من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى
- محمد حسنين هيكل عراب الناصرية ودجالها الكبير، جنرال وفيلسوف هزيمة يونيو ٦٧:
يبوء سادن الناصرية هيكل بعبارات التقديس التي أضفيت على عبد الناصر .. إنه كبير حملة المباخر له، وكبير مقربي القرابين له، وكبير محترفي الارتزاق، كال مع الناصريين كلمات الإطراء لناصر وتجاوز إطراؤه حد اللامعقول.
في زيارة لأسيوط تهلل وجه عبد الناصر بشرا وصفق مع المصفقين لشاعر هزيل قال:
مصر بلا جمال ما لها صفة ... مصر بلا جمال أمة عدم
وحين قال محافظ أسيوط يومئذ: "اللهم إننا نحبك، ولكننا نحب جمالا .. فما حيلتنا؟ وكان أن رقي بعد ذلك ليكون محافظ القاهرة، وحين قال مدير جامعة أسيوط المعين قبل أن يكتمل إنشاؤها: "إن كان عيسى المسيح قد أحيا ميتا أو اثنين أو ثلاثة، فقد أحييت يا سيادة الرئيس مائة مليون عربي، وإذا كان موسى - عليه السلام - قد ضرب بعصاه البحر فشق فيه طريقا يبسا، فقد صنعت بالسد العالي أكثر مما صنع موسى، وكان أن رقي المتحدث بعد ذلك فعين وزيرا للثقافة" (١).
كان مقال هيكل الأسبوعي "بصراحة"والذي كان ينشر في الأهرام يوم الجمعة يلف ويدور حول معاني منها "سنحارب إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل""إن لم يعجب أمريكا أن تشرب من البحر الأبيض فأمامها البحر الأحمر"لن نسمح لأحد أن يجرنا إلى المعركة وسنحدد نحن يوم المعركة، ومن فاتته قراءة المقال في الأهرام فما عليه إلا أن يدير مفتاح المذياع ليستمع إليه من إذاعة إسرائيل، ومن العجيب أن التشويش على إذاعة إسرائيل كان يتوقف أثناء إذاعة حديث هيكل؛ لأن أحاديث عبد الناصر إلى الغرائز لم تكن قاصرة على الشعب المصري، وإنما يعني عبد الناصر أن تصل إلى كل عربي، وإذاعة إسرائيل تساهم بنصيب نشيط في هذا المجال، ومع الفارق، فالناصرية تخاطب به غزائر المغلوبين على أمرهم من المصريين والعرب، وإسرائيل تخاطب به عقول المتعاطفين معها، وقادة الدول العظمى، ولا تمل من إسماعهم تهديدات الزعيم لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل، ولسان حالهم يقول: "احذروا هتلر الجديد".
أكبر جريمة ارتكبتها الناصرية هي الديكتاتورية، وكان غلو الناصرية في الديكتاتورية، وتسخيرها السلطة العمياء في هدم الشرفاء والتنكيل بهم أول طريق الضياع صوب هيكل سهامه ضد ديكتاتورية السادات ونسي صاحبه (٢) ديكتاتورية عبد الناصر لا تحتاج إلى دليل ولقد موه الإعلام الناصري وعلى رأسه هيكل على أقبح الأعمال وأردأها، غطى على الإرهاب والتسلط الذي اختير له صنف من الناس تأنف الحيوانات أن تنتسب إليهم على حد تعبير محمد نجيب في مذكراته، وإذا كان هذا هو وصف نجيب للصنف من الزبانية الذين تعاملوا معه، فكيف يكون حال الصنوف والضروب الأخرى الذين علقوا وسحلوا وقتلوا ونهبوا وشردوا وأحرقوا، وانتهكوا الحرمات، وتسلطوا على الأعراض، ونهبوا الأموال وألقوا بأصحابها في السجون أو في الطرقات.
