للداعية الإسلامى الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق
مقدمة
مفهوم الإنسان الصالح والأمة الصالحة
المشكلات تحول بيننا وبين الوصول إلى هذه الغاية
أولاً: ضياع الهدف والغاية
ثانياً: التفرق والخلاف هو الذي أذهب ريح هذه الأمة
ثالثاً: غلبة أهل الكفر على أهل الإسلام
رابعاً: الغزو الفكري والثقافي الدائم
خامساً: أخطاء في مناهج الإصلاح
سادساً: التصور الخاطئ للمجتمع الصالح والإنسان الصالح
خاتمة
العقبات التي تعترض بناء الأمة الإسلامية
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد،،،
فإن الرسالة الإسلامية تهدف فيما تهدف إلى بناء الإنسان الصالح والأمة الصالحة كما قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (الجمعة:2-4)
ومعلوم أن الأميين هم العرب أهل هذه الجزيرة الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا أمة أمية، ولم يكن يحسن القراءة والكتابة منهم إلا عدد قليل عند نزول الوحي.
وأما الآخرون الذين شاء الله أن يلتحقوا بالأمة المسلمة فهم كل مسلم اهتدى إلى دين الإسلام إلى قيام الساعة كما يشير بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: [لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك] (متفق عليه)
وهذه الأمة الإسلامية منذ الداعي الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر فرد فيها وصفهم الله بأنهم خير أمة ظهرت في الأرض حيث يقول سبحانه وتعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110)، ومعلوم أن {كان} تفيد الاستمرار كقوله تعالى: {وكان الله غفوراً رحيماً} (النساء) {وكان الله سميعاً عليماً} (النساء:148)، وخيرية هذه الأمة مرده إلى إيمانها بالله وحملها لشريعته، ودعوتها إليه قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، ثم لوراثة هذه الأمة كتاب الله. قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونا يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير} (فاطر:32-33) فهم الذين اصطفاهم الله أي اختارهم لوراثة كتابه الكريم.
وقد جعل الله هذه الأمة ثلاث طبقات في الصلاح والتقوى: فمنهم {ظالم لنفسه}، وهو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
ومنهم {مقتصد} وهو الذي لازم الطاعة الواجبة وابتعد عن المعصية، ولم يكن له باع في الفضائل.
ومنهم {سابق بالخيرات بإذن الله} وهو الذي انتهى عن المحرمات وجاوز ذلك إلى الانتهاء أيضاً عن المكروهات والشبهات. وفعل الواجبات وأضاف إلى ذلك المندوبات وسارع في الخيرات.
وهؤلاء جميعاً (الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات) قد وعدهم الله الجنة على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم في الخير والفضل، والحمدلله على نعمائه.
مفهوم الإنسان الصالح والأمة الصالحة
لا شك أن الإنسان الصالح الذي تهدف الرسالة الإسلامية إلى بنائه ليس هو الإنسان الغني المترف، الذي يتمتع بطيبات الحياة، ويحيا في العيش الرغيد، ويتفنن في العلوم الدنيوية.. ثم هو بعد ذلك جاهل بربه، جاهل بالغاية التي خلق من أجلها على هذه الأرض، فمثل هذا الإنسان عند الله أحط قدراً من الأنعام.. كما قال عز وجل: {ولقد ذرأنا لجنهم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون} (الأعراف:179)، وقال تعالى: {والذين كفروا يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}.
ونفي الله لسمع هؤلاء وبصرهم وعقولهم ليس على إطلاقه، بل هم أهل بصر وسمع وعلم، ولكن ذلك كله محصور في أمر الدنيا.. كما قال تعالى عنهم {ولكن كثيراً من الناس لا يعلمون* يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} (الروم) وقال عن عاد وثمود {وعاداً وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين} (العنكبوت:38) أي ذوي بصيرة وخبرة بالحياة الدنيا فهم أهل بصر بالزراعات والصناعات والبناء وشئون الحياة والمعاش كما قال صالح لقومه (ثمود): {أتتركون فيمنا ها هنا آمنين، في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم، وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين، فاتقوا الله وأطيعون} (الشعراء:146-150)
فالذين عاشوا خلال جنات وعيون وزروع ونخيل طلعها هضيم ونحتوا الجبال بيوتاً {جابوا الصخر بالواد}، لا شك أنهم كانوا على علم بالحياة وبصرفيها. فإن كل ذلك لا يتأتى إلا بعلوم دنيوية فائقة متقدمة.
وكذلك أيضاً قال هود لقومه (عاد): {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون.. أمدكم بأنعام وبنين، وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} (الشعراء:128-135).
فالذين بنوا بكل سفح من سفوح جبالهم بناءاً فخماً كان آية في الجمال والدقة، واتخذوا المصانع كأنهم مخلدون أبداً أو ليخلدوا أبداً، وبطشوا بأعدائهم بغير رحمة، وحازوا الأموال والأولاد، وعاشوا في الجنات والبساتين، لا شك أن هؤلاء كانوا يتمتعون بالبصيرة الدنيوية والعلم المادي الذي أهلهم لذلك، ولكن كل ذلك لم يخرجهم عند الله من دائرة الإجرام، ولم يرفعهم من مرتبة الحيوانات.. كما قال تعالى عنهم {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات، وما كانوا ليؤمنوا، كذلك نجزي القوم المجرمين} (يونس:13)
بل إن الله سبحانه وتعالى مدح نفسه على إهلاكهم وإزالتهم من وجه الأرض حيث يقول سبحانه: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا، ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}. (الأنعام:42-45)
وإهلاك الله للقرى الظالمة والدول الجائرة الكافرة قد يكون بالدمار الشامل وترك ديارهم خراباً وأرضهم يباباً (خراباً لا شيء فيها)، كما قال تعالى: {فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد} (الحج:45) أي بئر معطلة عن السقي مع امتلائها بالماء وقصر مشيد لا يسكنه أحد!!
وقد يكون الهلاك بتسليط غيرهم عليهم من أهل الإيمان تارة، أو من أمثالهم من أهل الكفر أخرى، كما سلط الله هذه الأمة الإسلامية على الأمم التي كفرت به من أهل الكتاب الذين بدلوا شرائع الله وانحرفوا عن هديه سبحانه.. قال تعالى بعد أن أورث المسلمين أرض اليهود في المدينة يهود بني قريظة {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها، وكان الله على كل شيء قديراً} (الأحزاب:45) وقال عن أمثالهم يهود بني النضير: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2)
وبشر الله نبيه قبل موته أن أمته سترث الأمم وتملك العالم شرقه وغربه. كما قال صلى الله عليه وسلم: [إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها]. (رواه الترمذي)
وقرأ سعد بن أبي وقاص عندما دخل إيوان كسرى بعد فتح فارس قوله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين} (الدخان) فبكى وبكى الناس وراءه.
وقد يهلك الله الظالمين بالظالمين، ويؤدب المؤمنين بالكافرين.. كل ذلك وفق حكمته التامة، وعلمه المحيط.
المهم هنا أن نعلم أن الأمة الصالحة، والمجتمع الصالح في ميزان الله، ليسا هي الأمة والدولة التي تعيش في بيوت جميلة وشوارع واسعة، وحدائق غناء، وملاعب حديثة.. وبل قد يكون هذا كله موجوداً وتكون هذه الأمة ملعونة في ميزان الله موصوفة بالظلم والطغيان، والكفر والعصيان.
وكذلك الحال أيضاً في الأفراد، فليس الفرد الصالح أو الإنسان الصالح هو الغني المترف المنعم، العليم بشؤون دنياه، الظريف المنمق، الجميل المتأنق، بل قد يكون الإنسان موصوفاً بهذه الصفات جميعها، وهو لا يزن عند الله جناح بعوضة، كما قال صلى الله عليه وسلم: [يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة]. (متفق عليه)
وقال تعالى عن قارون الذي افتخر بماله وزينته وثروته وسلطانه: {أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} (القصص:48). وقال صلى الله عليه وسلم: [وأهل النار كل جعظري جواظ مستكبر] (رواه أحمد وأبو داود).. والجعظري: هو الغليظ الشديد المنيع في قومه وسربه.
وهنا نأتي إلى السؤال: إذاً ما صفات المجتمع الصالح والأمة الصالحة في ميزان الله وما صفات الفرد الصالح أو الإنسان الصالح الذي يحبه الله ويتولاه؟؟
والجواب:
أن الأمة الإسلامية الصالحة هي الأمة التي يكون تجمعها والتئامها وترابطها على أساس الإيمان بالله ورسالاته والعمل وفق محبته ورضوانه فتكون بذلك علاقة أفرادها قائمة على أساس الأخوة في الله، وما تقتضيه هذه الأخوة من التراحم والتعاطف والتعاون والنصرة والموالاة، ويكون تعاملها مع غيرها من أمم الأرض قائما على أساس من هذه العقيدة أيضاً. فهي داعية للناس جميعاً أن يكونوا إخوة في رحاب الإسلام. وهي تعادي في سبيل عقيدتها وتحارب في سبيلها، وتسالم وتصالح وتعاهد وتهادن وفق هذه العقيدة أيضاً، ومصالحها الدنيوية لإيمانها ودينها.
والفرد الصالح لبنة في هذا المجتمع وعضو في هذه الأمة. يؤمن بالله ويسخر حياته كلها من أجل دينه.. كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام:162) وهو مع جعله حياته لله ومماته لله يحب الخير للناس جميعاً ويحمل الهداية للناس كافة، ولا يدخر وسعاً في إسعاد الآخرين من قضاء حقوق العباد التي ألزمه الله بها، فهو بار بوالديه.. وأصل لأرحامه.. نافع لجيرانه.. متعاون مع إخوانه.. كاف شره عن الناس، قد سلم الناس من لسانه ويده، وائتمنوه على حرماتهم وأموالهم، وهو مع ذلك يغضب لله ويرضى بذيئة له، ويعادي في الله ويحب فيه، يعادي في الله أعداء الله ولو كانوا أقرب الناس إليه، ويحب في الله أحباب الله ولو كانوا أبعد الناس عنه، ويقاتل في سبيل الله من كفر واعتدى ولو كانوا من الآباء والأبناء والأخوة والعشيرة، هذا في جانب الخلق.
أما أخلاقه مع الخالق فهي أكمل الأخلاق فهو شاهد لله بما شهد سبحانه لنفسه من أنه الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس، السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر، الخالق البارئ، المصور الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى القائم على كل نفس بما كسبت، مؤمن برسالات الله.
ومثل هذا الإنسان الصالح محبوب عند الله ولو كان في أسمال بالية، وبيت متواضع، وبطن جائع. وذلك المجتمع والأمة التي تضم أمثال هذا هي خير الأمم ولو عاشت في صحارى قاحلة، وشوارع ضيقة، وبيوت رثة بالية!!
وها نحن نقرأ في القرآن عن بني إسرائيل أن الله اختارهم لحمل رسالة، وفضلهم على العالمين في زمانهم، وكانوا شعباً مشرداً مطروداً يسامون الخسف ويصبحون ويمسون في الذل والإهانة، يعيشون مع الفراعنة يستحيون نساءهم، ويقتلون أبناءهم ويسومونهم سوء العذاب فيسخرونهم في البناء وفلاحة الأرض، وتنظيف الطرقات، وخدمة البيوت، ومع ذلك نقرأ في القرآن ثناء الله عليهم واجتباءه لهم وتفضيلهم على العالمين في زمانهم، لما قاموا برسالة الله وعبدوه. قال تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} (البقرة:47)، وهذا في موضعين من القرآن، وفي موضع ثالث قال تعالى: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} (الدخان:32) أي على علم بأنهم أصلح الناس في زمانهم ومن الله عليهم بأن نصرهم على عدوهم، وأنجاهم من بطشه وأورثهم مشارق الأرض ومغاربها. كما قال تعالى عنهم: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} (الأعراف:137)
ولكنهم بعد أن تجاوزوا حدود الله، وعصوا رسله، وشرعوا يقتلون أنبيائهم ويديرون ظهورهم لشريعة ربهم ويدعون في الدين ما لم ينزل عليهم زاعمين أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الجنة خالصة لهم من دون الناس، وأنهم شعبه المختار، وتطاولوا على الله بالجحود والنكران، واصفين إياه سبحانه بأبشع الصفات كقولهم (استراح في اليوم السابع) (يد الله مغلولة) (إن الله فقير ونحن أغنياء)، ومجاوزين حدود شريعته، مستحلين للحرام ظالمين أنفسهم.
لذلك كله وغيره من المعاصي والذنوب لعنهم الله وطردهم من رحمته وسلط عليهم وإلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، بل وشتت شملهم في الأرض وقوض دولتهم وأنهى من الأرض فضلهم وسبقهم، وجعل اللعنة ملازمة لذكرهم حيث ذكروا كما قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم،ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا، لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} (المائدة:78-80)
وقال عنهم أيضاً: {وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون، وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل الله إليك من ربك طغياناً وكفراً، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين} (المائدة:62-64)
وقال عنهم أيضاً: {فلما عتوا عما نهوا قلنا لهم كونوا قردة خاسئين، وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم، وقطعناهم في الأرض أمماً منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} (الأعراف:166-168)
وإذا تركنا بني إسرائيل، وبعد أن صاروا ملعونين مطرودين من رحمة الله، وجدنا أن الله قد أقام بعدهم أمة عظيمة مدحها في القرآن وأثنى على نبيها حيث يقول سبحانه وتعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون} (آل عمران:53)
ونجد أن هؤلاء الأنصار الذين جعلهم الله مثلاً لهذه الأمة في الفداء والتضحية لم يكونوا إلا مجموعة قليلة من صيادي الأسماك يتبعون رسولهم من بلدة إلى بلدة، ومن قرية إلى قرية في قرى فلسطين فراراً من طغيان الرومان ووشايات اليهود الذين جعلوا جهدهم وجهادهم القضاء على دعوة عيسى عليه السلام.
أقول: نجد أن الله يطلب من أتباع محمد نصره والقيام معه كما نصر أتباع عيسى نبيهم صلى الله عليه وسلم، حيث يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} (الصف:14)
ونفهم من هذا الثناء أن هذه الأمة المهتدية كما أسلفنا كان روادها قليلي العدد، تركهم عيسى ورفعه الله وهم اثنا عشر رجلاً فقط، فقاموا من بعده بنشر الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، فنصرهم الله وأعزهم ودمر اليهود على أيديهم، ثم أن الروم المكذبين بالأمس دخلوا بعد ذلك في النصرانية، إلا أنهم بعد مدة وجيزة أفسدوا هذه الرسالة عقيدة وشريعة فأدخلوا عبادة الأصنام، واستحلوا أكل كل حرام، وتغالوا في رسولهم حتى جعلوه الله، أو ابناً لله، جعلوا تلاميذ عيسى رسلاً، ورهبانهم أرباباً ووسائط بينهم وبين الله.
وبالرغم من أنهم بنوا الكنائس العظيمة والأديرة الأنيقة الجميلة، وجعلوا للدين أعظم الإتاوات والمخصصات، وأنزلوا رهبانهم وعلماء دينهم منازل القادة والعظماء، وأججوا الحروب التي سموها مقدسة، ففتحوا العالم شرقاً وغرباً حتى أصبحت روماً كعبة العالم، وأم القرى في زمانها، حتى قال الناس (كل الطرق تؤدي إلى روما).. ونشروا النصرانية الضالة في أوروبا وشمال أفريقيا وغرب آسيا حتى أصبح البحر الأبيض بحيرة رومية نصرانية.
أقول: وبالرغم من كل ذلك إلا أن الله سبحانه وتعالى استغنى عن خدماتهم، ولم يأبه لجهادهم وجهودهم، بل حكم عليهم بالضلال والكفر لغلوهم في عيسى واستحلالهم المحرمات، واستعبادهم الشعوب الضعيفة، وجعلهم الدين كهانة وميراثاً، ولذلك لم تكن أمة النصارى بعد صدرها الأول أمة صالحة، ولا كان رجالها رجالاً صالحين بمفهوم الصلاح الذي يحبه الله ويرضاه، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: [إن الله نظر قبل مبعثي إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب] (رواه مسلم وأحمد).
وهؤلاء البقايا الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا رهباناً في الفلوات لا يأبه أحدهم لوجودهم ولا يهتم أحد برأيهم.. في وقت كانت نصرانية الشرك في أوجها وعظمتها.
واستخلف الله من بعد ذلك رسولاً من العرب، وقد كانوا ذاك الوقت أفقر العالمين داراً، وأقل الناس أمناً وقراراً.. فقد كانوا إما تجاراً يجوبون الأرض بين الشام واليمن، أو بدوا رحلاً يجوبون الجزيرة وراء العشب والمطر، وبدأت الأمة الجديدة الصالحة التي اختارها الله لرسالتها الخاتمة تخرج من بين صخور هذه الصحراء، وتُبنى في سهولها ووديانها، ويتبع دين الله حر وعبد وامرأة وصبي، يلوذون بالحبشة تارة، لأن فيها ملكاً لا يستباح جواره، وبأهلهم من الكفر تارة، ثم يتوجهون إلى المدينة فيبنون عريشاً لا يقيهم المطر، وينامون ويقومون في السلاح من الخوف وقد تربص الأعداء بهم من كل صوب.
يقول أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: [استهلت السماء في ليلة إحدي وعشرين يعني من شهر رمضان فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبصرت عيني نظرت إليه صلى الله عليه وسلم انصرف من الصبح ووجه ممتلئ طيناً وماءاً] (متفق عليه)
ويقول أبو هريرة: [ولقد رأيتنا في صفة مسجد رسول الله نحواً من سبعين، ما منا من له إزار ورداء جميعاً] (رواه أبو داود والنسائي وغيرهم)
وقال جابر بن عبدالله الأنصاري: [ومن منا كان يجد ثوبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟] (رواه البخاري). أي أن عامتهم لم يكن لأحدهم إلا ثوب واحد إما إزار فقط، وإما رداء فقط.
وتقول عائشة رضي الله عنها وعن الصحابة أجمعين: [ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض] (متفق عليه).. والبر هو القمح.
وقالت أيضاً رضي الله عنها: [ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر] (متفق عليه).
وقالت أيضاً: [إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال.. ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار] (متفق عليه).
ومع تلك الحال التي كان عليها رسول الله وأصحابه فإننا نقرأ ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم، ومحبته لهم، ونعلم يقيناً أن ذلك كان المجتمع الصالح، بل المجتمع المثالي، الذي لم يوجد في الأرض خير منه لا قبله ولا بعده، تصديقاً لقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، وقوله صلى الله عليه وسلم: [خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم،ثم الذين يلونهم] (رواه البخاري).
ويمن الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة الصالحة فيفتح لها أبواب العالم ومغاليق القلوب، وكنوز الأرض.. فتجبى إليها الثمرات من كل أرض، ويخافها أهل الأرض جميعاً الأحمر والأبيض والأسود، ويأمن الناس في رحابها حتى تخرج المرأة من بصرى الشام إلى صنعاء اليمن وحدها لا تخاف إلا الله، ويفيض المال في يدها فلا يقبله أحد!!
وتقوم هذه الأمة بدعوة الله في الأرض فيحقق الله فيها وعده {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} (النور:55)
ولكن الأمة يتقادم بها العهد فتنسى كثيراً مما ذكرت به وتتفرق بأبنائها السبل، وتتبع سنن من كان قبلهم في الطغيان والتجبر، والإفراط والتفريط، والبعد عن عقيدة الإسلام وشريعته، فيحل بها أيضاً ما يحل بالأمم السابقة من تسليط أعدائها عليها، وهلاك بعضها ببعض، ولا تزال إلى اليوم تقرعها كل يوم قارعة.. وتفقد كل صباح جزءاً مما كان بيدها بالأمس.
وها نحن أبناء هذه الأمة نجابه الواقع الأليم الذي نعيشه، ولا يحتاج منا إلى كثير شرح وبيان، والكل منا يحياه ويراه، وإن كان بعضنا أشد إحساساً بوطأته من بعض..
نعيش فرقة شديدة مزقت أمة الإسلام شيعاً وأحزاباً ودولاً وممالك قام بينها التناحر والخلاف والشقاق، وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، ومن خلال هذا الخلاف دخل العدو الكافر، وحدث الفساد الكبير الذي حذرنا الله منه بقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعلمون بصير* والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} (الأنفال:72-73).
والآن نأتي إلى السؤال الذي قدمنا هذه المقدمة الطويلة من أجله: ما الأسباب التي أوصلتنا إلى تلك الحال؟؟ وكيف الخروج من المشكلات التي تجابه أمتنا وتعترض سبيل تربيتنا؟؟
كيف الطريق إلى المجتمع الصالح والأمة الصالحة؟؟ وما المنهاج الذي على أساسه نبني الإنسان الصالح؟؟
العقبات التي تعترض بناء الأمة الإسلامية-1
خلى السلاح صاحى، صاحى (1)
خللى السلاح صاحى، صاحى صاحى
أبدأ الحديث بالإعتذار عن إستخدام المقطع المشهور من أغنية عبد الحليم حافظ الوطنية كعنوان لهذه الملاحظات وذلك دون إستئذان مؤلفها..
فى حديث نهاية مدته الرئاسية بداية عام 1961 عندما أراد أن يودع الأمة بعد قضاء 8 سنوات فى منصب الرئيس الأمريكى قال الرئيس دوايت آيزنهاور بطل معركة تحرير أوروبا والأطلنطي ومخطط غزوتى النورماندى وصقلية، قال أنه يري خطرا على قيم الحرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تعاظم نفوذ شركات إنتاج السلاح مدعومة بالبنوك التى تمولها وهو ما جعل غواية خوض حروب باستمرار خطرا يهدد قيم الحرية فى الولايات المتحدة التى تعتز أكثر ما تعتز بقيمة الحرية منذ وضع الدستور الأول قبل إذاعة ذلك الخطاب بأكثر من 170 عاما.
وقد قال أن الولايات المتحدة حتى بداية القرن العشرين لم تكن مهتمة ولا راغبة فى إنشاء صناعة حربية لها وزنها حيث أن الأخطار المحيقة بها لم تكن موجودة.
كان آيزنهاور رجلا ذا طباع مختلفة عن طباع الجنرال ماك آرثر رغم أنهما جنرالان أمريكيان من نفس الجيل. فقد كان آيزنهاور متعقلا فى قراراته ولا يميل لدفع الأمور إلى حافة الهاوية مثل ماك آرثر. وماك أرثر كان أكبر منه بعشر سنوات وكان من العجيب ان يظل فى الخدمة حتى سن السبعين وما بعدها
ولكن عقب التهديد النازى لأوروبا كلها وعدم وجود قوة يمكنها تجهيز ما يمكن له أن يعادل القوة الألمانية سوى الولايات المتحدة فقد تنبهت الولايات المتحدة إلى أهمية القوة العسكرية وإلى الثقل الهائل للصناعة العسكرية سواء فى المجال الإقتصادى أو الستراتيجى.
والواقع أن هذا يعود الفضل فيه إلى ضربة بيرل هاربور التى أوقظت ماردا نائما وجعلته ماردا متيقظا ومستعدا فى كل ركن من أركان العالم.
وأمريكا لم تكن مستعدة لأى حرب قبل بداية عام 1942 عندما كانت ضربة اليابان قد دخلت أسبوعها الرابع. وكان على الأمريكيين أن يعملوا بسرعة وخفة وكفاءة حتى يعوضوا النقص الحاد فى دفاعاتهم إذ أن اليابان كانت أكثر جاهزية من الولايات المتحدة 100 مرة وألمانيا 200 مرة !!!
وهكذا كان على الأمريكيين أن يقوموا بشيئين أساسيين، تحويل كل المصانع الموجودة فى أمريكا للإنتاج الحربى وتدبير التمويل اللازم لهذا الإنتاج.
فكيف تسنى لهم ذلك؟
كانت المأساة الناتجة عن ضرب بيرل هابور بطريقة مباغتة مأساة قومية شعر خلالها كل أمريكي أن حياته وحياة أولاده مهددة بغزو اليابانيين. ولعل هذه الغارة التى قام بها عرق مختلف عن العرق الأبيض قد أيقظت فى وجدان الأمريكيين تخوفهم الغريزى من الأجناس الأخرى حيث أن أمريكا بأسرها قامت على إحلال الجنس الأبيض محل الجنس الأصلى للهنود. ولا ينس المرء أن أمريكا فى تلك الفترة كانت شبه مغلقة على نفسها ولا تعرف من العالم الخارجى سوى الإحتكاك اليسير عن طريق المؤسسة الشرقية، أى الجامعات والحكومة الفيدرالية التى تتركز على الساحل الشرقى للبلاد ولا يتعدى أثرها تلك المنطقة. أما داخل البلاد فكات لا يعرف سوى العزب والكفور التى هى أساس الحياة الإجتماعية الأمريكية. فالشعب الأمريكى لا يزال حتى اليوم يعيش أكثر من 70% من سكانه فى تلك العزب والكفور الصغيرة المحدودة أفقا وثقافة.
وهذه المجتمعات الوادعة النائمة لا تحتمل فكرة مجىء قوة أجنبية لغزو الولايات المتحدة وإخراجهم من بيوتهم لكي يحل محلهم شعب آخر كاليابانيين. ومن حظ حكومة الولايات المتحدة أن كمية الحشد النفسى للحرب وتأهيل الكتل البشرية لقبول تضحياتها لم تكن مهمة صعبة إطلاقا. فهاهو الأسطول الباسيفيكي قد تحطم دونما إعلان لحالة الحرب من جانب اليابان، وهاهى القوات اليابانية تتأهب لغزو البلاد من جهة الغرب ثم تتقدم شرقا (كان هذا هو التصور العام فى أذهان الناس بل وحتى فى أذهان بعض أعضاء الحكومة). وهكذا لم تجد إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت أى صعوبة فى إقناع الشعب بجدوي الحرب وحتميتها. هذا على الجانب الدعائى..
أما على الجانب الصناعى فقد قررت الحكومة بمباركة الكونجرس أن تحول كل المصانع المتاحة إلى مصانع حربية. ومعنى ذلك أن المصانع الخاصة أيضا كانت تستطيع التقدم بفواتيرها إلى الحكومة لكي تقبض منها تعويضات عن الربح الذى فاتها عن عدم تنفيذ غقود مدنية سابقة على الغارة أو ما لحقها من خسارة عن عدم تنفيذ هذه العقود. والحكومة كانت تقبل ذلك بالطبع لأنها لا تريد أن يعمل أصحاب المصانع بروح غاضبة أو متذمرة. وبالطبع تم تحويل خطوط الإنتاج للبضائع المدنية بسرعة إلى خطوط إنتاج لمنتجات عسكرية سواء فى الطائرات أو السيارات أو السفن أو مواد القتال الأخرى.
وكل تلك التحولات الهائلة قد تمت بسرعة فائقة عن طريق التمويل الحكومي لهذه المصانع.
فمن أين جاء التمويل؟
من صنع هتلر ..ولماذا؟
تأليف : محمد السويسي:توطئة بعد كل ندوة أو مؤتمر إقتصادي تجابه بأسئلة عدة تتضمن الإستنكار او الإستفسار لماذا الدعوة إلى تجميد أسعار الأسهم ؟ وماهي إيجابيات ذلك ؟ وهو سؤال في محلة لتوضيح الأمر لعدم إقتناع القطاعين المالي والإقتصادي بجدوى ذلك لتعارضه مع مصالحهم ، مع إتباعهم مدرسة "وول ستريت "رغم سلبياتها ، وقد أوصلت الإقتصاد الأمريكي إلى الهاوية في الثلاثينات التي لم ينقذها منها سوى إتفاقية "برايتون وودز"التي كانت قمة العبقرية المالية التي أعطت للنقد الأمريكي قوة أسطورية دون تغطية ذهبية ، دُعمت ورسخت بخلق الذرائع والدوافع لإشعال الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى تدمير اوروبا وجزءاً من آسيا واحتلال الدول العربية والإستيلاء على فلسطين .وكان الحزب النازي العنصري في الثلاثينات ، وفقاً لتحليلات الكتاب الروس منتصف الستينات في كتاب أصدروه بعنوان "من صنع هتلر"، قد نُظم سراً وحُرض من قبل الصهيونية العالمية وتمويلها لشن الحروب التدميرية للمنشآت والمصانع في أوروبا لإفقارها وتعطيل إقتصادها ، لإجبارها على التوجه نحو أمريكا لاستيراد البضائع من أغذية وآلآت ومصانع ومعدات عسكرية ، وبذلك تتخلص أمريكا من فائض البضائع المكدسة لديها في المستودعات بما يعيد تنشيط إقتصادها لعقود طويلة بمكيافيلية إجرامية مفرطة على حساب دماء ملايين القتلى ألأبرياء نتيجة الحرب ، مما عزز من قيمة الدولار مع إشتداد الطلب عليه بحيث أضحى وحدة نقدية عالمية ومقياساً للقيم أقوى من الذهب أحياناً لقد نجحت أمريكا بهذا التخطيط الشيطاني الذي كان كان قد أشار إليه عملاق الصناعة الأمريكية "هنري فورد"في كتاب له بعنوان "اليهودي العالمي – أكبر مشكلة في العالم "، إذ حذر من تسلل اليهود إلأوروبيين إلى أمريكا والإستيلاء على الصناعة والإعلام فيها ، لأن ذلك سيكون بداية النهاية لحرية القرار الأمريكي في السياسات الدولية والتنظيم الإقتصادي والمالي . ولقد صحّت تنبؤات هنري فورد ، لأنه كان مشاركاً في بعض السياسات الخارجية لأمريكا وتأمين معظم حاجياتها من الآلة الحربية والمعدات الثقيلة ، وبالتالي مطلعاً على وضع أوروبا وما يجري فيها. وكان من نتائج الحرب العالمية الثانية الإستيلاء على أموال اليهود والأوربيين في البنوك من قبل الصهيونية العالمية بحجة إفلاسها وتهريبها إلى أمريكا والإدعاء بأن النازيين هم من استولوا على تلك الأموال المودعة من ذهب ونقد وأودعوها في الخارج ؟!.
