفق مزاج صاحبها وشهواته بما في ذلك من اذى مع إنعدام الإيمان والأخلاق . لذا لايصح الطلاق دون أمر قضائي معلل حيث سيعرض على الله من قبل الزوجة يوم الحساب إن كان فيه ظلماً .
ومن الجدير لفت النظر أنه لم تحصل اي عملية طلاق منذ فجر الإسلام حتى نهاية العصر الأموي إلا بأمر قضائي لدى الولاة والقضاة ، إلى أن جاء العصر العباسي بثورة على الأمويين على اكتاف الأعاجم.
وضاع الدين نظراً لان الأعاجم ، خاصة الفرس ، قد تولوا معظم القضاء والفتوى فشاع الفساد إذ طبقوا عاداتهم الوثنية التي حملوها معهم على الدين بما شابها من عيوب في مضمونها .فأضحت المرأة مجرد متعة للرجل التي سمت على واجباتها الزوجية والعائلية في تربية مجتمع إسلامي متنور .لأن رجال الدين والقضاة المسلمين والحكام منذ ايام العباسيين وحتى الآن لهم مصلحة في هذا الإنفلات .لذا أباحوا الطلاق دون أذن قضائي ليذلوا المرأة على غير نظرة الإسلام اليها بضرورة احترامها لما فيه مصلحة للأمة نظراً لعظم دورها في نشأة الأسرة . ولازالت المرأة ذليله في ممارسات بعض الأزواج أو المجتمع ضدها ، على غير مقاصد الشريعة وتوصية الرسول.
قد يبدو هذا الكلام غريباً ، بالطبع لان غالبية المسلمين تجهل حكم الإسلام في مسألتي الزواج والطلاق وشروطهما .
وفيما يلي بيان الشرع الإسلامي في الطلاق والخلع :
أخذ الإسلام بمبدأ الطلاق على النحو الذي كان مألوفاً في العرب ولكنه أخضعه لأحكام استبعد فيها سؤ إستعماله ورتب للمرأة حقوقاً لم تكن تحظى بها في الجاهلية .
ففي الجاهلية كان الرجل يطلق إمرأته للمرة الأولى ، وقبل أن تنقضي عدتها يراجعها ، ويفعل ذلك عدة مرات مادامت في العدة وبذلك كان يضارها ؛ وقد شكت إمرأة لرسول الله ماصنع زوجها فنزلت الآية : "الطلاق مرتان ، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".
ففي هذه الآية تحدد الطلاق بمرتين . ففي الأولى يكون رجعياً ، بمعنى أنه يحق للرجل أن يراجع زوجته قبل إنقضاء عدتها . أما إذا طلقها مرة أخرى أو مضت عدتها ولم يراجعها ، فتَبين منه ولا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد . وبذلك قطع الإسلام سؤ إستعمال الطلاق وحمى المرأة من مضارة زوجها . وإذا طلقها بعد ذلك مرة ثالثة فتبين منه بينونة كبرى لاتحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره ويدخل بها ثم يطلقها بإرادته ، وفي ذلك يقول تعالى :
"فإن طلقها فلا تحل له من بعد ، حتى تنكح زوجاً غيره "وذلك بعد قوله : "الطلاق مرتان " . وبذلك نهى الإسلام عن الزواج الصوري الذي كان يدعو إليه ( المحلل ) في الجاهلية ، واشترط أن يكون الزواج حقيقياً لاشبهة فيه أو تواطؤ.
والطلاق حق يملكه الرجل ، ويمكن للمرأة أن تملكه .في الجاهلية كان بعض النسوة من الشريفات يشترطن على أزواجهن أن يكون أمرهن بيدهن ، أي يكون لهن حق تطليق أنفسهن متى شئن . وكانت علامة التطليق ألا تصنع المرأة طعاماً لزوجها أو أن تحول باب خبائها ، فإن كان قِبَلَ المشرق حولته قِبَلَ المغرب ، فيعلم الزوج أن زوجته طلقت نفسها فلا يأتيها . ويروي صاحب الأغاني أن ماوية زوجة حاتم الطائي طلقته وكان أمره بيدها ، وذلك أنه جاءها فرأها حولت باب خبائها فانصرف .
وقد أخذ الإسلام بحق المرأة في أن تشترط على زوجها تطليق نفسها منه ، فإذا قالت طلقت نفسي منك ، أو اخترت نفسي ، كانت طلقة بائنة عند أبي حنيفة ، بحيث لاتحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد ؛ وعند الشافعي كانت طلقة رجعية بحيث يمحو الزواج أثر الطلقة إذا راجعها في العدة . وهذا ماأخذ به قانون الأحوال الشخصية المصري والسوري ، على أن يبقى للزوج حق طلاقها متى شاء لآنه صاحب الحق الأصلي في التطليق ، ومنحه المرأة حق تطليق نفسها منه إنما هو تفويض لايسلبه حقه الأصيل .
ولقد أباح الإسلام الطلاق على أنه ضرورة ملزمة في بعض الحالات ، وشرعه على أعظم الحكمة والمرؤة . وعليه قرن القرآن الكريم آيات الطلاق بالتنبيه على رعاية حدود الله التي شنها وخوّف من الظلم .
قال تعالى :"تلك حدود الله فلا تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه "/سورة البقرة :229 / .
وقال : "وتلك حدود الله يبيّنها لقوم يعلمون " /سورة البقرة : 230 / .
وقال :"وتلك حدود الله ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه "/ سورة الطلاق /.
وقال : "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" /سورة البقرة : 231 /.
وقال : "واعلموا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه" /سورة البقرة:235 /.
وفي الحديث الشريف نهي عن الطلاق وتحذير من الجري وراء الهوى كقوله ۖ "أبغض الحلال عند الله الطلاق "وقوله "لعن الله كل ذواق مطلاق"وقوله : "لعن الله الذواقين والذواقات" . وقوله : "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
هذا ماجاء به الإسلام إذ نظم الطلاق وقيده بقيود شداد ، فأقام الحياة الزوجية على دعائم وطيدة وأبطل ماجرى عليه العرب وغيرهم من نظم لاتصلح للبقاء وعدل بعضها بعضها تعديلاً يتفق ومصلحة الأسرة ، وابتكر نظماً جديدة تقلل دواعي الطلاق وتضيق إباحته وتخفف آثاره التي تترتب عليه إذا ماوقع .
الخلع :
من سماحة الإسلام ورحمته بالزوجة وإنصافاً لها ، أنه أفسح للمرأة أن تختلع من زوجها إذا كرهت منه أموراً لاتطيقها . وهذا الخلع هو المال الذي تقدمه الزوجة لزوجها ليطلقها ، أي تفدي نفسها بالمال أو بمنفعة تقدمها للزوج كإرضاع ولده أو حضانته دون أجر ، أو أي تعويض يتفقان عليه . ولا يراب الخلع إثماً على المرأة ولا على الرجل .
وقد إستدل العلماء على جواز الخلع بقوله تعالى :"فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، تلك حدود الله فلا تعتدوها" /سورة البقرة : 229 / .
وقد شكت إمرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله ۖ أنها لاتعتب على زوجها في خلق ولا دين ، ولكنها لاتطيقه بغضاً ، فقال لها النبي :"أتردين عليه حديقته؟ قالت نعم ، فقال الرسول لثابت :"إقبل الحديقة وطلقها تطليقة ، فردت عليه حديقته ، وفرق الرسول بينهما . وكان ذلك أول خلع في الإسلام .
ونرى عمر ابن الخطاب قد أخذ بمبدأ الخلع ، أشفق على إمرأة تشكو أمرها إلى الله وهي تطوف ، فبعث عمر إلى زوجها فوجده متغير الفم فطلب منه أن يطلقها أو يخالعها على مال ، فخالعها على مال وخلعها من عصمته لقاء خمسمئة درهم .
وقد جعل الإسلام حق المرأة في إفتداء نفسها مقابل حق الرجل في الطلاق ، فإذا كرهت المرأة معايشة زوجها كان لها الحق في طلب خلعها من عصمته ، وبذلك يتوازن حقها في طلب الخلع مع حقه في طلاقها إذا كره أحدهما الآخر .
الطلاق والخلع بأمر القاضي :
وإذا رفض الزوج خلع إمرأته رفعت أمرها إلى القاضي ، فإذا امتنع الصلح بينهما ، أمر القاضي أن تدفع المرأة إلى زوجها ماقبضت من مهر ، أو يقرر القاضي التعويض الذي ينبغي أن تدفعه إلى الزوج ؛ فإن لم يرض ألزمه القاضي بالقبول ويثبت واقعة الخلع ويكون الطلاق بائناً .
وهكذا فإن الإسلام قد رفع من شأن المرأة وأكسبها حقوقاً لم تكن لها ، ومن هذه الحقوق مايتصل بالطلاق والتطليق . إذ خول الإسلام الزوجة أن تختلع من زوجها كما سبق أن عرضنا ، كما أباح لها أن تشترط في العقد حقها في تطليق زوجها كما تقدم . كما خول الإسلام الزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها في حالات عدة منها :
1- أن تحل بشرط اشترطته في عقد الزواج ، على ألا يكون شرطاً يتعارض مع الحياة الزوجية القائمة على الإستمساك بالعشرة أو مخالفاً لحدود الله .
2- أن يؤذيها أذىً لاتستقيم معه العشرة ولا طاقة لها بالصبر عليه .
3- أن يكون قد خدعها أنه موسر ثم تتبين أنه معسر لايجد ماينفق عليها .
4- أن يكون به عيب شرعي ينافي الزوجية أو تغّيب عنها غيبة طويلة لسنة أو أكثر .
5- أن يمتنع عن الإنفاق عليها مع قدرته . أما إذا أعسر ولم يجد ماينفقه عليها ثم طالبته بالإنفاق أو طلبت الطلاق ، فقد اختلف الفقهاء على عدة أقوال :
أحدها يذهب إلى أن الزوج يجبر على الإنفاق أو الطلاق .
والثاني يرى أن يطلقها الحاكم بعد أن يؤجله شهراً أو نحوه ثم يطلقها طلقة رجعية ، فإذا أيسر له أن يراجعها .
والثالث يقضي بأن للزوجة الخيار ، فإن شاءت أقامت مع زوجها وتكون نفقته ديناً لها في ذمته ، وإن شاءت طالبت بالطلاق . أما إذا صبرت الزوجة ولم تطالب بالتفريق فلا شىء .
ويرى بعض الفقهاء أن المرأة تُكلف ان تنفق على نفسها وعلى زوجها إن كان معسراً وهي غنية /زاد المعاد : 4/218-225 /.
والذي يتبين من هذه الآراء وهذه المناقشات التي دارت بين العلماء أن الإعسار ليس السبب وحده في الطلاق وإنما هو تبرم بحال الزوج ورفض الزوجة العيش معه من مالها أو عملها أو كسبها ، أما إذا تعاونت معه وكسبت من عملها أو أنفقت من مالها فإن هذا خير له ولها .
تعطيش الجيم
حنت ابنتي حديثا جدا علي ما يبدو الي أصلها المصري وحجزت كورس لغة عربية فصحي في ألمانيا..
ومعلمتها شابة مصرية في حوالي الثلاثين من العمر محجبة .
وهي تتذكر جيدا عددا معقولا من الكلمات العربية التي كانت متداولة في المنزل حيث أنني فى البداية كنت أصر علي الحديث باللغة العربية فكانت بحكم الفضول الطفولي تسمع وتراقب.
وبما أنها قد التحقت بهذا الكورس بكامل إرادتها الطوعية وعن رغبة ذاتية فهي مهتمة للغاية باللغة العربية وتريد بالفعل أن تصل فيها الي درجة طيبة. ولذلك فهي تسألني باستمرار عن كلمات ومصطلحات وخلافه.
ولما كانت معارفها في العربية مبناها ما كانت تسمعه مني في المطبخ أو أثناء حديثها اليومي فقد جاءت تلك المعارف مؤسسة علي النطق العامي المصري، الذي لا يتفق تماما مع النطق العربي الفصيح الذي هي الآن بصدد دراسته.
ومن أهم هذه الاختلافات قضية تعطيش الجيم.
فالأصل في اللغة العربية هو تعطيش الجيم حتي أن معلم الكيمياء في الصف الثالث الثانوى أخبرنا عن صديق له اسمه عبد الجواد اعير للعمل في العراق وكاد العراقيون أن يفتكوا به لأنه ينطق اسمه بالطريقة المصرية مما يجعل المعني يتبدل في الفهم العراقي الي عبد القواد!!
ولكن الشئ الملحوظ أن الشعب الوحيد الذي لا يعطش الجيم من بين كل الشعوب العربية هم المصريون.
وأتذكر جيدا جدا أنني في فترة الصبا كنت استمع الي خطب الجمعة في الراديو وفي المسجد واصغي الي بيانات المفتي في أول رمضان والعيد وخلافه وكانت كل حروف الجيم التي ترد بهذا الخطاب الديني الرسمي بلا تعطيش..
وليس لدي من تفسير لهذه الظاهرة الشاذة عن جميع قواعد ممارسة القوة السياسية والسلطان إلا أن هذا النطق ربما لم يكن له وجود فى اللغة الفرعونية القديمة، فالجيم المعطشة تختلف طريقة نطقها عن الشين العميقة بل هي خليط بينها وبين الدال.
ففي العادة يفرض المحتل ثقافته عن طريق عنصري لغته وقانونه إن هو أراد هضم الأرض التي قام بضمها. وهذا هو الأسلوب الذى تبعته كل قوي الإحتلال عبر التاريخ الإنساني المتراكم وقد كان أحدثهم المستعمر المستوطن الأوروبي فى كل من أمريكا وأستراليا.
إلا أنني بإمعان التفكير فى هذا الأمر ربما أكون قد توصلت إلي نتيجة أخرى وهي أن مصر لها طريقة كامنة وأسلوب مستتر فى الحفاظ علي بعض من التميز عن كل القوي التي قامت بغزوها عبر التاريخ الطويل.
