Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

هل تتشابه المجتمعات؟(2)

$
0
0

تعلن إدارة القوات البحرية عن صرف متأخرات الرواتب للجنود العائدين من السفن بعد إعلان وقف إطلاق النار وذلك فى المبني رقم كذا فى شارع كذا فى برلين يوم كذا فى تمام الساعة كذا..

كان هذا هو نص إعلان نشر فى الصحف وأثمر عن تجمع حوالي مائة من جنود البحرية فى الموعد المضروب.

وكانت البحرية هي أول سلاح أعلن العصيان على القيصر وحالة الحرب اللا نهائية التي إستمرت لأكثر من أربع سنوات رغم أن البحرية لم تحارب تقريبا أي معركة بسبب فرض حصار بحري على ألمانيا من جانب إنجلترا فى بداية الحرب، والسفن القليلة التي كانت وقت إعلان الحرب خارج ألمانيا قد تم إغراقها أثناء سير العمليات القتالية. وكان سلاح البحرية يميل فى كثير من جنوده للتمرد وبالتالي كانت النظرة إليه نظرة تشكك خصوصا وأن جنوده قد نزلوا إلى ميناء كيل عقب إعلان وقف إطلاق النار وتظاهروا معلنين عصيانهم، وهو ما تم تفسيره على أنهم مناصرون للحركة الشيوعية.

والآن وقد جاء بعض هؤلاء الجنود البحارة إلى الموعد أملا فى تقاضي باقي رواتبهم، فوجئوا بقوات الجيش تحاصرهم ثم تطلق عليهم النيران فى فناء المبني الواسع لتقتلهم جميعا وتدفنهم وذلك بمقتضي قانون صدر عن الحكومة المؤقتة التي أعتبرت نفسها مسئولة عن الحكم بعد خروج القيصر. فلم تكن الحكومة مستعدة لأي تنازل مع من تري أنه يستهدف هدم الدولة. وكان أن قتلت قوات الجيش 1200 شخص فى برلين فقط فى أسبوع واحد وفقدت القوات فى هذه العمليات 70 جنديا من صفوفها..كما نص القانون علي حرمان القتلي بهذه الطريقة من المعاش سواء كانوا من البحارة أو المدنيين حيث أنهم إعتبروا مخربين يقاومون سلطة الدولة ويشهرون السلاح فى وجهها.

وهكذا هي تلك الكيانات الإعتبارية التي تسمي الدولة، لا تتساهل أبدا إزاء حقها فى الوجود الكامل بكل سلطتها..

 

بما أن الدولة الألمانية هي التي طلبت وقف القتال بسبب تردي الأوضاع علي الجبهة الغربية رغم إنتهاء الأعمال الحربية على الجبهة الشرقية بخروج روسيا من الحرب بصلح منفرد فى بريست ليتوفسك، وبما أن حلفاءها الآخرين النمسا والدولة العثمانية وبلغاريا قد خرجوا من الحرب فقد أدرك الحلفاء أن الموقف الالماني جد ضعيف فاستغلوا فرصة التقدم بالطلب لكي يضعوا ألمانيا فى موقف تفاوضي سيئ.

بدأت الإهانات بأن رفض قائد الجبهة الفرنسي المارشال فوش أن يلتقي بالوفد المدني الألماني، بل تركه يتحدث مع ضباط أقل درجة. كما أن المداولات والمفاوضات بين الحلفاء بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية إستغرقت مدة شهر حتي سمح للالمان بالمجئ إلى مقر مقر قديم للقيادة الفرنسية كان عبارة عن عربة سكة حديد علي خط مهجور.

وكان القدر المسموح من حرية الحركة للمفاوضين الألمان ضيقا للغاية، إذ أن الحلفاء أدركوا أن ألمانيا قد جاءت مرغمة بحكم وقائع القوي بالذات عقب دخول الولايات المتحدة الحرب ونقل حوالي  2 مليون جندي أمريكي بأسلحتهم عبر المحيط فى مدة شهرين أو ثلاثة.

كانت النقاط الأساسية للإتفاق قاسية على الألمان، فقد تضمنت الإنسحاب من جميع الأراضي التي يحتلها الجيش الألماني فى بلجيكا وفرنسا ولوكسمبورج خلال 15 يوما بالإضافة إلى إحتلال قوات التحالف للضفة الغربية لنهر الراين مع رؤوس جسور علي الضفة الشرقية داخل المدن الألمانية كولن وكوبلينز وماينز، بالإضافة إلي تسليم سفن الأسطول الألماني جميعها إلى الحلفاء مع 1700 طائرة و5000 مدفع و25 ألف بندقية آلية  و5000 قاطرة  و150 ألف عربة قطار، بالإضافة إلى إلغاء إتفاقية بريست ليتوفسك مع روسيا وإعتبارها كأن لم تكن.  

إلا أنه من الملحوظ أن إتفاق وقف إطلاق النار لم يتضمن أي بند يشير إلى المسئولية عن قيام الحرب.

وقد حاول المفاوض الألماني ماتياس إرتسبرجر أن يحصل على شروط أفضل إلا أن المارشال فوش أبلغه عن طريق ضباطه المفاوضين أن الإتفاق لا يمكن تعديله وإما يقبل كله أو يرفض كله. وقد جاءت التعليمات من برلين بعد سؤال قيادة الجيش بالقبول حيث أن الوضع كان ينبئ بكارثة لو إستمر القتال.

وهكذا وقع إرتسبرجر الإتفاق وكان توقيعه بمثابة شهادة وفاته لأنه اغتيل بعد ذلك بسنوات قليلة علي يد منظمة القنصل المتطرفة والتي تؤمن بنظرية طعنة الخنجر.

وبعد فهذه هي خلفية الأحداث التي إنعكس تأثيرها على الجبهة الداخلية فى ألمانيا.


أغثنا أدركنا أيها الجبرتي (7) !!

$
0
0

 

كلمة جانبية

على الرغم من كل تلك المثالب التي لا ينكرها أحد على حكم العثمانيين وعلى الرغم من التردي الكبير فى أوضاع البلاد فى الصحة والتعليم والإقتصاد والإجتماع والأمن إلا أننا فى القرن الواحد والعشرين لا نعدم من يترحم على أيام حكم آل عثمان تحت دعوي أنها كانت خلافة ترفع راية لا إله إلا الله !!

فمنذ سقوط الخلافة العثمانية بالهزيمة فى الحرب العالمية الأولي يقيم تيار الإسلام السياسي خطابه الجماهيري ودعواه للناس على أساس إعادة الخلافة التي لم ير الناس منها إلا كل ما يقع في باب الجور ويندرج تحت بند الظلم. وأتحاد صفتي الحاكم والخليفة فى نفس الشخص أدي إلى خمول حضاري وإنحطاط فكرى ندفع إلي اليوم فاتورته. وفى مصر بالذات لم تبال الخلافة التي كانت قائمة فى بغداد بحال المصريين أثناء المجاعة التي وقعت بسبب غياب الفيضان وسميت بالشدة المستنصرية، نسبة إلى عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي. إذ لم يسجل التاريخ وصول أي معونات من دار الخلافة إلى مصر. وعلي كل حال فإن الخلافة العباسية كانت قد ضعفت جدا فى أواخر عهدها بحيث اصبح حكام الاقاليم (السلاطين) هم أصحاب القرار السياسي بينما كان الخليفة مجرد واجهة. وكما ذكر من قبل فإن كل طفل يعرف إسم السلطان بطل المقاومة ضد الحروب الصليبية بينما لا أحد يعرف إسم الخليفة الذى عاش صلاح الدين الأيوبي فى ظل سلطة خلافته الدينية.

وتتبدي سذاجة أو غرض التيار الإسلامي السياسي فى عصرنا هذا فى المطالبة بل والحلم بعودة إتحاد السلطة الدينية والسلطة السياسية  مع الإشارة المستمرة إلى الدولة العثمانية التي كما سمعت من فم أحد المنادين بافكار تيار الإسلام السياسي "كانت دولة منيعة تفرض الجزية على الدول الأوروبية المسيحية حتي النمسا والمجر"!! ولكن فات صديقي هذا أن يري أن الجزية التي يقول أنها كانت تفرض على النمسا والمجر المسيحيتين كان قدرها يسيرا جدا إلى جانب التعسف الضريبي والظلم القضائي البين والإكراه البدني الذى يتعرض له المواطن المصري أو العربي المسلم!!

إن هؤلاء القوم لا يحسنون التفكير ولا يرون الحياة إلا من منظور الأبيض والأسود وهو منظور ساذج لا يعي أحوال العالم على حقيقتها.. أو أنهم من المغرضين الذين يسعون لتسويق تلك الأفكار لتحقيق مآرب شخصية تتعلق بعناصر القوة الثلاثة، المال والجنس والسيطرة..

أو أنهم خليط من الجهل والغرض..

وفى كلي الحالين فإن أفكار الإسلام السياسي لا يمكن بوضعها على موازين الجدية إلا أن يطرحها المرء ويلقي بها جانبا، فلا هي تصلح اليوم ولا كانت صالحة فى أى وقت مضي..

السينما / حكاية مدينة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

حتى بداية الستينات من القرن العشرين المنصرم ، كانت دور  السينما في مدينة طرابلس اللبنانية  مزدهرة وتلقى إقبالاً شديداً ورواجاً في الدخول اليها ، خاصة الفخمة منها بحيث إن تأخرت في قطع تذكرة في الموعد المحدد فإنك قد لاتجد مقعداً لك  فيما لو كان الفيلم قد سبقته شهرته ولم يسبق له أن عرض بأي صالة أخرى داخل المدينة .

وكانت الأفلام الأمريكية ومن ثم المصرية هي الغالب على شاشات العرض . والسينما الأمريكية في ذاك الوقت كان يغلب عليها قصص الغرب الأمريكي من أفلام الكاوبوي  ، أي رعاة البقر ومن ثم الأفلام البوليسية والمافيا . وقد زاد الإقبال على السينما من قبل الجمهور في مطلع  الستينات مع تطور شاشات العرض التقليدية المربعة الى شاشات سكوب عملاقة للأفلام الملونة التي حلت محل الشاشات الصغيرة لأفلام الأبيض والأسود .

وكانت  السينما المصرية متأخرة وقتذاك عن مثيلتها الأمريكية في إنتاج الأفلام الملونة  المبهرة مع التقنية والإبداع في الإخراج . إلا أن التلفزيون الملون مع بداية السبعينات مع إنخفاض سعره أثر كثيراً في تراجع زبائن السينما التي بدأت بالتناقص والتراجع الى حد إغلاق معظم الصالات بحيث أضحت تعد على اصابع اليد الواحدة لأفلام قديمة يرتادها بعض العاطلين عن العمل و العمال خلال الليل لإضاعة الوقت والتسلية إذ لم تعد تعمل نهاراً تقريباً ، وقد يستمر عرض الفيلم الواحد لعدة اشهر ،  باستثناء سينما واحدة صغيرة  ضمن تجع سكني يرتادها الطلاب بتعاون مع المدارس أحياناً  لافلام معينة جديدة  ولكن ببدل عال نسبياً  .

ومن الطرائف التي تروى للدخول الى صالات السينما في حينه ، هي عن سينما ماجستيك التي كانت تقع في منطقة النوري بالقرب من الجامع الكبير ، حيث مبنى البلدية حالياً تحت المخفر ، وكانت عبارة عن قاعة كبيرة توزعت فيها كراسي الخيزران بشكل عشوائي لتجلس حيث تشاء . وكان ثمن الدخول هو خمسة عشر قرشاً ، أي حوالي سبع سنتات أمريكية ، إلا أنه لم يكن هناك من قاطع للتذاكر  بل تدفع للموظف الواقف على الباب ليسمح لك بالدخول ، إلاأنه كان يكتفي برغيف من الخبز وعليه بعض اللبنة او الجبنة او الزيتون أو الصعتر ليسمح لك بالدخول . وهذا ماكنا نفعله وأولاد الحارة ، إذ كان مصروفنا اليومي أو خرجيتنا لاتتعدى العشرة قروش في اليوم ، لذا كنا نضن بها للشراء من المدرسة ونعطي الموظف  رغيف خبز وزيتون ، أكثر الأحيان ،  نستحضره من مونة البيت ليدخلنا الى السينما . إلا أن هذه السينما قد أزيلت في منتصف الخمسينات من القرن المنصرم عند توسيع المفرق في الطريق نحو الجامع الكبير ، كما وشق طريق نحو الرفاعية في نفس الوقت ، ليفتتح عوضاً عنها سينما رويال في ساحة الكورة وسينما النجمة بالقرب من مقبرة باب الرمل .

وكانت السينمات في ذلك الوقت تعرض الدعايات لبعض المحلات التجارية داخل المدينة أو عن بعض انواع السلع لماركات مشهورة من مساحيق الغسيل او الصابون ومن ثم تعرض نشرة أخبار دولية فرنسية مترجمة عن أهم الأحداث في العالم لخمس دقائق ومن ثم تعرض أفلام كرتون لخمس دقائق أخرى لتنتهي بعرض مسلسل  " 3 مخاليع "وهو مسلسل هزلي أمريكي لعشر دقائق إضافية الذي كان يلقى رواجاً كبيراً بين الأطفال ، ومن ثم أفلام لوريل وهاردي بمواقفهم الهزلية المضحكة  ومن ثم يبدأ عرض الفيلم الأصيل .

وكانت أفلام طرزان ، رجل الغابات الأبيض  للممثل جوني ويسمولر هي الأشد رواجاً ، وهو أول ممثل لشخصية طرزان الأسطورية  في الأفلام الأمريكية بالأبيض والأسود قبل ان يتقاعد ويخلي دوره لممثلين آخرين عديدين في أفلام ملونة ، ثم تليه في الأهمية أفلام "زورو"المقنع  التي كانت الأكثر شعبية وقبولاً من قبل الصبية  بما فيها من مغامرات وبطولات  ومشاهد حماسية .

أما النساء والصبايا والفتيات فكن يفضلن الأفلام المصرية بما فيها من غناء وعاطفة ودموع ، خاصة تلك التي يسند فيها دور البطولة لعبد الحليم حافظ أو فريد الأطرش أوفاتن حمامة . أما الفتية والشباب فكانوا يفضلون الأفلام الهزلية لإسماعيل ياسين وتلك التي تتضمن مشاهد  البطولة والمغامرات والعصابات لفريد شوقي ومحمود المليجي .

وكانت اسعار تذاكر الدخول تتفاوت بين سينما وأخرى وفقاً لموقعها وفخامتها .فأسعار الدخول في المناطق الشعبية كانت لاتتعدى ال25 قرشاً ، أما في المناطق الأخرى فكانت 60 قرشاً في الصالة الأرضية و125 قرشاً ، مايعادل ثلاثون سنتاً أمريكياً في اللوج ، أي الطابق الأعلى من السينما حيث لاضجيج يصدر عن الحضور أو صفير لاختلاف طبقة المشاهدين وتميزها عن زبائن الصالة في اليسر والبحبوحة المالية .

واشهر صالات العرض الشعبية كانت في المدينة القديمة او على أطرافها كسينما النجمة التي اضحت حالياً محلاً للسمانة ثم سينما الشرق في باب الرمل بمواجهة مدفن المدينة   وسينما رويال التي اضحى اسمها فيما بعد  سينما اودويون مع تغير مالكها ثم سينما الركس التي اضحت حالياً محلاً للثياب وسينما الروكسي التي هدمت وقام محلها عمارة للمكاتب ومخازن تجارية ، أما السينمات الفخمة فكانت سينما بالاس وكانت الأشهر ثم لحقتها سينما متروبول وسينما كولورادو وسينما اوبرا في منطقة التل أما سينما الريفولي فقد خصصت للأفلام العربية فقط ، وجميعهم أغلق لإنحسار الزبائن لصالح التلفزيون الملون حيث يتفرج  المشاهد في بيته وفي المقهي وفي مخزنه على مايشاء من الأفلام .

أود أن اختم بالإشارة  بأنه خلال فترة الإستراحة لتغيير بكرة العرض السينمائي ، كان يدور بائع أو أكثر بين المشاهدين في صالة السينما في كشّة خشبية يحملها منادياً على المخلل  والمخلوطة والبسكويت والشوكولاه والبوظة  والفستق العبيد والكازوزة والكولا والبوشار وسندويش الفلافل أحياناً  ، حيث كان المشترين  يتناولون البذر  ويلقون بالقشور على الأرض ليكنسها العامل في الصباح التالي قبل بداية العرض من جديد الذي كان يبدأ في الثالثة بعد الظهر وينتهي عند منتصف الليل بشكل يومي دائم .أما في الأعياد فكانت السينما تفتح ابوابها اعتباراً   من الثامنة صباحا لتعمل بشكل متواصل حتى منتصف الليل مع توفر العيدية بين أيدي الأولاد .

 

هل تتشابه المجتمعات؟ (3)

$
0
0

وقد كان الوضع الدستوري للبلاد في هذه الفترة غير مستقر بعد، إذ لم يكن لها نظام دستوري واضح المعالم حيث لا راس للدولة بعد خروج القيصر وفى نفس الوقت لا أحد يعلم كيف سيكون عليه النظام الجديد. فكل ما كان الناس يعرفونه هو أن ألمانيا لن تعود إمبراطورية بل سوف تتحول إلي جمهورية، إلا أن معالم هذه الجمهورية لم تكن قد وضعت بعد من قبل أي جهة.