ولكن السؤال المطروح مع إنتهاء الحرب وانهزام النازية هو : أين ذهبت مدخرات المواطنين الأوربيين التي كانت موجودة في مصارفهم بالمليارات ؟! بالطبع لم تجرؤ أوروبا على إثارة الموضوع وقد أضحت مَدِينَةً لأمريكا بتحريرها من النازية وحمايتها من خطر التوسع السوفياتي الذي اكتسح قسماً كبيراً من اوروبا واحتلها في ما كان يعرف بأوروبا الشرقية ، عدا الخوف من معاداة السامية إن أثير هذا الموضوع ، وقد أسكتها تقديم المساعدة الأمريكية لإعادة بنائها بقيمة 13 مليار دولار بموجب مشروع مارشال .ومن هنا سادت الصهيونية بقوة مالية هائلة في صناعة القرار الأمريكي بما جنته من الأموال الأوربية نتيجة الحرب المعدة من قبلها ، خاصة وأن كبار العائلات اليهودية كانت تشرف على هذه البنوك و تديرها ، كما وأن الحرب التي أعلنتها النازية على اليهود وتمجيد العنصر الآري عجل تماماً في ترحيل الأموال من كافة أنحاء أوروبا نحو أمريكا . وبذلك سقط تحذير "هنري فورد "واستولت الصهيونية على الصناعة والتجارة والإعلام في أمريكا و حازت على القرار السياسي فيها بما يتناسب ومصالحها مع تدخلها في العمليات الإنتخابية لأعضاء الكونغرس ولرئاسة الجمهورية بقوتها الإعلامية والمالية .ومع التراجع الإقتصادي الأمريكي في الربع الأخير من القرن العشرين حاولت أمريكا والصهيونية إعادة تكرير سيناريو هتلر والنازية ، بخلق بن لادن والقاعدة كعدو لأمريكا والغرب لنهب أموال العرب والمسلمين ، بحيث جعلوا منهما أسطورة كرتونية مشابهة لحكايات سوبرمان وطرزان والرجال الخارقين الخرافيين الذين هم جزء أساسي من صناعة الفكر السينمائي الأمريكي ، ولما لم تؤت "أسطورة القاعدة"ثمارها عمدوا مع بداية هذا القرن إلى التدخل العسكري المباشر باحتلال أفغانستان والعراق والسعي إلى تقسيمه وتقسيم اليمن والسودان وبذر الشقاق بين الإيرانيين والعرب بقصد دفعهم للحرب والتقاتل فيما بينهم ، كما سبق وأن فعلوا بأوروبا ، لإحياء الترسانه الصناعية العسكرية لدول الغرب في تصنيع السلاح وبيعه للمتقاتلين في محاولة عقيمة لكسر الجمود الإقتصادي والتخفيف من حدة البطالة لديهم .ومع فشل كل تلك المخططات العقيمة لجأت أمريكا إلى الكي بإعلان الإفلاس المتعمد لأعظم المؤسات المالية لديها خريف العام 2008 وبالتالي الإستيلاء على آلاف المليارات من أموال الدول العربية التي اعتادت بدون سبب وجيه إيداع معظم أموالها في البنوك الأمريكية ، رغم توقع مصادرتها بين لحظة وأخرى كما جرت العادة في أوقات وظروف سابقة . ولكن السؤال الذي لايزال مطروحاً بعد هذه الإحتلالات و"تأميم"المؤسات المالية إن صح التعبير بالإستيلاء على أموالها بإفلاس إحتيالي : هل أن أمريكا قد تخلصت من أزمتها المالية الحادة ؟ بالطبع لا نظراً لغلبة الفساد السياسي والإداري فيها بشكل خطير الذي يمنع ويعرقل تقديم الحلول الملائمة التي سنأتي على إيرادها .والقصد من إيراد تنظيم القاعدة الوهمي كمثل ، فلأنه كذبة دنكوشتية صنعها الغرب وأطلقها لتشكل الغطاء للإضرار بمصالح الأمة العربية ، وماذلك إلا إفلاس سياسي يدل على المأزق المالي والإقتصادي والإجتماعي الذي يجتاح أمريكا بحيث تورطت في أعمال إرهابية غير مفيدة لاستعادة وضعها المالي ؛ فالحروب لاتخلف سوى الفقر للشعوب المغلوبة أو الضعيفة بحيث تفقد قدرتها الشرائية لصالح السلع الرخيصة بديلاً عن السلع الأمريكية الغالية الثمن وبالتالي تزيد من مشاكل المصانع الأمريكية وصعوباتها .وبالمقارنة ، بين الأمس واليوم ،فإن أمريكا هي التي تحملت تكاليف ثمن البضائع التي أرسلت إلى أوروبا زمن الحرب العالمية الثانية تحت شعار مشروع مارشال نظراً لأنها ، أي اوروبا ، كانت في وضع المفلس وقد دمرت ونهبت أموالها مع إنتهاء الحرب ولم تتمكن مطلقاً من تسديد أثمانها ، كما ولم تكن الحكومة الأمريكية لتتمكن من تحمل هذه النفقات لولا اتفاقية برايتون وودز التي تخلت عن التغطية الذهبية لصالح النقد الأمريكي الورقي .الأسهم والبورصة :كانت الأسهم عبارة عن صك بِقيَم حقيقية شبه ثابتة لشراكة بين مجموعات مالية غنية أو متوسطة من أجل بناء مشروع صناعي أو تجاري يتطلب مالاً يتعذر على شخص واحد القيام به ، ولم يكن ثمن الأسهم ليزداد إلا بنسب بسيطة وفقاً لنسب أرباحه وبعد مرور وقت طويل ، ومن هنا نجحت الصناعة الأمريكية ، بتواز مع النهضة الأوروبية ، واتسعت منذ الثورة الصناعية وتطور الآلة حتى بدايات القرن العشرين حيث ظهر التنافس الحاد بين القارتين ، أمريكا وأوروبا، في إنتاج السلع والتنافس على الأسواق التجارية في آسيا والشرق الأوسط اللذان كانا لايزالان رهينة لشركة الهند البريطانية و"ورثتها"من الأوربيين ، فكان لابد مع تسلل الرأسمال اليهودي إلى أمريكا مع تعاظم قواها العسكرية واتساع أسواقها الداخلية للبضائع المختلفة ، وتنامي الشعور القومي للأمريكيين لتعزيز إنتاجهم وحمايته بفرضهم المكوس العالية على البضائع المستوردة .ومع كل هذا الحرص فلقد بدأ الكساد يدب في توريد السلع الأمريكية مع ضعف أسواقها الخارجية قياساً بأوروبا ، فكان لابد من ضرب الإقتصاد الأوربي وتدمير مصانعه بتحريض من الصهاينة وتمويل الإستعدادات العسكرية بعد استحداث فتنة ما ، إعتمدت على الحس القومي بين الشعوب الأوروبية ، فكان إستحضار شخص عنصري ملائم كهتلر هو الشرارة المناسبة لاقتتال الأوروبيين إنطلاقاً من ألمانيا ، ووسيلة ناجحة ليس لضرب إقتصادها فحسب بل ونهب مدخراتها المالية الموجودة في المصارف تحت عنوان الحرب . ولقد نجح هذا التدبير من اليهود الصهاينة الذين لازالوا يتبعونه ، فاحترفوا المهن المصرفية وتملكها وتفرغوا لها للسيطرة على معظم القطاعات والمؤسسات المالية للإستيلاء على أموال الناس وأموال الحكومات الأجنبية المودعة في المصارف الأمريكية والغربية في زمن السلم ،بعد كل عقد ونصف تقريباً بادعاء إفلاسها .ولإحكام السيطرة اليهودية على السوق الأمريكية ، كان هذا التطور في أسواق "وول ستريت"في نيويورك ، بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث أكبر تجمع للجاليات اليهودية الأمريكية الثرية من الأموال الأوروبية ، فعمدت إلى صالات البورصة بالتعاون مع السلطات الأمريكية وموافقتها إلى طرح الأسهم في بازار المزايدات الوهمية خارج الرقابة المالية بحجة إمتصاص التضخم المالي للمحافظة على قوة النقد الأمريكي وسيادته في الأسواق العالمية ، مما يعني السيطرة الحكومية على كبريات الشركات الإحتكارية الضخمة لإفلاسها عند اللزوم وإعادة تجزئتها بشكل مؤسسات عائلية صغيرة مما يتيح تشغيل أكبر للأيدي العاملة المستقلة لأضعاف سلطة الإتحادات العمالية التي كانت تقلق الأمريكين ، وقد غذت مخاوفهم كتابات "كارل ماركس"وخطابات لينين النارية التي كانت تبنىء بقرب سقوط الرأسمالية الأمريكية من الباب العمالي . وما كانت المكارثية سوى صوت اليهود لإحكام السيطرة علىى السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية والسيطرة على مجلسي الشيوخ والكونغرس مما زاد من نفوذ الصهاينة في الإمساك بالقرار المالي الأمريكي وبالتالي نشر الفساد الإداري والسياسي بما يُمكّنهم من حماية مصالحهم مع إمساكهم بسلطة المال .التلاعب بالأسهم وضررها على الإقتصاد :إن التلاعب بأسعار الأسهم جعل الشركات الأمريكية وبالتالي الإقتصاد الأمريكي برمته بيد اليهود الصهاينة ولن أتوسع فكل من هو ملم بالسياسات المالية ومسيرة البورصة يدرك تماماً كيف بالإمكان إفلاس أي مصنع أو شركة مما بلغت قوتها بالتلاعب بأسهمها من خلال سوق البورصة ودعاياتها . ولكن هذا التلاعب اللامسؤول بأسهم الشركات الضخمة برفع أسعارها بسبب الجشع ، يؤدي أحياناً إلى رفع أسعار السلع بتناسب مع ارتفاع قيم الأسهم لمزيد من خداع المساهمين وبالتالي ضعف إستهلاكها من قبل المواطنين مع ضيق إحتياجاتهم أو متطلباتهم وفقاً لمدخولهم . وهذا التلاعب بأسعار الأسهم كان بداية لكساد منتوجات المصانع الأمريكية مع إرتفاع أسعارها بصورة طردية متوازية ، وبالتالي كان هذا الإرتفاع الغير ضروري مضراً بالإقتصاد الوطني مع بداية غزو الصناعات الإستهلاكية الصينية للأسواق الأمريكية ولأسواق العالم أجمع .ومع هذا التورط اللامسؤول لم يعد بالإمكان التراجع أو إعادة التقويم الإقتصادي لمواضع معينة لإصلاح الحال المتردي الذي يقتضي بداية تخفيض الأجور لوقف ارتفاع أسعار السلع وقد أضحت حقاً مكتسباً يصعب إنتزاعه ، لذا عمدت الرأسمالية الأمريكية بما تضم من شراكة بين اليهود والأمريكيين إلى الخروج من هذا المأزق الحالي منذ بداية الأزمة المالية العالمية إلى إعادة "تهريب "أموالها نحو أوروبا والصين بشكل رئيسي لإعادة توظيفها في مصانعها مع إتساع اسواق صادراتها ، خاصة وأن أجر العامل الصيني الشهري يكاد يعادل أجر العامل الأمريكي اليومي وقد يقل أحياناً مما يرفع أسعار السلع الأمريكية بشكل كبير يعجز عن المنافسة ؛ وتلك كارثة حقيقية يواجهها الإقتصاد الأمريكي الذي يتخبط في كيفية الخلاص من أزمته الحالية التي حاول التهرب منها بحروب الخارج التي تزيد من أزماته وتعقدها ، إذ أن تركيبة النظام الأمريكي تجعله غير ذي حاجة لأموال البلدان الأخرى ، التي يسعى إليها بكل الأساليب والطرق ،إلا للإبقاء عليها في حالة من التخلف العلمي والصناعي لإجبارها على شراء منتجاته ، وكان هذا الأمر مقبولاً قبل نهوض الصين الإقتصادي ، أما الآن فقد أضحى الأمر معقداً وخطيراً بالنسبة للوضع الإقتصادي الأمريكي . وهنا نتسأل ونطرح السؤال الشهير عند الأزمات .. ماالعمل ، لوقف هذا الإنهيار الأمريكي المتسارع والمضطرم تحت الرماد بقوة نحو إنفجار إجتماعي مرتقب وفق القوانين الإقتصادية ؟كيفية تجاوز الأزمة المالية :إن التصرف والتخبط الأمريكي منذ بدء الأزمة المالية التي اجتاحتها تنطبق والمثل السائر"أنا أعمى مابشوف أنا ضرّاب السيوف"، وهذا أمر مؤسف لأنه يزيد من الطين بلة . وليس من مخرج له سوى بالإقدام على قرارت جريئة بقدر الزلة التي أعلن فيها جورج بوش الحرب الصليبية لغزو أفغانستان والعراق ،عدا نشر الإرهاب والفوضى في العالم بادعاء الخوف من طوطم وهمي صنعته أمريكا واطلقت عليه أسم "القاعدة"مما وضعها في موضع الشك عن مسؤوليتها في تفجير برجي نيويورك التي أدانها العالم الإسلامي ، وأثار الهزؤ والسخرية من ضحالة وسخافة السياسات الأمريكية وقلل من إحترام مسؤوليها لمحاولتهم الإستهزاء بعقلية الشعوب وفهمها بما ينطبق عليه القول "الغبي من استغبي الناس ".لذا فإن الإصلاح المالي والإقتصادي يقتضي من الأمريكيين للخروج من مأزقهم ، مايلي مزقهم مأزقهم مايلي :أ-التوسع في الضمانات الصحية والإجتماعية وتعويضات البطالة لتشمل كافة الشرائح دون إستثناء والتمسك بها لتكون قاعدة صلبة لإعادة النظر في كل القوانين المالية والضريبية برفع نسبها على الأرباح إلى حدود 99% ، بعد تخفيض سقف مستوى الأرباح وتحديده بما يتلائم ومكافحة التضخم المالي .ب- تخفيض الأجور إلى الحد المقبول ، بداية لتخفيض أسعار السلع لإعادة رواجها لتصبح قادرة على المنافسة للبضائع الأجنبية إلى حد ما ، بما يضمن لجم تزايد أعداد المصانع والمؤسسات التجارية المغلقة وبالتالي وقف تنامي البطالة والجريمة .ج- تصفية المصانع الضخمة ماأمكن بمنع إقراضها من البنوك منعاً لتلاعبها في أسواق البورصة على حساب مدخرات المواطنين ، وإعادة تشجيع الصناعات والمصانع العائلية الصغيرة لأنها تعتمد على المنافسة والقبول بالأرباح مهما تدنت بما يكفيها سد حاجاتها الضرورية بالتخلي عن الرفاهية التي كانت تحياها ، مع إلغاء الفائدة على الودائع المصرفية بصورة نهائية لحث المواطنين على المشاركة والتعاون بإعادة البناء الصناعي والتجاري .د- إعادة تنظيم أسواق البورصة بما يتلائم والوضع المستجد بتثبيت أسعار الأسهم على أن تصدر الشركات أسهماً إسمية متنوعة على ثلاثة درجات بأسعار مختلفة بين عشرة ومائة دولار ، وإلغاء أسهم لحامله لمنع المضاربات وأعمال الإحتيال التي كانت ترفع من أسعار الأسهم إلى ثلاثمائة ضعف أحياناً ! مما يعني زيادة أسعار السلع بشكل مؤذ مما يفقد القدرة على شرائها مع وجود سلع منافسة مستوردة .وقد يتم التلاعب بقيم الأسهم بأعمال المضاربة الإحتيالية بما يؤدي إلى تخفيض أسعارها إلى أدنى مستوى رغم وجود الأصول الفائضة التي تزيد عن قيمها ولكن الخوف والجهل مع وجود الدعاية المؤذية هو الذي يؤدي إلى إفلاس الشركة أو المصنع مع فقدان المساهمين الثقة بها وبأسهمها .لذا كان من الضروري تثبيت سعر الأسهم لكسب ثقة المواطنين ليقبلوا على شرائها توخياً للربح بدل الإحتفاظ بمدخراتهم في البنوك دون فائدة ، وبذلك يساهمون في إعادة إعمار بلادهم والتخفيف من حدة البطالة ، شرط إلغاء الفوائد المصرفية على ودائع الإدخار لإنجاح الأمر .ه- وقف العمل بإتفاقية "منظمة التجارة العالمية "التي ليست سوى خدعة تورطت بها أمريكا من قبل واضعيها من المستشارين اليهود بحجة الهيمنة على أسواق الخارج وسيطرة البضائع الأمريكية الزراعية والصناعية مع رفع الرسوم عنها من قبل البلد المستورد الموقع على الإتفاقية ، مما أدى إلى عكس المتوقع منها مع فقدان معظم الدول النامية قدرتها على الإستيراد للبضائع الأمريكية كما في الماضي مع فقدان موردها الأساسي من الرسوم الجمركية ، عدا إرتفاع أسعارها قياساً لسلع منافسة من دول أخرى .إن مجرد قراءة بنود هذه الإتفاقية لمنظمة التجارة العالمية فإنك تعجب كيف أن دولة عظيمة كأمريكا قاصرة عن إدراك أن كل بند فيها يؤدي إلى ضرر بالغ في تجارتها وإقتصادها ويفسح المجال لدول أخرى موقعة عليها الإستفادة منها على حسابها . إلا أننا نستنتج من هذا الجهل أن أمريكا أضحت إمبراطورية عجوز مصابة بالخرف الحيزبوني وفقدان الذاكرة بحيث تسير بتسارع إلى حتفها المحتوم ، وفقاً لمنطق التاريخ في عمر الأمم ، بما أنها لاتستطيع التمييز بين الصواب والخطأ ،وهذا أمر مؤسف ينعكس سلباً عليها وعلى العالم أجمع .
خللى السلاح صاخى صاحى (2)
فى مثل هذه الأحوال دائما تلجأ الدول إلى الإقتراض لتمويل ما تحتاج إليه من سلاح وإجراءات نعبئة عامة. ولكن ما هى تلك الجهة التى تستطيع إقراض حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حتى تستطيع تمويل المجهود الحربى؟
كانت الجهة الوحيدة القادرة على تمويل الحكومة الأمريكية هى الشعب الأمريكى نفسه. فقامت الخزانة الأمريكية بطرح سندات تبيعها للجمهور الأمريكى مضمونة بضمان الدولة الأمريكية نفسها وبفائدة تختلف على حسب طول مدة القرض. وهذه السندات كانت تباع عن طريق حملات إعلامية تليفزيونية وإذاعية عبر كل أرجاء البلاد وكذلك قامت الدولة بتجنيد فنانى هوليوود المشهورين للقيام برحلات بالقطار عبر البلاد لترويج بيع هذه السندات وكان القطار مكتوبا عليه من الخارج إشتروا سندات العم سام أو ساهموا مع العم سام فى الدفاع عن الحرية أو قطار العم سام أو أى شعار من تلك الشعارات التى تربط بين الوطنية والتقدم لشراء هذه السندات. وفى مصر قامت الدولة أيضا عقب هزيمة 67 بطرح عدد من تلك السندات فى الداخل والخارج وكان جزء كبير منها موجها للمصريين المقيمين خارج مصر وأذكر أن أبى الذى كان واحدا منهم قد قام بشراء تلك السندات بدافع من الحرص على المصلحة الوطنية وعن رضا واقتناع بأن شراءها واجب عليه.
نجحت حملة الترويج لهذه السندات وقامت الدولة فى ذلك الزمان بجمع مبلغ هائل من الشعب الأمريكى بلغ 185 مليار دولار وهو ما يعادل فى قدرته الشرائية بأسعار يومنا هذا 14 ضعفا أى حوالى 2500 مليار دولار، وهو ما يعادل 3 أمثال المبلغ الذى أخرجته الدولة الأمريكية عام 2008 لكى تنعش به الإقتصاد الأمريكى للخروج من أزمة فقاعة العقارات التى كادت أن تعصف بكل إقتصاديات العالم ولا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.
وهذه السندات تعد أكثر وعاء إدخارى أمنا على وجه الأرض حيث أنه مضمون بالخزانة الأمريكية التى يسود إعتقاد عام بأنها لو أفلست فمعنى ذلك هو قيام الساعة !! ولذلك فإن تصنيف هذه السندات السيادية الأمريكية هو فى العادة وعلى مدى السبعين عاما المنصرمة كان دائما هو الأفضل حيث أنه لا يوجد مدين أكثر ضمانا من الخزانة الأمريكية.
ناهيك عن أن جميع وكالات التصنيف هى أمريكية.
وبسبب ذلك المركز الممتاز أصبحت كثير جدا من صناديق التأمين والمعاشات والبنوك والدول الأجنبية والشركات نحنفظ بقدر من أرصدتها على شكل سندات أمريكية مما جعل قدرا هائلا من المال يتدفق على الولايات المتحدة من كل أنحاء العالم. واليوم وصل حجم مديونية الولايات المتحدة 16 ألف مليار دولار أى حوالى خمس مرات قدر الأموال التى جمعتها الحكومة الأمريكية من السوق الداخلى لكي تمول العمليات العسكرية منذ 70 عاما. وأكبر دائن للولايات المتحدة اليوم هو حكومة الصين التى تحتفظ بأرصدة هائلة من الدولارات على هيئة سندات أمريكية على الخزانة.
وهكذا عن طريق هذه الترتيبات المالية ضمنت الولايات المتحدة بقاءها فى مركز متسيد للعالم بأسره إذ أنه بالإضافة إلى تلك السندات فقد إتفقت الدول على جعل الدولار الأمريكى هو العملة المرجعية التى تقوم بها كل السلع الاساسية كالذهب والقمح والبترول والسكر وغيرها. وجاء هذا الإتفاق فى معاهدة دولية كبيرة هى بريتون وودز التى كانت مؤتمرا عقد على الاراضى الأمريكية بمبادرة من الرئيس روزفلت عقب مرور أسابيع قليلة جدا على نجاح الإنزال المتحالف على الشواطىء الفرنسية فى نورماندي عام 1944. لقد كان الرئيس اللماح ذو الرؤية المستقبلية الثاقبة يرتب لأوضاع ما بعد الحرب فدعي الدول الغير معادية إلى هذا المؤتمر وحصل على مباركتهم جميعا لأن تصبح الولايات المتحدة هى القوة الأولى بلا منازع، وقد وقعوا جميعا بلا معارضة.
والآن وقد إنتهت الحرب بالنصر فقد أصبح للولايات المتحدة مركز متسيد كما أسلفت، فالمال متوافر، والصناعة العسكرية قد أنشئت، والإقبال على الدولار مرتفع بسبب مرجعيته الدولية وبالتالى بدأت الولايات المتحدة تقوم بدور القوة العظمى منذ ذلك التاريخ.
وهناك نقطة هامة للغاية لا يمكن إغفالها فى هذا السياق، وهى أن الولايات المتحدة لكي تستكمل عناصر قوتها العظمى كان لابد لها من تحقيق قصب السبق فى المجال التكنولوجى إذ أنها لم تكن على المستوى المطلوب. ولتحقيق هذا الغرض قامت بخطوتين فى غاية الأهمية.
كانت الخطوة الأولى هى تجميع عدد من العلماء والباحثين فى مشروع فيدرالى سري موحد هو مشروع مانهاتن فى لوس آلاموس بغرض بحث وتطوير ثم إنتاج القنبلة الذرية. وقد إستمر هذا المشروع حتى ما بعد إستسلام ألمانيا فى مايو 45 وإلى أن تم دك مدينتى هيروشيما وناجازاكى بالقنبلتين الذريتين وهذا موضوع قد سبق بحثه.
ثم كانت الخطوة الثانية هى تكوين طاقم من رجال المخابرات الخاصة مهمته وضع قوائم بأسماء العلماء الألمان الباحثين فى مجالات التكنولوجيا المختلفة من طيران وصواريخ وأبحاث ذرية وعلم أبحاث البيولوجى وأبحاث المواد (اللدائن بالذات) بغرض معرفة الأماكن المحتملة لوجودهم تمهيدا لخطفهم أو التحفظ عليهم عند نهاية الحرب تحرزا لاحتمال أن يأخذهم الإتحاد السوفيتى سبقا للولايات المتحدة، رغم أنهما كانا حليفين.
وقد نجح هذا الطاقم المخابراتى فى الحصول على معظم علماء ألمانيا وكذلك على البروتوتايب لطائرات لم تكن قد أنتجت بعد لها خواص إيروديناميك تختلف عن كل المألوف من الطائرات فى وقتها مثل طائرة هورتن Horten التى هى أساس الطائرة الشبح التى نعرفها اليوم.
وفى سياق هذه الخطوة الثانية قامت الولايات المتحدة بإدراج بند فى إتفاقية التسليم مع ألمانيا ينص على تنازل ألمانيا عن جميع الحقوق والبراءات المتعلقة باختراعات أو تطويرات أو نماذج منفعة لمنتجات، تنازلا لا رجعة عنه للحلفاء. وبذلك إكتملت دائرة التفوق الأمريكى الكاسح والتى عاش العالم داخلها لمدة نصف قرن من الزمان وحتى نهاية الحرب الباردة ونهاية الشيوعية.
ولكن...
لبنان ..إلى أين ؟
تأليف : محمد السويسي
حصل لبنان على استقلاله في العام 1943 سليماً معافى وفق دستور متوازن مقبول أقره رجال الإستقلال مع النواب في البرلمان اللبناني .
وكانت فرنسا ، خلال مرحلة الإنتداب ، بتنسيق مع بريطانيا ، قد وضعت لبنان على سلم الحداثة والتقدم نحو دولة عصرية في نظام جمهوري ديمقراطي يقوم على التوازن بين الطوائف والمذاهب الأساسية للرئاسات الثلاث ، فكانت رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة الحكومة للمسلمين السنّة ورئاسة مجلس النواب للشيعة وفق ميثاق وطني دون نص دستوري معلن ، إلى أن كرست هذه الرئاسات في وقت متأخر في إتفاق الطائف بإرادة عربية لوضع حد للتناحر والتنازع السياسي على هذه المواقع .
خرج لبنان من الإنتداب و الإستعمار إلى الإستقلال ليعاني شعبه المرارة من الإقطاع المالي والسياسي الذي تولى السلطة على أسس عائلية ومن ثم حزبية قدمت مصالحها على مصالح الشعب والوطن ، بحيث أن لبنان بدلاً من التقدم بحكم الزمن والتطور ، فإنه تراجع للوراء ، الى حد فقدان العدالة والحرية فيه مع التراجع الأمني لهيمنة الأحزاب والمليشيات لفترات متقطعة على مقدرات البلاد بتحالف وتواطء مع الإقطاع المالي في البلاد .
لقد نعم لبنان خلال مرحلة الإنتداب بخطط ملائمة ليستطيع النهوض بنفسه من الناحية المالية والإقتصادية والإجتماعية كوطن صغير ، إذ تم مسحه هندسياً بالكامل وخططت المدن والقرى للتترك لدولة الإستقلال مهمة التنفيذ ، كما وضعت الخطط لمشاريع زراعية ومائية وسدود تنهض بلبنان إقتصادياً وزراعياً وصناعياً وسياحياً .
إلا أن دولة الإستقلال أهملت كل ذلك إذ هيمن الإقطاع المالي والسياسي على السلطة والحكم منذ اليوم الأول لسلب الوطن خيراته مع تعطيل سير الدستور والميثاق الوطني والقانون ، بحيث أن أول رئيس لجمهورية الإستقلال الشيخ بشارة الخوري سعى للتجديد إلا أنه أجبر على التنازل بثورة شعبية بعد ثلاث سنوات من تمديد ولايته .
وإن شهد عهد الرئيس كميل شمعون إزدهاراً في البلاد إلا أن عهده انتهى بثورة شعبية في كل أنحاء الوطن لمنع تجديد ولايته ليبدأ عهد الرئيس فؤاد شهاب في العام 1958 الذي كان عهداً للنزاهة وبناء دولة المؤسسات والعدالة ، إلا أن العهد الذي تلاه بعد 6 سنوات حطم كل مابناه العهد الشهابي ، وذلك خلال ولاية الرئيس شارل حلو الذي كان عهداً للفساد والإلتزامات الوهمية وتدمير المؤسسات ، خاصة الإقتصادية والمالية ، إذ عمد هذا العهد ، تعسفاً في شراكة مع الإقطاع المالي ، إلى إغلاق بنك أنترا ، أهم بنك في لبنان والشرق الأوسط والأكثر ملاءة . إذ كان هذا المصرف لقوته المالية معيقاً لنشاط البنوك الأجنبية والبنوك المحلية الأخرى ، فقد كان يستحوذ على حوالي ستون بالمئة من المدخرات الوطنية ، بحيث ماإن أغلق حتى تنامت رخص البنوك المحلية والأجنبية ، وبالتالي تدهور الإقتصاد اللبناني لعقود عدة من تأثيرات إغلاقه .
بعد أن نجح الإقطاع المالي في تعطيل بنك إنترا على حساب المصلحة الوطنية فتحت شهيته لتعطيل كل المرافق والمؤسسات الرسمية التي تحد من تنامي أرباحه في الإحتكار ، إذ تطلع الى وضع يده على جميع مقدرات البلاد الإقتصادية والمالية بشراكة مع الفاعليات السياسية الحاكمة من الزعامات الإقطاعية والأحزاب التي حول بعضها إلى مليشيات عسكرية دفعها إلى الصدام مع المقاومة الفلسطينية التي كان يرعى نشاطها إتفافية القاهرة الغير معلنة بإشراف الدولة والجيش اللبناني .
وتفاقم الخلاف بين الأحزاب والمقاومة الفلسطينية وانقسمت البلاد إلى معكسرين قاد أحدهما الحزب التقدمي الإشتراكي بقيادة كمال جنبلاط الذي اتهم الإقطاع المالي الماروني بنهب البلاد وتحالفت معه حركة فتح الفلسطينية والأحزاب اليسارية ، وقاد الطرف الآخر الماروني حزب الكتائب بقيادة بيار الجميل لإلغاء إتفاقية القاهرة وسحب المقاومة الفلسطينية من الجنوب . وكادت الغلبة أن تكون لكمال جنبلاط وحلفائه لولا توجه القيادات المارونية نحو دمشق ، لطلب العون من سوريا في العام 1976 ، التي أنجدتهم في معركة عسكرية ضد جنبلاط والأحزاب اليسارية وهزيمتهم ، وبالتالي إغتيال كمال جنبلاط لأحكام سيطرتهم على الحركة الوطنية والبلاد لقمع أي معارضة تواجههم ، إذ خططوا للبقاء في لبنان إلى الأبد ، فعمدوا الى ترسيخ الطائفية فيه والمذهبية والتشرذم وحكموه بقبضة من حديد بتغييب العدالة والقضاء ، والتحكم بكل مرفق في البلاد وسلب إرادة الدولة وسلطتها بما يشبه الإحتلال وفق قاعدة "فرق تسد ".
وجد الإقطاع المالي في دخول سوريا إلى لبنان فرصته الذهبية لإحكام سيطرته على الموارد الإقتصادية في البلاد فتعاون بشراكة معهم على إغلاق وتعطيل أهم المرافق المنتجة في البلاد المغذية للخزينة التي تأسست خلال فترة الإنتداب ، والتي تواجد معظمها في مدينة طرابس شمالي لبنان ، فكان أن عطلت مصافي النفط لتفقد الخزينة أهم مواردها وليتم تعطيل المرفأ فيها وكذلك محطة الكهرباء ومعرض طرابلس الدولي والحوض الجاف والسكة الحديد ومصانع البحصاص الوطنية التي تعتبر الأهم في منطقة البحر المتوسط ، التي كانت تضم مصانع للخشب المضغوط والحديد ، وذلك لصالح الإقطاع المالي التجاري الذي احتكر الإستيراد والوكالات بديلاً عن الصناعة الوطنية ، في شراكة مع الأحزاب اليمينية المارونية بدءاً ومن ثم مع كبار قادة الإقطاع السياسي في البلاد من مختلف الطوائف والمذاهب الذي لم يعد باستطاعته مواجهتهم واستبعادهم بشراكة وحماية القوات السورية الموجودة في لبنان تحت عنوان قوات الردع العربية ، الذين خرجوا عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 إثر ثورات عارمة ضدهم ، إذ حمّلهم الشعب مسؤولية إغتياله أوالتغاضي عن قتلته .
ولم يكن إغتيال الشيخ رفيق الحريري بتحالف من حزب الله والإقطاع المالي إلا من أجل الحلول محله في الإستثمار في لبنان برأسمال إيراني ، الذين هالهم مشروع سوليدير الذي أنشأه في بيروت وما يحقق من أرباح .
إغتيال الرئيس الحريري جاء عقب التحالف الأمريكي الإيراني بإحتلال العراق ونشؤ علاقة إيرانية عابرة مؤقتة مع إسرائيل بهدف اغتيال الطيارين العراقيين وعلماء الذرة المسلمين وتهجير المسيحيين منهم إلى أمريكا والشيعة منهم إلى إيران للمساهمة في بناء المفاعلات النووية الإيرانية بموافقة أمريكية .
هذه العلاقة مع إسرائيل أدت الى ترتيب قيام غارات للطيران الإسرائيلي في العام 2006 على لبنان ، وفق ماجاء في الصحف الغربية ، بحجة خطف جنديين من قبل حزب الله أدت إلى هدم معظم البنى التحتية التي أقامها الشهيد رفيق الحريري من جسور ومرافق حيوية ومصانع بغرض إعادة بنائها من قبل إيران وبالتالي الحلول محل الحريري في الإستثمار في لبنان ، إلا ان الضغط العربي أدى الى تعثر هذا الأمر ليعوض الخليج والسعودية ويبني كل ماهدمه الطيران الإسرائيلي بما فيه المناطق الشيعية الموالية لإيران .
ومع إغلاق المرافق الوطنية الحيوية في مدينة طرابلس والإقتصار على الإستيراد ، بدأت الخزينة اللبنانية تتهاوى مع تهاوي الليرة اللبنانية بشكل مريع ، تحت ديون ثقيلة على الخزينة مع إنتفاء موارد مرافق طرابلس ، لتزيد من وطأة المعيشة وتنامي الفقر والبطالة بما سمح للأحزاب من إنشاء مليشيات متعددة على اسس طائفية ومذهبية تعيث فساداُ في البلاد مع توفر أدواتها من جيوش العاطلين عن العمل وبالتالي ازدياد التردي الأمني مع شيوع تجارة المخدرات من قبل المليشيات وتفشي تعاطيها بين المواطنين .وبدلاً من أن يعمد الإقطاع المالي الحاكم إلى إقرار التأمينات الإجتماعية وإعادة تشغيل مرافق طرابلس لرفد الخزينة بالمال ووقف التدهور الأمني والإقتصادي في البلاد لوضع حد لتنامي الفقر والعوز ، عمد الى زيادة عديد القوى الأمنية مما زاد العبء على الخزينة في محاولة لوضع حد للتردي الأمني بفعل البطالة ، إلا أنه فاتهم أن الفقير والمحروم قد يجد في السجن ملاذا من الفقر والجوع مما زاد الأمر سؤاً.
إذ كان من الأوفق ان يضعوا خططاً لإعادة إحياء مرافق طرابلس الحيوية المعطلة وإقرار الضمانات الإجتماعية والصحية وتعويضات الشيخوخة والبطالة بدفع رواتب شهرية للعاطلين عن العمل . إلا أن المليشيات المسلحة الحزبية لازالت تعارض بشدة أي تدبير إجتماعي إصلاحي خوفاً من تقلص نفوذها أن تم الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي في البلاد . إذ أن الأحزاب تعيش على الفوضى وغياب سلطة الدولة والعمل على إضعافها لإحكام سيطرتها على البلاد . لذا عارضت المليشيات الحزبية بشدة إعادة فتح مرافق طرابلس الى حد التهديد بضرب مطار القليعات عسكرياً إن سعت الدولة لإعادة إفتتاحه أو حاولت إعادة تنشيط مرفأ طرابلس أو تشغيل المعرض تحت التهديد بقصف مدينة طرابلس ومنشآت المعرض ؟! .
إذ أن أي تشغيل لأي مرفق من مرافق طرابلس الحيوية يؤدي الى تقليص أرباحها في المرفأ والنفط .ولاشك أن موقف المليشيات الحزبية هذا ليس نابع منها ، بل وبتفاهم مع شركائها من الإقطاع المالي في البلاد وتحريض منه .
لذا فإن وضع لبنان مأساوي وفق الممارسات الحزبية المليشاوية في تقويض إمكانات الدولة برفع السلاح في وجهها ومنعها من بسط سلطتها وسيادتها ، بما أدى الى إدخال البلاد في ترد إقتصادي ومالي خطير بفعل تسلط الإقطاع المالي السياسي على مقدرات الوطن بتحالف مع الأحزاب العسكرية .
وإن لم يأت رئيس قوي نزيه فإن هذا السلوك الإقطاعي آخذ في ازدياد ولن ينتهي حتى ولو اندمجت الأحزاب المعارضة وعادت للدوله بتسليمها سلاحها إذ أن الإقطاع المالي سيبحث عن أحزاب ومليشيات أخرى ليتحالف معها من أجل استمرار نهبه لموارد البلاد وحصرها به ، مع فقدانه الحس الوطني والأخلاقي ، مصراً على جشعه في المزيد من الأرباح اللامشروعة والنهب لفساد الدولة .
لذا فلا حل إلا برئيس صارم وعادل نزيه الكف ومحب لوطنه ومقدماً مصالح الوطن والشعب على مصالحه الخاصة ، لذا فإن عودة لبنان الى ازدهار صعب جداً لجشع حكامه الأصليين من الإقطاعيين المتوارين في الظل .
توضيح
اطالع معظم المقالات تقريباً نظراً لأهمية المواضيع المثارة خاصة التي لم تجد أحياناً طريقها في النقاش والوضوح سابقاً لدى الكتاب العرب ،إلا أنني أجد أحياناً ان بعض المواضيع التي تكتب تحتاج الى نقاش طويل إن ردت لأصولها التاريخية ، لذا فإني عندها افضل الرد بشكل غير مباشر في كتابة مقال مستقل يعيد صياغة وشرح الموضوع برمته لتصويبه دون أن أتطرق لكاتب أو مقال معين ، فجميعهم أساتذة كبار أعترف بفضلهم وسعة أفقهم بما يقدموه لنا من معرفة .ن
العقبات التي تعترض بناء الأمة الإسلامية-2
والآن نأتي إلى السؤال الذي قدمنا هذه المقدمة الطويلة من أجله: ما الأسباب التي أوصلتنا إلى تلك الحال؟؟ وكيف الخروج من المشكلات التي تجابه أمتنا وتعترض سبيل تربيتنا؟؟
كيف الطريق إلى المجتمع الصالح والأمة الصالحة؟؟ وما المنهاج الذي على أساسه نبني الإنسان الصالح؟؟
وللجواب على هذه الأسئلة.. نقول: هناك مشكلات كثيرة تعترض سبيلنا، وتحول بيننا وبين الوصول إلى هذه الغاية، ولكن أهمها ما يلي:
المشكلات تحول بيننا وبين الوصول إلى هذه الغاية
أولاً: ضياع الهدف والغاية
إن أمة الإسلام هي أمة الله، وحاملة رسالته إلى العالمين، بدءاً من جيل الصحابة والتابعين ونهاية بمن يجاهدون الدجال مع عيسى بن مريم من المؤمنين الموحدين.
ولقد كان أول أسباب الفشل والضياع الذي أصاب أمتنا، وشتت شملها هو ضياع الهدف والغاية التي من أجلها برزت هذه الأمة إلى الوجود.. وكانت خير أمة أخرجت للناس، فالأمة الإسلامية أمة العقيدة.. أمة الدعوة، أو أمة الإيمان.. والرابطة التي جمعت هذه الأمة ليست فكرة أرضية بشرية، ولكنها كلمة إلهية ربانية. إنها كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كلمة تملأ القلوب والوجدان وتغذي الفكر والعاطفة، وهي تعني باختصار: أن الله خالق هذا الكون ومدبره، وأنه الإله الواحد الذي يجب على جميع الخلائق توحيده وعبادته، والخضوع لسلطانه وتشريعه، والسعي لبلوغ مرضاته ورضوانه، وأن كل ما يعبد من دونه باطل، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المختار المصطفى للدلالة على هذا الرب العظيم، ودعوة الناس جميعاً إلى مرضاته، وتحذير العالمين من معصيته، وعلى أساس هذه الكلمة اجتمع الأسود والأحمر، والعربي والأعجمي.
