Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

أسباب إنخفاض أسعار الذهب والنفط

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

أول مايتبادر الى الذهن بالنسبة للجميع بأن انخفاض أسعار الذهب قد يكون بسبب الأزمة الأوكرانية ، بما جعل أمريكا تقدم على خفض اسعار الذهب لمعاقبة روسيا . إلا أن الواقع الحالي غير ذلك تماماً ، لأن روسيا ليست في معرض بيع أي من مخزونها الذهبي ، ومع ذلك فإن هذا الإنخفاض المفاجىء سبب لها بعض الإشكال والإرباك مع القطاع الخاص من الشركات الروسية المنقبة عن الذهب .

إذ ان انخفاض الأسعار خّلف لهذه الشركات فائضاً  من الذهب تعثر تصريفه ، كما جرت العادة سنوياً ، لعدم الإقبال عليه داخلياً كما وانعدام الطلب الخارجي بانتظار إستقرار الأسعار ، مما اوقعهم في أزمة مالية  فهددوا بإقفال مناجمهم والتوقف عن التنقيب إذا لم تعمد الحكومة الروسية الى شراء ذهبهم  بالسعر المتداول حالياً خوفاً من مزيد من الإنخفاض ، مما اضطر الحكومة من خلال البنك المركزي الى شراء كامل الذهب منهم تشجيعاً لهم للإستمرار في أعمالهم .

ولكن مايدعو الى الإستغراب هو تغير المعادلة التي درج عليها السوق أغلب الأحيان ، وهو أنه عندما تنخفض أسعار الذهب ترتفع اسعار النفط ، وبالمقابل فإنه عندما يرتفع النفط ينخفض الذهب  للمحافظة على معدل ضبط النقد الورقي أو بالأحرى ضبط تضخم الدولار الأمريكي ليظل محافظاً على قوته والإقبال عليه .

ومن هنا نتساءل مالذي دعى وول ستريت بالتشاور والإتفاق مع البنك المركزي والحكومة الأمريكية الى تخفيض أسعار  الذهب والنفط في آن معاً على غير العادة ، رغم تصاعد التوتر في العالم ؟!

إذ أن هذا الموقف الأمريكي في تخفيض أسعار الذهب والنفط بما ادى الى ارتفاع قيمة الدولار جاء ايضاً مغايراً لكل الطروحات الإقتصادية على غير العادة ايضاً ، لأنه لأول مرة منذ عقود تسعى  أمريكا إلى لجم إرتفاع الدولار وليس لجم تضخمه وتدني قيمته . فما سر ذلك وماهو الجواب عليه ؟

الجواب سيأتينا بعد مقدمة صغيرة كما قد يأتي في السياق بما سنعرضه من تفاصيل  . ولكن لنعد قليلاً إلى الوراء من العام 2007 عنما انفجرت الأزمة المالية العالمية بتخطيط محكم من الرأسمالية الأمريكية التي اقتضت إفلاس معظم المؤسسات المالية الضخمة والبنوك والشركات والمصانع في سبيل وضع خطة إقتصادية مستقبلية لمستقبل افضل للشعب الأمريكي على حساب الأمن الإجتماعي والإقتصادي للشعوب الأخرى .

وقبل ان استرسل فلابد من أخذ العلم أن  الخطط الإقتصادية قد تفشل وقد تشيخ كما البشر ولاتتوالد في شكل جديد إلا من قبل عباقرة من المخططين الإقتصاديين الذين لانجدهم وللأسف لدى الغرب والشرق الأوسط إلا في أمريكا والمانيا فقط دون الدول الأخرى التي يتبع معظمها في تخطيطاته للمدرسة الإقتصادية الأمريكية التي لاتتناسب وكل المجتمعات الأخرى. ومن هنا نجحت الصين واليابان وبعض الدول الآسيوية إقتصاياً وصناعياً لانها اتبعت نظاماً إقتصاديا ومالياً وضريبياً وإدارياً مستقلاً وملائماً لها ، إلا أنه مغاير تماماً للأسلوب الأمريكي والأوروبي .

 اما العرب فإنهم لازالوا  يسيرون في نهجهم الإقتصادي بعكس التيار ،  لانتهاجهم خططاً لاتتلائم ومجتمعاتهم نظراً لاتباعهم المدرسة الأمريكية التي تٌدّرس في الجامعات منذ مئة عام إلا أنه لايعمل بها في المجتمع الغربي مطلقاً على أرض الواقع لأنه فات عليها الوقت ، كما أن الإقتصاد هو علم متغير ومتجدد بشكل دائم وفقاً للمشاكل والظروف الطارئة التي تشترط  قدرة على المتابعة اليومية  من واضعي الخطط  .

ومن هنا لازال العرب على تخلفهم العلمي والصناعي والإقتصادي  في كل المجالات لقصر نظر حكامهم وحكوماتهم ، لأنهم هم من يقررون ويرسمون المستقبل المجهول وليس شعوبهم المغلوبة على أمرها لانتفاء العدالة والديمقراطية  في مجتمعاتهم وعدم الجرأة على التحديث .

اقتضت الخطة الإقتصادية الأمريكية الجديدة ،  للقرن الواحد والعشرين ، في العام 2007 الى إفلاس المصانع والمؤسسات كما ذكرنا أعلاه ، لأسباب عدة منها ، التخلص من إرتفاع الأجور بما فيه الحد الأدنى لدى القطاع الخاص . إذ أن ذلك أثر على كلفة السلع الأمريكية والغربية امام الإغراق السلعي الصيني ، لذا تم الإتفاق على نقل رؤوس الأموال الغربية وبعض المصانع الأمريكية والألمانية الى الصين لاستثمارها بأجور يد عمالية متدنية جداً .

كما وأن هذا الإفلاس تم لهدف آخر ايضاً ، وهو وقف النزوح من الريف نحو المدن مع إنتفاء العمل وندرته ، لإعادة تنشيط الزراعة بما أمن لقمة العيش لملايين العاطلين عن العمل من جراء الإفلاس وعودة معظمهم الى قراهم للعمل في مشاريع عائلية تنتفي فيها الأجور للإقتصارعلى الحد الأدنى من المداخيل  لسد الحاجات الضرورية .

وقد اعتقدت الرأسمالية الأمريكية بهذه التدابير الإفلاسية التي ادت إلى إحياء العمل في القرى وتنشيط الزراعة  في الريف والإستثمار في الصين ، أنها قد أمنت خطة إقتصادية متكاملة لأجيال عدة . إلا أن هذه الخطة العشوائية سرعان ماشاخت وانهارت ، إذ انها كفكرة كانت جريئة إلا أنها غير محكمة التدبير ، إذ اعتقدوا ان التأمينات الإجتماعية والصحية لديهم ، وتدني الأجور في الصين لإنتاج سلعة رخيصة الثمن سيكون كافياً للإستقرار الإقتصادي العالمي   مع قبول الناس لواقع الأمر بعودتهم الى حياة البساطة الأولى إلى ما قبل نصف قرن من الزمن .

 ولكن مع الممارسة  تبين ان الصعوبات التي تأتت من هذه التدابير كانت أعقد  مما كانوا يتصورون عند التطبيق ، إذ ان الإنتاج السلعي  الصيني رغم تدني قيمته الشرائية أضحى عالي القيمة مع إنعدام  القدرة الشرائية للمواطنين  التي  أضحت شبه معدومة في معظم انحاء العالم مع تزايد الفقر ، إذ ان خطتهم لم تفلس المؤسسات المالية والمصانع فحسب ، بل وافلست المواطنين في مختلف انحاء العالم لفقدان مداخيلهم من جراء تفاقم البطالة من خطط فاشلة وضعتها أمريكا بإجبار دول العالم على التخلي عن الرسوم الجمركية لصالح السلع الأمريكية وفق مضمون بنود  إتفاقية التجارة العالمية التي كانت السبب الرئيس في تراجع أوروبا الإقتصادي كما وإقتصاد معظم دول العالم الثالث التي وقعت على الإتفاقية ، لان اي دولة دون رسوم جمركية يستحيل ان تنهض لأنها بالإضافة لمداخيلها فإن هذه الرسوم هي بمثابة  الدرع الواقي لمنتجاتها الوطنية .

ومع فرض أمريكا  اتفاقية منظمة التجارة العالمية على دول العالم انهارت فوراً صناعات وإقتصاديات هذه الدول  ومؤسساتها الزراعية لتسير نحو الإفلاس وبالتالي فقدان القدرة الشرائية من مواطنيها لشراء السلع الأمريكية والغربية المصنعة في الصين رغم  تدني أسعارها .

لذا فإن تخفيض اسعار الذهب هو للحد من الهروب اليه كقيمة ادخارية أو كمخزن للقيم ، وفق التعريف الإقتصادي ، أكثر اماناً من المصارف والبنوك والأسهم والتجارة الكاسدة ، ولكن مع تخفيض أسعاره  بوتيرة متسارعة جعل البعض يسعى للتخلص منه للبحث عن استثمار افضل في الزراعة او التجارة لتأمين مداخيل عائلية او شخصية ملائمة .

وبالعودة إلى النفط فإن أسباب تخفيضه قد يتشابه بعضها مع أسباب تخفيض أسعار الذهب ، إلا أن له دوافع أخرى منها ازدياد المخزون النفطي لدى الصين وروسيا بما يفوق قدراتهم التخزينة ، إذ أن الصين كان مستعدة للتخزين بما انها كانت قد  أنشأت أربع مستودعات ضخمة أرضية  ثابتة لهذا الأمر في ثلاث مقاطعات متفرقة بدأت بإعدادها منذ العام 2004 ، تتسع ل43،12 مليون طن من النفط بما يتماشى واستهلاكها في النمو الصناعي ، إلا أن الكساد العالمي في الإستهلاك جعلها  مضطرة الى التخفيف من الإستيراد الى حين بناء مستودعات جديدة ، إلا أنها عاجزة عن وقف الإستيراد لأسباب ساوردها بعد قليل .

 اما في روسيا فلا زالوا في حيرة وإرباك لتخزين الكميات المستوردة دون انقطاع وقد استبدت بهم الحيرة لإيجاد أماكن لتخزينها وليس لديهم سوى منشأة تخزين عائمة واحدة لاتزيد سعتها عن 2،6 مليون برميل مما دفعهم الى عرض البيع باسعار متدنية للصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية ودول آسيوية أخرى ، ردت عليه شركة آرامكو والشركات الغربية بعرض أسعار أقل . وبذلك بدأت المنافسة بينهما وتكسير الأسعار ، مع تباين في الظروف والدوافع والأسباب .

 فروسيا تعرض النفط بأسعار متدنية لأسباب قاهرة ، وهي التي بدأت  سراً بتلك الحرب للتخلص من الفائض لديها  ، بينما الشركات الغربية تبيع بسعر اقل للمحافظة على زبائنها وسوقها مع وجود فائض لديها في مستودعاتها الموزعة في أمكنة عديدة من العالم أو في ناقلاتها الضخمة العائمة في جميع البحار او في باطن الأرض ضمن آبار النفط بشراكة مع الدول الخليجية .

 وهنا نتساءل لما حصل هذه الفائض لدى الصين والروس رغم قدراتهما المحدودة في التخزين ، خاصة روسيا بما دفعها الى كسر الأسعار العالمية لعجزها عن التخزين وعجزها عن الإستيراد الذي لايمكنها وقفه أو التراجع عنه بما ادى الى تراجع في الأسعار انعكس على روسيا عجزا في ميزانيتها الذي سيصل الى مئة مليار دولار لهذا العام بسب فارق أسعار النفط وتدني أسعار الذهب ، إذ ان الميزانية الروسية لاتتوازن إذا كان برميل النفط بأقل من 115 دولاراً ، لذا فإن انخفاضه كان كارثة عليها ، خاصة وأن الغرب قد رفض طلبها وطلب إيران بالحد من إستخراج النفط الخليجي .

وسبب عدم قدرة روسيا على وقف إستيراد النفط رغم فائض المخزون لديها هو أن تمتلك آبار نفط عديدة في سيبيريا لاتستطيع وقف استخراج النفط منها  وإلا تعرضت للتجمد بالإضافة لمستورداتها الدائمة من النفط الإيراني الذي لاتستطيع ، كما الصين ، وقف استيراده . إذ تصر على إستيفاء أسعار السلاح   الذي ترسله  لها ولسوريا والعراق ، نفطاً بما يقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً . وكانت قبلاً تستوفي جزءاً من أثمانه  ذهباً ، إلا أن إيران ادعت ان استخراجها من الذهب قد خف كثيراً بما لايتعدى الطنين في العام بما  لايكفي للإستهلاك الداخلي .

أعتقد الان  ان الصورة قد وضحت تماماً عن اسباب تدني أسعار الذهب والنفط  بحيث لانحتاج الى مزيد من الشرح .


فسحة أمل في حصول مصر على نصيب في غاز شرق المتوسط

$
0
0
اعلان القاهرة وضع الأساس لضياع فرصة مصر في تحصيل رسوم على مرور أنبوب الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا. كما أن اليونان، غداة قمة الكالاماتا، طرحت بلوكات تنقيب تعكس ترسيم حدود مجحف مع مصر، بالرغم من عدم توقيعها رسمياً على اتفاقية مع مصر بعد.

ولكن مازالت هناك فسحة من الأمل، لأن الرئيس السيسي لم يوقـّع بعد على اتفاقية ترسيم تفرّط في حق مصر في شريطها المائي بين بلطيم والسلوم.

أعلم أن هناك ضغوط دولية على السيسي للتوقيع سريعاً على هذا التنازل. وكلنا أمل أن يقاوم الرئيس السيسي، وسيجد الشعب بأكمله وراءه في هذا الموقف الوطني.

كما يجب أن أذكر أن هناك هجوم محموم من عملاء المصالح الأجنبية بمصر يتشدق بقدسية قانون البحار وضرورة توقيع تركيا عليها. وعن هؤلاء أقول:
 

هذا نزاع لا ناقة لنا فيه ولا جمل. وليس هناك شيئاً على الاطلاق نكسبه أو نخسره من الاسراع بترسيم الحدود الآن. بل أن موافقتنا على الترسيم حالياً يعني التفريط في المزيد من مياه وحقوق مصر. 

وأزيد لهؤلاء المتشدقين بعداوة تركيا لمصر:

1- لو صحيح تكرهون تركيا، فلتوقفوا المرور المجاني بمليار دولار سنوياً لعبارات أحمد رجب أردغان عبر مصر، منذ عهد طنطاوي ثم مرسي وحتى اليوم. ولن تفعلوا.

2- تركيا لن تكسب أو تخسر شيء من تفريطنا في شريط مائي من مياهنا، إلا العامل النفسي بأنها محاطة لحد كبير بمياه يونانية.

كل ما هنالك هو أن إسرائيل لا تريد أن يمر أنبوبها في مياه مصرية. وأنا أقول فليمر الأنبوب الإسرائيلي ويدفع رسوم مرور. لذلك فإن لوبي الشركات الإسرائيلية في مصر يتباكى على قانون البحار الدولي. ولا أدري أين كانت دموعهم حين فرّطوا (وهم مسئولين) في مياهنا مع قبرص في 2003 ثم في 2013.

أنا أحسب الرئيسي السيسي مختلفاً عن هؤلاء العملاء المنتشرين في أوصال الدولة المصرية. وأتطلع لأن أراه يتخلص منهم قريباً.

رحلة في الوجدان الإيراني: أصفهان بيت السر

$
0
0

لا تشبه مدينة أصفهان غيرها من المدن الإيرانية؛ إذ هي خزنة ومستودع الوجدان الإيراني الحافل بمستويات المعاني. زالت سطوة أصفهان السياسية، فلم تعد عاصمة إيران منذ ثلاثة قرون مضت. تتفوق طهران على أصفهان سياسياً وتسبقها تبريز تجارياً، وتبزها شيراز شعرياً، وتغلبها مشهد وقم دينياً. سكان أصفهان ليسوا الأكثر عدداً مقارنة بغيرها من المدن الإيرانية، ونخبتها لا تميزها في المحافل والمنتديات إلا من لكنتها الحادة التي لا تخطئها أذنك، وليس بلون فكري مخصوص. ومع ذلك، لم تترك مدينة إيرانية طابعها وروحها على الوجدان الإيراني، مثلما فعلت وتفعل أصفهان. مَثل أصفهان بين المدن الإيرانية مثل عمارة البيوت الإيرانية القديمة، التي تفصل بين الداخل (الأندرون) العابق بالأسرار والحرمات، والخارج (البيرون) القشري الظاهري، الذي يُستقبل فيه الزوار. عليك أن تمضي بتدرج وسلاسة في تلك الردهات الطويلة الفاصلة بين الداخل والخارج، بين الظاهر والباطن، لتنفذ في النهاية إلى بيت السر والقصيد. لا يشترط أن تكون متضلعاً في التأويل العرفاني لتصل إلى اكتشافك، إذ يشي بأصفهان ومكانتها الاستثنائية في الوجدان الإيراني ثلاثة مكونات: التاريخ والرموز والعمارة، حيث يحل الأول متجسداً في الثانية والثالثة على نحو فريد، قبل أن يختلط ثلاثتهم معاً حتى تحسبهم شيئاً واحداً.

الصراع الرمزي بين الشمس والقمر

أصفهان هي تلك الحاضرة الكبيرة الواقعة في وسط الجغرافيا الإيرانية بين مدينتي طهران وشيراز، والحاوية لآثار الدولة الصفوية التي حكمت إيران منذ مطلع القرن السادس عشر وحتى الثلث الأول من القرن الثامن عشر، فأطلقوا عليها «لسان الزمان وبهجة المكان». ويكشف اختيار أصفهان عاصمة للصفويين طريقة ما زالت تحكم التفكير الإيراني حتى اليوم، أي محاولة الجمع بين مزايا عدة في مسألة واحدة. يعود السبب في اختيار الصفويين أصفهان عاصمة لملكهم بدلاً من مدينة قزوين التي بدأوا بها كعاصمة، إلى مجموعة من الأسباب، أولها أن أصفهان تبعد جغرافياً عن الإمبراطورية العثمانية مقارنة بقزوين، كما أن أصفهان تقع في حضن الجبل بحيث يصعب غزوها، وأخيراً لأن أصفهان تقع على طريق القوافل التجارية إلى الهند. لم يكتف الصفويون آنذاك بتغيير العاصمة فقط، بل ذهب خيالهم إلى أبعد من ذلك بكثير حتى وصل إلى رمزية العلم الإيراني وتصميمه المميز. هنا يتشابك التاريخ مع الرمزية البصرية المستبطنة لمعانٍ تتجاوز الصورة، فعندما جاء الشاه عباس الكبير الصفوي إلى حكم إيران وانتقلت عاصمة الملك إلى أصفهان؛ فقد أعاد الاعتبار إلى العلم الإيراني، فاختار الشمس والأسد مرة أخرى رمزاً لدولته. يتناغم الرمزان مع وجدان الإيرانيين الجمعي؛ حيث الشمس وفقا لمعتقدات الإيرانيين القدماء هي حلقة الاتصال بين الإله والكائنات، مثلما يعد الأسد علامة لانتصار الحياة على الموت، ولانتصار فصل الربيع على فصل الشتاء. هكذا نرى ملوك الأساطير الإيرانية في «الشاهنامه» - ملحمة فردوسي الأشهر - قد صمموا أعلامهم بالشمس والأسد الذي يمسك بيده سيفاً. ويرتبط هذان الرمزان (الشمس والأسد) بمدينة أصفهان ارتباطاً خاصاً حتى اليوم؛ وهو ما تجده منقوشاً بوضوح على الصنائع اليدوية الأصفهانية وعلى سجاد أصفهان الرقيق الحياكة والغالي الثمن. ومثلما كان إعلان التشيع مذهباً رسمياً لإيران، وانتقالها من مذهب السنة إلى مذهب الشيعة بقرار من الشاه الصفوي العام 1501، مستهدفاً تكريس التناقض مع الإمبراطورية العثمانية، فقد كان اختيار الشمس رمزاً للعلم الفارسي راجعاً إلى هدف سياسي عميق مفاده إدامة الصراع بالرموز بين الشمس الصفوية والقمر الذي زيّن علم الدولة العثمانية!