فالإسكندر الأكبر مثلا إضطر أن يسبغ على نفسه صفة الإله الفرعوني حتي يلقى القبول، وكذلك فعل البطالمة من بعده وحتي زالت دولتهم بموقعة إكتيوم التي جاءت بالحكم الروماني.
والغزو الروماني لمصر كان فاتحة خير على من قام به وهو جايوس أوكتافيوس الذى هزم مارك أنتوني وحليفته الإغريقية كليوباترا. إذ أن أوكتافيوس تحول بعد ذلك إلى الإمبراطور أوجوستوس الشهير جدا فى التاريخ الروماني والذى تسمي الشهر الزائد الآخر علي إسمه بعد الشهر المسمي على إسم يوليوس. فغزو مصر كان فى العصور القديمة هدفا ستراتيجيا عالي القيمة يضمن لصاحبه سموا علي كل منافسيه..
ولم يكن الإستيلاء على مصر فقط هدفا عالي القيمة بل لابد أنه كان أيضا له سعر. والسعر الذى كان يدفعه المحتلون لمصر هو غالبا التعاضي عن أمثال هذه الأمور التي لا تمنع المحتل من الإستغلال الإقتصادي للمصريين وفى نفس الوقت تعطيهم الشعور بالإختلاف والتميز. وكلنا نعرف محتوي الخطاب الذى بعث به القنصل البريطاني فى القاهرة لحكومة بلاده فى بداية الحرب العالمية الأولي يحذرها بشدة من تنفيذ فكرة ضم مصر نهائيا إلى إنجلترا بحيث تذوب فيها وتمحي هويتها كدولة ويصبح سكانها رعايا إنجليز.. وهذه كانت هي الفكرة السائدة فى لندن.. إلا أن خطاب القنصل - الذى تعده الحكومات المتحضرة مستودع خبرتها فيما يتعلق بالتعامل مع الدولة التي يقيم فيها - قد إجتز هذه الفكرة من أساسها وساد فى النهاية فكر القنصل ولم تضم إنجلترا مصر إلي ممتلكاتها وظلت مصر موجودة ولكن تحت الحماية.
فالحفاظ على الشعور القومي المصري كان على إمتداد العصور هام جدا بل وحيوي لكي يستطيع المصريون التعامل مع واقع الإحتلال.
وبنفس الطريقة ومن خلال هذا الإفتراض يمكن النظر إلى التاريخ الديني لمصر..
لو أن المرء قد استعرض التاريخ الديني لمصر منذ عهود الفراعنة الي نهاية القرن العشرين فلن يجد نهجا مختلفا عما وجدناه في مجال اللغة، أي أن المصريين يتاقلمون علي الظروف المتباينة تاقلما ليس كاملا بل يحتفظون بشئ ما يعطيهم الإحساس بالتميز ويشبع عندهم العزة القومية.
مقومات إقتصاد الدولة وعجز الحكومات العربية
تأليف : محمد السويسي
بناء إقتصاد الدولة أمر معقد يتطلب اشخاصاً مميزين جداً وملهمين الى حد العبقرية في الإلمام بالشأن الإقتصادي ووضع الخطط الملائمة والمتابعة والإحاطة بالمشاكل الحقيقية للدولة والمجتمع والأسرة والفرد قائمة على المعرفة الواسعة لعلم الإقتصاد والفقه الديني والتاريخ والجفرافيا والعلوم السياسية والإدارة والقانون والأدب والخبرة التجريبية على الأرض ، عدا فهم حركة المال وطرق توظيفه وإنفاقه .
ومن هنا فإن إيجاد أمثال هؤلاء الأشخاص يعتبر أمراً نادراً كالذي يبحث عن جوهرة في سعة من الأرض .
إذ أن نظام بناء إقتصاد الدول ليس شأناً عادياً ، إذ ان النجاح به يؤدي الى بناء أمة وينهض بها لتحلق في فضاء الصناعة والمال والتجارة والزراعة القائمة على العلم والمعرفة والخبرة .
فنظام بناء الدول يختلف كلياً عن بناء إقتصاد الشركات ، لأن إقتصاد الشركات يسعى لمنفعة مجموعة من الأشخاص محدودي العدد ، اما إقتصاد الدول فيسعى الى بناء أمة وخلق المناخ الملائم لنهوض الشركات والمؤسسات والتجارات الكبيرة منها والمتوسطة والصغيرة والفردية .
ويعتبر النظام الإقتصادي الأمريكيهو الأكثر تطوراً في العالم كإقتصاد دولة حديث بما يملك من جرأة في التغيير والمبادرة والتجدد الدائم ، مما يعني إدراكاً لما يحيط به من مشاكل يظل واعياً لمعالجتها بالإنتقال من مرحلة الى أخرى بشجاعة منقطعة النظير ؛ وهذا ماساعد على الإستمرار في قوة النقد الأمريكي وعالميته لصعوبة منافسته مع تحفز الفكر الإقتصادي الأمريكي لأي تغيير .
إلا أن مشكلته هو فقدان الحس الإنساني والأنانية المفرطة وانعدام الأخلاقيات تجاه مواطنيه من أجل الصالح العام للدولة ، وايضاً تجاه الشعوب الأخرى؛ كالرجل الذي يحرق حرجاً من اجل إشعال سيجارة .
إذ أن الإقتصاد الأمريكي بني وفق ظروف قاسية لاإنسانية عند إقامة الدولة ، دفعته ليبيد شعباً بأكمله وهم الهنود الحمر، سكان البلاد الأصليين ، دون أن تأخذه شفقة أو رحمة بهم لتعذره عن تدجينهم ضمن خططه الإقتصادية مع رفضهم الإندماج في مشاريعه لبناء الدولة ، حيث عوض عنهم بأقنان من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وشعوب دول أخرى من اجل مد السكة الحديد في جميع أنحاء القارة الأمريكية وإقامة المشاريع الزراعية والصناعية الضخمة من أجل تدعيم بناء الدولة .
إلا أن مايجب لفت النظر اليه هو أن الإقتصاد الأمريكي اعتمد في بنائه على القطاع الخاص من الشركات الضخمة قبل أن تأخذ الدولة دورها في إصدار النقد الورقي الذي اضحى عملة عالمية بديلاً عن الذهب في التداول بين الدول ، وإنشاء المصرف المركزي .
الإقتصاد الأوروبي : لم تعرف أوروبا بداية تكوين إقتصاد الدولة إلا مع بدء الثورة الفرنسية التي انفجرت في العام 1789 ، حيث كانت تخضع لنظام إقتصادي إقطاعي موزع بين الكنيسة والملوك والنبلاء تستوفي فيها معظم الأتاوات من المزارعين في أراض واسعة تعذر فيها بناء إقتصاد دولة متكامل متماسك ، وبالتالي تعذر بناء دولة بالمعنى الحقيقي بما يتطلب ذلك من شروط ومواصفات كانت معدومة قبل قيام الثورة .
ورغم النهوض الإقتصادي الهائل الذي حققته أوروبا عقب الحرب الثانية في النهوض الصناعي بدعم أمريكي من خلال مشروع مارشال ، إلا أن إقتصادها بدأ يتراجع قبل أكثر من عقدين لهيمنة الطبقة الرأسمالية وامساكها بالسلطة من خلف الكواليس بحيث بدأت تخضع للضغوط الأمريكية في إقامة منطقة اليورو وفي التوقيع على إتفاقية منظمة التجارة العالمية الأمريكية ، التي تسببت بانهيار إقتصاديات العالم وقد ألغت الحدود التجارية والرسوم الجمركية وأطاحت بموارد معظم الدول الأوروبية وتلك الموقعة عليها الى الأبد ، خاصة وأنه قد سبق ان اعتمدت هذه الدول في مداخليها على ضريبة المضافة ، بديلاً عن الضرائب والرسوم ، استجابة لضغوط الرأسمالية المرتبطة مصالحها مع الرأسمالية الأمريكية على حساب مصالح مواطنيها واقتصادهم ، لتبدأ المأساة الأوروبية في تراجع مصانعها وتجاراتها وإفلاس مؤسساتها المالية ، زادها بلة ارتفاع أسعار النفط الى أربعة أضعاف خلال مدة وجيزة مما عجل في انهيار إقتصادها لفساد حكامها أو لجهلهم ، وفي كلا الحالتين فالأمر مصيبة .
الإقتصاد العربي : رغم الماضي التليد للإقتصاد العربي فجر الإسلام وضحاه كإقتصاد دولة ، فإن الإقتصاد العربي حالياً وفقاً لإمكانيات الوطن العربي المالية يعتبر الأكثر تخلفاً في العالم لانعدام المواصفات التي تجعل منه إقتصاد دولة لتخلف وفساد وجهل حكوماته ومواطنيه ، بينما كان يعتبر الإقتصاد العربي الإسلامي خلال عهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي اعظم إقتصادات دول العالم على الإطلاق منذ فجر التاريخ وحتى الآن .إذ قام الإقتصاد العربي الإسلامي حينذاك على أسس متنية من حسن الجباية والتوزيع على أسس أخلاقية وإنسانية ، مع حفظ حقوق الدولة ومصالحها ومصالح شعبها من خلال جيش قوي نقي بعروبته مخلص لبلده وأمته ودينه وعقيدته للحفاظ على الأمن ومصالح الدولة العليا ومصالح مواطنيها واستمرارها ، لانه دون أمن متين قوي فإنه من الصعب ان تقوم الدولة بواجباتها المتعددة ، وأهمها الجباية من أجل دعم الدولة ومنعتها وتحقيق كافة الضمانات الإجتماعية لمنع الفقر والعوز والتسول ، مع ضمان صحي شامل واهتمام بحاجات المرأة الأرملة والمطلقة وحفظ كرامتها لمتابعة دورها الإسري بتربية اولادها والقيام بواجباتها تجاههم .
واستمر هذا الإزدهار الإقتصادي الإجتماعي العربي قائماً حتى نهاية العهد الأموي وبداية عهد الدولة العباسية قبل اضمحلالها مع تعاظم نفوذ الأعاجم في قطاعي الجند والإدارة بما أدى إلى إضعاف الدولة لسؤ أخلاقهم وجشعهم وفسادهم لضعف إيمانهم بما جبلوا عليه من خسة وغدر ولؤم في أصولهم ، حيث أدت ممارساتهم الشعوبية الحاقدة في تعمد تفتيت قوى الدولة واضعاف نفوذها الى تراجع في التأمينات الإجتماعية وتردي الأمن وشيوع الفقر وتنامي العوز ، كما تراجع هيبة الدولة واحترامها من حكام الأقاليم الذين تجرأوا عليها في العصيان والقضم .
وفي العودة إلى أمريكا فإن مبادرات الدولة في بناء إقتصاد الدولة ودعمه يتم من خلال المؤسسات المالية الرسمية بالتعاون مع الرأسمالية الوطنية في وول ستريت ، بحيث ان الدولة قد تسخّر جيوشها وترسلها الى اي دولة في العالم لخدمة مصالحها الإقتصادية دون اي تردد إلى حد انها شاركت بشكل مباشر مع أوروبا في الحرب العالمية الثانية ، رغم بعد المسافة والخطر العسكري عن اراضيها ، دعماً لمصالحها بحيث لاتمايز أو تفاضل بين المصلحة الخاصة والعامة ، بل إن الإقتصاد العام هو في خدمة الإقتصاد الخاص لشموليته بما يقتضي بناء إقتصاد الدولة .
وإقتصاد الدولة يتعدى الحدود في سبيل نموه ومنعته ، بحيث تقدم امريكا القروض والمساعدات والهبات للدول الأخرى التي تدور في فلكها ، وتقيم علاقات ودية معها من اجل توفيرالسيولة بين ايدي مواطنيها لتصريف سلعها من اجل إبقاء عجلة مصانعها نشطة في الإنتاج والتصريف ، ومع ذلك فقد تقع في أخطاء جسيمة بالنسبة لمواطينها ولحلفائها كما سآتي على ذكره في السياق .
وتعود تلك الأخطاء أكثر الأحيان من إجتهادات خاطئة لجيل جديد قليل الخبرة ، او بالأحرى لايملك الإلهام اللازم والضروري للتطوير واقتراح المبادرات الملائمة اللازمة بما تقتضي من بعد نظر ومقدرة على التحليل الضروري لبناء إقتصاد دولة متطور ومتين . ومن هنا وقعت أمريكا في أخطاء مميتة عندما شجعت اوروبا على بناء منظمة اليورو وألزمتها بإتفاقية منظمة التجارة العالمية بما فيها من شروط مجحفة ، بحجة المعاملة بالمثل ، إلا أنها لاتتقيد بها عندما لاتتفق ومصالحها ، وقد وضعت بنود هذه الإتفاقية من قصر نظر مقترحيها بحيث تراكمت الأخطاء المالية والتراجع الإقتصادي والمالي والزراعي والكساد لدى أوروبا وجميع الدول الموقعة عليها ، بما أدى الى التعجيل في إنفجار الأزمة المالية العالمية وبالتالي إفلاس اوروبا ومصانع ضخمة ومؤسسات في أمريكا وشركات كبرى .
إذ ان واضعي هذه الخطة نظروا الى مصالح أمريكا دون ان يدركوا ان الإقتصاد العالمي اضحى دورة حيوية متكاملة تربط دول العالم ببعضها البعض ، وبالتالي فإنه لايمكن وضع اي خطة لاتراعي مصالح الدول الأخرى لدوام استمرارها .
ومثل هذه الإتفاقيات المجحفة توقع عادة من بعض الدول أما لفساد من حكامها أو لقصر نظر منهم في فهم أخطارها وسلبياتها ، أو تجنباً لاستعداء أمريكا مع إصرارها الشديد وضغطها على دول العالم للتوقيع عليها .
قد يستغرب البعض هذا القول لاعتقادهم بأن دولة عظمى كأمريكا لايمكن ان تخطىء في مخططاتها الإقتصادية ،ورأيهم هذا يعود لعدم استيعابهم لمسيرة الإقتصاد الأمريكي وبالتالي الإقتصاد العالمي . ولكن نسأل في نفس ، الوقت أليست روسيا دولة عظمى ايضاً ؟! ومع ذلك فإن إقتصادها لايتماثل وعظمتها وإمكانياتها المالية ومواردها الطبيعية ؛ وبنظرة مقارنة مع سياسات أمريكا الخارجية وحملاتها العسكرية خارج حدودها اليس هناك من أخطاء ؟!سيأتي الجواب حتماً بالإيجاب .