لقد كان للعرب دورهم الفريد في نصر الدين ولا يزال، ولكن الكلمة والدعوة لم تكن خاصة بهم، ولا حكراً عليهم، وإنما اختص الله العرب لمميزات فيهم ولم تكن لغيرهم من حب للبذل والتضحية، وشجاعة فائقة، وشهامة ومروءة ونجدة وإيثار للمتع النفسية والروحية على المتع الحسية والجسدية، فقد كان أحدهم يهب ماله في سبيل بيت من الشعر، ويعرض نفسه وأهله للخطر في سبيل حماية غريب يلوذ به. وكانت صفاتهم هذه مع ما كانوا يتصفون به من الأمانة والصدق والشجاعة مؤهلاً عظيماً لحمل رسالة الإسلام، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ومع ذلك فإن الشعوب التي حملت الإسلام بعد ذلك كان لكثير منها بلاء عظيم في حمل الرسالة ونشر الإسلام، ولكن هذا الهدف الأسمى، والغاية العظمى قد نافستها في أرضنا غايات تافهة تحولت بها الأمة إلى أمم، فقد زاحمت هذه الغاية غايات دنيوية هزيلة، وذلك بعد أن قسمت بلاد المسلمين إلى دويلات صغيرة، وقام في كل إقليم منها حكم ضعيف أصبح همه أن يحمي كرسيه فأصبحت غايته أن يرتقي بشعبه في سلم الماديات والحياة، فيعيش الناس في مساكن جميلة وشوارع نظيفة، وحدائق غناء، وفي سبيل ذلك نسى الهدف الأسمى للأمة، والغاية العظمى التي أخرجت من أجلها. قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).
وإذا كان الناس في عمومهم على دين ملوكهم.. فإن غاية الحكام أصبحت غاية للشعوب والأفراد أيضاً.. فتجد الفرد منهم يقضي نهاره شطراً من ليله سعياً في هذه الدنيا، وكدحاً فيها، واستمتاعاً بها، وليس وراء ذلك من شيء!! وأصبحنا بذلك على حال يهرم عليها الكبير ويشب عليها الصغير، فما يكاد الوليد فينا يعقل حتى يكون أول درس نلقنه إياه: ماذا ستكون؟؟.. طبيباً أو مهندساً أو طياراً؟؟ وفي سبيل ذلك نمنعه الصلاة إن كانت معطلة له عن الهدف الذي رسمناه له، ونزجره عن الدين خوفاً عليه من القصور أو التقصير في حياته الدنيا.
وباختصار لقد ضاع الهدف الذي كان لنا حيث كنا أمة لها رسالة وغاية في الوجود، وضاع منا الهدف أيضاً كأفراد خلقوا لغاية، واستخلفوا في الأرض لعبادة ربهم وخالقهم.. وعلاج هذه المشكلة أن نعود من جديد إلى أول الطريق، ونمسك مرة ثانية بطرف الحبل، فنوجه الأفراد الوجهة التي خلقهم الله من أجلها، ونعلن في الأمة الغاية التي أخرجهم الله لها لتكون خير أمة أخرجت للناس.
ثانياً: التفرق والخلاف هو الذي أذهب ريح هذه الأمة
المشكلة الثانية التي يواجهها مجتمعنا وأمتنا.. هي التفرق والاختلاف، وذلك لضياع الهدف أولاً ثم لضياع حقيقة الدين أو بالأحرى للاختلاف على حقيقة الدين الذي يريد الله منا.. ونعني بحقيقة الدين، نموذجه الأسمى، وصورته الصحيحة، فعقيدة التوحيد التي لا يقبل الله أحداً دون أن يعتقدها قد أصبح عليها جدل طويل.. فحقيقة الألوهية والربوبية وأصول الإيمان، كل ذلك وقع فيه بين المسلمين خلاف يفرقهم إلى مسلم وكافر، وموحد ومشرك، ومتبع ومبتدع.
وحقيقة الشريعة كذلك أضحى فيها الخلاف بين المسلمين ليس في فرعيات بعينها فقط، بل أيضاً وفي الأصول التي يرجع إليها عند الاختلاف، فالمسلمون اليوم بين متبع يرى لزاماً عليه اتباع الكتاب والسنة، وكذلك رد كل خلاف إليهما، وملفق يستبيح لنفسه تلفيق دينه من الإسلام ومن غير الإسلام، ومناهج التربية والتهذيب.. امتد إليها الاختلاف والتفرق، فنشأت التربية الصوفية بكل ما جرت على المسلمين من ويلات الانحراف عن العقيدة الخالصة، والانزواء عن مقارعة الباطل، وإدخال شعائر الكفار والزنادقة إلى دين الإسلام.. ونشأت أيضاً التربية الحزبية الدينية الضيقة، التي جعلت كل مجموعة من المسلمين أمة برأسها، وحزباً منفرداً يوالي أهل حزبه وجماعته فقط، ويعادي ما دون ذلك، ولا يرى حقاً إلا مع نفسه وجماعته، ولو أعطى ألف دليل، ونشأت التربية الوطنية والإقليمية الضيقة، فعمقت الاختلاف والتفرق، وزرعت الفتنة والبغضاء، وللأسف إن كان الفكر المسموع لهذه التربية الإقليمية كثيراً من الفكر المكتوب والمقروء.
ولقد جاوزت التربية الإقليمية والوطنية التحزب للوطن كجزء من العالم العربي والأمة الإسلامية إلى الاعتزاز بماضي هذه الأوطان قبل الإسلام، فمجدت لذلك الجاهلية الفرعونية، الآشورية والبابلية والفينيقية، واليعربية الجاهلية، فأصبحت أصنام هذه الجاهليات وآثارها جزءاً من التراث المقدس المعتز به.
ونشأت كذلك الحزبية السياسية، فاخترعت أيضاً عقائد خاصة، ومناهج خاصة في التربية والموالاة والتشريع.
وتفرق المسلمون في حقيقة الدين.. فكانوا شيعاً وأحزاباً، وافترقوا كذلك بأسباب الدنيا تعصباً للوطن أو الجنس أو الحزب الذي يخترع عقيدة مناهضة للإسلام وبعيدة عنه، وهذه في الحقيقة مشكلة المشاكل أمام الأمة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي، مشكلة المشاكل التي هدت قوى هذه الأمة، وأذهبت ريحها، وشتت شملها. ولا نتصور أن يقوم للمسلمين قائمة في الأرض، أو تبنى لهم أمة صالحة إلا بعلاج هذه المشكلة، ولا علاج لها إلا بالتنادي للالتفاف من جديد حول الكلمة التي وحدتهم، والتشريع الذي جمعهم، ولا شك أن الوصول لذلك مستحيل إلا بالرجوع إلى مصادر الدين الأساسية.. الكتاب والسنة وفهمهما على المنهاج الذي فهمه السلف الأول الصالحون من الصحابة ومن سار على دربهم وطريقهم، وكذلك فلا بد من محاربة العصبية والحزبية أيا كان لونها وشكلها، عصبية للوطن أو القوم أو المذهب أو جماعة الدعوة،أو أي مسمى من المسميات الجاهلية أو الإسلامية، وقديماً ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التعصب للأنصار عندما نادى منادي المنافقين ليحزبهم ضد المهاجرين. فقال: [دعوها فإنها منتنة] (متفق عليه).
ولذلك فالمسلم الصالح هو الذي يكون تمسكه بالكتاب والسنة، وتعصبه للحق أيا كان، وللدليل أين وجد منصفاً من نفسه، شاهداً بالحق ولو على نفسه، قائماً بالقسط عاملاً به، ولا شك أن هذه التربية تقتضينا أن نبحث عن حقيقة العقيدة والإيمان.. الذي يريده الله، الشريعة، والصراط الذي يحبه الله ويرضاه.. وحقاً أن هذا المضمن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يحتاج منا تعلقاً به، وتحركاً له، واستنباطاً منه وأن نستصغر كل قول يخالف ذلك مهما كان صاحب هذا القول قريباً منا، حبيباً إلينا.
ولا شك أيضاً أن الجهاد ليكون هذا المنهج في التربية معمولاً به في جامعاتنا ومدارسنا، ومحاضننا الفكرية والتربوية، هو بداية الطريق للتأسيس والبناء، وذلك لينشأ لنا بعد زمن الجيل الموحد الذي يتناسق ويتفق في توجهاته وأفكاره، بدلاً من هذا الجيل الضائع المشتت بين هذه الأنماط المختلفة والأشكال المتباينة من العقائد والأفكار والآراء.
وبذلك أيضاً تختفي أو تقل مظاهر الاغتراب التي يعاني منها كثير من شبابنا ورجالنا الذين يشعرون أنهم يعيشون في مجتمع لا يفهمهم، ولا يدرك مقاصدهم وأهدافهم.. أو لا يفهمونه ولا يستطيعون الانسجام معه، ومشاركة آلامهم وآمالهم.
وتختفي أيضاً مظاهر الانفصام والتذبذب الفكري، وازدواج الشخصية، والانتقال من النقيض إلى النقيض دون شعور بالفرق والنقلة.. وهذا المرض بات يهدد معظم شبابنا ورجالنا ونسائنا، حيث التربية المزدوجة والمناهج المختلطة، والحشو الزائف، والتقليد الأعمى لكل ناعق بخير أو بشر حتى فقدنا لذلك الشخصية المستقلة، والفكر الناقد.
وبالتربية الإسلامية ستختفي أيضاً قوافل التقليد، وجحافل الدهماء التي باتت تفرزها هذه المناهج العمياء التي تقوم على فكر القطيع.
ثالثاً: غلبة أهل الكفر على أهل الإسلام
المشكلة الثالثة التي تعترض سبيل أمتنا وتحول بين عودة مجتمعاتنا إلى الدين القويم، هي وقوع أوطان المسلمين تحت سيطرة دول الكفر زماناً طويلاً.. هذه الدول التي مزقت أوطان المسلمين، وجعلتهم دولاً، وغرست في كل وطن مشكلات تستعصي على الحل، فقد أقامت تشريع الكفر مكان تشريع الله، ووضعت منهاج للتعليم والتربية لا تخرج إلا اتباعاً وأذناباً لكفر الكافر المستعمر، وربت مجموعات من العملاء والموالين.. لا يزالون يتولون أفضل المناصب في توجيه الأمة، وأقامت بذلك واقعاً جدياً من الحكومات السياسية، والأحزاب، والحدود السياسية، والقوانين الاقتصادية، والاجتماعية، وغرست أنماطاً من السلوك والتقاليد والعادات والميول تتفق مع أخلاق الكفار.. واستطاعت أيضاً تحويل طائفة عظيمة من المسلمين عن عقائدهم الراسخة في الإيمان بالله، ووجوب حمل رسالة الإسلام إلى الإيمان بالحياة الدنيا وحدها هدفاً وغاية وسعياً.
والخلاصة.. أنه قد نشأ في أرض الإسلام واقع جديد يناهض الإسلام ويعاديه ويناقضه، وهذا الواقع يتمثل في القوانين الوضعية، والمناهج التربوية، والفكر الثقافي الموالي لدول الكفر، وكذلك يتمثل هذا الواقع في كثير من آداب السلوك والعادات والتقاليد.
ولا شك أن الجهاد لتغيير هذا الواقع يحتاج إلى جهود كبيرة في كل تلك الميادين حتى ينشأ واقع جديد ينبع من الإسلام.. فتعديل القوانين الوضعية في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي يحتاج إلى جهود علماء ومتخصصين ودعاة بعد أن ركدت حركة الاجتهاد الفقهي زماناً طويلاً.. وأصبح من يتصدر للعلم والدعوة والفتيا، لا يحملون من علوم الإسلام إلا شيئاً قليلاً.. وهذا القليل مختلط بغيره من الفكر الدخيل على الإسلام.
وكذلك فالجهاد لتحويل آداب السلوك والعادات والتقاليد، والأخلاق بوجه عام لتتفق مع الشريعة الإسلامية.. يحتاج أيضاً إلى جهود هائلة، من التوعية والتوجيه، وضرب المثال، وإبراز أخلاق الإسلام وآدابه.. في الطعام والشراب واللباس والزينة، والأفراح، والأحزان، والمناسبات الخاصة والعامة، وذلك حتى ينشأ جيل جديد يعتز بتراثه الإسلامي.. وبذلك تمحي الآثار العقائدية والفكرية والثقافية والاجتماعية، التي خلفها الاستعمار.
رابعاً: الغزو الفكري والثقافي الدائم
يعيش العالم اليوم وكأنه قرية واحدة.. فما يقع في أقصى الأرض من أحداث يتأثر بها من يعيش في أدناها.. وما يبتدع من لباس أو زينة أو عادة أو فكر أو عقيدة ينتقل في وقت قصير لتعم شرق الأرض وغربها، وذلك عبر وسائط ومنافذ لا يكاد يخلو منها قطر اليوم أو بلد.. فالمحطات الفضائية والتلفزيون والراديو، والشريط المسجل.. مرئياً ومسموعاً.. الصحيفة والكتاب والسياحة، والمؤتمرات العامة.. كل ذلك جعل الناس يتأثر بعضهم ببعض، وينقل بعضهم عن بعض.
وكل ذلك يحتاج -إذا أردنا حماية مجتمعنا الإسلامي- وناشئتنا الإسلامية إلى جهود هائلة.. ليس لمجرد المنع وإغلاق المنافذ والأبواب، فقد أضحى هذا مستحيلاً، وإنما للتوجيه والبيان والإرشاد، والرد على الشبهات والأفكار الواردة، والعقائد المسمومة، وكل هذا ولا شك يحتاج إلى علماء ومتخصصين، على مستوى الحدث، فهماً له، ومعرفة بجذوره، وإدراكاً لمغازيه ومراميه، وقدرة على الرد.
ونأسف إذا قلنا أن أمتنا لا تملك أمام الغزو الثقافي والإعلامي بجيوشه الجرارة، وأسلحته الفتاكة إلا مقاومة قليلة، ولا تملك أيضاً من وسائل القوة والعلم للتصدي لمثل هذا الغزو إلا شيئاً يسيراً جداً.
خامساً: أخطاء في مناهج الإصلاح
بالرغم من هذا الواقع الاجتماعي والفكري والثقافي الجديد الذي تعيشه أمتنا.. فإن هناك من يظن أو يعتقد أنه يستطيع تغيير هذا الواقع بمجموعة من القوانين، يصدرها حاكم، أو زعيم ما.. أو كما يقولون: يمكن تغيير هذا الواقع بجرة قلم وهذا بعيد جداً عن الصواب.. لأن الإسلام ليس امتثالاً لظاهر من الأعمال فقط بل هو قبل ذلك.. إيمان يملأ القلب، ويجعل العمل الظاهري ثمرة لذلك الإيمان القلبي والإيمان لا يفرض بقانون.
نعم.. الإيمان يحمي بقانون ونحن في الحقيقة نحتاج أولاً إلى وجود الحقيقة الإيمانية في عامة الشعب أو جمهوره.. وذلك حتى يلاحق القانون الشواذ والقلة، ولا يوضع القانون لملاحقة الكثرة والعامة، فإن القانون إذا لاحق الكثرة استحال تطبيقه إلا عن طريق الإرهاب والإكراه.. وهذا بحد ذاته منفر من الإيمان والإسلام.
وكذلك هناك من يظن أن التربية كالصناعة المادية حيث تصنع الخامة من المعدن أو القطن أو الصوف في جانب من المصنع لتتلقاه سيارة وثلاجة وقماشاً في الجانب الآخر.. وهذا خطأ كبير لأن التربية الإنسانية الفعلية بطيئة بطء النمو الجسماني.. فتربية الأفكار والعقائد وآداب السلوك يحتاج من الزمن ما يحتاجه النمو الجسماني.
ومثل المستعجلين في التربية.. كمثل من يريد جنيناً بشرياً في أقل من تسعة أشهر، ومن يريد إخراج رجل كامل في أقل من السنين التي تستلزم ذلك، والحال أننا نحتاج لنعيد الأمة إلى جادة الحق وصراط الله.. إلى عدد من السنين يناسب الوقت الذي في مثله يتربى الجيل.
والخلاصة: أننا نحتاج أن نلقي البذرة وأن ننتظر النمو الطبيعي الفطري لنباتها، ثم نتعهدها بالسقي والرعاية، وإبعاد الأذى والآفات عنها، حتى تشب وتقوى، وتصبح شجرة باسقة تقوى على مقاومة الريح وهضم الآفات.. والبذرة التي نزرعها هي الكلمة الطيبة.. فلنطرق بها كل أذن.. ولننتظر حتى تعمل عملها في القلب والنفس.. ولنتعهدها حيث ألقيناها بدوام التذكير، ولنحميها من الآفات والسموم، ولنصبر منها على الضعف الذي يعتريها حتى تصل إلى الكمال الذي قدره الله لها.
وكذلك الأمر مع المجتمع والأمة.. نحتاج إلى غرس الفضيلة، ونشر الوعي، والانتقال خطوة نحو الكمال والإصلاح.
سادساً: التصور الخاطئ للمجتمع الصالح والإنسان الصالح
يقوم هناك تصور خاطئ، وخاصة في عقول بعض المربين والدعاة، إذ يظنون أن المجتمع الصالح، مجتمع بلا جريمة، ولا شرور.. والإنسان الصالح إنسان بلا خطيئة.
وهذا التصور الخاطئ جعل المجتمع المطلوب مجتمعاً مثالياً، مثالية خيالية لا وجود لها في عالم الواقع.. والإنسان المطلوب أو المرتجي إنساناً مثالياً ملائكياً لا وجود له، وهذا التصور الخاطئ أوصل كثيرين من الدعاة والمربين والعلماء والمصلحين إلى اليأس أو الإحباط وذلك عندما شاهدوا البون الشاسع بين ما يطمحون إليه ويظنون أنهم بالغوه، وأنه ممكن التحقيق، وبين الواقع الذي يصلون إليه بالفعل في التربية والإصلاح.
وتصحيحاً لهذا المفهوم الخاطئ.. نقول: إن إصلاح المجتمع الإنساني كله، وهداية الناس جميعاً.. أمر مستحيل، بل هو أصلاً مخالف لسنة الله تبارك وتعالى فقد شاء أن يكون في الأرض مؤمن وكافر، وأن يكون جنة ونار، وأن تمتلئ هذه وتلك.. وهذا الأمر جار وفق حكمته ومشيئته سبحانه وتعالى.. قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} (هود:118-119).
وقال تعالى مسلياً رسوله صلى الله عليه وسلم ومهوناً عليه: {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، فلا تكونن من الجاهلين} (الأنعام:35)
ولذلك فإن الكفر لن يمحى من الأرض ما دام الإنسان عليها، بل سنة الله أن يبتلي المؤمنين بالمجرمين، كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين، وكفى بربك هادياً ونصيراً} (الفرقان:31). هذا في الدوائر الإنسانية العامة.
وأما في الدائرة الإسلامية.. أعني دائرة أهل الإيمان فإن الخطيئة والجريمة لم تنقطع من مجتمع المؤمنين مطلقاً، فولدي آدم قتل أحدهما أخاه، وكتب الله القصاص في القتلى بين المؤمنين من أجل ذلك. كما قال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. قال لأقتلنك، قال إنما يتقبل الله من المتقين.. لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين. إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار. وذلك جزاء الظالمين. فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله، فأصبح من الخاسرين} (المائدة:27-30).
وقد عقب الله على ذكر هذه الجريمة بتذكيرنا أن الأخ الشقيق يقتل شقيقه ظلماً إذا قدر على ذلك.. عقب الله على ذلك بقوله: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون، إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا، أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} (المائدة :32-33).
وكذلك كان مع نوح ابنه وزوجته يتظاهران بدينه وليسا كذلك، وفي بني إسرائيل يوم كانت أمة مهتدية قائمة بأمر الله في الأرض كان فيها آنذاك من عبد العجل، ورفض الانصياع لأحكام التوراة، وطلب من موسى عبادة الأصنام، واتهم موسى بقتل هارون، ومن آذى موسى، ومن نكل عن الجهاد والغزو وجبن أمام الأعداء، ومن سرق فقطع، ومن قتل واتهم الأبرياء بأنهم قتلوا قال تعالى عنهم: {وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها} (البقرة :72) أي درأ كل منكم التهمة عن نفسه، واتهم غيره وكل ذلك ونبيهم معهم ورسولهم بين ظهرانيهم.. وكل ذلك أيضاً صدر من المؤمنين الذين يعيشون في رحاب الوحي، بل ويشاهدون المعجزات كل يوم أمام أعينهم.. فقد شاهد هؤلاء انشقاق البحر، وتحول العصا إلى حية، وخروج يد موسى من جيبه بيضاء من غير سوء، وضرب آل فرعون بالسنين، وتسليط القمل والضفادع عليهم، وإحياء القتيل بضربة من قطعة من لحم بقرة مذبوحة.. كما قال تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون} (البقرة:74)
ولكنهم مع ذلك كانوا كما ذكر الله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة* وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون} (البقرة:74)
وكذلك كان في تلاميذ عيسى عليه السلام من وشى به ودل الحكام الظلمة عليه، وهو يعلم أنهم يطلبونه للقتل!!!
وبالرغم أيضاً من أن مجتمع المسلمين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كان خير مجتمع، وأصحابه كانوا خير الأصحاب، وإلا أنه كان فيهم أيضاً من شرب الخمر فجلد، ومن زنى فرجم، ومن سرق فقطعت يده، ومن أصابه ضعف فأفشى سر الرسول لأعدائه، ومن اتهم زوجة النبي -برأها الله- بالزنا ثم جلد، وكان منهم أيضاً من ترك الرسول في يوم جمعة وهو قائم يخطب عندما سمع أنه قد جاءت تجارة.. وكذلك كان فيهم البدوي الجلف الذي يبول في المسجد، ومن يجذب الرسول صلى الله عليه وسلم بحاشية ردائه حتى تؤثر في رقبته.. وكل هؤلاء كانوا من المؤمنين الصالحين، وأما المنافقون فقد كان مجتمع المدينة مليئاً منهم، وهو خير مجتمع وجد على سطح الأرض، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد تمالئوا مع اليهود والمشركين، وخانوا النبي صلى الله عليه وسلم، وتآمروا على قتله، وكادوا أن يقتلوه غير مرة، وسبوا الرسول والمهاجرين.. وقالوا: {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} (المنافقون:7). وقالوا: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} (المنافقون:8).. وقالوا أيضاً عن المهاجرين: {ما نرانا وهؤلاء إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك} (قالها رأس النفاق عبدالله بن أبي في غزوة بني المصطلق.. راجع البداية والنهاية ج4 ص/157.. وتفسير سورة المنافقين).. ومع ذلك فقد كانوا يصلون مع النبي، ويحجون معه، ويجاهدون الكفار، ويخرجون في الغزو معه، ويتكلمون فيعجب السامع لكلامهم ويسمع لهم من حلاوة منطقهم وحلو حديثهم.
وكان فيهم كذلك الجاهل الأحمق الذي قال: اعدل يا محمد فهذه قسمة منا أريد بها وجه الله.
ولا شك أن الآفات والجرائم والأخطاء والضعف التي كانت بعد ذلك في مجتمع الراشدين، ومن بعدهم، كانت أعظم من هذا بكثير، والمقصود من كل ذلك.. التنبيه على أن المجتمع الصالح ليس مجتمعاً تختفي منه الجريمة، ويمحي منه الشر، وتزول منه الأثرة والطمع والشح والبخل زولاً كاملاً.. كلا.. فإن مثل هذا المجتمع لا وجود له في عالم الواقع.
ولكن المجتمع الصالح هو الذي لا يقر هذا الباطل، ويعمل على تلافيه وعلاجه، فالجريمة مسيطر عليها، نافذ حكم الله في أصحابها.. والضعف يعالج بما يناسبه.. شدة ولينا، ومسامحة وتنكيلاً. حسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، ويتطلبه الموقف.
والمقصود من سرد ذلك كله أن نبين الجانب الآخر من الصورة. وذلك أن عرض المواقف الحسنة والجوانب المثالية الطيبة.. وذلك أن عرض ينظرون إلى المجتمعات الفاضلة نظرة غير واقعية، وغير صحيحة، ولذلك فقدوا الأمل في إصلاح مجتمعاتنا المعاصرة التي تعج بالفساد، واعتقدوا أنه يستحيل الوصول إلى الصورة التي تخيلوها.. فانصرفوا عن الدعوة والعلاج، بل وقعت طوائف منهم عن الإيمان وهلكت أيضاً عندما رأوا أن أشخاصهم وذواتهم لا يمكن أن ترتقي للمستوى الذي تخيلوه للفرد الصالح.. ولو عرف هؤلاء حقيقة النفس البشرية لم ييأسوا من علاج أنفسهم وغيرهم. قال تعالى: {ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى* الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، إن ربك واسع المغفرة، هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} (النجم:31-32).
فجعل الله الذين أحسنوا هم الذين يجتنبون الكبائر وتقع منهم الصغائر التي يغفرها الله، وهذا هو المحسن وكذلك أدخل الله في جملة المتقين من يفعل فاحشة ثم يتوب منها.. كما قال سبحانه وتعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} (آل عمران:133).
ثم وصف الله سبحانه هؤلاء المتقين فقال: {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونعم أجر العالمين}.
هذه هي أهم العقبات التي تعترض سبيلنا وتحول بين المصلحين وبين إعادة بناء هذه الأمة من جديد، وهي عقبات ليست مستعصية على الحل وذلك إذا عرفنا هدفنا وغايتنا جيداً، واتخذنا الطريق المناسب لذلك، واتبعنا سنن الله في خلقه التي لا تتبدل ولا تتغير واتخذنا السياسة الشرعية التي سار فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقد عرفوا غايتهم قبل أن يسيروا خطوة واحدة على الدرب.. عرفوا أن غايتهم هي عبادة الله الواحد لا شريك له، وتكوين أمة على هذه الغاية تقوم بأمر الله، وتجاهد بسبيله، ومن ثم وحدوا كلمتهم ونسوا أحقادهم القديمة، وتركوا كل ما تفتخر به الجاهلية من الأحساب والأنساب، واعتصموا بحبل الله جميعاً وواسى كل فرد منهم أخاه، وفاداه بروحه ونفسه ثم عرفوا من هم أعداؤهم على الحقيقة واتخذوا السياسة الشرعية في حرب هؤلاء الأعداء، ولم يحاربوهم جميعاً دفعة واحدة، وإنما حاربوا من حاربهم واعتدى عليهم، حتى قويت شوكتهم وعظم أمرهم وأقاموا أعظم أمة عرفتها الأرض، وشهدتها هذه الجزيرة، ثم توجهوا بعد ذلك خارج هذه الجزيرة ينشدون الخير للناس جميعاً والهداية للبشر كلهم فأعلوا كلمة الله في الأرض، ونشروا الإسلام في العالمين، وحافظوا في كل ذلك على نقاء عقيدتهم ونظافة فكرهم، وأقاموا بعد ذلك المجتمع الكامل الذي يعلو فيه الخير، ويقل فيه الشر، وكانوا بذلك خير أمة أخرجت للناس واليوم نحن مطالبون أن نقتفي أثرهم، ونتبع سبيلهم متوكلين في كل ذلك على الله وحده سبحانه وتعالى. وقد تكفل الله لكل مجاهد في سبيله أن يهديه السبيل وينير له الدرب كما قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} فلنكن كما كان سلفنا الصالح ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
*************
ولقد كان أول أسباب الفشل والضياع الذي أصاب أمتنا، وشتت شملها هو ضياع الهدف والغاية التي من أجلها برزت هذه الأمة إلى الوجود.. وكانت خير أمة أخرجت للناس، فالأمة الإسلامية أمة العقيدة.. أمة الدعوة، أو أمة الإيمان.. والرابطة التي جمعت هذه الأمة ليست فكرة أرضية بشرية، ولكنها كلمة إلهية ربانية. إنها كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كلمة تملأ القلوب والوجدان وتغذي الفكر والعاطفة، وهي تعني باختصار: أن الله خالق هذا الكون ومدبره، وأنه الإله الواحد الذي يجب على جميع الخلائق توحيده وعبادته، والخضوع لسلطانه وتشريعه، والسعي لبلوغ مرضاته ورضوانه، وأن كل ما يعبد من دونه باطل، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المختار المصطفى للدلالة على هذا الرب العظيم، ودعوة الناس جميعاً إلى مرضاته، وتحذير العالمين من معصيته، وعلى أساس هذه الكلمة اجتمع الأسود والأحمر، والعربي والأعجمي.
لقد كان للعرب دورهم الفريد في نصر الدين ولا يزال، ولكن الكلمة والدعوة لم تكن خاصة بهم، ولا حكراً عليهم، وإنما اختص الله العرب لمميزات فيهم ولم تكن لغيرهم من حب للبذل والتضحية، وشجاعة فائقة، وشهامة ومروءة ونجدة وإيثار للمتع النفسية والروحية على المتع الحسية والجسدية، فقد كان أحدهم يهب ماله في سبيل بيت من الشعر، ويعرض نفسه وأهله للخطر في سبيل حماية غريب يلوذ به. وكانت صفاتهم هذه مع ما كانوا يتصفون به من الأمانة والصدق والشجاعة مؤهلاً عظيماً لحمل رسالة الإسلام، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ومع ذلك فإن الشعوب التي حملت الإسلام بعد ذلك كان لكثير منها بلاء عظيم في حمل الرسالة ونشر الإسلام، ولكن هذا الهدف الأسمى، والغاية العظمى قد نافستها في أرضنا غايات تافهة تحولت بها الأمة إلى أمم، فقد زاحمت هذه الغاية غايات دنيوية هزيلة، وذلك بعد أن قسمت بلاد المسلمين إلى دويلات صغيرة، وقام في كل إقليم منها حكم ضعيف أصبح همه أن يحمي كرسيه فأصبحت غايته أن يرتقي بشعبه في سلم الماديات والحياة، فيعيش الناس في مساكن جميلة وشوارع نظيفة، وحدائق غناء، وفي سبيل ذلك نسى الهدف الأسمى للأمة، والغاية العظمى التي أخرجت من أجلها. قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).
وإذا كان الناس في عمومهم على دين ملوكهم.. فإن غاية الحكام أصبحت غاية للشعوب والأفراد أيضاً.. فتجد الفرد منهم يقضي نهاره شطراً من ليله سعياً في هذه الدنيا، وكدحاً فيها، واستمتاعاً بها، وليس وراء ذلك من شيء!! وأصبحنا بذلك على حال يهرم عليها الكبير ويشب عليها الصغير، فما يكاد الوليد فينا يعقل حتى يكون أول درس نلقنه إياه: ماذا ستكون؟؟.. طبيباً أو مهندساً أو طياراً؟؟ وفي سبيل ذلك نمنعه الصلاة إن كانت معطلة له عن الهدف الذي رسمناه له، ونزجره عن الدين خوفاً عليه من القصور أو التقصير في حياته الدنيا.
وباختصار لقد ضاع الهدف الذي كان لنا حيث كنا أمة لها رسالة وغاية في الوجود، وضاع منا الهدف أيضاً كأفراد خلقوا لغاية، واستخلفوا في الأرض لعبادة ربهم وخالقهم.. وعلاج هذه المشكلة أن نعود من جديد إلى أول الطريق، ونمسك مرة ثانية بطرف الحبل، فنوجه الأفراد الوجهة التي خلقهم الله من أجلها، ونعلن في الأمة الغاية التي أخرجهم الله لها لتكون خير أمة أخرجت للناس.
ثانياً: التفرق والخلاف هو الذي أذهب ريح هذه الأمة
المشكلة الثانية التي يواجهها مجتمعنا وأمتنا.. هي التفرق والاختلاف، وذلك لضياع الهدف أولاً ثم لضياع حقيقة الدين أو بالأحرى للاختلاف على حقيقة الدين الذي يريد الله منا.. ونعني بحقيقة الدين، نموذجه الأسمى، وصورته الصحيحة، فعقيدة التوحيد التي لا يقبل الله أحداً دون أن يعتقدها قد أصبح عليها جدل طويل.. فحقيقة الألوهية والربوبية وأصول الإيمان، كل ذلك وقع فيه بين المسلمين خلاف يفرقهم إلى مسلم وكافر، وموحد ومشرك، ومتبع ومبتدع.
وحقيقة الشريعة كذلك أضحى فيها الخلاف بين المسلمين ليس في فرعيات بعينها فقط، بل أيضاً وفي الأصول التي يرجع إليها عند الاختلاف، فالمسلمون اليوم بين متبع يرى لزاماً عليه اتباع الكتاب والسنة، وكذلك رد كل خلاف إليهما، وملفق يستبيح لنفسه تلفيق دينه من الإسلام ومن غير الإسلام، ومناهج التربية والتهذيب.. امتد إليها الاختلاف والتفرق، فنشأت التربية الصوفية بكل ما جرت على المسلمين من ويلات الانحراف عن العقيدة الخالصة، والانزواء عن مقارعة الباطل، وإدخال شعائر الكفار والزنادقة إلى دين الإسلام.. ونشأت أيضاً التربية الحزبية الدينية الضيقة، التي جعلت كل مجموعة من المسلمين أمة برأسها، وحزباً منفرداً يوالي أهل حزبه وجماعته فقط، ويعادي ما دون ذلك، ولا يرى حقاً إلا مع نفسه وجماعته، ولو أعطى ألف دليل، ونشأت التربية الوطنية والإقليمية الضيقة، فعمقت الاختلاف والتفرق، وزرعت الفتنة والبغضاء، وللأسف إن كان الفكر المسموع لهذه التربية الإقليمية كثيراً من الفكر المكتوب والمقروء.
ولقد جاوزت التربية الإقليمية والوطنية التحزب للوطن كجزء من العالم العربي والأمة الإسلامية إلى الاعتزاز بماضي هذه الأوطان قبل الإسلام، فمجدت لذلك الجاهلية الفرعونية، الآشورية والبابلية والفينيقية، واليعربية الجاهلية، فأصبحت أصنام هذه الجاهليات وآثارها جزءاً من التراث المقدس المعتز به.
ونشأت كذلك الحزبية السياسية، فاخترعت أيضاً عقائد خاصة، ومناهج خاصة في التربية والموالاة والتشريع.
وتفرق المسلمون في حقيقة الدين.. فكانوا شيعاً وأحزاباً، وافترقوا كذلك بأسباب الدنيا تعصباً للوطن أو الجنس أو الحزب الذي يخترع عقيدة مناهضة للإسلام وبعيدة عنه، وهذه في الحقيقة مشكلة المشاكل أمام الأمة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي، مشكلة المشاكل التي هدت قوى هذه الأمة، وأذهبت ريحها، وشتت شملها. ولا نتصور أن يقوم للمسلمين قائمة في الأرض، أو تبنى لهم أمة صالحة إلا بعلاج هذه المشكلة، ولا علاج لها إلا بالتنادي للالتفاف من جديد حول الكلمة التي وحدتهم، والتشريع الذي جمعهم، ولا شك أن الوصول لذلك مستحيل إلا بالرجوع إلى مصادر الدين الأساسية.. الكتاب والسنة وفهمهما على المنهاج الذي فهمه السلف الأول الصالحون من الصحابة ومن سار على دربهم وطريقهم، وكذلك فلا بد من محاربة العصبية والحزبية أيا كان لونها وشكلها، عصبية للوطن أو القوم أو المذهب أو جماعة الدعوة،أو أي مسمى من المسميات الجاهلية أو الإسلامية، وقديماً ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التعصب للأنصار عندما نادى منادي المنافقين ليحزبهم ضد المهاجرين. فقال: [دعوها فإنها منتنة] (متفق عليه).