الشيخ لطف الله والشاه عباس

تسافر بالطائرة لمدة ساعة من العاصمة طهران قبل أن تهبط في مطار أصفهان المتقشف نسبياً، فتذكر نفسك أن ظاهر الأمور لا يعكس باطنها بالضرورة. تترك المعاني التاريخية - السياسية - الرمزية خلفك، وتبدأ جولتك في المدينة متنقلاً بين عمارتها. تقف وحيداً في ساحة «نقش جهان» (خريطة العالم) المعلم المعماري والتاريخي المجمع، متجرداً من أحكامك المسبقة. تجد الساحة مثل فناء مستطيل الشكل يتوسطه حوض ماء ضخم، تحيط به أبنية أصفهان التاريخية مثل مسجد الشيخ لطف الله وقصر «عالي قابو». تبدأ من عند الشيخ لطف الله، المتحدر من جبل عامل في لبنان، والذي هاجر من قريته ميس الجنوبية إلى خراسان في شمال إيران على عهد الشاه عباس الصفوي لتوطيد أركان المذهب الشيعي في إيران. يعد مسجد الشيخ لطف الله تحفة فنية فريدة؛ فاللون العاجي الذي يكسو قبته يخطف قلبك، بعد أن تختم عليه تلك الخطوط الجميلة التي كتبت بها الآيات القرآنية المزينة على جدرانه. وبرغم مرور أكثر من ثلاثمئة وخمسين سنة على بناء الجامع؛ فإن ألوانه الزاهية لم تزل على حالها بهجة للناظرين. تثني بقصر «عالي قابو»، الذي يتألف من ستة طوابق متمركزة على ثمانية عشر عموداً خشبياً منحوتاً بفن وذوق رفيع، وتتوسطه نافورة رائعة. ماؤها في ذلك الزمان من ماء الورد. تتبين، في تجسيد عملي للتناقض بين الظاهر والباطن، أن غرف القصر الداخلية أكثر روعة وبهاء من مظهره الخارجي، حيث تلاحظ الجدران وقد طُليت بماء الذهب ورُسمت عليها المنمنمات بأشكال الزهور. ويصدمك ذلك التناقض أكثر عند اكتشافك أن قصر «عالي قابو» يبدو من الخارج وكأنه مكون من طابقين، إلا أنه يحتوي على سبعة طوابق في الواقع. تقع صالة الموسيقى في الدور الأخير من القصر، وهي مصممة بشكل لا يبارى حين تختزن صدى الصوت بطريقة فريدة. ويعتقد بعض الإيرانيين أن الموسيقيين كانوا يدخلون إلى غرفة الموسيقى؛ فيعزفون مقطوعاتهم ثم يغلقون الباب من خلفهم. وعندما يأتي الشاه عباس ويجلس في الصالة، فإن صدى الصوت يعيد الأنغام التي عزفها الموسيقيون، ليستمتع بها في وقت لاحق مع صحبته. تقتفي أثر الموسيقى الإيرانية وتثلث بزيارة قصر «هشت بهشت» (الجنات الثماني)، ذلك الواقع بالقرب من طريق «جهار باغ» في مقابل طريق «شيخ بهائي». شيد القصر بالقرن السادس عشر الميلادي، وعلى جدرانه تنتصب رسومات لموسيقيات إيرانيات حسان، بألوان ملابسهن الزاهية وهن يعزفن على الآلات الموسيقية الإيرانية التقليدية. وفي اليوم التالي، تنتقل إلى قصر «جهل ستون» (قصر الأعمدة الأربعين)، المكون في الحقيقة من عشرين عموداً، ولكنها تنعكس على صفحة المياه مقابل القصر فيخال الناظر عددها أربعين وهي ليست كذلك.

النهر والجسور

تنتشر الجسور في أصفهان على نهر «زاينده رود»، وتمتاز بخصوصية معينة في التصميم، بحيث تتضمن غرفاً في داخلها لا يمكن رؤيتها من الخارج. هناك استراح المتنزهون، الذين كانوا يقضون نهاراتهم في الأيام الخوالي، قبل هجمة الحداثة والعقوبات الاقتصادية، في الغناء والصبابة وتناول الفاكهة. في جسور أصفهان تمتزج الحياة المفعمة بالمباهج المتقشفة مع الموت، فعلى أحد جسورها، جسر شهرستان، تم اغتيال الخليفة العباسي الرشيد بالله العام 1138 ميلادية. يشتهر جسر «سي وسه بل» (جسر الثلاثة وثلاثين قوساً) بوجود غرفة لتقديم الشاي بين الأقواس، في المقابل، تؤدي في جسر «بل خواجو» درجات متعرجة مخفية عن العيون المتعجلة إلى الطابق الثاني، حيث يجتمع المتنزهون والعشاق والمغنون. تجلس على المقاعد الحجرية العتيقة والنظيفة بالقرب من مغنّ في نهاية الخمسينيات من عمره، فيبادر مرحباً بك وسائلاً عن بلدك. يغني لك بعدها بعض فقرات من «أطلال» أم كلثوم، ويخبرك بأن نهر «زاينده رود»، سمي النهر الخالد قبل عقود تيمناً بأغنية عبد الوهاب عن النيل. وفيما أطلق المصريون على بلدهم «أم الدنيا»، فقد كان سكان أصفهان أكثر تواضعاً فأطلقوا عليها «نصف جهان»، أي نصف الدنيا. تطلب من المغني أداء أغنية إيرانية يقول مطلعها: «عزيز بيش بكنارم»، فتلحظ فتاة إيرانية بارعة الجمال، تجلس في وقار على المقعد الحجري المقابل، وهي تكمل الأغنية التي طلبت بصوت خفيض: «بخدا دوست مدارم».

تنهض من جلستك بعد تحققك من اكتشافك بيت السر الأصفهاني، فتلملم أوراقك وتحزم أمتعتك للسفر إلى طهران ومنها إلى القاهرة، مستذكراً قول القطب الصوفي عطاء الله السكندري لنفسك ولأصفهان: «ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع.. صار المنع عين العطاء». تجلس في السيارة متوجهاً إلى المطار وعيناك تتجولان في شوارع المدينة مودعاً: خدا حافظ ... أصفهان!

"الجيش والشعب إيد واحدة"في بورما أيضاً

$
0
0

 

بورما (أو ميانمار) تجمعها مع مصر أوجه شبه كثيرة. وفيما يلي 14 تغريدة كتبتهم في 23 ديسمبر 2011 عن أوجه الشبه بين ثورة 25 يناير وثورة 8-8-88 في بورما:

بورما لها موقع استراتيجي هام، فهي العائق الوحيد بين الصين والمياه الدافئة (المحيط الهندي). لذا تحرص الصين على أن يكون النظام الحاكم موالي لها. ولا يكـِل الغرب عن خطب ود أي نظام فيها، على أمل إلحاق أي ضرر بالصين. 

وبورما هي القلب الثقافي للعالم البوذي، وفيها أكبر جامعة بوذية. معظم المعابد البوذية في الدول المحيطة كهنتها من بورما. صناعة السينما البورمية لها شعبية واسعة في المنطقة. 

وتطالب بإستقلال أراضي مجاورة لها منحها الإنجليز للهند قبل استقلال بورما. وتسيطر على حكومتها العسكرية دولة كبرى، هي الصين.

للتعرف على بورما (أو ميانمار كما تسمي نفسها منذ ربع قرن) طالعوا مقالاتها في موسوعة المعرفة، بدءاً من:

http://www.marefa.org/index.php/ميانمار

 

تاريخ معاصر 

في 1948 استقلت بورما. وحكمها العسكري "أونج سان" (إنجليزي الهوى ووالد النوبلية "أونج سان سو تشي") خلف واجهة مدنية هي "او نو". وسرعان ما أطاح بهما انقلاب دموي (مدعوم من الصين). وأتى، في 1955، ضابط عسكري هو "ني وين". أحكم الجنرال وين، القبض على مقادير الشعب لـ26 عاما ثم 12 عاما أخرى بعد «انتخابه»، بالطريقة الثورية الاشتراكية، رئيسا لـ«الجمهورية الاشتراكية لاتحاد بورما» في 1974. أصبح التعذيب، الذي شمل اطفالا دون الخامسة، لـ«قلة ادبهم» او للانتقام من ذويهم، ماركة مسجلة لحكومة العسكر البورميين.

الجيش (تاتمداو) والشعب إيد واحدة - في بورما. الجيش البورمي هو تاسع أكبر جيش في العالم (500 ألف). وهو يضم سلاح الشرطة ضمنه. وحلاً لمشكلة أطفال الشوارع يقوم الجيش بانتظام بالاغارة عليهم وخطفهم واجبارهم على العمل بالسخرة في شركات الجيش البورمي.

http://www.marefa.org/index.php/تاتمداو

مع نهاية الحرب الباردة (8-8-1988)، أثارت الصين ثورة في بورما قدم فيها الشعب آلاف الشهداء، أطاحت بحكومة "نه وِن"الوطنية، ثم حل محلها مجلس عسكري يخلط الاشتراكية بالبوذية. وكان هذا المزيج فعالاً في القضاء على الثورة.

http://www.marefa.org/index.php/انتفاضة_8888 

استقال وين عام 1988، ليخلفه جنرال آخر، "وين ماونگ"مترئساً «مجلس اعادة القانون والانضباط». وانسحب من الحياة السياسية عام 1988 بعد أن ترك بلداً مدمراً تهزه اضطرابات طلابية وبعد أن فرض سياسة «اشتراكية على الطريقة البورمية» مستوحاة من «ماركسية بوذية» وصفها المراقبون بأنها «كارثة». 

قام قائد الجيش البورمي، المشير "ساو ماونگ"بالاطاحة برئيس الجمهورية وتشكيل مجلس عسكري. ومع تزايد الرفض الشعبي له، توفي المشير ماونگ، وحل محله المشير "ثان شوي"الذي حكم البلد بقبضة حديدية مؤزراً بأسلحة قمع الشغب من الصين.

http://www.marefa.org/index.php/ثان_شوي

المجلس العسكري الحاكم منذ اجهاض انتفاضة 8-8-88، سمى نفسه في البداية "المجلس العسكري لحفط القانون والنظام"، ثم غير ثان شوي اسمه إلى "مجلس الدولة للسلام والتنمية"ويـتألف من 18 ضابطاً رفيعاً. وشعاره الرئيسي هو: * .. "الجيش والشعب إيد واحدة" (انظر اللافتة الموجودة على كل ناصية). وتتهمه الأمم المتحدة بالقتل والتعذيب وتشغيل المجندين (سخرة) في شركات الجيش.

http://www.marefa.org/index.php/مجلس_الدولة_للسلام_والتنمية

وأكثر ما يقض مضاجع المجلس العسكري البورمي هو شخصية حاصلة على جائزة نوبل للسلام وهي "أون سان سو تشي"، وهي ابنة الجنرال (الموالي لإنجلترة) الذي فاوض الإنجليز على الاستقلال، وقتله العسكر الموالون للصين.

http://www.marefa.org/index.php/أون_سان_سو_تشي

ولضمان إخماد الثورة، قام المجلس العسكري البورمي بالتحالف مع رجال الدين البوذي، في شعب شديد التدين. فيما وصفته مجلة تايم "مزيح من سياسة الطريق البورمي إلى الإشتراكية"مع كم كبير من الخزعبلات البوذية واسترضاء الأرواح.

http://www.marefa.org/index.php/البوذية_في_بورما

وعلى الصعيد الخارجي، اضطر المجلس العسكري البورمي للتنازل عن مجموعة جزر في خليج البنغال للصين كي تقيم عليها قاعدة بحرية ومحطة التقاط اشارات استخبارية. وذلك مقابل تزويد الصين للمجلس بأسلحة قمع المتظاهرين، ودعم بورما في المحافل الدولية ضد حملات حقوق الإنسان.

http://www.marefa.org/index.php/العلاقات_الخارجية_لميانمار

جزر كوكو التابعة لبورما في خليج البنغال لها أهمية استراتيجية فائقة، فهي تشرف على الطريق الملاحي المؤدي إلى مضيق ملقا وقريبة من قواعد اطلاق المركبات الفضائية الهندية. ولهذا فقد قامت الصين ببناء قاعدة بحرية ومحطة تصنت فيها.

http://www.marefa.org/index.php/جزر_كوكو

وفي مارس 2011، مع تصاعد الانتقادات الدولية ضد المجلس العسكري البورمي القابع في الحكم لمدة 23 سنة، قرر المجلس العسكري حل نفسه، وأقام انتخابات فاز بها الجنرال "ثين سين"، الذي خلع بذلته العسكرية وأعلن عودة الحكم المدني الديمقراطي إلى بورما بناء على طلب الجماهير. وأصبحت صورة الجنرال المدني تزين جميع باجودات (معابد) البلد. ورحبت أمريكا والعالم بعودة الديمقراطية.

المجلس العسكري البورمي مات في رئاسته اثنان (على مدى 23 سنة)، والمشير الثالث هو الذي خلع البذلة العسكرية ولبس كرافتة. وقال الرهبان للمصلين في أرجاء البلاد "من لم يصوت لثين سين، فلن ينال رضا بوذا". ففاز المشير ثين سين بن بنسبة 95%.

http://www.marefa.org/index.php/ثين_سين 

 

المسلمون في بورما 

بالرغم من أن المسلمين يشكلون فقط 4% من السكان، إلا أنهم كانوا يلعبون دوراً فائق الحيوية في بورما حتى مطلع القرن 19. فقد كان مسلمو البانثاي يملكون شبكة قوافل التجارة بين الداخل الصيني (أساساً يون‌نان) والمحيط الهندي. إلى أن قضى عليهم الاحتلال البرتغالي ثم البريطاني بتعاون من أباطرة الصين (الذين قتلوا أكثر من 20 مليون مسلم في ثورة البانثاي). 

http://www.marefa.org/index.php/الإسلام_في_بورما

ثورة الپانثاي المسلمين في 1856-1873 أتت بسبب الضرائب الباهظة التي فرضها أباطرة المانشو لدفع التعويضات المفروضة علىهم إثر حرب الأفيون. وفيها أعلن "دو ون‌شيو"نفسه خليفة المسلمين بسلطنة پينگ‌نان. وبعد 17 سنة قتل فيها المانشو 12 مليون من عرقي الهوي والاويغور المسلمين، ألقي القبض على "دو"وأعدم. وقتل بعد الثورة ما يقرب من 8 مليون مسلم آخرين. وانتهت سيطرة المسلمين على التجارة الخارجية للصين.

http://www.marefa.org/index.php/تمرد_الپانثاي

مقال عن "او رزاق"أحد أبرز المسلمين في حرب استقلال بورما، وكان وزير التعليم في وزارة "أون سان"التي تم اغتيال جميع أعضائها (بتحريض صيني). وكان أيضاً رئيس مجلس مسلمي بورما. 

http://www.marefa.org/index.php/او_رزاق

روهنگيا هي عرقية مسلمة في ولاية راخينه في شمال بورما. ويبلغ تعدادهم نحو 3 مليون نسمة، وترفض بورما منحهم الجنسية البورمية. وماضيهم التليد يتضمن سلطنة عظيمة تحكمت في تجارة الصين. ويعيش عدد كبير منهم في بنگلادش والسعودية.

http://www.marefa.org/index.php/روهنگيا 

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، واتضاح عدم نية القائد العسكري، ثين سين، القيام بأي من الاصلاحات الديمقراطية أو الاقتصادية التي وعد بها، بدأت أعمال الشغب الديني ضد الأقلية المسلمة الروهنجيا في الشمال الغربي، بحجة أنهم ليسو بورميين. وحصل المجلس العسكري على تأييد قادة "المجلس الأعلى لمسلمي بورما"في تلميح بأن الروهنجيا هم من بنجلادش، ويقومون بتهريب السولار المدعوم والأغذية المدعومة إلى بنجلادش. ثم سرعان ما انتشرت أعمال الاضطهاد الديني إلى المسلمين في قلب بورما، بما فيهم أعضاء في المجلس الإسلامي الأعلى. 

http://www.marefa.org/index.php/أعمال_عنف_ولاية_راخين_2012

 

العلاقات مع مصر 

العلاقات البورمية المصرية شهدت ازدهاراً في عقد الخمسينات، بصداقة بين جمال عبد الناصر والجنرال ني وين. وقد أيدت بورما مصر في تأميم قناة السويس، ثم في التصدي للعدوان الثلاثي. إلا أن العلاقات ما لبثت أن فترت في الستينات بعد تقارب ني وين مع لفي أشكول في إسرائيل. وكان لأمين عام الأمم المتحدة البورمي "او ثانت"دوراً بارزاً في مفاوضات ما قبل وما بعد النكسة.

http://www.marefa.org/index.php/العلاقات_البورمية_المصرية

يتسم النظام الحاكم في بورما بالانتهازية السياسية الفاضحة، ويجيد الحنجلة (الرقص على الحبال) بين الصين وأمريكا لأنه يعلم أهمية موقع البلد الاستراتيجي. 

إلا أنه لم يستغل ذلك في تحسين الواقع الاقتصادي للبلد، التي يستمر تدهورها بشكل مستمر. ولعل الفشل الاقتصادي هو نقطة اختلاف بارزة عن الوضع في مصر حتى وقت قريب. إلا أن جيرة بورما للصين تمنع الانهيار الاقتصادي التام للدولة.

 

عبر مستفادة من الموضوع 

1- حكام بورما حين ثبت فشلهم، لجأوا لإشعال الفتنة الطائفية والارهاب.

2- الدول الكبرى لا يهمها مصلحة الشعوب المطحونة.

3- استغلال أطفال الشوارع في شركات الجيش

4- مزج الدين مع الحكم العسكري هو توليفة مضمونة لحكم الشعوب المتخلفة.

 

أرجو أن تكونوا قد وجدتم تلك السلسلة من المدخلات مفيدة. وتوجد أكثر من 30 مقالة أخرى عن بورما بالمعرفة.

دين سيادة القاضى !

$
0
0

 

 
وصف الكاتب بلال فضل، الحكم بتبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي في قضية قتل المتظاهرين إبان ثورة 25يناير 2011، بأنه "عار"، استند فيه القاضي على "أباطيل برامج التوك شو وأكاذيب أذرع دولة الظلم والفساد.
 
 
وقال فضل في مقاله المنشور بجريدة "العربي الجديد"، تحت عنوان "دين سيادة القاضي"!، إن أحكام البراءة على كل الضباط ومدراء الأمن المتهمين بقتل المتظاهرين، جاءت "بعد محاكمات عبثية، حصل فيها القتلة على البراءة، لأنهم حوكموا بقوانين، وضعها الذين أمروهم بإطلاق الرصاص".
وإلى نص المقال:
 
كنا، يومها في أواخر يونيو 2011، نسجل حلقة مع بعض أهالي الشهداء في برنامج (في الميدان) الذي شاركت في تقديمه عدة أشهر، في قناة التحرير قبل بيعها، وكنت أسأل السيدة نجية عبد الملك، والدة الشهيد مصطفى كمال (25 عاماً) عن ملابسات استشهاد ابنها أمام قسم الزاوية الحمراء، لأفاجأ بها تمدّ يدها إليّ برصاصةٍ، أخرجتها من ملابسها، قائلة "دي الرصاصة اللي كانت جوه ابني، وقعت وهو على المغسلة، نزلت من صدره وهم بيعدلوه، كان واخد رصاصتين، التانية في بطنه جابت له نزيف داخلي، وديتها النيابة طلبت منهم يخلوها معايا لما تطلبوها أنا أوديها، مش هاين عليا أسيبها فيها ريحة ابني، كل يوم أشمها بالليل وأبص فيها، ماباشيلهاش من صدري".
 