- حدثنا هيكل عن آلاف الجنيهات التي أنفقها السادات على استراحاته وعلى مظهره وعلى أمنه، ولم يحدثنا عن المليارات التي بددها صاحبه على المؤامرات في الداخل وفي الحروب الفاشلة والتجارب الخائبة (١).
إن الادعاء بنزاهة عبد الناصر، أو تعففه عن المال العام هو مجرد لغو من القول، لقد ترك المال العام نهبا لكل من هب ودب، كان أخوه "الليثي عبد الناصر"حاكما بأمره في الإسكندرية، و"علي شفيق"الضابط من الصف الثاني، قتل في لندن وسرق منه مليون دولار، وكان له مليون آخر بالبنك، وفي المحاكمات التي جرت إثر هزيمة عام ١٩٦٧ م ثبت أن المشير عبد الحكيم عامر كان له ثماني عشرة شقة خاصة، وصهر الزعيم أشرف مروان أصبح فيما بعد مليارديرا، وأخيرا وليس آخرا باعت ابنة الزعيم فيلا بسبعة ملايين ونصف مليون جنيه، وقيل إن الزعيم اشتراها في حياته بعشرة آلاف جنيه فقط، وما خفي كان أعظم" (٢).
ترك عبد الناصر مصر غارقة في الديون، مصر التي تسلمها دائنة لإنجلترا بخمسمائة مليون جنيه إسترليني" (١).
* كذب هيكل:
انظر إلى ركام العفن والزيف والجرأة على الحق وعلى مصادر التاريخ الصحيح، وقدرة هيكل على قلب الأوضاع ومسخ التاريخ وتبرئة المذنب، واتهام البريء، نقرأ لمحمد هيكل في كتابه "عبد الناصر والعالم":
"وذات يوم كان عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة يبحثون مسألة بناء برج لاسلكي للاتصالات العالمية التي تقوم بها وزارة الخارجية وإدارة المخابرات، وقيل لعبد الناصر: إنه قد تم شراء بعض المعدات، ولما احتج أنه ليست هناك أموال مرصودة في الميزانية قيل له: إن المال جاء من اعتماد أمريكي خاص، ودهش عبد الناصر إذ كانت هذه أول مرة يسمع فيها بوجود أي اعتماد خاص، وقيل له: إن وكالة المخابرات المركزية وضعت تحت تصرف اللواء محمد نجيب ثلاثة ملايين دولار، وكان المبلغ قد تم تسليمه بواسطة عميل أمريكي في حقيبة ضخمة عبئت بقطع نقدية من فئة المائة دولار، واستشاط عبد الناصر غضبا عندما سمع ذلك وتوجه بالسيارة فورا إلى مجلس الوزراء وطلب تفسيرا من محمد نجيب". (١)
ينسج هيكل من خياله هذه القصة المختلقة .. وفوجئ هيكل بمحمد نجيب يرفع عليه قضية، وكان ظن هيكل أن خبطات جمال لنجيب قد حولته إلى تمثال لا يقرأ ولا يسمع، وحين بلغه خبر القضية وانكشف زيفه اعتذر وتراجع بأسلوب مترنح لا يعرف صراحة أهل الحق حين يبصرون بباطلهم فإذا هم مبصرون .. وتنازل الرجل الطيب عن القضية وعن التعويض بعد أن استبان الحق، وعرف الجميع أن نجيبا لو كان هو الرجل الذي يقبل هدايا الأمريكان لأعانوه على جمال ولاختلف الوضع، تنازل نجيب، وما كان
نجيب في حاجة إلى قضية يثبت بها صدقة وإفك خصومه، فقد عرف عنه الصدق، وما عرف عنهم صدق في يوم من الأيام، وحقيقة أخرى يحدثنا هيكل بأن جمال وهو قادم من يوغسلافيا في المحروسة علم وهو في البحر بانقلاب حدث في العراق، فاستشار محمود فوزي، فقال له محمود فوزي: هذه أمور تحسمها إلهامات الزعامة، وليست مجالا لمشورة أحد.