ولذلك فالمسلم الصالح هو الذي يكون تمسكه بالكتاب والسنة، وتعصبه للحق أيا كان، وللدليل أين وجد منصفاً من نفسه، شاهداً بالحق ولو على نفسه، قائماً بالقسط عاملاً به، ولا شك أن هذه التربية تقتضينا أن نبحث عن حقيقة العقيدة والإيمان.. الذي يريده الله، الشريعة، والصراط الذي يحبه الله ويرضاه.. وحقاً أن هذا المضمن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يحتاج منا تعلقاً به، وتحركاً له، واستنباطاً منه وأن نستصغر كل قول يخالف ذلك مهما كان صاحب هذا القول قريباً منا، حبيباً إلينا.
ولا شك أيضاً أن الجهاد ليكون هذا المنهج في التربية معمولاً به في جامعاتنا ومدارسنا، ومحاضننا الفكرية والتربوية، هو بداية الطريق للتأسيس والبناء، وذلك لينشأ لنا بعد زمن الجيل الموحد الذي يتناسق ويتفق في توجهاته وأفكاره، بدلاً من هذا الجيل الضائع المشتت بين هذه الأنماط المختلفة والأشكال المتباينة من العقائد والأفكار والآراء.
وبذلك أيضاً تختفي أو تقل مظاهر الاغتراب التي يعاني منها كثير من شبابنا ورجالنا الذين يشعرون أنهم يعيشون في مجتمع لا يفهمهم، ولا يدرك مقاصدهم وأهدافهم.. أو لا يفهمونه ولا يستطيعون الانسجام معه، ومشاركة آلامهم وآمالهم.
وتختفي أيضاً مظاهر الانفصام والتذبذب الفكري، وازدواج الشخصية، والانتقال من النقيض إلى النقيض دون شعور بالفرق والنقلة.. وهذا المرض بات يهدد معظم شبابنا ورجالنا ونسائنا، حيث التربية المزدوجة والمناهج المختلطة، والحشو الزائف، والتقليد الأعمى لكل ناعق بخير أو بشر حتى فقدنا لذلك الشخصية المستقلة، والفكر الناقد.
وبالتربية الإسلامية ستختفي أيضاً قوافل التقليد، وجحافل الدهماء التي باتت تفرزها هذه المناهج العمياء التي تقوم على فكر القطيع.
ثالثاً: غلبة أهل الكفر على أهل الإسلام
المشكلة الثالثة التي تعترض سبيل أمتنا وتحول بين عودة مجتمعاتنا إلى الدين القويم، هي وقوع أوطان المسلمين تحت سيطرة دول الكفر زماناً طويلاً.. هذه الدول التي مزقت أوطان المسلمين، وجعلتهم دولاً، وغرست في كل وطن مشكلات تستعصي على الحل، فقد أقامت تشريع الكفر مكان تشريع الله، ووضعت منهاج للتعليم والتربية لا تخرج إلا اتباعاً وأذناباً لكفر الكافر المستعمر، وربت مجموعات من العملاء والموالين.. لا يزالون يتولون أفضل المناصب في توجيه الأمة، وأقامت بذلك واقعاً جدياً من الحكومات السياسية، والأحزاب، والحدود السياسية، والقوانين الاقتصادية، والاجتماعية، وغرست أنماطاً من السلوك والتقاليد والعادات والميول تتفق مع أخلاق الكفار.. واستطاعت أيضاً تحويل طائفة عظيمة من المسلمين عن عقائدهم الراسخة في الإيمان بالله، ووجوب حمل رسالة الإسلام إلى الإيمان بالحياة الدنيا وحدها هدفاً وغاية وسعياً.
والخلاصة.. أنه قد نشأ في أرض الإسلام واقع جديد يناهض الإسلام ويعاديه ويناقضه، وهذا الواقع يتمثل في القوانين الوضعية، والمناهج التربوية، والفكر الثقافي الموالي لدول الكفر، وكذلك يتمثل هذا الواقع في كثير من آداب السلوك والعادات والتقاليد.
ولا شك أن الجهاد لتغيير هذا الواقع يحتاج إلى جهود كبيرة في كل تلك الميادين حتى ينشأ واقع جديد ينبع من الإسلام.. فتعديل القوانين الوضعية في المجال السياسي والاقتصادى
...
التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-1
من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسن عفانى
* الرجل الصنم .. والخائن الأكبر مصطفى كمال أتاتورك الذي أسقط دولة الخلافة وأتى بالعلمانية:
- قال هذا الزنديق في افتتاح البرلمان التركي عام ١٩٢٣:
"نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون" (١).
* اصطناع البطل الوهمي أتاتورك:
لقد كانت اللعبة العالمية تقتضي اصطناع (بطل) تتراجع أمامه جيوش
الحلفاء الجرارة! وتعلق الأمة الإسلامية اليائسة فيه أملها الكبير وحلمها المنشود، وفي أوج عظمته وانتفاخه ينقض على الرمق الباقي في جسم الأمة فينهشه ويجهز عليها إلى الأبد! وهذا أفضل قطعًا من كل الـ "مائة مشروع لتقسيم تركيا" (١) وهدم الإسلام.
- وتمت صناعة البطل بنجاح باهر ووقف يتحدى الحلفاء وألقى باليونان في البحر (٢)، ولم ير الحلفاء بدًا من التفاوض معه! وكانت ثمرة المفاوضات هي - الاتفاقية المعروفة باتفاقية "كيرزن"عام ١٩٢٣ ذات الشروط الأربعة:
"١ - إلغاء الخلافة الإسلامية نهائيًّا من تركيا.
٢ - أن تقطع تركيا كل صلة مع الإسلام.
٣ - أن تضمن تركيا تجميد وشل حركة جميع العناصر الإسلامية الباقية في تركيا.
٤ - أن يستبدل الدستور العثماني القائم على الإسلام بدستور مدني بحت (٣).
- ويصف المؤرخ (آرمسترونج) خطوات تنفيذ الاتفاقية قائلاً:
"انطلق كمال أتاتورك يكمل عمل التحطيم الشامل الذي شرع فيه وقد قرر أنه يجب عليه أن يفصل تركيا عن ماضيها المتعفن الفاسد، يجب عليه أن يزيل جميع الأنقاض التي تحيط بها، هو حطم فعلاً النسيج السياسي القديم، ونقل السلطنة إلى ديمقراطية، وحول الامبراطورية إلى قطر فحسب، وجعل
.الدولة الدينية جمهورية عادية، إنه طرد السلطان (الخليفة) وقطع جميع الصلات عن الامبراطورية العثمانية، وقد بدأ الآن في تغيير عقلية الشعب بكاملها وتصوراته القديمة وعاداته ولباسه وأخلاقه وتقاليده وأساليب الحديث ومناهج الحياة المنزلية التي تربطه بالماضي" (١).
- وامتدح توينبي عمله واعتبره أعظم من هتلر عبقرية في فن الهدم وقطع الصلة بالماضي، وقال: "إن الدولة القومية التركية التي أقامها مصطفى كمال على النسق الغربي تبدو -وقت كتابة هذه السطور- عملاً ناجحًا لم يتحقق مثله حتي ذلك الوقت في أي بلد إسلامي آخر" (٢).
- وامتدحه ولفرد كانتول سمث -على طريقته الخاصة- قائلاً: " .. رأينا تركيا في سبيل رفعة شأنها وخلق مثل عليا جديدة لم تتردد في سحق السلطات الدينية وألغت تعاليمها وحررت الإسلام وكشفت النقاب عن الدين الحق القويم!! " (٣).
نصب مصطفى كمال نفسه إلهًا من دون الله يشرع للأمة كما يشاء، فلفق قانونًا فريدًا يتكون أكثره من القانون السويسري والقانون الإيطالي وغيرهما وأكمل الباقي من عنده، ومع ذلك فهو يدعي أنه كله من عنده قائلاً:
"نحن لا نريد شرعًا فيه قال وقالوا ولكن شرعًا فيه قلنا ونقول" (٤).
- ويصف أحد الكتاب الغربيين جلسة في مجلس النواب فيقول أن مصطفى كمال وقف قائلاً:
"إن التشريع والقضاء في أمة عصرية يجب أن يكونا عصريين مطابقين لأحوال الزمان لا للمبادئ والتقاليد".
- ثم اقتفاه وزير العدل شارحاً ومفسراً:
"إن الشعب التركي جدير بأن يفكر بنفسه بدون أن يتقيد بما فكر غيره من قبله، وقد كان كل مادة من مواد كتبنا القضائية مبدوءة بكلمة قال المقدسة، فأما الآن فلا يهمنا أصلاً ماذا قالوا في الماضي بل يهمنا أن نفكر نحن ونقول نحن" (١).
- ويعترض عليه مرة أحد القانونيين بقوله:
"إن هذا النظام الذي تريدون وضعه لا يوجد في أي كتاب للقانون".
فيتلقى الجواب التالي:
- "إن النظم ليست إلا أشياء وأموراً تكيفت ومرت من التجارب .. على أن أنفذ ما أريد وعليكم أن تدرجوا ما أعمل في الكتب!! " (٢).
ونتيجة التطرف والغلو المفرط والأعمال التي لا مبرر لها إلا تنفيس الحقد الأوربي على الإسلام ومركب النقص الذي كان يستشعره الكماليون -اتخذت تركيا المتعلمة تدبيرات وإجراءات غريبة حقًّا:
فقد ألغت بالعنف والإرهاب الكتابة التركية بالأحرف العربية ثم تجرأت فحرمت الأذان بالعربية، وكتبت المصحف أو ترجمته بلغتها الهجين، وحددت عدد المساجد وأقفلت كثيراً منها أو حولته إلى ما لا يتفق وقداسته كما فعلت بجامع أيا صوفيا، وألغت وزارة الأوقاف. وفرضت بقوة السلاح المسخ الفكري وحتى المظهري على الأمة لا سيما معركة القبعة الأوروبية التي
سالت لأجلها الدماء، وألغت الأعياد الإسلامية , وحطمت بصورة استبدادية مظاهر الحشمة والحياء الإسلاميين، فأكرهت النساء على تقليد المرأة الغربية في كل شيء وحاربت بشدة صارمة كل من اعترض طريقها من المتورعين وحتى المعتدلين شيئًا ما من الكماليين (١).
ولذلك فإن حكومة تركيا العلمانية الكمالية -هي كما وصفها الأمير شكيب أرسلان- ليست حكومة دينية من طراز فرنسا وإنجلترا فحسب، بل هي دولة مضادة للدين كالحكومة البلشانية في روسيا سواء بسواء، إذ أنه حتى الدول اللادينية في الغرب بثوراتها المعروفة لم تتدخل في حروف الأناجيل وزي رجال الدين وطقوسهم الخاصة وتلغي الكنائس (٢).
والحقيقة المرة أن مصطفى كمال قد خلق نموذجًا صارخًا للحكام في العالم الإسلامي، وكان لأسلوبه الاستبدادي الفذ أثره في سياسات من جاء بعده منهم، كما أنه أعطى الاستعمار الغربي مبررا كافيًا للقضاء على الإسلام، فإن فرنسا مثلا ًبررت تنصير بلاد المغرب العربي وفرنجتها بأنه لا يجب عليها أن تحافظ على الإسلام أكثر من الأتراك المسلمين أنفسهم!!
وليس أعجب من هذا الرجل وزمرته إلا من ينادون اليوم -من الزعماء- بإقامة حكومات علمانية في بلادهم ويقولون: أن مصطفى كمال هو قائدهم الروحي.
* حقيقة أتاتورك:
- يقول الأستاذ أنور الجندي: "إن أتاتورك في الحقيقة لم يكن مجاهدًا
ولا مصلحًا، وإنما كان تتمة الاتحاديين لقد أخروا دوره في المرحلة الأولى قبل الحرب ليتولى الدور الثاني.
فالاتحاديون أسقطوا الدولة العثمانية بأن أدخلوها الحرب لتصفي ماليتها ووجودها.
وجاء أتاتورك ليفرض عليها اللون الغربي، وينقلها نقلة واسعة عن دولة الخلافة الإسلامية إلى دولة علمانية تكتب بالحروف اللاتينية، ويقضي على الإسلام تمامًا، ومعاهدته السرية المعروفة التي عرفت بمعاهدة لوزان تكشف ذلك في وضوح.
وقد استطاع أتاتورك إخفاء وجهه الحقيقي حتى يؤدي دوره كاملاً فخدع المسلمين في المرحلة الأولى بالصلاة وإمساك المصحف، وطلب الدعاء منهم.
أما دوره في الجهاد في أزمير فقد كشفت الوثائق أنه كان زائفًا، وأن غيره هو الذي قام بدور البطولة، وأنه استلب منهم هذا المجد وحطمهم ونسبه إلى نفسه.
ولقد كان أتاتورك عميلاً غربيًا كاملاً، وعميلاً صهيونيًّا أصيلاً، وقد أدى دوره تمامًا، وأقام تلك التجربة المظلمة المريرة التي تركت آثارها من بعد على العالم الإسلامي كله، والتي كشفت الأحداث في الأخير فسادها، وتبرأ الأتراك المسلمون من تبعتها، وكانت ظاهرة عودتهم إلى الأصالة مرة أخرى دليل على أنها كانت تجربة زائفة مضادة للفطرة ولطبائع الأشياء، والدليل إن المسلمين لم يتقبلوها بل رفضوها، وقد كشف أكثر من مستشرق وفي مقدمتهم (هاملتون جب) أن العرب لن يقعوا في براثن هذه التجربة التي خرجت بهم عن الأصالة وعن الذاتية الإسلامية.
ولقد كان من أكبر معالم اضطراب كمال أتاتورك أنه عندما أحس بدنو أجله أن دعا السفير البريطاني ليتولى بدلاً منه رئاسة الدولة التركية، كعلامة
من علامات الخسة والنذالة والخيانة!!
وقد صفع المؤرخ العالمي آرنولد توينبي التجربة الكمالية التي يفخرون بها ويمجدونها الآن بعد أن رفضها أهلها وحكموا بفسادها. يقول توينبي: إن الأتراك كانوا عالة على الحضارة الغربية، وأنهم تغربوا ولم يقدموا أي شيء إلى هذه الحضارة، فكانوا عاجزين عن الإبداع في أي مجال من مجالات الإنتاج.
والواقع أن مصطفى كمال أتاتورك لم يكن كما يدعي المدعون شيئًا جديدًا، ولكنه كان حلقة في المؤامرة بدأها مدحت، وكان وسطها رجال الاتحاد والترقي للقضاء على السلطان والدولة العثمانية. ثم ختمها أتاتورك بالقضاء على الخلافة الإسلامية، ولا ريب أن انتقاص قدر الدولة العثمانية وحكامها مجاف لواقع التاريخ، وهو من عمل أتباع التغريب والشعوبية، وقد جرى ضمن مخطط يرمي إلى إثارة الخلافات والخصومة بين عناصر الأمة الإسلامية، وكان دعوة للوقيعة بين العرب والترك والفرس، وهم عناصر الأمة الواحدة التي جمعها القرآن وقادها محمد - صلى الله عليه وسلم - وآمنت بأنه لا إله إلا الله مهما كانت هناك خلافات فرعية فإنهم جميعًا أمة واحدة، ولو كان هناك قليل من الإنصاف والأمانة التاريخية لدى كتابنا المزيفين لراجع الكاتب ما كتبه أستيورت وهو غربي في كتابه "حاضر العالم الإسلامي قبل أربعين عامًا"، وكيف تحدث عن عظمة الدولة العثمانية ودورها الذي قامت به في وجه الصليبية الغربية.
- أما صيحة العناصر والأجناس التي حاول كاتب أخبار اليوم أن يجعلها قضية فإنها لم تكن كذلك في ذلك الوقت، وإنما هي المؤامرة التي عمد النفوذ الأجنبي بها إلى استغلال صيحة القوميات لتفكيك عرى الدولة العثمانية، أما المسلمون فلم يكونوا يعرفون مصرية وسورية وجزائرية وغيرها
ولا كلمة العروبة نفسها، ولكنهم كانوا مسلمين فحسب، وإنما ظهرت هذه الدعوات إلى الإقليميات والقوميات بتحريض عناصر غير مخلصة لتفكيك عرى الوحدة، وهدم هذه الجامعة الإسلامية التي كان الغرب يخشاها، ولإقامة قومية زائفة هي القومية الصهيونية.
ولا ريب أن الأسلوب الذي اتخذ في إسقاط السلطان عبد الحميد هو أسلوب لم يعرفه النظام الإسلامي في تاريخه كله وهو من صنع المؤامرة الصهيونية التلمودية التي استطاعت أن تحمي وتحرك هذا الخداع عن طريق قوة عسكرية تتحرك هاتفة باسم السلطان خدعة ثم تكون في نفس الوقت متآمرة عليه لخدمة هدف غامض على كل الذين قاموا به، ولا يعرفه إلا القليل وهو إعادة اليهود إلى فلسطين.
كذلك فإن ما قام به أتاتورك لم يكن نصرًا عسكريا أو سياسيًّا وإنما كان هناك إشارة بقبول التوجيه الغربي: وتوقيع ملحق معاهدة لوزان وهو الذي فتح الطريق إلى كل شيء، وبه حلت جميع المشاكل، وانسحبت كل الجيوش، وتحقق ما يسمى النصر والاستقلال، وكتبت على أثر ذلك آلاف الكتب في تمجيد البطل الذي لم يكن إلا عميلاً من عملاء الخيانة لحساب الصهيونية العالمية والنفوذ الغربي والشيوعية أيضًا، فإن الشيوعيين هم أول من عاونه لقاء موقفه من عداء الإسلام ".
* عدوه الأكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
كان أتاتورك في فندق "بارك"وكان المؤذن يرفع الأذان في المسجد الصغير الكائن أمام الفندق مباشرة، يلتفت أتاتورك لمن حوله قائلاً: "من قال بأننا مشهورون؟ وما شهرتنا نحن؟ أنظروا إلى هذا الرجل (يقصد محمدا رسول الله)
١كيف أنه وضع اسمًا وشهرة بحيث أن اسمه يتكرر في كل لحظة، وفي جميع أنحاء العالم إذا أخذنا فرق الساعات بنظر الاعتبار؛ ليهدموا هذه المنارة".
وانظر إلى شذوذ هذا الزنديق وفجوره وسكره لتعلم أي قزم كان هذا الخائن - انظر إلى "الجزاء من جنس العمل" (١/ ٣٩٩ - ٤٠٥).
أفتى خُزْعبلة وقال ضلالة ... وأتى بكفر في البلاد بُواحِ
فلتسمعنَّ بكل أرض داعيا ... يدعو إِلى الكذاب أو لِسجاح
ولتشهدن بكل أرض فتنة ... فيها يُباع الدين بيع سماح
يُفتَى على ذهبِ المعِزِّ وسيفه ... وهوى النفوس وحقدها الملحاح (١)
* الدكتور عبد الرزّاق السنهوري واضع القانون الدني الوضعي الذي حجب نور الشريعة عامله الله بما يستحق:
تمهيد:
- يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر:
أحب أن ألقي ضوءًا على القانون المدني الذي حكم مصر قرابة سبعين عامًا، من سنة (١٨٨٣) إلى سنة (١٩٤٩)، ثم القانون المدني الذي جاء من بعده، وقد اخترت هذا القانون بالذات؛ لأن لمصر في الدول العربية والإسلامية مكانة كبيرة، ولذلك فإن الحكام ورجال الفكر في مصر إذا قاموا بعمل ما فإن أثر هذا العمل يظهر ويتردد صداه في أكثر الدول العربية والإسلامية، ولذلك فإن قانون (١٩٤٩) أنتقل إلى كثير من الدول العربية، يقول واضعه: "إن القانون المصري الجديد ليؤذن بعهد جديد، لا في مصر فحسب، بل أيضًا في البلدين الشقيقين العربيين: سورية والعراق، ويكفي أن)
يكون هذا الشرح للقانون المصري الجديد في الوقت ذاته شرح للقانون السوري الجديد .. (١).
القانون المدني المصري الأول:
هذا القانون هو نفس قانون نابليون الذي صدر في سنة (١٨٠٤)، مع كثير من التشويه والتحريف لذلك القانون، وقد وصفه رجال القانون بأنه قانون معيب لا يصلح لأن يحكم الحياة في مصر. يقول الدكتور السنهوري في كتابه "الوسيط":
"وأول ما يعيب هذا التقنين أنه محض تقليد للتقنين الفرنسي العتيق، فجمع بين عيوب التقليد وعيوب الأصل الذي قلده" (٢).
ويقول: "لم يقتصر التقنين المصري على نقل عيوب التقنين الفرنسي، بل زاد عليها عيوبًا من عنده" (٣).
ويقول: "ففي تقنيننا المدني القديم فضول واقتضاب، وفيه غموض وتناقض، ثم هو يقع في كثير من الأخطاء الفاحشة" (٤).
وقد شرح هذه العيوب في عدة صفحات لاحقة.
- وتقول المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدني الذي أقر في سنة ١٩٤٨: "يمكن القول أن قانوننا المدني فيه نقص، ثم فيه فضول، وهو غامض حيث يجب البيان، مقتضب حيث تجب الإفاضة، ثم هو يسترسل في التافه من الأمور، فيعنى به عناية لا تتفق مع أهميته المحدودة، يقلد التقنين الفرنسي تقليدًا أعمى فينقل من عيوبه، وهو بعد متناقض في نواح مختلفة،
ويضم إلى هذا التناقض أخطاء معيبة" (١)، وقد شرحت المذكرة هذا الإيجاز وبينته.
وجاء في تقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب المصري: "وضع القانون المدني الحالي سنة (١٨٨٣) باللغة الفرنسية، ثم ترجم إلى اللغة العربية ترجمة لم تسلم من الأخطاء، وقد جاء في معظم أجزائه صورة مقتضبة مشوهة من القانون الفرنسي الذي أصبح هو ذاته قانونًا عتيقًا في حاجة ماسة إلى تنقيح شامل وقانوننا المدني -في اقتضابه وغموضه، مما دعا الكثيرين من رجال القانون إلى توجيه النقد إليه معددين أخطاءه- لم يعد يجاري تقدم العمران في مختلف نواحيه واتساع المعاملات بين الناس، لذلك ازداد قصورًا فوق قصوره، عن مسايرة مقتضيات العصر الحاضر، وأصبح رجل القانون يسبح في بحر خضم من نصوص غامضة، وأحكام قضائية مطرد بعضها متنافر بعضها الآخر، وتفسيرات متفقة أحيانًا متجافية أحيانًا أخرى، فهو تارة يستوحي مواد القانون الغامضة ويستقرئها، وتارة أخرى يولي نظره شطر أحكام القضاء يستلهمها ويسترشدها -ما استقر عليه الرأي منها وما تشعبت الآراء فيه- وطورًا يرجع إلى المعجمات الفرنسية ومؤلفات الشراح من رجال الفقه المصريين وغيرهم مستقصيًا باحثًا. وبقدر كثرة المفسرين وتعدد الآراء التي يذهب إليها كل منهم، تتشعب الآراء فيضل الباحث فيما احتوتها من مجلدات" (٢).
وقد تحدثت المناقشات التي دارت في جلسات اللجنة القانونية لمجلس الشيوخ المصري كثيرًا عن عيوب القانون المدني ومصدره (٣).
لماذا حكم ذلك القانون المشوه ديار مصر الإِسلامية؟
إذا كان القانون المدني المصري الذي حكم مصر الإسلامية فيه هذه العيوب فلماذا أقر؟ ولم حكم الديار المصرية سبعين عامًا؟ هل كان ذلك بإرادة المسلمين؟ مهما قيل في عيوب الفقه الإسلامي الذي كان يحكم بلاد المسلمين فإن عيوب هذا القانون تفوق كل وصف. فلماذا ألغيت قوانين الأحكام الشرعية ووضع بديلاً عنها قانون نابليون؟
الجواب: أن الذين أمروا بوضعه من الحكام المصريين كانوا مخدوعين مبهورين بكل ما جاءهم من الدول الأوربية، ويظنون أن قوانينهم وثقافتهم هي الحضارة التي لا غاية بعدها.
- يقول السلطان عبد الحميد في مذكراته: "خدع الإنجليز المصريين بأفكارهم لدرجة أن بعضهم يؤمن بأن طريق الإنجليز هو السبيل إلى الأمن والنجاة، ويفضل القومية على الدين، إنهم يظنون أن حضارتهم ستمتزج بحضارة الغرب دون أن يشعروا بأن هناك تضادًا بين الحضارة الإسلامية والحضارة النصرانية بحيث لا يمكن أبدًا التوفيق بينهما" (١).
هذا جانب، والجانب الآخر أن الشعب المصري المسلم كان مغلوبًا على أمره، فقد اجتمع عليه حكم الكفار الذين احتلوا دياره، وظلم الطغاة الذين ساروا في ركب الكفار ينفذون مطالبهم بلا توان، فلم يكن يملك من أمره شيئًا، ولذلك فرض عليه القانون الفرنسي، جاء في مناقشات مجلس الشيوخ لمشروع القانون المدني الذي أقر في (سنة ١٩٤٨ م) قول الدكتور ملش بك:"إن الأستاذ الوكيل بك وضع يده على مفتاح التشريع حينما قال: إن مصر كانت مغلة بالامتيازات الأجنبية التي كانت أول الأمر منحًا من الولاة ثم
.أضحت قيودًا على استقلال وسلطان البلاد" (١).
وجاء في تلك المناقشات قول مقرر المجلس: "قد احتملت البلاد ذلك القانون على ما به بسبب ظروفنا وأحوالنا الماضية الأليمة".
وقال أيضًا: "اقتصر الأمر في وضع التقنين المدني المختلط على مجرد النقل في اقتضاب جائر عن التقنين المدني الفرنسي بسبب الظروف القاهرة التي كانت تدعو إلى التعجيل من ناحية، وبسبب الرغبة في تيسير إقناع الأجانب بوجوب إقرار الوضع الجديد من ناحية أخرى .. " (٢).
* نظرة في قانون مصر المدني المنفذ في عام ١٩٤٩ والذي وضعه عبد الرزاق السنهوري:
- لقد بين رجال القانون شيئًا من عيوب قانون (١٨٧٦)، وقانون (١٨٨٣) فكيف كان العلاج؟
كنا نظن أن الأمر سيعود إلى نصابه، وذلك بتكليف رجال القانون المسلمين، أعني فقهاء الإسلام بوضع القانون الإسلامي المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله، ليحكم المسلمون بالإسلام الذي فرض عليهم أعداؤهم هجره وإقصاءه.
ولكننا وجدنا الذين يشكلون اللجان لوضع قانون مدني مصري جديد يقعون في الخطأ نفسه الذي وقع فيه من سبقهم، فاللجان تكون من أعداء الإسلام الصليبيين ومن بعض المسلمين الذين غرقوا إلى آذانهم في فقه القوانين الوضعية، وهؤلاء لا يستطيعون أن يفكروا إلا كما فكر أساتذتهم
.الفرنسيون والإيطاليون وغيرهم، يقول المستشار محمد صادق فهمي بك، المستشار في محكمة النقض المصرية في مناقشته لمشروع القانون في جلسات مجلس الشيوخ:
"إننا نعرف تاريخنا، فبعد الشريعة أتت القوانين الجديدة ووضع التشريع وهو مأخوذ من التشريع الفرنسي، ثم انتقلنا منه إلى القانون المدني الأهلي، وقد استحضرنا أساتذة من فرنسا وأرسلنا البعوث إليها، وبدأنا نتعلم اللغة الفرنسية، وأصبحنا نعتبر أن الفرنسية لغة ضرورية كلغة للقانون. والسبب في هذا أن تغيير القوانين لا يكفي فيه التطبيق العملي ولا التفسير الفقهي بل يلزم الرجوع في هذا التفسير إلى المصادر، وحيث إن قانوننا مأخوذ من فرنسا فيجب أن نفسر القانون المصري جنبًا إلى جنب مع القانون الفرنسي حتى نستفيد بهذه الثروة التي أصبحت ثقافتنا متصلة بها كل الاتصال، كما يجب أن نستفيد بهذا الذخر العظيم ألا وهو الأسلوب الفرنسي في القانون، ولا يخفى على حضراتكم ما للفرنسيين من مركز سام خصوصًا فيما يتعلق بالتشريعات المنظمة والموضوعة في مجموعات. وهذه الثقافة التي وصلنا إليها الآن أخشى عليها فيما لو كان المشروع يؤثر عليها ويحاول أن يخرجنا منها فلو كان الأمر كذلك فتكون الطامة الكبرى" (١)، أرأيتم الطامة الكبرى في نظره؟ إنها تتمثل في الخروج عن الثقافة التي وردت من فرنسا.
- ويقول المستشار صادق فهمي في موضع آخر مبينًا مدى تغلغل القانون الفرنسي في عقول رجال القضاء: "لما كان مصدرنا هو القانون الفرنسي في كل أحكامنا وفي كل فقهنا وفي كل تفكيرنا، فإنكم تجدون أن الأحكام تسير بانسجام، وإذا ما رجعتم إلى القضاء الفرنسي فإنكم تجدون أننا
نسير جنبًا إلى جنب مع محكمة النقض، ولقد وصل الأمر عندنا إلى حد أننا نترجم بالكلمة أحكام محكمة النقض والأحكام الفرنسية؛ لأن النصوص مصادرها معروفة" (١).
* مصادر القانون المدني الجديد:
- اعتمد القانون المدني الجديد المقر في سنة (١٩٤٨ م) ثلاثة مصادر:
الأول: القانون المدني الذي وضعه الصليبي مانوري، وأضيف إليه أحكام القضاء المصري طوال سبعين سنة، يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري واضع هذا القانون: "أهم مصادر التنقيح التقنين المدني القديم، بعد أن هذبت وأضيف إليها أحكام القضاء المصري طوال سبعين سنة، بقي فيها القضاء المصري يعمل في تفسير هذه النصوص وتطبيقها، والنصوص التي استقيت من هذا المصدر تكاد تستغرق ثلاثة أرباع التقنين الجديد" (٢).
وجاء في تقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ: "إن المشروع لم يخرج عن التقاليد التشريعية التي استقرت في البلاد منذ إدخال نظام التقنينات عند إنشاء المحاكم المختلطة (سنة ١٨٧٦). والمحاكم الوطنية (سنة ١٨٨٣) " (٣).
وجاء فيه أيضًا: "المصادر التي استمد منها المشروع أحكامه هي التقنين الحالي، وما صدر في شأنه أحكام المحاكم المصرية أولا .. " (٤).
الثاني: "التقنينات الحديث. فقد استحدث القانون الجديد موضوعات
أخذها عن هذه التقنينات، واستأنس في موضوعات أخرى بما تميزت به هذه التقنينات من تقدم في الصياغة ورقي في الأسلوب التشريعي" (١).
والتقنينات التي أخذ منها القانون الجديدة كثيرة: "التقنينات اللاتينية قديمها وحديثها، فالقديم يأتي على رأسه التقنين الفرنسي. ومعه التقنين الإيطالي القديم، والتقنين الأسباني، والتقنين البرتغالي، والتقنين الهولندي، والتقنينات اللاتينية الحديثة تشتمل على التقنين التونسي والمراكشي، والتقنين اللبناني، والمشروع الفرنسي الإيطالي، والتقنين الإيطالي الجديد، وتشتمل على التقنينات الجرمانية وأهمها. التقنين الألماني، والتقنين السويسري، والتقنين النمساوي. ورجع أيضًا إلى التقنين البولوني، والتقنين البرازيلي والصيفي، والياباني، وهذه التقنينات استقت من المدرسة اللاتينية والجرمانية" (٢).
- ويقول واضع القانون: "من كل هذه التقنينات المختلفة النزعة المتباينة المناحي، ويبلغ عددها عشرون تقنينًا استمد المشروع ما اشتمل عليه من النصوص، ولم يوضع نص إلا بعد أن فحصت النصوص المقابلة في كل هذه التقنينات المختلفة ودقق النظر فيها" (٣).
الثالث: الفقه الإسلامي: فقد استبقى التقنين الجديد ما أخذه من التقنين القديم عن هذا الفقه، وأضاف مسائل جديدة إلى ما سبق أخذه (٤).
* القانون المدني لا يمثل الشريعة الإسلامية:
وبالتأمل في مصادر القانون المدني نجد أن "القانون المدني لا يمثل الشريعة
الإسلامية بحال من الأحوال:
١ - لأن التشريع الإسلامي واضعه رب العالمين، أما هذا القانون فواضعه الدكتور عبد الرزاق السنهوري المصري والأستاذ إدوارد لامبير الصليبي الفرنسي، وقد عاون في وضعه الصليبيان استويت وساس.
٢ - أخذ واضعو هذا القانون أكثر من ٨٥% من نصوصه من قوانين الكفار الصليبيين. كما سبق بيانه، ولذلك نراه يبيح أحكامًا حرمتها الشريعة حرمة قطعية كالربا والقمار.
٣ - النصوص القليلة التي أخذت من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي روعي فيها أن تكون متفقة مع المبادئ التي قام عليها القانون، فالقانون هو المهيمن على الشريعة الإسلامية، يأخذ منها ما يوافقه، ويرفض ما لا يتفق مع مبادئه، يقول الدكتور السنهوري في هذا: "يُراعَى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه" (١).
وفي ضوء كلام الدكتور السنهوري يمكننا أن نفهم مراده من جوابه على سؤال الشيخ عبد الوهاب طلعت باشا، فقد سأله الشيخ: "هل رجعتم إلى الشريعة الإسلامية؟ "فقال السنهوري: "أؤكد لك أننا ما تركنا حكمًا صالحًا في الشريعة الإسلامية يمكن أن يوضع في هذا القانون إلا وضعناه" (٢).
فمدى صلاح الحكم الموجود في الشريعة الإسلامية للقانون المدني مبني
..على موافقته للمبادئ التي بني عليها القانون الوضعي، وهل يليق بالدكتور السنهوري أن يقسم أحكام الشريعة إلى أحكام صالحة وأحكام غير صالحة، وينصب نفسه حكمًا يأخذ منها ما يشاء ويدع ما يشاء!!، ولاحظ قوله: "يمكن أن يوضع في هذا القانون"لتعلم أن بعض الأحكام التي يمكن أن تكون صالحة في رأيه لم يأخذ بها؛ لأنه لا يمكن وضعها في ذلك القانون لمعارضة مبادئ القانون لها.
وفي إجابة أخرى للدكتور السنهوري على سؤال من الشيخ عبد الوهاب طلعت قال الدكتور السنهوري: "لقد أخذنا كل ما يمكن أخذه عن الشريعة الإسلامية مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث" (١).
لاحظ في الإجابة قوله: "كل ما يمكن أخذه"، وقوله: "مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث"لتعلم أنه أقام نفسه وأصول التقنين الحديث حاكمًا على شريعة الله يأخذ منها ما وافق أصول التقنين الحديث، ويترك ما خالفه، كأنما حكم الله وشرعه متروك لأحكام البشر وأهوائهم.