في هذا الفيديو الذي لم يبق من الحلقة كلها سواه على الإنترنت، سترى كيف فشلت في التخلص من ارتباكي، لأكمل الحوار، وأسأل أم الشهيد عن سجله الجنائي، للرد على موجاتٍ تصاعدت، وقتها، تتهم كل من استشهدوا أمام أقسامالشرطة ومديريات الأمن بأنهم بلطجية وأرباب سوابق، ليتم تصوير الحكاية بوصفها خناقة بين حرامية وعسكر، لتهرب الدولة الشائخة من مواجهة حقيقة إسقاط الثائرين، خلال ساعات، لنظامها القمعي الذي صرفت عليه مليارات الجنيهات، وكأن وجود سابقة جنائية لبعض الضحايا ربما كانت ملفقة في عهد ساده الظلم والتزوير، يبرر القتل الجماعي، ويعفي القتلة من المحاسبة والعقاب. لم يكن لدى الشهيد مصطفى كمال سجل جنائي يدينه، بل إن علاقته بالسياسة لم تبدأ إلا يوم جمعة الغضب التي ذهب فيها إلى "التحرير"بصحبة عمه الحداد الذي كان يعمل في ورشته، بعد أن زهق من العمل حسب التساهيل مع والده، مبيض المحارة،
ولم يصدق مصطفى، يومها، أنه عاد من "التحرير"سالماً، ليستحم ويأكل وجبته الأخيرة من يد أمه، قبل أن يغادر البيت للاطمئنان على عمه الموجود مع المتظاهرين حول قسم الزاوية الحمراء، والذين كان قد بدأ إطلاق النار بكثافة عليهم من داخل القسم، وحين حاول مصطفى إسعاف شاب مصاب، جاءته الرصاصة القاتلة في صدره، ليزيد في فجيعة أسرته أنها خسرت، برحيله، مصدر رزقها الأهم، المتمثل في الثلاثين جنيهاً التي كان يعطيها لأمه، كل يوم، من حصيلة يوميته، البالغة 50 جنيهاً. 
 
وقت تصوير الحلقة، كان أمين الشرطة الذي أطلق النار على الشهيد مصطفى، هو رجل الشرطة الوحيد الذي تلقى حكمين بالمؤبد والإعدام، لقيامه بقتل المتظاهرين، قبل أن تتوالى بعد ذلك أحكام البراءة على كل الضباط ومدراء الأمن المتهمين بقتل المتظاهرين، فيحصل هو، أيضاً، على البراءة، بعد محاكمات عبثية، حصل فيها القتلة على البراءة، لأنهم حوكموا بقوانين، وضعها الذين أمروهم بإطلاق الرصاص، لتدور الأيام، ويستند القاضي الظالم محمود كامل الرشيدي على نتائج تلك المحاكمات الظالمة، لتبرئة مبارك كبير القتلة وأعوانه، متصوراً أنه لو قام بوعظ المصريين بكلام عن الدين ومكارم الأخلاق والبعد عن اللغو، سيمحو عار حكمه المستند على أباطيل كثيرة وأكاذيب أذرع دولة فساد الإعلام.
 
دين سيادة القاضي هو كدين غيره من القضاة واللواءات والمسؤولين الذين يعتبرون ما يحصلون عليه من امتيازات وأموال عطاءً ساقه لهم الله تعالى، لأنهم يذهبون، دوماً، إلى العمرة والحج، ويؤدون الفروض والنوافل والصدقات. ولذلك، حين ينحاز القاضي وزملاؤه لمن قتلوا مصطفى ورفاقه، فهم، بذلك، يؤدون شكر النعمة ليديمها الله، لأنها لو زالت لن يحظى أبناؤهم وأقاربهم بالامتيازات التي يُحرم منها مصطفى، وغيره من "الرعايا"الذين جعلتهم الثورة يسعون إلى استرداد حقهم في وطنهم الذي يريدون لهم أن يعيشوا فيه غرباء، كما عاش آباؤهم وأجدادهم. ليس مقبولاً في دين سيادة القاضي أن يعترض المواطن على قضاء الله، فيرفض أن يبقى منهوباً مسلوباً منزوع الكرامة، وليس من مكارم الأخلاق، كما يعرفها كل السادة المنتفعين بمصر أن يثور شباب مصر من مختلف الطبقات على كبير العائلة الذي جعل بلادهم تقبع في مؤخرة الأمم.
 
المقبول في دين سيادة القاضي فقط أن يتقرب إلى الله، بمطالبة كبير القتلة الجديد بهز جيب دولته أكثر ببعض الفتات لأهالي الشهداء والمصابين، ليدفنوا أحزانهم، ويقبلوا بإفلات قتلة أولادهم من العقاب، لتبقى الرصاصة التي سكنت قلب الشهيد، ساكنةً دائماً إلى جوار قلب أمه، تنتظر عدلاً يطفئ نار "قهرتها"من هذه البلاد التي أضاع أهلها الحق، واختاروا بناء حياتهم على الباطل، مع أن ما بُني على باطل لن يقود إلا إلى المزيد من الدم والعفن. "وبكره تشوفوا مصر". 

عودة الفجر لأهل مصر

$
0
0

كتب هيثم يحي

 

الليل الحالك

لفت انتباهي أنَّ الناس في بلادي لا يبتسمون …

كان هذا منذ عشر سنوات تقريبا عندما كنت أسافر بالقطار إلى القاهرة فأنظر في وجوه الناس فلا أرى إلا الهمَّ يرتسم على وجوههم؛ هَمُّ المعاش هَمُّ اليأس هَمُّ المرض هَمُّ الفقر، يالبساطتهم؛ بعضهم يذهب مبكرا ليجد لنفسه مكانا يجلس فيه فإنَّ الطريق طويل ومع هذا قد يضطر للوقوف لثلاث ساعات ليُوفِّرَ لأولاده ثلاثة جنهيات هي الفرق بين تذكرة القطار وأجرة السيارة.

كان الصبيان والشباب في بلادي يستيقظون في الصباح يسلكون طريقهم إلى (جارات المدرسة)، نعم يتعلمون ويتربَّون على المقاهي والكازينوهات وأوكار الأفلام والدخَّان والمخدِّرات، ثم يأتي دور التحرش ولقاءات الذكور والإناث وما فيها من ضياع للعقول والطاقات، مع تسفُّلٍ في الأخلاق ، وإعراضٍ عن التعلُّمِ والمسجد والقرءان.

أما المستشفيات في بلادي فأوكارٌ للأمراض والإهمال والاحتيال، والمرض في بلادي مخلوطٌ باليأس فنصف المصريين إما مصاب بالسكريّ أو بالكبد أو بالقلب أو بالكُلى.

أما عن قوة الدولة فهذه مسألة لا تخطر ببال الناس كثيرا، فالدولة قوية جدا لدرجة أنَّ المواطن يخاف من المرور أمام قسم الشرطة، ويخشى أن يذكر في حديثه الأجهزةَ السيادية، والدولة أيضا ضعيفة جدا لدرجة أنها لا تستطيع أن تستنكر قتل جنودها على الحدود مع العدو، ولا تستطيع أن ترفض أوامر العدو بالحفاظ على أمنه وسلامته وتوفير احتياجاته الأساسية من الوقود والطعام.

الاستقرار الزائف

هذه الأوضاع المحزنة قد بلغت من الاستقرار مداه، وصارت بفسادها تحتل كل أركان الحياة، وأصبح التفكير في التغيير لا يدفع به إلا واجبُ الإيمان في قلوب بعض الموحِّدين، وعندها تصطدم الآمال بأجهزة النظام، تلك الأجهزة التي بلغت في تقدُّم الأهداف والوسائل إلى درجة التطبيق الناجح ـ في كثير من الأحيان ـ لبرامج تجفيف منابع التغيير وضربها في مهدها قبل تحرُّكها، وبرامج تصدير رموز التخذيل إلى ساحات الحراك الإسلامي العام والخاص.

لم يكن أكثر الناس على دراية بالحقيقة التي تستتر خلف هذا الاستقرار المزيف.

إنها الأوتاد … أوتاد النظام … أوتاد فرعون.

(وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ). ([1])

والأوتاد هم الجنود الذين يشدّون لفرعون ملكه، ويستعملهم في الطغيان في بلاد الله بتجاوز المباحات، وإيذاء عباد الله في دينهم ودنياهم، والاستكثار من الفساد والصدِّ عن سبيل الله. ([2])

وحينما شاء الله عز وجل بتفجير الثورة كانت أحداث يناير كحجرٍ أُلقِيَ به في ماءٍ راكدٍ فاضطرب الماء، ثم ظهرت حركته للناس …

وانكشفت أوتاد الطغيان …

انكشفت في بيان التنحي، وفي تزوير التعديلات الدستورية.

انكشفت أمام مجلس الوزراء وفي شارع محمد محمود، وفي بورسعيد وفي ماسبيرو.

انكشفت في الترشح للانتخابات الرئاسية، وفي ميدان العباسية، وفي حلِّ مجلس الشعب. انكشفت في الإعلام والصحافة، وفي الأموال التي تُنفق والخطط التي تُحاك.

وانكشفت أيضًا أمام نادي الحرس والمنصة، وفي رابعة والنهضة ورمسيس، وفي كرداسة ودلجا وحول ميدان التحرير و……..

إنَّ ظهور الأوتاد بعد ثورة يناير كان طبيعيا، فإنَّ أول خطوة في طمس الأوتاد هي ظهورها للعلن، فالظهور بداية السقوط بإذن الله.

فجر الحركة والشباب

الحركة هي سمة الحياة، والصراع طبيعتها قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ([3])فالحياة مبنية على سنن التدافع والصراع، فلا تسأموا ولا تستعجلوا ولا تتوانوا، (ولَمَّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا)، ([4])فالحياة ما هي إلا حراك بين الحقِّ والباطل، كلٌّ يدلو بدلوه، و(إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّه مَا لَا يَرْجُونَ).([5])

واليومَ فإنَّ حيوية الحركة في بلادي تتمثَّل في حركة شبابها الطاهر الرافض للاستبداد والتبعية، ولم لا ومرحلة الشباب تمتاز بأنها (تجمع الحيوية والنشاط والحركة، مع الوعي والمعرفة إلى حد كبير)،([6])فهذا الشباب (يُمثِّل في حاضر هذه الأمة صحوتها من الغفلة، وإدراكها لبشاعة واقعها، كما يُمثِّل رفضها لهذا الحاضر وإن عجزت عن تغييره، كما يُمثِّل حنينها لأن تكون نفسها مرة أخرى، أي أمة مسلمة قوية عزيزة مجتمعة على الإسلام)،([7])فيا أيها الشباب لا يرهبنكم تسلُّط ممياوات فرعون على أدوات الإدارة والبطش، فإن اليوم يومكم، تبذِلون وتُنصَرون، و(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).([8])

فجر الإيمان والثبات

إن الثبات الذي رأيناه في ميادين الاعتصام، وفي ساحات المواجهات ليكشف عن قوةٍ في الإيمان مع ثباتٍ عليه، و(السنن الربانية في الأمم، والقوانين الثابتة في الاجتماع، تدل على أنَّ التغيير إلى الأصلح لابد أن يعتمد على نواة صلبة جدا، ونقية ومؤثرة إلى حد بعيد، تجتمع في فلكها عناصر الصلابة والنقاء والتأثير. وهذه النواة لا يمكن أن تتكون إلا بعد أن ينفض من حولها غبار العناصر الهشة، ولا يتحقق ذلك إلا بعد أن يخضع الجميع لتمحيص الابتلاء وغربلة الفتنة، مصداقًا لقوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ([9])

ومما زاد من تجذُّر هذه القاعدة وصلابتها: أنها لم تُمنَّ بالوعود البراقة من منصب ومغنم وجاه دنيوي، وإنما ربطت برضوان الله تعالى والجنة في الدار الآخرة ؛ لأنَّ الغاية من تلك التربية: أن تنشأ القلوب المؤمنة على درجة عالية من الصلابة والنقاء والتأثير، ولا يكون ذلك إلا بالتجرُّد من حظوظ النفس وشهواتها، وصرف الهمم إلى التعلق بالآخرة). ([10])

فجر البذل والعطاء

إنَّ الأقدار بيد الله يصرِّفها كيف يشاء، ولا يظلم ربُّك أحدا، فإنْ أَكرَم ونَعَّم أو قَدَرَ وضيَّق، فكله من الله ابتلاء، المؤمن يدرك هذا جيدًا، أمَّا أكثر الناس (فيُبتلى بالنعمة والإكرام فلا يدرك أنه الابتلاء تمهيداً للجزاء، إنما يحسب هذا الرزق وهذه المكانة دليلاً على استحقاقه عند الله للإكرام، ويبتليه بالتضييق عليه في الرزق، فيحسب الابتلاء جزاء كذلك، ويرى في ضيق الرزق مهانة عند الله… وهو في كلتا الحالتين مخطئ في التصوُّر ومخطئ في التقدير، فبسط الرزق أو قبضه ابتلاءٌ من الله لعبده. ليظهر منه الشكر على النعمة أو البطر. ويظهر منه الصبر على المحنة او الضجر…

غير أن الإنسان حين يخلو قلبه من الإيمان لا يدرك حكمة المنع والعطاء. ولا حقيقة القيم في ميزان الله.. فإذا عمر قلبه بالإيمان اتصل وعرف ما هنالك. وخفت في ميزانه الأعراض الزهيدة، وتيقظ لما وراء الابتلاء من الجزاء، فعمل له في البسط والقبض سواء. واطمأن إلى قدر الله به في الحالين؛ وعرف قدره في ميزان الله بغير هذه القيم الظاهرة الجوفاء.

(كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)).([11])إنكم لا تدركون معنى الابتلاء، فلا تحاولون النجاح فيه، بإكرام اليتيم والتواصي على إطعام المسكين، بل أنتم على العكس، تأكلون الميراث أكلاً شرهاً جشعاً؛ وتحبون المال حباً كثيراً طاغياً، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام).([12])

فجر القيامة

(يُخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة, فقال تعالى: (كلا) أي: حقاً (إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) أي: وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال وقام الخلائق من قبورهم لربهم (وجاء ربك) يعني لفصل القضاء بين خلقه (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) قال رسول الله ×: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف مَلَكٍ يجرُّونها»،([13]) (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ) أي: عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه، (وأنَّى له الذكرى) أي: وكيف تنفعه الذكرى. (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيا، ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً ، (فَيَوْمَئِذٍ لّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) أي: ليس أحد أشد عذاباً من تعذيب الله من عصاه (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) أي: وليس أحد أشد قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل, وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين، فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) أي: إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته (راضية) أي: في نفسها (مرضية) أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها، (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) أي: في جملتهم (وَادْخُلِي جَنَّتِي)، وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضاً, كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره, فكذلك ههنا).([14])

وأخيرًا.. تخوُّف لابد منه

(إنَّ ثبات الدعوة على الطريق الذي تسلكه للوصول إلى هدفها الرئيس وهو التمكين لدين الله في الأرض، أمرٌ يستدعي الاستعلاء على الضغوط والتحديات، والاستعصاء على الإغراء والمساومة، وهو ما يلحظه المتأمل في مواقف النبي × الشديدة الاستعصاء على الاستدراج والتنازل، مع أنَّه كان في أشد الحاجة إلى المساعدة والنصرة والتأييد لتخفيف الضغط على نفسه وأتباعه).([15])

فلا تساوموا على دينكم، واستمروا في فضح الأوتاد، ولا تبخلوا بنعم الله عليكم، ولا تغفلوا عن الآخرة، ولا ترتابوا في إيمانكم، (فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين).([16])

 

الهوامش

([1])  الآيات 10 و11 و12 من سورة الفجر.

([2])  تفسير الطبري، وتفسير السعدي لسورة الفجر.

([3])  سورة البقرة، الآية: 251.

([4])  سورة البقرة الآية: 214.

([5])  سورة النساء الآية: 104.

([6])  تربية الشباب المسلم للآباء والدعاة، خالد أحمد الشنتوت، ص: 7 ط: دار المجتمع.

([7])  حذار إنهم يحفرون الأخدود، د. محمد رشاد خليل، ص: 8 توزيع: دار الأنصار.

([8])  سورة الفجر الآية: 14.

([9])  سورة ال عمران الآية: 179.

([10])  منهج النبي × في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة، أ. د. محمد أمَحزون، ص: 95 ط: دار السلام.

([11])  سورة الفجر الآيات: 17 ـ 20.

([12])  مختصرًا عن: في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب، سورة الفجر.

([13])  صحيح مسلم (2842) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

([14])  مختصرًا عن: تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير، المجلد الثامن، ص: 369 و370 ط: دار الحديث.

([15])  منهج النبي × في الدعوة، ص: 104.

([16])  سورة يوسف الآية: 64

                               

 

 

أمريكا وتنظيمي داعش وخراسان ؟!

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

في شهر آب / اغسطس من العام 2014 عقد الرئيس بارك  اوباما مؤتمراً صحافياً في البيت الأبيض  يعلن فيه عن قيام دولة العراق  الإسلامية ، المعروفة بداعش ، على أجزاء كبيرة من أراضي سوريا والعراق كدولة أمر واقع ، ضمت العديد من آبار النفط  من كلا الدولتين معلناً ان العمل بإتفاقية سايكس بيكو قد انتهى الى غير رجعة ،  وان العراق اصبح ثلاث دويلات تضم دوله داعش في الوسط  حتى بغداد ودولة الأكراد في الشمال ودولة شيعية ممتدة من جنوب بغداد حتى البصرة  ؟!

ولكن بعد اسابيع من هذا التصريح الخطير قام بزيارة الى المملكة العربية السعودية ودول الخليج متوسلاً المساعدة والمشاركة مع أمريكا وحلف  الأطلسي والدول الأوروبية في ملاحقة دولة داعش وتدميرها لما تشكل من خطر إرهابي على أمريكا ودول العالم ؟!

فما الذي تغير بين ليلة وضحاها ليأتي اوباما شخصياً الى الخليج طالباً مساعدتهم على تدمير داعش  وهو الذي دعمها قبل شهرين مدعياً انها دولة أمر واقع إعترافاً بها قبل اي دولة في العالم ؟!

أمر يدعو للحيرة ، ولكن بعد ان تشكلت قوة التحالف الجوية الغربية بقيادة أمريكا وبدأت ضرباتها فإننا نجدها تستهدف داعش العراقية وتنظيم  خراسان دون غيرهما، اي  دون  التعرض إلى داعش السورية لاستئصالها ؟!

ومن هنا نتساءل ماالفرق بين داعش السورية وداعش العراقية ، وهل انهما منفصلتان في قيادتهما ومن هي منظمة خراسان ؟ أهي تنظيم إيراني أم عربي ام ماذا ؟ّ ولماذا يقتصر الطيران الحربي الأمريكي على ضربهما دون داعش السورية ؟!

سؤال مطروح ومحيّر لانجد له جواباً سوى في الصحافة الأمريكية ، خاصة في صحيفة الواشنطن بوست التي يجول فها كتاب الحزب الجمهوري  في توضيح سياسات البيت الأبيض !.

قبل أن أجيب لابد من استعادة خلفياتالولايات المتحدة الأمريكية في انتهاجها هذه السياسة المتناقضة المحيرة يما يتعلق بدولة داعش التكفيرية دون المساس بالنظام السوري او النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ، إذ ان العرب مغلوبين على أمرهم ،يقفون موقف المتفرح لشعبين يذبحان ويهجّران ،  بدعم سياسي وعسكري من أمريكا وروسيا بما لاضرورة له ، دون أن يكون لهما ،أي للعرب ، اي تأثير أو قدرة في تغيير مجرى الأحداث لنصرة شعب عربي ينتمي اليهم في العرق والدين لوقف أعمال الإبادة  ضده والتهجير .

إن أسباب تحالف أمريكا مع إيران في العام 2003 لغزو العراق عسكرياً وإطلاق يدها فيه ،إنما كان بهدف  الإطاحة بنظام البعث وحل الجيش العراقي وأعاقة نمو العراق صناعياً وإقتصادياً والتحكم بنفطه وتسعيره.

إلا أن هدفها الأساسي وتطلعاتها من هذا الإحتلال هو دول الخليج وفق  تحليلات الصحافة الأمريكية . إذ ان امريكا تسعى لتقسيم الدول الخليجية العربية بما يدعو إلى الدهشة نظراً لأن الشركات الأمريكية هي المهيمنة على مقدرات الخليج النفطية ، فلما تسعى حكومتها الى محاولة تقويض أمن بلدان الخليج ؟! وما هي الفائدة من ذلك ؟! وهل في هذا زيادة لأرباح شركات النفط ؟ ام أن هناك أمراً آخر غير ظاهر للعيان ؟!