وعليه فطالما انها تخطىء في سياساتها العسكرية فلما لاتخطىء في الشأن الإقتصادي والسياسي ايضاً وأيضاً ؟.
رغم ماتسببت به إتفاقية منظمة التجارة العالمية من سلبيات على الإقتصاد الغربي والإقتصاد الأمريكي بشكل خاص ، فإن امريكا عالجت الموضوع بشكل جرىء بمبضع جراح ماهر خارج العاطفة التي تعيق المسؤولين عن إتخاذ قرارات استراتجية مصيرية عند اللزوم ، كالتي اتخذتها أمريكا في العام 2007 إزاء تداعيات الأزمة المالية . إذ انها مع تراجع صادراتها الى الخارج بتأثير من فقدان السيولة بين ايدي المواطنين في الداخل والخارج ، بفعل سلبيات بعض بنود اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي حرمت هذه الدول من معظم مواردها وأورثت الكساد لبضائعها لفقدان لسيولة بين ايدي مواطينها مع تنامي البطالة بشكل حثيث وبالتالي تراجع الإستيراد للسلع الأمريكية ، فإن مخططي السياسة الإقتصادية الأمريكية تجنبوا الغاء اتفاقية التجارة العالمية ، رغم اعتراض شعوب ودول عدة عليها ، اذ ردوا تراجع صادراتهم الى ارتفاع في قيم أكلاف إنتاجها وعلى رأسها ارتفاع أجور اليد العاملة ، ، لذا فكروا بإجراء آخر وهو تصنيع منتوجاتهم بأقل أجر ممكن وجدوه في تدني اجور اليد العاملة الصينية الى الحد الأدنى الذي لم يحلموا به ليتم تدريبها على إنتاج السلع الأمريكية بنقل بعض مصانعهم اليها .
لذا عمدوا من خلال تعمد الأزمة المالية وتفجيرها ، الى إفلاس المؤسسات المالية والمصارف والمصانع وأسواق البورصة الأمريكية في كارثة حقيقية ، القصد منها لجم التضخم المالي ودفع سكان المدن الطارئين للعودة الى قراهم مع بدء تراجع اليد العاملة الزراعية لأصناف استهلاكية يومية في نظرة مستقبلية وآنية في نفس الوقت ، بهدف تعزيز الزراعة المحلية وتطويرها تلافياُ لأزمة غذائية مستقبلية بدأت تذر قرنها مع تغيرالمناخ وجفافه وتصحره ، كما التخلص من تنامي ارتفاع الأجور الذي كان الأساس في إضعاف الصادرات الأمريكية للخارج لارتفاع كلفتها ، لتتوجه الرأسمالية الأمريكية وبعض الأوروبية الى التصنيع في الصين بأقل كلفة ممكنة .
وبالعودة الى العالم العربيفإن سبب تخلفه علمياً و صناعياً وإقتصادياً هو بسبب جهل حكوماته عن كيفية بناء إقتصاد الدولة الذي يقتضي بضرورة ملحة تحقيق وإقرار كافة التأمينات الصحية والإجتماعية من ضمان شيخوخة وتعويضات بطالة للعاطلين عن العمل وإلغاء العمل بنظام الحد الأدنى للأجور ، كما والغاء الضريبة على القيمة المضافة إلا على المصانع التي تنتج سلعها من مواد محلية ،كما وتأمين مواصلات النقل العام والمترو والهاتف والكهرباء والإنترنت بأسعار متدنية ورفض توقيع إتفاقية منظمة التجارة العالمية مقابل العمل بنظام ضريبي عادل وملائم ، بالإضافة لدعم الزراعة والصناعة بتقديم الخدمات والمساعدات اللازمة .
وبما ان كل هذه الضرورات الإقتصادية لبناء الدولة والنهوض بها شبه ممعدومة في العالم العربي ، فإنه من الصعب ان يتطور بالسرعة اللازمة لتخلف حكوماته وسؤ اختيار وزرائه وفق معادلات سياسية فاسدة لفساد حكامه من أنظمة جمهورية فاسدة قائمة على الديكتاتورية في التجديد والتوريث بما يؤدي الى انعدام العدالة وفساد القضاء والإدارة بما يوازي فساد النظام ويماثله .
ووفق هذه المعطيات الفاسدة والإهمال فإنه يتعذر على الدول العربية النهوض الإقتصادي والصناعي للحاق بالدول الغربية طالما أنها لم تصلح انظمتها نحو العدالة والديمقراطية واحترام الحريات العامة والقانون والدستور ، التي هي الأساس لبناء دولة قوية تقوم على اقتصاد قوي سليم .
بوركينا فاسو.. وتجربة «الربيع الأفريقي»
أطلقوا على أحداث «بوركينا فاسو» في نوفمبر 2014 وبسرعة ملفتة صفة «الربيع الأسود»؛ أي "الربيع الأفريقي"، كما نطق بذلك بعض المتظاهرين المحتجين في «واجادوجو » العاصمة، أو في «بوبا ديالاس»، ثاني أكبر المدن. وقد شوهدت بالفعل لافتات تحمل كلمة Degage بمعنى إرحل ، بل إن المخلوع «بليز كومباورى» صرح قبل رحيله «أنه فهم الرسالة» بنفس طريقة «بن علي»، وسحب مشروعه لتعديل الدستور لصالحه كما فعل «مبارك»! لذلك كله استحق الحدث أن ينسب إلى حالات «انتفاضات الربيع»، حتى عندما انتهت المظاهرات، قام الشباب بكنس الشوارع كما فعلوا في ميدان التحرير! كما أن وجود حوالى نصف مليون حول القصر الجمهورى ومقار الدولة والتلفزيون، وبدعم بعض الجنود، يشير إلى تمرد حقيقي ارتفع باستمراره لبضعة أيام إلى درجة «الانتفاضة»، التى عادة ما يتحرك حولها الأُصلاء، ومختطفوا الثورات في وقت واحد !
فظهر الجيش بقياداته التقليدية وبشبابه أيضاً! وظهر بعض قادة الحركة السياسية المعروفة بماضي حضورها في الحياة السياسية، رغم فترة قهر الرئيس المخلوع «كومباوري» وظهر رؤساء قبليون. وخاصة من القبيلة الكبرى المسيطرة على وسط البلاد، قبائل «الموسى»، بل وملكها المنسي «موجو نابا» ! وبسرعة أيضاً ظهرت القوات الفرنسية لتصاحب «كومباوري» الهارب من القصر، إلى حدود «كوت ديفوار» وأمنها الفرنسي أيضاً هناك، بل وظهرت قوة فرنسا كقوة استعمارية سابقة لتعلن ضرورة عودة الحياة المدنية في أقرب وقت ( نمط فرنسي) أو إعلان الترقب (نمط أميركي) .
كان كل ذلك مبشراً بانتفاضة تكررت في «بوركينا فاسو» عام 2011 ( بعد مقتل طالب) بل وقبل ذلك في عام 1982 . وفي كل الحالات السابقة يسارع ضباط الجيش باحتواء الموقف في شكل انقلابي ، وادعاءات متنوعة، لكن بعضها أيضاً كان بحجم حركة «سانكارا» الثورية (1983-1989).
وفي ظل ظروف صعبة بمنطقة الغرب الأفريقي ، تواجه فيها كافة المصالح الآن ضغوط الموقف المضطرب من ليبيا إلى عناصر تهريب وإرهاب واسعة النطاق في كافة منطقة الصحراء الكبرى حتى حدود موريتانيا وجنوب الجزائر، فإن القوى الغربية والإقليمية، لابد أن تندفع لضمان الاستقرار والأمن في «بوركينا فاسو» ...حيث جيش هذا البلد بقيادة «كومباوري» كان الشرطي الأقوى في المنطقة بدعم فرنسي ومساعدات القيادة الأميركية لأفريقيا «أفريكوم». وكان الرئيس «كومباوري» هو عراب المصالحات في حالات ساحل العاج ، ومالي، ومشاكل تشاد والنيجر مع ليبيا، كما جعل بلاده تشتهر أنها الممر الآمن للسلاح والمخدرات، وتبييض الأموال!
لم يكن ذلك هو حال هذا البلد في عهد « توماس سانكارا» بشهرة جيشه الوطني وإصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية وسمعته الدولية الواسعة، لكن هذا حال اختلاف الأزمنة فاختلفت معها قيمة «بوركينا فاسو» ! حتى وقعت الانتفاضة، وبسرعة ملحوظة تحاول أطراف كثيرة تدارك الموقف، فقفز دور قوى محلية وإقليمية ودولية، وتحركت المنظمة الفاعلة في المنطقة وهي «الإيكواس» (منظمة دول غرف أفريقيا الفرانكفونية والأنجلوفونية على السواء)، لضمان الاستقرار في الإقليم حتى لو لم تتعاون مع الاتحاد الأفريقي نفسه، بينما تحرك الاتحاد الأفريقي، ضامناً هذه المرة تعاون الكثيرين معه في اتخاذ مظهر الأمين على النظم الديمقراطية في أفريقيا.
ثم بدت الرغبة في سرعة استقرار تقليدي مع القوى السابقة والدستور القديم لترشيح مدني للسلطة الجديدة يكون مناسباً لخيارات أصحاب المصالح، ذلك أن ثمة خوفاً واضحاً من ميراث الحركة الوطنية القديمة وتراث «سانكارا» الوطني الاجتماعي في نفوس الجيل التالي ممثلاً في حوالى ثمان منظمات «سنكاراوية» من بين أكثر من 50 تنظيماً سياسياً واجتماعىاً آخر معلنين حالياً، ممن واجهوا «كومباوري» طيلة هذه السنوات ولم يفلحوا في خلعه لكثرة ما واجهوا من عسكر «كومباوري» وتجاهل الغرب لمطالب الديمقراطية التقليدية التي ترفع فرنسا والولايات المتحدة شعارها عند الضرورة.
والآن تتحرك الأحداث بسرعة، تثبت فيها القوى السياسية ذات التاريخ الشعبى أنها يمكن أن تواصل الضغط مستفيدة من أجواء المنطقة المتخوفة من فكرة الربيع الديمقراطى، ولذا يتراوح الموقف عند كتابة هذه السطور بين رغبة العسكريين في البقاء لأطول فترة ممكنة لترتيب الأوضاع ، وبين رغبة الجميع في التوازن السياسي خلال العام المقترح لنقل السلطة في ظل توازن مماثل بين قوة العسكريين والقوى السياسية الوطنية .
تقسيم المقسّم في السودان
في عصر « داعش» و«القاعدة»، تهتز نظم وشعوب من هول التهديد بمزيد من التفتيت في العالم العربي، مثلما تهتز أفريقيا من عنف «بوكو حرام» في غربها، وحركة شباب المجاهدين في شرقها، ويكاد العنصر الخارجي من تدخلات وأسلحة..الخ يبدو فاعلاً أولياً في الموقف بما يجعل التدويل حلاً دائماً بدوره، لكن الحالة السودانية، تعكس حتى الآن نموذجاً مختلفاً إلى حد ما.
فالعامل الداخلي، ممثلاً في التكوينات والتقسيمات المتراكمة تتفاعل بشكل جديد بين المركز والهامش في السودان، بل وثمة تجاهل ظاهر– في رأي عدد من الباحثين- من المركز تجاه الهوامش جميعاً، وتقليل المشروع المركزي، أو«مثلث العاصمة» من مخاطر التهميش، وقيام هويات خاصة، على مستقبل البلاد.
الباحثون السودانيون لا يكلون من البحث حول ظروف تعرض السودان لكل هذه الانقسامات في العقود الأخيرة، ثم ظروف استمراريتها بهذا الشكل، مع أنه كان نموذجاً لفترات طويلة، لنظرية الوحدة في التنوع.
هكذا يرى الموقف الدكتور عبد الغفار محمد أحمد، وهو واحد ممن صاغوا مثل محمد عمر بشير«بونا ملوال» بل و«فرانسيس دينج»، تعبير التنوع والوحدة، وصولاً إلى حالة الوحدة في التنوع بالسودان.
فلماذا وصل الآن، عبد الغفار محمد أحمد ونخبة من جيله إلى البحث في السودان المقسم أو الانقسام المستدام، وذلك في كتابه الأخير بعنوان: «السودان المنقسم Divided Sudan» من تحريره وزميله النرويجي ج».
سوربو«(بلجراف ماكميلان 2013)، وهو ما اقترح تسميته «السودان وتقسيم المقسم» لأن عنوانه الفرعي «الصراع المستمر في بلد متنازع عليه»، الدكتور عبد الغفار محمد أحمد وزملاؤه، يعرضون في كتاب «السودان المقسم» المادة الوفيرة عن مسيرة السودان الحديث والحوارات والانقسامات والاحتمالات من حوله! لينتهوا في الواقع إلى خلاصة تطرح عدة سيناريوهات أوقعهم هو أكثرهم مرارة !
فالكتاب يقدم مادة سوسيولوجية وسياسية تُعنى بالأوضاع الموروثة، والحديثة لتجعل استخلاص «تقسيم المقسم» حقيقة واقعة تتفق وعنوانه.
مؤلفو الكتاب يرون منذ البداية أن انتهاء الصراع الرئيسي بين الشمال والجنوب، بل وحتى أجواء «الربيع العربي»، لم تؤد إلى نهاية الصراعات، بل استمرت أقوى، بل وتكاد تصبح مستقلة عن مدى العلاقة بدولة جنوب السودان، بما نراه في قضية «آبيي» و«دارفور»، «وجنوب كردفان»، و«النيل الأزرق»، إذ يتعدد الصدام مجدداً مع «الحركة الشعبية» بشمال السودان – وتتعقد مشكلة البترول، وتتعدد الاتفاقات السياسية مع حركة أو أخرى في الأطراف دون إنجازها، ويقع الانقسام الداخلي في كافة الحركات السياسية والإسلامية، بين تقليديين وإصلاحيين.