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٥].
وقد اقترح الدكتور السنهوري أن تكون المادة الأولى في القانون هكذا "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا
القانون .. " (١)، فهو يريد تقييد القاضي عندما لا يجد نصًا في القانون ولا في العرف فيأخذ من الشريعة أن يكون أخذه من الشريعة محكومًا بالمبدأ الأكثر ملاءمة لنصوص القانون، فيجعل القانون هو الحاكم والمهيمن على الشريعة الإسلامية، وفي هذا ما فيه.
ْوالمادة الأولى من القانون المدني تقول: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة" (٢).
- وهذه المادة تحرم على القاضي الرجوع إلى الشريعة الإسلامية التي ألزم الله الحكام المسلمين بتحكيمها ما دام الحكم منصوصًا عليه في القانون المدني الوضعي، فإذا لم نجد الحكم في نصوص القانون فيوجب علينا واضعه الرجوع إلى عرف البشر، ويجعل أعراف البشر مقدمة على أحكام الشريعة الإلهية، ثم يمن علينا واضع القانون بأن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث، ويمن علينا أنه قدمها على القانون الطبيعي وقواعد العدالة، يقول الدكتور السنهوري في هذا: "الشريعة الإسلامية هي المصدر الثالث للقانون المدني المصري، وهي إذا أتت بعد النصوص التشريعية والعرف، فإنها تسبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة" (٣)، وكونها تسبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ليس مبررًا لأن يسبقها التشريع الذي أخذت معظم نصوصه من القوانين الوضعية، وأعراف البشر التي كثيرًا ما تكون أعرافًا
خللى السلاح صاحى، صاحى (3)
كما عرفنا من قبل فإن الإدارة الأمريكية تحترم فى العادة القوانين واللوائح الصادرة عن الكونجرس والإدارات السابقة. إلا إذا..
إلا إذا كان الأمر يتعلق بمفهوم مطاط لا حدود له يدعى الأمن القومى. فالسيد/ فيرنهير فون براون كان عذوا فى الحزب النازى وكان يضع شارة الإس إس وكانت الإس إس هى الجهة المشرفة على أبحاثه وتجاربه فى مجال الصواريخ وكانت تجاربه فى مجال الصواريخ تحتاج إلى كثير من العمال للحفر والنقل وصب خرسانات القواعد وخلاف ذلك من الأعمال التى تحتاج إلى قوة بشرية كبيرة. وفى ظروف الحرب ونقص الرجال بسب وجودهم على الجبهة كان من يقوم بهذا العمل هم الأسرى من الأعداء أو المدنيون من الدول التى دخلها الجيش الألمانى وكانوا ينامون فى العراء بلا خنادق تقيهم شر الغارات الجوية بينما الخنادق والمخابىء يستعملها فقط الألمان المشرفون عليهم وكانت حصص الطعام لهم أقل من الألمان وكذلك نصيبهم فى الرعاية الطبية.
وهذه وحدها جريمة فى حق الإنسانية خلافا لجريمة الإنضمام لتنظيم إجرامى مثل الإس إس.
والقانون الأمريكى يمنع النازيين من الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة وعلى ذلك فأضعف الإيمان كان عدم السماح لفيرنهر فون براون بدخول الولايات المتحدة إن لم يكن تقديمه للمحاكمة.
إلا أن...
إلا أن شيئا من هذا لم يقع بل على العكس. فقد تم العثور عليه بسهولة، حيث أنه كان يريد التوصل إلى الجانب الأمريكى تفضيلا له على الجانب الروسي، ترحيله إلى الولايات المتحدة وإعفاؤه من المحاكمة وتوفير قدر معقول من الراحة له تحت رقابة الجيش إلى أن تم تكليفه هو وكثير من أفراد طاقمه بإنشاء مشروع الصواريخ الأمريكى. إذ أن أبحاثه فى ألمانيا كانت متقدمة عن المعروف فى أمريكا بحوالى 25 عاما فى ذلك الوقت.. وهذه الثغرة البحثية كان على فون براون أن يسدها نظير حريته.. وقد فعل وحصل على الجنسية الأمريكية رغم نازيته وماضيه المعروف..
والآن يجب على المرء لكي يتفهم العقلية الأمريكية التى كانت سائدة فى تلك الفترة لابد أن يضع نفسه محل أحد الضباط الكبار الأمريكيين فى ذلك الزمان.
أنت قد شهدت بلادك تضرب من قوة آسيوية ويتحطم أسطولها وتهدد بالغزو البرى وبأن يستعبد اليابانيون السكان البيض وعرفت أن بلادك لا حول لها ولا قوة وأنها على المرتبة رقم 16 بين دول العالم عسكريا. ولكن فى خلال عامين بالضبط من التركيز المالى والتسليحى والمخابراتى أمكن لك أن ترى بلادك وقد نجحت فى الهبوط الصعب على شواطئ فرنسا بعد أن هبطت هبوطا سهلا على شواطئ جنوب إيطاليا (بمساعدة عصابات المافيا) وأحكمت الكماشة من الغرب والجنوب على ألمانيا بينما الحليف الروسي يتقدم من الشرق وبالتالى وقعت ألمانيا فى مصيدة لا مهرب منها. كل ذلك كما أسلفت فى نطاق عامين إثنين. كما أنك رأيت بلادك تتسيد الجو بتفوق ساحق فى الطيران (بلغ عدد الطائرات الأمريكية من كل الأنواع ما لا يقل عن 300 ألف طائرة) وكلها من صنع مهندسيك ةمصانعك ومن خامات موجودة على أرضك وبتمويل إقتراضى من شعبك، أى أنك لا تحتاج إلى أحد.
إن الحرب العالمية الثانية وضعت أساسا جديدا للتصارع بين الكنتل البشرية، فلم تعد الشجاعة أو الخطة الحسنة أو الإستعمال الجيد للمعدات أو الخداع الستراتيجى هى روشتة النصر، وإنما تفوق الإمكانيات العددية والتكنولوجية. وأظن أن هذه الطريقة هى التى تتبعها إسرائيل فى الشرق الأوسط.
أما وأن الحال هكذا، فلماذا لا يفكر أى ضابط أمريكى كبير فى قيادة الأركان فى السيطرة العسكرية على العالم؟ لقد تكلفت القنبلتين الذريتين بكل الأبحاث التى أجريت خلال كل هذه السنوات فقط مبلغ 2 مليار دولار، بينما بلغ مقدار ما جمعته عملية الإقتراض السندى داخل أمريكا 185 مليار دولا، أى أن حوالى 1% فقط من حجم الأموال المتاحة قد وفر لك القنبلتين. وبهاتين القنبلتين تمت لأمريكا السيطرة على العالم عسكريا وأدبيا حيث لم يكن هناك من قوة تمتلك هذا السلاح الجديد غير العم سام الذى كان قبل 4 سنوات فقط غير قادر على أى عملية عسكرية كبيرة بسبب نقص التدريب والمعدات والخبرة.
ما أرخصه من عالم يمكن السيطرة عليه بسعر زهيد جدا !!!
وللمرء ان يتصور اثر هذه المعلومات عن قوة أمريكا العسكرية علي تفكير شباب ضباط جيش في نهايات العشرينات من العمر أسماءهم جمال وأنور وعبد الحكيم وصلاح وعبد اللطيف الخ.. وبالتالى فقد كان خيارهم واضحا.
ولكن بعد كل هذا التفوق والنجاح المكتسح لكل ما أمامه فى خلال 3 أعوام فقط كانت هناك الحاجة إلى التغطية الفكرية لهذه السيادة على العالم والتى لم تكن بعد قد وجدت. فمن بعد المال والعتاد والعسكر والسيطرة لابد من جعل هذه السيطرة جذابة فكريا.
فى كتاب محمد حسنين هيكل بين الصحافة والسياسة، وهو كتاب كرس بصفحاته التى تعدت 500 صفحة على ما أذكر، كرس للهجوم على مصطفى أمين ولتبرير إعتقاله لمدة تربو على 8 سنوات، قال هيكل أن الولايات المتحدة فى سعيها إلى نشر فكرها وطريقة حياتها ربما تكون قد ساهمت فى تمويل إنشاء عدد من الصحف فى العالم كله الهدف منها كسر التبعية لانجلترا وإنشاء التعاطف مع الفكر الأمريكى الذى لم يكن معروفا فى ذلك الوقت. وقال هيكل أن صحف أخبار اليوم وكيهان فى إيران قد أنشئوا فى نفس الوقت ومن جانب شباب لا ينتمى للمؤسسة القائمة (كان عمر مصطفى أمين 30 عاما عندما أنشأ اخبار اليوم).
وبصرف النظر إن كانت هذه المعلومة مضللة أو صحيحة إلا أن المنطق السليم يجعل من صحتها هو السياق الطبيعى للأحداث. فالولايات المتحدة لم تكن مشتبكة فقط فى حرب مع ألمانيا واليابان، وإنما كانت أيضا فى حالة حساب تكلفة وأرباح فى كل ما تفعل وما فعلت.
بيـــان التحريف والتدليس فى نص التثليث-1
بيـــان التحريف والتدليس فى نص التثليث - رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
March 2, 2013 at 8:58pm
بسم الله الرحمن الرحيم والحمدالله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد بن عبدالله وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن يهديه الله فهو المهتدي ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله ألا الله وأشهد أن محمد عبدهُ ورسوله وأشهد أن عيسى أبن مريم عبد الله ورسوله وأسال الله تعالى أن يوفقني ويوفقكم فيما رضاه لنا ولكم
قال الله تعالى في كتابه الحكيم
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41
{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة13
{مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء46
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }آل عمران71
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران78
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }آل عمران79
{وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ }النساء44
فيما يلى بحث حول الفاصلة اليوحناوية ( رسالة يوحنا الأولى 5 :7 ) التى يستشهد بها زكريا فى كتاباته والأصدقاء النصارى كثيراً فى اثبات معتقد التثليث .. نتحدى بطريرك الكرازة المرقسية شخصياً هو وجميع الأنباوات واعضاء المجمع المقدس ان يأتوا لنا بنص فى الكتاب المقدس يدلل على عقيدة التثليث
صديقى النصرانى هذا البحث يتناول بعض النقاط التى تؤكد انه تم تحريف هذا النص عمداً لتدعيم فكر لاهوتى كما وضحت سابقاً لإيجاد دليل على معتقد الثالوث الذى ليس له وجود داخل الكتاب المقدس لذا قاموا الأباء والنساخ بالتحريف كما سنوضح بالدليل - وموضوع البحث هذا من كتابك المقدس والمراجع المسيحية المصورة لعلماء النقد النصى والترجمات اليونانية للكتاب المقدس ، ولا تناول فيه لأى مرجع إسلامى او وجهة نظر إسلامية ، والأسئلة المطروحة فيها محل بحث ونقاش جاد لا للإستهزاء او الإساءة لذا وجب التنوية على الأتى:
1- عدم الخروج عن صلب الموضوع
2- سوف تُحذف جميع الردود الخارجة عن السياق
3- سيتم حذف كل من يتطاول بالشتم والسب والاستهانه بمقدسات الطرف المخالف
4- التأكيد على الأصدقاء النصارى على حتمية البحث والتنقيب فى كل كلمة فى هذه السلسلة كما يوصيكم المسيح نفسه فى ( يوحنا 5 : 39 ) فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي
5- الإلتزام بمنهجية الدليل والبرهان فالكتاب المقدس يقول فى رسالة بطرس الرسول الأولى 3: 15"مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ"وحينما تقرأ الترجمة اليسوعية لهذا النص تجده يقول "كونوا مستعدين لأن تردوا على ما أنتم عليه من رجاء"والقس داوود لمعى يقول "أنت كخادم أو كمسيحى جاهز ترد على أى شخص فى أى وقت على أى سؤال "والدكتور وليم باركلى فى تفسيره لهذا النص يقول "إنه من مآسى الزمن الذى نعيش فيه أنه يوجد العدد الكبير من أعضاء الكنائس لو سُئِلوا عما يعتقدون لما استطاعوا الإجابة بشئ ولو سُئِلوا لماذا يعتقدون بما يعتقدون لأصبحوا عاجزين عن الرد إن المسيحى يجب أن يُعمل الفكر فيما يعتقد حتى يستطيع مجاوبة كل من يسأله عما يعتقد وعن سب اعتقاده"والتفسير التطبيقى للكتاب المقدس يقول حينما شرح النص السابق"ينبغى أن نكون مستعدين دائما أن نجاوب برقة ووداعة وأدب واحترام كل من يسأل عن إيماننا وأسلوب حياتنا أو مفهومنا المسيحى
بسم الله نبدأ ..
رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ.
بداية ، هذا هو النص فى ترجمة الفاندايك او الطبعة البيروتية التى هى الأن بين يدى النصارى
تعالوا نبحث عن هذا النص فى الترجمات المسيحية الأخرى وننظر هل هذا النص موجود بالفعل ام انه غير موجود ؟
مرجع : الترجمة العربية المشتركة – رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
النص غير موجود فى ترجمة العربية المشتركة
هذه الترجمة شارك فيها الطوائف المسيحية كاثوليك وارثوزوكس وبروتستانت
بعدها تلاحظ مكتوب على الهامش فى أسفل الصفحة
هذه الإضافة وردت فى بعض المخطوطات اللاتينية القديمة !
اللاتينية يعنى غير اللغة الآرامية القديمة
نكمل .. هل النص موجود فى باقى التراجم ام لأ ؟
مرجع : الترجمة اليسوعية – رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
نلاحظ عدم وجود النص فى الترجمة اليسوعية
مرجع : الترجمة العربية المبسطة – رسالة يوحنا الأولى 5:7
النص غير موجود فى الترجمة العربية المبسطة !
مرجع : الترجمة البولسية – رسالة يوحنا الأولى 5:7 :
النص غير موجود فى الترجمة البولسية ! هناك تعليق فى أسفل الصفحة ... *** بأنه اضيف فى الفلغاطا وبعض النسخ اليونانية واضاف النص فى الهامش أسفل
مرجع : ترجمة الإنجيل الشريف – رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
النص غير موجود فى ترجمة الإنجيل الشريف !
مرجع : ترجمة الحياة – رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
عندما تقرأ فى ترجمة الحياة المطبوعة فى مصر ، ستجد فى مقدمه الكتاب ملحوظة : ما بين الأقواس هو تفسير لعبارات صعبة الفهم او مقاييس ومكاييل قديمة وضعنا ما يقابلها بالقيمة الحديثة بين الأقواس .. النص بين اقواس!!!
النص بين اقواس
مرجع : ترجمة الحياة طبعة السويد – رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
النص غير موجود
اذن النص غير موجود
النص غير موجود فى ترجمة الحياة طبعة السويد !
لا فى العربية المشتركة
ولا فى الترجمة اليسوعية
ولا فى الترجمة الكاثوليكية
ولا فى ترجمة الحياة طبعة السويد
ولا فى ترجمة الإنجيل الشريف
ولا فى ترجمة العربية المبسطة
ولا أى ترجمة عربية موجود الا فى الترجمة البيروتية او ترجمة الفاندايك !
السؤال الأن : لماذا تمت اضافة النص ؟؟ ومتى تمت اضافته
!!بعض الترجمات الإنجليزية تثبت ان النص محرف وغير موجود تماماً
(Complete Jewish Bible)
1 John 5:7
There are three witnesses - 8 the Spirit, the water and the blood - and these three are in agreement
http://www.biblestudytools.com/cjb/1-john/5.html
Holman Christian Standard Bible
1 John 5:7 For there are three that testify:i, j 8the Spirit,k thewater, and the bloodl—and these three are in agreement.http://hcsb.scripturetext.com/1_john/5.htm
The English Darby Bible
1 John 5:7
7 For they that bear witness are three:
8 the Spirit, and the water, and the blood; and the three agree in one.
http://www.biblegateway.com/passage/?search=1%20John+5&version=DARBY
English Standard Version (ESV)
1 John 5:7
For there are three that testify: 8 the Spirit and the water and the blood; and these three agree.http://www.biblegateway.com/passage/?search=1+John+5%3A7-8&version=ESV
GOD'S WORD translation
1 John 5:7
There are three witnesses: 8 the Spirit, the water, and the blood. These three witnesses agreehttp://www.biblestudytools.com/gw/1-john/5.html
New American Standard Bible (NASB)
1 John 5:7
For there are three that testify: 8 [j]the Spirit and the water and the blood; and the three arehttp://www.biblegateway.com/passage/?search=1%20John+5&version=NASB
وتأكيداً على ما سبق إليكم العهد الجديد يوناني عربي ترجمة بين السطور ( بولس الفغالي ) :
مرجع : العهد الجديد – يونانى عربى – ترجمة ما بين السطور - شارك فيها الخورى بولس الفغالى - – رسالة يوحنا الأولى 5 : 7
النص غير موجود وهذا يؤكد ان هناك من قام بالتحريف عم عمد وقصد !!!
والنص أيضاً غير موجود في الترجمة اليونانية والتي شارك فيها عدد من علماء المخطوطات الكتاب المقدس !
مرجع : الترجمة اليونانية للعهد الجديد – شارك فيها عدد من علماء مخطوطات الكتاب المقدس – صـ 819
Greek New Testament 4th Revised Edition p 819 .
مرجع : الترجمة اليسوعية – مدخل رسائل يوحنا – ص 764
من الأكيد انها غير مثبتة !!
لم يرد هذا النص فى المخطوطات فيما قبل القرن الخامس عشر ،، 1500 سنة النص مش موجود !! ولا فى الترجمات القديمة ! ولا فى احسن اصول الترجمة اللاتينية !! والراجح انه ليس سوى تعليق كتب فى الهامش ثم اقحم فى النص فى اثناء تناقلة فى الغرب !!
مرجع : دائرة المعارف الكتابية – الجزء الثالث ص 764
محرروا دائرة المعارف الكتابية القس الدكتور صمؤئيل حبيب رئيس الطائفة الإنجيلية سابقاً والدكتور القس منيس عبد النور وهذا المرجع يستشهد به الارثوزوكس ويدرس فى الكليات الإكليريكية الخاصة بالأرثوزوكس !
بعض الإضافات لتدعيم فكر لاهوتى !!!!!!
1500 سنة النص غير موجود
اضافة غير مقصود كيف ؟ وهى لتدعيم فكر لاهوتى !!! أكيد النص هذا اضيف عن عمد
!!! كيف لتدعيم فكر لاهوتى وهى غير مقصودة !
النص اضيف فى القرن الخامس عشر لتدعيم فكر لاهوتى !!!
بيـــان التحريف والتدليس فى نص التثليث-2
مرجع : كتاب عشرون محاضرة فى شرح رسائل يوحنا - وليم كيلى صـ 385
وقد تناول إعلام التحقيق الكتابيون هذه القضية بالبحث والتحري فخرجوا بهذه النتيجة وهي أن الفقرة جاءت عرضاً بطريق الاستنتاج البشري!!!!!!!!!!! الكتاب المفترض انه كتاب ربنا حرفوة النساخ أدخلوا عليه كلام بشرى!!!
مرجع : مقدمة العهد الجديد – النقد النصى - دكتور باركر صـ 152
طبقاً للدكتور بارت إيرمان ، فقد تم تبديل النص من أجل أن يتم يتفق ويتسق مع العقيدة الأرثوذكسية .... وذلك بحذف العبارات التى تبدو مدعمة لأراء الهرطقة
ان التبديل الذى حدث فى النصوص ...حدث حتى يحدث أنسجام بين النص وبين المُعتقد اللاهوتى ... عن طريق حذف النصوص التى تؤيد اى معتقد هرطوقى
!! ما هى قصة التحريف فى نص الثالوث والعقائد المسيحية
مرجع : العهد الجديد - النقد النصى - دكتور بروس متزجر صـ 146.148
أكبر علماء النقد النصى ( بروس متزجر ) يروى لنا قصة هذا النص
كان هناك انتقاد موجة الى ارازموس ( صاحب اول طبعة للعهد الجديد ) ...ان نصه لا يوجد به ... نص الثالوث (الأب ، الكلمة و الروح القدس و هؤلاء الثلاثة واحد) ... ورد عليهم ارازموس ان هذا النص لم يجده فى اى مخطوطة يونانية.... ودرس ارازموس خلال هذا الوقت مخطوطات اخرى بجانب الذى اعتمد عليهم فى تحضير نصه .... ومن المحتمل ان ارازموس وعدهم انه سيدخل نص الثالوث فى الطبعة المستقبلية ... لو وجد هذا النص فى اى مخطوطة يونانية..... ومن المحتمل انة تم كتابة المخطوطة اليونانية ( التى تحتوى على نص الثالوث ) فى أوكسفورد سنة 1520 بواسطة راهب يُسمى فروى او روى ... ثم ذكر المخطوطات اليونانية .. التى تحتوى على هذا النص والتى يعود أقدمها الى القرن الرابع عشر تقريبا ...!!
ثم قال فى صفحة 148 ..يعترف العلماء ان هذة الكلمات ليست ضمن العهد اليونانى ...
يقول العلامة بروس متزجر فى صفحة 265
من الصعب تقدير عدد التغييرات المتعمدة التى حدثت فى النص بسبب الأختلافات المذهبية .... اريناؤس وكلمندس السكندرى وترتليان ويوسابيوس القيصرى والكثير من اباء الكنيسة ...اتهموا الهراطقة بتحريف المخطوطات من أجل تدعيم وجهة نظرهم الخاصة
يقول العلامة بروس متزجر فى صفحة 266
فى منتصف القرن الثانى ...قام ماركيون بحذف أجزاء من نسخه لإنجيل لوقا
وقام تاتيان بمذج الأناجيلوالتى احتوت تغييرات نصية كثيرة ...وحتى بين المسيحيين الأرثوذكس ...فكل طائفة غالبا ما كانت تتهم الأخرى بتبديل النصوص فى المخطوطات
مرجع :كتاب تحريف أقوال يسوع – دكتور بارت إيرمان صـ 81.82
يقول بارت إيرمان عن نص يوحنا 5 : 7" بعد ان اعترف ان هذا النص هو النص الوحيد الذى يشير بوضوح الى عقيدة الثالوث ، ان ارازموس لم يجد هذا النص فى مخطوطاتة اليونانية ... والتى تقرأ هناك ثلاثة يشهدون الروح الماء والدم وهؤلاء الثلاثة هم واحد ، أين الاب والابن والروح القُدس ؟؟؟؟ .... لا يوجد ذكر لهم فى مخطوطة ايرازموس وهذا اثار غضب اللاهوتيين منه .... وقد اتهموه بمحاولة الخلاص من عقيدة التثليث ..!! ويقول ايضا " مع مضى القصة وافق ارازموس ربما فى لحظة ضعف .!!! .... ان يضع هذا العدد فى الطبعة المستقبلية .... ولكن بشرط واحد ...ان يقدم له خصومه مخطوطة يونانية واحدة يوجد بها هذا العدد .....وظهرت مخطوطة يونانية الى الوجود بهذة المناسبة ..!! .....ويبدو ان شخص قام بترجمة قام بترجمة النص اللاتيني إلى اليونانية وظهرت الفاصلة اليونانية فى شكلها المألوف
كان يتم التبديل فى نصوص العهد الجديد .. لأسباب لاهوتية ... فكان الناسخ يريد ان تقول النصوص ما يقوله .... واحيانا كان هذا بسبب الخلافات اللاهوتية ...!!!
يقول بارت إيرمان عن نص يوحنا 5 : 7" بعد ان اعترف ان هذا النص هو النص الوحيد الذى يشير بوضوح الى عقيدة الثالوث ، ان ارازموس لم يجد هذا النص فى مخطوطاتة اليونانية ... والتى تقرأ هناك ثلاثة يشهدون الروح الماء والدم وهؤلاء الثلاثة هم واحد ، أين الاب والابن والروح القُدس ؟؟؟؟ .... لا يوجد ذكر لهم فى مخطوطة ايرازموس وهذا اثار غضب اللاهوتيين منه .... وقد اتهموه بمحاولة الخلاص من عقيدة التثليث ..!! ويقول ايضا " مع مضى القصة وافق ارازموس ربما فى لحظة ضعف .!!! .... ان يضع هذا العدد فى الطبعة المستقبلية .... ولكن بشرط واحد ...ان يقدم له خصومه مخطوطة يونانية واحدة يوجد بها هذا العدد .....وظهرت مخطوطة يونانية الى الوجود بهذة المناسبة ..!! .....ويبدو ان شخص قام بترجمة قام بترجمة النص اللاتيني إلى اليونانية وظهرت الفاصلة اليونانية فى شكلها المألوف
كان يتم التبديل فى نصوص العهد الجديد .. لأسباب لاهوتية ... فكان الناسخ يريد ان تقول النصوص ما يقوله .... واحيانا كان هذا بسبب الخلافات اللاهوتية ...!!!
يقول بارت إيرمان عن نص يوحنا 5 : 7" بعد ان اعترف ان هذا النص هو النص الوحيد الذى يشير بوضوح الى عقيدة الثالوث ، ان ارازموس لم يجد هذا النص فى مخطوطاتة اليونانية ... والتى تقرأ هناك ثلاثة يشهدون الروح الماء والدم وهؤلاء الثلاثة هم واحد ، أين الاب والابن والروح القُدس ؟؟؟؟ .... لا يوجد ذكر لهم فى مخطوطة ايرازموس وهذا اثار غضب اللاهوتيين منه .... وقد اتهموه بمحاولة الخلاص من عقيدة التثليث ..!! ويقول ايضا " مع مضى القصة وافق ارازموس ربما فى لحظة ضعف .!!! .... ان يضع هذا العدد فى الطبعة المستقبلية .... ولكن بشرط واحد ...ان يقدم له خصومه مخطوطة يونانية واحدة يوجد بها هذا العدد .....وظهرت مخطوطة يونانية الى الوجود بهذة المناسبة ..!! .....ويبدو ان شخص قام بترجمة قام بترجمة النص اللاتيني إلى اليونانية وظهرت الفاصلة اليونانية فى شكلها المألوف
كان يتم التبديل فى نصوص العهد الجديد .. لأسباب لاهوتية ... فكان الناسخ يريد ان تقول النصوص ما يقوله .... واحيانا كان هذا بسبب الخلافات اللاهوتية ...!!!
دكتور بارت إيرمان "كان يتم التبديل فى نصوص العهد الجديد .. لأسباب لاهوتية... فكان الناسخ يريد ان تقول النصوص ما يقوله .... واحيانا كان هذا بسبب الخلافات اللاهوتية ...!!!
يقول د.بارت ايرمان ..متهماً الأرثوذكس بتحريف الكتاب المُقدس صـ 53
فالنساخ الذين كانوا مؤمنين بالتقليد الأرثوذكسي كثيرا ما قاموا بتحريف النصوص ، أحيانا بهدف التخلص من احتمال أن "يسئ استخدامها "المسيحيون لتأكيد العقائد الهرطوقية وأحيانا ليجعلوها أكثر موافقة للعقائد التي يتبنّاها مسيحيو طائفتهم
مرجع : كتاب دراسات الكتاب المقدس - دكتور ريتشارد سولين
دكتور ريتشارد سولين يعلق قائلاً على نص يوحنا 5:7 "ان الفاصلة اليوحانوية دخلت عن طريق الخطأ .. الى الترجمة اللاتينية ... وقد حذفها ارزموس فى البداية .. ثم عاد وارعجها بعد احتجاج ...!!!
ويقول المُفسر البرت بارنز بعد ان أقر بعدم صحة النص
ان الفاصلة لم تُقتبس ابدااا من الاباء اليونانيين أثناء الخلافات حول عقيدة الثالوث .. وهذا النقطة مهمة جداا ...فلا يمكن اهمالها لو كانت الفقرة قانونية ( صحيحة ).
III. It is never quoted by the Greek fathers in their controversies on the doctrine of the Trinity - a passage which would be so much in point, and which could not have failed to be quoted if it were genuine
http://www.bibletools.org/index.cfm/...632/RTD/barnes
========================
ويؤيده فى كلامه المُفسر الكبير ادم كلارك بعد ان أقر بعدم صحة النص
But it is likely this verse is not genuine. It is wanting in every MS. of this epistle written before the invention of printing, one accepted, the Codex Montfortii, in Trinity College, Dublin: the others which omit this verse amount to one hundred and twelve.
http://www.godrules.net/library/clarke/clarke1joh5.htm
مرجع : النقد الكتابى للعهد الجديد - العالم دكتور بروس متزجر
The passage is quoted by none of the Greek Fathers, who, had they known it, would most certainly have employed it in the Trinitarian
لا يوجد اى اب من اباء الكنيسة اليونانيين الذين تكلموا عن التثليث أقتبس العدد
مرجع :النقد الكتابى للعهد الجديد - العالم الدكتور كيث إليوت صـ 39
سوف نمر على بعض الحالات ..التى تحتوى على نصوص لاهوتية حساسة ...يبدو فيها ان النص تم قصه عمداً ..من أجل اجتناب كلمة أو عبارةربما تسبب اشمئزاز القراء القدامى ..!!
مرجع :الترجمة اليسوعية - تحت عنوان "تشوية النصوص" صـ 53
أن هناك نساخ قاموا بإدخال تصحيحات لاهوتية ..!!على تحسين بعض التعابير التى كانت لهم مُعرضة لتفسير عقائدى خطير
المخطوطة الفاتيكانية والسينائية والسكندرية – رسالة يوحنا 5 : 7 ...ونلاحظ عدم وجود النص
المخطوطة السينائية ( حوالى 350 م )
المخطوطة الفاتيكانية ( أواخر القرن الرابع )
المخطوطة السكندرية ( القرن الخامس )
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم ...
خللى السلاح صاحى، صاحى (4)
قاعدة هويلس الجوية التى بناها الإيطاليون أثناء إحتلالهم لليبيا تحت إسم الملاحة ظلت فى أيديهم حتى طردهم البريطانيون منها أثناء الحرب العالمية وظلت فى يد إنجليزية حتى بعد وقوع إستسلام ألمانيا فى 8 مايو 1945. ثم إنتقلت السيادة عليها للولايات المتحدة التى إستحوذت عليها بالكامل بعد أسبوع واحد من تحقيق النصر. وهذه القاعدة ظلت فى أيدى الأمريكيين حتى عام 1970 عندما أخلوها فى إحتفال إعتبره القذافى نصرا هائل الدوى وحضر الحفل جمال عبد الناصر شخصيا.
وجاء ذلك الإنتقال من اليد البريطانية إلى اليد الأمريكية فى الغالب كنتيجة لإتفاقيات بين البلدين حصلت إنجلترا بمقتضاها على قروض أمريكية بلا فوائد أثناء الحرب فيما عرف بقانون الإقراض والتأجير Lend Lease Actالذى صدر عن الكونجرس قبل غارة بيرل هاربور بشهور عديدة. أى أن الولايات المتحدة كانت تعلم ماذا تفعل حتى من قبل دخولها الحرب. وكلمة Leaseتعنى الإنتفاع الطويل مقابل أجرة وهو ما يجعلنى أعتقد أن هذه القاعدة الجوية كانت محلا لتطبيق هذا القانون. بمعنى نحن نبرم الآن معكم الآن عقد إيجار لشىء لم تحصلوا عليه بعد وسوف تحاربون أنتم فى سبيل الحصول عليه ويموت جنودكم حتى تستطيعون تسليمه إلينا بصفة نهائية، ومقابل ذلك هانحن ندفع الأجرة مقدما..
ما هى هذه القدرة العاتية والغلبة التعاقدية؟ شىء يكاد يصل إلى إعجاز فى العلاقات الدولية.
ولا يوجد لدي تفسير لقبول بريطانيا بهذه الشروط سوى أنها كانت تحتاج بشدة إلى دخول الولايات المتحدة للحرب حتى تستطيع أن تغير توازن القوى الذى كان مائلا بشدة لصالح ألمانيا فى البداية، وبالتالى كانت مستعدة لقبول جميع الشروط حتى ماكان منها بالغا فى الإجحاف بمركزها.
والشىء الملحوظ هو أنه فى نفس هذا الوقت بينما كان الرئيس الأمريكي يعد العدةلكي يتدخل بطريقة ما فى مسار الحرب إلى جانب إنجلترا فقط والكومنولث (لم تكن روسيا قد دخلت الحرب بعد) كان ستالين مخدوعا بالكامل من جانب هتلرإذ كان مطمئنا إلى الإتفاق الذى تم التوصل إليه بينهما بعدم الإعتداء قبل غزو بولندا بأسبوع واحد فى 24 أغسطس 1939.
إلى درجة أن ممثلا مخصوصا لألمانيا حضر إحتفالات عيد العمال فى الميدان الأحمر أول مايو 1941 واقفا إلى جانب ستالين، وهو تكريم رفيع، بصفته مندوب الرايخ الألمانى. ولهذا لم يصدق ستالين نفسه يوم أن غزت القوات الألمانية أراضى الإتحاد السوفيتى بجيش قوامه 3 مليون جندى بعد هذه المناسبة بسبعة أسابيع فقط يوم 22 يونيو !!!
وهذا هو فارق العقلية بين النظم الديموقراطيةالتى تنتقى رئيسها عبر عديد جدا من المرشحات والحواجز وآليات الإستبعاد والإختيار الجيد، وبين النظم الدكتاتوريةالتى يتربع فيها السيد الأعلى على كرسى الحكم بأى طريقة من القتل أو الغدر أو الصدفة ثم يظل على هذا الكرسى حتى يموت.
بيد أن هناك موضوع فرعي إلا ان ذكره مرتبط بالسياق ارتباطا لا يمكن فصمه:
الذى لم أستطع تبينه بعد هو الكشف عن صاحب هذه الرؤية المتكاملة لدخول أمريكا الحرب والذى كان يضع هذه الشروط ويشرف على تنفيذها الدقيق سواء مع بريطانيا أو مع روسيا أو الصين أو حتى فيتنام التى كانت الولايات المتحدة تدعم فيها نظام الرئيس هوشي منه. ومن المؤكد أن الرئيس روزفلت كان يقف على رأس فريق من كبار الفاهمين للشئون الدولية بدليل توصله إلى جنى أكبر ثمار للحرب بالرغم من تكبده أقل الخسائر البشرية.
فالجنرال آيزنهاور كان يقدر أن المقاومة الألمانية سوف تكون أشرس ما يمكن حول برلين وداخلها ولذلك فضل الذهاب فى نزهة عسكرية إلى النمسا وتشيكوسلوفاكيا اللتين لم تكنا على أي قدر من الأهمية الستراتيجية وظل بعيدا بقواته عن برلين وترك العمل الثقيل القذر للروس لكي يقوموا به. ومع ذلك فقد نصت إتفاقيات يالتا التى عقدت فى فبراير 1945 أى قبل النصر بثلاث شهور فقط على أن يكون للغرب نصيب فى برلين عقب تحريرها، رغم أن الغرب لم يساهم فى هذا التحرير.