محمود فوزي نفى حدوث ذلك وأنكره، ولا يعلم هيكل أن قوله هذا إن كان كذبا فجل كتابه كذلك، وإن يكن صادقا فذلك برهان ساطع على نوع المستشار الذي يستطيع البقاء مع الديكتاتور (١).
* عقيدة هيكل:
في كتابه "عبد الناصر والعالم"الطبعة الإنجليزية، يقول هيكل: إن عبد الناصر سأله في أحد جلساته: "هل تؤمن بالبعث؟! وأجاب هيكل: بأنه يؤمن بالبعث ولكن الجزاء ليس النعيم أو العقاب الحسي الذي يتصوره البعض.
لماذا لم يكتب ذلك في الطبعة العربية، وهل يهم الإنجليز أن يعرفوا إيمان هيكل وعبد الناصر بالآخرة؟ (٢).
إيمان بالمزاج، كحرية بالمزاج، وكحربهم لإسرائيل وانهزامهم بالمزاج، وكتنقلهم من حضن دولة لدولة بالمزاج، وكاشتراكيتهم الغارقة في أهواء من احتفظوا لأنفسهم باللحم وتصدقوا بالعظم.
كمطعمة الأيتام من كد عرضها ... فليتها لم تزن ولم تتصدق
..* دجل هيكل:
أي زيف أقبح من زيف هيكل عن الانتصارات المزعومة في حرب ٥ يونيو في جريدته الأهرام وأعداد الجريدة في ٥ يونيو وما تلاها، وعدد الطائرة التي أسقطناها تؤكد كذبه ..
"أي زيف أقبح من أن يزعم هيكل أننا أنتصرنا في ٥ يونيو لأن اليهود وإن أخذوا سيناء برمالها فقد عجزوا عن إسقاط عبد الناصر (١).
أنسب مكان لصنع تمثال لعبد الناصر -إن جازت التماثيل- تمثال في تل أبيب جزاء ما قدم لليهود من جميل لن ينسوه له.
سألوا عن التمثال أين مكانه ... ليخلدوه ويستمر زمانه
زعماء إسرائيل عرفوا فضله ... فبظلمه انتصروا وخاب رجاله
لو أنصفوه لقدسوا تمثاله ... وتكون تل أبيب ميدانا له (٢)
- من أراد أن يعرف هيكل وعبد الناصر على حقيقتهما المرة فليرجع إلى كتاب "فلسفة الثورة"وسواء كان هو كاتبه أم هيكل أم هما معا وهذا هو الأرجح.
- إنه هيكل القائل عن ناصر: "والشيء المهم فيما يتعلق بعبد الناصر وربما كان من أبرز أسباب نجاحه أنه مثل "محمد علي"قبله أدرك بعمق حقيقة الثوابت الجغرافية والتاريخية التي تصوغ وتحكم أقدار مصر.
زعم أن عبد الناصر نجح، وإذا كان هذا هو النجاح فماذا يكون الفشل؟ (٣).
.* إنه هيكل:
الذي يحدثنا عن حرب العبور فيكاد يشعرك أن يده كانت مع السادات وأن أياديه البيضاء ورؤيته السديدة للأشياء كانت كفيلة بإحراز نصر أكبر! وعلى باقي الناصريين أن يسألوه: أفلا كان الأولى بك أن تفيد عبد الناصر بهذه العبقرية لينتصر ولو مرة واحدة.
- كنت أود لهيكل أن يكتفي بمغالطاته السياسية، ويحلل ويتأول كما يشاء ويبعد عن الخوض في الإسلام، فهو أولا: بعيد عن هدي الإسلام، ثانيا: هو جاهل به، ثالثا: إنه كان أحد أركان التعتيم الناصري، والمبرر لضرب عبد الناصر للإسلام ولأهله والمفتري على الإخوان المسلمين في محاكماتهم بقضايا ملفقة.