وكان هذا الغموض القانوني والدستوري هو ما دفع كل الحركات السياسية إلى الإعتقاد بأن ساعتها قد دقت وأن دورها قد أذن له بالبدء. فالسيولة التي كانت عليها الأوضاع وعدم تحديد المسئوليات بين تشريع وتنفيذ جعل المجتمع ينحدر إلى حال من الفوضي شبيه بما نراه اليوم في كثير من الدول العربية.

ويلاحظ أن الصفة التي كانت تطلق علي الشيوعيين فى تلك الفترة كانت لفظ الفوضويين Anarchistوهو اللفظ الذي عن طريقه كان هناك مبرر للدولة لكي تضرب بيد من حديد علي هذه الحركة.. والحق يقال فالحركة الشيوعية لم تكن في ذلك الوقت تعرف أولوياتها وكانت تائهة متخبطة تعدو خلف نصوص نظرية بلا خبرة ولا خطة. فكانت تستحق بالفعل هذه الصفة علي الأقل بنسبة كبيرة.

وكان الحزب الإشتراكي الديموقراطي خصما لدودا للحزب الشيوعي، رغم إشتراكهما في الدعوة إلى إعادة توزيع الثروة في المجتمع، إلا أن الأول كان يدعو إلي ذلك بطريقة ديموقراطية برلمانية بطيئة حتي لا تقوم فوضي بينما ينادي الثاني بالتغيير الجذري من الاساس وبالثورة المسلحة وصراع الطبقات إلخ.. فكان  أن الحزب الإشتراكي الديموقراطي  يري في الحزب الشيوعي نفس ما تراه الأحزاب المحافظة من فوضوية وقصور في الفكر وربما إنتهازية ايضا.

(يتشابه هذا الموقف مع موقف أحزاب الإسلام السياسي التي تنتشر اليوم في البلاد العربية ولا تملك من أدوات ممارسة السياسة إلا السذاجة والأفكار النظرية، وهي محل عداء كل الأحزاب الأخري).

وفي ظل هذا الفراغ الدستوري وفي غياب رمز للدولة إنصرفت كل جهة إلى ممارسة عملها بالطريقة التي تراها هي صحيحة. (وهذا وضع أيضا يشابه الوضع العربي فى عديد من دول الثورة الأخيرة حيث غاب التنظيم العام للبلاد وأصبحت الرؤية الذاتية هي ما تحدد مجال عمل أجهزة الدولة).

وبصرف النظر عن الخلاف السياسي الذي تناولنا شرح أبعاده كان هناك الجهاز الإداري للدولة والذي لا يتبع ايا من السياسيين بل هو مجرد الأداة التي تصرف بها الدولة أمور الناس. وهو يتمثل فى الشرطة والقضاء وأجهزة الوزارات المختلفة التي لها إحتكاك مباشر أو غير مباشر بالجماهير.

والملحوظ أن ما أصبحنا نطلق نحن عليه اليوم فى الدول العربية لفظ "الدولة العميقة"كان متواجدا أيضا فى ألمانيا فى تلك الفترة وكان إنحيازه واضحا ضد الشيوعيين.بل أن أجهزة الدولة الرقابية من مباحث وشرطة كانت ضالعة فى عمليات قتل صريحة وتصفية لاقطاب الحركة الشيوعية التي كانت قوية في برلين وفي شرق ألمانيا (البروتستانتي) بينما كانت الحركة المحافظة فى غربها (الكاثوليكي) والحركة اليمينية ذات الميول شبه العسكرية فى جنوب البلاد في بافاريا وبادن.

وحادث التخلص من الناشطة الشيوعية روزا لوكسمبورج (يهودية من بولندا) هو خير مثال علي اسلوب الشرطة فى مواجهة الحركة السياسية المعارضة. فقد تم إختطافها بطريقة غامضة ثم إختفت لفترة وعقب إختفائها بفترة شهرين وجدت جثتها غارقة فى أحد القنوات المائية فى داخل حديقة بوسط برلين..

وكان الفارق الزمني الكبير بين وقوع الوفاة والعثور علي الجثة سببا فى صعوبة تحديد سبب الوفاة.

وكذلك كان التخلص من كارل ليبكنيشت (مسيحي ألماني) الزعيم الشيوعي الآخر علي يد مجموعة مستأجرة من المباحث وبمساعدة منظمات يمينية تري فى الشيوعية خطرا وشيكا يكاد يطبق على ألمانيا.

وهكذا تصرف الجهاز الإداري بمفرده كمنفذ لأحكام إعدام لم يصدرها أي قاضي ولا خضعت لأي رقابة من النيابة بل تم إتخاذ القرار بشأنها من جهات إدارية، ولم يقدم أي شخص بعد ذلك لأي محاكمة عن تلك الأعمال، وهو ايضا وضع شبيه بما جري ويجري فى عدد من دول الثورة العربية.

وعلي الجانب الإقتصادي والإنتاجي بعيدا عن التنازع السياسي كانت هناك حركة إضرابات تدعو إلي زيادة الأجور لتعويض التضخم الذي نشأ عن الحرب الطويلة (ما نطلق نحن عليه فى الدول العربية مطالب فئوية) وكان أثرها علي الإقتصاد سيئا للغاية خصوصا في بلد منهك من الحرب وبانتظاره إلتزامات كبيرة علي صورة تعويضات للحلفاء لم يعرف مداها بعد إذ أن الشهور الأولي فى عام 1919 لم تكن فيها نصوص إتفاقية فرساي قد تم الإستقرار عليها بعد. وبسبب التشابه فى الأوضاع بين المانيا منذ قرن تقريبا وبعض الدول العربية اليوم لابد من وقفة عند هذه النقطة لدراسة تصرف الدولة إزاء هذه الإضرابات الفئوية..

حسن روحاني: أنور سادات إيران؟

$
0
0

لا تعتقد هذه السطور بخيانة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ولا تستهدف التعريض بالرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني، وإنما عقد المقايسة بين التجربتين التفاوضيتين المصرية - الأميركية والإيرانية - الأميركية وتسليط الضوء على الاستراتيجية الأميركية المتشابهة فيهما، برغم كل الفوارق بين التجربتين الساداتية والروحانية والسياقات المحلية والإقليمية والدولية التي جرى التفاوض في إطارها. يتشابه الرجلان أنور السادات وحسن روحاني في خوضهما مفاوضات مع أميركا لها القدرة على تغيير وجه الحياة في بلديهما وكامل الشرق الأوسط، ولكنهما واجها مع اختلاف التوقيت استراتيجية أميركية تفاوضية متشابهة، مفادها إطالة أمد التفاوض وفتح المجال الزمني له، بغرض انتزاع تنازلات متتابعة في صورة «مبادرات حسن نوايا». لا يعني ذلك أن حسن روحاني سينتهي تفاوضياً مثلما انتهى السادات، ولكن تشابه الاستراتيجية التفاوضية الأميركية في التجربتين جدير بتسليط الضوء عليه. على ذلك لا يعتقد كاتب السطور بإمكان التوصل إلى اتفاق شامل بين إيران والدول الست الكبرى خلال الفترة المقبلة، وهي نتيجة تحليلية لها تداعياتها الجيو- سياسية على كامل التوازنات الإقليمية في المنطقة وملفاتها المتشابكة.

خبرة التفاوض الساداتية ودرسها

يشكل المسار التفاوضي للرئيس المصري الراحل أنور السادات مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل درساً فائق الأهمية لكل المهتمين بمسائل التفاوض في العلاقات الدولية، ولدارسي القضايا المصيرية الكبرى التي غيرت وجه الشرق الأوسط. ذهب أنور السادات في رهانه على تسوية سلمية للصراع العربي - الإسرائيلي برعاية أميركية إلى ما لم يذهب إليه أحد من قبله وربما من بعده. بداية من تحييد حليفه الدولي – الاتحاد السوفياتي وقتذاك - بعيد حرب العام 1973 إلى خرق الإجماع العربي حيال إسرائيل، ومن ثم إلى التوقيع على اتفاقيتي فض الاشتباك مع إسرائيل في العام 1975 التي أخرجت مصر عملياً وتعاقدياً من معادلة الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وصولاً إلى زيارة القدس العام 1977، ومن ثم الاتفاق الشهير في كامب ديفيد. هذا المسار التفاوضي الدرامي الذي ابتدأ مصرياً بمطالب الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي العربية التي احتلت في العام 1967 وإقامة كيان فلسطيني على أراضي الضفة الغربية وغزة، انتهى بتوقيع السادات على اتفاق سلام منفرد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في كامب ديفيد العام 1978 ينزع السيادة العسكرية المصرية عن سيناء! لم يتشكل هذا المسار بين يوم ليلة، ويمكن إرجاعه بالأساس إلى فساد الاستراتيجية التفاوضية للرئيس المصري الراحل تلك التي قبلت بتقديم تنازلات وإثباتات لحسن النوايا طيلة منعطفات التفاوض من دون تحديد أفق زمني واضح لعملية التفاوض ذاتها. ومع فقدان حرب تشرين 1973 لقوة دفعها عقب اتفاقات فض الاشتباك، فقد اقترب السادات من المواقف الأميركية ولم يحبذ عقد مؤتمر دولي للسلام. ومع انتخاب مناحيم بيغن رئيساً لوزراء إسرائيل، فقد كانت عملية السلام محتاجة لقوة دفع جديدة، فزين كيسنغر للسادات زيارة القدس، ولما لم تسفر تلك الزيارة عن نتيجة مباشرة، فقد كان محتماً عليه الذهاب منفرداً إلى كامب ديفيد. وفي طريق التفاوض الطويل من العام 1973 وحتى العام 1978 من القاهرة إلى كامب ديفيد وقعت القضية الفلسطينية من الحسابات والتسوية الشاملة للصراع، مع بقاء التعهد المصري عملياً وتعاقدياً بعدم إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري. كانت كل بادرة حسن نية يقطعها السادات، تقطع معها طريق الرجعة وتجعل تكلفة الفشل مرتفعة للغاية. ولعل الحوار الشهير الدائر بين السادات والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر – ذكره الأخير في مذكراته ــ إبان عزم الأخير مغادرة كامب ديفيد وقطع التفاوض لما بدا من تعنت إسرائيلي، الدليل الصارخ على المأساة التي وصلها السادات واضطرته في النهاية إلى التوقيع، في الوقت الذي استقال فيها وزيران للخارجية المصرية هما إسماعيل فهمي ومحمد إبراهيم كامل، احتجاجاً من الأول على إطار التفاوض ومن الثاني قبل التوقيع مباشرة احتجاجاً على عمق المنحدر الذي أراد السادات التوقيع عليه. يقول كارتر للسادات: «هل تعلم ماذا تعني خطوتك وهل تقدر عواقبها؟ سيضحكون عليك في الشرق الأوسط وستصدم شعبك الذي ينتظر إنجازات، وستحرمني من فرصة الفوز الرئاسي. لن تحصل مني على مساعدات ولن تكون هناك علاقات خاصة. لكن إذا وقعت، أعدك بأن أساعدك بكل جهدي على تحسين وضعك والشروط». كان السادات قد سار الشوط حتى نهايته في إبداء «حسن النوايا» وكان ثمن الفشل أكثر من غالٍ، فكان ما كان.

خبرة التفاوض الروحانية ودرسها

برغم سيل التوقعات والمقالات والأوراق والندوات حول العالم عن قرب التوصل إلى اتفاق شامل بين إيران والغرب، وبالأحرى بين طهران وواشنطن، يغير وجه المنطقة، يبدو هذا التوقع مستنداً إلى أمنيات أكثر منه إلى حقائق. صحيح أن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط ستستفيد من إبرام هكذا اتفاق، ولكنه أيضاً صحيح أن اللوبي الصهيوني أكثر نفوذاً مما يعتقد كثيرون حول العالم. وأفاضت دراسات كثيرة في تفصيل خطورته ونفاذه إلى معادلات صنع القرار الأميركية، ولعل أبرزها كتاب اللوبي الصهيوني لمؤلفه جون ميرشهايمر. وفوق ذلك، لا تشعر إدارة أوباما بالضغط للوصول إلى اتفاق شامل مع إيران، لأنها تحصل على أغلب ما تريد الحصول عليه من طهران في الإطار والسياق التفاوضي الحالي، ومن دون دفع أثمان ذات مغزى أو مواجهة حقيقية مع إسرائيل. ويعود السبب في ذلك إلى عدم تحديد إطار زمني للمفاوضات ترفع خلالها كامل العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ما يجعل إيران في وضعية «إثبات حسن النوايا» على طول الخط. ولعل «اتفاق الإطار» الموقع العام 2013 بين إيران والدول الست الكبرى، هو الدليل الأبرز على ذلك. افترض روحاني أن «اتفاق الإطار» المذكور يوفر جسراً موقتاً للوصول إلى اتفاق شامل، لكن الإدارة الأميركية تستخدم هذا الاتفاق كوسيلة لإطالة المفاوضات، بغرض انتزاع التنازلات تلو الأخرى من إيران في إطار «إثبات حسن النوايا». هكذا جمد روحاني برنامج التخصيب الإيراني وكبح تعاقدياً إمكانات تطوره طيلة فترة المفاوضات، تلك التي لم تتحدد على إي حال بسقف زمني، في مقابل رفع رمزي لبعض العقوبات مع إبقاء الجسم الأساسي لها شاخصاً. حتى الآن، تمددت المفاوضات لسنة كاملة منذ توقيع «اتفاق الإطار»، ولا يبدو في الأفق سقف لها، وربما تمتد سنتين إضافيتين حتى نهاية الولاية الرئاسية الثانية لأوباما. وفي جولة التفاوض الأخيرة في فيينا، وافقت إيران على تمديد المفاوضات، لأن تكلفة الفشل ستكون عالية لروحاني وإدارته.

الخلاصة

يلعب الوقت في مصلحة المفاوض الأميركي لأن العقوبات الاقتصادية تطحن الاقتصاد الإيراني، وكلما طال وقت التفاوض ستكون إيران أكثر ليونة في التعامل مع المطالب الأميركية بشأن التخصيب واستبعاد الرفع الكامل للعقوبات، حتى ولو لم يسلم المفاوض الإيراني بذلك الآن. لإيران أسبابها الخاصة في الاعتقاد أن لا اتفاق حتى الآن أفضل من اتفاق سيئ، طالما استمرت عجلة المفاوضات في الدوران. في المقابل، يقضي جوهر الاستراتيجية التفاوضية الأميركية بأن الإدارة الأميركية ستستطيع الاحتفاظ بمكاسبها المتحققة من الإتفاق الإطاري الموقع العام 2013 الذي يجمد البرنامج النووي الإيراني في مكانه، وفي الوقت نفسه امتلاك ورقة الضغط الاقتصادي على إيران. ومع انهيار أسعار النفط في الشهور القليلة الماضية يزداد الضغط الاقتصادي على إيران، ما يجعل الإدارة الأميركية مرتاحة أكثر في الجلوس على مائدة التفاوض في مواجهة الإيرانيين. تعتمد الإستراتيجية التفاوضية الأميركية على افتراض أساس، مفاده أن إيران لن تقطع المفاوضات النووية وإلا ستتحمل وحدها مسؤولية الفشل فيها. هنا لا يبقى أمام روحاني سوى خيارين: إما قطع المفاوضات والعودة إلى التخصيب بمعدلات مرتفعة وما يعنيه ذلك من أثمان سياسية كبرى، أو تكرار تجربة أنور السادات في مفاوضات مفتوحة الآفق الزمني! لا خيار ثالث يبدو ممكناً.

حكايات "عم سيد ندا".. و"وجبة الكباب"

$
0
0

بمناسبة خناقة الوزيرة مع العمال


حكايات "عم سيد ندا".. و"وجبة الكباب"..!

بالأمس، كان احد ايام مواجهة وزيرة القوى العاملة لعمال النسيج في مؤتمر صناعة النسيج، وكنت ايضا فى إحدى جلسات تسجيل التاريخ الشفوى لحركة اليسار، والقوى العاملة بمركز البحوث العربية والأفريقية. 

وحضر "عم سيد ندا"القائد العمالى النقابى البارز منذ الاربعينيات، وقد بات يقترب من التسعين عاماً!

أشار كالعادة إلى غياب الابداع لدى الحركة العمالية، وراح يبتسم وهو يشير علينا بالاستماع لحكاية تنظيم "وجبة الكباب"للعمال فى مطلع 1951 بديلا للعنف , قال:
كانت صناعة النسيج مزدهرة، والبطالة العمالية شديدة أيضاً...