أسئلة في محلها ..والجواب نعم هناك امراً آخر يسعى إليه إلإقطاع المالي    في وول ستريت ولندن ، المهيمن على سياسات أمريكا وبريطانيا ، وهو العمل على  تفتيت الدول الخليجية لأنها بدأت تستغل ثرواتها للتسلل الى المؤسسات المالية والعقارية في أوروبا وأمريكا بما قد يخلق منها لوبي مالي عربي مستقبلا ، وبالتالي سياسي يؤثر على القرارات الأمريكية والأوروبية كما حال تأثير اللوبي اليهودي ، بما قد يؤدي الى الضغط على الحكومات الغربية من موقع قوة ينتهي  إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة .

ومن هنا فإن تفجير برجي نيويورك في مطلع القرن الحالي كان ذريعة ممتازة أتاحت لأمريكا إحتلال أفغانستان ، وهي التي سعت قبلاً لتحريرها من الإحتلال السوفياتي ، وذلك ضمن خطة مبيتة لدعم المخططات الأمريكية  التي بدأت بطرد الشاه ليأتي النظام الإيراني الحالي بديلا عنه .

ولمزيد من الشرح والتوضيح لابد من العودة الى فترة  الإحتلال السوفياتي لأفغانستان الذي دام لعشر سنوات امتدت من العام 1979 حتى العام 1989 استخدمت فيها امريكا كل وسائل التحريض لإنهاء هذا الإحتلال ، الى حد انها انشأت مليشيا مسلحة بتعاون مع الدول الخليجية وباكستان لتجنيد قوى محلية أفغانية وخليجية لمحاربة القوات الروسية المحتلة تحت شعار تنظيم  "القاعدة"  الذي كان يتمتع بالحماية الأمريكية ودعم واشنطن .

ولكن بعد زوال الإحتلال السوفياتي فإن أمريكا تخلت عن "القاعدة"بعد ان انتفت الحاجة إليها   لعدم جدواها في مخططاتها ،  إذ اقتصرت على التعاون مع المخابرات الباكستانية بعد إنشاء حكومية افغانية محلية مالبث ان دب النزاع بين أطرافها وانقسمت البلاد بحيث تعذر على باكستان الإصلاح والتوفيق بين أطرافها مع تزايد النفوذ الإيراني من خلال قوات الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود الموالي لإيران ،  فكان إنشاء تنظيم طالبان من الأكثرية العشائرية البشتونية الأفغانية من قبل المخابرات الباكستانية ليجتاح أفغانستان نهاية التسعينات  ويطيح بكل القوى السياسية باستثناء الموالية لأحمد مسعود مما دفعها الى اغتياله في التاسع من أيلول من العام 2001 ، أي قبل يومين من تفجير برجي نيويورك مما سرع الإجتياح الأمريكي لأفغانستان وبالتالي احتلال العراق بتنسيق مع إيران .

 فماهي هذه المخططات ضد الأمة العربية التي استدعت تفجير البرجين واحتلال أفغانستان والعراق وتفجير مايعرف بثورات الربيع العربي ؟

لقد كان قد تم التفاهم  الأمريكي الإيراني بعد طرد الشاه على رفع سعربرميل النفط الى مئتي دولار لتتمكن طهران من  تمويل تصدير ثورتها خارج الحدود  .  إلا انه سرعان ماوقع الخلاف بينهما إذ اعتبرت طهران ان أمريكا قد اخلت بتعهدها ولم ترفع سعر النفط الى مئتي دولار للبرميل كما وعدت ، وذلك من قبل الغزو الأمريكي للعراق ، مما يجعل طهران  في حل من تعهداتها مع امريكا غير المعلنة ، فاحتلت السفارة الأمريكية واحتجزت موظفيها لوقت طويل قبل أن تفرج عنهم .

وسبب إخفاق أمريكا في رفع اسعار النفط وقتذاك هو ان نظام البعث العراقي رد على هذا التدبير ببيع النفط بواسطة بطاقات خاصة بمعدل 15 دولاراً للبرميل واهدى ملايين البراميل لدول مقربة منه مما أغرق العالم في اسعار نفط رخيص وبالتالي عجزت امريكا عن وقف هذا التصرف المضر بمصالح الشركات الأمريكية مما دفعها الى غزو العراق لوضع حد لهذه المضاربة وبالتالي التحكم بأسعار النفط مجدداً .

وقد نشبت الحرب بين طهران وبغداد ، عقب الإطاحة بالشاه ، إلا أن الإيرانيين عجزوا عن قلب النظام العراقي ، بل وانهزموا أمامه مما استدعى غزواُ أمريكياً للعراق  في العام 2003 ، بعد عقد ونيف  من قيام النظام الإيراني ، للعمل على تفتيت العراق وجيشه وتهجير شعبه وهدم مدنه وقراه ورفع اسعار النفط من 28 الى 170 دولاراً ، مالبثت ان تراجعت الى مئة دولار عقب إنفجارالأزمة العالمية واحتجاج صناعيي الغرب على رفع أسعاره الذي عاد الى التدني مؤخراً  بنسب عالية .

إنفجارالوضع في سوريا تحت مسمى الربيع العربي في العام 2011 أقلق الإيرانيين خوفاً من سقوط النظام الذي كانوا يعولون عليه بالتعاون مع روسيا كنقطة إنطلاق لخلخلة أنظمة الخليج للتمدد فيها والهيمنة عليها للتحكم بمنابع النفط وأسعاره ، عدا انهم كانوا قد وظفوا المليارات من الدولارات في الصناعات السورية والعقارية بالإضافة للودائع المالية في المصارف الدمشقية هرباً من العقوبات الدولية ومصادرتها فيما لو وضعت في بنوك غربية ، التي لم يعرف مآلها مع إنفجار الثورة في سوريا .

إنطلقت الثورة السورية من مجموعة أطفال يطالبون بالحرية إلا أن استعمال القوة المفرطة ادى إلى إنشقاقات في الجيش وتوسع الثورة مع تزايد التدخلات الأجنبية لتغرق سوريا في حمام دم لعجلة من إيران لإنهاء الوضع بدعم روسي خوفاً من تمدد هذه الثورة نحو العراق .

إلا أن كل المحاولات الإيرانية بدعم النظام لاحتواء  الثورة السورية وقمعها قد فشلت ، رغم استعانتها  بمليشياتها في العراق ولبنان.فعمدت طهران عندها بتعاون مع المخابرات السورية والروسية إلى إنشاء تنظيم داعش بعنوان إسلامي ضم عناصر من المخابرات السورية ومن المساجين في سوريا والعراق وروسيا والشيشان اقتصرت مهمته على مقاتلة عناصر الجيش الحر واحتلال مواقعه . إلا أن الأمور خرجت عن عقالها إذ بدأ يفد الى سوريا عناصر تكفيرية من مختلف أنحاء الأرض ليصبح فيها اكثر من ألف مليشيا مسلحة ، عملت جميعها تحت اسم داعش كما حال جميع التنظيمات الإخرى الإرهابية في بلدان عدة التي تدعي انها جزء من تنظيم القاعدة في أعمال الفوضى والقتل والتخريب والخروج على السلطة في كل بلاد .

تنظيم داعش السوري اعطى  الحجة والغطاء للجيش العراقي في نظام البعث السابق ليتحالف مع العشائر في معظم انحاء العراق ولينطلق لتحريره من الهيمنة الأمريكية الإيرانية ودحر المليشيات الموالية لطهران بما فيه الجيش الذي شكله نوري المالكي الذي انهزم امام داعش العراقي متخلياً له عن جميع اسلحته لينطلق في عملياته نحو محاصرة بغداد تمهيداً لدخولها ، فاضطرت أمريكا نهاية صيف العام 2014 الى إنشاء جيش من تحالف دولي لمهاجمة داعش العراقية بالطيران قبل استفحالها والسيادة على العراق لإسقاط النظام الحالي الموالي لامريكا . ولكن من جهة ثانية نجد أن  الهجمات الأمريكية في سوريا ركزت على تنظيم خراسان بدلاً من داعش ؟!

 فمن هو تنظيم خراسان ولما جندت أمريكا طيرانها لمهاجمة هذا التنظيم الذي اعتبرته اخطر من داعش وفق تصريحات البيت الأبيض ؟!

تنظيم خراسان وفق الصحافة الغربية هو عبارة عن مجموعات من المسلحين الأفغان والباكستانيين الذين بدأوا يفدون الى سوريا لمقاتلة داعش السورية والنظام السوري والمليشيات  الإيرانية والحرس الثوري في الداخل السوري ، وهي كانت تتسلل على دفعات وتتجمع شمال شرق سوريا تمهيداً للإنطلاق عند استكمال استعداداتها ، إلا أن الأمريكان كانوا سرعة في التحرك فبدأوا بهم قصفاً بالطيران على أمل استئصال شأفتهم ، إذ ان طالبان الأفغانية تعتبر عدوة أمريكا الأولى في تفشيل نفوذها في أفغانستان .

بعد هذه المقالة اصبحنا ندرك لما فضلت أمريكا إيران وداعش على تنظيم القاعدة التي استنفذت أغراضها منه وانتهى مع مقتل بن لادن . إذ ان المخططات والتطلعات  الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة تتلائم مع المخططات الأمريكية في إعاقة إقتصاد هذه الدول ودول العالم العربي  بما فيها إيران التي انُهك إقتصادها بفعل سياسات تصدير الثورة . وحال امريكا بالنسبة للعرب وإيران كحال شخصين يتصارعان دون ان يتدخل احد رغبة في إنهاكهما معاً .

 

«بابا نويل» والملف النووي الإيراني

$
0
0

منذ أكثر من مئة عام، يحل «بابا نويل»، الرجل الطيب السمين ذو الرداء الأحمر المطعّم بالفرو، ضيفاً عزيزاً على الأطفال بلحيته الطويلة البيضاء، حاملاً على ظهره زكيبة الهدايا، حتى صار أيقونة عالمية تكتسح الحدود السياسية والعوائق الثقافية وترسخ مكانها بثبات في وجدان الأطفال الذين ينتظرونه قريباً. وقد تحولت ظاهرة بابا نويل إلى شأن تجاري مطعم ببعض القيم التربوية والدينية، إذ تعلن المحال والحوانيت عن حلول أيامه من كل عام لتنشيط المبيعات، فتجد صورته أو مجسمه على واجهاتها قبيل حلول الموسم. وفيما نجحت الرأسمالية الغربية عبر سنوات طويلة من التراكم في تسليع «بابا نويل» وظاهرته عبر تحويله إلى موظف دعاية لديها، فإن المساجلات السياسية في منطقتنا بين الأفرقاء السياسيين حول المفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى بشأن ملفها النووي قد اكتسبت هي الأخرى، خلال وقت قياسي، طابعاً «بابا نويلياً» بامتياز. ومرد ذلك أن هذه المساجلات تستبطن منطق توزيع الهدايا والمكافآت على غرار ما يقدر عليه الرجل ذو الرداء الأحمر، فخصوم إيران ومؤيدوها في آنٍ معاً يطلقون عنان الخيال لمعنى المفاوضات ونتائجها والمكافآت التي سيحصلون عليها حتماً في نهايتها.

يعتقد بعض خصوم إيران أن طهران تنازلت بالفعل في جولات التفاوض السابقة كلها، وأن استمرار التفاوض سيمكّن الغرب من انتزاع المكافآت والجوائز من إيران واحدة بعد الأخرى، حتى لن يتبقّى لطهران في النهاية سوى التوقيع على صك استسلام كامل وغير مشروط وفي كل الملفات! في المقابل، يذهب بعض حلفاء إيران إلى أن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها عجزت عن إلحاق الأذى بها، بل إنها حتى «تقوي» الاقتصاد الإيراني وترسخ تحوله إلى «اقتصاد مقاوم»، ما يعني أن استمرارها يعود على إيران بالفوائد فقط. ويصرح هؤلاء أن الولايات المتحدة الأميركية رضخت أمام «صانع السجاد الإيراني» ومهارته، فاستسلمت له في الملفات كلها واعترفت بدوره في المنطقة ومعه أيضاً البرنامج النووي الإيراني من دون قيد أو شرط!

هكذا، جعل الجدل السياسي في منطقتنا حول المفاوضات النووية بين إيران والغرب من مواسم التفاوض احتفالات «بابا نويل» مستمرة؛ بمنطق الأمنيات والحصول على الهدايا والمكافآت من دون الحاجة إلى بذل مجهود كبير في مقابلها.

منطق خصوم إيران

ينسى خصوم إيران من العرب في مساجلاتهم النووية مجموعة من الحقائق الأساسية التي لا يستقيم المنطق التحليلي من دون إدراكها والإحاطة بجوانبها. أولاً، تعرف المنطقة اختلالاً واضحاً في ميزان القوى، وإيران ـ مع برنامج نووي أو بدونه - نجحت، بمهارة واضحة بالترافق مع غفلة عربية لا يمكن إنكارها، في استثماره لمصلحتها. تكرّس هذا الاختلال منذ حرب الكويت 1990-1991 مروراً باحتلال العراق 2003، وتفاقم مع تمكّن طهران من مفاصل الدولة والسلطة في العراق بعد احتلاله، ثم بلغ ذروته مع تحالف دمشق الحصري مع طهران وحرب لبنان 2006. على ذلك لا يمكن لأي مفاوضات أن تصحح اختلالات جيو - سياسية إلا في أعقاب هزيمة عسكرية كبرى للطرف المتفوق (درس تاريخ كلاسيكي)، وهو ما لم يحدث في حالة إيران. ثانياً، صمدت إيران أمام تلويحات بحرب شاملة عليها من طرف الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، الذي احتل جوارها الجغرافي أفغانستان 2001 والعراق 2003، واحتفظ بقواعد عسكرية وعلاقات وطيدة في الجغرافيا المحيطة بإيران كلها، بحيث أصبحت الأخيرة نظرياً في كماشة أميركية. ومع ذلك، لم يذهب جورج دبليو بوش الجمهوري إلى الحرب معها لاعتبارات يطول شرحها وتخرج عن موضوع المقالة، وللأسباب ذاتها لم يرد أوباما الديموقراطي يوماً محاربة إيران، بل لطالما فضّل مفاوضتها. ولما كانت الحال كذلك، ننتقل إلى الحقيقة الثالثة وهي أن إيران قطعت خلال عشرات السنين أشواطاً غير منكورة على طريق برنامجها النووي، ما كرّسه أمراً واقعاً. وبالتالي لا تستطيع أميركا أن تنتزع، بالمفاوضات النووية أو غيرها، كل ما عجزت عن انتزاعه بالتلويح بالحرب، وهو أيضاً درس تفاوض كلاسيكي. على ذلك، يخرج استدعاء منطق «بابا نويل» ومفاده أن إيران ستتنازل، وفقط في المفاوضات النووية، المساجلات الدائرة من حيز المعقولية، ويدخلها من أوسع الأبواب في خانة التمنيات.

منطق حلفاء إيران

بدورهم، ينسى حلفاء إيران مجموعة من الحقائق، التي لا يستقيم التحليل بدوره من دونها. أولاً، تتعرض إيران لعقوبات اقتصادية ضخمة، تؤثر بشكل أو بآخر في قرارها السياسي، لما هو معلوم بالضرورة من ترابط السياسة والاقتصاد. فإذا كانت العقوبات الاقتصادية «تقوي» إيران وتمنحها المناعة، فلماذا تطالب إيران برفعها بإلحاح؟ مع العلم أن منطق التفاوض يدور حول نزع إيران قطعة من برنامجها النووي مقابل قطعة تنزع من العقوبات الاقتصادية. ثانياً، راكمت إيران حضوراً ونفذت من الثغرات في المنطقة، ولكن غالبية الأطراف الفاعلة في المنطقة تناوئ إيران علناً أو مداورة (الدول العربية الخليجية وتركيا وإسرائيل)، ما يعرقل موضوعياً الحديث عن نصر نهائي لإيران، فالنصر يتطلب اعتراف الخصوم بالهزيمة. ثالثاً، تشبه اللعبة الدائرة في الشرق الأوسط لعبة روليت – الشرق الأوسط بمعنى من المعاني كازينو كبير- يملك اللاعب الإيراني فيها أكواماً من الشرائح البلاستيكية في مقابل خصومه، ما يجعله رابحاً حسابياً ونظرياً، ولكن لحظة الربح الحقيقية في روليت القمار هي لحظة قيام صندوق الحسابات في الكازينو – أميركا - بتحويل الشرائح البلاستيكية لدى اللاعب إلى أموال حقيقية. بمعنى أن حضور إيران الإقليمي المتزايد لن يتقنن إلا بالضوء الأخضر الأميركي، وبالتالي فإن سعي إيران إلى التفاوض مع أميركا حثيث ومفهوم ومنطقي، وليس كرم أخلاق من اللاعب الإيراني تجاه أميركا المتلهفة للاتفاق بأي ثمن وبأي شرط. رابعاً، ينسى حلفاء إيران في مساجلاتهم أن التفاوض يدور حول البرنامج النووي الإيراني حصراً، وأن البرنامج النووي للأطراف الست المقابلة ليس محلاً للتفاوض بأي شكل من الأشكال. أي أن ما يدور التفاوض عليه هو «تنازلات» إيرانية نووية لا غربية، حتى ولو اختلفنا تحليلياً على حجم هذه «التنازلات» الإيرانية. خامساً، على حد علمي لم تحتل إيران واشنطن حتى الآن، ولم تفلح بعد في نصب صواريخها في شبه الجزيرة الكوبية ولا نشر حاملات طائراتها قبالة السواحل الأميركية، وكذلك لم ينخرط أيٌ من كندا أو المكسيك في تحالف مع إيران في مواجهة أميركا. حتى اللحظة، لم تلجأ رموز المعارضة الأميركية إلى طهران، ولم يرفع المحتجون الأميركيون على واقعة فيرغسون شعارات الثورة الإيرانية، ولم تغزُ التكنولوجيا الإيرانية المتطورة الأسواق الأميركية. ولما كان أيٌ من تلك المؤشرات لم يتحقق، حتى الحين، فلماذا تستسلم واشنطن إذاً لتفرض عليها طهران شروطها في الملفات النووية والإقليمية كلها، سواء أجاد «صانع السجاد الإيراني» حياكته أم لم يفعل؟

الخلاصة

تلعب العقلية الريعية النفطية دورها المؤثر في ترسيخ منطق «بابا نويل» في المساجلات السياسية الدائرة بين حلفاء إيران وخصومها، فما على دول منطقتنا المعتمدة على تصدير النفط – بمن في ذلك خصوم إيران العرب وإيران ذاتها - إلا استخراج ما في باطن أرضهم من ذهب أسود، ومن ثم مبادلته بالسلع والخدمات التي تشتهي الحصول عليها، ليس في موسم «بابا نويل» فقط ولكن في فصول السنة كلها في الواقع.

يجسد السجال السياسي بين حلفاء إيران وخصومها مفارقة كبرى، إذ يرى طرفا المساجلة، كل بطريقته، في الرئيس الأميركي باراك أوباما «بابا نويل» من نوع فريد. صحيح أنه ليس سميناً ولا أبيضَ ولا يظهر حتى في الصور حاملاً زكيبة هدايا، لكنه سينتزع من إيران كل شيء، ويجبرها على التنازل، كما هو منطق خصوم إيران، أو سيستسلم أمام «حائك السجاد الإيراني» ويسلم له كل المكافآت في الملفات كافة من دون مقابل، كما هو منطق حلفاء إيران. ينسى المساجلون أن أميركا ليست «بابا نويل» بأي حال، وأنها كإمبراطورية في طور الأفول تتلاعب بكل الأطراف لتحقيق مصالحها المتصادمة في كثير من الأحوال مع مصالح شعوب المنطقة. ومثل كل طفل بلغ العاشرة من عمره أو أقل، سيأتي الوقت الذي سيختبر فيه المساجلون، عاجلاً أم آجلاً، أنه لا وجود حقيقياً «لبابا نويل».. لا في المفاوضات النووية ولا في العالم الواقعي!


أغثنا أدركنا أيها الجبرتي !!

$
0
0

أغثنا أدركنا أيها الجبرتي !!