أى عقلية نافذة تلك التى تقترح تلك الشروط ثم تقنع الروس بها؟
هل هو جيمس بيرنز؟ أم أنه الجنرال مارشال رئيس الأركان؟ أم هو برنارد باروخ؟
أم أنهم المساعدون الأقل درجة؟
لست أدرى ولم أجد مرجعا واحدا يشير إلى أشخاص هؤلاء سوى هنرى مورجنتاو الذى كان يريد إنزال أشد العقاب بألمانيا عن طريق تفكيك الصناعات بها وتهجير شبابها إلى خارج البلاد (ورد إسم تونس فى تلك الأوراق كوجهة إعادة توطين هؤلاء الألمان). لولا أن الرئيس روزفلت رفض هذا النهج حتى لا تتكرر حرب عالمية جديدة على غرار الحرب الثانية بسبب إهانة ألمانيا بطريقة توجب عليها إعادة القتال.. وهذه أيضا نظرة جديدة أتى بها روزفلت وثبت صدق تحليله فى شأنها. وهذا الموضوع بالذات لابد له من وقفة مستقلة لأنه يعبر تعبيرا شديدا عن الفكر الستراتيجى الأمريكى الذى إستقر منذ يومها وحتى وقتنا هذا، ولكنه خارج مجال هذه الملاحظات.
.
ثم كان أن جاء وقت إقتسام الغنائم. كان الإتحاد السوفيتى يرى أن تعويضات الحرب يجب أن تستوفى جميعا من ألمانيا بلا رحمة. وكان الجزء الذى يسيطر عليه الروس فى الشرق زراعى بطبيعته بينما كان الجزء الصناعى يقع فى الغرب الذى تسيطر عليه بريطانيا (منطقة الرور). وكانت فكرة القيادة السوفيتية هى تفكيك كل هذا الصرح الصناعى الضخم فى الغرب ونقله إلى الدول المنتصرة جزاءا عدلا عن قيام ألمانيا بإشعال الحرب ناهيك عن المعاملة اللاإنسانية التى كان الجيش الألمانى والأجهزة المعاونة يمارسونها داخل الأراضى السوفيتية. إلا أن الولايات المتحدة كان لها رأى مخالف كما أسلفت حيث أن إدارة الرئيس ترومان كانت تفضل الحل القائم على التكامل وليس الحل القائم على العقاب. وبالتالى رفض ترومان فى مؤتمر بوتسدام أن يعاقب الألمان عن طريق قذفهم إلى الخلف لمدة نصف قرن أو قرن كامل بتفكيك صناعاتهم وتجويعهم حيث أنه منذ بداية القرن العشرين كان أكثر من نصف سكان ألمانيا يعيشون فى المدن. وهى تركيبة جد مختلفة عن التركيبة الديموجرافية التى تعرفها أمريكا على أرضها. وبالتالى خشيت الولايات المتحدة من تكرار خطأ فرساى بعد الحرب الأولى وفرضت على الروس شطب مسألة التعويضات من جدول الأعمال. وانتهى الطرفان إلى أنه من حق روسيا أن تفعل فى القطاع الألمانى الواقع تحت سيطرتها ما تشاء. أى أن التعويضات الألمانية يدفعها فقط القطاع السوفيتى، ألمانيا الشرقية فيما بعد. وهذه النقطة بالذات تم إستعمالها كسلاح دعائى يعرض الفارق الكبير بين المنتصر الأوروبى الذى لا يرحم (فرنسا وإنجلترا فى فرساى 1919) والمنتصر الأمريكى صاحب القدر الأعلى من الإنسانية حامل لواء التسامح (الولايات المتحدة فى بوتسدام عام 1945).
عبارات الصوفية
إن عبارات الصوفية هي في حقيقتها تذوق لما لا يقال. فهي تعبر بالإشارة والإيحاء.
فمن وهبه الله الذوق، التقط الإشارة، وترجم العبارة.
ومن حـُرم الذوق، فاتته الإشارة وأٌبهمت عليه العبارة.
جفت الأقلام وطويت الصحف.
د.مصطفي محمود
من نحن؟
من نحن ؟؟؟ سؤال يطرح نفسه اليوم وبشدة في خضام هذه الأزمة والفوضى الخلاقة في الوطن العربي والربيع العربي .. ؟؟ هل نحن في أزمة تحديد هويتنا …أم فقدنا هويتنا أم أضعناها ؟؟….الغزو الثقافي والفكري والمجتمعي الغربي للوطن العربي ماذا قدم لنا ؟؟؟ ومامدى تأثرنا به …..كيف تعاملنا معه ..هل استطعنا حقا تقدير أو النظر بالعين المعرفية والفصل بين العلم والتقدم من جهة , و العادات والأعراف التي لاتنسجم مع هويتنا من جهة أخرى , ….هل استطعنا أن نقيم العقل الفاعل الغربي والإستفاده منه بما يتناسب مع حضارتنا وثقاقتنا وتطوريها وأن نكون مشاركين في النهضة العلمية والثقافية …ولسنا من المتطفلين عليها ؟؟…..وفي هذا المجال يمكن القول أن للحضارة الغربية وجهان ..وجه يتجلى بالعلم والفكر والمعرفة ,مما يفيد بلدان العالم الثالث ومن ضمنها البلدان العربية ,والوجه الثاني يتجلى في مظاهر الإستعمار والسيطرة الأجنبية على نفس هذه البلدان منذ القرن السادس عشر حتى اليوم واستنزاف مواردها الطبيعية والبشرية التي ظهرت بشكل مباشر أو غير مباشر ,ونمثل على ذلك السيطرة المباشرة بعض البلدان العربية وخاصة الجزائر وتونس والمغرب في شمال أفريقيا وعلى بلاد الهلال الخصيب وخاصة العراق وبلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى بناء على معاهدة سايكس بيكو ,أما الإستعمار الغير مباشر فقد ظهر بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة حصول معظم البلدان التي كانت مستعمرة على استقلالها نتيجة قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن , مثلا ( بالتدخل في شؤون هذه الدول المستقلة حديثا للسيطرة عليها بطرق مختلفة وعقد معاهدات صورية تؤدي إلى نفس النتائج التي كانت تحكم البلدان المستعمرة ,
ومن جهة أخرى قصرت البلدان العربية وعلى رأسها الأنظمة الحاكمة في تطوير مجتمعاتها المتخلفة حضاريا في اقتباس نتائج الحضارة العالمية المتفجرة من ناحية العلم والتيكنلوجياوالفكر الفلسفي والعملي (البرغماتية )مما أدى إلى زيادة استغلال البلدان الغربية للشعوب النامية والرجوع إلى عصر الإستعمار الذي كان مخيما على البلدان العربية بوجه خاص )
وكمثال على ذلك :
أولاالتربية والتعليم :كانت وماتزال طرق التربية والتعليم في الوطن العربي تعتمد على الحفظ والتلقين (أي أن الناشئ لايساهم بعقله الفاعل في إنتاج المعرفة أو استنتاجها ) ولكنه يظل خاضعا لمايقرأه أو مايحفظه من معلومات مقرره له ويؤدي بها الإمتحان الذي يتعرض له في أخر السنة الدراسية ,
ثانيا : خضوع العقل المجتمعي العربي إلى الأعراف والعادات الموروثة المخالفة للدين مع ذلك يتبعوها بعقلنا المنفعل بالعقل المجتمعي السائد ومثالها ( احتقار المرأة ..والقتل غسلا للعار المخالف للشريعة الإسلامية وجميع الشرائع ..الأخذ بالثأر …وتقديس قبور الأولياء ..ووووووو)
ثالثا : الأخذ بقشور الحضارة الغربية والإلتزام بها ومنها مثلا (ابتداءا"من الأزياء والأطعمة المستوردة )
رابعا : نحن نقتبس نتائج الحضارة الغربية العلميو التيكنولوجية وليس لنا أي دور في انتاجها مثالها ( الكمبيوتر والأي باد والهواتف الذكية التي أصبحت من أساسيات حياتنا اليومية ) وليس لنا أي دور في انتاجها وتطويرها .مما يؤدي إلى زيادة الفجوى الحضارية بيننا وبين الأخر وبالتالي زيادة سيطرة الأخر على مقدراتنا . رابعا : تركنا للمعاني الإنسانية الراقية والعادات الحميدة التي توارثناها من مجتمعنا العربي .
أطلس العمارة الإسلامية والقبطية
رحم الله الحاج محمد مدبولي، الناشر، الموزع، خادم الثقافة بحق، تذكرته وأنا أقلب بعض المراجع عن الآثار الإسلامية والقبطية في مصر. توقفت أمام موسوعة ضخمة أصدرها منذ عدة سنوات للدكتور عاصم محمد رزق، تقع في حوالي أربعة آلاف صفحة من القطع الكبير. تضمها سبعة مجلدات. ورغم صدورها منذ سنوات عديدة إلا أنني لم أقرأ عنها ولو سطورا تخبر بظهورها.
الآثار الإسلامية، خاصة في العمارة موضوع لعديد من المؤلفات الأجنبية والمصرية. أذكر منها موسوعة كريزويل عن مساجد مصر والتي ترجم الجزء الأول منها وصدر عن دار زهراء المشرق وقد عرضت لها عند صدورها. وكتاب »مساجد مصر« للدكتور حسن عبدالوهاب الذي أعادت اصداره الدار العربية للنشر، و»مساجد مصر« للدكتور أحمد فكري عن دار المعارف في جزءين. وموسوعة الدكتورة سعاد ماهر عن مساجد مصر والتي تقترب من شمولية الرؤية التي تتميز بها موسوعة الدكتور عاصم محمد رزق، كثيرة المؤلفات التي صدرت غير أنها تقتصر علي المساجد، أو أثر واحد، أو منشئ واحد لعمارة معينة، جاء هذا العمل ليسد الفراغ، إذ إنه يتناول بالشرح والوصف والتحليل والصور كافة ما وصل إلينا من آثار إسلامية مساجد، مدارس، خوانق، وكالات، اسبلة، تكايا، أربطة، ترب، كهوف، مآذن متبقية، قصور، سرايات، منازل، رباع، حصون، إيوانات، حمامات وسقائف وبيمارستانات وقناطر مياه، وبوابات، إلي جانب الكنائس القبطية والعمارة القبطية، من هنا يعتبر هذا الأطلس الفريد عملا جديدا شاملا في المكتبة العربية (عنوان الموسوعة: أطلس العمارة الإسلامية والقبطية في القاهرة) ويقع في خمسة أجزاء، يختص أولها بالآثار التي وصلت إلينا من الفتح العربي ونهاية عصر الدولة الأيوبية من سنة 21هـ 641م إلي سنة 648هـ - 1382م. ويختص ثانيها بآثار دولة المماليك البحرية من سنة 648هـ - 1250م. إلي سنة 784هـ - 1382م، ويختص ثالثها بآثار عصر دولة المماليك البرجية من سنة 784هـ - 1382م، إلي سنة 923هـ - 1517م، ويختص رابعها بآثار العصر العثماني من 923هـ - 1517م، إلي سنة 1220هـ - 1805م، أما الخامس والأخير فيضم آثار عصر محمد علي من سنة 1220هـ - 1805م حتي سنة 1372هـ - 1952م وقد راعي المؤلف التتابع الزمني الدقيق للآثار المسجلة وعددها أكثر من ستمائة، وقد أورد الأسماء الدقيقة لكل منها ممثلة في اسمه وموقعه وتاريخه ورقم تسجيله، ثم ترجمة وافية عن منشئه سلطانا أو أميرا أو قاضيا أو تاجرا. ووصفا أثريا شاملا يوضح مكوناته المعمارية وخصائصها الفنية، ورقم الحجة الخاصة به ومكان حفظها واسم واقفها (صاحب الوقف) إضافة إلي صور فوتوغرافية دقيقة تكمن أهميتها في توثيقها للآثار الإسلامية التي تتعرض لأخطر ظروف مرت بها منذ دخول العرب إلي مصر في القرن الأول الهجري، في ظل خطة ممنهجة لسرقتها وغياب أي جهد حقيقي لحمايتها وإنني لأتوقع يوما يأتي فلن نتعرف علي هذه الآثار إلا من الصور واللوحات، يبقي الشكر والاحترام للمؤلف والناشر الذي قام بما لم تقدم عليه الدولة.
تشاد تفاجئ مصر بنوبة حب غامر و400 مليون دولار مقاولات
تشاد تفاجئ مصر بنوبة حب غامر و400 مليون دولار مقاولات. وابراهيم محلب يهرع لزيارة فرع المقاولين العربفي نجامنا.
طبعا لقد أوتينا تشاد على عِلم لدينا. ولكن دعنا ننظر في ملابسات التحرك التشادي.
الرئيس التشادي إدريس دبيجاءت به فرنسا 1990 بدلا من حسين حبري. في نزاع دارفور، اصطف مع قبيلته الزغاوة مع البشير، فاغتيل ابنه بباريس في 2006.
ثم جاءت حرب السيليكا بأفريقيا الوسطى2014، حيث اتهمته فرنسا علنا بتأييد المسلمين وطردت قوات الطوارئ التشادية بمارس2014. أمريكا كانت تحب إدريس دبي كحاجز بوجه توسع القذافي جنوباً. وبعد اختفاء القذافي انتهت صلاحية إدريس.
هل ستجرؤ مصر على مد أي دعم لإدريس دبي في وجه غضب فرنسي وضجر أمريكي. إدينا القرشينات، وخلينا نشوف.
تقرب إدريس دبي لمصر، يمنح مصر كارت هائل في قضية دارفور وللتعامل مع البشير. ولكن للأسف أظن أنه لم يعد بمصر من يقدر على فهم واللعب في دارفور.
القرن العشرون أكثر القرون الماضية دموية وتباشير القرن الحادي والعشرين تدل على أنه سيكون أكثر دموية
فإنَّ حصيلةَ هذا القرن، الذي يُعتَـبَرُ أكثرَ القرون السابقة تقدُّمًا، بل القَرن الذي حقَّق للبشريَّةِ أعظمَ المُنجزاتِ على الصَعيدَين العلميِّ والتِّقانيّ—أقولُ حصيلتهُ من الضحايا البشريَّةِ والكوارث الإنسانيَّة، الناتجة عن الصراعاتِ المباشرةِ وغير المباشَرة، بما فيها المسلَّحة والإيديولوجيَّة، قد بلغَتْ حدًّا لم يسبق له مثيلٌ في أيِّ قرنٍ سابق.
ذلك لأنَّ عددَ ضحايا الحربَين العالميَّتَين، الأولى والثانية فقط، يُقدَّرُ بـ61 مليونًا من القتلى، بما فيهم 33مليونًا من المدنيِّين و28 مليونًا من العسكريِّين، من الجانبَين. وتُصبحُ الحصيلةُ 76 مليونًا، إذا أضفنا 15مليونًا من ضحايا الحربِ الصينيَّةِ اليابانيَّةِ التي اندلعَتْ قبل الحرب العالميَّة الثانية مُباشرة. ويُضاف إلى كلِّ تلك الملايين من الضحايا ستَّة ملايين أُخرى من المدَنيِّين في الحروبِ الإقليميَّة؛ بل يُقدِّر ”بريجنسكي“ Z. Brezeneski مجموع عدد ضحايا حروب القرن العشرين بـ87 مليونًا من القتلى فقط، هذا بالإضافةِ إلى أضعافٍ مُضاعفةٍ لهذا العدد من الجرحى والمُعاقين والمشرَّدين.7
ومنذ نهايةِ الحرب العالميَّة الثانية، بلغ عددُ الحروب والصراعات المحلِّـيَّة والأهليَّة ما بين 150 و160 صراعًا، قُدِّرت ضحاياها بـأكثرَ من سبعةِ ملايين قتيل، دون إحصاءِ عدد الجرحى والمشوَّهي.
أمَّا الصراعاتُ غير المباشرة، بما فيها القوميَّة والدينيَّة والعِرقيَّة والإيديولوجيَّة، فيُقدَّر ضحاياها بـ80 مليونًا من القتلى فقط، أي بدونِ حساب المُصابين والمعاقين. وهكذا فإنَّ مُجمل حصيلة القرن الأخير من الإبادة الجماعيَّة يبلغ 167مليونًا، حسب التقدير المتحفِّظ. وقد يصل إلى 175مليونًا، حسب بعض التقديرات. ويُعادل هذا الرقمُ عددَ نُفوس فرنسا وإيطاليا وبريطانيا مجتمعةً تقريبًا.(انظر "بريجنسكي، "الفوضى"ترجمة مالك فاضل، "فصل الموت الملاييني"ص13-23)
ومع أهمِّـيَّة هذه الأرقام المذهلة، فإنَّ الدَلالةَ العدَديَّة لهذه الظاهرة تأتي ثانويَّةَ بالنسبةِ لدلالاتها النوعيَّة والمعنويَّة، فضلاً عن أبعادها العَميقة، خاصَّةً من جهةِ علاقتها بالتقدُّم الحضاريّ، ولاسيَّما العلميُّ والتِّقانيّ، الذي تحقَّق في القرن العشرين، وما أفرزَهُ من نتائجَ صالحةٍ وطالحةٍ في نفس الوقت، الأمرُ الذي يُشكِّلُ العمودَ الفِقَريَّ لموضوعنا.
ذلك لأنَّ التقدُّمَ العلميَّ والتِّقانيَّ قد أسفرَ عن تطوُّرٍ نوعيٍّ وكمِّيٍّ في القدرةِ على إبادةِ ”الآخَر“. فقبل اكتشافِ البارودِ وتطويرِ الأسلحة التقليديَّة وغير التقليديَّة المتنوِّعة كانت وسائلُ الحرب بدائيَّةً وبسيطة، مثل السيف والرمْح والفأس والقوس والسَهم والمنجنيق، وما إلى ذلك. وكانت جميعُ تلك الوَسائل تعتمدُ على القوَّة العضَليَّة، بوجهٍ خاصّ، والاستعدادِ النفسيِّ للقَتل، بصرفِ النظرِ عن مشروعيَّته أو عَدَمِها، الأمرُ الذي يمكنُ أن يُسفِرَ عن قَتل العشراتِ وربَّما المئات، في أقسى الأحوال، وبجهودٍ كبيرة، بسبِ محدوديَّة القُدرةِ الجسديَّة والنفسيَّة للمتحاربين. أمَّا اليوم فقد أصبحَ بالإمكان قيامُ شخصٍ واحدٍ فقط (القائدُ الأعلى للقوَّاتِ المسلَّحة مثلاً)، بإبادةِ ملايين البشر، بمجرَّد إصدار أمرٍ لا يزيدُ على كلمتَين، أو بإعلان ساعة الصِفر، وهو جالسٌ في مكتبه الفَخم، يحتسي قهوتَه الصباحيَّة، أو بالضغْط على زرٍّ صغيرٍ وهو مُستلقٍ على سريرهِ الناعم. وعلى الصَعيد الأَدنى، وفي حالةِ الاكتفاءِ باستخدام الأسلحةِ التقليديَّة، فإنًّ التقنيَّات المتقدِّمة للحَرب الحديثةِ الراهنة تُتيح للمحاربِ المدرَّب، في الجانبِ المتفوِّق حضاريًّا، وبالتالي عِلميًّا وتقانيًّا، أن يُدمِّرَ مئاتِ المُنشآتِ والمعدَّات المُستهدفة، بمن فيها من آلافِ الأشخاص، وهو جالسٌ في مقصورتهِ الأنيقةِ بأمان، في إحدى قِطعِ الأسطول، أو في القاعدةِ العسكريَّة، التي تبعدُ مئاتِ أو آلافَ الكيلومتراتِ عن الهدَف، أي دون أن يُضطرَّ إلى أن يُلوِّثَ يَدَيه بدماءِ قَتلاه أو يشهدَ تطايُرَ أشلاءِ ضَحاياه، كما كان يحدثُ في السابق، الأمرُ الذي قد يُعكِّر عليه صَفوَ ضميرهِ أو حَياته. بل أصبحَ بعضُ المقاتلين يَرَون في ضربِ مُنشآتِ العدوِّ وتدميرها بمَن فيها، مُتعةً أو لعبةً تُضاهي، أو تفوق كثيرًا، متعةَ ألعابِ الفيديو المشابهةِ لحرب النجوم الخياليَّة. وتُشير التقاريرُ الرسميَّة الأمريكيَّة إلى أنَّ مِقدار المتفجراتِ التي أُلقيت في حربِ الخليج الثانية قد بلغتْ 88 ألف طن،ّ أي ما يُعادل أربعَ قنابل نوَويَّة ونصفَ القنبلة تقريبًا، من حجم القنبلةِ التي أُلقيَت على هيروشيما اليابانيَّة. فهذه الكوارثُ التي شهدَتها أواخرُ القرن الماضي وأوائلُ القرن الحاليّ تُضيفُ شواهدَ أُخرى تُؤكِّد أنَّ الحضارةَ الحديثة، وما سبَّبته من ردودِ أفعالٍ مُتفاوتة، قد جَلبتْ معها ويلاتٍ لم تحدُثْ في أكثر الحِقب همَجيَّةً في التاريخ.
هذا التحليلُ المقرون بالشواهدِ الإحصائيَّة يثيرُ عدَّةَ تساؤلاتٍ تفصيليَّةٍ وجديدة، جديرةٍ بالتأمُّل، منها:
-هل ستُؤدِّي، زيادةُ التقدُّم العِلميِّ والتِّقانيّ، بالضرورة، إلى مُضاعفة عَددِ الضحايا، وإلى التدمير المُنظَّم للمُدن والمُنشآتِ، والبُنى التحتيَّة عمومًا، أو إلى زيادةِ حدَّة الصِراعات؟
-أم إنَّ المسألةَ لا تتعلَّق بالعلم والتِقانة، بقدْر ما تتعلَّق بالصِراع بين الجمَاعاتِ أو الأُمَم، لأسبابٍ مُختلفة، منها تحقيقُ الغَلَبـَة أو السلطة؛ أو بسبب تبنِّي أفكار أو عقائدَ مُتطرِّفة تُبرِّر الإرهَاب والقَتل، حسبَ رأي حَمَلتِها؛ أو بسبب الحاجة؛ أو الجَشع لكَسْب مَزيدٍ من المال؛ أو لمجرَّد التعطُّش إلى سَفك الدِماء لدى بعض المهووسين أو المجرمين بالطبيعة، كما يسميهم "لومبروزو"؛ أو من أجل الدِفاع عن مصالحَ حيويَّة مُعيَّنة تتعلَّقُ بالأرض أو الموارد الطبيعيَّة؛ أو للدفاع عن قوميَّةٍ أو ثقافةٍ أو إيديولوجيَّةٍ أو دين، وما إلى ذلك؟
-وبعد أن كانت صِراعاتُ القَرن الماضي بين القوميَّات/الإيديولوجيَّات، هل تحوَّلت الصراعاتُ اليوم فعلاً إلى صراعاتٍ بين الحضارات/ الثقافات، كما يقول صاموئيل هانْتِـنغتون S. Huntington؟
-وهل يمكنُ تحويل هذا الصراع، المفتَرَض، بين الحضارات، إلى ”حوارٍ“ بينها، كما تدعو إليه بعضُ الأصوات؟
-وهل يمكنُ أن يكونَ الحوار مُجديًا إذا تمَّ بين حضارةٍ قويَّة، بل مُسيطرة على جميع خيوطِ اللُعبة، وأُخرى ضعيفةٍ لا تعرف ولا تملك منها شيئًا؟ أم إنَّ شرطَ الحوارِ المُثمِر الأوَّل هو أن يكونَ قائمًا أصلاً على أساس الندِّيـَّة والمساواةِ الكاملة؟
وهذا سؤالٌ متوقَّعٌ من جانب مُمثِّل الحضارةِ الضعيفة. أمَّا مُمثِّل الحضارةِ المتفوِّقة، فإنَّه يرفضُ هذا الطَرح، ويُصِرُّ على أنَّ المسألة لا تتعلَّق بفارقِ القوَّةِ بين الطرفَين بقَدْرِ ما تتعلَّق بالفارقِ بين لُغةِ الحوار نفسِها التي تُحيله إلى حِوار طُرشان، ويتساءل:
-كيف يُمكن أن يكونَ ذلك الحوارُ مُجدِيًا إذا كان أحدُ الطرفَين يتحدَّثُ بلُغةِ القَرن الحادي والعشرين، بينما يتحدَّثُ الآخَرُ بلُغة القرنِ الثامن أو التاسع؟
وباختصار؛
لقد أصبحت نُظمُ المعرفةِ والعلم والتِّقانة وسيلةً للتدميرِ المنظَّم والسريع والشامل بقَدْرِ ما أصبحَتْ وسيلةً للتقدُّم الاقتصاديِّ والعُمرانيّ، ووسيلةَ قتلٍ جماعيٍّ للبشر بقَدرِ ما أصبحَت وسيلةً لإنقاذِ حياةِ البشر من الأمراض والجراثيم القاتِلة، ووسيلةً لتدمير البيئةِ والقضاءِ على التوازُن الطبيعيِّ لعناصرها الأساسيَّة بقَدْرِ ما أصبحَت واسطةً لتوفير الرفاهيَّةِ والمتعةِ المادِّيـَّة للفئةِ المحظوظة من البشر، ووسيلةً للاستعبادِ والتحكُّم والقَهر بقدْرِ ما أصبحتْ سبيلاً للدفاع عن حقوقِ الإنسان وحرِّيـَّةِ الفكر والتعبير، والتشجيع على الإبداع والابتكار.
وفي خضمّ هذه التناقضات العنيفة، أين تقفُ الأكثريَّةُ الساحقةُ من البشرِ الذين يعيشونَ في البلدان الناميةِ والفقيرة، بل ماذا سيكونُ مصيرُ الإنسانيَّةِ بأَسرها؟
خلى السلاح صاحى، صاحى (الأخيرة)
هذه كانت عجالة تصف حال الولايات المتحدة بعد الحرب مباشرة ثم بعد صدمتى عام 1949 والآن قد جاء الدور عليها لتأخذ زمام المبادأة وتثبت أحقيتها فى زعامة العالم، فكيف كان ذلك؟
كان السوفيت يعتقدون أنهم ماضون من نصر إلى نصر ذلك أن الصين الشعبية التى أعلن ماوتسى تونج عن قيامها فى أكتوبر من عام 1949 كانت بلدا يدور فى الفلك السوفيتى بصفة كاملة.
وهكذا تم إستئذان القائد الإشتراكي الأول جوزيف ستالين فى البدء فى عملية تحدي الغرب فى كوريا فوافق بشرط واحد قال به لماوتسى تونج وكيم إيل سونج، أنا أقرر كل شىء ولكننى لا أساهم بشىء!!!
أى أن التضحيات والحرب سوف تكون على الجانب الآسيوى (كوريا والصين) بينما إدارة المعركة سوف تكون إمتيازا له وحده من موقعه فى الإتحاد السوفيتى، ووافق الزعيمان الآسيويان..
وهكذا بدأت الحرب فى كوريا فى يونيو 1950 بغزو شمالى للجنوب وحصار لكل مدنه وخزى وعار للعسكرية الأمريكية (وهو خطأ فى التقدير من الجنرال ماك أرثر الذى طمأن الرئيس إلى أن الصين لن تدخل المعركة) مما جعل الرئيس ترومان يأمر بالرد الحاسم.. وبالفعل نجحت القوات الأمريكية فى صد الغزو بل وأجبرت قوات الشمال على التقهقر إلى داخل حدود الصين الشعبية مما أغرى الأمريكيين باختراق الحدود الصينية ودخول أرضى الشيوعيين. ولكن الوعد الصينى للرئيس كيم إيل سونج قد تم تنفيذه بالكامل، ففوجئت القوات الأمريكية بجيش صينى يبلغ قوامه ما بين 300 و400 ألف رجل يحاصرها من كل الجهات ولا يخيفه القصف الجوى ولا المدفعى وقد تسلل بينما الأمريكيون فى غفلة من أمرهم.
وقد وقعت إصابات هائلة فى صفوف القوات الأمريكية ليس بسبب القتال بل أثناء محاولة الإنسحاب من هذا الجحيم، خصوصا وأن شتاء ذلك العام قد حل والقوات غير مستعدة بأى تجهيزات.
وفي هذا الموقف العصيب لم يجد ترومان بدا من إعلان حالة الطوارىء ورفع ميزانية الدفاع إلى أربعة أمثالها لمواجهة الخطر الأحمر.
وهذا الرفع الهائل للميزانية العسكرية يعنى بالطبع ما يعتيه للمؤسسة الصناعية العسكرية إذ فتحت الدولة من جديد خزائنها نظرا لأحكام الضرورة كما كانت قد فعلت قبل 9 سنوات ولم تبخل على تلك الشركات بأى شىء من عدة ومال وأبحاث ورجال ومجندين.
ويعد هذا الموقف ربما أكثر المواقف حرجا للولايات المتحدة منذ غارة بيرل هاربور إذ أن تلك الغارة جاءت خسائرها فادحة بفعل المفاجأة والغدر من جانب اليابان. أما فى حالة كوريا فقد كانت القوات بالفعل فى حالة حرب ومشتبكة مع قوات كوريا الشمالية وعلى مسافة هائلة من الولايات المتحدة وكان ينبغى لها أن تكون أكثر حرصا وأقل إستهتارا. وهذا الإستهتار كان سببه ربما الإقلال من قدر الآسيويين من بعد النجاح فى تحطيم إرادتهم فى هيروشيما وناجازاكى بالإضافة إلى الشحن الإعلامى الهائل الذى ساد الولايات المتحدة عقب سقوط الصين فى أيدى النظام الماركسى وهو ما أدى إلى حملة مسعورة داخل الولايات المتحدة تلاحق وتطارد كل من تحوم حوله شكوك أنه كان يوما قد تعامل أو تعاطف أو حتى تلاقى جسديا مع شخص له ميول شيوعية، إنها حملة ماكارثى التى على قدر ما كانت مدمرة لعلاقات إجتماعية وقاطعة لعقود عمل الكثيرين بلا سبب إلا الإشتباه، فتلك الحملة المسعورة لم تجىء إلا خيرا على المؤسسة العسكرية الصناعية إذ أن العقود التى كانت تبرمها معها حكومة الولايات المتحدة (المديونة) كانت أرباحها على ما يبدو خيالية.
واستمر الوضع ساخنا على جبهة كوريا واستمر تدفق المليارات على التسليح حتى حل موعد الإنتخابات فى نهاية عام 1952 وفاز الجنرال المتقاعد دوايت آيزنهاور بالبيت الأبيض وكان أساس إنتخابه هو أنه تعامل من قبل مع القيادة ويستطيع أن يقود أمريكا فى تلك الظروف العصيبة إذ أنه قد خاض غمار الحروب ودفع فيها الثمن وبالتالى فهو مؤتمن على الولايات المتحدة فى حالة الحرب القائمة هذه. وهكذا إنتهت فترة رئاسة الرئيس هارى ترومان الذى قرر ألا يستعين بالقنابل الذرية فى حربه ضد الصين فى كوريا بل وأحال الجنرال الذى طالب بهذا الإستخدام الذرى العسكرى إلى التقاعد فى خطاب شهير إلى الأمة قال فيه أن قضية السلام هى أعلى من كل شخص مهما كانت عبقريته العسكرية، قاصدا الجنرال دوجلاس ماك آرثر بالطبع.
أما آيزنهاور فقد كان مؤمنا بأن خوض حرب بجنود أمريكيين فى آسيا هو من الأخطاء الفادحة حيث أن الآسيويين لا يمكن أن يهزموا على أرضهم، كما يروى عنه أنه قال أن الأمريكيين لا يعرفون كيف يفرقون بين العدو والصديق فى آسيا وأن الأفضل لأمريكا أن تظل بعيدة عن آسيا عسكريا وتدعمها فقط بالمال وإمدادات السلاح.
وآيزنهاور كان قد خدم فى الحرب مع ضباط إنجليز كثيرين أشهرهم مونتجومرى الذى كان مرؤوسا لآيزنهاور القائد العام. والعلاقات بينهما لم تكن على ما يرام بسبب التنافسية وبسبب تباهى مونتجومرى بنفسه ومحاولاته التعدى فى بعض الأحيان على سلطة رئيسه الأمريكى.
وآيزنهاور كرس مدتى رئاسته لكي يقلص من نفوذ إنجلترا فى العالم كله وبالذات فى الشرق الأوسط موطن البترول.
وبما أن عملية تقليص نفوذ إنجلترا لم تكن عملية عسكرية بل هى سياسية مالية مخابراتية فلم تكن لديه حاجة إلى مؤسسة عسكرية إقتصادية صناعية مالية تتحكم فى قراره.
أما فى تعامله مع الإتحاد السوفيتى فلم يكن ميالا للمواجهة وإنما لإيجاد وضع متزن لا يخل بالمصالح الأمريكية كقوة عظمى وفى نفس الوقت لا يجازف بوقوع حرب إذ أنه كان يكره الحروب بعد أن خاض غمارها بنفسه. وهذه الظاهرة هى غالبة فى كل من خاض حربا، إذ يلحظ المرء أنهم جميعا لا يريدون تكرار هذه التجربة أبدا ولا يريدون لغيرهم أن يدخل فيها بل ويتحاشون مجرد الحديث عنها من الأساس.
والمؤسسة الصناعية العسكرية الأمريكية كانت تمارس ضغوطا على آيزنهاور حتى يزيد من ميزانية الدفاع باستخدام حجج كثيرة جدا كان آخرها نجاح الإتحاد السوفيتى فى إطلاق أول قمر صناعى فى عام 1957 فى سبق واضح على الولايات المتحدة. والملاحظ أيضا أن برنامج غزو الفضاء الأمريكي لم يبدأ حقا فى التحرك صوب التنفيذ إلا بعد أن رحل آيزنهاور من البيت الأبيض فتبناه كيندى الذى سأل فون براون فى لقائهما معا فى بداية رئاسة كيندى عن تقديره لتكاليف المشروع فرد فون براون بتقدير يصل إلى 25 مليار دولار، أى ما يعادل أربعة أمثال تكاليف مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة الذرية بحساب فرق الأسعار والتضخم عبر الزمان، فوافق الرئيس فورا..
وآيزنهاور لم يكن على ما يبدو محبوبا من هذه المؤسسة الصناعية إذ أن الإعلام الموالى لها كان دائما يستهدفه فى تعليقاته وسخرياته. وهو قد رأى مبكرا جدا أن التغيير الذى أصاب الإقتصاد الأمريكى بالإعتماد على المؤسسة الصناعية العسكرية فى إيجاد فرص العمل لا يبشر بالخير لأن الأمة لا ينبغى لها أن تنزلق إلى سباق مجنون فى التسلح بدون وجود عدو حقيقي واقف على الابواب، وإلا أصبحت الحرية معرضة للخطر. وهو قد أصاب الحقيقة فى تحليله هذا. وهذا الذى تنبأ به آيزنهاور هو ما حدث بعد ذلك فى فيتنام، وهو ما كان أصل فكرة كتابة هذه الملاحظات، وقصة فيتنام قد عرفناها وما وقع بعد ذلك فهو حدث آخر وله حديث آخر..
إنتهت الملاحظات..
الذهب والملاذ الآمن
التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-4
خامسًا: تقديس المسرح تحت اسم الفن.
سادسًا: تشجيع الكرة.
أفسحت الصحافة العربية لإحسان عبد القدوس مكانًا واسعًا عريضًا على مدى أكثر من ثلاثين سنة كسب خلالها شهرة واسعة ومالاً وفيرًا وصفه في فتره قريبة (٦٠٠ قصة قصيرة أو طويلة، ١٩ رواية، ٤ قصص للسينما، ٤٦ فيلمًا، بستان عشرون فدانًا في الهرم فواكه، خمسة آلاف جنيه في العام من الصحافة) هذا غير ما كسبه من الأفلام والقصص وهو كثير جدًا فوق ما يتصور الجميع.