ويظل جوهر المشكلة على ما يبدو عند أكثر من مساهم في الكتاب (عبد الوهاب الأفندي، محمد صالح، عطا البطحاني)، هو موقف الحكم الثابت وفق ما جاء في تصريح الرئيس السوداني بالقضارف -19 ديسمبر 2010، أنه إذا انفصل الجنوب لن يكون هناك حديث عن التنوع الثقافي أو العرقي، بل ستكون الشريعة والإسلام أساس الدستور كدين رسمي، والعربية لغة رسمية !
يرصد الكتاب هذا التحدي الدائم عند «الجبهة الإسلامية»، في معظم فصول الكتاب لأن ذلك ما يفسد أي اتفاق منذ اعتبرت الجبهة هويتها، هي المعبرة الفعلية عن مركزية النخبة الحاكمة في الخرطوم، والمستفيدة مما لم تكن المنشئة، لكل انقسامات المناطق المهمشة حتى لو اضطر الحكم إلى تشجيع انقسامات «الفولبي» أو«الفلاتة»، أمام عناصر عربية في شرق السودان أو «دارفور الشرقية». والكتاب يعالج مشاكل القبلية و«تسييس العرقية «Ethnocracy وفق هذه الرؤية، مع استمرار خطط النظام الدائمة لتقسيم المقسم في «دارفور» و«النيل الأزرق» و«ابيي» و»النوبة». وذلك بإنشاء القوى العسكرية، أو القبلية البديلة لهذا أو ذاك، وتحويل تقسيمات الإدارة الأهلية التقليدية إلى هويات قبلية محلية، وحتى نال ذلك قوات الدفاع الشعبي المفروض أن تكون مركزية، ويساعد ذلك في تقوية هوية المهمشين واستقلالهم عن الجنوب نفسه.
والحكم السوداني يراهن دائماً على انقسام المعارضة من جهة، أو بالأحرى خداعها، بينما لا يهم النخبة المركزية في الخرطوم، صراعات «الهلال» المهمش، من دارفور للنيل الأزرق، حيث تفتقد عناصر هذه المناطق التنسيق مع المعارضة الرسمية أو التأثير في العاصمة! وفي تقدير مؤلفي الكتاب أن الموقف تبلور مبكراً في مشروع للجبهة الإسلامية (كمركز) ضد مشروع «الحركة الشعبية»، سواء الأصلية أو الشمالية، التي تبني على ما يبدو تحالفها مع الجبهة الثورية كمشروع شمالي مواجه لـ«الجبهة الإسلامية»، مهما انطلق من الأطراف، وهذه في تقديري سسيولوجيا جديدة للوحدة المحتملة في السودان.
تعالج فصول الكتاب ما يضعه المحرران في خلاصة عن السيناريوهات المحتملة في السودان، أولها فرص الحلول التقليدية عن طريق الإصلاح الديمقراطي والدستور، وهذا يتطلب المستحيل لضرورة تنازل المؤتمر الوطني عن هيمنة الحركة الإسلامية والاعتراف بالتنوع، ويصعب ذلك بعد أن سلموا بالجنوب مقابل قوة مركز دولتهم.
وثاني الاحتمالات ما يسمونه، «الإبحار مع الريح»، أو قل التسليم بالوضع الراهن للأسف ممثلاً في استمرار الانقسامات والصراعات في الأقاليم، ومشاكل الهوية، خاصة مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية، وحدة لغة المركز تجاه الآخرين، أما الأمل البعيد في السيناريو الثالث، ففي احتمال استمرار الصراعات من دون حروب واسعة.
..
ومع هذا الامل المحدود لا تتوفر اختراقات كبرى في واقع الصراعات القائمة في الهوامش، بسبب عدم حل الأزمات، ولأن حروب الأطراف لا تشكل خطرا على نخبة الخرطوم! ومعنى ذلك تبلور هويات الأطراف على أساس صراعي بما يضمن استمرار سيطرة الخرطوم، ومن هنا يبدو الحل السلمي الشامل بعيداً، إلا إذا توفرت الاجراءات الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، وإتاحة الفرصة أمام استعادة فلسفة السودان الجديد.
صعوبات الحوار الوطني في السودان
ما زال الموقف الأفريقي يكشف اختلافاً واضحاً بين تفرد حالة السودان في معالجته لقضية الحوار الوطني بهذا التشدد المتتابع رغم وضوح الأزمة، وبين الموقف في أكثر من بلد أفريقي آخر بقبول الحوار الوطني من أجل الاستقرار، مهما كان الرأي في طبيعته. وأقرب هذه التمثلات، ما نراه في كينيا، حيث يرتب الرئيس كنياتا الموقف الداخلي بتوافق حكيم يجعله يذهب إلى لاهاي للمحكمة الجنائية الدولية، ويعود إنقاذاً لبلاده من تهديد وخسائر المقاطعة، وهو الموقف الذي نعاني الأمرين من افتقاده على أي مستوى عربي، وأحدثه حالة السودان، حيث ثمة رفض لأية تفاهمات داخلية جادة لإنقاذ البلاد من توترات في عصر "داعش"و"القاعدة"! وما نراه طوال السنوات الأخيرة هو الجري وراء ما يسمى بالحوار في مختلف العواصم الأفريقية والأوروبية دون أن تصدر عن النظام الحاكم صفقة تاريخية من قلب الخرطوم نفسها للخروج من الأزمة، بدل المكايدات من قبيل القول بأن "لا يهمنا ضياع البترول -بانفصال الجنوب طبعاً- لأن عندنا الذهب"، الجاري الحديث عن اكتشافاته!
في أجواء هذه المكايدة قرأت نصاً مثيراً للحزن لباحث ممن يقدرون على التفكير السياسي في السودان، وشارك في العمل السياسي طويلاً، وهو "الواثق كمير"في ورقة بعنوان "إلى قوى التغيير.. هل نعيد اختراع العجلة"؟ -سبتمبر 2014.. والدكتور "الواثق"صاحب الخبرة مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، والزعيم "جرنق"و"التجمع الديمقراطي"، وحتى حركة المعارضة في تشكلاتها الحديثة.
ويبدو أنها نفس مشاعر الألم، هي التي سيطرت على باحث جاد آخر ذي تجربة في البحث الاجتماعي، والهموم المجتمعية في السودان، وهو "د. عبدالغفار محمد أحمد"، الذي أرسل لي مؤخراً كتابه المحرر بعنوان Sudan Divided أو "السودان مقسماً"، والذى حرره مع زميله النرويجي "ج. سوربو"ونخبة من الباحثين، ونشرته "بلجراف ماكميلان"، بنيويورك 2013 بما سنعود لعرضه لاحقاً.
دراسة "الواثق كمير"تراجع بعض الأفكار السائدة في دوائر الثوريين، بل و"الإصلاحيين"أيضاً، وتلقي بحجر ثقيل في حجر المعارضة السودانية، لابد أن يدفعها إلى مراجعات عميقة. هو يراجع شعار "إسقاط المعارضة للنظام"بهذه التحالفات السياسية، أو عن طريق "الانتفاضة الشعبية"و"العمل الثوري المسلح". ويرى أن هذه الشعارات المرفوعة لا ترتبط بخطط جاهزة للتغيير السياسي والاجتماعي الاقتصادي، أو التنسيق المتكامل من أجلها. أو أنها تستفيد من مراجعة التجارب السابقة، سواء تجارب انتفاضة 1964 أو 1985، أو حتى القراءة الجيدة لتجارب "ثورات الربيع العربي"!، ولذا فهو يسمى شعار الانتفاضة لإسقاط النظام الآن نوعاً من محاولة إعادة اختراع العجلة!
ولا أريد هنا أن أفصل في عرض دراسة "الواثق"، لأنها منشورة حديثاً على أكثر من موقع، ولكني أريد فقط أن أحيط القارئ بمصادر ما يشبه الإحباط عند "الواثق"وغيره من المثقفين السودانيين، إلى أن تتغير فلسفة المعارضة السودانية جذرياً إزاء جمود النظام، وهو الشعور الذي نقلته لي دراسة "عبدالغفار محمد أحمد"، وزملائه عن المحاولات الفاشلة التي لم تؤد إلا لزيادة تقسيم المقسم!
إحباطات الواثق، في جمل قصيرة – تتركز في استخلاصاته التالية – في تقديري طبعاً-أن الأحزاب السياسية التقليدية وغير التقليدية في السودان لم تقم بالانتفاضات، أو تقود الجماهير إليها، إنما التحقت بها بعد قيامها!
إن النظام القائم في السودان – وأعتقد في غيره- لا يخاف الأحزاب، ولكن خشي هبات الجماهير. ومنذ الفترة الانتقالية في السودان 2005-2011، حيث كان يمكن حدوث نضج سياسي كبير، لم تنضج الحركة السياسية أو الشعبية ديمقراطياً، وإنما تحولت "الحركة الشعبية/ شمال"إلى الثورة المسلحة، كما تحولت المعارضات في مناطق الأطراف الأخرى إلى نفس الاتجاه، ولم يحقق ذلك تقدماً لأن القوى السياسية تفتقد التنسيق بشكل مؤثر على الحركة، فلم تتوافق على فكرة إسقاط النظام، أو تتعاون بشكل جاد مع حركة الثورة المسلحة، ويبدو أنه حتى ظروف 1964، 1985 نفسها لا تتكرر، إزاء ضعف النظم الحاكمة ساعتها مقارنة في الوقت الحالي بقوة سيطرة "الجبهة الإسلامية"، على النقابات والجيش، وهما كانا عنصري التغيير الأساسية من قبل.
المعارضة التي تتطلع للحوار لا تنظم صفوفها، وهى عبر وثائق "الفجر الجديد"، ولقاء باريس، والجبهة الثورية، تكشف دائماً عن انقساماتها أمام النظام نفسه الذي يطرح ويسحب دعاوى الإصلاح وفق ظروفه هو!
يحذر "الواثق"في هذه الظروف من شعار الانتفاضة كما رأينا، كما يحذر من شعار إسقاط النظام الذي يؤدي إلى تفتيت الدولة، وليس إلى التغيير الهيكلي المنشود في النظام.
الواثق يطلب رؤية مستقبلية واضحة –بعيداً عن إعادة اختراع العجلة بالانتفاضة – لعدم توفر عناصرها. ولكن يمكن توحيد القوى السياسية، في شكل مؤسسي قومي يضع فهماً موضوعياً للدين بعيداً عن السياسة، لإعادة تأسيس دولة المواطنة مع توافق كل القوى بما فيها حزب "المؤتمر الوطني"الحاكم لتكوين كتلة تاريخية من أجل ذلك. بدلاً من سقوط الدولة نتيجة تفتيت القوى القائمة في الصراعات المختلفة، وخاصة القائمة في المناطق المهمشة، فضلاً عن التدخلات الخارجية المحتملة من دول الجوار أو إيران لإنقاذ النظام!
الحوار الذي ينقذ الموقف فيما استخلصه من عرض "الواثق"السابق لابد أن يأتي حقيقياً، ليس لمجرد "الإيهام"أو "الوثبة"السابق التلويح بها من قبل النظام حديثاً وسحبها مؤخراً، ولا استخدام فزاعة التقسيم لما بقي من السودان، ولا بإيقاف الحركات النضالية لإجبار المؤتمر الوطني على الجلوس على مائدة النظام.
ولم أفهم –مع القارئ العربي – كيف ستتشكل "الكتلة التاريخية” مع حضور عناصر "الحشد الإسلامي"، الذي ينسى اختلافاته أو تنوعه أمام أي تكتل ديمقراطي حقيقي حتى من أجل إنقاذ الدولة بتأجيل قضية النظام. ثمة تقدير بالطبع لقلق "الواثق"على العملية الثورية التي يأمل أن تتحول لعملية ديمقراطية.. والمشكلة أن معظم نظمنا منشغلة بتعبئة –أو ترضية –الخارج من حولها، وتكسب من ذلك أحياناً، بديلاً عن الانشغال بتطوير الموقف الداخلي الذي يحتاج لتجذير العملية الديمقراطية شعبياً ورسمياً.. من أجل بعض التراضي، حتى على طريقة الرئيس الكيني!
تشغيل معرض طرابلس لبنان الدولي .. من هنا نبدأ
تأليف : محمد السويسي
إن السؤال المطروح دائماً لدى هيئات المجتمع المدني وفعاليات المدينة والسياسيين والحكومة هو :
من أين نبدأ لإعادة إعمار مدينة طرابلس و النهوض بها ؟
من المفترض ان يكون الجواب التلقائي البديهي هو أن نبدأ من منطقة التبانة الجريحة المهدمة ، وهو كلام سليم مئة بالمئة إذ أن التبانة تاريخياً كانت تلقب بسوق الذهب لأنها كانت ملتقى جميع الأنشطة التجارية لمحافظة الشمال للوافدين من عكار والكورة والبترون وجبيل وجونية ، حتى الداخل السوري المجاور من حمص حتى حدود تركيا حيث كانوا يشترون منها البضائع لمخازنهم .
ولكن بعد حرب السنتين تغير كل شيء على الأرض ، إذ عُطلت جميع مرافق مدينة طرابلس الحيوية من قبل الدولة بتواطىء مع الإقطاع المالي الحاكم صاحب النفوذ الأقوى في لبنان ليعيد احتكارها في العاصمة وجوارها ، بشركات وإنشاءات ومصانع مماثلة ، بشراكة مع المليشيات والأحزاب المسلحة دون وازع أو ضمير مع إفتقاد الحد الأدنى من الوطنية والشعور بالمسؤولية والأخلاق وقد استبد بهم الطمع للمتاجرة بمصالح المدينة التي استبد بها الفقر والعوز والجوع من جراء ذلك ، إلى حد استعانة بعض الفقراء من أبنائها بمستوعبات الزبالة لتأمين لقمة عيشهم اليومي وسد جوعهم كيفما اتفق مع تفشي البطالة تحت أعين المسؤولين والمعنيين دون أن يلقوا بالاً للأمر لسؤ حظ المدينة وقد ابتليت بنواب اضحوا نوائباً بعد وصولهم للبرلمان بأصواتها ليستغلوا موقعها في المعادلة اللبنانية للوصول الى مواقع وزارية دون أن يلقوا بالاً للإهتمام بمدينتهم لإعادة تشغيل مرافقها المعطلة لوضع حد للفقر والعوز فيها ، مرتاحين لدجل زمرة من المنافقين والمستشارين المداهنين حولهم من عديمي الخبرة والأخلاق كما ممارسات أزلام الإقطاع السياسي البائد ، ولا أظلمهم وإلا لما كانت المدينة على هذا المستوى من الإهمال والتخلف والفقر .