 

مجموعة كتب الاستاذ عبد الرحمن الرافعي المحامي المصري ورجل الحزب الوطني القديم الذى أسسه مصطفى كامل فى بداية القرن العشرين كتبها تحت عنوان "تاريخ الحركة القومية فى مصر"وهي تبدأ فى سرد تاريخ البلاد منذ ما قبل وقوع الحملة الفرنسية مباشرة وحتي السنوات الأولي من حركة الضباط فى يوليو عام 1952 وتنتهي بالعدوان الثلاثي على مصر.

والواقع أن إسم "الحركة القومية"يبعث على التساؤل إن كانت القومية المصرية قد بدأ تاريخها مع الحملة الفرنسية أم أنه يعود إلى ما قبل ذلك. وأنا شخصيا مقتنع أن القومية المصرية هي أقدم كثيرا من هذا التاريخ الحديث، بل أنها ربما تكون أقدم من الأديان التوحيدية التي مرت على مصر. والدليل علي ذلك هو رفعة الشعور القومي المصري العام على الشعور الديني العام رغم كل التدين الذى يقال عنه وينسب إلى الشعب المصري. وتمتاز هذه القومية رغم أهميتها بالمقاومة الخافتة وعدم اللجوء إلى العنف، بل إلى الصبر "على جار السو"إلى أن يرحل أو تجي له مصيبة تاخذه كما يقول المثل المصري الشهير.

ولئن نحينا جانبا مسألة التسمية والاصل التاريخي لها فإن مجموعة كتب الرافعي هي مصدر لا يمكن الإستهانة به فى قراءة التاريخ المصري الحديث.

وبما أنه قد تناول الفترة المذكورة فإن مصدرا أساسيا لكتاباته هو ما قد سبقه إليه عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ المتطوع الذى عاصر الحملة الفرنسية وما قبلها وعاصر بدايات عصر محمد على ونقل إلينا صورا تكاد تكون فوتوجرافية عما كان يقع فى البلاد أيامها.

وعلى الجانب الآخر فإن كاتبا شهيرا ثانيا هو الأستاذ لويس عوض قد تناول مذكرات الجبرتي بالتفصيل والبحث فى كتابه المتعدد الأجزاء "تاريخ الفكر المصري الحديث"والذى لم أجد منه سوي ثلاثة أجزاء من اصل سبعة أو 10 أجزاء وقرأت بعضا منها إقتراضا من مكتبة جامعة ميونيخ منذ 25 عاما.. ولفظ الفكر المصري الحديث قد يعني فى بعض تفسيراته أيضا القومية المصرية التي ذهب لويس عوض إلى أنها لم تكن متواجدة بشكل واضح قبل تجريدة نابليون على مصر، خلافا لوجهة نظرى التي عبرت عنها سابقا.

وقد أجمعت كل من القراءتين للرافعي وعوض على أن الحملة الفرنسية على مصر جاءت صدمة حضارية هائلة الأثر اصابت المجتمع المصري بالدوار الذى لم يفق منه إلا بعد ذلك بسنوات ويري البعض أنه لم يفق من أثرها إلى اليوم.

على كل حال فإن ما يهمنا فى هذه الملاحظات هو تلك الفترة التي سبقت الحملة الفرنسية والتي إمتدت حتي نهايتها وحتي وصول محمد على للحكم بنوع من البيعة من جانب أهل الحل والعقد فى عام 1805.

علي أنه لابد هنا من ذكر أن أهم أسباب الخمول السياسي والعلمي لمنطقة الشرق الأوسط خلال الحكم التركي العثماني هما سببان: أولا كون الدولة العثمانية كيانا أوروبيا يري أن مجال عمله الأصلي هو أرض أوروبا حيث كانت تلك الدولة تناطح القوي الأوروبية المختلفة، وبالذات روسيا والنمسا، وبالتالي لم يكن الشرق الأوسط يمثل أكثر من مصدر من مصادر الدخل ولم يكن يوما يمثل مصبا لنفقات الإستثمار أو التطوير أو التحسين، كالطبيب الذى يشكل العمل الطبي مصدر دخله الأساسي ولكنه قد ورث عقارا قديما يعتبره مصدرا إضافيا للدخل ولكنه لا يهتم به ولا بتجديده أو تحسين حاله. والسبب الآخر كان واقعا فى ضم صفتي الخليفة والحاكم الدنيوي فى نفس الشخص، أى شخص السلطان العثماني. وقد جاء هذا الضم عقب قرون طويلة من الفصل بينهما حيث تعدد السلاطين مع وجود خليفة واحد له سلطة رمزية روحية لا يتعداها إلى السلطة السياسية التي يمارسها السلاطين كل فى منطقته. وهذا الضم المتأخر الذى جاء فى عام 1517 معاصرا لبدايات الفصل بين الكنيسة والدولة فى أوروبا بإصلاحات مارتن لوثر نشأ عنه ردة إلى الخلف لكل إقليم الدولة العثمانية وخصوصا إقليمها العربي فى الشرق الأوسط.

بل أن الوضع قد زاد سوءه أكثر وأكثر بسبب عدم إهتمام الدولة صاحبة السيادة علي مصر بأحوال هذا البلد، إذ أنها جعلت الحكم فيها مقسما بين الوالي الذى يمثل السلطان ويعين بقرار منه، والقادة العسكريين للفرق التي جلبها السلطان سليم الأول معه لفتح مصر (أو غزوها بلغة أدق) ثم غادر مصر وترك تلك الفرق فيها، وأخيرا المماليك الذين إمتثلوا للسلطان التركي وأقروا له بالسيادة والسلطان وأعلنوا أنهم عبيده فرضي عنهم ومكنهم من سلطة الإدارة المدنية للمحافظات المختلفة وهم من يطلق علهم الجبرتي "الأمراء المصرية"..

(شىء من هذا القبيل قام الأمريكيون به عندما دخلوا كوريا عام 1945 ليجدوا أن شعبها علي غاية من الجهل والأمية والعبودية لليابان فترخصوا مع اليابانيين وتركوهم يحكمون كوريا تحت إشراف أمريكي رغم أن اليابان كانت دولة مهزومة ومستسلمة..إنها البراجماتية فى العمل السياسي)..

وهكذا أصبحت السلطة فى مصر مقسمة بين جهات ثلاث تتنازع ميزاتها فى معظم الأحوال ولا تهتم بأحوال الناس ولا تري فى مصر وأرضها وناتجها القومي إلا مغنما ينبغي الحصول عليه بأسرع ما يكون الحصول.

ثم أن الدولة العثمانية أعلنت عقب دخولها لمصر أن جميع اراضى مصر قد آلت ملكيتها للسلطان العثماني وذلك بمقتضي حق الفتح، وأصبح الملاك القدامي حائزين للاراضي يمكن طردهم منها فى أى وقت مما أشاع بين أوساط المصريين خوفا تجرعوا من خلاله إنكسارا ومذلة للإحتفاظ بالأراضي التي هي قرة عين كل فلاح مصري كما نعرف.

والآن لابد من تأمل التوازن الدقيق بين السلطات الثلاث التي عرفنا أنها تمارس الحكم..

أمريكا وتنظيمي داعش وخراسان

$
0
0

 

 

تأليف : محمد السويسي

في شهر آب / اغسطس من العام 2014 عقد الرئيس بارك  اوباما مؤتمراً صحافياً في البيت الأبيض  يعلن فيه عن قيام دولة العراق  الإسلامية ، المعروفة بداعش ، على أجزاء كبيرة من أراضي سوريا والعراق كدولة أمر واقع ، ضمت العديد من آبار النفط  من كلا الدولتين معلناً ان العمل بإتفاقية سايكس بيكو قد انتهى الى غير رجعة ،  وان العراق اصبح ثلاث دويلات تضم دوله داعش في الوسط  حتى بغداد ودولة الأكراد في الشمال ودولة شيعية ممتدة من جنوب بغداد حتى البصرة  ؟!

ولكن بعد اسابيع من هذا التصريح الخطير قام بزيارة الى المملكة العربية السعودية ودول الخليج متوسلاً المساعدة والمشاركة مع أمريكا وحلف  الأطلسي والدول الأوروبية في ملاحقة دولة داعش وتدميرها لما تشكل من خطر إرهابي على أمريكا ودول العالم ؟!

فما الذي تغير بين ليلة وضحاها ليأتي اوباما شخصياً الى الخليج طالباً مساعدتهم على تدمير داعش  وهو الذي دعمها قبل شهرين مدعياً انها دولة أمر واقع إعترافاً بها قبل اي دولة في العالم ؟!

أمر يدعو للحيرة ، ولكن بعد ان تشكلت قوة التحالف الجوية الغربية بقيادة أمريكا وبدأت ضرباتها فإننا نجدها تستهدف داعش العراقية وتنظيم  خراسان دون غيرهما، اي  دون  التعرض إلى داعش السورية لاستئصالها ؟!

ومن هنا نتساءل ماالفرق بين داعش السورية وداعش العراقية ، وهل انهما منفصلتان في قيادتيهما ومن هي منظمة خراسان ؟ أهي تنظيم إيراني أم عربي ام ماذا ؟ّ ولماذا يقتصر الطيران الحربي الأمريكي على ضربهما دون داعش السورية ؟!

سؤال مطروح ومحيّر لانجد له جواباً سوى في الصحافة الأمريكية ، خاصة في صحيفة الواشنطن بوست التي يجول فها كتاب الحزب الجمهوري  في توضيح سياسات البيت الأبيض !.

قبل أن أجيب لابد من استعادة خلفياتالولايات المتحدة الأمريكية في انتهاجها هذه السياسة المتناقضة المحيرة يما يتعلق بدولة داعش التكفيرية دون المساس بالنظام السوري او النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ، إذ ان العرب مغلوبين على أمرهم ،يقفون موقف المتفرح لشعبين يذبحان ويهجّران ،  بدعم سياسي وعسكري من أمريكا وروسيا بما لاضرورة له ، دون أن يكون لهما ،أي للعرب ، اي تأثير أو قدرة في تغيير مجرى الأحداث لنصرة شعب عربي ينتمي اليهم في العرق والدين لوقف أعمال الإبادة  ضده والتهجير .

إن أسباب تحالف أمريكا مع إيران في العام 2003 لغزو العراق عسكرياً وإطلاق يدها فيه ،إنما كان بهدف  الإطاحة بنظام البعث وحل الجيش العراقي وأعاقة نمو العراق صناعياً وإقتصادياً والتحكم بنفطه وتسعيره.

إلا أن هدفها الأساسي وتطلعاتها من هذا الإحتلال هو دول الخليج وفق  تحليلات الصحافة الأمريكية . إذ ان امريكا تسعى لتقسيم الدول الخليجية العربية بما يدعو إلى الإستغراب  نظراً لأن الشركات الأمريكية هي المهيمنة على مقدرات الخليج النفطية ، فلما تسعى حكومتها الى محاولة تقويض أمن بلدان الخليج ؟! وما هي الفائدة من ذلك ؟! وهل في هذا زيادة لأرباح شركات النفط ؟ ام أن هناك أمراً آخر غير ظاهر للعيان ؟!

أسئلة في محلها ..والجواب نعم هناك امراً آخر يسعى إليه إلإقطاع المالي    في وول ستريت ولندن ، المهيمن على سياسات أمريكا وبريطانيا ، وهو العمل على  تفتيت الدول الخليجية لأنها بدأت تستغل ثرواتها للتسلل الى المؤسسات المالية والعقارية في أوروبا وأمريكا بما قد يخلق منها لوبي مالي عربي مستقبلا ، وبالتالي سياسي يؤثر على القرارات الأمريكية والأوروبية كما حال تأثير اللوبي اليهودي ، بما قد يؤدي الى الضغط على الحكومات الغربية من موقع قوة ينتهي  إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة .

ومن هنا فإن تفجير برجي نيويورك في مطلع القرن الحالي كان ذريعة ممتازة أتاحت لأمريكا إحتلال أفغانستان ، وهي التي سعت قبلاً لتحريرها من الإحتلال السوفياتي ، وذلك ضمن خطة مبيتة لدعم المخططات الأمريكية  التي بدأت بطرد الشاه ليأتي النظام الإيراني الحالي بديلا عنه .

ولمزيد من الشرح والتوضيح لابد من العودة الى فترة  الإحتلال السوفياتي لأفغانستان الذي دام لعشر سنوات امتدت من العام 1979 حتى العام 1989 استخدمت فيها امريكا كل وسائل التحريض لإنهاء هذا الإحتلال ، الى حد انها انشأت مليشيا مسلحة بتعاون مع الدول الخليجية وباكستان لتجنيد قوى محلية أفغانية وخليجية لمحاربة القوات الروسية المحتلة تحت شعار تنظيم  "القاعدة"  الذي كان يتمتع بالحماية الأمريكية ودعم واشنطن .

ولكن بعد زوال الإحتلال السوفياتي فإن أمريكا تخلت عن "القاعدة"بعد ان انتفت الحاجة إليها   لعدم جدواها في مخططاتها ،  إذ اقتصرت على التعاون مع المخابرات الباكستانية بعد إنشاء حكومية افغانية محلية مالبث ان دب النزاع بين أطرافها وانقسمت البلاد بحيث تعذر على باكستان الإصلاح والتوفيق بين أطرافها مع تزايد النفوذ الإيراني من خلال قوات الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود الموالي لإيران ،  فكان إنشاء تنظيم طالبان من الأكثرية العشائرية البشتونية الأفغانية من قبل المخابرات الباكستانية ليجتاح أفغانستان نهاية التسعينات  ويطيح بكل القوى السياسية باستثناء الموالية لأحمد مسعود مما دفعها الى اغتياله في التاسع من أيلول من العام 2001 ، أي قبل يومين من تفجير برجي نيويورك مما سرع الإجتياح الأمريكي لأفغانستان وبالتالي احتلال العراق بتنسيق مع إيران .

 فماهي هذه المخططات ضد الأمة العربية التي استدعت تفجير البرجين واحتلال أفغانستان والعراق وتفجير مايعرف بثورات الربيع العربي ؟

لقد كان قد تم التفاهم  الأمريكي الإيراني بعد طرد الشاه على رفع سعربرميل النفط الى مئتي دولار لتتمكن طهران من  تمويل تصدير ثورتها خارج الحدود  .  إلا انه سرعان ماوقع الخلاف بينهما إذ اعتبرت طهران ان أمريكا قد اخلت بتعهدها ولم ترفع سعر النفط الى مئتي دولار للبرميل كما وعدت ، وذلك من قبل الغزو الأمريكي للعراق ، مما يجعل طهران  في حل من تعهداتها مع امريكا غير المعلنة ، فاحتلت السفارة الأمريكية واحتجزت موظفيها لوقت طويل قبل أن تفرج عنهم .

وسبب إخفاق أمريكا في رفع اسعار النفط وقتذاك هو ان نظام البعث العراقي رد على هذا التدبير ببيع النفط بواسطة بطاقات خاصة بمعدل 15 دولاراً للبرميل واهدى ملايين البراميل لدول مقربة منه مما أغرق العالم في اسعار نفط رخيص وبالتالي عجزت امريكا عن وقف هذا التصرف المضر بمصالح الشركات الأمريكية مما دفعها الى غزو العراق لوضع حد لهذه المضاربة وبالتالي التحكم بأسعار النفط مجدداً .

وقد نشبت الحرب بين طهران وبغداد ، عقب الإطاحة بالشاه ، إلا أن الإيرانيين عجزوا عن قلب النظام العراقي ، بل وانهزموا أمامه مما استدعى غزواُ أمريكياً للعراق  في العام 2003 ، بعد عقد ونيف  من قيام النظام الإيراني ، للعمل على تفتيت العراق وجيشه وتهجير شعبه وهدم مدنه وقراه ورفع اسعار النفط من 28 الى 170 دولاراً ، مالبثت ان تراجعت الى مئة دولار عقب إنفجارالأزمة العالمية واحتجاج صناعيي الغرب على رفع أسعاره الذي عاد الى التدني مؤخراً  بنسب عالية .

إنفجارالوضع في سوريا تحت مسمى الربيع العربي في العام 2011 أقلق الإيرانيين خوفاً من سقوط النظام الذي كانوا يعولون عليه بالتعاون مع روسيا كنقطة إنطلاق لخلخلة أنظمة الخليج للتمدد فيها والهيمنة عليها للتحكم بمنابع النفط وأسعاره ، عدا انهم كانوا قد وظفوا المليارات من الدولارات في الصناعات السورية والعقارية بالإضافة للودائع المالية في المصارف الدمشقية هرباً من العقوبات الدولية ومصادرتها فيما لو وضعت في بنوك غربية ، التي لم يعرف مآلها مع إنفجار الثورة في سوريا .

إنطلقت الثورة السورية من مجموعة أطفال يطالبون بالحرية إلا أن استعمال القوة المفرطة ادى إلى إنشقاقات في الجيش وتوسع الثورة مع تزايد التدخلات الأجنبية لتغرق سوريا في حمام دم لعجلة من إيران لإنهاء الوضع بدعم روسي خوفاً من تمدد هذه الثورة نحو العراق .

إلا أن كل المحاولات الإيرانية بدعم النظام لاحتواء  الثورة السورية وقمعها قد فشلت ، رغم استعانتها  بمليشياتها في العراق ولبنان.فعمدت طهران عندها بتعاون مع المخابرات السورية والروسية إلى إنشاء تنظيم داعش بعنوان إسلامي ضم عناصر من المخابرات السورية ومن المساجين في سوريا والعراق وروسيا والشيشان اقتصرت مهمته على مقاتلة عناصر الجيش الحر واحتلال مواقعه . إلا أن الأمور خرجت عن عقالها إذ بدأ يفد الى سوريا عناصر تكفيرية من مختلف أنحاء الأرض ليصبح فيها اكثر من ألف مليشيا مسلحة ، عملت جميعها تحت اسم داعش كما حال جميع التنظيمات الإخرى الإرهابية في بلدان عدة التي تدعي انها جزء من تنظيم القاعدة في أعمال الفوضى والقتل والتخريب والخروج على السلطة في كل بلاد .

تنظيم داعش السوري اعطى  الحجة والغطاء للجيش العراقي في نظام البعث السابق ليتحالف مع العشائر في معظم انحاء العراق ولينطلق لتحريره من الهيمنة الأمريكية الإيرانية ودحر المليشيات الموالية لطهران بما فيه الجيش الذي شكله نوري المالكي الذي انهزم امام داعش العراقي متخلياً له عن جميع اسلحته لينطلق في عملياته نحو محاصرة بغداد تمهيداً لدخولها ، فاضطرت أمريكا نهاية صيف العام 2014 الى إنشاء جيش من تحالف دولي لمهاجمة داعش العراقية بالطيران قبل استفحالها والسيادة على العراق لإسقاط النظام الحالي الموالي لامريكا . ولكن من جهة ثانية نجد أن  الهجمات الأمريكية في سوريا ركزت على تنظيم خراسان بدلاً من داعش ؟!

 فمن هو تنظيم خراسان ولما جندت أمريكا طيرانها لمهاجمة هذا التنظيم الذي اعتبرته اخطر من داعش وفق تصريحات البيت الأبيض ؟!

تنظيم "خراسان"وفق الصحافة الغربية هو عبارة عن مجموعات من المسلحين الأفغان والباكستانيين الذين بدأوا يفدون الى سوريا لمقاتلة داعش السورية والنظام السوري والمليشيات  الإيرانية والحرس الثوري في الداخل السوري ، وهي كانت تتسلل على دفعات وتتجمع شمال شرق سوريا تمهيداً للإنطلاق عند استكمال استعداداتها ، إلا أن الأمريكان لم يكونوا ليتحملوا امتداد نفوذ طالبان الى سوريا ، فعمدوا بسرعة الى التحرك ليبدأوا بهم قصفاً بالطيران على أمل استئصال شأفتهم ، إذ ان طالبان الأفغانية تعتبر عدوة أمريكا الأولى في تفشيل نفوذها في أفغانستان .