 

وأعلن احد مصانع شبرا عن رغبة فى تعيين سته عمال جدد... ذهب منذ الفجر أكثر من خمسمائة عامل يطلبون دخول الاختبار . وحضر صاحب المصنع متأخراً طبعاً... يشق الطريق لمصنعة فى عربه فارهه، ويبدو أنه تشاكل فى طريقه مع بعض العمال.. فقرر إلغاء الاختبارات. واشتعل الموقف بين العمال العاطلين ورغبات التدمير بادية فى أعينهم. وهنا _يقول عم سيد ندا – تبرز القيادة العمالية الحقة، فتقدم عم سيد ليناقش الحلول,وكان الي جواره قادة تاريخيين اخرين مثل محمود العسكري , والمدرك .. جمعهم تحت جميزة فى ساحة قريبة من المصنع ... وبرز اقتراح،.. بدا مدهشا: يتوجة العمال حالا – وهم هكذا جوعى – إلى مطاعم الكباب الشهيرة وغيرها وسط المدينة، يتناولون وجبة الغداء من الكباب ,وينصرفون دون دفع الفاتورة، وتحت شعار شغلونا واحنا ندفع ".!. وحددوا محلات شهيرة (مازلت أذكرها) مثل العجاتى، والكاشف، وعشماوى.....!
وطلب القادة تشكيل لجنة صغيرة للامانات تجمع كل مالدى العمال الموجودين من مال أو اشياء يمكن أن تجبرهم على دفعها بعد الوجبة... فجمعت اللجنة من خمسمائة عامل حوالى سبعين قرشاً، وخمس ساعات، وخمس عجلات!

 

وانصرفوا للمهمة ...املين ان يسمعوا صوتهم للمجتمع بطريقة جديدة.. وأكلوا وجبتهم، وبدأت مشاكل الانصراف وعدم الدفع ..."بعض المحلات"لمّوا الدور"خوفاً من "الجرسة" , والبعض صمم على استدعاء الشرطة للعمال، فجاء البوليس ليواجة مئات الممتنعين المحتشدين . ولم يكن احد يتصور بالطبع ان يحبسوا او يقتلوا خمسمائة عامل!.... واخذوا للعرض على النيابة...!

 


يضحك عم سيد، وهو يتذكر .. والعمال يقولون لاصحاب المطاعم والنيابة، "وكّلونا واحنا ندفع"! ويقهقه وهو يذكر احد وكلاء النيابة يسأل العامل: طب كل فى مطعم فول تكون الخسارة محدودة... بدل ماتاكل بستة سبعة جنية كباب مرة واحدة! ويرد العمال "علشان يحسّوا بينا ..."وصاحب مطعم الفول فقير أصلاً...!

 

يتدخل وزير الداخلية، فؤاد سراج الدين باشا "فى حكومة الوفد الشعبوية والمقبله على إلغاء معاهدة 1936 الشهيرة ... يفرج عن العمال .. وتقرر الحكومة اجراء بعض التعيينات .. وصرف مبلغ سته جنيهات للعائل واربعة للعازب ...! وضحكنا ... قال عم سيد : عجبكتم الحكاية .. قلت: سجّلى ياحنان...! ويواصل عم سيد حكاويه. .. لأنة هو قائد عمال شبرا الخيمة ,الذى توجة إليه على مقهى بها فجر يوم من اوائل 1946 معالي اسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء لوقف اضراب العمال .... ذلك اليوم.. لضمان استقرار فترة مفاوضه سيادتة مع الانجليز...!
ولهذا حديث اخر.............

موسم الزيتون /حكاية مدينة

$
0
0


تأليف : محمد السويسي

كان موسم قطاف الزيتون على أبواب الشتاء مصدر فرح لي وهمّ في نفس الوقت ، وفقاً لما سآتي إليه .
كان مصدر فرح لي لأول مرة عندما سمح لي والدي بمرافقته إلى بستان الزيتون العائد لنا للمشاركة في القطاف وقد بلغت العاشرة من العمر ، إذ لم يكن ليسمح لي قبل ذلك في السنين الماضية لصغر سني .
وسبب فرحي وتلهفي بالمشاركة في موسم القطاف هو أن الذهاب إلي البستان كان يتم بالركوب على الحمار خلف أخي الأكبر وقد أمسكت بخصره بكلتا يدي ، بينما كان والدي يسبقنا ممتطياً حصانه ونحن نسير خلفه فجراً نحو أبي سمراء إلى أن وصلنا خلال نصف ساعة إلى بستاننا الملاصق لمعصرة الزيتون عند السكة البيضاء ليغيب والدي لبعض الوقت ويعود ومعة بضعة من العمال والعاملات للمساعدة على قطاف الزيتون ومعهم عدة سلالم وحزمة من القصب طويلة حيث كان كل عامل منهم يمسك بواحدة من الحزمة ويعمل على ضرب رؤوس الأغصان بها لإسقاط الزيتون على الأرض ومن ثم تعبئتة في سلال من القصب يحملونها ومن ثم إفراغها في شوالات متوسطة من الخيش أو القنب .

وكنت الأكثر حماساً وإندفاعاً في التسلق على شجر الزيتون ،ليس حباً بالقطاف بل كان يحدوني الأمل لصغر سني أن أجد بعض فراخ العصافير في أعشاشها للتمتع بمنظرها ، إذ لم يكن يدور بخلدي أبداً أن هذا الفصل ليس أوان تفريخها بل في الربيع .
وكنا كلما ملأنا شوالاً من الزيتون يحمًله العمال على ظهر الحمار لنوصله أنا وأخي إلى المعصرة الملاصقة للبستان .

وكان القطاف يستمر لعدة أيام ليأخذ العامل ثلاث ليرات أجره اليومي أي بما يعادل دولار ونصف يوم ذاك ، ثم ليأخذ أرطلاً من الزيتون في آخر يوم قطاف بالإضافة لأجره اليومي .
ومع قرب إنتهاء موسم القطاف حمًل والدي بعض أكياس الزيتون الصغيرة على ظهر الحمار وصرفنا باكراً وقد أمسك أخي برسن الحمار الممتد بحبل طويل وأنا خلفه نحو المنزل في شارع الحتة في حي النوري ، إلا أنني سألت والدي قبل أن ننطلق ، ماذا نفعل بالحمار عندما نصل الى البيت ؟!أجابني لاعليك أتركوه هناك وهو يتابع سيره نحو صاحبه!.
وبالفعل وصلنا إلى البيت وقد قاربت الشمس على المغيب وأنزلنا الحمل لمونة البيت السنوية عن ظهر الحمار ثم اطلقناه بعد أن ربتنا عليه ليتابع سيره نحو اسطبله من حيث استأجره والدي بالقرب من الجامع المنصوري الكبير .

أما والدي فقد تأخر لساعتين تقريباً إذ حمّل أربع تنكات من زيت الزيتون من المعصرة في خرج على ظهر الحصان وقد تدلت عن جنبيه .
قلت أن موسم قطاف الزيتون كان موسم فرح لي وهمّ في نفس الوقت ، وبعد أن عرضت موضع الفرح فإن موضع الهمّ كان يأتي بعد إنتهاء القطاف مباشرة في اليوم التالي ، إذ كان ينبغي لي أن أجلس مرغماً في حلقة مع باقي أفراد العائلة من الأخوة والأهل للعمل على "رصّ"الزيتون بالضرب عليه بيد هاون من النحاس أو مدقّة جرن الكبّة الخشبية الكبيرة على حجر بحصاصي كبير مفرطح ليُكبس بعدها بالماء والملح الخشن ، والحبة الكبيرة منه كانت تنقّى وتوضع جانباً لتعمل الوالدة على تشطبيها بالسكين ومن ثم لتكبسه بالملح بالحامض والزيت.

لقد كانت مواسم قطاف الزيتون بالنسبة لي أياماً جميلة وقد دالت إذ أصبحنا نشتري الزيتون بالوزن ضمن قطرميز جاهز كلما دعت الحاجة . إلا انني لازلت أشتري الزيت بالتنكة بعد أن أتذوقه وأحمله فوراً بالسيارة إلى البيت ، وإلا فإن كل الباعة دون استثناء ، إلا قلة نادرة منهم ، جاهزين للغش دائماً ومحترفين في هذا المجال دون ضمير أو مخافة من الله . والحمدلله ان الله قد وهبني ملكة الإحتراف في تمييز الجيد منها من المغشوش أو الردىء بسهولة فائقة وفق خبرة قديمة اكتسبتها من والدي امتدت لسنوات طويلة حتى شبابي ، قضيتها في قطاف الزيتون وعصره .

أكبر شركة طيران بالعالم تقاضي بنجلاديشي عمره 22 لإطلاقه موقع للحجوزات الرخيصة

$
0
0

aktarer zaman
يونايتد أيرلاينز تقاضي أخطر الزمان (22 سنة) لإنشائه موقع skiplagged.comلحجز تذاكر طيران أرخص بحوالي 30% من باقي المواقع، باستخدام حيلة حجز الرحلة إلى مدينة صغيرة قريبة من الوجهة النهائية المطلوبة. شركات الطيران عادة ما تعطي أسعاراً منخفضة لتلك الوجهات المغمورة. فمثلا للسفر من مدينة نيويورك إلى سان فرانسسكو، يقوم الموقع بحجز رحلة من نيويورك إلى ليك تاهو، نـِفادا.  فتقوم شركة الطيران بعمل مسار يتطلب تبديل الطائرة في سان فرانسسكو المجاورة، التي تصادف أنها هي الوجهة الحقيقية للمسافر. فيأخذ المسافر الجزء الأول من الرحلة إلى مقصده، ويتجاهل الجزء التالي.

لا أدري ما هي الدفوعات القانونية لشركة يونايتد، ومدى نجاحها في إيقاف الموقع الإلكتروني.

الجدير بالذكر أن سوق تذاكر الطيران في الولايات المتحدة أغلى كثير من الرحلات المناظرة في أوروبا.

أخطر الزمان وُلِد في بنجلادش، ونشأ في نيويورك، وتخرج من جامعة رنسلير ببكالوريوس في علوم الحاسب، العام الماضي.

 http://money.cnn.com/2014/12/29/news/united-orbitz-sue-skiplagged-22/

 السادة القانونيون، أفيدونا هل أخطأ أخطر الزمان؟


كل عام وأنتم بخير

$
0
0

أطيب الأمنيات بالرِفعة والتقدم، والصحة والسعادة.

النفط الصخري

$
0
0

بقلم :م. برجس حمود البرجس

هذة المقالة كتبت فى 30-10-2014 وكان سعر برميل النفط وقتها 80 دولارا للبرميل

المملكة العربية السعودية لايزال وضعها النفطي جيداً، فسعر البيع «80 دولاراً للبرميل» لا يزال جيداً مع أنه بالكاد يغطي الميزانية الضخمة، وإذا نظرنا للمعدل السنوي بهذا السعر فسيكون أقل دخلاً من العام الماضي بـ(ربع) تريليون ريال سنوياً خصوصاً أن كمية المبيعات ستكون أقل من السابق.

النفط ليس (آمناً) للدول المصّدرة والمستوردة، ومعّرض دائماً لهبوط وصعود، والمشكلة تكمن في الاعتماد عليه بشكل رئيسي وشبه كلي..

السبب الرئيسي لهبوط سعر النفط هو زيادة المعروض (المتوقعة) وأتت تدريجياً بسبب النفط الصخري الذي كان يتبع النفط التقليدي (نفط الأوبك)، أصبح الآن النفط الصخري منافساً قوياً بالسعر ويباع بأريحية وبأفضلية داخل أمريكا.

قبل البدء في الحديث عن النفط الصخري يجب أن نذّكر أن مشكلة المملكة في الاعتماد على النفط مخاطرة عالية فيجب تنويع مصادر الدخل بطريقة سليمة وليس كما هو معمول به أو مخطط له. والمشكلة الأخرى أنه يجب تحسين إنفاق عوائد النفط الحالية، فغالبيتها تذهب في مشروعات متعثرة ومشروعات لم تحل مشكلة البطالة ولا مشاكل التنمية.

وبالنسبة لتكلفة أسعار النفط الصخري، فمن الخطأ أن نقارن تكلفة إنتاج النفط الصخري بتكلفة إنتاج النفط التقليدي، المفترض أن نقارن تكلفة إنتاج النفط الصخري على الشركات الأمريكية بدخل الدول المصدرة للنفط من مبيعات النفط وموازناتها المالية.

النفط الصخري تمّكن ووصل، وهو حقيقة وواقع دخل على سوق النفط التقليدي، وأصبح ينافس ولديه الأفضلية في كثير من شئون تسويق النفط.. النفط الصخري أحد أنواع النفط غير التقليدي ولكنه الأهم والأكثر وهو ما يتداول كثيراً في الإعلام، وأيضاً هناك النفط الرملي والذي ينتج بكثرة في كندا وهي خامس أكبر منتج للنفط في العالم، و56 بالمئة من نفطها يأتي من النفط الرملي.

النفط الصخري - الاكتشاف هناك نفط (غير تقليدي) مكتشف منذ عشرات السنين وهو بكميات أكثر من النفط التقليدي، ولكن لم يمكن استخراجه بالتقنيات والتكنولوجيات المتوفرة آنذاك، وهذه التقنيات يتم تطويرها في المعامل خلال السنوات الماضية، وما حدث مؤخراً هو تطوير تقنيات تستطيع استخراج النفط الصخري والغاز الصخري، ولم تكتمل بعد، وهناك تطويرات كثيرة كل يوم لهذه التقنيات والتكنولوجيات والتي تساهم في تطوير عمليات اكتشاف واستخراج وإنتاج النفط الصخري وغيره. وبسبب هذه التقنيات والتكنولوجيا، تم اكتشاف مزيدٍ من النفط الصخري، فخلال عامين بين 2011م وعام 2013م تم اكتشاف كميات كبيرة للنفط الصخري ضاعفت مخزونه بـ 10 مرات في العالم، حيث كان 32 مليار برميل ووصل إلى 345 مليار برميل; ولكي يعرف غير المتخصص مدى هذا الحجم، فهو يعادل إنتاج نفط دول الأوبك لـ 31 سنة بمقدار إنتاج اليوم، وبكل تأكيد هذا تغيير كبير خلال 24 شهراً.

النفط الصخري - تكلفة الإنتاج تتراوح تكلفة إنتاج النفط الصخري بين 40 و 75 دولاراً للبرميل، ولكن يتركز الإنتاج حالياً من الآبار ذات التكلفة بين 40 و50 دولاراً للبرميل، ريثما تتطور التكنولوجيا خلال السنوات القليلة القادمة فينخفض سعر الإنتاج من الآبار ذات الكلفة بين 60 و 75 دولاراً.

وبالنسبة لتكلفة الإنتاج، لا تصرف بالتقسيم على الإنتاج اليومي، فلو ضربنا مثالاً على حقل تكلفة إنتاجه 45 دولاراً للبرميل، فهي التكلفة بالكامل على الحقل تقسيم عدد البراميل المتوقع استخراجها، ويدفع المبلغ على 3 مراحل.. المرحلة الأولى تكون على الاكتشاف والأعمال السيزمية ودراسة الحقل وخواصه، والمرحلة الثانية تكون على الحفر الأساسي للآبار وتمديد أنابيب الاستخراج; وكلتا المرحلتين يتم إتمامهما قبل البدء في الإنتاج ويكلفان بين 50% إلى 65% من التكلفة الكلية والتي افترضناها 45 دولاراً، فتكون الشركة انفقت أكثر من نصف المبلغ (لكل البراميل) قبل الإنتاج وعندما تبدأ الإنتاج وتبيع بأسعار عالية (حوالي 100 دولار للبرميل) تكون غطت التكلفة بالكامل في منتصف العمر الافتراضي للحقل، وتعمل على الأرباح فقط في النصف الثاني لعمر الحقل، ولذلك لا تتأثر كثيراً عند هبوط الأسعار.

ومما يجعل تكلفة إنتاج النفط الصخري مجزية هو تضخم ميزانيات الدول المصدرة للنفط، فمثلاً المملكة العربية السعودية ستتأثر كثيراً إذا هبط سعر النفط عن 80 دولاراً كمعدل سنوي، حيث إن الميزانيات تشمل مشروعات بنية تحتية وستبقى طويلاً نظراً للتأخر في مشروعات التنمية (تعليم، صحة، مطارات، قطارات، إلخ).. أما إذا هبط سعر النفط عن 50 دولاراً فسيؤثر على دفع رواتب القطاع العام.

وفي أيّ من الحالتين ستجبر الدول على خفض ميزانياتها كثيراً أو تتكبد عجزاً في الميزانيات وتقترض من البنوك المحلية أو تسحب من الاحتياطيات النقدية. لاشك أن المملكة لا تستطيع تأجيل المشروعات التنموية فهي متأخرة في مشروعات البنية التحتية ومتعثرة في كثير من الأعمال القائمة.

النفط الصخري - أفضلية البيع حصص دول الأوبك تحسب بطريقة «مكّمل للناقص» لكي تتأكد من عدم وجود فائض يهبط بالأسعار، فمثلاً، حالياً الطلب على النفط تقريباً 90 مليون برميل يومياً، وتستطيع الدول (خارج الأوبك) إنتاج 60 مليون برميل يومياً، ثم تأتي دول الأوبك لتكمل المتبقي بطريقة تجعله 30 مليون برميل يومياً أو أقل قليلاً لتبقي الأسعار مرتفعة نسبياً.

وبعد ذلك تكون هناك مخاوف في أسواق تداول النفط ترفع من سعر النفط. بذلك يكون النفط الصخري ضمن الـ (60 مليون برميل) ويضمن تسويقه داخل بلده، ويأتي بعده النفط التقليدي ضمن الـ(30 مليون برميل) المكّملة وبالتأكيد تتعرض للنقص كما سبق ذكره ولا تستطيع الدول المصدرة (أوبك) أن تبيع بكامل طاقتها الإنتاجية.