وبالرغم من أن إحسان عبد القدوس الآن (١٩٨٠) على أبواب الستين من العمر؛ فإنه ما زال ممعنًا في ذلك الطريق المظلم الأسود الذي شقه لنفسه منذ مطالع شبابه، وما زال مدافعًا عن أدب الفراش الذي يكتبه بدعوى أنه أدب واقعي، وبأنه محب لحرية المرأة مدافع عن حقها في الجنس والانطلاق وراء الأهواء، ولقد كانت قصصه مصدر فساد كبير واضطراب عميق في نفوس جيل كامل من الفتيات اللاتي انسقن وراء الصور التي ساقها عن المرأة المنحرفة والتي حاول فيها أن يجعل المرأة المنحرفة ظاهرة طبيعية في المجتمع أو أن يصبح المجتمع متقبلاً لهذا الانحراف نتيجة إقناعه بهذا المفهوم المسموم في محاولة خطيرة لتغيير أعراف هذا المجتمع الإسلامي الأصيل الفهم لمعنى العرض والبكارة، والعفاف مهما طغت مظاهر الحياة المادية عليه، وآية هزيمة فلسفة إحسان عبد القدوس هذا التيار الإسلامي الجديد للمرأة الذي يرفض هذه المفاهيم المنحرفة التي نقلها إحسان عبد القدوس لا عن سارتر وألبيرتو مورافيا وكامي وحدهم لكن عن طريق فرانسوا ساجان وسيمون دي بوفوار حينما تقمص شخصية المرأة في كتاباته، ولعله مما يزعج حقيقة أن يؤلف كاتب رجل قصة يطلق عليها (ونسيت أني امرأة).
- ويرجع اتجاه إحسان عبد القدوس في هذه الجرأة على الحرمات والقيم وتصوير ما وراء غرف النوم، وكتابة ذلك اللون الذي عرف به والذي وصمه الأستاذ العقاد بذلك الأسم الشهير بأنه أدب الفراش، بالرغم من علاقة مدعاة بين إحسان عبد القدوس والعقاد، وقد وصفه يحيى حقي بحق حين قال: "لا عجب إن كانت ألفاظه كبالونات المراقص المتواثبة أمام عينك فكيف تريد منها أن تستقر على الورق، الويل له إن كان فتى يافعًا أو فتاة في مقتبل الصبا؛ فإن السحر يصبح نوعًا من التخدير كبقية المكيفات لا يخلو من خطر".
ولعل أبلغ وصف ما وصفه به أحد المسئولين حين قال له في مؤتمر صحفي: إنني لا أدخل (صباح الخير) إلى بيتي وأمنع بناتي من قراءتها.
- قال إحسان عبد القدوس في حديث إلى راجي عنايت كاشفًا عن خلفيات قصصه: أنا (أمينة) في قصة (أنا حرة).
وقد أدهشني دهشة الناس من تصوري لعواطف النساء بدقة وتنوع، وسؤالهم لي عن وسيلتي لدراسة هذه العواطف، وقد فكرت في هذا الموضوع طويلاً ووصلت إلى نظرية وهي أن عواطف الرجل هي عواطف المرأة، ولكن الاختلاف فقط يكون في التصرف والنزوع، وهذا المفهوم الذي يقوله إحسان عبد القدوس لا يصدق على مفاهيم التحليل النفسي الصحيح للمرأة وللرجل، وللفوارق العميقة بينهما والتي تتصل بالتركيب الببيولوجي المختلف والعميق الاختلاف بينهما إلا أن يكون للرجل الذي عاش في بيئة النساء زمنًا طويلاً من القدرة على تصوير عواطف المرأة، ونحن إذا راجعنا قصص إحسان عبد القدوس لم نجد تحليلاً لمشاعر المرأة وإنما وجدنا تصويراً جنسيًا صارخًا أشبه بصيحات مراهق كبير محروم، ونماذج المرأة في قصصه لا تعطي صورة المجتمع الإسلامي العربي المصري أبدًا، فالبطلة في النظارة السوداء من سلالة أجنبية، وفي (راقصة في أجازة) نموذج لراقصة أجنبية
حلت بمصر، وهناك فتاة نشأت شاذة منحرفة، وامرأة خلابة لعوب صاحبها يمسك في يده كأس خمر طول مدة السير متهورًا إلى حد الوقاحة متحللاً من كل قيد.
- يقول أحمد حسين الطماوي: من يتأمل معظم قصص إحسان التي أدارها على لسان أبطاله يجد أنها جاءت مناسبة لتفكير المراهقين، محركة لغرائزهم يقبلون عليها إذ فيها ما يثير حواسهم وما يجعل شهواتهم تتراكض مستعرة في نفوسهم، والصور الوصفية التي يعرضها لا يمكن أن تكون تصويرًا اجتماعيًا. فهل هذه الأوصاف تعبر عن الحياة الاجتماعية وهل من الحكمة أن يكون الانحلال واستطلاع أخبار الناس ورصد الشذوذ هي أفضل الموضوعات لدراسة المجتمع، إننا لا نطلب من الكاتب أن يلغي مفعول الغرائز ولكنه يجب أن يعمل على تهذيبها، ويعبر عنها بطريقة لا ينفعل القارئ بها أنفعالاً شهوانيًّا، بل يحس بتأثيرها الوبيل عليه ولو انغمس فيها، وفي هذه الحالة نجا منها وهو يعرفها ويتجنب الوقوع في حمأتها ما استطاع، كذلك فإن تصويره للشخصيات فيه مغالطة كبيرة وافتراء على الواقع فالأم تأخذ بيد بنتها لتسلمها للضياع وتساوم الرجل وكأنها قوادة (قصة أنف وثلاث عيون)، وهذا أبشع تصوير للأم والزوجة تقف في جنازة زوجها وتمسك بعلبة البودرة (الطريق المسدود) والطبيب يدمن المخدرات ويقنع الناس بفائدتها وكأنها روشتة من الطبيب إلى المريض لكي (يروق دماغه).
- وهذه هي شخوص إحسان عبد القدوس وهي شخصيات منحرفة عن الواقع.
إن شخصيات الرواية لا تريد ولكنها منقادة تعمل لإرادة المؤلف فيها، والقصاص هو المتحكم في سلوك أبطاله ومصائرهم وأنه من مهام الكاتب تحليل المشاعر ومعرفة أعماق الوجدان وتصوير النفس وتحري أسرارها وإماطة
اللثام عن مستدق أحوالها ووزن أفعالها، فتكون القصة بعد ذلك دراسة للنفس ونزاعها مع ما يحيط بها ونزوعها إلى ما تريد من خير وضير، وعندما لا يستطيع ذلك يترك عالم النفس والخاطر إلى دنيا الشهوة والغرائز ومواخير البغاء حيث الحياة الملوثة المريعة.
ويشهد إحسان في رسالة عن بلزاك الذي كان يكتب قصصًا أشد صراحة من قصصه، هذا أحد كتاب الغرب، إن قصص إحسان بما فيها من إثارة جنسية تصبح والحالة هذه لا عمل لها إلا إلانة الهمم الغلابة والنيل من أخلاق المجتمع، هذه الحرية الجنسية التي منحها إحسان لأبطاله قد وجدت من يعتنقها من نساء المجتمع ورجاله، ومن ذلك ما نشرته نوال السعداوي التي تطالب بالتحرر الجنسي.
ولكن ما هو موقف إحسان من الاتهامات التي توجه إليه:
- يقول: إن إيماني بحرية المرأة ليس له حدود، وربما كان أحد دوافعه الأساسية في البداية مستمدًا من إيماني بتفرد تجربة أمي (فاطمة اليوسف) هذه السيدة التي أثبتت وجودها في عالم الرجال ونجحت في فرض نفسها عليهم وحققت ما لم يستطع كثير من الرجال أن يحققوه.
ولا شك أن الأستاذ إحسان ليس مستوعبًا لأبعاد هذا المعنى وحقيقته، فالسيدة فاطمة اليوسف كانت ممثلة شهيرة كان لها في مجال المسرح خصوم وصداقات، وقد رأت يومًا أن تحارب خصومها بأن تخرج مجلة تهاجم فيها هؤلاء الأعداء بسلاح الصحافة، هذا كان هو الهدف الأول، ولكن المجلة تغير اتجاهها بعد أن رغب حزب الوفد في أن يتخذ منها منبرًا سياسيًا عن طريق أسلوب الكاريكاتير في مواجهه مجلة الكشكول التي كانت تُصْلي حزب الوفد نقدًا شديدًا، ولم تكن السيدة روزاليوسف كاتبة أو صحفية في الحقيقة، وما نسب إليها من مقالات أو مذكرات فإنما هو بقلم بعض أتباعها
مرة ثانية، وهذا هو أسلوب التوغل في المسائل الجنسية.
- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: ١٩].
* يوسف إدريس الماركسي يدعو إلى حرق كتب التراث كلها:
ويكشف يوسف إدريس عن هويته واضحة تجاه الأدب العربي كله حتى يدعو إلى نبذ التراث العربي كله وإلقائه في البحر أو إحراقه حيث يقول في مجلة البلاغ الأردنية: إن تراثنا تحريفات وزخرفات لغوية وإن التراث سخيف وليس فيه شيء للقراءة.
- ويقول: أنا قرأت عشرات من كتب التراث ولم أع منها فكرة واحدة باستثناء بعض الكتاب أمثال الغزالي وابن رشد، ولذلك يجب أن تحرق كتب التراث كلها. والواقع أن أكثر الناس جهلاً هم أجرأ الناس على الاتهام، ومن جهل شيئًا عاداه، والواقع أن يوسف إدريس لم يقرأ شيئًا من التراث لأنه ليس له أرضية أساسية لمثل هذا، فهو قد شكل نفسه على قراءة بعض القصص الأدبية الماجنة والإباحية ومنها استمد مفاهيمه ثم عرف الفكر الماركسي فخلق ذلك كله في نفسه العداء للفكر الإسلامي الذي لم يعرفه وإن كان قد ذكر اسم الغزالي وابن رشد فلكي يعلي من شأن نفسه، وإلا فأين ابن تيمية وابن حزم، وابن القيم والشافعي ومالك وأبو حنيفة والجاحظ وعشرات من رواد التراث الأعلام، الواقع أن هذه صيحة عداء وخصومة للفكر الإسلامي يحملها كاتب ماركسي يسارى لم يكن شيئًا حتى أعطاه الدكتور طه حسين صك الشهرة والظهور هو وأصحاب الأفكار الإباحية التي يروجها سارتر وكامي وكافكا وكل من المنحرفين وليس إلا واحدًا من هؤلاء الذين ظهروا خلال فترة المد الماركسي في العالم العربي وهو نبت هش لا
جذور له، ولا قيمة له، ولا وزن له في ميزان القصة أو النقد، وما نعرف كاتبًا يحترم نفسه يهاجم تراث أمته على هذا النحو إلا إذا كان متعصبًا ضد هذه الأمة، كارهًا لفكرها، خادمًا لأهداف أعدائها؛ بل إنه لا يمكن لكاتب يقدر مكانته في أمته ويكتب بلغتها يقول مثل هذا القول؛ بل إن أعتى المستشرقين غلوًا وأكثرهم تعصبًا وأشدهم كراهة للإسلام والقرآن واللغة العربية لم يصرح بمثل هذه العبارة وإن كان يستبطنها في أعماقه، وهذا يدل على الحمق، وعلى أن الكاتب قد باع نفسه ولم يعد له سهم واحد من المكانة في أمته، ذلك لأن التراث الإسلامي قد اعترف بمكانته أشد أعدائه عداوة له، بعد أن تكشف مدى الأثر الضخم الذي تركه في الفكر الغربي والفكر العالمي سواء في مجال التقنية والعلم أم في مجال العلوم الاجتماعية أم في مجال القانون والتشريع باعتراف عشرات من أعلام الغرب المتخصصين، مما يصفع يوسف إدريس ويثبت تبعيته وتعصبه وحقده على الفكر الإسلامي الأصيل.
وهكذا يكشف كتاب القصة عن حقيقة واضحة هي أنهم أعجز الناس عن التفكير في أفق المجتمع الإسلامي أو دراسة قضاياه لأنهم يعيشون في أعماق القصص الغربي وقضاياه كما تعيش الأسماك في أعماق المحيطات.
- وينصح يوسف إدريس في جريدة الجمهورية (٢١/ ٥/١٩٦٦) فتاةً تشكو من حبها المصحوب بالحرمان، إلى أن تخفف من حرمانها كوسيلة للتخلص من شدة عاطفتها، أي أنه يدعوها إلى اقتراف المنكر، وهو يسخر منها لأنها رفضت قبلة صديقها وفتاها، يقول أنها لو قبلت لاستراحت، وبقي عليها مقاومة الحياة.
ولا ريب أن هذه النصيحة المسمومة سترتد إلى نحر يوسف إدريس بالجزاء الأوفى وبالنقمة والمثلة؛ فإنه بذلك قد أفسد عقلية فتاة مسلمة وعاطفتها وكشف لمئات من القارئات عن الاستهانة بهذه الأمور، وحرضهم
على الاندفاع وراء الأهواء وتحمل وزر ذلك كله وجرمه عند الله تبارك وتعالى، ونجد في الصحافة النسوية عشرات الأمثلة من هذه الإجابات قدمها أنيس منصور وإحسان عبد القدوس وأمينة السعيد وغيرهم.
* فساد مفهوم يوسف إِدريس عن الموت:
- يقول يوسف إدريس في ظروف وفاة كامل الشناوي عن الموت: "ولكن الغادر -أي الموت- لم ينتظر لكي يريه الفجر، ضن عليه ببضع ساعات، يا موت رفقًا بكامل الشناوي يا موت دعه يرى الشروق وهو يقبل على القاهرة كما كان يريد، يا موت حين تحين النهاية اجعله ينام في سلام كما ينام الأطفال، بربك خذه، وهدهد عليه، ضمه بحب كما كنا نضمه، كم كان شفافًا أيها المعتم، كم كان ذهبًا متوهجًا يا أيها الغبي المغلق، كم كان إنسانًا، كم كان يخافك يا ملعون، يا حق، يا من لا مهرب منك، ولكن الموت ذلك الصديق الغادر، في غل بارد، وبإرادة حديدية متجمدة، كان يضمر له النهاية، فاجأة مرة بأن انقض عليه وحيدًا، من فرط ثقتي قد خلت أنه أقوى من الموت حتى لو ربط الموت في فراشه، كنت متأكدًا أنه خالد، يا كامل لا تمت، تلك اللحظة التي تلقى فيها عدوًا ظالمًا خشيته النهاية التي ليس بها إلا رفيق كئيب مستمر لا يأخذ ولا يعطي ولا يتكلم".
هذه هي مفاهيمهم عن الموت وحديثهم معه، وهو حديث ضال مظلم يدل على أن صاحبه لم يعرف كلمة واحدة من المفاهيم التي قال بها الدين، أي دين - عن الموت، ولقد كان أولى به أن يخشع وينتظر نفس المصير، ضربة القدر قبل الموت، التي تلحق بكل هؤلاء الضالين المبطلين الذين لا يعرفون الله ولا يلتمسون طريقه الحق.
- ولا ريب أن إذاعة هذا المفهوم الفاسد عن الموت، كما يصوره دعاة
الفكر المادي وكتاب الوجودية والماركسية حين يتردد في مقالات تنشرها الصحف كل حين إنما يوحي للقارئين بأنه مفهوم الموت بينما هو مفهوم زائف مضلل، وأن المفهوم الإسلامي الأصيل يختلف عن هذا اختلافًا كبيرًا، فنحن نؤمن بالموت كحقيقة أساسية يقوم عليها مفهوم العمل كله في الدنيا، ونؤمن بأن بعد الموت بعثًا ونشورًا وجزاءً وحسابًا وعقابًا، وجنةً ونارًا، وأن الدنيا مزرعة للآخرة، ولذلك فنحن لا نخاف الموت ونؤمن بأنه يحمل للمؤمنين الرضوان والخير، وأنه نهاية كل حي وأنه حين يأتي فتلك نهاية عمل الإنسان في الحياة يتقبلها في رضا واستبشار، وليس في جزع وخوف، ذلك أنه لا يخاف الموت إلا أصحاب الأعمال الشريرة الفاسدة أولئك الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، فهم يرهبون لقاء الموت؛ لأنه يضعهم على حافة الحساب والعقاب.
* كامل الشناوي الغارق في أهوائه:
وماذا كان يفعل كامل الشناوي بالصباح إذا أشرق، إلا أن يلقاه كما كان يلقاه دائمًا غارقًا في أهوائه، هل كان ينادي الله إذا أشرق الصباح أو يتذكر أن يومًا جديدًا قد أقبل من عمره وأن عليه أن يعمل فيه خيرًا أم أنه كان يستقبل الصباح بالنوم، ويستقبل الليل بالسهر، دون أن يستجيب لحق واحد من حقوق الله عليه، أي رفق يتوقع يوسف إدريس من الموت لهؤلاء الضالين الذين لم يضعوا جباههم على الأرض لله يومًا، وكيف يمكن أن يخاطب الموت بمثل هذه اللغة، والموت حق نعلم جميعًا أنه ينتظرنا وأنه ينقلنا إلى عالم جديد، وأن الموت ليس هو النهاية التي يتصورها يوسف إدريس حين لا يؤمن بالبعث من جديد والوقوف بين يدي الله والحساب والجزاء، فما الموت إلا نقلة من حياة إلى حياة أخرى وهي لا تخيف إلا الضالين والظالمين الذين لم يقدموا شيئًا والذين عاشوا حياتهم في أهواء التيه والضلال.
- أما كمال الشناوي فحسابه أشد عسرًا؛ لأنه حفظ القرآن وتعلم في الأزهر ونشأ في بيئة الدين ثم خرج على كل هذه القيم وهجرها، وفضل حياة الضلال والهوى.
* يوسف السباعي الداعي إِلى إِعادة البغاء والدعارة العلنية، يتهم العربية بأنها سخيفة، ويجهل مفهوم الموت في الإسلام، وآية ذلك روايته "نائب عزرائيل" (١):
- قال الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص ٧٥): "طالب يوسف السباعي وأنيس منصور، بالعودة إلى الدعارة العلنية، بدعوى أن ذلك يقضي على القلق الذي يساور الشباب في المجتمعات".
فهل يرضى ذلك لأمه أو لأخته أو لابنته أو لزوجته أم هي الدياثة الفكرية ومحبة إشاعة الفاحشة في الجتمعات المسلمة، وهل ينتظر أمثال هؤلاء إلا العذاب من الله في الدنيا والآخرة.
قد كان يوسف السباعي لا يجيد الكتابة بالعربية إلا بصعوبة شديدة ويفضل العامية ويتحدى في وقاحة شديدة ويسخر من الفصحى، ومن سلامة الكتابة على أصول اللغة وقد هوجمت قصص يوسف السباعي (وخاصة قصة إني راحلة) لأنها عافية اللغة، وأن الكاتب العربي الذي يكتب لمائة مليون عربي يجب أن يجيد الفصحى ولا يحصر نفسه في دائرة العامية المصرية.
ولا يبالي يوسف السباعي أن يقول: إني لا أهتم مطلقًا بمبادئ اللغة واعتبر أن أسلوبي (كويس كده) وليس في حاجة إلى المحسنات اللفظية،
.والواقع أن لغتنا العربية سخيفة وفيها حاجات (مش معقولة) واحد مجنون مثلاً قال لنا (خلي الكلمة دي تبقى كده) وخلاص هي عملية مجهدة لا معنى لها ولا نهتم بها الآن أو يحافظ عليها المصححون في الجرائد، وأنا على كل حال أعتبر اللغة وسيلة وليست غاية.
إن مثل هذا الهراء لو وضع موضع النقد الحقيقي لكان حقًا بأن يطرد كاتبه من ساحة الكتابة الأدبية ونأسف لأن جريدة تنشر مثل هذا الكلام (جريدة المساء).
وإذا كان هذا هو موقف يوسف السباعي من اللغة فلا ريب أن موقفه من القيم الأساسية أخلاقية ودينية أشد عنفًا، وذلك واضح في قصصه التي تقوم على ظاهرة الكشف، والتي تقوم العلاقة فيها بين الرجل والمرأة على أساس المطاردة والخداع والاغتصاب.
- هذه القصص التي كان يقال أنه يكتبها في كابينة على البلاج يذهب إليها ومعه كراسة بيضاء وزجاجة ماء ملون، ويعود بها لتنشر في الصحف مع الاحتفال بها ثم تنشر في مجلد ضخم تقوم مكتبة الخانجى بنشره ثم يتحول إلى سيناريو سينمائي، وكان يوسف السباعي عضوًا في لجنة اختيار الكتب لكتبات وزارة المعارف ومدارسها، وكان يوسف يدخل اللجنة ومعه قائمة الخانجي فيعرضها على اللجنة بمعدل ٣ آلاف أو ألفي نسخة من كل قصة يحصل من ورائها على ألوف الجنيهات، يحصل على ثلاثة آلاف طالب وطالبة على سموم الإباحة والجنس والإنحراف الخلقي.
ثم يحصل على أجور مضاعفة من الأفلام السينمائية بعد أن تكون هذه القصص الجنسية المسرفة في تصوير الغرائز وإفساد الشباب قد وصلت إلى كل بيت، ولقد وضع نفسه في أحضان طه حسين الذي كان يعرف أنه حين يقدم يوسف السباعي ونجيب محفوظ وأمين يوسف غراب وغيرهم، إنما يقدم سمًا
من نوع خطير إلى الأجيال الجديدة فيخدم به دعوته، ويكون جيلاً يحمل أفكاره (كل ما هنالك أن طه حسين كان يخدع الناس حين يدعو هؤلاء إلى الكتابة باللغة الفصحى التي لا يعرفونها) فقد أعلن طه حسين أكثر من مرة أن يوسف السباعي يجهل اللغة والنحو ومع ذلك فقد مضى طه حسين يشجع هذه العناصر ويحميها ويدفعها إلى الأمام في صحافة لها هوى مع كل منهج مضاد للأصالة.
ولقد كشف النقاد أمر يوسف السباعي منذ وقت بعيد فقد نشرت مجلة الآداب (أغسطس ١٩٥٥) رأي خصومه فيه حيث قال أحدهم: "إن يوسف السباعي لا يمثل إلا الوجه المرفوض غير الأصيل في الثقافة المصرية، ولكنه مع ذلك استطاع أن يصل إلى هذا المستوى الذي لمع فيه"وأن كثيرًا من الشباب المتفتح الواعي يميلون إلى اعتبار أدبه غذاء سوقيًا تجد فيه الطبيعة البرجوازية المترفة موضوعًا لغرائزها، وهو يؤدي نفس الدور الذي تؤديه الأقلام المصرية السخيفة ويهدف إلى افتعال حياة غير حقيقية للمستمع المصري حتى يظل بعيدًا عن واقعه الصحيح بما فيه من مشكلات.
لقد لمع يوسف السباعي حقًا في جو ثقافي أثقلته القيود والأغلال، ولقد كانت مفاهيم يوسف السباعي منحرفة حقًا ضئيلة تدل على فقر شديد في الثقافة، إنها ثقافة الحي الذي عاش فيه ثقافة الأحياء البلدية والزجل والمواويل وكلام المناهي، وذلك فهمه للعلاقات بين الرجل والمرأة ولذلك غلب عليه طابع اللامبالاة بالقيم ومن أجل انتشار قصصه غلب طابع الجنس.
بل إن يوسف السباعي ذهب إلى أبعد من هذا حين جعل "السخرية"طابع كتاباته فهو يسخر من كل شيء، حتى من القيم المقدسة، وآية ذلك رواية (نائب عزرائيل) وتدهش حين ترى يوسف السباعي يوجه كلامه إلى الملك المكرم سيدنا عزرائيل ملك الموت، فيقول: "ستلمس لي العذر إذا
علمت أني رجل، أحب المزاح، أو أنني أرى أن المرء لا يربح في حياته إلا ساعات الضحك وإذا علمت أيضًا أن الإنسان بطبيعته مخلوق مهرج إنه لا يغريه شيء كالهزل والتهريج وإنك إذا ما أردت منه أن يستمع إليك فاضحك أولاً ثم قل له ما تريد قوله، لا تظن بقولي هذا تزلفًا فالتزلف لا يكون إلا لخشية أو حاجة وما كان بي من خشية منك ولا حاجة إليك".
- ويقول: (ولا يمكن أن يكتب هذا عاقل في وعيه الكامل) لن أكف عن الغرور إلا في نهاية العمر عندما أقف على شفا الموت وأتلفت ورائي فأكتشف مبلغ حمقي وإضاعتي عمري هباء وجهدي سدى في سبيل شهرة أو خلود، وهذا الكتاب يا سيد عزرائيل أنت بطله فهو منك وإليك حاولت أن أظهرك للبشر على حقيقتك وأن أزيل من أذهانهم تلك الصورة الشوهاء التي يتخيلونك بها.
بهذه اللغة الردئية يتحدث مثل يوسف السباعي إلى الملك المكرم كيف يستطيع يوسف السباعي الذي لم يقرأ شيئًا من الفقه أو السنة أن يصور ذلك الملك الكريم ملك الموت الذي يقبض أرواح البشر؟ وكيف يتصور يوسف السباعي أنه يستطيع أن يصور هذا الملك الكريم على حقيقته من خلال رواية هزيلة ومن خلال سخريات خليعة، إن جهل يوسف السباعي بمفهوم الموت في الإسلام وموقف الإسلام من الملائكة هو الذي أورده هذا المورد الخطير، فهو يحاول أن يصور أمر الموت على أنه خبط عشواء وإن مع عزرائيل قائمة وأن فيها طبيبًا يموت قبل مريضه، وعروسًا قبل زواجها بينما يجد الشحاذ الضرير لا يزال حيًا بلا خوف.
والواقع أن حكمة ذلك كله لها مفهوم في تقدير الله تبارك وتعالى عز وجل لا يصل إليه يوسف السباعي إلا إذا فهم حكمة الخلق والوجود والموت، أما سيدنا عزرائيل فإنه ملك مكلف من قبل ربه تبارك وتعالى وما
هكذا يتناول الكتاب أو القصاص مثل هذه الأمور.
وهكذا يمضي يوسف السباعي في جرأة وسخرية وفساد رأي وعجز عن فهم الأمور ليكتب، وليكتب بعد ذلك عن كل شيء فيفتي في اللغة وهو يجهل كل شيء عنها كما يفتي في أمور الخلق والموت دون أن يجد من يقول له: قف عند حدك؛ ذلك لأن ظروفًا أخرى جعلت يوسف السباعي في موضع من صحافة ضعيفة عاجزة عن أن تضع كل كاتب في موضعه الصحيح (١).
* مصطفى أمين وإِشاعة روح تحرير المرأة قلبيًا، وإِشاعة الحب بين الرجل والمرأة حتى يكون في حياة كل شاب امرأة ويُسفّه مطلب تطبيق الشريعة ويسقط عمدًا من مذكوات سعد زغلول ١٥٠ صفحة عن تجربة سعد زغلول مع القمار:
- يقول مصطفى أمين: حارب الأحرار في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها ويظهر أن بعض الناس يريدون العودة بنا إلى الوراء، وقد يحدث هذا في أي مكان ولكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر (أخبار اليوم ٥ نوفمبر ١٩٧٧).
وهكذا يشهد مصطفى أمين على نفسه وعلى تلك المجموعة التي شكلها محمد التابعي في مجلة روزاليوسف لتحمل لواء هذه الدعوة وتتزعم تلك الصحافة التي تحرض المرأة على الخروج من القيم الدينية والأخلاقية وتدافع عن أمثال أم كلثوم وفاطمة رشدي وتحتفظ بأسماء أولئك الذين كشفت التحقيقات عن إدارتهن لبيوت الفساد، في مخطط واضح دقيق
.مستمر، وقد أشار بعضهم أكثر من مرة أن المرأة هي التي تشتري الجريدة من مصروف المنزل ولذلك فهم يؤيدونها، ولكن المرأة الرشيدة تعلم أن ما يدعونها إليه ليس هو في مصلحتها أو من أجل إسعادها، وما ترى المرأة سعادتها في عمل يحرمها من تربية أبنائها أو من سهرات تحول بينها وبين دين الحفاظ على وجودها الذاتي وكيانها وأسرتها.
* مصطفى أمين موجِه سياسة أخبار اليوم:
أخذ مصطفى أمين الخيط من روزاليوسف وآخر ساعة وجند التابعي عنده أما هو فكان صانع الإخراج والكاريكاتير وتوجيه سياسة الصحيفة وكانت أبرز قدرات مصطفى أمين:
أولاً: القدرة على تقديم الرأي وضده يهاجم حزبًا معينًا ولا مانع أن يكتب كاتب في نفس العدد يدافع عنه.
تانيًا: القدرة على وضع السموم في علب ملونة حلوة المظهر تخدع القراء.
ثالثًا: الاختباء وراء النغمة الوطنية أو نغمة مناجاة الله في سبيل تنفيذ الغرض الأكبر: الدفاع عن قيم الغرب وحضارته ودفع المرأة المسلمة إلى ما يسمونه آفاق المجد والعمل خروجًا عن الأسرة وتربية الأبناء.
رابعًا: القدرة على الدفاع عن الحاكم ثم القدرة على تدميره بعد سقوطه، وقد كتب مصطفى أمين ألوف المقالات عن فاروق تمجيدًا وتشريفًا وإعلاءً، ثم هدمه بعد ذلك وكشف عوراته، وكذلك فعل مع عبد الناصر، ولم يكن الهدف إلا أداء الرسالة الخاصة بتسميم قيم المجتمع في مسائل المرأة والأسرة، وفي ظاهر العمل الصحفي السياسي أن مصطفى أمين عمل مع أحزاب الأقليات ومع الملك ضد حزب الوفد لتحطيمه.
- وقد وصف مصطفى أمين (مجلة النداء إحدى صحف الوفد ٢٦/ ٢/١٩٥٢) بأنه كان يرأس تحرير مجلة أسبوعية مصورة وكان يوقع مقالات خفيفة مضحكة بإمضاء مستعار (مصمص) وعرف القراء مصمص الذي يضحكهم بالحديث عن البنت التي خربشته من تحت المائدة أمام الضيوف، ويضحكهم بالحديث عن بدانته التي تضايقه أثناء الرقص، ودفعه الطموح -على حد تعبير مجلة النداء- أن يرأس تحرير مجلة يكون هو صاحبها، والذين يشتغلون بالصحافة يعلمون أن إصدار جريدة ليس أمراً سهلاً، إن المال الكثير لا بد أن يتوفر ولم يكن مصطفى أمين يملك سوى قلمه وقلم شقيقه علي أمين، ولم يكن يملك مالاً عندما جمع أوراقه وغادر دار الهلال، اختلف مع أصحاب دار الهلال لأنه أراد أن يجعل من مجلة الإثنين مجلة تنطق بلسان حكومة السعديين.
وتحدثت الصحيفة عن الاجتماع الذي تم بين مصطفى وعلي والباشا حيث رسمت سياسة أخبار اليوم فيه وفي سرعة تم كل شيء، وبعد أيام صدرت أخبار اليوم واختاروا المادة الصحفية التي تثير انتباه الشعب، لماذا ساءت العلاقات بين القصر والنحاس باشا.
ومضت أخبار اليوم تلعب دورها، العمل على تحطيم الوفد، وإعطاء الفرصة لأحزاب الأقلية لكي تحكم مصر، كانت الأحاديث تدور وراء الكواليس تتضمن تفاصيل المؤامرة الكبرى، كان مصطفى أمين يصنع الأصنام ويعبدها ويحاول أن يجر الشعب معه ليسجد لتلك الأصنام، وأشارت النداء إلى تلك الأعداد التي صدرت بعد ٨ أكتوبر ١٩٥١ تلك الأحداث الوطنية، عدد آخر ساعة وصورة الغلاف هي لاستر وليامز لينسى الناس الاستعمار وهم يشاهدون غلاف آخر ساعة والأفخاذ العارية، وكان موقفه مع الاستعمار البريطاني واضحًا.
وهاجموا ما نشرته الصحف الوطنية حتى لقد قالت آخر ساعة العدد ٨٩٧ أن كثيرًا من الصحف جرفها التيار إلى نشر هذه القصص الخيالية والصحف حتى الآن ما تزال تبالغ، إن الأكاذيب والمبالغات لها نتيجة واحدة أنها تخدعنا نحن ولا تخدع أحدًا سوانا، وتعطي الناس فرصة للسخرية منها، هذه هي الصورة من وجهه نظر أخرى، وإذا كانت الأحزاب السياسية كلها شر ولها تاريخ أسود فإن مناصرة أحزاب الأقليات ومناصرة الملك فاروق تكون أشد سوءًا وشرًا، ولقد حاول مصطفى أمين أن يقلل من الحركة الوطنية التي قامت في الإسماعيلية لمقاومة الإنجليز، ولم يلبث النظام الملكي أن سقط وسرعان ما اندمج مصطفى أمين مع حركة الجيش وبدأ يكتشف سوءات العهد الملكي، وسرعان ما أودعته حركة الجيش السجن في يوليو ١٩٦٥، فقد اتهم مصطفى أمين وجاء في قرار الاتهام بأنه تخابر مع أشخاص يعملون لمصلحة دولة أجنبية بقصد الإضرار بالمركز الحربي والسياسي والاقتصادي للدولة، وذلك بأن اتفق مع أشخاص فيعملون لصالح دولة أجنبية على أن يمدهم بمعلومات وأخبار عن القوات المسلحة العربية والأوضاع السياسية والاقتصادية للدولة في الداخل والخارج، وسلم لشخص يعمل لمصلحة دولة أجنبية أسرارًا خاصة بالدفاع عن البلاد واشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع أجنبي مقيم في مصر في التعامل بالنقد المصري.
ومهما قيل من بعد أن الاتهام جاء بعد أن وقع الخلاف بين عبد الناصر ومصطفى أمين حول أسلوب العمل السياسي الذي كان يقوم به الأخير بتكليف من الأول، وقد جاء ذلك بعد أن اختلف عبد الناصر مع الأمريكيين وإن كان مثل هذا الاتهام قد وجه أيضًا إلى محمد حسنين هيكل، وإن كان مصطفى أمين لم يكشف أهدافه في وضوح غير مرة واحدة فإن ما قاله إذ ذاك يكفي لكي يضيء لنا طريق حياته ووقائعها كاتب مصطفى أمين في مجلة
الإثنين (١٥ مارس ١٩٤٣) تحت عنوان الأهداف التي ستعمل مصر لها بعد الاستقلال.
- وقد جعل من أهدافه التي سيعنى بها ويقود لها الرأي العام بعد الحرب أن يحارب التعصب الديني وأن يجدد الأزهر وأن ينادي بتحرير المرأة قلبيًا؛ لأن الحب الطاهر لا يزال جريمة يعاقب عليها المجتمع، والمجتمع المصري إلى اليوم مجتمع لا روح فيه؛ لأنه خال من المرأة، والشباب المصري لا شخصية له؛ لأنه ليس في حياته امرأة ومن أهدافه أن يشجع المرأة على المطالبة بحقوقها السياسية وتولى الوظائف وأن ترث كما يرث الرجل تمامًا وأن يدعوا إلى اتحاد شرقي (لا اتحاد إسلامي بهذا النص) على نظام الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الصورة التي كانت تجول في ذهن مصطفى أمين تكشف الأهداف التي ظلت كامنة وراء عمله الصحفي كله، إشاعة روح تحرير المرأة قلبيًا، وإشاعة الحب بين الرجل والمرأة حتى يكون في حياة كل شاب امرأة، ومن وراء هذا المعنى يقف هدف الصحافة الأكبر الإثارة والجنس.