لقد كنت فيما مضى في موقعهم السياسي والوظيفي الحكومي الرسمي لزعامات سبقت فقدمنا للمدينة والدولة والخزينة والعمال والشعب على صعيد لبنان ، خدمات قصرت عنها كل هذه الفعاليات مجتمعة وأزلامها . لذا أدرك تماماَ الفرق بين مستشار السؤ والمستشار الحسن الخبير الذي على خلق ؛ ولكن أمثال هذا المستشار اضحى نادر الوجود لدى القيادات السياسية الحالية .
إلا أن النجاح في خدمة المدينة والعمل من أجلها يتطلب التعفف والإيثار والسهر ونظافة الكف اولاً وأخيراً ؛ وإلا فالفشل هو العنوان كما حال إداء نواب طرابلس والشمال الحاليين ومعاونيهم ، وقد أشكل على بعضهم الأولويات الى حد الإضرار الشديد بالمدينة وأهلها كما حال مشروع النائب روبير الفاضل وللأسف الذي يصر عليه دون أن يأخذ برأي اهل المدينة وهيئات المجتمع بضرروة التخلي عنه ، ولاغرابة في ذلك إذ أنه ولد على عكس والده ، وفي فمه ملعقة من الذهب ، لذا عجز عن تحديد اولويات المدينة وحاجاتها الضرورية .وقد اعتمدته مثلاً يُضرب في سؤ إداء نواب طرابلس وفهمهم لمشاكل أبناء مدينتهم وحاجاتها .
إن مشروع النائب روبير الفاضل البحري هو ترف لغني يريد أن يلهو بين الفقراء ، في غير الزمان والمكان والأوان ، كالثري يدعو اهل التبانة الفقراء المعدمين إلى عشاء من الكافيار لسد جوعهم بدل ان يطعمهم على مدى شهر كامل أرزاً ولحماً وخضاًراً بكلفة هذا العشاء ، ومن هنا عارضت المدينة مشروعه المؤذي إلى أقصى الحدود ، مستنكفاً التحدث عن خلفياته المعيبة ومراميه .
ونعود الى الأوليات التي يجب ان نبدأ بها للنهوض بمدينة طرابلس ، فإنه مع تعذر البدء في بناء التبانة لعدم وجود خطة إنمائية شاملة بشأنها ، فإن كل الأموال والهبات التي تمنح وتخصص لها لن تجدي نفعاً ، لأنها ستقتصر عندها على الترقيع والتصليح وبعثرة المال وضياعه مع إعلام مضلل مخادع بالوعود الوردية ، ولكن ليس لإعادة البناء .
وعند التمعن بحال المدينة نجد ان نواب طرابلس وفعالياتها وهيئات المجتمع المدني التي اضحت بممعظمها موالية وأزلام للفعاليات السياسية التي تنظر كنظرتها وتعمل كعملها لانتهازيتها وضعف شخصيتها ، بما يعني تضاعف البلاء على أهل المدينة نحو مزيد من الفقر والتخلف والإهمال .
لذا كانت افضل واقرب واسهل الأولويات للنهوض بطرابلس ، إلى حين وضع خطة ملائمة جدية لإعادة إعمار التبانة ، هو أن يبدأ إعادة الإعمار بتشغيل مرافق طرابلس المعطلة ، وأولها المعرض لسهولة تشغيله . وقد استمعنا في إحدى الإذاعات ، الى ان احد فعاليات طرابلس السياسيين قد كلف لجنة لإعداد خطة لتشغيل معرض طرابلس .وهذا عمل وتصرف جيد ،ولكن لننتظر جدية هذا التكليف وما سيصدر عنه من إيجاب ، نتمنى ان يكون قبل قيام الساعة .
وعليه فإننا نجد انه من الضروري عرض الوسائل والأفكار الأفضل لتشغيل هذه المرفق الهام بما له من نتيجية إيجابية في التخفيف من حدة الفقر والنهوض بالمدينة .
أفضل الخطط لتشغيل المعرض :
من المؤسف ان الخشب المُسنّدة التي تتولى إدارة المعرض لم تستطع ان تتقدم بأي خطة لتشغيله حتى الآن ، وقد جاء السياسيين بهذه الإدارة المعاقة على شاكلتهم ، الذين كان يجب ان يعتذروا عن مناصبهم طالما أنهم عاجزون عن القيام بمهماتهم في التقدم بأي مشروع أو اقتراح لتشغيله منذ أن تولوا مسؤولياتهم وحتى الآن ، فكانوا كما خيال المآتة في سهل واسع منبسط .
لابد ان اعطي فكرة بعدة اسطر عن المعرض قبل تقديم إقتراح تشغيله . إذ أنه يشغل حوالي مليون متر مربع تقريباً اقتطعت من بساتين طرابلس التي اضمحلت من بعده وبارت . فضاعت البساتين ومواردها ، كما ضاعت الأراضي في مشروع اثبتت الأيام انه مشروع وهمي ، لتعنت إقطاعيي بيروت بعرقلة تشغيله ، بتواطىء مع المليشيات المسلحة على مختلف إنتماءاتها وشعاراتها ، إذ ان المعرض قد انتهى العمل من تجهيزه بداية العام 1975 وحُدد افتتاحه في حزيران من نفس العام لتنفجر حرب السنتين قبل شهرين من تدشينه وذلك بتخطيط من الإقطاع المالي في العاصمة وجوارها المعارضة لافتتاحه على غير رضاها . إذ اعتبرته مضراً بمصالحها ووكالاتها الحصرية في بيروت لمختلف أنواع السلع التي يعتمدن على تصريف معظمها في طرابلس ومحافظة الشمال .ولو افتتح هذا المعرض وقتذاك فإن تجار طرابلس كانوا سيستغنون عن تجار العاصمة ليستوردوا مباشرة من الشركات العارضة في المعرض بأقل من أسعار تجار العاصمة بنسبة بمعدل خمسون بالمئة وما فوق . عدا عن أن تشغيل المعرض سيستقطب عشرات الآلآف من مختلف أنحاء العالم سيوصون بطلباتهم التي ستكون على حساب مصالح الإقطاع المالي في الحد من أرباحهم ، لذا تعاقدوا مع بعض المليشيات المسلحة لتفجير حرب السنتين وسرقة محتويات المعرض وتجهيزاته بأكملها لتعطيل تشغيله .
وبالفعل انتهت الحرب وعجزت الدولة عن تأمين المال اللازم لإعادة تجهيز المعرض وتشغيله خوفاً من تجدد الحرب لتقيم فيه قوات الردع العربية المؤلفة من الجيش السوري وتجعله ثكنة عسكرية لها ، بما قطع الأمل من تشغيله نهائياً .
ومع خروج القوات السورية من لبنان في العام 2005 فإن الدولة اللبنانية لاتزال على امتناعها من تشغيله ، إلا أنه كان قد تم تأجيره في العام 2004 لشركة "هوليدنغ"الصينية بمبلغ مليون دولار سنوياً بشراكة مع بعض وكلاء البضائع الصينية في لبنان منذ خمسينات القرن الماضي ، فجن جنون الإقطاع المالي المتحالف مع المليشيات الشعوبية لتبدأ أعمال الإرهاب في مدينة طرابلس دون توقف الى حد القصف من جبل محسن للمدينة ، الموالي للمليشيات الشعوبية ، بتناغم مع مجموعات مسلحة ممولة في التبانة من نفس الإقطاع المالي لتتناغم مع قصف الحبل لاعطائه شرعية إستمراره بحجة الدفاع عن المدينة ، بما لاحاجة له مطلقاً مع وجود الجيش اللبناني الذي حسم المعركة مؤخراً خلال أيام ووضع حد لهذه المأساة الدموية التي أوقعت آلآف القتلى والجرحى على أسس مذهبية طائفية شعوبية بغيضة لم تعرفها طرابلس في تاريخها القريب والبعيد لحسّها العروبي الوطني .
وكانت أشرس معركة عدائية ضد المدينة قد جاءت مع إعلان الشركة الصينية ، المشار اليها أعلاه ، انها خلال اسابيع ستعمد إلى افتتاح المعرض للبضائع الصينية مما زاد من أوار القصف من جبل محسن . ولم يتوقف إلا بعد أن اعلنت الشركة الصينية انه لم يعد لها من مصلحة لافتتاح المعرض نظراً لانتشار الإرهاب والقصف وتردي الأمن في المدينة، لينتهي القصف على إثرها وتنسحب المليشيات الطائفية من الجبل مع بداية عهد حكومة تمام سلام .
وأهمية المعرض الصيني الذي حاربته المليشيات المسلحة العدوانية المافياوية شريكة الإقطاع المالي الحاكم ، هو أنه كان قد أعلن بأنه سيصبح ممثلاً تجارياً للشركات الصينية لجميع دول البحر المتوسط وكافة الدول العربية وجزء من افريقيا وأوروبا ، بحيث انه إذا توجه احد التجار من هذه الدول المحددة للصين لاستيراد سلعة ما، فإنهم يمتنعون عن بيعه وإعادته الى معرض طرابلس لشراء حاجاته بعد فتح الإعتمادات اللازمة .
إلا أن أرباح المعرض بما سيجلب من آلاف الزبائن للشراء منه عدا مئات الاف السياح كل عام من مختلف الجنسيات ، سيحقق عشرات الملايين من الدولارات بدءاً ومن ثم مئات الملايين بعد سنوات ثلاث ، مما اغضب المليشيات المسلحة لان لاحصة لها فيها فعمدت الى تعطيل مشروع الشركات الصينية قصداً بتفجير الوضع في طرابلس على حساب دماء الشهداء الأبرياء وتدمير البيوت دون وازع أو ضمير .
ا-لذا فإن افضل الخطط لتشغيل المعرض وقد إستتبب الأمن هو أن تقوم مجموعة مليئة بدعم من النواب الثلاث ، ميقاتي ، صفدي ، فاضل ، متحدين أو منفردين ، بتأسيس شركة تجارية تضم بعضاً من أبناء المدينة تقوم باستثمار المعرض بنفس السعر الذي سبق ان استأجرته الشركة الصينية وهو مليون دولار سنوياً لتشجيع استثماره ، على أن تعمد هذه الشركة الى استقدام الشركات العالمية من كافة انحاء العالم كوكلاء لها ، خاصة الشركات الصينية مما سيخلق الآف فرص العمل ، بشكل مباشر وغير مباشر ، من آلاف المحلات التجارية والمؤسسات في طرابلس وسائر محافظة الشمال التي سينشط عملها مع توفر السياح بمئات الالآف سنوياً ،مما سيعيد مجد مدينة طرابلس التجاري والإقتصادي كما كانت قبل مئات الأعوام حيث كانت تضم الكثير من الفنادق والخانات التي اختفى معظمها لانتفاء السياح .
ب-كما أن هناك خطة أخرى وهو إجراء مزايدة عالمية لتأجير المعرض حيث سيجذب ذلك عشرات الشركات الأجنبية لما سيحقق المعرض من أرباح كبيرة ، على ان يشترط على المستثمرين جذب الشركات الصينية بشكل رئيسي ومن ثم باقي الشركات الغربية .
كانت تلك مجرد أفكار لتشغيل معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس بشكل دائم دون انقطاع طوال العالم . ولن ادخل في التفاصيل ولا في كيفية جنى الأرباح لان المستثمرين المخضرمين والشركات المعنية بهذا الأمر أكثر خبرة مني في التطبيق على الأرض بما لديهم من أموال وتسهيلات مصرفية ، إلا أنه بالإمكان بدءاً جذب جميع وكلاء السيارات لعرض سياراتهم الجديدة المستوردة ، كما تخصيص جناح ضخم للموبيليا التي اشتهرت بها طرابلس من مختلف انحاء لبنان .
وسعرتعويض الإشغال التشجيعي لعرض البضائع والسلع داخل قاعات المعرض هو من يجذب جميع الشركات في لبنان وخارجه لعرض منتوجاتهم المتنوعة ، كما ويجلب الزبائن والسياح من مختلف بلدان العالم عدا الداخل اللبناني .
مطلوب فيدل كاسترو فورا للعمل في مصر بشروط مغرية 1
كنت دائما اقرأ فى الصحف الأجنبية أن خطابات الرئيس فيدل كاسترو تمتاز بالطول المبالغ فيه حيث أنه يظل يخطب فى الناس لثلاثة ساعات متواصلة بلا راحة ولا إنقطاع. وهذا النوع من الخطابات متوافر بشدة فى الدول الإشتراكية حيث أن النظرية الإشتراكية تفترض فى الجمهور جمعا من العمال والفلاحين البسطاء من ناقصي التعليم ومن حرموا من الثقافة العامة ولذلك ينبغي على القائد الإشتراكى الحق أن يضمن خطابه الجماهيري قدرا لا بأس به من التعليم والشرح لقضايا المجتمع الثورى سواء الداخلية أو الخارجية والمتعلقة بكافة شئون إدارة الديالكتيك (الجدلية) الثورية التي تهدف إلى أن توصل الكفاح الشعبي البطل إلى غايته من بناء مجتمع الرخاء والسلام حيث لا يستغل الإنسان أخاه الإنسان إلخ...
وهذا الكلام الذى نضحك عليه الآن ونتهكم من ألفاظه الضخمة ومحتواه الهزيل ليس فى حقيقته تافها كما يبدو..
فهذا الكلام يتم تنفيذه فى المجتمعات الإشتراكية بهذه الطريقة ولكنه ينفذ أيضا فى المجتمعات الديموقراطية بنفس القدر من الحرص والعناية ولكن بطريقة كامنة لا تظهره كما هو الحال فى مجتمعات الثورة الإشتراكية.