النفط الصخري - تأثيره في السنوات الستة الماضية، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط غير التقليدي من 600 ألف برميل إلى 3.5 ملايين برميل يومياً، وبهذا يتخطى إنتاج الولايات المتحدة 8.8 ملايين برميل يومياً من النفط هذا الشهر، وهو الأعلى منذ 28 عاماً.

وبذلك انخفضت الواردات من النفط الخام للولايات المتحدة إلى 7.7 ملايين برميل يومياً وهو الأدنى منذ 18 عاماً، وساهم في إستراتيجية الولايات المتحدة بخفض استيرادها من دول الأوبك والتركيز على دول الجوار، فوصلت واردات الولايات المتحدة من دول الأوبك 3.5 ملايين برميل وهو الأدنى منذ 25 عاماً.

أما بالنسبة للمخزون تحت الأرض من النفط الصخري، فكما سبق ذكره ارتفع من 32 مليار برميل عام 2011م إلى 345 مليار برميل عام 2013م وأصبح أكثر من مخزون النفط السعودي والذي يصل إلى 265 مليار برميل، وأيضاً أكثر من إنتاج نفط أوبك الحالي لمدة 31 عاماً، وهذا رقم كبير جداً ومطمئن لتلك الدول وفي مقدمتها الصين والولايات المتحدة.

نقلا عن الجزيرة

هل لمصر نصيب من الاكتشافات الهائلة للغاز بشرق المتوسط؟

$
0
0

سألني سائل: قبرص تنقب عن الغاز وإسرائيل تعلن اكتشافات جديده علي حدود مصر (داخلها؟) ومصر بتعمل إيه؟ ومن يكتشف أولا يمتص حقل جاره.

نظام الحكم في مصر (الذي لم يتغير للحظة) منذ 2003 دخل في سيرينادة تفريط متواصل في حدودنا البحرية وثروات الغاز فيها. ويرفض المسئولون كشف أي دليل على أن حقول "شروق" (2001) و"ليل" (2002) و "كي جي-45" (2003) و "إل إيه-51" (2003) مازالت داخل الحدود المصرية. بل قال لي وزير البترول أسامة كمال، في ربيع 2013: "حتى لو أعطتنا شركة التنقيب إحداثيات، وبافتراض صحة تلك الإحداثيات، فليس لدى مصر أي وسيلة للتحقق من وجودها أو للوصول إليها، ناهيك عن فتحها أو غلقها." 

وحين اجتمعت، في نوفمبر 2012، بمسئولي البترول والجيش والمخابرات (الحربية والعامة)، "بحضور رئيس شل مصر"، قلت لهم عفا الله عما سلف، لماذا لا نبدأ بالتنقيب داخل حدودنا الحالية بالقرب من الحقول التي أعلنت عنها إسرائيل وقبرص، انبرى عدة أشخاص من وزارة البترول ليسفهوا الفكرة بحجة أن التنقيب مكلف (الإيجار اليومي للحفار 300,000 دولار) وأن كل البيانات السيزمية تقول خزان الغاز الجيولوجي ينتهي بالميللي عند حدود مصر المرسّمة حديثا. فقلت لهم اعطني امتياز تنقيب وسأحفر غداً صباحاً وسأجد غاز في أسبوع. فقال أحدهم: ما هي مؤهلاتك لكي تحصل على امتياز؟

وفي ديسمبر 2013، وقع عدلي منصور، بحضور السيسي، على اتفاقية مع قبرص تمنع مصر من التنقيب في حزام عرضه 10 كم من الحدود. ولكن في الواقع حزام حظر التنقيب مفروض على مصر منذ 2005، وبعرض أكثر من 100 كم، ويتم فرضه بواسطة اعطاء امتيازات تنقيب على البلوكات الحدودية لشركات لا تقوم بعمل شيء على الاطلاق، مثل شركة كجرات الهندية وبريتش بتروليوم. وبالرغم من عدم قيامهم بأي نشاط تنقيبي حسب عقد الامتياز، فإن الدولة لا تسحب الامتيازات منهم.

* النظام لم يتغير، حتى لو أطال لحيته أو اعتمر بيريه عسكري

* الإخوان:
يجدر ذكر أني، قبل ساعات من اجتماع وزارة البترول المذكور أعلاه في 17 نوفمبر 2012، كنت قد اتفقت مع أعضاء لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى (الإسلامي) على المجيء معي، ووعدوني جميعاً بالمجيء. وفي الاجتماع لم أجد شخصاً واحداً منهم. ولاحقاً لما سألتهم عن سبب، قال لي أحدهم أنهم "كلهم"نسوا أنهم مرتبطون بحضور ندوة في جمعية أنصار السنة المحمدية عن "نصرة أخواتنا المسلمات في كوسوفو"، ولم يكذّب الحجة رئيس اللجنة، الأستاذ رضا فهمي ولا نائبه الدكتور الطيب سعد عمارة. وبالمناسبة رضا فهمي هو القيادي "الوحيد"في الحرية والعدالة الذي هو موجود وليس سجيناً ولا هارباً، ويمكن التأكد منه. وهل من علاقة بين بقاء الأستاذ رضا فهمي الوحيد من قيادات الإخوان العليا الذي لا يطارَد وأن لجنة الأمن القومي تحت قيادته "شربت الشاي بالياسمين"مباشرة بعد أول لقاء لي بهم في 17 نوفمبر 2012؟

ورفضت رئاسة الجمهورية، بعهد مرسي، مجرد مناقشة قضية الغاز، حتى أجبروا على ذلك بضغط إعلامي من يسري فودة، فإجتمعت (أنا) بآخر نوفمبر 2012، بلجنة الوقود في رئاسة الجمهورية بقيادة الدكتور المهذب باسم عودة، وبعد شرح وافي مني، علـّق د. باسم بجملة واحدة: "الكلام ده ... الكلام ده ... مش بتاعنا، الكلام ده بتاع المخابرات"، ثم هرول فاضاً الاجتماع.

ومنذ ذلك الحين (17 نوفمبر 2012) وحتى الاطاحة بحكم الإخوان (30 يونيو 2013)، كان موقف الإخوان المسلمين من قضية الغاز هو "إن البقر تشابه علينا"، يعني الاستهبال والتطويح، بالتعاون مع أجهزة الدولة العميقة. بل حتى حين تقدم أحد أعضائهم، د. خالد عودة، بطلب لإلغاء اتفاقية الترسيم مع قبرص، رفض الإخوان المسلمون "بالإجماع"مناقشة الفكرة في لجنتي الأمن القومي والتشريع. 

وفي مارس 2013، واجه يسري فودة، في برنامجه، الدكتورة باكينام الشرقاوي، مستشارة الرئيس مرسي، بانعدام أي رد فعل من رئاسة الجمهورية تجاه قضية الغاز، فأجابته بأن الرئيس مرسي لم يسمع قط بهذه القضية من قبل، ولا بإسمي - بالرغم من تأكيد أكثر من خمس مصادر منفصلة، بأنها سلّمت ملف القضية للرئيس مرسي شخصياً. ووعدت الدكتورة باكينام يسري فودة بالاتصال فوراً بنايل الشافعي. وطبعاً لم يحدث.

* السلفيون:
أما السلفيين، فقد تجاهلوا الموضوع بأكمله ولم يثيروه إلا في أبريل 2013 حين هاجمهم الإخوان، فأثار نائب سلفي بالشورى موضوع الغاز بصحيفة الأهرام مرة واحدة لينغص به على حكم الإخوان. ثم عاد لصمته.

* شباب الثورة والاشتراكيون والقوميون

تجاهل شباب الثورة قضية الغاز وترسيم الحدود بالكامل، على الرغم من أني أثرت الموضوع مع الكثيرين من شخصياتهم البارزة. وكنت حقاً أستغرب كيف أن مليونيات تقوم حول مواضيع أقل أهمية من هذا الموضوع، ولم أر لافتة واحدة تـُرفع حول هذا الموضوع بين مئات اللافتات، من كافة تيارات الشباب والاشتراكيين الثوريين والأناركيين وحزب الكرامة (صباحي) واليسار (حزب التجمع ويسار التطبيع).

* منظمات المجتمع المدني

اتسمت تلك المنظمات بعزوف شديد عن الموضوع، وخصوصاً حين أفاتحهم فيه، يحرصوا على عدم التعليق عليه وإغلاقه بأقصى سرعة، وتغيير الحديث إلى موضوع آخر.

*** السؤال الأهم من قضية الغاز والحدود:

بمواقف مثل تلك المذكورة أعلاه من كافة القوى في الساحة المصرية، إلى أين نحن ذاهبون؟ وما السبيل للنهوض؟

هل تتشابه المجتمعات؟(4)

$
0
0

كان تخلي القيصر عن الحكم هو الشرارة التي اشعلت ثورة فى قطاعات كبيرة من البلاد فقد أعلن بعد ذلك مباشرة المستشار ماكس فون بادن الذي سلمه القيصر الحكم أنه مستقيل وأنه سيشكل مجلس مفوضين تتمثل فيه الأحزاب التي لها وجود فى البرلمان وبالتلي نشأ هذا المجلس بقرار وليس بانتخابات. وكان أعضاؤه من الحزب الإشتراكي أساسا وقد قرروا إجراء الإنتخابات بعد شهرين بالضبط أى في بناير من عام 1919 وإشراك المرأة فى العملية الإنتخابية لأول مرة.

وهذه الروح المجددة أو التحديثية كان لها أثر كبير بحيث أصبحت الطبقات العاملة تري فى وجود الثورة سببا كافيا فى المطالبة بتعديل جذرب فى الأمور وبجعل شروط العمل أكثر إنسانية فى مجال التنقيب عن الفحم الذى كان وقتها المحرك الرئيسي لكل الصناعة ومصدر الطاقة. وهكذا تجمعت سحب الثورة الإجتماعية وبدأت موجة من الإضرابات شلت الحياة الإقتصادية تقريبا فى المانيا وكان علي رئيس الوزراء الإشتراكي الجديد الذي فاز حزبه بالإنتخابات الحرة أن يتصرف.

وهنا نشأت محنة قاسية، مفادها أن رئيس الوزراء الإشتراكي عليه أن يوقف الحركة العمالية التي كان دائما ينادي بحقوقها، يوقفها عن الإضراب ويعيد العمال إلى مواقعهم قبل حدوث خراب كبير فى البلاد.

وكان الجيش قد تمزقت وحداته وخرج كثير من الجنود من الخدمة وكان الوضع سيئا للغاية فى أوائل عام 1919.

توجد منذ أيام الحروب النابليونية جماعات يطلق عليها التنظيمات الحرة، وهي جماعات تتشكل من المواطنين المتطوعين شبيهة بالميلشيات مهمتها الاساسية الدفاع وحماية المنشآت الإقتصادية والممتلكات الخاصة للمواطنين في أوقات الخطر. وهذه الجماعات يطلق عليها  Freikorpsوهي مسلحة. وهي فى أغلبها تتبع تنظيما صارما مبناه الطاعة والفكر المحافظ بل وربما الأكثر محافظة من غيره.

وهي تبني علي أساس من الروح الوطنية وليست جماعات من المرتزقة التي تبيع مجهودها لمن يدفع الثمن. وفى العادة تتكون من الجنود المسرحين والأهالي المهتمين بشئون الدفاع والحماسيين والطلبة وخلافهم من أصحاب الميل العسكري النظامي. وقد لعبت هذه التشكيلات دورا فاعلا فى هزيمة نابليون بونابرته الكاسرة فى معركة لايبزج عام 1813، والتي كانت حتي وقوع معارك الحرب العالمية الأولي بعد ذلك بمائة عام أعنف معركة عرفها التاريخ الإنساني.

وفي ظل الإنهيار التام فى الحالة الأمنية العامة والسياسية فى ألمانيا المهزومة لم يجد شايدمان رئيس الوزراء الإشتراكي من يعينه علي إخماد الثورة إلا هذه التنظيمات المسلحة التي كانت تقمع مظاهرات العمال وتنهي الإضرابات مع وجود قناة أخري تفاوضية مع النقابات لكي تبحث مع الحكومة شئون الأجور وتعديلها وساعات العمل وما إلى ذلك. وهذا الوضع الشاذ كان كفيلا بدفع الشيوعيين إلى القول بعدم شرعية الدولة التي تستخدم هذه التنظيمات لأنها حتي عاجزة عن توفير الأمن بقواتها الخاصة، ولذلك وجب إسقاطها وإنشاء دولة المجالس العمالية التي بشر بها كارل ماركس.

(وهذا الوضع يشابه بعض الشىء لجوء بعض الحكومات العربية فى ايام أزمتها بثورة الربيع العربي، لجوئها إلى مجموعات المواكنين المسلحين بالعصي والهراوات وهم من يطلق عليهم الإعلام البلاطجة، كما أن منطق الحركة الشيوعية يشابه منطق بعض الحركات السياسية الحالية فى الدول العربية والتي ترفض وجود الدولة على هذا الأساس أيضا).

 

وقد ظلت هذه الإضرابات والثورات مستمرة إلى عام 1924 وكانت هي المتسببة فى التضخم الهائل الذي إجتاح ألمانيا. وفي بعض الأحوال تبدلت الإضرابات إلى ثورة سياسية تمثلت في حركات إنفصالية متعددة فى أكثر من مقاطعة. ولهذا حديث لاحق..

لا جديد .... في البر الافريقي

$
0
0

تمتلئ الفضائيات والصحف العربية هذا الأسبوع "بقارئى الطالع"، والمحللين ، مستخلصين من "كوارث "العام السابق ، آمالا محتملة للعام الجديد ...وما أكثركوارث العالم العربى ، ولا أقل نسبة فى آماله ! ولم أستطع بدورى الهروب من هذا الموقف بشأن الحالة الأفريقية ..إلا برد بارد : إنه ليس ثمة جديد ، لا فى الأشهر الأخيرة ، ولا فى المستقبل القريب !

ذلك أن الظواهر الكبرى الجديرة بالحديث عنها ، لمن يقرأون فى "الطالع "ليست إلا فى الحديث مثلاعن تصاعد مظاهر الحرب الباردة بين "الروس"، و"الغرب" ...لكن هذا التصاعد ممتد الجذور منذ بضعة سنوات من حكم فئة "الدولة القديمة"فى روسيا السوفيتية سابقا ، والتى يجسدها بهمة ملحوظة الرئيس "بوتين" ..ولا شك أن ذلك يزعج الغرب كثيرا ، لأنه يرتبط بعدة ظواهر عالمية أخرى أكثر ازعاجا تتعلق بميل "الصين "الواضح مؤخرا أن تبدأ "تحركا "فى العالم كانت "وعدت "بتأجيله حتى عام 2020 ، عندما تكتمل دائرة هيمنتها الاقتصادية ..ولكن القيادة الجديدة بعد مؤتمر الحزب الشيوعى فى الصين ، تبدو راغبة فى الخروج على النص قليلا ، لأن العالم مفتوح أمامها ، حتى مع أزمة الغرب مع الروس...وفى مجال الاقتصاد "حصارا وبترولا "مما يجعل الصين ، على ما يبدو لى فى الوضع الأفضل . ويذكرنى ذلك بميزة حصل عليها العرب يوما فى السبعينات من القرن الماضى ، مع أفريقيا خلال أزمة الاقتصاد العالمى مع البترول لفترة ، فانتعش سوق العلاقات العربية الأفريقية ..فهل يؤدى الصراع الحالى فيما يشبه الحرب الباردة ...إلى استكمال عناصرها بتقاربات هنا وهناك ...من قبل الصين ، وحتى الروس نحو "الجنوب"؟ أم تخنق الأزمة الجميع؟ 

هنا يبرز دور "المنجمين "، وأنا لست منهم ...وإن كنت حشرت نفسى يوما أوائل العام الماضى ، بعرض عدة دراسات أمريكية فى هذا المكان عن "وفاق بيكين " Beijin Concensus الصاعد مقابل "وفاق واشنطن"القديم ، والآخذ فى الهبوط ( وجهات نظر بتاريخ ...) ! نظرا للنفوذ الدولى الجديد للاقتصاد الصينى ، بشروط قد تقتربب يوما من إحجاف "وفاق واشنطن"ونظامها العالمى ! ويومها غضب منى سمير أمين ، لما اعتبره تشاؤما تجاه التوجه الصينى كاتجاه رأسمالى ، يقترب من الإمبريالية بهذا التحليل ، مع أنه هو متفائل تماما من بقاء الصين "قوة تحرير"فى مجال الاقتصاد العالمى من هيمنة الرأسمالية الامبريالية ثلاثية الأطراف ( أمريكا – أوربا – اليابان) ! ولا أعرف الآن – باعتبارى لست منجما – هل الموقف العالمى الحالى ، لصالح دور إيجابى للصين ، أم نكسة للتفاؤل على نطاق عالمى ؟

وها نحن باقون فى أطر العولمة ، الغربية مرة والشرقية مرة ، دون أن ننتبه أن بلادنا -وأفريقيا ضمنها – تمضى فى طريق العولمة من أوسع أبوبها طوال عام 2014 ، وتبشر بالباع الطويل فيها عام 2015 ! وإلا بماذا نفسر جميعا عولمة الإرهاب ، وعولمة مواجهة الإرهاب التى تقوم على "التعبئة العامة "لشعوب الجنوب فقط وخاصة العربية والأفريقية ، ليستفيد منها منتجو السلاح وتجاره ، رغم أزمة أسعار البترول ؟. و بماذا نفسر الإعلان عن "التحالف الدولى"لكى يدخل فيه تباعا ، كل من تقلقه ظاهرة الإرهاب وأخواتها ..سواء كانت فى مجرد صراع طائفى مثلما فى أفريقيا الوسطى ، أو كانت ممن يعانون وباء "الإيبولا"ويحتاجون "للعون العسكرى "لتيسير نقل المرضى و لمحاصرة المرض ! 
ولأن العالم ليس فى حاجة إلى "منجمين"ولكن إلى نظرة علمية تقول أن الظواهر مترابطة و تفسر بعضها بعضا ، فإننا لم نكن فى حاجة إلى التفكير العميق ، لنفهم ، لماذا تنكشف الآن "المحكمة الجنائية الدولية "بهذا الشكل .، وهى تكشف تحولات النظام الدولى نفسه ! ها هى فجأة تبدأ مراجعة ميزانيتها فلا تجد تمويلا لتحقيقاتها ، وتراجع أحكامها ، فتجد أن الرئيس الكينى "أوهورو كينياتا"برئ ، أو أن "المدعى العام "السيدة "بنسودا"لا تجد الوثائق الكافية لدعم الاتهامات ، حتى بالنسبة للرئيس "عمر البشير "الذى عانى هو والسودان طوال سنوات من عبء إتهام المحكمة "الثابت"لسيادته ولسيادة السودان نفسه نتيجة هذا الاتهام ..ولكن على ما يبدو أن أمور التحالف الدولى ضد الإرهاب تتطلب ذلك ...