بعد هذه المقالة اصبحنا ندرك لما فضلت أمريكا إيران وداعش على تنظيم القاعدة التي استنفذت أغراضها منه وانتهى مع مقتل بن لادن . إذ ان المخططات والتطلعات  الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة تتلائم مع المخططات الأمريكية في إعاقة إقتصاد هذه الدول ودول العالم العربي  بما فيها إيران التي انُهك إقتصادها بفعل سياسات تصدير الثورة . وحال امريكا بالنسبة للعرب وإيران كحال شخصين يتصارعان دون ان يتدخل احد رغبة في إنهاكهما معاً .

 

في تحرير التجارة العالمية

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي
إن موضوع تحرير التجارة العالمية الذي ترفع رايته أمريكا هو مطلب حق يراد به باطل لأنه يعني رفع "الحمائية "عن البضائع المستوردة،  أي رفع القيود والتدابير الجمركية والتشريعية التي تحمي الزراعة والصناعة الوطنيتان في كل بلد لصالح البضائع الأمريكية مع إزالة كل عوامل المنافسة، بما يؤدي حتماً إلى تدمير الاقتصاد الوطني لهذه الدول، تحت حجة المعاملة بالمثل ، وفقاً لنصوص بعض بنود "منظمة التجارة العالمية "الأمريكية التي ترعى تنظيم هذا الأمر، كما رعى القرد توزيع قطعة الجبن بالتساوي بين متنازعين فكانت من نصيبه على دفعات عند كل تعديل للقسمة.

هكذا الأمر يجري من خلال "الحمائية "إذ أنها سيف ذو حدين يؤذي الطرفين خاصة وأن ضررها أكبر من نفعها كما الخمر والميسر لأن أمريكا بإصرارها على تطبيق تلك الاتفاقية على معظم دول العالم كما هو حاصل الآن فإن سلبيات تلك المعاهدة تؤدي إلى الإضرار الشديد بالإمكانيات المالية لتلك الدول وبالتالي عدم قدرتها على استيراد السلع الغربية مع فقدان السيولة من بين أيدي مواطنيها نتيجة فقدان أو تراجع أعمالهم ومداخيلهم من الزراعة والصناعة لانعدام المنافسة ؛ مما يعني كساداً للبضائع الأمريكية وإفلاس مصانعها ومؤسساتها المالية كما هو حاصل حالياً .

هذا الكساد الذي كان قسماً كبيراً منه ناتج بتأثير منظمة التجارة التي أنشأت منذ العام 1995 بطمع أمريكي لاحتكار التجارة العالمية من أجل سلعها فقط في وقت غير ملائم، مما أدى إلى تنامي وازدهار التجارة الصينية وسيادتها على الأسواق العالمية مع انخفاض القدرات الشرائية للعالم الثالث بحيث انحصرت قدراتهم المالية في البضائع الصينية لتدني أسعارها على حساب المصانع الأوروبية بفضل الممارسات الأمريكية الخاطئة التي جاءت عن غير قصد لقصر نظرها فكانت كصاحب الدجاجة التي تبيض بيضة ذهبية كل يوم فعمد إلى ذبحها ليستولي على البيض جميعه فخسر كنزه لطمعه وجهله.  ولن يبدأ الإقتصاد الأوروبي بالتعافي ويعود لنشاطه الا بالتخلي عن مضمون هذه الإتفاقية او تعديل بنودها "الحمائية ".

وأنه لأمر مؤسف ألا تدرك الدول العربية ودول العالم أخطار التوقيع على تلك الاتفاقية ومدى سلبياتها بحيث أنها عمدت على الاستمرار في دعمها والإلحاح في ذلك بناء لرغبة أمريكية، علماً أن أمريكا والصين وروسيا والهند  لايتقيدون بمضمون هذه الإتفاقية إلا بما يتلائم مع مصالحهم .

بل أن أمريكا قد بالغت في هذا الأمر ، في شق الإتفاقية الزراعي ، عندما أعلنت قبل سنوات أن أصل الحبوب الزراعية هي من أراضيها ومن الأراضي الاسترالية المتعاونة معها وأن على العالم أن يمتنع عن تأصيل الحبوب الزراعية وتخزينها وإلا كان ذلك عملاً عدائياً ضد الولايات المتحدة قد يعني مقاضاتها أن لم تشتر منها حاجاتها من هذه الحبوب؟! إلا أن وجود الصين والروس ومعارضة دول أمريكا الجنوبية حالوا دون السير بهذا الأجراء الهمايوني الذي لم تشهد القرون الوسطى له مثيلا.

 

درس من المغرب

$
0
0

 

من أوائل الدروس التي يتعلمها طلبة الحقوق درس فيما يسمونه نظرية الحق. وكلمة نظرية فى الدراسات الإنسانية تعني كنه أو معني أو محتوي أو طبيعة.
وهذا الدرس يقول بأن لكل حق ثابت قوة تحميه وإلا أصبح الحق لغوا لا قيمة له.فباب الشقة الخشب مثلا لا يحمي الشقة من أي خطر لأنه قابل للكسر بمجرد المجهود البسيط. ولكنه رمز لما هو أقوي منه كثيرا، رمز للقانون الذى يحمي الملكية أو الحيازة. وهذه القوة هي إحتكار للدولة لا يشاركها فيه سواها.
وقد شاهدت في الليل برنامجا إخباريا عن حال المهاجرين الأفارقة فى المغرب التي يأخذون إقليمها معبرا إلى أوروبا. وقد إشتكوا جميعا من المعاملة السيئة من جانب المواطنين المغاربة وكيف أنهم يطلقون عليهم إيبولا، أي أنهم يحملون المرض الخطير.
وعلي الجانب الآخر إشتكي المغاربة من أن الافارقة يغتصبون الشقق المغلقة ويدخلونها عنوة دون إستئذان ويقيومن فيها رغما عن إرادة ملاكها أو حائزيها الشرعيين. وقد سأل برنامج قناة فرانس 24 أحد الأفارقة عن ذلك فأجاب بكل صراحة: إن هؤلاء المغاربة أصحاب الشقق يعيشون في أوروبا ويحتفظون بشقق مغلقة وقد سألناهم مرارا إن كانوا يريدون تأجيرها لنا ولكنهم يرفضون..
ولكنه لم يقل أنهم يدخلونها عنوة.. وفى النهاية وعقب مناوشات ونزاعات بين الطرفين قرر الافارقة أن يبيتوا ليلهم على مرتبة ملتحفين بطانية على أرض سطوح العمارات التي يرفض حائزو شققها أن يؤجروها لهم.. وكأن السطوح لا مالك ولا حائز له !!
المشكلة هي أن المغرب قريب جدا جدا من إسبانيا ولهذا يفضله الأفارقة كبلد عبور. ولكن ليست جميع محاولات العبور هي من المحاولات الناجحة إذ يحدث في معظم الأحيان أن تفشل لتعيدهم السلطات الإسبانية إلى المغرب فيضطرون إلى الإقامة فيه إلي حين القيام بالمحاولة التالية.
والملاحظ هو أن هؤلاء الافارقة لديهم مال كاف للحياة إذ أنهم يعرضون اسعارا معقولة ثمنا لإيجار تلك الشقق.
ولكن مع تفاقم المشكلة فإن هناك خوف سائد بين المغاربة من أن الحماية القانونية قد تنهار قريبا بحيث يفرض الافارقة أمرهم الواقع..
وموضوع الهجرة الجماعية لابد من دراسته دراسة مستفيضة لأنه أصبح ظاهرة تنذر بتغييرات هائلة فى العالم.
وموضوع  PEGIDA في ألمانيا ليس بعيدا عن ذلك بل هو واقع فى القلب من ذلك الأمر الهام..

في صندوق النقد الدولي

$
0
0

تأليف : محمد السويسي :

إن صندوق النقد الدولي عند تأسيسه العام 1944 جاء كحاجة ضرورية ملحة عقب الحرب العالمية الثانية لإصلاح الخراب والدمار النازي الذي أصاب أوروبا ودمر اقتصادها على كل الصعد فكانت بحاجة للإعانات الفورية لإعادة نهوضها وقد أفلست وشارفت على الهلاك .

ولكن الممارسات التي انتهجها الصندوق خارج أوروبا مع الدول النامية جعلت توجهاته متماشية ومتلائمة مع المصالح الأمريكية بل وخاضعة لها مما أفقده دوره المحايد ورسالته المفترضة في مساعدة الشعوب . وقد تجلى ذلك في موقفه من مصر العام 1956 عندما نكث بوعده في تمويل السد العالي استجابة لرغبة أمريكا لخلافها مع مصر على صفقة الأسلحة التشيكية بما لا يعني صندوق النقد فيما لو كان على الحياد وفقاً للمبادئ التي قام عليها.

لقد كان رأي البريطانيين عقب انفجار الأزمة المالية العالمية ضرورة إلغاء صندوق النقد والبنك الدوليان لانتفاء الحاجة إليهما مع تنامي العولمة واتساع رقعتها بشكل غير محدود، إلا أن نتائج اجتماع قمة العشرين مطلع نيسان 2009 وماتلاها كانت مغايرة للتوجه الأوروبي المسبق بما سارت عليه خلال الاجتماعات في دعم الصندوق بما يتماشى والرغبات الأمريكية، بحيث أنها قد وافقت على تمويل صندوق النقد بخمسمائة مليار دولار لمساعدة الدول المتعثرة الموقعة على اتفاقية منظمة التجارة العالمية لحفز اقتصادها والتعويض عليها ؟!

وإن تعثر دول العالم الثالث الموقعة على إتفاقية منظمة التجارة أمر طبيعي لأن بعض بنودها تنص على رفع كل القيود الجمركية عن سلع 152 دولة موقعة عليها، وبالتالي تضحى خزينة الدول غير الصناعية أو المنتجة، وفقاً لمضمون هذا البند وتدابيره، خالية الوفاض من المورد الأساسي لدخولها من الرسوم الجمركية مع استبدالها بالضريبة على القيمة المضافة التي تعد ضريبة داخلية على القدرات الشرائية للمواطنين، لا تمس المطارح الملائمة لها من المستوردات الخارجية من البضائع، إلا أنها لا تفي بحاجات الخزينة ومتطلباتها كما الرسوم الجمركية، وبذلك تضحى الدولة بحاجة لإعانات وقروض خارجية تتراكم على مدى الزمن بحيث يتعذر سدادها، وتصبح مهمات الحكومات أكثر تعقيداً في القيام بواجباتها والحياة المعيشية لمواطنيها أكثر صعوبة كما حال اليونان ومعظم أوروبا اليوم ، وهنا يأتي دعم الصندوق الدولي كمخدر للاستمرار في تلك السياسات بما يمنع النهوض الاقتصادي مع زيادة أعباء الديون .

  لذا دعت الكثير من دول العالم إلى إلغاء بند الحمائية المجحف من عقد منظمة التجارة العالمية ، بل إلغاء المنظمة ككل بصفتها وجه جديد من وجوه الاستعمار البائد، خاصة وأن الولايات المتحدة التي تلزم به الدول الأخرى لا تلتزم به إلا بما يلائم مصالحها خاصة بالنسبة للبضائع الصينية.

لذا فإن مهمات صندوق النقد أضحت منذ إنشاء منظمة التجارة العام 1995 وسيلة أمريكية سلبية لتسهيل فتح أسواق لسلعها الزراعية، مع عجزها عن منافسة الأسعار الإغراقية للبضائع الصينية، فعملت على رفع أسعار النفط والغذاء في وقت سابق إلى مستوى غير محتمل، للتعويض عن تراجع أسواقها مما دفع بزعماء اليابان والإتحاد الأوربي إلى مطالبة دول العالم بالتصدي لمشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط الذي قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة الفقر ويقوض الاقتصاد العالمي، وفق ما جاء في البيان الذي أصدروه بعد قمة جمعتهم في العاصمة طوكيومطلع العام 2009:

"إن ارتفاع الأسعار قد يبطئ نمو الاقتصاد العالمي وتكون له آثار سلبية على الدول النامية والمتطورة على حد سواء". لذا كان مستغرباً أن تصر أمريكا على السير في مسألة صندوق النقد ودعمه رغم فشله في تحقيق رغباتها في فتح أسواق لها للنهوض باقتصادها الزراعي الذي يعاني من أزمة لديها كما القطاعات الأخرى على مدى عقد ونصف تقريباً .

 لذا كان من الأوفق إلغاء صندوق النقد أو تصويب مهماته لفشله المزمن في حياده وبالتالي تعطل واجباته الأساسية، كما إلغاء منظمة التجارة الدولية والأخذ بوجهة نظر الدول الأوروبية بالاكتفاء بالاتفاقات الثنائية بين الدول لأنها بعد التجربة أكثر نفعا وجدوى.

 

من علي ساحل المحيط الهندي في ممباسا

$
0
0

من علي ساحل المحيط الهندي في ممباسا ...لحظة استرخاء وتفكير للندوة غدا مهداة لعلي مزروعي.. ومن حسن حظي أن كتابتي عنه جاهزة ؛ويليها اجتماعات المجلس الأفريقي ..كوديسريا. .لبضعة ايام..وأمامها تقارير احزنتني عن المنح للماجستير والدكتوراه والدورات الطويلة والمشروعات البحثية للأفراد والمراكز...فهل تصدقوا اني لم أجد اسم مصريين أو مصريات أو مركز من كل مصر في هذه القوائم ..وأنا عضو لجنة تنفيذية ..وبحيت صوتي امام كل المدعين بالاهتمام وحصلت علي حق التقدم لأي شيء بالعربية ؛؛؛؛ ولا جدوي.أما الحديث عما يجري في كينيا ...عن الرئيس والارهاب والمسلمين والقوانين السيالة 
...فالي حديث اخر

«الظاهرة التركية» مع نهاية العام 2014

$
0
0

طبعت «الظاهرة التركية» منطقتنا بطابعها خلال السنوات العشر الماضية، بحيث أوجدت انقساماً سياسياً بين مؤيديها ومعارضيها في المنطقة، على خلفيات الأدوار الإقليمية المرتقبة لتركيا في الشرق الأوسط. فصل عقد كامل بين صعود حزب «العدالة والتنمية» إلى سدة السلطة في تركيا (2002) وبدايات «الربيع العربي» (2011)، استثمرته تركيا في الانفتاح على المنطقة لاحتلال المساحات التي تركتها القوى الإقليمية العربية خلفها، فتوسطت في قضايا المنطقة واقتربت من جماهيرها وحكامها على حد سواء. لكن ذروة الصعود لما يسمى «الظاهرة التركية» تمثلت في المرحلة الأولى من «الربيع العربي» التي تولت فيها جماعة «الإخوان المسلمين» السلطة في كل من تونس ومصر، بحيث أصبح التحليل السياسي حول العالم بخصوص «الربيع العربي» حديثاً ــ بشكل أو آخر ــ عن نفوذ تركيا الإقليمي، لما ظهر من وشائج التحالف بين تركيا الإردوغانية وتونس النهضوية ومصر الإخوانية. ومع إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» من السلطة في مصر صيف العام 2013، وطغيان شخصية أردوغان على «الظاهرة التركية» بتوقه المفرط والظاهر إلى الزعامة، فقد راجت التحليلات القاضية بنهاية «الظاهرة التركية» وأفولها ونهاية الحضور التركي الإقليمي معها. ومثلما تمت المبالغة في قوة تركيا ونفوذها الإقليمي خلال العامين 2011 و2012، تجري منذ العام 2013 وحتى الآن مبالغة من نوع معاكس مفادها انتهاء الحضور التركي في المنطقة إلى الأبد. ولأن الحقيقة في أغلب الأحوال تكمن بين التطرفين، ربما يكون مفيداً استعراض الأرقام والمؤشرات التي نشرتها «مؤسسة الشفافية الدولية»، في تقريرها السنوي حول الفساد في العالم لعام 2014 بخصوص تركيا، ومن ثم استعراض مؤشرات التنمية بمفهومها الواسع لتركيا، ومقارنتها بمثيلاتها للدول الإقليمية ذات الوزن في المنطقة (السعودية وإيران ومصر)، بغرض الخروج باستنتاجات مؤسَّسة على الأرقام والمعطيات لوزن تركيا الحقيقي في المنطقة.


تركيا ومؤشرات الفساد

يتضمن تقرير «مؤسسة الشفافية الدولية» حول مؤشرات الفساد بالقطاع الحكومي في العالم بيانات وأرقاما لمئة وخمسة وسبعين دولة حول العالم، بحيث يعكس ترتيب الدولة المتأخر على القائمة زيادة حجم الفساد فيها، وبالعكس كلما تقدم ترتيب الدولة المعنية في الترتيب العام، قلت مؤشرات الفساد فيها. تحتل تركيا المركز الرابع والستين على القائمة، وتسبقها السعودية التي تحتل المركز رقم خمسة وخمسين على القائمة ذاتها. تصطدم هذه الأرقام بإدعاءات نظافة اليد التي بنى عليها حزب «العدالة والتنمية» سمعته المحلية والدولية، إذ يحكم الحزب تركيا منذ العام 2002 من دون انقطاع، ويعد مسؤولاً وحيداً عن كفاءة وإدارة القطاع الحكومي التركي. حتى أن اختصار اسم الحزب المذكور (أك) يعني الأبيض والنظيف باللغة التركية، وهو أمر ينزعه تقرير «مؤسسة الشفافية الدولية» بشدة. أعطت المؤشرات تركيا خمسة وأربعين نقطة من إجمالي مئة نقطة في العام 2014، في حين كان تقديرها 50 نقطة من إجمالي مئة لعام 2013 و49 نقطة من أصل مئة عام 2012، ما يعني تراجعاً واضحاً في صورة تركيا وأداء قطاعها الحكومي وفقاً للتقرير.

وإذ ظلت دوائر المعارضة التركية تتحدث عن تسهيل مهام رجال الأعمال المرتبطين بحزب «العدالة والتنمية» للاستحواذ على المناقصات والعطاءات الحكومية، خصوصاً في الفترة الثانية لرئاسة رجب طيب أردوغان للحكومة التركية، وتشير إلى أسماء شركات تركية شهيرة بالبنان، فقد بقيت تلك الاتهامات محصورة في السجال السياسي بين حكومة أردوغان ومعارضيها، إلا أن استعراض تقارير «مؤسسة الشفافية الدولية» لعام 2014 والعامين السابقين لمؤشرات الفساد يرجح بشكل علمي ووفقاً للأرقام والمؤشرات اتهامات المعارضة التركية لأردوغان وحكومته.

مؤشرات التنمية التركية

لا تستقيم، لأغراض التحليل المتوازن، ملاحظة الترتيب المتدهور نسبياً لتركيا في قائمة مؤشرات الفساد الدولية حصراً، وإنما ربط تلك المؤشرات بمؤشرات التنمية الواردة في تقرير «مؤسسة الشفافية الدولية» ذاته، لملاحظة النصف الآخر من الصورة. ويقصد بمؤشرات التنمية تلك البيانات التي تتناول عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي ومتوسط العمر المتوقع للمواطن ونسبة الأمية، بغرض رسم صورة للحالة الاقتصادية - الاجتماعية للبلد محل البحث، أي تركيا. وفقاً للأرقام، تتصدر تركيا غير النفطية بوضوح مؤشرات التنمية في دول الشرق الأوسط، حيث يقدر حجم ناتجها المحلي الإجمالي بحوالي 734 مليار دولار، متقدمة في ذلك على السعودية (434 مليار دولار) وإيران (331 مليار دولار) ومصر (218 مليار دولار). المفارقة، وفقاً لهذه الأرقام، أن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا يتفوق على مثيله السعودي بوضوح كبير (أكثر من مرة ونصف)، وعلى منافسه الإيراني بوضوح أكبر (نحو مرتين ونصف) وغريمه المصري بجلاء (نحو ثلاث مرات ونصف). ويظهر الفارق في المقدرات الاقتصادية التركية ومنافساتِها الإقليميات بوضوح أكبر عند ملاحظة أن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا يضاهي تقريباً الناتج المحلي للسعودية وإيران مجتمعتين، وهما الأكثر تأثيراً الآن في ملفات المشرق العربي والمنطقة. وإذا عطفنا أرقام الناتج المحلي الإجمالي على مؤشرات عدد السكان الأتراك (72,8 مليون) مقارنة بالقوى الإقليمية الأخرى في المنطقة، نجد أنها تحل ثالثة بعد مصر (91 مليون) وإيران (74 مليون) ومتقدمة على السعودية (27 مليون). وتتقدم تركيا على كل منافسيها المذكورين في مؤشرات التنمية البشرية سواء من حيث قلة عدد وفيات الأطفال المواليد أو من حيث تدني نسبة الأمية، ما يجعلها وفقاً للمؤشرات والبيانات الأكثر تقدماً اقتصادياً واجتماعياً مقارنة بالسعودية وإيران ومصر.