ولولا هذا الكلام لما فاز شخص لا يزيد معامل ذكائه IQعن 15 بأكبر قدر من الاصوات الإنتخابية المباشرة popular voteفى التاريخ الأمريكي كله فى إنتخابات الرئاسة فى الولايات المتحدة عام 2004.
فى زيارة كيسنجر الأولي للصين عام 1971 تحضيرا لزيارة الرئيس نيكسون قابله رئيس الوزراء شواين لاي فى المطار واصطحبه فى نفس السيارة إلى مقر إقامته. وقد روي كيسنجر فى مذكراته أن أول شىء لفت نظره فى شوارع بكين كان القدر الكبير من صحف الحائط المعلقة علي الجدران بالإضافة إلى اللافتات المكتوبة باللغة الصينية والتي كانت منتشرة فى كل الشوراع تقريبا. وقد سأل مضيفه بالفعل عنها فرد عليه رئيس الوزراء بقوله هذه هي وسيلتنا فى الإتصال بالجماهير والتواصل معهم. أليس لديكم فى الولايات المتحدة سبل للإتصال بالجماهير؟ فرد عليه كيسنجر بسرعة: بالطبع لدينا الصحافة والتليفزيون. فرد عليه لاي ونحن أيضا لدينا هذه الوسيلة، ولكل مجتمع وسيلته للتواصل مع قيادته.
والحقيقة أن كيسنجر لم ينتقد ذلك فى كتابه بل علي العكس أثني علي ذكاء رئيس الوزراء الصيني وقوة ملاحظته التحليلية.
ففي الديموقراطيات يكون الأثر السياسي للإعلام أكبركثيرا مما هو فى الدكتاتوريات. فالديموقراطية توجب على من يريد ترشيح نفسه أن يحاول إيجاد رضا الناخبين بكل الوسائل. والناخبون بدورهم لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا خبايا القضايا وأسرار الحكم والدولة، بل هم فقط يريدون الإطمئنان على مستقبلهم الذي يودعونه بين يدي المرشح لو أنه فاز.
وكيف يمكن للناخبين أن يحصلوا على هذا الشعور بالإطمئنان إن لم يكن عن طريق ما يقدمه الإعلام من تغطية ومعلومات؟
ولهذا فإن نفوذ الإعلام علي السياسة فى الديموقراطيات هو من الأركان الرئيسية التي تبني عليها تلك النظم، وهو ما دفع البعض إلى تسمية الصحافة السلطة الرابعة إلى جانب سلطات الدولة الثلاث المعروفة.
وقد حرصت جميع الديموقراطيات بلا إستثناء على إدراج مصطلح حرية المعلومات والحق فى الحصول عليها ضمن الحريات والحقوق الأساسية التي لا تفريط بشأنها ولا تنازل عن ممارستها. والسبب فى ذلك جد واضح، وهو ألا تتكرر ماساة الحروب الهائلة التي كان مبناها مخادعة الجمهور الجاهل ووعيده بأشياء غير واقعية أو لا يمكن تنفيذها إلا عن طريق الإجرام، كما وقع فى المانيا وإيطاليا واليابان، وأيضا الولايات المتحدة فى جنوب شرق آسيا.
وقد شهدت ألمانيا عددا لا باس به من قضايا تعارض الإعلام مع السياسة وخرج من معظمها الإعلام منتصرا على السياسة مستندا إلى رغبة شعبية حقيقية فى المعرفة والإطلاع مضافا إليها أمانة فى نقل المعلومات من جانب الإعلام الذى يقع بالكامل فى يد القطاع الخاص.
فهناك قضية مجلة دير شبيجل ضد الحكومة الألمانية وبالذات وزير الدفاع فرانس يوزف شتراوس.
وهناك قضية دار أكسل شبرنجر للنشر ضد حكومة فيللي براندت.
وهناك قضية مجلة دير شبيجل مرة أخرى ضد السياسي فرانس يوزف شتراوس.
ثم هناك قضية دير شبيجل ضد المستشار الألماني هلموت كول.
وكل هذه القضايا كانت تدور حول نقطة حق الإعلام فى النشر وحق الحكومة فى رسم السياسات بطريقة منفردة.
وقضية دير شبيجل ضد فرانس يوزف شتراوس كانت أبرزها وأعمقها وأكثرها تأثيرا.
ففى قمة الحرب الباردة وقعت أزمة صواريخ كوبا عام 1962 وباتت البشرية على شفا حرب نووية لا ولن تبقي على أخضر أو يابس. وبالطبع فإن ألمانيا البلد المقسوم بالأسلاك الشائكة ومحطات ضرب النار التي تدار أوتوماتيكيا عند أول بادرة إختراق كان أول بلد سيعاني من تلك الحرب حيث أن الالماني كان يقف مستعدا بكامل سلاحه ليقتل به شقيقه الألماني على الجانب الآخر من الستار الحديدي.
وقد تقصت مجلة دير شبيجل التي يشتهر عنها دقة معلوماتها ونفاذها إلى معظم دوائر المجتمع، تقصت وعرفت بوجود قصور كبير فى دفاعات المانيا الغربية وأن الجيش الغربي - الذى كان عمره وقتها لا يزيد عن سبع سنوات – ليس مستعدا بأي شكل من الاشكال لخوض الحرب إن هي وقعت وأن هزيمته سوف تكون نكراء لا هوادة فيها. وقبل أن تنشر المجلة هذه المعلومات أخذت رأي واحد من ألمع أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي فى البرلمان وهو البرلماني هلموت شميدت عن هامبورج، وقد شطب من المقال ما رآه ماسا بالأمن القومي وأجاز النشر بناءا على علمه بالأمر ومعرفته بدرجات السرية المتعددة.
ونشرت الصحيفة المقال ........وقامت بعدها القيامة..
قمة العشرين والمساهمات المالية السعودية ؟!
تأليف : محمد السويسي
تشرك الولايات المتحدة الأمريكية المملكة العربية السعودية من بين كل الدول العربية في قمم العشرين نظراً لثرائها ، فقط من أجل نهب اموالها حيث ساهمت المملكة ب/15/ مليار دولار في مؤتمر القمة الأخير الذي انعقد في بريزبن استراليا منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2014 ، التي سينفق معظمها لدعم الإقتصاد الأوروبي بدفع رواتب الموظفين الحكوميين ونفقات التأمينات الإجتماعية في منطقة اليورو بعد أن تم تهريب الرساميل في هذه الدول من قبل الصناعيين لتوظيفها في الصين وآسيا والمانيا .
وكان على السعودية الا تدفع اي مساهمة في مؤتمر القمة هذا او أي قمم أخرى إذ لامشاركة لها في القرار السياسي الأمريكي بالشأن العربي كما هو لإيران التي لم تشركها أمريكا عمداً من اجل توفير المال لتنفيذ المشروع الأمريكي في العراق وسوريا وسائر المنطقة العربية لتفتيت جيوشها وتقويض اقتصادها .
إن الإطلاع على مناقشات ومقرارات قمة العشرين الحالية والتي سبقتها تشعرك بالذهول والإحباط معاً لمأساة أوروبا بما آلت إليه أحوال مواطني منطقة اليورو من تدهور إقتصادي نتج عنه الفقر والبطالة والضائقة المعيشية التي لم تكن متوقعة ؛ بل كان المتوقع من هذه القممم أن تنهض بالشعوب الأوروبية نحو مزيد من الرفاهية مع إزالة الحدود وتوحيد النقد ، في نفس الوقت الذي لازالت الأزمة المالية الأمريكية تراوح مكانها مع تصاعد سلبياتها وتأثيراتها على الوضعين الإقتصادي والمعيشي في أمريكا والعالم .
وهنا يتساءل المواطن العادي كما معظم الإقتصاديين عن أسباب تفاقم هذه الأزمات وتصاعدها في الدول الغربية على متانة إقتصادها وعظمتها رغم مرور سنوات ومحاولات عدة لإصلاح هذه الأزمة . إلا أن الفشل كان رائد هذه المحاولات بما لم يعد مقبولاً مع تفاقم البطالة والمصاعب والإحتجاجات .
والسؤال المهم الذي يطرحه العامة قبل المتخصصين هل ان حكومات أمريكا وأوروبا عاجزتان عن حل هذه المشاكل والمصاعب ؟
والجواب ، إنه ليس هناك من مشكلة إقتصادية لايمكن معالجتها شرط توفر الإستعداد للعمل من قبل أصحاب المشكلة والقرار . ومن هذا المنطلق فإن مخططي الإستراتيجة المالية والإقتصادية في وول ستريت بشراكة مع المانيا ودعم من الصين يرون في هذه الأزمة حلاً لمستقبل الإقتصاد الغربي لا أزمة كما قد يعتقد البعض من غير اهل الإختصاص ؟!
كما ويرون فيها بداية إجراء وقائي ومعالجة ضرورية لإعادة هيكلة الإقتصاد العالمي تجنباً لمشاكل مستقبلية عدة ، مع تعذر تفجير حرب عالمية ثالثة ، تصب جمعيها في تجنب الفائض الصناعي وتراكم الإنتاج الصناعي بما يزيد عن حاجات الإنسان رغم تنوع السلع الإستهلاكية .
لذا فإن إجتماع قمة العشرين الحالي الذي انعقد في مدينة بريزبن في استراليا ، وكذلك الذي سبق ان انعقد في المكسيك في 18و19 يونيو/حزيران برغبة أمريكية إنما رمي إلى تطبيع الخطة الألمانية - الأمريكية في اجتراح خطط مغايرة للخطط الإقتصادية التقليدية . وما مؤتمر قمة العشرين الذي سبق ان انعقد في المكسيك إلا محاولة لإقناع دول منطقة اليورو للمحافظة على اليورو والمنطقة وعدم تفكيكها مقابل مساعدات مالية من الدول المشاركة ، بدعم رئيسي من ألمانيا ، ببضع مئات من مليارات الدولارات للصناديق الحكومية للقيام بواجباتها الإجتماعية ودفع مستحقات القطاع العام .
إلا أن الهدف الأساسي من جمع المال في كل مؤتمر قمة يعقد ، إنما يرمي الى مساعدة المؤسسات المصرفية بشكل رئيسي يتقدم على مساعدة الصناديق الحكومية بما هو مخطط له في إعادة صياغة الإقتصاد العالمي الجديد وفقاً لما سآتي اليه في الشرح والتفصيل .
الدور الأمريكي : لقد بدأت الولايات المتحدة في وضع الخطط الإقتصادية والمالية الجديدة مع إستشعارها بخطر النمو الإقتصادي الصيني وتوسعه في العالم بأسعاره الإغراقية المذهلة مع الربع الأخير من القرن العشرين بما لايمكن مواجهته إلا بحرب عالمية ذرية تستهدف الصين بشكل رئيسي أو اعتماد التفاهم معها والسعي لاستغلال الأيدي العاملة الصينية الرخيصة في موطنها بأموال أمريكية في محاولة للإستفادة من طوفان الإنتاج الصيني بمحاولة احتوائه .
ولم يكن الأمر معقداً مع بدء المفاوضات بهذا الشأن إذ رحب الصينيون باستثمار رؤوس الأموال الأمريكية في الصين وكذلك الأموال الأوروبية ، تفادياً للصدام معهم ، على غيرماكانوا يتوقعونه .
مقررات قمة العشرين في المكسيك : إن مقررات هذه القمة تشعرك بالذعر والأسى على مستقبل أوروبا الصناعي وتعذر نهوض دول العالم الثالث وما سيؤول إليه الأمر من تنام للفقر والبطالة وتراجع المستوى المديني والمعيشي ، مع الإصرار على رفع رسوم الحماية الجمركية عن المستوردات من دول أوروبا في نص صريح واضح مما يدل على إصرار الرأسمالية العالمية على تنفيذ مخططاتها بتوجيه الإقتصاد الجديد الذي يجب أن تتخلى فيه المجتمعات الأوروبية عن البحبوحة التي عاشتها شعوبها ، بفضل مشروع مارشال وقتذاك ، لنصف قرن من الزمن منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأمس مع تنامي ارتفاع الأجور وتزايد أسعار السلع التي لم تعد تتلائم ومنافسة أسعار السلع الصينية الرخيصة الثمن التي لايمكن مواجهتها إلا بتخفيض أجور اليد العاملة في العالم الغربي قاطبة .
وبما أن الإتحادات العمالية ، كما تكاليف مستوى المعيشة ومتطلباتها ، لاتسمح بتخفيض الأجور الى الحد الملائم لمواجهة الصين ، كما رأينا في اعتصامات اليونان وتظاهراتها في وقت سابق ، فإن الرأسمالية الأمركية في قمم العشرين الماضية قد استحصلت على مساهمات من الدول المشاركة بقيمة 450 بليون دولار توضع بتصرف صندوق النقد الدولي لإنشاء صندوق إنقاذ لمنطقة اليورو ، لمساعدة صناديق الدول المتعثرة ومصارفها في محاولة يائسة لمنع تفكك منطقة اليورو .
إلا أن هدف صندوق الإنقاذ الأساسي ليس مساعدة موازنات دول منطقة اليورو المتعثرة فحسب ، وإن كان مجبراً على ذلك وفق شروط معقدة مجحفة ، بل مساعدة المصارف الأوروبية لإقراض الأفراد والمؤسسات والشركات لمشاريع منتجة تحد من البطالة ، ولكن بتوجه رئيسي غير معلن يهدف إلى دعم القطاع الزراعي والتوسع فيه لإعادة إحياء الإقطاعات الزراعية الضخمة والمتوسطة لسد احتياجات القرى للنهوض بها كما قبل الثورة الصناعية الكبرى بداية القرن الثامن عشر ؛ كما وأيضاً سد حاجات الزراعات العائلية الصغرى في محاولة للوصول الى أدنى حد للأجور خلال عقدين من الزمن مع الإكتفاء الذاتي بالإعتماد على النفس مع اختلاف متطلبات الريف عن المدن في توسع الإنفاق مع تعدد الحاجات .