ومخاوفى بحق – أو قل تنبؤاتى ! – أن تكون التهدئة الجارية فى الشرق الأوسط ! ( مع إيران، وزعم القضاء على "داعش "، والغزل مع النظام السورى ، وحتى الفلسطينى ...وتسييح دور تركيا ...!) كل ذلك يجعلنى أقلق على أفريقيا ، أن تصبح هى ساحة"اللعبة"الدولية بسبب تحولات جديدة للقوى العالمية ، بين الروس والصين والغرب ، وحتى الدول البازغة التى لم تثبت براءتها تماما من التبعية ( جنوب أفريقيا – الهند – البرازيل...) ومن ثم يصبح "التحالف الدولى"فاعلا فى القارة أكثر من أى وقت آخر ، وهذا ما يبشر به عام 2015 ! 

من هنا نقول أن القارة معرضة لتحركات جديدة لتعبئة أدوار وقيادات لابد أن تنتبه لمخاطر استخدامها بحجة الدور الدولى فى مواجهة الإرهاب . نخاف من التحرك نحو مصر بهذا المنطق . مصر الوطنية التى رفضت الأحلاف الدولية المشبوهة منذ البيان الثلاثى 1951. وحلف "بغداد"و "السنتو" ( تركيا-إيران- باكستان) فى الخمسينيات والستينيات ، فكسبتا يومها "وضعا دوليا "حقيقيا مع بلدان الجنوب وعدم الانحياز ، بينما خسرتا يوم سلمتا بعد حرب 1973 بمكاسب هذه الحرب المتوقعة وسط حلف الجنوب الصاعد فى معركة البترول وقتئذ .

"التحالفات الجديدة "، قد تدعمها حالة مواجهة الإرهاب فى الشمال الأفريقى كله ، وفى نيجيريا ، والصحراء ودول الساحل ، والقرن الأفريقى ، مما يتطلب بالفعل دورا مصريا وأفريقيا عاما جيد التخطيط والآفاق ، وليس تابعا .

قد يجدى فى أفريقيا أن تتوقع قيام أكثر من خمسة رؤساء بإعداد الرأى العام عندهم لقبول تعديلات دستورية لمنح الرئيس مدة جديدة غير دستورية أصلا ! وقد لا يجدى عدم توقع اشتداد الصدام فى نيجيريا بين العسكريين والقوى المدنية ، بسبب اتهامات تتعلق باستغلال بعض الشخصيات العسكرية لعناصر من "بوكو حرام"لفرض نفوذ معين فى الحكم . كما قد لا يجدى عدم توقع عودة الصراع المسلح بين الحكم ومتمردى منطقة البحيرات العظمى ، وفى قلب الكونغو كينشاسا ، ورواندا ، وأوغندا ...الخ ، لتلتهب منطقة وسط وشرق أفريقيا كلها ، ومن ثم ينتقل الصراع الإقليمى إلى صراع دولى .

لكننا لا يمكننا إلا أن نطمع فى بعض الاشارات الإيجابية ، والمؤملة لنختتم بها هذا الحديث المتشائم ..فدعونا نقول أن عودة مصر إلى الاتحاد الأفريقى ، تعتبر ردا لحق مصر إلى مكانتها التاريخية ..وردا لاعتبار الربيع العربى مهما كان الخلاف حول نظم الحكم ، لأن الشعوب هى التى تعرف طريقها وليس "حكماء الإتحاد"الذين تدور حول معظمهم الشبهات ! أما حديث الربيع الأفريقى الذى لوحت به أنتفاضة شعب "بوركينا فاسو"، فإن تفاعلاته ستأخذ طريقها أكثر خلال عام 2015....

أغثنا أدركنا أيها الجبرتي! (8)

$
0
0

 

كتب إبن إياس فى كتابه بدائع الزهور الذي سجل فيه كثيرا من تاريخ مصر لدي وقوع الغزوة العثمانية وبدايات حكم الترك بمشاركة المماليك أن القسوة الصارمة كانت من السمات الواضحة لحكم قاضي العسكر خاصة إذا صدر الحكم من الوالي الذي كان له حق التدخل والتحكم فى القضاء.. فهناك حكم بتعذيب شخص ثم إعدامه بتهمة التزوير، وحكم آخر بإعدام ثلاثة من القواسة (الغفراء) – وكانوا حراسا علي قصب في شبرا – حينما تصدوا لأحد اللصوص الأتراك وأردوه قتيلا.

كما أن قاضي العسكر التركي أصدر قرارا نصه هو:

"نودي فى القاهرة علي لسان ملك الأمراء وقاضي العسكر (الإدارة المحلية والسلطة القضائية) بأن المرأة لا تخرج إلى الاسواق مطلقا ولا تركب علي حمار مكاري وألا يخرج إلى الاسواق إلا العجائز فقط وكل من خالف بعد ذلك من النساء تضرب وتربط بشعرها في ذنب كديش (؟) ويطاف بها فى القاهرة فحصل للنساء بسبب ذلك غاية الضرر.. ونودي بأن كل مكاري (عربجي أو صاحب ركوبة) ركب إمرأة شنق من يومه من غير معاودة في ذلك (أي بدون إستئناف ولا مراجعة لهذا الحكم)..

إنتهي النص..

ولا تعليق سوي أن الحسنة الوحيدة لهذا القرار أنه علي الاقل قد راعي قاعدة عدم الرجعية فى العقوبة!!

ويبين منه أن النساء كن فى مصر قبل دخول الأتراك علي حال أفضل مما أصبحن عليه بعد تولي الترك منصب القضاء الأعلي، فالحرمان من الخروج من المنزل علي ما يبدو لم يكن معروفا لنساء مصر قبل صدور هذا القرار الدراكوني، حتي أن إبن إياس يقول أن ذلك سبب للنساء غاية من الضرر!!.

ويظهر الظلم البين فى أن المكاري الذى يقبل بامرأة (علي ما  يبدو بدون مرافق ذكر) يعدم من يومه بلا حق في إستئناف (مراجعة) أو حتي فى الدفاع!!

ولست أدري في كل نصوص الدنيا معاملة أشد قسوة من هذه، سواء للمرأة أو لمن يساعدها مقابل أجر!!

 

كان الجبرتي رجلا لماحا ذكيا جدا على ما يبدو من كتاباته، فقد فطن قبل غيره إلى أهمية دور الدولة وسيادتها فوق كل شىء إذ نجده في وصفه لأحداث الحملة الفرنسية يفرق بين حالين للفرنسيين

1. حال الإستقراروعدم القلاقل وفيه يكون الفرنسيون أصحاب دولة عدل وقانون لا تمارس السخرة وتعطي لكل حق حقه وتنزل العقاب بالمذنبين "حتي ولو كانوا من جنسه أو من ملته"وهو هنا يتحدث عن نابليون حين أنزل عقوبات بالإعدام علي بعض جنوده بسبب "التسلق على الدور"أى السرقة من المنازل أو محاولة إغواء واغتصاب النساء الأرامل فى قول آخر من نفس نص الجبرتي..

2. والحال الثاني وهو حال الإستنفاروالقلاقل والثورات إذ يتحول الفرنسيون إلى ممارسة الإرهاب والتنكيل الفظيع ولا يوقفهم واقف.

وهذا هو الفكر السائد حتي يومنا هذا فى معظم دول العالم، فكيان الدولة يسمو فوق كل الرؤوس وهي تحافظ على وجودها بالدم والمال والرجال ولا تعرف الرحمة فى مواقف الفتن.

قارن بين موقف نابليون فى مصر منذ 215 عاما وموقف القوات الأمريكية فى العراق مثلا منذ 8 سنوات فقط وإعفاء الجنود بل والمتعاقدين الأمنيين من المساءلة القانونية..

  

"وقد كنت قد أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تراكيبها لقصورهم فى اللغة ثم رأيت كثيرا من الناس تتشوق نفسه إلى الإطلاع عليها لتضمنها خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الإعتبار وضبط الأحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدينوكيف وقد تجارى علي كبيرهم ويعسوبهم رجل أفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الإقرار بعد أن عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم ساري عسكرهم وأميرهم بل رتبوا حكومة ومحاكمة وأحضر القاتل وكرروا عليه السؤال والإستفهام مرة بالقول ومرة بالعقوبة ثم أحضروا من أخبرهم وسألوهم على إنفراد ومجتمعين ثم نفذوا الحكومة فيهم بما إقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى أفندي البورصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوي المسطور، بخلاف ما رأيناه بعد ذلك من أفعال أوباش العساكر الذين يدعون الإسلام ويزعمون أنهم مجاهدون وقتلهم الأنفس وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية" (3/117) 

هذه الفقرة مأخوذة بنصها عن الجبرتي ورقمها موضح بعدها.

وهو هنا يتحدث عن محاكمة سليمان الحلبي قاتل قائد القوة الفرنسية فى مصر الجنرال كليبر. وهو يقول عن إجراءات المحاكمة أنها طويلة (مملة يقصد) وكان ينوي عدم ذكرها ولكنه وجد رغبة من كثير من "الناس تتشوق نفسه"إلى معرفة ما جري فى تلك المحاكمة !!

وبالطبع فهو يتعجب من طول بال الفرنسيين وعدم التعجيل بقتل الحلبي (الذى يصفه بالأفاقي الأهوج) بل تطبيق قواعد قوانين الإجراءات الجنائية عليه (لا يبين من النص أن المحكمة قد وكلت له محام أو ربما قد فعلت ولكن حاجز اللغة منع الجبرتي من فهم ذلك الإجراء الذى لم يكن معروفا فى مصر بعد)..

وهو يتعجب من إطلاق سراح مصطفى أفندي البورصلي بعد أن وجدت المحكمة أنه برئ فلم تنسب له أي تهمة، ويبدو أن هذا أيضا كان أمرا غير مألوف فى حكم ما قبل الفرنسيين.

وفى النهاية يعرج على حكم العساكر المسلمين ويتهمهم بأبشع التهم وبالحيوانية، وبالكذب وادعاء الجهاد، (غالبا يقصد الوطنية بلفظ الجهاد وليس الجهاد كما تعارف عليه المحدثون اليوم) وذلك  فى مقابلة واضحة مع الفرنسيين.

 

"وإذا أراد الإنسان أن يفر إلى أبعد مكان وينجو بنفسه ويرضي بغير أبناء جنسه لا يجد طريقا للذهاب وخصوصا من الملاعين الأعراب الذين هم أقبح الأجناس وأعظم بلاء محيط بالناس وبالجملة فالأمر عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم" (3/ 110 - 111).
هذه الفقرة أيضا مأخوذة بنصها عن الجبرتي ورقمها موضح بعدها.

وهو هنا كان يصف حال سكان القاهرة الذين هربوا منها عقب الثورة الثانية وأرادوا الفرار إلى القري فقطع عليهم الأعراب الطريق وجردوهم من كل شىء حتي من الثياب فاضطروا للعودة إلى القاهرة بعد فقدان كل شىء..

 

 

هاهو الجبرتي الرجل المحافظ الأزهرى قد شهد وقال كلمته..

 

 

مصر وصراعها الوجودي مع شبكات الفساد

$
0
0

تحل هذا الشهر الذكرى الرابعة للانتفاضة الشعبية المجيدة في 25 كانون الثاني 2011، التي أطاحت الرئيس المخلوع حسني مبارك بعد ثلاثين سنة كاملة من حكم مصر. هكذا توالى على حكم مصر منذ شباط 2011 أربع شخصيات متباينة الأصول والمشارب والاتجاهات: المشير حسين طنطاوي بوصفه رئيساً للمجلس العسكري 2011-2012، ثم الدكتور محمد مرسي ممثلاً عن جماعة «الإخوان المسلمين» 2012-2013، ومن ثم الرئيس المؤقت عدلي منصور بعد إطاحة الجماعة على أثر «انتفاضة 30 حزيران» في الفترة 2013-2014، وانتهاء بالمشير عبد الفتاح السيسي منذ الانتخابات الرئاسية في العام 2014 وحتى الآن. يدل التبدل في شخصية الرؤساء الأربعة خلال أربع سنوات فقط على حيوية سياسية ما، مقارنة بأربعة رؤساء سابقين خلال ستين عاماً هي الفترة الواقعة بين تموز 1952 وحتى «انتفاضة يناير» 2011 وهم: محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك. وبرغم من تبدل الوجوه والشخصيات على سدة الرئاسة في السنوات الأربع الأخيرة، لم تشهد مصر تغييراً جوهرياً في سياساتها الخارجية؛ إلا تحطيم المحور «الإخواني» – التركي - القطري وإعادة العضوية في المحور المصري - الخليجي مع استمرار السقف الدولي ذاته.
كما لم تشهد بنية السلطة الاقتصادية - الاجتماعية فيها تغيراً نوعياً، وذلك بسبب استمرار شبكات الفساد المتكونة من تحالف رجال الأعمال الكبار مع قمة أجهزة الدولة البيروقراطية ومع مؤسسات «الدولة العميقة» وأذرعها الأمنية، في التحكم بمقدرات المصريين: الغذاء والمحروقات والإسكان والمصارف ووسائل المواصلات والتوظيف والتأمين الصحي.

السيسي وخطته السياسية - الاقتصادية

يراهن السيسي على المشاريع الضخمة الجاري تنفيذها مثل «قناة السويس الجديدة»، في الحصول على شرعية سياسية تغازل ذاكرة المصريين في المشاريع الضخمة مثل السد العالي، وشرعية اجتماعية لقدرتها على تشغيل أعداد متزايدة من العاطلين من العمل. وبرغم استمرار السياسات الاقتصادية - الاجتماعية السائدة في مصر في العقود الأربعة الأخيرة، أي رفع الدعم وخصخصة الخدمات واجتذاب الاستثمارات الاجنبية وتحصينها من دون تحديد القطاعات ذات الأولوية للاقتصاد المصري، والتصالح معها برغم وجود أحكام قضائية ضدها، فهناك محاولات لتخفيف الآثار الاجتماعية لهذه السياسات عبر توسيع قاعدة التأمين الاجتماعي واستخدام المساعدات النقدية وإصلاح الخلل في منظومة دعم المواد التموينية لتصل إلى مستحقيها. وبالتوازي مع ترتيب الأولويات الاقتصادي - الاجتماعي ذاك، يشهد المجال العام المصري المزيد من القيود والتضييق، في تصادم صارخ مع بديهيات الشرعيات السياسية. والدليل على ذلك أن المشروعية السياسية للحكم الحالي تأسست على التظاهرات المليونية في 30 حزيران 2013 التي أطاحت حكم «الإخوان المسلمين»، باعتبارها تعبيراً عن إرادة الشعب، فيما كان قانون حظر التظاهر أول القرارات التي أصدرها الحكم الجديد، وهي مفارقة تستعصي على التفسير والتجسير. هكذا يقبع في السجن ثلاثة وعشرون شاباً وشابة ـ لا ينتمي أي منهم للتيار الإسلامي بالمناسبة - لقضاء فترة سنتين في الحبس كعقوبة لاشتراكهم في مسيرة سلمية للاحتجاج على قانون التظاهر، في الوقت الذي أفرجت فيه المحكمة عن الرئيس المخلوع حسني مبارك وكبار مساعديه وبرّأته من التهم المنسوبة إليه أو أسقطتها بالتقادم.