الخلاصة

تلقت الأحلام الأردوغانية في القيادة الإقليمية ضربة كبرى مع الانتكاسات المتوالية لحليفتها جماعة «الإخوان المسلمين» في طول المنطقة وعرضها، كما أن انحسار صورة النزاهة عن حزب «العدالة والتنمية» وفقاً لأرقام مؤشرات الفساد الدولية تنال أيضاً من صورة تركيا العامة في المنطقة. ويضاف إلى ذلك أن النزوع المتعاظم لشخصنة «الظاهرة التركية» وتماهيها مع شخص أردوغان، يقلص كثيراً من فرص تركيا تحت قيادة أردوغان في استعادة الهيبة والمكانة التي فقدتها، ويجعلها استنساخاً لتجارب شرق أوسطية عانت من ارتباطها بالشخص وتجربته، وهو ما يتصادم بدوره مع صورة تركيا إبان صعودها الإقليمي بالعامين 2011 و2012 باعتبارها صورة لنموذج ناجح يعتمد على العقلانية والمصالح لا الأشخاص وميولهم الذاتية. ومع ذلك، لا تغيب ملاحظة أن الوزن الاقتصادي لتركيا مقارنة بمنافساتها الإقليميات، يضعها نظرياً وموضوعياً في مقدم القوى ذات القدرة على لعب دور إقليمي في المنطقة. ويعني ذلك أن الاحتفالات المطمئنة في غالبية الدول العربية بانتهاء الأدوار التركية إلى غير رجعة، تنطلق من منطلقات عاطفية وتمنيات أيديولوجية، أكثر من قراءة الأمور والمؤشرات بتجرد موضوعي. وإذ تحلق الأيديولوجيا في عالم ساحر من الأحلام غير المنطقية أو الموضوعية بالضرورة، يفرض الاقتصاد ــ فضلا عن حقائقه ــ منطقه الخاص لفترات تدوم أكثر كثيراً من الأيديولوجيا ومشروعاتها السياسية. تعتمد الأدوار الإقليمية للدول على عوامل كثيرة أهمها الوزن والقدرة الاقتصادية والكتلة السكانية والقدرات العسكرية، وكلها معايير تلعب حتى اللحظة (نهاية 2014) لمصلحة تركيا حتى مع تراجع أدوارها السياسية خلال السنتين الأخيرتين. ويخبرنا تاريخ الأدوار الإقليمية في المنطقة أن الصعود والهبوط لأدوار الدول ومشروعاتها السياسية هو قدر لا مفر منه، في حين تبقى القدرات الاقتصادية أكثر عصياناً على الاختفاء والتبخر.

أفشل رهان أردوغان الخاطئ على جماعة «الإخوان المسلمين»، ومعه النزوع المتزايد لشخصنة «الظاهرة التركية» على قياسه وقيافته، معطوفاً على فساد يستشري عاماً بعد أخر، حضور تركيا السياسي في المنطقة خلال السنتين الأخيرتين؛ ومع ذلك، فمن العبث اعتبار أن «الظاهرة التركية» قد انتهت إلى الأبد؛ ومرد ذلك أن تركيا تمتلك أغلب الشرائط النظرية اللازمة للعب أدوار إقليمية، متفوقة في ذلك على منافساتها الإقليميات الحاضرات بشدة في المشهد السياسي الآن (السعودية وإيران)، وفقاً لأرقام ومؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية. يشبه حال العرب وتركيا في نهاية العام 2014 حالَ من يحتفل بالانتصار في غرفة مهترئة الأثاث ومتداعية الأركان على إيقاع الدبكة وتقاسيم الميجانا والعتابا (العرب) من خلف باب موصد (العزلة الإقليمية لتركيا)، على المقلب الآخر من الباب يتحين عملاق اقتصادي (تركيا) فرصة العودة، فما أن ينفتح الباب ــ لسبب أو لآخر ــ حتى تعود طموحات القيادة الإقليمية التركية من جديد وينتهي معها صخب الاحتفال!


أغثنا أدركنا أيها الجبرتي (2) !!

$
0
0

يري عبد الرحمن الرافعي أن سبب تقسيم السلطة بين هذه الجهات الثلاث يقع فى أن السلطان العثماني لم يكن يرتاح لاحتمال أن يستقل حاكم مصر بالبلاد ويخرج عن طاعة السلطان..

وهذا النظر يتفق مع المعروف عن مصر بالضرورة من أنها كانت دائما من الأقاليم الوادعة التي لا تثور إلا نادرا وإن ثارت فهي لا تكمل ثورتها حتي النهاية، إلا أنها فى ذات الوقت  كانت تدفع ما عليها من خراج أو ضرائب ولا تتأخر.. ولهذا فإستقلالها قد يعني ضربة إقتصادية موجعة للسلطان. وانا أظن أن قيمة مصر للسلطان التركي كانت تقع فيما هو أهم كثيرا جدا من مجرد حاصل الضرائب. فالسلطان التركي بصفته من اللاعبين الأساسيين فى السياسة الأوروبية كان يدرك أن موقع مصر قبل إنشاء قناة السويس كبلد ترانزيت بين البحرين الأبيض والأحمر يجعل منها ورقة ذات ثقل عظيم تمكن من يمسك بها من التفاوض من مركز قوة متميز. والممالك الإيطالية التجارية وخصوصا فينيسيا كانت تدرك ذلك جيدا وكانوا يخططون لإنشاء قناة السويس قبل الفتح العثماني بالإتفاق مع المماليك الذين يحكمون مصر، إلا أن الغزوة التركية منعت تنفيذ ذلك المشروع.

ولهذا فقد جعل السلطان والي مصر منصبا بالتعيين من قبله هو شخصيا وكان التعيين لمدة عام واحد فقط ويلزم له التجديد كلما حل الموعد، وذلك حتي لا يقوي مركزه مع الزمان. (كان ذلك بالضبط هو ما حدث مع محمد علي الذى جاء رغما عن أنف السلطان واستقر له الأمر لمدة 44 عاما حتي توفي فى الحكم).

وكانت وظيفة الحاكم أو الوالي هي مراقبة أعمال الحكومة وإبلاغها أوامر السلطان. وهذا هو النص الذى أورده الرافعي فى كتابه. وهو نص يهبط بالحاكم التركي إلى مستوي الرئيس الشرفي ولا يجعل منه رئيسا حقيقيا للبلاد يضع السياسات ويعمل فكره فيما هو فيه من أمر. وهو لا ينزل من القلعة ولا يختلط بالناس ولا يراه الناس إلا نادرا.

ثم من بعد الوالي الضعيف كان هناك مجلس شوري الباشا (الوالي) وهو يتألف من قادة الفرق العسكرية التركية التي تركها السلطان فى مصر لأغراض حفظ الأمن والدفاع. وكان لقادة الفرق العسكرية أن يطلبوا عزل الوالي لو إختلفوا معه وكانت أوامر الوالي لا تنفذ إلا بموافقة كل الأعضاء مما كان يضعف مركزه كثيرا..وقد كانت هذه الفرق ستا وبلغ عدد جنودها 12 ألف جندي (وهو رقم تافه جدا بالمقارنة بالارقام التي كانت تركيا قادرة علي حشدها فى نفس ذلك الزمان، إذ بلغ عدد محاصري مدينة فيينا فى حصارها الأول عام 1529، بلغ 20 ألف من الإنكشارية، وهي مدينة واحدة وليست قطرا كاملا مثل مصر).

وبعد وفاة السلطان سليم الذى فتح مصر جاء إبنه سليمان القانوني فعدل فى هذا النظام بحيث أصبح هناك الديوان الكبير وهو يتكون من رؤساء الفرق العسكرية وأمير الحج وقاضي البلاد ورؤساء المشايخ والأشراف ورؤساء المذاهب الأربعة، ولهذا الديوان حق نقض أوامر الوالي.

وهنا لابد من التوقف أمام تشكيل هذا المجلس الكبير (الديوان) حيث أن المشايخ والأشراف ورؤساء المذاهب الاربعة دخلوا فيه كأعضاء لهم صوت مسموع وهم أصحاب صفات روحية دينية كما نري، وهو أمر يتفق بالطبع مع إتحاد صفتي الخليفة والحاكم الدنيوي فى نفس الشخص، ذلك الإتحاد الذى أدخله العثمانيون إلى الحياة الشرق أوسطية لكي يضمنوا ولاء تلك الشعوب وهدوءها وعدم نزوعها للثورة، فلا ثورة علي الخليفة. كما يلاحظ غياب أي ممثل للاقباط أو اليهود.

ثم كان هناك إلى جانب الديوان الكبير ديوان آخر صغير أعضاؤه هم نائب الوالي ومندوب عن كل فرقة عسكرية وكاتب الجلسة وكبار الضباط من كل فرقة وهو ينعقد يوميا فى قصر الوالي الذى لا يحضر إجتماعاته ولا يشارك فيها بشىء وإنما يستمع إليها من خلف ستار!!..

إلى هذا الحد كانت سلطة الوالي متقلصة..

أما القوة الثالثة أو "الطرف الثالث"فى أسلوب الحكم المتبع فى مصر فقد كانت قوة المماليك وهي مكونة من فلول المماليك البحرية القديمة والمماليك البرجية الأحدث منها وكلاهما كان قد دخل فى الحرب ضد السلطان التركي سليم الغازي ولكن من تبقي منهم أعلن قبوله بالسلطان حاكما وخليفة وأنه أصبح من عبيده المخلصين ولذلك سمح لهم السلطان بالمشاركة فى حكم البلاد نظرا لما كانوا يتمتعون به من قدرة أمنية علي الضبط والربط الداخلي عن طريق إرهاب المواطنين وقهرهم، رغم أنهم هزموا عسكريا أمام قوة تركية متواضعة بلغ قوامها 12 ألف جندي فقط، فى وقت كانت تركيا قادرة فيه على حشد جيوش بعشرات الآلاف ناهيك عن الأساطيل (بلغت خسائر تركيا البحرية فى معركة واحدة عام 1571 أي عقب فتح مصر بخمسين عاما أكثر من 30 ألف جندي بحار في يوم واحد وكان ذلك فى معركة ليبانتو أمام سواحل اليونان).

وفتح مصر الذى تم في عام 1517 كان نهبا صريحا لهذا البلد لم يعدله نهب من قبل سوي ربما فى عهد الرومان الذين نقلوا الرخام من مناجم شرق مصر إلى روما لكي يصنعوا منها التماثيل!! فقد كتب المؤرخ إبن إياس الذى عاصر هذه الأحداث أن السلطان سليم الأول عقب فتح مصر والإقامة بها لعدة شهور غادرها فى موكب مليء بالغنائم المادية كان قوامه ألف جمل محملا بالذهب والفضة فضلا عن التحف والسلاح وأعمدة الرخام والصيني والنحاس..

أما أهم مغنم قاطبة حصل عليه السلطان سليم التركي من غزوته المصرية فهو التنازل المكتوب بدون رجوع من آخر من تبقي من سلالة العباسيين (محمد المتوكل)  وكان يعيش فى مصر، التنازل عن لقب الخليفة الذى إفترض البعض أنه جدير به ويحمله (هكذا بلا بيعة وبلا معرفة حتي بإسمه)  للسلطان سليم الأول بحيث تصبح الخلافة الإسلامية محصورة فى بيت آل عثمان وبذلك إنتقل لقب الخليفة إلى أسرة أوروبية ليس لها فى الشرق الأوسط أصل ولا عرق. 

لقد بدأ عصر الخلافة الأوروبية المتعالية على سكان الشرق الأوسط من غير الأوروبيين.

وبالتالي لم يعد لسلاطين المماليك من صفة إلا عبيدا لهذه الأسرة الجديدة واختفي لقب السلطان من مصر وظهر محله لقب البيك وهو لقب حظي به المماليك فقط ممن بقوا علي قيد الحياة عقب إعدام السلطان الغورى وطومان باي. واتحد السلطان مع الخليفة فى رجل واحد.

فماذا فعل المماليك فى وضعهم الجديد؟

في حفل تأبين على المزروعي في ممباسا

$
0
0

في اليوم الثاني من اجتماع ممباسا مازال الحديث عن علي مزروعي.لامجال هنا لتفاصيل بحوث ودعونا نذكر بعض المفيد لخبرة الباحثين...اكتشفت مثلا أن عالم السياسة الف الروايات المعبرة عن آرائه مثل رده بأحداث علي انحياز روائي مثل شوينكا لمسائل قبلية وأنصار بيافرا مع أنه لا يجوز إظهار الفنان لانحيازاته إلا كمفكر. ..وراح أحدهم يصف قدرته علي صياغة الكلم art of wording عند مزروعي للتأثير الأكبر بكلماته ...واكتشفت أيضا أن له مساهمات في علم اللغه وتذكرت اني اشتريت من زمن كتابه عن السواحيلية وحكمتها وحديث متميز فيه عن بناء اللغة للهوية...ولذا وجدت 5 أوراق عن الإشكالية لأنهم تحدثوا عن إمكان عولمة لغة مثل السواحيلية بما فيها من قدرة علي التخليط مثل بدايتها وهو ما أسماه الباحثون كرولة اللغة creolization إشارة للغة الكريول المعروفة في مستعمرات قليلة نتيجة تنوع المخلوط ؛ (عقبال عولمة العربية بدل شطبها) .. ناقشنا أيضا مسألة مزروعية اخري حول آثار الاستعمار وكان الرجل شكر العملية الاستعمارية باعتبارها أثارت روح الوطنية والقومية في المستعمرات ودعمت أو خلقت الوحدات القوميه ... وهنا ذكر البعض رد والتر رودني عليه بأن الاستعمار يعني فقط الاستغلال والقهر..؛؛..لكن امتداد هذه المناقشة أدي لبحث مقولة اخري. .. هل تأثيرات الاستعمار ومن ثم المسيحية مع التراث الإسلامي والصلة بالمحلي أو ما اسماه مزروعي Triple heritage أو التراث الثلاثي الأبعاد يشكل بالضرورة تركيبة ثلاثية راسيةا أم كما رأي مزروعي انه بات مركبا وطنيا قائما بما يتوجب رعايته بل وعولمته ... (كان الرجل مؤخرا مديرا لمركز الثقافة العالمية بالولايات المتحدة)....وانتهي اليوم بزيارة قبر مزروعي وقراءة الفاتحة علي كل أموات عائلة القاضي الأمين المزروعي قرب ساحل ممباسا التي شكلت ما اسمه المؤرخون العرب مدن الطرز الاسلامي حيث بدت كالنسيج علي الساحل مرصعا بالظواهر العربية ودرته ..ممباسا.....( وتصبحون. ..؛؛)

أغثنا أدركنا أيها الجبرتي (3) !!

$
0
0

نتج عن الحكم الثلاثي الذى يقوم به والي ضعيف وجند أتراك مقيمين فى مصر مهمتهم حفظ الأمن الخارجي والداخلي ومماليك مهمتهم ممارسة الحكم المحلي أن المماليك لم يكنوا ملزمين بتقديم تقارير عن أحوال البلاد التي يحكمونها إذ أن كل ما كان يهم الدولة العثمانية هو جمع الضرائب والمستحقات الميري وكان بيانها كالتالي:

1.    ضريبة الخراج وتسمي المال الميري أو الميري فقط وهي مخصصة للسلطان. (لا تزال هناك حتي اليوم ضريبة على الأطيان الزراعية فى مصر يطلق عليها المال).

2.    ضريبة الكشوفية وهي مخصصة للبيك أو الكاشف حاكم المديرية. (المحافظ بلغة اليوم).

3.    الفائض أو فائض الإلتزام، وهو القدر من المال المتبقي بعد توريد كل من الضريبتين الأولتين، إذ أن الكشاف قد تحولوا إلى ملتزمين أمام الدولة، وهو ما يعني أنهم ملتزمون بتوريد قدر معين من المال عن الزمام الواقع تحت حكمهم بصرف النظر عن الظروف المحيطة بحالة الإقتصاد.. وكان هذا يعني أن الملتزم يمارس عملا  يقترب من المقاولة إذ يجمع من المواطنين القدر الذى يراه هو مناسبا بدون قواعد مكتوبة أو واضحة، ثم يقوم بتوريد المطلوب للخزنة العامة ويحتفظ بالباقي حقا مكتسبا لنفسه. وفى سياق الزمان تحول هذا القدر المتبقي أو فائض الإلتزام إلى ضريبة منفصلة كان تبريرها هو أن مصاريف جمع الضريبتين الأولي والثانية هي مما يرهق الملتزم، الذى كان فى العادة مملوكا من البكوات فى مركز الكاشف، أي المحافظ.

وهذا النظام القاسي هو رجعة للوراء علي خط الزمن إذ أن خراج الأرض أو الضريبة كانت معروفة قدرا وموعدا منذ عهد الفرعون وهناك مخطوطات فرعونية تشير إلى أسباب للإعفاء أو التخفيف فى حالات فساد المحصول أو غرق القارب الذى يحمله أو سوء الأحوال الجوية أو خلاف ذلك من أسباب الإعفاء والتخفيف. أما فى ظل خلافة العثمانيين فالأمر كان متروكا للسلطة التقديرية للكاشف أو الحاكم المحلي الذى كان يدفع كثيرا من الرشاوي حتي يبقي فى منصبه الذى يعد مصدرا من مصادر تراكم الثروة فى يد الماليك. ولم يكن ذلك الكاشف فى معظم الحالات يرأف بحال الفلاحين بل كان يغالي فى تحصيل إلتزامه والإثراء حيث أنه لم تكن هناك رقابة عليهم. وأدي كل ذلك إلى هبوط الإنتاج الزراعي وهروب الفلاحين إلى المدن ليعملوا فى الحرف المتدنية، وهي الظاهرة التي لا نزال نعيشها حتي يومنا هذا.

وهكذا كانت سمة العصر العثماني المملوكي هي تحكم غير العارفين فى أرزاق العباد وسطوة الطماعين على الإقتصاد.

ورويدا رويدا تحولت القوة الحقيقية فى البلاد إلي يد المماليك الذين أصبح لهم القول والحول والطول. وهذا التحول له أسبابه التي عبر عنها الرافعي فى كتابه بعبارة بديعة وتحليل عميق..

تصاعد الإفتراق بين الصين وأمريكا نحو حرب عالمية ثالثة

$
0
0

تأليف : محمد السويسي

بدأت تتضح بصورة أشمل   أسباب ودوافع وول ستريت من تخفيض أسعار النفط بوتيرة سريعة متعمدة بما لم يكن متوقعاً ، ليتبين مع مرور الوقت أن الصناعة الصينية هي المستهدف الأساسي  من هذا التخفيض المريع لأسعار النفط وتجارته ، مع تأخر رد الفعل الأمريكي في هذا الحقل ضد الروس الذين احتلوا شبه جزيرة القرم في آذار الماضي من العام 2014 ، وضد الإيرانيين الذين خرجوا عن طاعة الأمريكان بعد احتلالهم العراق بتحالفهم مع الروس والكوريين الشماليين ضد المصالح الأمريكية في المنطقة .

ولنعد قليلاً الى الوراء ، إلى إتفاقية منظمة التجارة العالمية الأمريكية في العام 1995 التي أجبرت أوروبا ومعظم دول العالم على رفع الرسوم الجمركية عن مستورداتها الزراعية والصناعية بما يتلائم والمصالح الأمريكية والإكتفاء برسم القيمة المضافة الموحد بنسب بسيطة تعيق حماية المنتجات الوطنية لهذه البلدان الموقعة على هذه الإتفاقية المجحفة مما ادى الى تراجع وارداتها المالية بشكل مريع والتالي تقصيرها عن القيام بواجباتها في البناء الوطني والحماية الإجتماعية والصحية لمواطنيها . زادها بلّة تفجير الأزمة المالية العالمية بشكل متعمد في العام 2008 من قبل رأسماليي وول ستريت لإفلاس المؤسسات المالية في أمريكا وأوروبا بما ادى الى ضرب القطاع العقاري وتعسّر المديونية للقطاع الخاص ومن ثم إفلاس المصانع وبوار التجارة والإنتاج .