كما تحدث الكثيرون عن السر في انتشار أخبار اليوم، فقد أشار أحد كتابها إلى هذا المعنى حين قال: (كان لنفوذها في الدوائر البريطانية، والأمريكية أثره في تقديم أخبار جديدة لفتت الأنظار وشدت القراء إليها واستطاعت هي في هذا الوقت ومن خلال هذا الولاء السياسي - خدمة الأهداف الكبرى).
- نعم: لقد استطاع مصطفى أمين بنفوذه الضخم في الدوائر السياسية الأجنبية والداخلية أن يحقق أهدافًا سنة ١٩٤٣ على رأسها تحوير المرأة قلبيًا حين كانت ترسم الخطط خلال الحرب العالية لرسم خريطة جديدة للمجتمع العربي والإسلامي.
ولقد كان المدى بعيدًا عام ١٩٤٣ حين رسم مصطفى أمين مخططه هذا وبين ما كتبه عام ١٩٧٩، يطالب برد الإيمان إلى قلوب أبناء الجيل الجديد؛ فإن موجة الكفر والإلحاد هي المسئولة عن استهتار بعض شباب العالم بالمثل العليا وضعف المستوى الخلقي وانتشار الجرائم والمخدرات بين الذين سيتسلمون مصير العالم بعد سنوات.
وليست هذه الدعوة الجديدة نتيجة لتغيير في الخطط وإن كانت نتيجة لتغيير في الأسلوب، فما زال مصطفى أمين بالرغم من كتاباته المملوءة بعبارات الحنان مؤمنًا بكل الأهداف وما زال ينتفض إذا جاء خبر بأن امرأة ما تولت عملاً جديدًا حتى لو كانت كناسة في شوارع موسكو، وما زال مصطفى أمين يضرب أمثلة البطولة والنجاح واحتمال الجهد في سبيل الشهرة بأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وما زال يؤكد أنه حضر ثورة ١٩١٩ مع أنه ولد عام ١٩١٦، ولقد كان خليقًا بالسجن الذي آوى إليه تسعة أعوام أن يدفعه لأن يغير خطته إلى خدمة القيم العليا للحياة الإنسانية ولكنه لم يفعل بل خرج من السجن ليكتب قصصًا جنسية أشد عنفًا مما كان يكتب من قبل ويؤكد مفاهيمه السابقة ويصر عليها، إن كتابات مصطفى أمين تقف في قوة في وجه الشيوعية ولكنها تخدم الديمقراطية الغربية، والكتابات الأخيرة بعد السجن تكشف عن ظاهرة عميقة الدلالة هي "الجنس الصارخ"ونحن ندهش كيف يمكن أن يحدث ذلك بعد ارتفاع السن وكيف يجمع المتناقضات بين قصة جنسية وعمود (فكرة) بما يحمل من اتجاه إلى الله أحيانًا ودعوة إلى الخير (وفي عدد ٦ يوليو ١٩٧٤ يكتب علي أمين أيضًا عن الجنس والرقص) وكيف يمكن إقناع القارئ بهذا التناقض ولكن الذي يفهمه الناس جميعًا أن كلمات (فكرة) خدعة ومصيدة لتضليل القارئ عن مؤازرة الكاتب لهذا الاتجاه الواضح الظهور اليوم في الصحافة الأمريكية والذي تدفع إليه الصهيونية وهو
الإباحية، ونحن نأسف لأن الصحافة الأمريكية تصدر الإباحية والصحافة السوفيتية تصدر الإلحاد ونحن بينهما في طاحونة شديدة؛ لماذا لا تعطي هذه التجربة الخطيرة بالسجن تسع سنوات فوصة لمراجعة العمل والحياة، ولماذا لا تعطي إحساسًا حقيقيًا بالعودة إلى الله يتمثل لا في جمع القروش لليلة القدر ولا في الكلمات البراقة، ولكن في التوجه الحقيقي لشخصية لها وزنها وثقلها في عالم الصحافة إلى العمل الخالص، وكفى ذلك التاريخ الطويل السابق، وتلك المحاولة الخطيرة المتصلة التي حملت لواءها الصحافة العربية في العصر الحديث للعمل على إفساد القيم الأخلاقية والدينية، لقد جاء السجن ضربة قوية لإيقاظ النفس، ثم جاءت العودة إلى المكانة الصحفية حجة عليكم من الله تبارك وتعالى حتى يعلم الناس العبرة، والواقع أن الله تبارك وتعالى سبحانه وليس أحد غيره هو الذي وضعكم موضع العقوبة ثم هو الذي عفا عنكم وأعادكم إلى العمل ورد لكم اعتباركم وهو قادر على أن يعيدكم إلى عقاب أشد "ولعذاب الآخرة أشق"فليعلم مصطفى أمين أنه موضع رقابة شديدة من الله وأنه على حافة خطر عظيم.
- ولقد كتب مصطفى أمين يطالب برد الإيمان إلى قلوب أبناء الجيل الجديد فما هو العمل الذي قدمه حقيقة في هذا الميدان، هل حاول أن يقدم القصة الأخلاقية والكلمة الكريمة، هل حاول أن يخفف من هذه السموم المبثوثة في صفحات الجريمة والرياضة والمرأة، هل فتح بابًا جديدًا لزرع الإيمان في النفوس وإعادة الإيمان إلى الصدور، أم هي ألفاظ وكلمات خادعة مضللة يحملها عمود لتكون "تغطية"على ذلك الركام الشديد السواد الذي ما تزال تقدمه الصحافة.
إن اللمسة الإنسانية في تبنى قضايا المظلومين وتحقيق رغبات المحرومين في ليلة القدر لا تكفي، إذ أن التغيير يتطلب الوصول إلى أعماق النفس، إن
الدور الذي يشيدون به له في الصحافة هو دور مادي: رفع المرتبات، إدخال فنون جديدة للإخراج، إغراء القراء بالصحيفة عن طريق دغدغة أهوائهم وتقديم مزيد من المرغبات والمثيرات للقارئ، هذا شيء لا يمكن أن يتم إلا على حساب القيم الأساسية للدين والخلق لهذه الأمة.
- وقد علق أحد الكتاب على مدرسة مصطفى أمين، فقال (١):
أولاً: إن مقياس النجاح عند مصطفى أمين هو الإيراد الذي تحققه الجريدة من الإعلانات والتوزيع، وإيراد الإعلانات يضع صاحبه في الخدمة المباشرة للشركات الأجنبية والرأسمالية، وبذلك ظلت صحافة مصطفى أمين قبل يوليو ١٩٥٢ مخلصة للاستعمار والرأي وأحزاب الأقلية وكبار الرأسماليين.
ثانيًا: صفحات أخبار اليوم تطفح بالإثارة المفتعلة والأخبار الكاذبة والصور العارية والتحقيقات التي تهدف إلى جذب أنظار الناس عن الأحداث الجارية.
ثالثًا: كثيرًا ما صدرت أخبار اليوم بمانشيتات مبتذلة في وقت كانت تتفجر فيه أحداث وطنية وأحداث عامة، وكثيرًا ما أسدلت الصورة العارية والفضائح الشخصية ستارًا من الإثارة على موضوعات هامة وحيوية.
ولا ريب أن تحكيم الإعلان في الصحافة من أكبر أخطار الصحافة ومن أشدها خطرًا الإعلانات المكتوبة على هيئة مقالات.
غير أن أسلوب تقديم الأخبار على النحو الذي ابتكره مصطفى أمين يعمل على: تفتيت الأحداث بدلاً من إعطاء الظاهرة الأساسية الكبرى وراء تجميعها في منطلق واحد، وضآلة القدر المعطى للأصالة والإسلاميات وضياع هذا
.القدر وسط البرامج المختلفة، بل وفساد مضمونه الأساسي، وقد وصف أحدهم مدرسة مصطفى أمين بأنها مدرسة الرجل الذي عض كلبًا، أي أنها تقدم الإثارة الحقيقية ولا سيما في توافه الأمور التي تروق للبسطاء.
ومن الناحية التاريخية فلحساب الولاء لسعد زغلول غيرت أخبار اليوم حقائق كثيرة وفي مقدمتها تشويه مذكرات محمد فريد بالإضافة إليها والحذف منها (عام ١٩٦٤) وقد نقلت من مذكرات سعد زغلول ما تحاول تكذيب وقائع محمد فريد، فهي تؤيد سعد زغلول على طول الخط، وسعد عدو ومخالف لمحمد فريد، وقد حاول فريد كشف خططه، بل إن مصطفى أمين أخفى أخطر ما في مذكرات سعد زغلول عندما نشرها في الأخبار، أخفى ١٥٠ صفحة منها عن تجربة سعد زغلول مع القمار.
- ولعل أسمى ما تطمح إليه الأمة في هذا العصر هو تطبيق الشريعة الإسلامية، ومع ذلك فإننا نجد مصطفى أمين يسفه هذا المطلب ويقول أن حضارة مصر عمرها سبعة آلاف سنة، ولا يمكن أن تعود القهقرى إلى الخلف وهو يعرف أن تطبيق الشريعة هو المنطلق الوحيد لهزيمة صحافة الإثارة وهو الخطر المترصد بهذه الكوكبة الضالة.
* التابعي ومصطفى أمين وتلاميذهم يحملون لواء الدفاع عن الراقصات والمغنيات والممثلات:
حمل التابعي ومصطفى أمين وتلاميذهما لواء الدفاع عن هذا الصنف من الناس، وأغروا كثيرًا من المخرجين والعاملين في حقل السينما بتصوير حياة الراقصات وتقديمها على أنها بطولات تاريخية وصفحات من حياة أولئك الذين قدموا تلك الصفحات المظلمة من العلاقات غير المشروعة بين العاشقين والسكارى والندامى، وحفلت الصحف بالدعاية لهذا اللون من الأفلام،
وجاءت أفلام خطيرة الأسم وخطيرة المضمون: امرأة لكل رجل، المرأة الخائنة.
وكان حقًا علينا أن نتساءل: لماذا هذا الاهتمام بتصوير حياة الراقصات وما يعشن فيه من ابتذال وفحش بين النوادي الليلية والصالونات، ولا ريب أن تصوير هذه الحياة يؤذي النظر ويخدش الأذن ويعطى مثلاً بالغًا غاية السوء للشباب والفتيات ولا يشفع في هذا أنه تاريخ وأنه تصوير حادثة حقيقية فليس كل التاريخ مما يكتب ويروى ويجسد، وليست كل الحقائق تقال، وإلا فهل يجوز مثلاً تصوير ما يجرى في البيوت سيئة السمعة من عبارات وألفاظ وحركات ويعتذر عنها بأنها حقيقة واقعة من الحقائق الواقعة في المجتمع وفي الحياة.
وكان حقًّا على الصحافة العربية التي تحمل أمانة الأداء للعرب والمسلمين أن تتساءل: لماذا هذه الأفلام وما مدى خطورة الجانب الأخلاقي وجانب القدوة السيئة للشباب، وهل بمثل هذه الأفلام يمكن تدعيم المجتمع، ثم كيف تفتح أمام الشباب أبواب الضياع والسلبية وهي تقدم لهم زادًا أقل ما يقال فيه أنه دعوة صريحة إلى الفساد.
وهل ترى لا بد أن نعيد للأذهان أسوأ ما كان يجرى منذ الثلاثينيات والأربعينات مع أنه كان في هذه الفترة صور حقيقية من البطولة والكفاح والنضال في سبيل نيل الحرية ومناومة الغاصب.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك محاولة تحويل الرقص بخلفياته المعروفة، ووجوهه الكريهة، وطوابعه الإباحية والمخمورة، والفاسدة إلى مثل عليا وقيم مع اللعب بالألفاظ وخداع السذج على النحو الذي يكتبه دكتور وعميد كلية عن ابنته الراقصة (١)١) هي الراقصة فريدة فهمي حيث يقول تلك العبارات الضالة: "
نرقص بشكل أو بآخر، ولكنها وحدها تتخطى الجسد وتتجاوز الإيقاع لتصبح وحدها إيقاعًا مميزًا".
وهذه هي محاولات الخداع في اتخاذ الأسلوب الأدبي والعبارات البراقة مدخلاً إلى إغراء الشباب الصغير قليل الثقافة، ولقد كان حقًا على هؤلاء المضللين أن يسموا هذه العائلة بالعائلة (المقدسة) وأن يسموا الرقص (ثقافة) وأن يسموا الفن (خالدًا)، وأن يؤلف عن ذلك الكتب وتدبج الصفحات وتقدم الصحافة العربية ذلك كله في إعجاب وتقدير.
* أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر:
دخل مصطفى أمين في الحلقة السابعة من العمر ومع ذلك يتخذ أسلوب القصة الجنسية المكشوفة إطارًا لوضع سمومه وأهوائه؛ وأبرز ذلك كتاباته بعد خروجه من السجن "سنة أولى حب"وغيرها.
ولما توفي سيد كراوية أشهر عازف طبلة في مصر، والذي عمل مع جميع راقصات مصر الشهيرات، أعلن مصطفى أمين أنه لو كان له ولد لعلّمه ليكون عازف طبلة تقديرًا للدخل الكبير، والمقاييس عنده مادية، هذا عرّاب صحيفة أخبار اليوم.
إِذا كان الغراب دليل قوم ... يمرّ بهم على جيف الكلاب
* زكي عبد القادر على درب مصطفى أمين والتابعي من قبله:
دعا زكي عبد القادر إلى نظرية تحديد النسل، وكتب الكثير عن الجنس والإباحية وعن تكريم الراقصات والمغنيات والممثلات وإعلاء شأنهن وتقديس المسرح، جسّم الجنس وكتب القصص الغريبة وهو فوق الستين من عمره بلا أدنى وازع من حياء، وقدّم نماذج مضطربة لا يجوز لرجل مثله أن يطرحها بهذه الصورة العارية؛ لأنها تؤدي إلى إحداث آثار خطيرة في نفوس الفتيات،
وكان الأولى ألا يتوسع في تصوير الإثم والخطأ والفساد، وأن يتوسع في التحليل وبيان الأخطاء التي ترجع في مصدرها إلى سوء التربية وغيرها.
- ومن ذلك قصة فتاة يصورها على أنها متطلعة دائمًا إلى الرجال وأنها مغرمة بالعبث بهم وإيقاعهم في حبائلها؛ وأنها لا تعرف الحب مع ذلك، وهي تصلي وتفعل الخير، ولكنها تعمل دائمًا على اقتحام عالم جديد للبحث عن اللهو والتسلية والعبث بالناس، ويمضي زكي عبد القادر في التوسع على أعمدة أربعة في تصوير خواطرها المسمومة، وهو يعنى بأن يقدم هذه الخواطر دون أن يعلق عليها ولو كان يريد حقيقة أن يهدي إلى الرشاد؛ ولكنه لا يفعل شيئًا تجاه ذلك، ولا يصور خطأها وانحرافها، وكأنما هو معجب به راض عنه وهو في السبعين من العمر يهدهد هذه الغرائز ويزيدها اشتعالاً في نفوس أناس ربما كانوا يثقون في كتاباته، ويضعونه في قائمة أخرى غير قائمة أنيس منصور ويوسف إدريس وغيرهم، وفي أكثر من كلمة يتكشف اهتزاز القيم الإسلامية الأصيلة في نفس الكاتب، ولو كان مؤمنًا بها لكان حاسمًا في معالجة القضايا التي يتعرض لها ولما شغف بين آن وآخر بتقديم هذه القصص الإباحية، ولست أدري لماذا يهتم بأن يقول أنها فتاة لها أنوثة طاغية، وأنها نشأت دون رعاية أو رقابة وأنها فتاة مغرورة ليس لها قدر من ثقافة وإيمان تجري مع الأهواء، لماذا الاهتمام بمثل هذه الرسائل وقد نشر منها العشرات في سياق ما كان ينشره من كلمات يتحدث فيها عن الخلق والفضيلة.
هل هذا هو واجب الصحفي صاحب القلم، وهل هذه هي رسالته، الإلحاح على صور الفساد دون أن يقدم العلاج والتوسع في رسم صور الإباحة والوقوف عند ذلك دون أن يحلله أو يظهر خطأه أو يوجه أهله إلى الخير، لماذا الاهتمام بمثل هذه التي وصفها بأنها شيطانة تضج منها الشياطين (أخبار ١٢/ ٣/١٩٧٨)، وهي تكذب حين تقول أنها تصلي أو تعرف الإيمان
أو الصحف الذي في حقيبتها أو أنها حجت وطافت بالكعبة، ثم هي تخاف أن يقع ابنها أو زوجها على هفواتها ومن التبجح أن يقول أنها تعتقد أن السماء تحفظها ولن تتخلى عنها وأن الله يغفر لها ويحفظ سرها، مع أنها لم تزمع التوبة.
- هذا الكلام يراد به تخفيف الجريمة في نظر أصحابها، والتهوين من شأنها وهي محاولة خطيرة في نشر الفساد؛ فإن للتوبة شروطها فإن ستر الله ورحمته لا يكون مع الضالين المفسدين، ولكن مع المؤمنين أو التائبين الذين يستنكرون صفحاتهم السوداء المظلمة ولا يعلنون بها، إن هذه هي محاولة خطيرة في وضع وقائع زائفة في صورة القصة وهي أسوأ ما تقوم به الصحافة في العصر الحديث.
* دعوة زكي عبد القادر إِلى ترك كل القيم والحدود التي رسمها الدين في سبيل الخضوع للعصر:
- قال الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة":
- يقول زكي عبد القادر (١/ ١١/١٩٧٨): "العالم كله مضطرب ومتلعثم في الأدب والسياسة والاقتصاد والاجتماع وهو مضطرب في العلاقات بين الأفراد والعلاقات بين الطبقات، أنظر إلى الصداقة والحب والكراهية، أنظر إلى الزواج والعلاقات الأسرية بين الزوج وزوجه، بين الآباء والأمهات، أنظر إلى مفهوم الأخلاق والسلوك، ألا ترى أنه يتميع ويتداخل، انظر إلى الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، وانظر إلى علاقة الفرد بالدولة بالمجتمع، وأنظر إلى مفهوم الحرية ألا ترى أنه متميع ومتداخل ومتشابك ... ".
- هذا الكلام ماذا يخدم، لماذا إثارة الشكوك حول كل شيء؟ وما هو
العلاج؟، لماذا لم يقدم الكاتب للناس العلاج، إن هذا الأسلوب هو أسلوب الماسونية التي تتقنع الآن تحت اسم (الروتاري) وهو مفهوم الصهيونية التلمودية، هذه الدعوة المدمرة إلى إثارة الشبهات وترك الناس بدون حلول.
- ومن أخطاء زكي عبد القادر قوله بأن تربية الأبناء الصحيحة وإعدادهم الإعداد الكامل، هو محاولة لصب هؤلاء الأبناء في قوالب الآباء وإلزام لهم بمنهج التفكير والتصور الذي نشأوا عليه وأنهم بذلك يقضون على شخصياتهم ويطعنون الإلهام والفتوة والقدرة فيهم من قال هذا! إن زكي عبد القادر يريد أن يتابع ذلك اليهودي الذي استشهد به والذي قال أن ابنه له الحق في أن يعرب عن رأية بحرية ولو خالف وجهة نظره هو.
والحق أن هذه محاولة للاتهام بأن هذا الأسلوب صحيح والواقع أنها محاولة لإقرار مفهوم مضلل وافد، ولا ريب أن إثارة مثل هذه الملاحظات وترديدها إنما يوحي بالهدف الذي يرمى إليه زكي عبد القادر وهو متابعة منهج الماسونية الذي يقول مثل هذا.
- ويكتب زكي عبد القادر تحت عنوان "الانفصال عن العصر"في دعوة مسمومة لترك كل القيم والحدود والضوابط التي رسمتها الأديان في سبيل الخضوع للعصر، وهذا ليس إلا مغالطة واضحة للحقائق الأساسية التي يقوم عليها بناء الأمم من أخلاق وقيم وعقائد، وأن هذا الكلام يعني ما يقوله الماركسيون والماديون والوثنيون من إخضاع الأخلاق والقيم للمجتمعات والعصر، ويتعرض زكي عبد القادر لعلاقات المرأة بالرجل والزواج والجنس وأزمة الشباب والجريمة وهو يقصد في هذا أن تتحرر هذه العلاقات من ضوابطها الحقيقية، ويقال هذا ويردد في أفق المجتمع الإسلامي وفي الصحافة العربية بهدف واضح هو تدمير المجتمعات خدمة للماسونية، وإن كان يقال في حرص شديد ومكر شديد أيضًا.
* زكي عبد القادر على درب الباطنية:
ْويذهب زكي عبد القادر إلى ترديد كلام الباطنية حين يقول أن الله في داخل الإنسان، وأن في كل فرد جزءًا إلهيًا، ولا يعرف الإسلام هذه العبارات بل هي من نتاج الهندوس والفراعنة والمسيحية، أما المسلمون فإنهم ينزهون ذات الله العليا عن التلبس بالمادة سموا بها عن المماثلة وأن الله تبارك وتعالى كما وصف نفسه "ليس كمثله شيء".
* أحمد بهاء الدين الماركسي يقول: إِن تشريعات الإِسلام لا تلزم عصرنا ومجتمعنا:
وقد وقعت مجموعة جريدة الأهرام (هيكل، لويس عوض، توفيق الحكيم، حسين فوزي، نجيب محفوظ، أحمد بهاء) في المرحلة الناصرية في مواجهة الدعوة لاتخاذ الإسلام أساسًا لقيام نهضة حضارية عصرية في البلاد العربية تكون هي منطلق نداءات الوحدة والتضامن، مع بروز الطابع اليساري الماركسي العلماني الذي كشفته الندوات ورفض التيار المطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وجعلها أساسًا لقيام مفهوم جامع للأمة العربية الماركسية والرأسمالية على أي انتماء أصيل، وكانت روح الحقد والكراهية للإسلام واضحة في مختلف الكتابات فضلاً عن محاربتهم للمجلات الإسلامية والعربية والدعوة إلى إيقافها (الرسالة والثقافة)، وكان طابع العمل الصحفي واضحًا في عبارات محددة كتبها أحمد بهاء الدين كأنما هي دستور للصحافة العربية في هذه المرحلة.
- قال أحمد بهاء الدين: لا بد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيدًا عن اللف والدوران، وإن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيمًا خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير، أما ما
جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في مجتمع بدائي إلى حد كبير ومن ثم فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا.
وكانت هذه صيحة تلك المرحلة والعلامة البارزة التي سبقتها النكبة ولحقتها النكسة، وهي ليست صيحة دعاة الحضارة الغربية ولا الاستعمار وإنما هي كلمة كل أعداء هذه الأمة، ماركسيين وصهيونيين وغربيين، ذلك القول المردود بكل دليل، القول الباطل بأن الإسلام لا علاقة له بحياة المجتمع ولا تنظيمه ولا دخل له في التشريع ولا في الأحكام والعمل على إبعاد القرآن والسنة وكل ما جاء به الرسول من عند الله عن حياتنا الاجتماعية والسياسية على أن يبقى فقط وازعًا خلقيًا، وهذا ما يسمى بتمسيح الإسلام وهي صيحة كرومر وطه حسين وماركس وسارتر وكل أعداء الإسلام، ولقد كان الماركسيون جميعًا يحملون هذه الدعوى، ويعتقدون أن ماركسيتهم هي وحدها علاج المجتمعات الإسلامية فإذا بهم داؤها وشرها وعلى أيديهم وفي ظل نفوذهم جاءت الضربة القاسمة للأمة العربية في نكسة ١٩٦٧، ومن الطبيعي أن تكون دعوتهم إلى إبعاد الإسلام لتحل محله الماركسية ولما وجدوا الهزيمة في دعواهم تراجعوا فطالبوا المصالحة بين الإسلام والماركسية من حيث يرون أن الإسلام دين لاهوتى يقوم على مسألة وازع الضمير، وتجعل للماركسية وظيفة الحياة وتنظيماتها، وكان هذا من الأهواء الكاذبة فإن الإسلام بوصفه دينًا ربانيًا سماويًا لا يقبل المشاركة ولا المقارنة ولا أن يصبح مبررًا لدعوات أو حضارات سواء الديمقراطية الغربية أو الماركسية الشيوعية، وإنما هو نظام أصيل له ذاتيته الخاصة، وهو دين ونظام مجتمع في نفس الوقت، وقد قدم منهجًا جامعًا ونظامًا للحياة والمجتمع لن تستطيع أن تلحقه الديمقراطية ولا الماركسية.
* أحمد بهاء الدين والهجوم على الشيخ محمد أبي زهرة والمباهاة بانحراف الإِعلام في مسألة المرأة:
حملت الصحافة حملة شعواء على العلماء الذين قدموا حكم الإسلام في المرأة في مواجهة سمومهم وأضاليلهم، وفي مقدمة هؤلاء محمد أبو زهرة، ومحمد الغزالي فحمل أحمد بهاء الدين على الشيخ أبو زهرة وحمل موسى صبري على الشيخ الغزالي.
- يقول بهاء الدين: إن بعض رجال الدين يريدون أن يحتكروا تفسير الدين، وبالتالي يحتكروا تفسير الحياة، ووصف عقولهم بأنها متحجرة في أغلب الأحيان لأنهم عاشوا حياتهم العقلية أسرى بين جدران كتب محددة ووصف معارضة الشيخ أبو زهرة للمفاهيم الماركسية المنحرفة في شأن المرأة بأنها مطالبة بموت هذه الأمة.
ويباهي بهاء الدين بانحراف الصحافة والإعلام في مسألة المرأة، فيقول إن التليفزيون يذيع ساعات طويلة من التمثيليات التي تشترك فيها النساء والأغاني التي تغنيها المطربات والدولة ترسل بعثات من الفتيات إلى الخارج، وإن البنت تذهب بمفردها إلى أوربا، وإن في الأندية الرياضية آلافًا من الفتيات يقدمن التمرينات والألعاب والاستعراضات.
ونحن نقول للكاتب: وهل يكون هذا الانحراف عن المفهوم الأصيل لعمل المرأة ومهمتها وأوضاعها حجة على الإسلام نفسه؟ إن المجتمعات قد تنحرف وقد تتحرى الصواب ولكن مفهوم الإسلام يبقى فوق كل اعتبار، هو الحق الذي لا مرية فيه، ومهما كثر الانحراف؛ فإنه هو الكلمة الأخيرة التي يجب على المجتمعات بعد أن تجرب وتنحرف أن تجد نفسها ولا سبيل لها إلا العودة إلى حدود الله.
إن هذه الصورة التي يعرضها الكاتب هي حجة عليه، وهي علامة على الانحراف وليست دليلاً على الأصالة أو على الطريق الصحيح، إن من وراء هذا كله بيوتًا مضطربة ونفوسًا مضطربة أيضًا، ولن يصلح أمر هذا المجتمع إلا بعودته إلى الأوضاع الطبيعية من حيث أن تصبح المرأة مسئولة عن بيتها وزوجها وأطفالها، ونحن نعلم أن وراء هذه الاتجاهات ضحايا كثيرة ومآسٍ عسيرة وإحساسًا يملأ النفوس بأن هذا الطريق ليس هو الصحيح.
- وأخيرًا: انظر إلى استخفاف أحمد بهاء الدين وسوء أدبه يكتب مقالاً له بعنوان "الله يقيم أوكازيونًا في ليلة القدر"وقد ردّ عليه الأستاذ أحمد أمين في جريدة الأخبار في عددها ٩٤٧٤ بتاريخ (٢٢/ ١٢/١٩٨٢) وقد قامت القيامة على الأستاذ أحمد زين حين ردّ على هذا المنحلّ دينيًا وقالوا هذه حرب الرأي وحرية الفكر لا نريد رجال الكنيسة مرة أخرى.
* موسى صبري وفجوره وعشيقاته:
وموسى صبرهم يعوى جهارًا ... يسبُّ الحبر يهجو المسلمينا
يهاجم موسى صبري (أخبار اليوم) الشيخ محمد الغزالي؛ لأنه أثار ضجة حول المرأة في اجتماعات المؤتمر الوطني (١٩٦٢) يقول: يرى الشيخ الغزالي أن الرجل والمرأة سواء في جميع الفضائل والتعاليم الدينية، ومن حق المرأة أن تعمل في التجارة وتعمل مدرسة وطبيبة وممرضة ولا مانع من اشتغالها محامية، ولكنه يرى استحالة مساواة المرأة بالرجل في الوظائف وتولي المناصب القيادية، فالرجال قوامون على النساء بحكم الطبيعة والدين الذي جعل حق الإنفاق وقيادة الأسرة للرجل وشهادة الرجل وميراثه كشهادة وميراث امرأتين، أما مساواة الرجل في الوظائف فإني اكتفي فيها بشهادة ديوان الموظفين عن مدى صلاحية المرأة للتوظيف قبل وبعد الزواج، وهي لا
تصلح للمناصب الرئيسية، ويهاجم موسى صبري هذه الآراء ويصف الشيخ محمد الغزالي بأنه عدو جديد للمرأة، ولا ريب أن موسى صبري يعد متطفلاً في هذه المسألة فإن القضية تتعلق بالمرأة المسلمة لا بالمرأة بصفة عامة، وهو والله للمرأة كالذئب للشاة، وأخباره الماجنة مع عشيقاته تزكم الأنوف وسارت بها الركبان، وسلوا فنادق أوربا تخبرك بإثمه وفجوره ودنسه ... أما موقفه من الشباب المؤمن الملتزم بدينه فمعروف.
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا ... لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
- "يتحدث موسى صبري عن حرية الحب في السويد، وينقل إلينا الصورة مع اختلاف البيئة والزمن والدين والتقاليد والقيم الاجتماعية، ويقصد بحرية الحب حرية الجنس، ويفيض في الحديث عن التجربة التي تعلم الجنس للفتيات في سن مبكرة واعتبار الجنس متعة كالطعام والملابس، ويردد عبارات أساطين الجنس والانحلال فيقول: إن ما يباح للشاب يجب أن يباح للفتاة، وأن أحدهم يقول أنه يحترم العلاقة الشاذة بين أخته وصديقها وإنها مسئولة عن نفسها تمامًا.
ولا يتردد موسى صبري أن ينقل لأبنائنا تلك السموم التي ترددها كتابات دعاة التحلل وتدمير المجتمعات كأنما هي "التصريح الذي يؤهلهم لتسلم مراكز القيادة في الصحف"ويتساءل موسى صبري: ماذا تفعل الفتاة إذا أصبحت أمّا بغير زوج؟ والجواب: هو إما أن تتخلص من جنينها، أو أن الدولة كفيلة برعايته، والابن غير الشرعي له تقدير في نظر المجتمع وهكذا نجد أن الصحافة تنقل لنا سموم المجتمع الغربي لا بقصد تفسيره في ضوء مجتمعاتنا ولا من أجل تبريره والدفاع عنه بل لهدف أخطر وأشد خطراً هو أن تصبح مجتمعاتنا منقادة لهذه الأعراف الفاسدة الضالة وقابلة لها وهم يضعون بين يدي المنحلين والفاسدين العبارات والوسائل والدفوع التي
يتذرعون بها في دعواهم وفي محاولاتهم لخداع الفتيات واغتصاب البريئات.
- "الابن غير الشرعي له كل تقدير في نظر المجتمع"هذه العبارة لا ترمي إلا إلى أن تهدم مقومات هذا المجتمع المسلم الذي يقوم على أساس حماية العرض وإنكار الزنا، وتقوم شريعته الإسلامية على أساس الضرب على أيدي المفسدين بالجلد والتنكيل.
ثم يصور لنا موسى صبري كيف أن هذه الدول التي يصل الدخل القومي فيها إلى أعلى مستوى في العالم يقوم شبابها على أساس إدمان المخدرات والخمور وأن عشر الذين يصلون إلى سن البلوغ في السويد يتعرضون لاضطرابات عقلية تلازم أمراضهم الجسدية، ألا يكفي هذا في نظر الكاتب صاحب الأمانة لوطنه وقومه أن يتوجه إليهم بالحديث على نحو آخر.
ولكن هذه هي الصحافة ورسالتها كما فهمها هذا الجيل، وهي التي وصلت بهذه الأمة إلى الهزيمة والنكبة والنكسة.
* محمد عودة الماركسي يثني على علاقة سيمون في بوفوار مع عشيقها سارتر ويقول إن الثورة الاشتراكية ثورة في العلاقة بين الرجل والمرأة:
تهتم الصحافة اليومية بتقديم النماذج الفاسدة المنتقاة من جميع صحف العالم، وتعنى بالمرأة الآبقة (سيمون دي بوفوار) وتردد كثيرًا مقالتها وآراءها في الهجوم على العفة والأخلاق والقوامة.
وقد أولتها اهتمامًا خطيرًا أثناء زيارتها لمصر مع جون بول سارتر وحاولت أن تصور هذه العلاقة بأنها أعلى وأكبر وأجل من علاقة الزواج من حيث إن سيمون ليست زوجة شرعية لسارتر ولكنها محظية، ولقد نشرت الصحف فخرها بهذه العلاقة، واهتمت بتصويرها وإعلاء شأنها، مع أن
تحسين هذه العلاقة يرمز إلى احتقار مفهوم الزوجية الشرعي، ويدمر مفهوم علاقة الرجل بالمرأة في وضعها الطبيعي ومن الأسف أن اهتمت الصحف بعباراتها التي قالت عنها أنها تدعو إلى تحطيم قوامة الرجل وأي وصاية من الرجل على المرأة.
- ويصور هذا المعنى تصويرًا مسمومًا الكاتب الماركسي محمد عودة (الجمهورية ١٩/ ١/١٩٦٧) فيقول:
"هي علاقة قد لا يفهمها البعض عندنا بمقاييسنا الشرقية وذلك كما لا يفهمها أيضًا البعض في أوربا المحافظة، ولكنها إحدى العلاقات التاريخية التي تقوم على أعمق وأصدق ما تقوم عليه العلاقة بين الرجل والمرأة، وقد أغنت الحياة الأدبية والعاطفية للعصر كله، وهي علاقة لا بد أن يفهمها ويستشعرها شبابنا وفتياتنا لأن الثورة الاشتراكية هي أيضًا ثورة في أعم علاقة إنسانية وهي العلاقة بين الرجل والمرأة".
وهذه العبارات المسمومة لا تعني أكثر من قلب للمفاهيم الأصيلة التي يعرفها الناس جميعًا عن العلاقات الشرعية بين المرأة والرجل حسبما أحل الله ذلك وأن كل علاقة غير هذه، أو من هذا النوع الذي يجهر به سارتر وسيمون هو نوع من الدعارة والزنا والفساد الذي لا يقره عرف ولا شرع، والذي لا يرضى عنه أي دين أو أي مذهب، أو أي نحلة فحين يحاول أمثال محم
...