تبدو خطة النظام الحالي مختصرة في ترشيد الأداء الاقتصادي وضبط المصالح الاقتصادية المتنافرة تحت سلطة الدولة، بالتوازي مع تضييق المجال السياسي وخلق برلمان جديد «غير سياسي»، وليس فيه كتلة سياسية كبرى تحد من نفوذ الرئيس أو تتشارك معه في سلطات النظام السياسي. لم تجر الانتخابات البرلمانية بعد، ولكن قانون تقسيم الدوائر الجديد الذي يفتت الدوائر في بعض المناطق ويوسعها في البعض الآخر ويمزج بين الانتخاب بنظام الفردي والقائمة، يبدو مصاغاً للخروج ببرلمان يعكس سيطرة الفئات التقليدية من وجهاء الريف ورؤساء العائلات والعشائر والمال السياسي من دون رابط سياسي أو أيديولوجي، وهي التركيبة ذاتها التي حكمت برلمانات مبارك بما فيها برلمان 2010 الساقط. يكمن الفارق فقط في الشخصيات التي بُعثت في الحياة السياسية من جديد لترسم وتهندس القوائم السياسية المرضي عنها من النظام في البرلمان القادم، أمثال كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق وعمرو موسى وزير الخارجية الأسبق، بالاشتراك مع تشكيلة من الأحزاب التقليدية التي ارتضت في السابق أن تكون ديكوراً لنظام مبارك. المفارقة الأخرى أن توصيف «ثورة الشباب» الذي أطلق على «انتفاضة 25 يناير» 2011 ينتهي على نحو صادم، ليتصدر البيروقراطيون ورجال النظام الذين تعدوا الخامسة والسبعين من عمرهم بمعية بعض متوسطي العمر الطامحين للوصول إلى كراسي البرلمان للحصول على وجاهة سياسية في معية النظام الجديد! باختصار، تبدو خطة النظام متمثلة في خلق برلمان غير سياسي، متنافر في تشكيلته حتى لا يشكل خصماً من صلاحيات الرئاسة في النظام السياسي، مع ترك هامش للقوائم لتتنافس على القرب من النظام لا مواجهته.

السيسي وشبكات الفساد

أثبتت سياسات الترقيع والتسكين واحتواء الانتفاضة الشعبية (2011-2012) أنها تتساكن مع شبكات الفساد متلطية بشعار «الحفاظ على الدولة»، مثلما انكشفت سياسات المهادنة الإخوانية مع شبكات الفساد تحت شعار «المهادنة حتى التمكين» (2012-2013) بكونها كومبرادورية ملتحية لا علاقة لها بالثورة وطموحات الشعب سوى القفز على السلطة. وإذ انقضت السنة الانتقالية 2013-2014 بكونها تنشغل بتأسيس مرحلة جديدة مقبلة، إلا أنها قننت الفساد وشبكاته وأعطته من المزايا التشريعية ما يشي برغبتها في التعايش معه، أو تأجيل المواجهة معه إلى مرحلة لاحقة في أفضل التوصيفات. وبرغم وضوح الخطة السياسية - الاقتصادية للنظام الجديد، والتي لا يدخل في أولوياتها ضرب شبكات الفساد، بل ترويضها لتدخل تحت سقف النظام ومتطلباته، فإن هذه الشبكات التي تملك تأثيراً طاغياً في الاقتصاد والإعلام، لا تبدو راضية عن خطة السيسي وتقييد الأدوار التي تتضمنها. ويظهر ذلك في الانتقادات المبطنة التي توجهها للنظام وسائل الإعلام المملوكة لكبار رجال الأعمال، وفي المقاومة الشرسة التي تبديها أجهزة الدولة لمحاولات السيطرة عليها، وأوضحها عرقلة تنفيذ الحد الأقصى للأجور، وفضائح التسريبات الصوتية، التي تنتشر من بعض أجهزة الدولة على الأرجح وليس من جماعة «الإخوان المسلمين» كما يُعتقد. وتعد القوائم الانتخابية لرجال الأعمال وفلول النظام السابق التي يجري الإعلان عنها هذه الأيام دليلاً إضافياً على الصراع الذي تخوضه شبكات الفساد مع النظام الجديد، لتثبيت مواقعها والاستقرار فيها من دون تحجيم أدوار. ويأمل مهندسو الانتخابات البرلمانية القادمة في النهاية تعزيز مواقع الرئيس باعتباره نقطة توازن بين كل القوى السياسية والاقتصادية الموجودة على الساحة البرلمانية، التي تتصارع في ما بينها على المقاعد وقربها من النظام، لا على برامج سياسية أو قضايا العدالة الاجتماعية أو مسائل الديموقراطية والحريات. بمعنى آخر وفي أفضل تفسير ممكن، لا يبدو أن هناك تهديداً حقيقياً لنفوذ وسلطة شبكات الفساد في مصر، بل محاولات للترويض والتحجيم وتأجيل المواجهة للتصدى للإرهاب وإنجاز المشاريع الكبرى، وبالتالي تأسيس مشروعية سياسية تسمح بالتعامل معها من موقع أفضل لاحقاً.

دروس التجربة المصرية خلال أربع سنوات

تعلمنا التجربة المصرية ثلاثة دروس: الأول أن صراع الدولة العادلة التي تصون كرامة مواطنيها وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هو صراع وجودي لا ينتهي إلا بالقضاء على أحد طرفيه. والثاني أن شبكات الفساد تعرقل - بحكم مصالحها - أي تنمية اقتصادية حقيقية يمكن أن تتمتع بثمارها الغالبية الكاسحة من المصريين، فتمنع هذه الشبكات، ببنيتها وبقدراتها الاقتصادية والإعلامية وتأثيرها الشديد على عملية صنع القرار السياسي، مصر من الانطلاق نحو سياسات إقليمية ودولية تنسجم مع مصالح شعبها وحقه الطبيعي بالمشاركة في تقرير مصير الإقليم باعتباره الكتلة السكانية الأكبر في كامل الشرق الأوسط. ومرد ذلك أن شبكات الفساد لها تحالفاتها الإقليمية والدولية، التي تثبتها في مكانها وتعيد إنتاجها بالخصم من قدرات مصر الكامنة وطموحات شعبها. والثالث أن الحرب على شبكات الفساد هي معيار الحكم على الحركات الشعبية وإطلاق النعوت بلفظة «الثورة»، وهو بالتحديد ما يمنع توصيف الانتفاضتين الشعبيتين الكبيرتين، «25 يناير» 2011 و «30 يونيو» 2013 بالثورات، برغم عشرات الملايين التي شاركت فيهما، لأنهما لم تجترحا تغييراً جذرياً في بنية السلطة، حتى ولو تغيرت وجوه الجالسين على مقعد الرئاسة!


السيسى وأزمة النصوص "المقدسة"

$
0
0

بقلم سمير العركي

المختصر / لم تكن إذًا أزمة رئيس السلطة الحالية عبد الفتاح السيسي مع جماعة الإخوان المسلمين كما كنا نفهم على مدار الفترة الماضية، بل كانت مشكلته الحقيقية مع أكثر من مليار مسلم أصبحوا مصدرا للقلق والخطر والقتل والتدمير، ويريدون قتل بقية سكان العالم نتيجة اعتمادهم على "نصوص"وأفكار "مقدسة"عبر مئات السنين، أصبح من الصعب الخروج عليها على حد تعبيره.

ما قاله السيسي في حضرة الأزهر الشريف شيخًا وأساتذةً ودعاة، لو صدر من رئيس أمريكي أو أوروبي لاستوجب أزمة دبلوماسية عنيفة مع الدول الإسلامية، فما بالنا وهذه الاتهامات تقال في الأزهر، بمكانته الدينية المعتبرة، وفى قلب القاهرة عاصمة واحدة من أكبر الدول الإسلامية، ولكن الذى حدث أننا فوجئنا بالتصفيق يدوّي في القاعة.

كلمات السيسي فجرت بركانا من الغضب غير المسبوق، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنها مسّت جرحًا لدى كل مسلم، يرى ويتابع يومياً منذ سنوات طويلة حجم الأهوال والمآسي التي يتعرض لها المسلمون في جميع أنحاء العالم، سعياً من سبعة مليار نسمة لردهم عن دينهم أو إبادتهم إبادة تامة.

وجميع المجازر التي اقشعرت منها الأبدان، وذرفت منها العيون في العصر الحديث والمعاصر، هي من توقيع رجل الحضارة الغربية، الذى يتهمنا السيسي، نحن معشر المسلمين، بأننا نسعى لقتله ونفيه، فالحرب الأمريكية ضد العراق وأفغانستان خلفت ما يقرب من مليون قتيل "مسلم"ومِنْ قبلها خلفت الحرب السوفييتية على بلاد الأفغان حوالي مليوني قتيل من المسلمين.

وفي قلب أوروبا شهد عقد التسعينات واحدة من أبشع حروب الإبادة والتطهير في حق "المسلمين"، وعلى يد الصرب والكروات، وبرعاية دولية من الأمم المتحدة، وأمينها العام آنذاك بطرس بطرس غالي، ولم ينس الضمير الإنساني حتى الآن بشاعة ما حدث في سربرنيتشا، التي كانت خاضعة لإشراف الأمم المتحدة، حروب الإبادة ضد مسلمي البوسنة، خلفت وراءها أكثر من مئة الف قتيل، إضافة إلى 1.8 مليون نازح، وما يقرب من خمسين ألف امرأة "مسلمة"جرى اغتصابهن بوحشية منقطعة النظير، ولولا وصول المجاهدين العرب حينها إلى البوسنة، وتمكنهم من إحراز انتصارات على الصرب، ما تحركت أمريكا لتسوية الأوضاع في البوسنة.

وفى بورما مازالت حملات الإبادة والتطهير تجري على قدم وساق على يد "لبوذيين"حتى يومنا هذا، مخلفة ما يقرب من سبعين ألف قتيل.

نحن معشر المسلمين لم نكن قتلة أو سفاحين يوماً ما، فقد شنت علينا الكنيسة الغربية يوما ما حرباً همجية باسم الصليب استباحت فيها أرضنا وأعراضنا ومقدساتنا، وفعلوا ما فعلوا من مجازر يندى لها الجبين الإنساني، خاصة عندما احتلوا مدينة القدس، وغاصت أرجل خيولهم في دماء المسلمين، وخربوا المسجد الأقصى، ومنعوا الصلاة فيه لسنوات طويلة. وعندما تمكن منهم صلاح الدين الأيوبي عاملهم بعفو الإسلام وسماحته.

وقائمة المجازر متنوعة الجنسيات ومتعددة الأديان طويلة، ولن يسمح مقال كهذا باستيعابها كاملة، ولكن يكفى أن نقول إن سبعين مليون إنسان لقوا حتفهم في الحربين العالمية الأولى والثانية، اللتين لم يكن للمسلمين ناقة فيهما ولا جمل !!!

أما الكلمات الأكثر إيلاماً حقا، فهي التي شن فيها السيسي هجوماً كاسحاً على مجمل التراث الإسلامي، (وسألتزم هنا بما قاله بأنه لا يقصد الدين، بل يتحدث عن الفكر)، واتهمه بأنه فكر يعادى الدنيا كلها، واكتسب صفة القداسة ، وبدا السيسي في هذه العبارات متأثراً بلقائه الأخير مع بقايا اليسار المتطرف المعروف بشدة عدائه للإسلام ، كما بدا متأثراً بما يذيعه وينشره كل من إبراهيم عيسى وإسلام البحيري!!

فما تركه المسلمون الأوائل من علوم واكتشافات يعد مفخرة للأمة كلها، تستوجب التباهي لا الهجوم، والشعور معها بالدونية، سواء على مستوى العلوم الإنسانية أم على مستوى العلوم التطبيقية، فعلم أصول الفقه – على سبيل المثال – الذى أنتجته العقلية المسلمة من الألف إلى الياء هو أحد مفاخر العقل المسلم الذى عجزت الإنسانية عن الإتيان بمثله، وعلى مستوى العلوم التطبيقية، فمازالت البشرية تعرف قدر ابن سينا والخوارزمي والبيروني... وغيرهم في قائمة طويلة في وقت كانت أوروبا مشغولة بمنطق أرسطو الشكلي العقيم!!

وفضل المسلمين في الأندلس على الحضارة الغربية لا ينكره إلا جاحد ، فلم تعرف أوروبا أرسطو إلا عن طريق ابن رشد الذى أثر تأثيراً كبيراً على فلاسفة أوروبا في العصور الوسطى، وتأثر الفيلسوف اللاهوتي الكبير توما الأكويني بابن رشد معروف، وتناولته دراسات متعددة، أبرزها ما كتبه الأستاذ الدكتور/ محمود قاسم رحمه الله، العميد الأسبق لكلية دار العلوم، وتأثر أبي الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت بأبي حامد الغزالي ليس خافياً على أحد، حتى ولو لم يشر ديكارت نفسه إلى ذلك التأثر.

وهذا فيض من غيض، وقطرة في بحر عظيم مما قدمته العقلية المسلمة للبشرية، التي يبدو أن السيسي لم يقرأ حرفاً عنها، حتى واتته الجرأة باتهامها بإنتاج نصوص عادت البشرية كلها.

وبالجملة، فالموضوع أكبر من الإخوان، وما قاله السيسي سيفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الهجوم على الإسلام وثوابته وتاريخه وعلمائه.

المصدر: الوطن اليوم

من أجل استقرار المنطقة العربية ..ماهو المطلوب ؟

$
0
0

تأليف : محمد السويسي

قد لاتكون شرارة "البوعزيزي "التونسية بتفاعلاتها وتداعياتها على امتداد الأرض العربية متوقعة من قبل الغرب ، إلا أنه لم يكن متوقعاً بالمطلق من قبل الحكام العرب هذا التبني لها من قبل  شعوبها ودول أمريكا وأوروبا ، وكأنها كانت بانتظارها أو كأنها قد خططت لها لتعديل مسار الأنظمة العربية إقتصادياً وإجتماعياً ومالياً بما يتلائم ومسيرة الإقتصاد العالمي الجديد بما نراه من فوضى وعدم استقرار في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين المحتلة كنقطة انطلاق فوضوية  للإمتداد الى معظم الوطن العربي والمنطقة .

فما هي الأسباب التي أدت إلى هذه الإنتفاضات ؟.وما هي أسباب دعم العالم الغربي لها ، خاصة أمريكا ، وما مطالبه ؟

لولا الأزمة المالية التي انفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2008 وانعكست سلباً على العالم الغربي بأكمله لما أعار الغرب إهتماماً لتطلعات شعوب المنطقة  نحو "الربيع  العربي "في تغيير أنظمته الفاسدة . فما مشكلة هذه الأنظمة الموالية للغرب في بعضها ، والمهادنة له من بعضها الآخر على حساب مصالح نهضة شعوبها وتطورها وتقدمها العلمي والإقتصادي والإجتماعي ؟

حتى لاندخل في تفاصيل وضع كل دولة عربية على حدة وتوجهاتها ، فلنأخذ من مصر عنواناً اساسياً  ومثالاً في تطلعات الغرب نحو الأنظمة العربية وما تريده منها .

لاشك أنه كان هناك علاقة وثيقة تربط بين النظام المصري التي اشتدت وتعاظمت في عهد الرئيس أنور السادات الذي طرد السوفيات من مصر مطلع السبعينات للتقرب من أمريكا في سبيل تحرير سيناء وطتدها باعترافه بإسرائيل وإقامة علاقات ديبلوماسية معها . ليستمر الرئيس حسني مبارك باتباع نهج سلفه في علاقاته مع إسرائيل ، إلا أنه وقع ضحية المقولة المخادعة بأنه مجرد تمتين العلاقة مع أمريكا وإسرائيل تجعل نظامه آمناً من الزوال وقابلاً للتوريث العائلي  تحت يافطة جمهورية زائفة .

هذا الإنشغال بالتوريث للحكم ومصادرة السلطة ، الهاه عما يجري حوله من أزمات إقتصادية وإجتماعية محلية وإقليمية وعالمية وفوضى وإرهاب ؛ زادت من حدتها تداعيات الأزمة المالية وتنامي البطالة في العالم الغربي بشكل غير مسبوق  كما وتردي مؤسساته وشركاته ، من مالية وإقتصادية . إذ كان همّ من حوله هو العمل بقوة على تحقيق توريث السلطة لأحد من أفراد عائلته سعياً واء مصالحهم الخاصة ، كما كل بطانة للحاكم ، على حساب بناء الشعب المصري والنهوض به في التقديمات الصحية والإجتماعية وتوفير السيولة بين أيدي مواطنيه من اجل الإنفاق على شراء السلع الغربية المصدرة لمصر الذي يفترض ان تكون كمياتها متلائمة والتعداد السكاني ، كما إجتثاث الفساد السياسي والإداري ليصبح بالإمكان جلب الإستثمارات الغربية من مختلف القطاعات لتوفر الأيدي العاملة المصرية الرخيصة .

وتحقيق هذا الأمر يتطلب نظاماً  إجتماعياً  متكاملاً  من حيث مجانية التعليم على مختلف درجاته والتطبيب والإستشفاء الشامل مع دفع تعويضات بطالة للعاطلين عن العمل ، كما إقرار ضمان الشيخوخة لتوفير القدرات  الشرائية لدى المواطنين ولإيجاد المناخ الملائم للإستثمار الأجنبي والمحلي بشكل سليم بعيداً عن مناخ الإرهاب الذي يزدهر عادة في بيئة من الفقر والعوز والفساد الإداري والسياسي .