وقد هيأت الرأسمالية العالمية تنفيذ هذا التوجه واستبقته برفع أسعار الحبوب لعدة أضعاف بما يغري سكان القرى على العودة للزراعة والتوسع فيها مع إرتفاع أسعارها . وتلك أفضل طريقة برأيهم لمواجهة التمدد الصناعي الصيني ومحاربته مع اتباع نهجه الزراعي وطرقه في سد حاجات الفرد للحد من توجه أبناء الريف نحو المدن الصناعية بما يزيد عن طاقتها الإستيعابة وبالتالي بوار الأرض الزراعية وخراب القرى .
إنطلاقاً من هذا التوجه للرأسمالية العالمية نحو إعادة إحياء المجتمعات الزراعية على أنواعها بمضمونها الإقطاعي والعائلي والفردي بقوانينه وعاداته ، فإنه يهدف إلى إعادة تموضع الديمغرافية السكانية وتشكيلها في كل دولة بشكل إنمائي متوازن قدر الإمكان . إذ أن التوجه الصناعي المكثف قد ولد إنفجاراً سكانياً في المدن انعكس أزمة في السكن والسير بما لايطاق ، وبالتالي تضخم الأجور وتفشي البطالة والفلتان الأمني وارتفاع الجريمة بما يخرج عن نطاق السيطرة .
من أجل ذلك سعت ألمانيا بتفاهم مع وول ستريت إلى مزيد من الضغط على أوروبا بمحاولة إيجاد آلية من خلال إتحاد مصرفي اوروبي للتدخل في ضبط موازنات دول منطقة اليورو لقاء منحها المساعدات المالية لسد العجز ،على أن تترافق مع إصلاحات بنيوية وإدارية وقضائية للتشدد في ملاحقة الممتنعين عن دفع الضرائب وفق سياسة تقشف صارمة مدروسة تهدف الى التخفيف من أعداد الموظفين لصرف مئات الآلآف منهم ودفعهم نحو الريف حيث مواقعهم الأصيلة قبل نزوحهم للمدينة وإقامتهم فيها للبحث عن عمل .
وهي خطة علاجية إستئصالية يصرون عل تمريرها وإقرارها لمعالحة الأزمة الإقتصادية في مواجهة الصين ، رغم وجود خطط بديلة أكثر ملائمة يتجاهلونها لأنها تقتضي مساهمة الأثرياء في إنجاحها بما تقتضي من العودة للضرائب بنسب تصاعدية ملائمة على الأرباح كما وفرض الحماية الجمركية على المستوردات ، وهذا أيضاً يرفضونه لأنه لايتلائم مع مصالحهم التجارية والصناعية .
لذا فإننا ،إيجازاً لما مر معنا أعلاه ، فإننا مقبلون في المستقبل القريب على مجتمع زراعي أوروبي أمريكي واسع مع حصر الإنتاج الصناعي بشكل رئيسي في المانيا والصين حيث ستنحصر التوظيفات الرأسمالية الأوروبية الأمريكية الضخمة فيهما .
الغارة على العالم الإسلامى-2
مطلوب فيدل كاسترو فورا للعمل في مصر بشروط مغرية 2
كان وزير الدفاع هو السياسي البافارى القوي فرانس يوزف شتراوس. وكان عمره وقتها يقارب الخمسين عاما وله ماض سياسي لامع فى السياسة المحلية فى بافاريا حيث كان الحزب الذى أسسه يتمتع بأغلبية مطلقة فى برلمان تلك الولاية. وشتراوس رجل حاد الذكاء سريع البديهة منطلق الكلمة وله نظرة ستراتيجية ثاقبة وكان هو المرشح المرتقب لتولي منصب المستشار بعد تقاعد المستشار العجوز كونراد آديناور الذى كان قد إقترب من التسعين من العمر. وقد أغرت كل تلك العوامل شتراوس بغواية السلطة فطلب من المستشار أن يتصرف بمفرده وأن يمنحه التفويض بذلك، وحصل بالفعل عليه تليفونيا.
أصدر شتراوس أوامره بإغلاق صحيفة دير شبيجل بمقتضي سلطة لا يملكها وزير الدفاع وكذلك أمرا بضبط وإحضار مؤسس الصحيفة وصاحبها ورئيس التحرير خصمه اللدود رودولف آوجشتاين وكذلك الصحفى الذى حرر المقال وأجرى اللقاءات مع ضباط الجيش الألماني. وكان الصحفي يقضي إجازة فى إسبانيا فاتصلت الحكومة الألمانية بالسلطات الإسبانية طالبة توقيفه وإعتقاله وإعادته إلى ألمانيا. وقد تم ذلك بالفعل. ولكن عندما عاد الصحفي إلى ألمانيا وعرض على النيابة بتهمة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة وتعريض مصالحها للخطر، هو ورئيس التحرير، إشتعلت الدنيا خارج مبني النيابة وقامت المظاهرات تطالب بالكف عن تدخل الدولة فى شأن النشر الصحفي وكانت تنعي على الألمان فقدانهم لحريتهم فى المعلومات وأن هتلر الجديد أضحي على الأبواب علي هيئة وزير دفاع يدعي شتراوس وكان المجتمع فى حالة شبه ترقب لأي شرارة تؤدي لإشعال نيران المعارضة حيث أن الجيل الذى حضر الحرب العالمية رجالا ناضجين لم يكن يريد إفساح الطريق للأجيال التي تليه وكان يتمسك بإدارة مرافق الدولة على نفس النهج القديم الذى كان متواجدا منذ العهد القيصري المحافظ.
وعند فحص الإتهام تأكدت النيابة أن النشر لم يهدر أي أسرار عليا للدولة (كان هلموت شميدت قد تكفل بذلك عندما راجع المقال قبل نشره) وبالتالي سقطت التهمة عن الصحفيين وأخلي سبيلهما. ولكن...
ولكن شتراوس أصبح هو المتهم الأول بالتعدي على الأسس الديموقراطية للمجتمع وعلى الدستور وبتجاوز السلطة وبتدخل المؤسسة الدفاعية فى الحياة المدنية. وفي خطاب أبيه الروحي آديناور فى البرلمان حاول أن يدافع عن شتراوس ويبرر لجوئه إلى تلك الإجراءات الدراكونية فقال عبارته الشهيرة
Wir haben einen Abgrund von Landesverrat im Lande!!
وهي ما يمكن ترجمته إلى "إن لدينا هنا هوة سحيقة من خيانة الوطن!! وقد كان بالطبع يقصد مجلة دير شبيجل، فقاطعه الأعضاء من صف المعارضة وهللوا وضحكوا من كلامه وكان موقفه محرجا للغاية. وقد إضطر شتراوس للإستقالة والتضحية (مؤقتا) بأحلام المستشارية وخلافة آديناور حيث أنه لم يذكر أنه قد حصل على تصريح من آديناور بالقيام بهذه الإجراءات حماية لمكانة أبيه الروحي وكذلك أنكر آديناور أنه أعطاه الإذن، ولم يعرف الناس هذه الحقيقة إلى بعد ذلك بوقت طويل.
وكانت هذه آخر مرة تتدخل فيها الدولة فى عمل الصحافة فى المانيا الإتحادية وهي تحتفظ منذ يومها بموقف المتفرج على ما تنشره الصحافة الحرة المملوكة للقطاع الخاص.
والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكل الدول الديموقراطية لا تخرج الممارسة العامة فيها عن هذه القاعدة التي إستقرت عقب قضية دير شبيجل وأضحت تقليدا دستوريا وقانونيا فى كل الغرب.
وهذه الصحافة الحرة المتنافسة فيما بينها والمنحازة إلى هذا الحزب السياسي أو ذاك هي ما أطلق عليه هنري كيسنجر فى حديثه مع شواين لاي وسائل إتصالنا بالجماهير أو المواطنين.. أي أنها لا تتبع الدولة ولكن الدولة تتابع ما ينشر فيها ولا تتدخل.
ولهذا الغرض نجد الخطب السياسية فى الغرب شحيحة وقصيرة. فالسياسيون المنتخبون لا يتحدثون بطريقة مباشرة للشعب إلا فى مناسبات قليلة مثل إعلان حالة التأهب أو إعلان منطقة كوراث أو التهنئة بعيد الميلاد أو العيد القومي أو حالة الإتحاد فى أمريكا وكلها أمور إما طارئة أو معروفة مسبقا. أما الأمور التي يشتد فيها النزاع السياسي فيترك أمرها للإعلام ليقوم بإبلاغ الشعب بها من كافة وجوهها وتبعا للميل السياسي لتلك المحطة أو تلك الصحيفة مثل التأمين الصحي فى أمريكا أو تفويض الجيش الألماني فى حروب خارجية فى ألمانيا إلخ..
والآن نعود إلى مصر..
وأول سؤال يخطر علي الأذهان هو: ما علاقة كل ما سبق بمصر أولا وبالرئيس كاسترو ثانيا؟
والجواب هو أن ما سبق كان الهدف منه بيان أن الإتصال بالجماهير والمواطنين من كل الأعمار والطبقات الإجتماعية هو مما لا يستطيع أي نظام سياسي أن يستغني عنه بل يجب أن يحافظ على بقائه بنسبة 100% إن أمكن. وكل خصم يقع على هذه النسبة هو خطر على النظام بنفس النسبة بل وربما بنسبة أعلي منها.
وأهم سبب أدي إلى إنهيار وفشل نظام حسني مبارك كان إغفال اهمية تلك الحقيقة الأسايسة الحيوية الهامة. فعلي مدي 30 عاما قضاهم حسني مبارك فى الحكم لم يعرف عنه أبدا أنه خاطب الشعب أو حاول أن يقضي وقتا ملموسا فى شرح أبعاد القضايا السياسية لهذا الشعب.
كذلك لم يغير المجلس الأعلي للقوات المسلحة من ذلك الوضع العقيم شيئا، بل ظلت طريقة الحكم تسير علي نهج حسني مبارك من إهمال القيام بهذا الواجب الهام.
أما حكم الإخوان والرئيس محمد مرسي فقد جاء أكثر كارثية حيث أنه لم يقم بتوجيه خطاب واحد فقط بطريقة عامة للناس، بل كان يتوجه بخطابه فقط إلى جماعته وأنصاره وكأن هذا هو كل ما يعنيه. كما أنه كان يرسل المراسيل والمندوبين إلى عواصم الدول الغربية الكبري ويعني جدا بالحديث إليها والإصغاء إلى صوتها بينما لم يكن يهتم بالحديث إلى من قاموا بانتخابه ومن أعطوه سلطته بل ومن يدفعون مرتبه!!! الوحيد الذى حصل على أغلبية – ولو ضئيلة للغاية – فى إنتخابات حرة وليس بها تزوير. وبما أن نسبته كانت فى حدود أقل من 52% فقد كان لزاما عليه أن يحاول تحسينها بالتقرب من الناس وخطب ودهم وشرح مواقفه السياسية وعرض أفكاره ولو دقق محمد مرسي فى الأمر لأدرك أنه كان الرئيس إن كانت لديه أفكار.. ولكنه كعادة كل من تربي فى عهد حسني مبارك أهمل أداء ذلك الواجب، ولهذا لم يقف أحد ممن قاموا بانتخابه إلى جانبه حين حلت ساعة أجله السياسي.
والرئيس السيسي ليس له موقف واضح من هذا الأمر حتي الآن رغم أنه فى الحكم منذ نصف عام تقريبا.
وهكذا إنقضي ثلث قرن بالتمام والكمال منذ أن تحدث رئيس مصري إلى شعبه مصارحا ومكاشفا وشارحا وطالبا منه تضحية أو مواقف، وهو الرئيس أنور السادات الذى خاطب الشعب لآخر مرة قبل مقتله عام 1981- سواء كان علي حق أو على باطل - لكنه قام بأداء هذا الواجب الهام ولم يهمله.
وإذا كنا نتهكم أحيانا على رؤساء النظم الإشتراكية مثل فيدل كاسترو فى أنهم يطيلون الحديث جدا للشعب ويستفيضون فى عرض وجهات نظرهم، فلعمرى هذا أفضل كثيرا من النظم التي مرت بمصر منذ عام 1981 والتي لم يهتم رؤساؤها إلا بالحديث مع العالم الخارجي وأهملوا القيام بواجبهم الأساسي.
«الورقة الأميركية» رقماً في معادلات إيران الداخلية
يفصلنا أسبوع واحد عن انتهاء المهلة التفاوضية بين إيران والدول الست الكبرى حول الملف النووي الإيراني، وفي هذه الأيام تتزاحم آمال الطامحين في التوصل إلى حل سلمي مع أمنيات الراغبين بفشل المفاوضات. ولا تقتصر تلك الآمال والأمنيات على الأطراف المتفاوضة، بل تمتد إلى الساحة الإقليمية التي تترقب النتيجة بقلق كبير. ومرد ذلك أن نتيجة هذه المفاوضات، التي تضع واشنطن وطهران في مواجهة بعضهما البعض تفاوضياً، ستؤثر تأثيراً ملحوظاً في موازين القوى في المنطقة، إما بتقنين حضور إيران الإقليمي أو محاصرته أكثر. ومع أهمية البعد الإقليمي في المفاوضات الإيرانية - الأميركية، يُظهر تقليب النظر في مسار العلاقات الإيرانية - الأميركية خلال العقود الماضية أن «الورقة الأميركية» لا تقتصر أهميتها فقط على البعد الإقليمي، بل تمتد في الواقع إلى عمق المعادلة الداخلية الإيرانية. وكشفت أحداث السنوات الخمس والثلاثين الماضية أن «الورقة الأميركية» كانت - وما زالت - وسيلة ممتازة بيد التيارات السياسية المتنافسة لحشد الحلفاء ومحاصرة الخصوم، وقلب المعادلات الداخلية الإيرانية. وإذ حلّت هذا الشهر ذكرى احتلال السفارة الأميركية في طهران العام 1979، تلك التي افتتحت لأول مرة لعبة «الورقة الأميركية» في معادلات إيران الداخلية، يصبح ضرورياً تحليل الكيفية التي لُعِبَت فيها هذه الورقة من وقتها وحتى الآن؛ للخروج باستنتاج مهم حول السيناريو المرجح لنتيجة المفاوضات مع انتهاء المهلة التفاوضية الأسبوع المقبل.