وكان القصد من ذلك تهريب الرساميل والمصانع الأمريكية والأوروبية لتشغيلها واستثمارها في الصين سعياً وراء الأيدي العاملة الرخيصة في شراكة حقيقية معها ادت الى إنتقال الخبرة والمصانع الأمريكية والأوروبية للتصنيع في الصين بشكل مستمر ودائم دفع امريكا الى رفع أسعار النفط إمعاناً في رفع تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي في أوروبا وجميع دول العالم بحيث يجبرها على إغلاق مصانعها ، ويرفع من تكاليف إنتاجها الزراعي وتعطيله لإجبارها على الإستيراد من أمريكا ، وبالتالي إحتواء بكين ضمن السياسات الأمريكية بعيداً عن موسكو مع ربط مصالحها الإقتصادية بمصالح الأمريكان .

إلا أن حساب الحقل لم ينطبق مع حساب البيدر ، إذ ان الصينيين هدفوا من مشاركتهم للأمريكان الى اكتساب خبرتهم التكنولوجية في الصناعة وفي الإستحواذ على الأسواق الغربية  التي كانت عصيّة عليهم في معظمها ، خاصة الأسواق الأمريكية . إلا أنه مع مرور الوقت تبين أن أهداف الصين أبعد من ذلك بكثير مما ارعب الأمريكيين الذين كانوا كالزوج المخدوع ، إذ تبين لهم أن بكين مع تنامي قوتها  الإقتصادية التي سادت العالم اجمع بسلعها الرخيصة المتنوعة ، بدأت تخطط لهمينة نقدها الوطني "الريمنبي"ليكون نقداً عالميا"بديلاً عن الدولار أو منافساً له بما لاتحتمله واشنطن أو تسمح به . خاصة وأن الصين قد اطلقت خدمة التعاملات التجارية والإستثمارية في القارة الأفريقية بالعملة الصينية عوض المرور بعملة ثالثة .

وقد أعلنت مؤخراً مجموعة "التجاري وفا بنك "المصرفية المغربية بدعم من الصين عن خدمة التعامل المباشر بالعملة الصينية في 14 دولة أفريقية أدخلت التداول بالرينمبي وأصبحت مستعدة لتوفير كل الخدمات التي يحتاج اليها التجار والمستثمرون الأفارقة والصينيين في تعاملاتهم بديلاً عن الدولار . علماً بأن مجموعة "التجاري بنك وفا"تابعة لمجموعة بنك الصين التي تعتبر أقوى مجموعة مصرفية في البلاد ، إضافة الى توفرها على 600 وكالة مصرفية في 41 دولة عبر العالم .

وعليه فإن حصة المعاملات التجارية بالعملة الصينية في ارتفاع مستمر عبر العالم ، ماعدا في أمريكا . بحيث ارتفعت نسبة التجارة العالمية التي تتم بالرينمبي من 2% في العام 2012 إلى 8% حالياً . اما نسبة التجارة بين الصين ومنطقة اليورو التي تتم بالعملة الصينية فقد ارتفعت الى 29% ، وتأتي فرنسا في الصدراة بنسبة 44% من تجارتها مع الصين .

وبذلك ارتفع ترتيب العملة الصينية من جراء هذا النشاط في سلم العملات المستخدمة  في التجارة الدولية من المرتبة 13 الى المرتبة 7 خلال السنوات الأخيرة . كما ازداد عدد الشركات التي تصدر سندات العملة الصينية عبر العالم ،بحيث  بلغت مع شهادات الإيداع 1500 مليار دولار خلال هذا العام ، بينما بلغ حجم الوادئع  المصرفية بالريمنبي عبر العالم 1500 مليار دولار ، كما وبلغ احتياطي المصرف الصيني من العملات الأجنبية 3900 مليار دولار ، أما حجم ودائعه فقد بلغت 800 مليار دولار بالريمنبي .

وقد صرح احد مسؤولي البنك  الصيني بان التوجه العالمي لاستعمال العملة الصينية في المبادلات التجارية في ارتفاع وان العملاء الصينيين يتجهون أكثر فأكثر الى مطالبة زبائنهم بالتعامل معهم مباشرة بالعملة الصينية بديلاًعن الدولار بناء لرغبة حكومة بكين ودعمها القوي في هذا الإتجاه ، مما زاد من حدة الغضب الأمريكي.

ودعماً لهذا التوجه المتنامي  فإن الحكومة الصينية تقدم القروض النقدية والعينية والمساعدات لمعظم دول العالم خاصة في أفريقيا وآسيا .وقد قدمت مؤخراً اكثر من ثلاثة  بلايين دولار بعملتها الوطنية ، في شكل قروض ومساعدات الى كمبوديا وفيتنام وميانمار وتايلاند ولاوس لتحسين البنية التحتية والإنتاج ومحاربة الفقر في سبيل دعم عملتها الوطنية بديلاً عن الدولار . وقد اشار رئيس مجلس الدولة الصيني "لي كه تشيانغ "الى أن العرض قد تضمن مليار دولار للبنية التحتية ومبلغ 490 مليون دولار لتخفيف حدة الفقر و1.6 بليون دولار في شكل قروض خاصة في شكل منتجات تصدير صينية .

هذه العينة من الممارسات الصينية الواضحة في محاولتها استغلال وضعها الإقتصادي العالمي الممتاز لإحلال عملتها الوطنية المحلية بديلاً عن الدولار دفعت أمريكا الى تخفيض اسعار النفط لإعادة تنشيط الصناعة في امريكا وأوروبا لتخفيض تكاليف الإنتاج وبالتالي الإستغناء عن التصنيع في الصين مستقبلاً . وقد بدأت رؤوس الأموال الأمريكية والغربية تُسحب بالفعل من الصين بمئات الملايين من الدولارات منذ بدء انخفاض أسعار النفط للإتجاه نحو أمريكا وأوروبا لإعادة الإستثمار فيهما وتنشيط الصناعة بتكاليف أقل من الماضي مع إنخفاض الأجور بفعل البطالة على مدى سنوات عدة ، مما انعكس سلباً على الصين وانخفاض الإنتاج فيها وبدء الكساد في بعض مصانعها وإغلاق بعضها الآخر مع بدء تراجع الإستثمار الأمريكي فيها في التدرج نحو محاربة خفية لسلعها ، في محاولة لوقف إنتشار عملتها الوطنية التي لاتحتملها أمريكا أو تسمح بها .إذ أن قوة الأمريكان في دولارهم الذي يعتبر أفضل مخزن عالمي للقيم لايمكن مواجهته حتى الآن ، إلا أن الخطر الصيني لازال قائماً مع توجه دول عديدة للإستيراد بالريمنبي .

والعداء بين أمريكا والصين بدأ يطفو على السطح عالياً مع قيام مجموعةٌ تُطلق على نفسها إسم "حُرّاس السلام"، بهجومٍ إلكتروني مُكثّف على حواسيب شركة "سوني"، تمّ خلاله قرصنةُ نُسخٍ من خمسة أفلامٍ سينمائية حديثة للشركة لم تُعرض بعد ، وكشفُ ملفّات ومعلوماتٍ سرّية عن ٤٧ ألف شخصٍ ، تتضمن أسماء وعناوين وأرقام الضمان الاجتماعي وتواريخ ميلاد ، وهي معلوماتٌ تسمح لمَنْ يملكها بإستغلال وإبتزاز أصحابها .

وقد وُجّهت أصابعٍ الإتهام في هذه الحادثة ، الى "كوريا الشمالية"التي كانت قد غضبت من إنتاج الشركة لفيلمٍ كوميدي ( the interview ) تدور أحداثه حول محاولة إغتيال زعيمها الشاب "كيم يونغ أون"، ولاسيّما أنّ النظام الكوري الشيوعي كان قد اعتبر أنّ هذا الفيلم هو نوعٌ من "الإرهاب"، ولوّحت بالردّ عليه . وقد إضطرّت شركة "سوني"الى سحب الفيلم من صالات السينما، وإلغاء عرضهِ الذي كان مقرّراً في ٢٥ كانون الاول الجاري ، وذلك بعد تهديد "الهاكرز"بشنّ تفجيراتٍ مشابهةٍ لتفجيرات ٩ ايلول ٢٠٠١مما دفع الرئيس اوباما الى تهديد كوريا بدفع الثمن غالياُ كما طالبها بالتعويض على شركة سوني التي تضررت بنصف مليار دولار من جراء هذا الهجوم .

وقد نفت كوريا الشمالية تدخلها في هذا الأمر ، إلا ان الصين صعّدت من هذا الخلاف في مواجهة مع أمريكا في دعم القرصنة الكورية ، إذ وصفت صحيفة "غلوبال تايمز "الصينية "بالوقاحة الثقافية "الفيلم الأمريكي الذي يسخر من الزعيم الكوري الشمالي عدوالولايات المتحدة  .

لقد كانت أمريكا تتحفز منذ عامين  لفك التحالف الصناعي مع الصين بتخفيض أسعار النفط رداً على محاولاتها في تحدي الدولار ومواجهته ، إلا أنها كانت تراعي حالة السلم والشراكة في قضايا عالمية عدة مع موسكو ، إلا أن ضم الروس لإقليم القرم الأوكراني فجّر الوضع والخلاف مع امريكا والغرب لاتخاذ العقوبات اللازمة بالصين وروسيا وإيران معاً بتخفيض أسعار النفط  الى ادنى حد ممكن ، كخطوة أولى ممهدة للحرب ، بما أدى الى تدهور العملة الروسية والإيرانية  لعدم وجود بنية إقتصادية تدعمها ،  اذ أن روسيا تعتمد على قوتها العسكرية ، وإيران تعتمد على الحماية الروسية لها ، بينما استفادت الصناعات الأوروبية والهندية والأمريكية والآسيوية من تخفيض أسعار النفط على حساب تراجع الصناعات الصينية وانكماشها .

لذا فإن هذه الأزمات المتوالية والتصعيد المستمر لها ومواجهتها من قبل أمريكا بعقوبات إقتصادية مختلفة تنذر في النهاية بحرب عالمية ثالثة ، أضحت قريبة مع توفر كل أسبابها في التكاثر البشري مع تصاعد نسبة المواليد والتضخم والبطالة والفوضى في المنطقة والعالم ،  ستؤدي الى القطبية الأمريكية الواحدة . إذ قد تعمد أمريكا دون إنذار مسبق ، بتحالف مع بريطانيا وإسرائيل  ، الى ضرب كل من روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية بأسلحة نوعية قد تكون غير معروفة تشلّهم وتودي بهم ، ومن ثم يتم تقسيم إيران وبعض الدول العربية الى جمهوريات عدة ، خاصة العراق وسوريا وبالتالي ضياع كامل الأرض الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية في غزة وبعض سيناء والنقب .

والضربة العسكرية  لإيران ستكون الأشد قسوة بما يؤدي الى تقسيمها بعد الإطاحة بنظامها ، إذ أن الأمريكان كانوا قد اطاحوا بالشاه على أمل تزليم إيران عندهم لتكون أداة بيدهم لتنفيذ مخططاتهم في المنطقة وقد دخلوا العراق بتحالف معها  ، إلا أن إيران ما أن احتلت العراق مع أمريكا حتى بدأت تثير المعارضة المسلحة ضد جنودها  من قبل المليشيات الموالية لها بتعاون مع سوريا لإخراجهم منه تمهيداً لوضع اليد عليه .ومن ثم تحالفت مع الروس في تخطيط طفولي لشن هجمات على الخليج واحتلاله إنطلاقاً من سوريا للإستيلاء على منابع النفط في ضرب للمصالح  الأمريكية . إذ كشفت التحقيقات والمعطيات أن السلاح الكيماوي في سوريا الذي كان يزيد عن الألف طن كان معداً لاحتلال بلدان الخليج وتدميرها وقتل شعبها بعد اجتياح الأردن بدعم خفي من روسيا ، عدا إيواء العديد من قيادي تنظيم القاعدة على الحدود  الإيرانية الأفغانية ومد بعض مقاتليها بالسلاح للقتال ضد الأمريكان .

أمام هذه المعطيات فإن الحرب العالمية الثالثة إنطلاقاً من أحداث الشرق الأوسط قادمة لامحالة مستهدفة روسيا والصين وإيران وقد أصبح العالم مهيئاً لتقبلها للخلاص من السيناريو الإرهابي الذي سهلت له أمريكا من خلال الربيع العربي والفوضى في العراق وسوريا ولبنان واليمن بتوريط إيران وتحريضها ، من خلال اصدقاء لها  بينما هم في حقيقتهم موالين وعملاء لأمريكا ، في حروب لاقبل لها بها سوى استنزاف أموالها واقتصادها وتدمير سمعتها كراعية للفوضى والإرهاب بشراكة مع روسيا في الوقت الذي يتم فيه غض النظر عن الممارسات الإسرائيلية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وغزة .

والقصد من هذه الحرب المتوقعة خلق قوة احادية مرهوبة الجانب هي أمريكا للجم التضخم  البشري والمالي والحد من البطالة التي اضحت منبعاً وموئلاً للإرهاب بما لم يعد بالإمكان تحمله أو تلافيه . ومن ثم إعادة صياغة الحدود العربية والإيرانية وتعديلها على اسس جديدة بتقسيمها الى دول فدرالية وكونفدرالية وكيانات عدة على اسس عرقية ومذهبية ودينية تتماشى والتخلف الأخلاقي اللاحضاري واللإنساني للولايات المتحدة الأمريكة بما ينسجم وموقفها وممارساتها في المسألة الفسطينية ، منعاً لنهضهتا وتطورها لتكون سوقاً لبضاعتها الإستهلاكية من اجل رفاهية شعبها دون الشعوب الأخرى ، وبالتالي وقف الهجرة اللاشرعية المتصاعدة من الجنوب نحو الشمال بما تحمل من فوضى وإرهاب .

 

 

 

 

أغثنا أدركنا أيها الجبرتي (6) !!

$
0
0

كان نص المرسوم السلطاني الصادر من الآستانة يقضي بإسقاط قضاة مصر الأربعة وإحلال قاضي العسكر التركي محلهم ليتصرف فى الأحكام الشرعية علي المذاهب الأربعة بحيث "لا يعقد عقد ولا يوقف ولا تكتب وصية ولا عتق ولا تكتب  إجازة ولا حجة ولاغير ذلك من الأمور الشرعية حتي تعرض على قاضي العسكر".

وهذا النظام الجديد كان معتمدا عي قضاة من الأتراك لا يتحدثون العربية ولا مهرب من الوقوف أمامهم أو عرض الدعوي عليهم كما يتضح من نص المرسوم أو من رواية إبن إياس. وهؤلاء القضاة كانوا يعتمدون فى عملهم على المترجمين الذين – كما ذكر الرافعي في كتابه – كانوا هم أصحاب الحول والطول يترجمون الأوراق وينقلون أقوال الخصوم.

وكان منصب قاضي العسكر هذا يمنح لقاء مبلغ من المال يدفعه الطامح إليه إلي الحكومة فى الآستانة ولذلك فقد تركز هم القضاة أثناء مدة خدمتهم في مصر على تعويض ما قام بدفعه مقدما للحصول علي هذا المنصب، إذ أنه لم يكن يتقاضي مرتبا ثابتا بل له 2% من قيمة ما يقضي به، بالإضافة إلى ما فرضه علي قضاة أخطاط القاهرة الخاضعين لسلطته وقضاة محاكم الأقاليم بل وحتي المأذونين إذ أنه كان يساومهم فى آخر كل سنة علي حقه فى الأموال التي يجمعونها من رسوم الإشهادات والعقود.

كما ضم قاضي العسكر إلى سلطته القضائية الإختصاصات الإدارية حيث كان يلي الباشا (الوالي) فى درجته وله أن يحل محله أثناء غيبته (فهو تركي معين من قبل الخليفة مثله) حتي أن إسمه كان يذكر فى الفرمانات (القرارات الإدارية بلغة اليوم) كما أنه عضو رئيسي فى الديوان ويقوم بدور الوسيط أثناء الأزمات بين الجند والأمراء (المماليك) والباشا (الوالي).

وهذا النظام من خلط الأوراق كان هو أيضا سمة العصر على ما يبدو فى معظم دول العالم إذ أن مبدا الفصل بين سلطات الدولة لم يكن قد نشأ بعد، وكلنا نعرف قضية الطحان أرنولد والملك فريدريش فى بروسيا وقد وقعت أحداثها فى ثمانينات القرن الثامن عشر، والتي كانت علامة فاصلة فى  تأسيس مبدأ الفصل بين السلطات فى الفقه الحديث، كما أن الثورة الفرنسية قامت من ضمن ما قامت، في نفس تلك الفترة،  لكي تتخلص من سطوة "المحاكم"التي كانت متحالفة مع سلطة الملك والكنيسة غارقة معهم فى الفساد بحيث كانت الجهات الثلاثة متكاملة في القيام بسلب حقوق المواطنين وسرقة أموالهم بالباطل القانوني الديني.  فهذه كانت سمة العصر.

ويذكر الرافعي فى كتابه أن مناصب القضاء كانت تباع وتشتري فى سوق المساومة فترسو على من يدفع أكثر فتحول منصب القاضي إلى موضع الزراية فى نظر الجمهور والعلماء. وكانت مدة تعيين القاضي سنة واحدة أو سنتين يمكن أن تمد لو أن المعين الجديد قد تنازل عن منصبه إلى الجالس على كرسي القضاء وذلك لقاء ثمن يتراضيان عليه وبذلك يمكن مد المدة إلى أربع أو خمس سنوات متعاقبة. ثم يردف أن هذا الوضع في نظام التقاضي كان مصدرا للجور وأكل أموال الناس بالباطل، فالفرق كبير جدا بين مكانة القضاة فى ذلك العصر ومكانتهم قبل الفتح العثماني، لذلك كان كبار العلماء يتورعون عن تقلد مناصب القضاء، وهذا يعد وحده دليل على إنحطاط منزلة القضاء فى عهد الحكم التركي.

وتذكر مجلة الحقوق الصادرة عام 1891 فى بحثها عن أوضاع العدالة فى ظل الدولة العثمانية معلومة علي غاية من الأهمية، إذ تقول: "إستمرت سطوة القضاة الأتراك على مقاليد القضاء فى مصر حتي ثبت عجزهم بل فشلهم وسري الضعف فى الإدارة العثمانية من فرع لآخر وتعددت أسبابه، وما أن حل القرن السابع عشر حتي كان المصريون يعيرون أحكام القاضي الحنفي اذنا صماء، ويذهبون إلى شيخ الجامع الأزهر الذى كان علي الدوام شافعيا أو إلى غيره من أئمة الحنابلة والمالكية، فأعادوا بطريقة غير مباشرة حكم القضاة الأربعة..

وهذا الذى تسجله مجلة الحقوق في بحثها يؤازر ويؤيد ما عرفناه من قبل عن الطريقة المصرية فى المقاومة الخافتة بل الصامتة الغير ميالة للعنف والمواجهة. فالإمام الشافعي الذى إستقر فى وجدان المصريين أنه واحد منهم له مقام وضريح وسكن فى عاصمتهم بعد أن نزح إليهم هو صاحب السلطة الفقهية العليا على أرض مصر، ولابد إذن من إستعادته مرة أخري إلي مكانته القديمة، وقد تم ذلك بلا حرب ولا ضجيج ولا حتي بيان، بل بالممارسة الفعلية. وفي ذلك ما فيه من إعلاء لدور القومية علي دور الدين حيث أن تلك خصيصة إستمرت طويلا مصاحبة للمصريين حتي نهايات القرن العشرين.

 ناهيك عن أن ذلك يؤكد على أهمية الدور السياسي للأزهر والتي كانت تزداد علوا كلما هبطت مكانة الحكم العثماني المملوكي بتوغله فى مظالمه للناس. وهذا الدور السياسي للأزهر سوف يكون له شأن كبير فيما يلي ذلك من وقائع الأيام.

Viewing all 560 articles
Browse latest View live