ومع غياب هذه الأولويات البديهية لبناء مجتمع إقتصادي كاف و قوي صالح للإستثمار الأجنبي والمحلي   أهمل الغرب الدفاع عن الرئيس حسني مبارك ، بل سعى للتخلص منه  أمام عاصفة الربيع العربي التي طالت مصر من تونس عابرة ليبيا بما لم يكن متوقعاً سرعتها . ليأتي بعده الإخوان المسلمون الذين أصروا على محاسبة الرئيس مبارك ونظامه ليكون عبرة لغيره في سبيل التقرب من المحرومين من الشعب المصري وكسب ثقتهم .

ولكن السؤال المطروح يبقى ملحاً وهو لما اختارت امريكا الحركات والأحزاب والعصبيات والمذاهب الإسلامية لتنصيبها على العالم العربي والإسلامي بديلاً عن الأنظمة الجمهورية الموجودة التي سبق لها أن نصبتها أو دعمتها ،  كما رأينا في إيران وتركيا ومصر في زمن ولاية الرئيس محمد مرسي المنتخب ، واعترافها بداعش الإسلامية كدولة أمر واقع في أجزاء من سوريا والعراق ،كما جاء في المؤتمر الصحفي للرئيس أوباما في صيف العام 2014 ، ودعم الأحزاب الإسلامية الموالية لإيران في العراق واليمن ولبنان وغزة لتكون الحاكم الفعلي بديلاً عن السلطة الدستورية كدول أو قوى أمر واقع كما تنظيم داعش الأصولي المتطرف  .

بالعودة قليلاً الى الوراء في القرن  المنصرم نجد بأن الحرب العالمية الأولى قد افرزت  الأحزاب الدينية الإسلامية  في العالم العربي إثر تقويض الخلافة العثمانية لتكون  استمراراً  لها في بعدها الديني ، وتحريضها  من الغرب بالتهيئة والإستعداد لتولي السلطة في الوقت المناسب بديلاً عن الأنظمة الجمهورية التي اقيمت من قبل الغرب عقب الحرب العالمية الثانية .

إلا أن الأمريكيين مع بروزهم السياسي والإقتصادي وتوسعهم في العالم لم يجدوا في الأنظمة الملكية العربية اي جدوى في النهوض ببلدانهم التي كانوا يحكمونها حتى وقت قريب بعقلية ملوك القرون الوسطى التي تحررت منها أوروبا لاعتقادهم ان العلة في هؤلاء الحكام بشكل خاص وليس في الإنسان العربي بشكل عام وفق القول  الشائع : "مثلما تكونوا يولى عليكم " . لذا عمدوا الى الدفع بقلب هذه الأنظمة وتغييرها  واستبدالها بأنظمة جمهورية وحزبية جعلت الشعب العربي يتحسر على الأنظمة الملكية  لشدة ماأساءت وفجرت ، إذ حولت هذه الأنظمة  البلاد الى إقطاع علني عائلي خاص للحاكم وأعوانه مع قهر مخابراتي قائم على الوشاية والظلم وديكتاتورية فاشية فاسدة  تحت يافطة ديمقراطية مخادعة دون احترام للقانون أو القضاء أوالدستور بما يشبه حكم المافيات والعصابات الإجرامية دون وازع أو ضمير .

والهدف الأمريكي من إقامة الأنظمة الجمهورية هو سهولة تغييرها متى أرادات إن حادت عن التعاون معها في مسعاها لبناء جبهة واسعة لتسهيل تدخلها العسكري مع إقامة قواعد عسكرية عند الضرورة في مواجهة الإتحاد السوفياتي الخصم اللدود لأمريكا وقتذاك الذي كان يسعى الى قلب الأنظمة الغربية الرأسمالية جميعها لصالح الكادحين والعمال وفق مبادىء ماركس ولينين الشيوعية الإشتراكية .

ولكن إحتلال فلسطين من قبل اليهود ، بدعم أمريكي بريطاني ، وتشريد شعبها على دول الجوار في مخيمات مهينة دائمة مع حرمانهم من حقوق المواطنة والشعور بالإنتماء الإنساني بما لحق بهم ويلحق من ظلم بطردهم من وطنهم وسؤ معاملة الأنظمة العربية لهم جعل الشعور القومي العربي ينمو في صدر الشعب العربي في الإعتراض على أي مشروع غربي لإقامة قاعدة عسكرية في أي بقعة من وطنه مع إعتباره لها شكلاً من أشكال الإستعمار المرفوض .

إلا أن تعاون الحركات والأحزاب الإسلامية والسلفية المتطرفة مع الأمريكان والبريطانيين في مسألة أفغانستان بمواجهة الإحتلال السوفياتي  نهاية القرن الماضي ، أذهل الأمريكيين وجعلهم يغيرون نظرتهم بشأن المسلمين فانكبوا على دراسة التاريخ الإسلامي فدهشوا أن وجدوا بأن تعاليم الإسلام في التكافل الإجتماعي والرحمة والمودة  واجتثاث الفقر لاتطبق في العالمين العربي والإسلامي إلا في كتب الفقه فيما يعرف بالتأمينات الإجتماعية والصحية وتعويضات الشيخوخة والبطالة المطبقة في أمريكا وسائر العالم الغربي ، وأن الإرهاب والتسلط والظلم وغياب العدالة والقانون حل محل المودة والرحمة الإسلامية في جميع الأنظمة والدول العربية بما يتعارض وتعاليم الإسلام في النص القرآني والحديث .

فأجروا إتصالاتهم بقادة الأنظمة العربية لحثم على تحقيق هذه التأمينات الإجتماعية والصحية لتوفير السيولة بين أيدي المواطنين للشراء وخلق طبقة تجارية وسطى واسعة للتبضع والإستيراد من الغرب ، إلا أنهم كانوا يلقون صدوداً واعتذارات منهم بعدم القدرة المالية على توفير ذلك لشعوبهم ، بينما كانت أرصدتهم في البنوك السويسرية تزداد يوماً عن يوم وتتضخم بأرقام فلكية بما يشبه النهب المنظم لأموال الخزينة والشعب .

وقد كشف الربيع العربي عن بعض فضائح حكام هذه الأنظمة  ، إلى حد أن خزائنهم الخشبية في غرف النوم والجلوس كانت متخمة بعشرات الملايين من الدولارات ، بل ومئات الملايين من المطابع مباشرة ، ليغرف  منها من يشاء من افراد الأسرة متى اراد دون اي حساب او رقيب ؟!

وبنتيجة المشاورات الأمريكية البريطانية والأوروبية في الوضعين العربي والأقليمي في المنطقة في بداية الربع الأخير من القرن الماضي ، أشارت بريطانيا على أمريكا إعتماد إيران كمنطلق نحو العالمين العربي والإسلامي من أجل تعاون إقتصادي عربي إسلامي برعاية غربية .

وقد رحبت أمريكا بتلك الفكرة فمكنت النظام الديني الإيراني الحالي من الوصول الى السلطة بديلاً عن نظام الشاه الذي كان يسعى الى النهوض بإيران صناعياً واقتصادياً دون مشاركة الرأسمالية الغربية معتمداً على دخل إيران النفطي بما لايتلائم والمصالح الأمريكية مما دفعهم الى تنحيته مقابل شروط محددة مع النظام الجديد ، منها : السماح بالتمدد الإقتصادي والمالي الأمريكي داخل إيران كمعبر للتمدد نحو الداخل الإسلامي للدول الأسيوية المجاروة لها في محاولة لوضع حدد للتعاظم الإقتصادي والتجاري الصيني كما وقطع الطريق على تنامي النفوذ الروسي .

لذا طلبت أمريكا من الشاه محمد رضا بهلوي التخلي عن العرش والمغادرة الفورية  . إلا أن تصفية القيادة العسكرية للشاه بشكل سريع من قبل نظام الملالي خوفاً من قيام إنقلاب عسكري والإطاحة بهم ، أوجد الصدام مع الأمريكيين وقد شعروا انه قد غُدر بهم من حلفائهم الدينيين الجدد المحتملين ، ولكن الوساطة البريطانية اعادت الحوار بين أمريكا وطهران .

إلا أن عدم الثقة كان هو الغالب بينهما ، إذ تعذر إقامة اي شراكة للإستثمار او إقامة اي مؤسسات مالية أمريكية في إيران بضغط من الجماعات المحافظة الدينية المتزمتة التي وجدت ان لامصلحة لها في الإنفتاح على أمريكا بعد ان استكملت حاجتها منها مع إستئثارها بالحكم والسلطة بقبضة حديدية وبالتالي اللجؤ للروس والتحالف معهم ضد النفوذ الأمريكي في المنطقة ، خاصة وأن عدم ثقتهم بهم تنبع من تصرف واشنطن مع حليفها الشاه بتخليها عنه لقاء مصالحها المستجدة .

وقد تصاعد عدم الثقة والإفتراقب تحالف إيران مع الروس في سياستها الخارجية والتنسيق بينهما في سوريا والعراق والمنطقة ،  زادها حدةً ،  الملف النووي الإيراني والعقوبات الأمريكية والغربية على طهران بسببه .

هذه السلبيات دفعت امريكا إلى استبدال إيران بتركيا كمنطلق إسلامي نحو الدول العربية مع دعم أردوغان مقابل تعهده باستجابة مطالب أمريكية معينة تتلائم وتطلعاته التي   يعمل على تنفيذها بدقة مقابل إطلاق يده في تركيا ضد أخصامه السياسيين مع السماح بمد  نفوذه الى سوريا والعراق عدا الدول العربية الأخرى .

من ضمن هذه المستجدات جاء الدعم الأمريكي اللامحدود  لحكومة الرئيس محمد مرسي ضد الرئيس حسني مبارك آملة في تحقيق شراكة قوية غربية مالية وإقتصادية  معه في مشاريع أمريكية ضخمة على أن يبدأ التمهيد لها بالتعاون مع تركيا  بما لديها من خبرة في هذا الحقل  لتهيئة الإستثمار الأمريكي والأوروبي . إلا أن ذلك كان يشترط الإصلاح السياسي والإداري والإجتماعي لكسب ثقة الرأسماليين الغربيين للإستثمار في مصر ودعمهم للنظام المصري الإسلامي . ولكن الإنقلاب العسكري للرئيس عبد الفتاح السيسي أطاح بكل المخططات الأمريكية لمصر التي كانت في تسابق بينها وبين إيران لوضع اليد على مصر ، كل وفق تطلعات معينة وغايات مغايرة للآخر ، خابت كلاهما .

إلا أن الإطاحة بالرئيس مرسي ونظامه أدى إلى إنفجار الخلاف بين أمريكا ومصر مما جعل القاهرة  تتجه نحو روسيا للتفاهم معها على التسلح أمام تصاعد الهجمات الإرهابية ضد الجنود المصريين في سيناء ، بما أحرج الحكومة الأمريكية واقلقها من هذا التوجه المصري نحو موسكو  ، لذا بدأت  بإعادة تقويم موقفها للتقرب من مصر مجدداً وبالتالي التخلي عن الرئيس مرسي وحكومته لصالح النظام الجديد بما يضمن مصالحها ووقف تنامي النفوذ الروسي فيها .

وعليه فإن ماهو مطلوب من مصر من إصلاحات إجتماعية وصحية وإدارية لتمكين الشراكة مع الغرب هي نفس المطالب من كل الدول العربية دون استثناء وإلا طالها "الربيع"الفوضوي الغاضب  الساخن الذي بدأ بتونس التي اسرعت في تطبيق كل المطالب الأمريكية الممكنة في هذا الشأن حقناً للخراب والفوضى التي نرى نموذج عنها في العراق وسوريا وليبيا واليمن .

لذا فإن تونس تعتبر حالياً الأسرع للأخذ بشروط الشراكة الأمريكية والغربية بالتعاون مع تركيا . اما ليبيا فلازالت في صراع قبلي وحزبي أصولي عنيف يحتاج الى وقت طويل لإنهائه إذا لم يتم تدخل غربي عسكري لحسمه ووضع حد له في حال اقتربت المعارك من مصبات النفط و آباره ، وإلا فإن الغرب لايرى ضررة للتدخل او تقصير المعركة طالما انها تستنزف ليبيا عسكرياً واقتصاديا ومالياً  دون التعرض لمصالح شركاتها النفطية .

إلا أن وضع المجتمع العربي لبعض الدول لازال دون المناخ الأمني والإجتماعي الملائم للإستثمار الصناعي والمالي الغربي في العالم العربي كما ينبغي .إذ لازال هناك بعض العقبات الرئيسية المقلقة بالنسبة لهم ، منها : ضرورة تحرير المرأة من العادات السلبية الموروثة في معاملتها بما يخالف التعاليم والمبادىء الإسلامية السمحة ، كما ضرورة تحديث المواصلات العامة والسكك الحديدية وتطويرها لتكون بمتناول المواطنين لتسهيل تنقلاتهم .

 غير أن العلة الأساسية تبقى في الجماعات والأحزاب والتنظيمات الأصولية المتطرفة الجاهلة للفقه الإسلامي ومقاصد شريعته وفقاُ لتحليلاتها الدينية الخرقاء وتصرفاتها الإجتماعية البعيدة عن الدين والأخلاق والحضارة والمدنية . كما وتفشي الفساد  الإداري والسياسي والحزبي على كل صعيد بما يعرقل النمو الإقتصادي للبلدان العربية برمتها .

أما بشأن سوريا فمشكلتها معقدة أكثر مما هو في الظاهر ، وليست المشكلة في عناد النظام المدعوم عسكريا من روسيا وإيران  ، إذ أنه الأكثر هشاشة بين كل الأنظمة العربية ، ولكن يتم تأخيرحل مشاكله عمداً من قبل أمريكا وقد سلطت عليه داعش بهدف تدمير الجيش السوري نهائياً ، إذ لاتزال فيه بقية من قوة بما يشكل خطراً على إسرائيل مستقبلاً .

من أجل هذا فإنها لايمكن ان تسمح بانتصار الجيش الحر لأنه في النهاية هو جزء من الجيش العربي السوري النظامي المعادي لإسرائيل الذي تسعى للتخلص منه .ولو انتصر هذا الجيش في ثورته لاعاد بناء الجيش كأفضل مما كان عليه في مواجهة إسرائيل لكسب التأييد الشعبي وثقة الجماهير العربية .

من أجل هذا قلت ان الوضع في سوريا شائك ومعقد ، إذ تسعى أمريكا الى تأمين جماعة موالية لها بطابع ديني إسلامي ولو من خلال دولة اخرى ولكن ليس قبل ان تنهك سوريا بجيشها وكيانها كما وإنهاك إيران إقتصادياً ومالياً وعسكرياً حتى العظم مع تورطها في الوحول السورية والعراقية واليمنية .

 

 

 

 

هل تتشابه المجتمعات؟(5)

$
0
0

أعلن الحلفاء عن عقد مؤتمر للصلح والسلام فى فرساي في بداية عام 1919 وكان الوفد الالماني لا يحضر اي جلسات ولا يعيره أحد من المؤتمرين إلتفاتا، بل أنهم قد أنزلوهم فى بيت أبطلوا فيه عمل التدفئة إمعانا فى الإذلال. كذلك كانت حركتهم مقيدة إذ أن خروجهم من مقرهم لم يكن ممكنا حيث أن المقر أحيط بسور عالي من الخشب كأنهم حيوانات. وبعد أكثر من شهرين من المداولات قرر المنتصرون دعوة ممثلي ألمانيا إلى التوقيع (فقط) ولكن بدون نقاش فى شروط معاهدة الصلح.

وتتكون الإتفاقية من 440 بندا تقبل كلها أو ترفض كلها مع إعتبار رفضها إنهاءا لوقف إطلاق النار الذي كان يجدد شهريا.

كانت هذه من أوائل المرات التي يظهر فيها دور عالمي فى السياسة للدولة الصاعدة الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الرئيس الديموقراطي وودرو ويلسون قد تقدم بتصوره عن مؤتمر السلام حيث كان يدعو إلى سلام عادل وحق تقرير المصير للدول جميعا في ظل منظمة دولية تعمل على الحفاظ علي السلام الدولي والإبتعاد عن الحروب. وهو ما يعني تصفية الإستعمار ومعاملة ألمانيا بطريقة عادلة. إلا أن الطرفين الأوروبيين بريطانيا وفرنسا كانتا مصممتان علي الإحتفاظ بالمستعمرات بالإضافة إلى رغبة فرنسا فى تأمين نفسها من وجود ألمانيا قوية من جديد.

وكانت نقاط الرئيس ويلسون الأربع عشر تشكل أساس الأمل الالماني فى معاملة معقولة من جانب المنتصرين، لكن آمالهم ذهبت أدراج الرياح.

(كذلك كانت تلك النقاط الاربع عشرة هي أساس المطالبة المصرية بمشاركة علي قدم المساواة فى مؤتمر الصلح وإرسال وفد مصري إلى هناك، وبالطبع فشل الوفد المصري فى الحصول على أي شيء)..