احتلال السفارة الأميركية
ومفاصل الدولة الإيرانية
افتتح احتلال السفارة الأميركية في طهران في الرابع من تشرين الثاني العام 1979، فصلاً جديداً من العلاقات الإيرانية - الأميركية. حينذاك كانت الثورة الإيرانية قد انتصرت، وهرب الشاه من إيران وعاد الإمام الخميني إلى بلاده من منفاه، وتم تحييد الجيش وشكلت الحكومة الانتقالية لإجراء الاستفتاء على الجمهورية. في هذه اللحظة التاريخية وجدت العملية السياسية وعملية التغيير الثوري نفسهما في أزمة مستحكمة، كان عنوانها المؤسسي الصراع بين مجلس الثورة الموالي للإمام الخميني والحكومة الانتقالية بقيادة مهدي بازركان. أما العنوان السياسي البارز وقتها فكان الصراع الدائر بين أنصار نظرية «ولاية الفقيه» بقيادة الإمـام الخمـيني من ناحية، وباقي التيارات السياسية الإيرانية المعارضـة للنظرية، وعلى رأسها التيار القومي الليبرالي والتيار اليساري بتنويعاته، من ناحية أخرى. يومها اندفع مئات من «الطلبة السائرين على خط الإمام» إلى داخل السفارة الأميركية، متخذين من الديبلوماسيين الأميركيين رهائن. وبالتوازي مع احتلال السفارة، جرت تصفية كاملة لليسار من المشهد السياسي الإيراني، مع استبعاد الجناح القومي الليبرالي من الحكومة وإنكار دوره في انتصار الثورة. وبزخم احتلال السفارة ولعب «الورقة الأميركية»، تم تمرير ومأسسة «ولاية الفقيه» في الدستور الإيراني، فأحكم التيار الديني قبضته على مفاصل الدولة الإيرانية بالكامل.
«الورقة الأميركية»
من رفسنجاني إلى أحمدي نجاد
استمرت «الورقة الأميركية» جزءاً لا يتجزأ من صراعات إيران الداخلية، فبعد وفاة الإمام الخميني وتولي السيد خامنئي منصب الإرشاد، صعد رفسنجاني إلى منصب رئيس الجمهورية لفترتين متتاليتين (1989-1997). ومع نهايات فترته الرئاسية الثانية، جاهر رفسنجاني بأهمية تحسين العلاقات الإيرانية - الأميركية بغرض استعمالها كأداة، في ما بدا وقتها صراعاً مكتوماً بينه من ناحية وبين السيد خامنئي والتيارات المتشددة من ناحية أخرى. ثم عاد الأمر ليتكرر بطريقة أخرى مع انتخاب محمد خاتمي رئيساً لإيران العام 1997، خلفاً لرفسنجاني. حظي خاتمي وقتها بدعم قيادات «الطلبة السائرين على خط الإمام»، هؤلاء الذين تحولوا من اتخاذ الديبلوماسيين الأميركيين رهائن العام 1979 إلى المناداة بتحسين العلاقات مع أميركا في بداية الألفية الجديدة. هنا يبلغ التحليل الخاص بأهمية «الورقة الأميركية» في معادلات إيران الداخلية ذروة كفايته التفسيرية، إذ ان احتلال السفارة ثم المطالبة بعد عقدين بتحسين العلاقات مع أميركا من قِبَل الأشخاص ذاتهم، لا يعكس تحولاً عقائدياً أو «توبة فكرية»، بقدر ما يشي بمعاودة هؤلاء استخدام «الورقة الأميركية» استخداما مغايرا وبهدف واحد: تغيير موازين القوى الداخلية المائلة لمصلحة خصومهم المحافظين.
اللافت أن قيادة «الطلاب السائرين على خط الإمام» المحتلة للسفارة الأميركية العام 1979 ضمت كل قيادات التيار الإصلاحي المؤيد لخاتمي بعدها: إبراهيم أصغر زاده ومحمد رضا خاتمي وسعيد حجاريان ومعصومة ابتكار وحبيب الله بيطرف وعباس عبدي ومحسن ميردامادي وغيرهم. وبتقليب النظر في هذه الكوكبة من السياسيين، نلاحظ أن إبراهيم أصغر زاده كان من قيادات «حزب التضامن الإسلامي الإصلاحي»، أما محمد رضا خاتمي فهو شقيق الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي والزعيم التاريخي لـ«جبهة المشاركة الإصلاحية»، في حين أن سعيد حجاريان عمل في وزارة الاستخبارات أثناء فترة رئاسة خاتمي الأولى وتعرض لمحاولة اغتيال بعدما صار الدماغ الاستراتيجي في معسكر الإصلاحيين، أما معصومة ابتكار فقد كانت نائبة الرئيس خاتمي، فيما كان حبيب الله بيطرف وزيراً للطاقة في حكومة خاتمي الإصلاحية.
لم يكن توظيف «الورقة الأميركية» في تعديل التوازنات الداخلية الإيرانية حكراً على التيار الإصلاحي، إذ إن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد حاول بدوره استعمالها في توقيت داخلي صاخب. وقد بعث أحمدي نجاد بأكثر من رسالة رسمية إلى الجالس في البيت الأبيض الأميركي، وخاصة في فترة ولايته الثانية ابتداء من العام 2009 التي فَتُرَت فيها علاقته تماماً مع السيد خامنئي. لم تسمح المؤسسات الإيرانية المعادية لأحمدي نجاد وقتها بلعب «الورقة الأميركية»، فأطاحته من السلطة عملياً قبل انتهاء ولايته الرسمية. كما أن تصريحات أحمدي نجاد النارية ضد إسرائيل، كبحت قدرته الموضوعية على استعمال «الورقة الأميركية» بفعالية، مقارنة بخاتمي أو حتى رفسنجاني.
«الورقة الأميركية» في عصر روحاني
يمثل الرئيس حسن روحاني تطوراً نوعياً في لعب «الورقة الأميركية» بالصراع الداخلي الإيراني؛ فالرجل لم ينتظر حتى استقراره في كرسي الرئاسة ليستعملها كما فعل سابقوه، بل استخدمها مبكراً جداً في دعايته الانتخابية. وكان لافتاً أن يؤيد زعماء «الطلبة السائرين على خط الإمام» المرشح الوسطي روحاني بسحب المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف من السباق الرئاسي 2013، وبالتنظير لانفتاح إيران على أميركا. أيد الإصلاحيون روحاني، مثلما أيدوا خاتمي من قبله، وفي الخلفية هدف واحد: تعديل موازين القوى الداخلية في إيران في مواجهة المؤسسات المحافظة والعسكرية المعادية لهم. ومع زيارة روحاني إلى الأمم المتحدة بعد أشهر قليلة من انتخابه رئيساً، والمكالمة الهاتفية الشهيرة التي أجراها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته نيويورك، فقد كان اختراق روحاني الأكبر حتى الآن في العلاقات الإيرانية - الأميركية منذ حادثة احتلال السفارة الأميركية العام 1979. بالطبع لعب تغير البيئة الإقليمية في المنطقة وحضور إيران المتعاظم في الإقليم دوراً ملحوظاً في تسهيل الانفتاح على أميركا، إلا أن هذا الانفتاح لم يخلُ على الجانب الإيراني من أغراض داخلية. ومثّل الانفتاح على أميركا، بغرض إضعاف المؤسسات والتكتلات الراديكالية المنافسة، جانباً هاماً من سياسات روحاني حتى الآن. ويقول التقدير الواقعي لموازين القوى إنه برغم التقدم الذي أحرزه روحاني في هذا المضمار، فما زالت المؤسسات المحافظة تعرقل مساعيه بوسائل شتى، ولكنها لم تفلح مع ذلك في تخريب هذه المساعي حتى الآن. باختصار، ما زالت «الورقة الأميركية» أحد أمضى الأسلحة التي يمتلكها روحاني في مقابل خصومه داخل إيران.
الخلاصة
تعد «الورقة الأميركية» أداة مهمة لتعديل التوازنات الداخلية الإيرانية، وقاسماً مشتركاً في استخدامها بين رؤساء إيران على اختلاف ميولهم السياسية، سواء عبر التصادم مع واشنطن عند احتلال السفارة العام 1979، أو إطلاق دعوات التهدئة زمن رفسنجاني والحوار في عصر خاتمي والتفاوض من بعدها في عصر روحاني. لا يعني ذلك أن روحاني والوفد الإيراني المفاوض سيرفعان الراية البيضاء أمام مفاوضيهم للوصول إلى اتفاق بأي ثمن قبل انتهاء المهلة للحفاظ على «الورقة الأميركية»، إلا أن فشل المفاوضات النووية سيرتب تبعات سلبية متنوعة على إيران ورئيسها حسن روحاني. من بين هذه التبعات السلبية أن تتبخر «الورقة الأميركية» في يد روحاني بمواجهة منافسيه المحليين، الذين سيستخدمون الفشل كأداة للضغط عليه وعلى تياره. تأسيساً على ذلك، فالأرجح أن يفعل الوفد الإيراني المفاوض كل ما في وسعه لتجنب إعلان فشل المفاوضات أو رفع الراية البيضاء، فلا يتبقى في ضوء ذلك سوى التوصل إلى «اتفاق جزئي» يمدد المفاوضات لمهلة زمنية إضافية!
الصين تخترق «دولة الخلافة» من حواسيب أميركا
هل تحاول الصين الدخول على خط «الخلافة الإسلاميّة» ودولتها المعلنة فجأة في العراق وسورية، عبر اختراقها حواسيب خبراء أميركيين في الشأن العراقي؟
ففي زمن ما بعد تسريبات «ويكيليكس»، في أوقات ما بعد فضيحة التجسّس الأميركي الشامل على العالم التي فجّرها خبير المعلوماتية إدوارد سنودن، صارت السياسة مساحة مختلطة بين وقائعها ومعطيات التقنيّات المعلوماتية.
وفي مطالع العام الحالي، سارت الأمور في اتجاه أكثر لطافة، لكنه ليس أقل قوة، عبر مناورات افتراضية مشتركة بين الصين وأميركا.
ويبدو ان التعاون لا يتعارض مع التنافس في منطق تجاذب النفوذ بين القوى الكبرى، فتستمر الاختراقات والاختراقات المضادة، تحت سقف العلاقات المتشابكة بين تلك القوى.
والأرجح أن مجريات «دولة الخلافة» في العراق، ليست بعيدة عن تلك الصورة. إذ أعلنت شركة أمنية أميركية أمس أن مجموعة متمرسة من الـ «هاكرز» الذين ربما كانوا يلقون رعاية الحكومة الصينية، اخترقوا أجهزة الكومبيوتر لخبراء معنيين في الشأن العراقي. وجاء الإعلان بعد أيام قليلة من اجتياح «داعش» مناطق واسعة في وسط العراق وشرق سورية، وإعلان «دولة الخلافة» فيها.
يبدو أن الدول المعاصرة وعلاقاتها دخلت زمن «الواقع المعزّز بالافتراضي»، بمعنى أنه بات من العسير فصل البعد الافتراضي عن مجريات السياسة ووقائعها.
وأعرب دميتري ألبيروفيتش، مؤسس شركة «كراود سترايك»، عن ثقته بأن مجموعة سمّاها «ديب باندا» (في إشارة إلى إمكان ارتباطها بالحكومة الصينية)، اخترقت حواسيب خبراء أميركيين في الشأن العراقي، لكنه أحجم عن تقديم مزيد من التفاصيل.
وأشار إلى أن «ديب باندا» نظّمت هجوماً على وثائق إلكترونية لخبراء أميركيين يعملون في معاهد بحوث متخصّصة في الشأن العراقي، بالتزامن مع اجتياح «داعش» مصفاة بيجي العراقية، في 18 حزيران (يونيو) 2014.
وبحسب «كراود سترايك» سبق للمجموعة عينها أن استهدفت لسنوات خبراء أميركيين في الشؤون السياسية لقارة آسيا التي تشهد تجاذباً بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وأوضحت الشركة أن المجموعة هي واحدة من 30 جماعة متمرّسة في اختراق الكومبيوتر، تتعقبها الولايات المتحدة ، مع وجود دلائل على تمترسها في الصين.
في سياق الصراع في الفضاء الافتراضي للانترنت، يبدو سجل الصين «حافلاً»، خصوصاً في علاقاتها مع الولايات المتحدة، لأنها الدولة الأكثر توسّعاً في استخدام الانترنت كمساحة لقوة الدولة ونفوذها. قبل سنوات، شكت أميركا من أن الصين رعت عملية «أورورا» التي تضمّنت اختراق مجموعة من الـ «هاكرز» مواقع علمية واستخباراتية وعسكرية واقتصادية أميركية.
وتحرص الصين دوماً على التذكير بأنها لا ترعى رسميّاً مجموعات محترفة من الـ «هاكرز»، وأنها ليست المصدر الوحيد لهجمات الـ «هاكرز»، خصوصاً الهجمات الإلكترونيّة التي تحمل طابعاً سياسيّاً.
في المقابل، عبّرت الولايات المتحدة عن اقتناعها بأن الحكومة الصينية إنما تمارس سياسة التنصّل في شأن هجمات الـ «هاكرز»، بمعنى أنها تحرص على التمويه على العمليات التي ترعاها فعليّاً. ولم تتردّد الصحافة الأميركية في الإشارة تكراراً إلى وجود وحدات في «جيش التحرير الصيني» تخصّص في اختراق نظم الكومبيوتر وشبكاته عالميّاً.
ورفضت وزارة الخارجية الصينية المعطيات المتصلة باختراق حواسيب خبراء أميركيين بالشأن العراقي بأكملها. وكعهدها، أكّدت الحكومة أنها تعارض التسلل الإلكتروني وهجمات الـ «هاكرز»، نافية التقارير المتواترة عن علاقتها باختراق أجهزة الخبراء الأميركيين الشأن العراقي.