ولأول مرة منذ توقف القتال ظهرت فكرة المسئولية عن قيام الحرب فى نص إتفاقية الصلح. وهذا النص كان يلقي باللوم كله فى قيام الحرب على ألمانيا دون غيرها. وبالطبع تسبب هذا النص فى حركة غليان كبيرة داخل المجتمع الالماني الذى كان منقسما منذ توقف القتال كما ذكر من قبل. وبناءا علي فكرة المسئولية عن الحرب فقد ترتبت كل من فكرة التعويضات وفكرة الإجراءات الوقائية.

إنقسم المجتمع بشدة علي نفسه بسبب نصوص الإتفاق. فالإتفاق إلي جانب التعويضات الهائلة كان ينزع عن ألمانيا أراضي فى الشرق ويمنحها لبولندا ثم ينزع عن ألمانيا أراضي فى الغرب ويمنحها لفرنسا ويحدد عدد الجيش الألماني بمائة ألف فقط وينزع عن ألمانيا أي أقاليم تملكها خارج القارة الأوروبية، أي يسترجع كل مستعمراتها ليعيد تقسيمها على المنتصرين الأوروبيين، إلى جانب حظر تجارب الطائرات وفرض رقابة مشددة على مصانع الحديد فى منطقة الرور التي كانت مركز تصنيع سلاح الحرب.

وبالإضافة إلى كل ذلك قامت القوات الفرنسية والإنجليزية باحتلال منطقة الرور بما فيها كولن ودوسلدورف كضمان حتي تلتزم ألمانيا بدفع التعويضات التي نص عليها الإتفاق. وغير ذلك كثير من البنود التي تصل إلي حد الإذلال بل وتتخطاه.

وكان أن أعلن المستشار المنتخب من قبل الجمعية الوطنية فيليب شايدمان بعد عقد أول إنتخابات عقب الحرب شاركت فيها النساء لأول مرة وفاز بها الإشتراكيون الديموقراطيون (هو نفس الشخص الذي أعلن الجمهورية علي عجل حتي يقطع علي ليبكنيشت طريق إعلان جمهورية شيوعية علي نظام السوفيتات) أعلن عقب الإعلان عن نصوص إتفاقية فرساي أن اليد التي توقع علي هذه النصوص تستحق أن تذوي أو تقطع. (نفس مصطلح النحاس باشا في مصر بعد ذلك بعشرين عاما فى شأن فصل السودان عن مصر).

فى ظل الفوضي السياسية والمجتمعية التي كانت فى البلاد وبالذات فى برلين قررت اللجنة التي كانت مكلفة بكتابة دستور جديد للجمهورية التي أعلنت بدون أساس قانوني، قررت اللجنة أن تشرع فى أعمالها ولكن ليس فى برلين العاصمة وإنما فى مدينة بعيدة عنها وهادئة هي مدينة فايمار علي بعد حوالي 250 كم من برلين بسبب القلاقل وحالة شبه الحرب الأهلية التي كانت سائدة في برلين بين الحركة الشيوعية والحركة اليمينية.

قد فشلنا وانتهي الأمر

$
0
0

قد فشلنا وانتهي الأمر

حادثة القتل التي تعرضت لها المجلة الفرنسية لن تمر علي المجتمعات الديموقراطية بدون عواقب وخيمة. وسوف تنشأ قوة دافعة ومؤثرة تضاف إلي الحركات الأوروبية الرافضة للأجانب عموما والرافضة الكارهة للمسلمين علي وجه التحديد.

والتحقيقات حتي الآن لم تسفر عن معرفة شخوص الجناة ولكن يمكن علي الأقل من مشاهدة الفيديو الذي اذاعه البوليس إستنتاج أعمارهم التقريبية. فهم في سن الشباب وأكبرهم لن يزيد عمره عن 30 عاما.

وهذا الإستنتاج له دلالة هامة جدا بالنسبة لجيلنا نحن من ولدنا قبل عام 1960، فهؤلاء هم أولادنا.. وهم الجيل الذي ربيناه ودرسنا له سواء في البيوت أو المدارس أو الجامعات.  وهذا يجعل من مسئوليتنا عما حدث مضاعفة. فهؤلاء الشباب قد تربوا فى ظل قيم وضعناها نحن لهم بإرادتنا وباختيارنا. والفشل الذي وقعوا فيه – أو بمعني أصح وقعنا نحن المربون الأفاضل فيه–  هو فشل تاريخي لا أجد له مثيلا من قبل. فالجريمة كبيرة والسبب الدافع إليها جديد والنتائج التي سوف تترتب عليها هائلة والأمر برمته ينذر بخطر شديد لا يحس به إلا من يعيشون في الغرب.

أولا الجريمة هي قتل مع سبق الإصرار والترصد والنية المبيتة، وهي جريمة إرهاب بسبب عدم وجود معرفة شخصية بين الجاني والضحية. أي أن العقاب الذي اراد الجاني إنزاله بالضحية قد يصادف شخصا آخرا لا علاقة له بنشر الصور.

ثانيا السبب الدافع إليها جديد في أثره ولكنه ليس جديد فى طبيعته. فشخص الرسول هو مثل كل الرسل قد تعرض كثيرا في حياته وبعد مماته وفي كل وقت لكثير جدا من المدح وكثير جدا أيضا من القدح. وهو نفسه كان يعاني من سوءات أهل قريش معه وكذلك أهل الطائف وكم من مهانات وتعديات قد تعرض لها قبل وبعد وأثناء عمله وتبليغ دعوته، إلا أننا أبدا لم نسمع عن واقعة قتل بسبب أي من تلك الإهانات والتعديات. وهذا السباب أو التعدي أو الإنتقاد أو الإساءة أو الإقلال من القدر أو أي فعل غير قانوني وغير أخلاقي يتعرض له إسم أو سيرة الرسول ليس أول سابقة ولن تكون أبدا آخر مرة، فطالما وجد الإنسان وجدت هذه الأعمال وهي لن تتوقف. وبالتالي ليس من المعقول أن يلجأ المسلمون للعنف في كل مرة يسمع فيها واحد منهم عن صورة من صور التعديات التي ذكرتها أو التي سوف تبتدع في المستقبل.

وقد فهمت الأجيال التي سبقتنا تلك الحقائق البسيطة وبالتالي لم تغال في رد الفعل وتركت الأمر ينتهي بالتقادم المعتاد وحافظت بالتالي علي سمعة هذا الدين من السوء والتشهير.

إلا أن...

 

إلا أن جيلنا نحن الآباء لهذا الجيل المتواجد حاليا في سن الشباب قد أخذنا الأمور في طريق آخر.. 

«إجماع بكين» أمام «إجماع واشنطن»

$
0
0

الي الذين قرأوا مقال محمود عبد الفضيل حول "العالم اليوم والصراعات الكبري الدائرة"، أضيف هنا مقال سابق لي عما تصوره استراتيجيون امريكيون عن نظام عالمي بقيادة الصين تحت نفس شعار الهيمنة الامريكية وهو ..."وفاق بكين "او اجماع بكين اشارة الي النظام الاقتصادي العالمي .... الخ ... وصراع العولمات الان يتجاوز الاقاليم .. حتي بات الارهاب عولمياً !

«إجماع بكين» أمام «إجماع واشنطن»

تاريخ النشر: الثلاثاء 14 مايو 2013

 

ظلت الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة، أربعين عاماً بعد الحرب الثانية- ناهيك عن قرون قبلها- حتى بلورت هيمنتها الاقتصادية، بل والسياسية الشاملة على العالم في ثمانينيات القرن العشرين. وعندما استقرت برامج "التكيف الهيكلي"وشروط أو "وصفة"صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية؛ عندئذ سُمَّي ذلك "إجماع واشنطن"، أو قل الخطة الشاملة "لعالم واحد"من كافة الجوانب، حتى العسكرية التي تصورناها سقطت مع الاستعمار التقليدي، ولكنها هنا عادت مع المدرسة "النيوليبرالية"الأميركية، أو ما سمي بالرأسمالية المتوحشة، وصاغ مبادئها العشرة "جون وليامسون"سنة 1989. لكن فجأة، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، تبزغ قوة شبحية ذات تأثير بالغ في هذا العالم نفسه، وتُجبر قيادته، على تغيير بعض أساليبها بأشكال مختلفة، نتيجة "الحضور"الخاص والمؤثر اقتصادياً وسياسياً... أعني حضور الصين. ولم يكن ذلك بالطابع الصيني المنعزل القديم، حيث كان ترويعها يسمى "التنين الأصفر"و"رهاب الشيوعية"، ولكنه هنا ذلك الحضور الناعم على مستوى القارات الثلاث الكبرى، بل وخارج دائرة الرأسمالية التقليدية. ولكنه بالأساليب الرأسمالية نفسها، ولذا يجري الآن الاتفاق على تسمية ذلك "إجماع بكين"مقابل "إجماع واشنطن".

 

وفيما تابعته من مصادر، فإن المصطلح قد طرحه الباحث الأميركى "جوشوارامو"عام 2004. والواضح من التعريف به أنه من مدرسة "كيسنجر"صاحب "الاختراق العظيم"إلى الصين أوائل سبعينيات القرن الماضي. ولذا يتحفظ مثقفون صينيون على المصطلح "مؤقتاً"على ما يبدو في تحليلات أمثال "لي زينج" Lixing أو "لي جيباو"، في دراسة موسعة نشرها مركز "كاساس"في كيب تاون حديثاً... وغيرهم مما نشرته لهم مؤسسة "فاهامو"المعروفة في موقع "بامبازوكا"من نيروبي ولندن. وكلها تحت عناوين "الصين وأفريقيا"أو الصين في أفريقيا.

 

يتفق مجمل المحللين على أن "إجماع بكين"يشكل تحدياً خطيراً لـ"إجماع واشنطن"أميركي الصنع، وركيزة العولمة الحديثة، لأنه يبشر بـ"النموذج الصيني"كنموذج لتنمية بديلة"، وهو ما لا يقبله الغرب، على الأقل لأنه تحت شعار "الخصائص الصينية"التي تضعها الصين للحديث عن "اشتراكية السوق"أو "الرأسمالية الموجهة". وفى تقدير الخائفين من مشروع الهيمنة الجديد أن العولمة لا تقبل بمصطلحات: التقدم - التصنيع- النمو- الكفاءة- التنافسية- العقلنة- الإبداع في الإدارة بديلًا لمصطلحات إجماع واشنطن عن "السوق- التجارة ثم التنمية". وبهذه التعريفات التي أسماها "رامو"نفسه بالعناصر العشرة "لإجماع بكين"... يمهد الفكر الغربي للتنبيه لما خلف الإجراءات الاقتصادية الصينية من "القوة الناعمة"للصين ممثلة في سمعتها التنظيمية، وما بدأت تنتبه له من عناصر ثقافية، وتطوير الخطاب السياسي، بل وما تجده من قبول لدى معظم "النظم الحاكمة"، خاصة الأفريقية التي ترى في إجماع بكين قبولًا بها هي نفسها وإمكان استمرارها، وفى هذا الإطار كانت قفزة أوائل القرن بزيارة الرئيس الصيني لعشر دول أفريقية، وافتتاح عشرات المشروعات الصينية بالقارة.
ويدهش مفكر أفريقي مثل "كويسي براه"- غاني في جنوب أفريقيا- من هذا الاتجاه لأن "الغرب"لا يحق له التعليق على "الحضور الصيني"، وهو الذي استغل واستبعد أفريقيا لعدة قرون، بينما لم تظهر الصين على الساحة الأفريقية إلا منذ بضعة عقود! كما أن الغرب أيد سياسة الحزب الواحد والديكتاتوريات الأفريقية بما فيه الكفاية، وحتى مع ادعاءات مساندة الديمقراطية مؤخراً.

 

أما المفكرون الصينيون، فيرون أن المفهوم يفرض نفسه تدريجياً رغم عدم سعي الصين لذلك على الأقل في المدى القريب! ويعبر أحدهم "لي زينج"بأنه إذا واصل النموذج الصيني نجاحه. فإن "إجماع بكين"سيواصل نموه. ويبدو أن كاتباً غربياً معروفاً مثل "أريف ديرليك"، قد رأى ذلك أيضاً بقوله إن "إجماع بكين"، ليس في تمكين الصين اقتصادياً فقط، ولكن في قدرته على الحشد لمعارضي "إجماع واشنطن الإمبريالي"!

لابد هنا أن يتعرف القارئ إلى نقاط التأسيس، أو الإغراء في "إجماع بكين"، الذي يهدد وحدة نفوذ العولمة!

 

دعونا نضع الكثير من النقاط تحت منظار التساؤل، وأحياناً الدهشة. والصين دائماً مدهشة! فالكتابات الصينية المنشورة في كتب أفريقية، ولا نقول في بكين، تشير إلى دولة تقوم على ثلاثية: الجيش -الحزب- الحكومة. لكن هذه الدولة نفسها تتقدم على عناصر أخرى، مثل:

 

1- قيمة الإبداع وليس "استلام التقدم"من آخر الخيط كما ذكر أحدهم!

2- ضمان ديمومة عملية التنمية، والمساواة وليس مجرد الرفاهية.

3- تنظيم فوضى التوقعات والمخاوف السياسية التي يعانى منها علم الاجتماع الحديث وعلم إدارة الأزمات!

وكذلك الاستقلال الذاتي للمشروعات، أي أنها باختصار تنتقل من الاقتصادوية إلى المجتمعية.

يتحدث الصينيون أكثر في أسباب تقدمهم عن الإصلاح الزراعي كقوة دفع للإنتاج، والدور الكبير الذي تحول لـ"الأسر المعيشية". والملكية الخاصة هنا تصبح أكثر أهمية لتيسير التسويق للمنتج الزراعي، ثم يتحدث عن الإصلاح الاقتصادي الأوسع- بالتدريج أيضاً، وضرورة شعور المواطنين بالعائدات، نتيجة طبيعة اقتصاد "مملوك من الجميع؛ لكنه محكوم من الدولة، ومراقب بالقوانين لضبط آليات السوق، ويقولون صراحة "إن ذلك غير ممكن دون دور فعال لحزب الدولة الصيني لضمان السياسة الكلية وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي".

وبهذه السياسة "التدريجية"، يمكن الوصول لتعددية على مستوى العالم، وخلق قوة متعددة الأطراف.

 

"القفزة "الصينية الجديدة تختلف عن قفزتها الكبرى في الخمسينيات، فالسابقة كانت إلى الداخل، أما "القفزة "الجديدة فتتم نحو الخارج بتسارع لافت! قفزة إلى مواقع خطيرة، مثل السودان ودارفور وجنوب السودان ومالي! وقفزات في مواقع شك، مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، وليبيا والمغارب عموماً، ثم قفزات إلى مواقع تاريخية تحدثنا عنها قبلا، في شرقي ووسط أفريقيا...(تنزانيا- الكونغو).

 

هي قفزات بالفعل مع مطلع القرن الواحد والعشرين تجعل علاقات الصين التجارية مع أفريقيا تقفز من عشرة مليارات دولار عام 2001 إلى 189.5 مليار دولار 2012 وتوقع وصولها إلى 385 مليار عام 2015! مقارناً ذلك ببلوغ تجارة الولايات المتحدة إلى 108.9 مليار فقط عام 2012. ومع ملاحظة أن سعى الصين ليصير "الين"عملة دولية، أمام الدولار بعد أن هاجمت الدولار كبديل للذهب في الاحتياطي العالمي. وأن عدداً متزايداً من البنوك الأفريقية بدأ يتخذ "الين"عملة لاحتياطيها، أو جزءاً منها مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا، سعى البعض لشراء سندات صينية... الخ.

لابد أن ننبه هنا أيضاً أن "الهجوم الصيني"تقابله حملة بعيدة التأثير من تيارات متأثرة بالدعاية الرأسمالية المضادة من جهة، بل وتيارات أخرى تقدمية تخشى من تغيير "التنمية البديلة"المتوقعة إلى عالم "الإمبريالية الاشتراكية"، التي سقطت أيضاً في الاتحاد السوفييتي، بعد ما أبدته من تسلط وحماية لديكتاتوريات معروفة. والحديث يطول بالطبع عن مخاوف من انتشار البضائع الصينية، أو رخص أسعارها المعطل لأي تنمية محلية، أو خلق نفوذ اقتصادي لطبقات اجتماعية سيئة السمعة، ومن رأسمالية "كمبرادورية"بطبعها لا تساند الاستقلال الوطني، الذي كانت تسعى له دائماً "الدول النامية"أو "دول التحرر الوطني"! وكانت الصين الشعبية الاشتراكية تقف إلى جانبها، ثم أن الصين التي تدخل الآن بين قوى العولمة، لم تُبد إلا مؤخراً بعض مواقف التصدي لنفوذ قوى العولمة العسكرية المهيمنة.

ويبقى السؤال الأساسي: كيف يساعد نمو العلاقات مع الصين في إقامة بنية استقلالية حقيقية في بلدان أفريقيا؟! اللافت والمثير أن كثيراً من المثقفين الذين كانوا إلى جانب "الماوية"الثورية مازالوا يتفهمون وضع الصين "العالمي"الجديد، مؤكدين أهمية تطورها الإيجابي لمصلحة توازن القوى العالمي الجديد، مختلفين في ذلك عن المخاوف السائدة في دوائر الأممية الاشتراكية التقليدية.

 

 

 

 

Viewing all 560 articles
Browse latest View live