كان على هيكل أن يبتعد عن الخوض في الإسلام لأن خطأه سيكتشفه غيورون على إسلامهم ولن يتركوا هيكل يلبس عمامة ليعلم الناس مغالطات باسم الدين بجرأة هيكل على قلب الحقائق، والالتواء بالواقع، لينصر سيده حيا وميتا، بنفس الجرأة يغالط وهو يتكلم عن الجماعات الإسلامية، وكأن السادات ارتكب منكرا حين تركهم يؤدون صلاة العيدين في الخلاء، وترك لهم حرية الحركة حتى اشتد عودهم وكثر عددهم وأصبحوا عبئا عليه، وقوة ضده وليست له .. في نفس الوقت الذي ترك فيه شجرة الناصرية تذبل وتضمر، وأصبح الناصريون كاليتامى فقدوا عائلهم ولا يجدون من يقيم شأنهم، ويوجه تحركهم، تأمل معي تفكير الكاتب الأوحد لتعرف بأي عقل يفكر الناصريون، وأن هناك أصنافا منهم لا زالت عقولهم في حناجرهم.
- هل كان فرضا على السادات أن يسير على طريق الناصرية، فيلفق التهم، ويشكل المحاكم، ويعدم الخصوم، ويزيد من الخرائب التي خلفها له جمال؟!!
- هل كان على السادات -ليعجب هيكل- أن يترك العفن الذي تركه له عبد الناصر ليأتي على الأخضر واليابس؟ (١).
- يا عراب الناصرية الكادح إلى حتفه كدحا، أما أن لك أيها السكران بخمر الناصرية الأثيم أن تفيق .. إن حديث الغرائز كان عليه أن يتوقف يوم ٢٨ سبتمبر سنة ١٩٧٠ بذهاب سيدك إلى ربه - لو جمعت أكاذيبك عن الإسلاميين لملأت مجلدات ولكن كيف تجترئ الكذب على الله فتقول في "خريف الغضب" (ص ٢٨٩):
"وكانت لكتابات سيد قطب تأثيراتها، ولقد ساعد على انتشار هذه التأثيرات أن الإخوان المسلمين لم يقبلوا مجمل الأفكار الرئيسية التي جاءت بها الثورة المصرية، كانت أفكار الثورة عن المساواة وتذويب الفوارق بين الطبقات تبدو متعارضة مع قول القرآن (وجعلنا بعضكم فوق بعض طبقات) هذا كلام هيكل وليس كلام الله، ومن يكذب على الله، فليس بمستغرب عليه أن يكذب على الناس.
إن كان يقصد ما يقول فآثم ... أو كان يجهل فالجهالة عار (٢)
- تقول صافيناز كاظم في كتابها "الخديعة الناصرية"عن التيار الثوري الانتهازي أنه يتكلم بلغة الثوار، ويستخدم اصطلاحاتهم ويصفق للاشتراكية، وكان هذا التيار بانتهازيته يجمع مكاسب مادية هائلة، يسوغها لنفسه بمقولة: "الاشتراكية لا تعني الفقر .. الاشتراكية من أجل حياة أفضل"! وكانت وظيفته الأساسية أن يزور حقيقة عبد الناصر، ويجعل منه وثنا معبودا له خوار، ويفلسف كل أخطائه ويبررها، ويدافع عنها أمام الرأي العام العربي والعالمي، ويقوم بدور تشويه وسحق مجموعة المثقفين الشرفاء من الحركة الإسلامية ويتهمهم بالتطرف والطفولة الثورية والإرهاب والشغب كان هذا التيار يهندسه ويقوده محمد حسنين هيكل ومن تحت إبطه لطفي الخولي -قبل أن يغدر به- ومحمود أمين العالم من جانب آخر، بالإضافة إلى ثقلين ثقافيين رئيسيين هما: توفيق الحكيم (١)، ونجيب محفوظ (هاتان الشخصيتان الزئبقيتان اللتان أثبتتا قدرة شيطانية رهيبة في القفز واللعب على حبال كل التيارات بحيث أمكن لها الامتداد والاستمرار في مكانتهما الراسخة العالية لدى كل سلطة مهما تغيرت الأقنعة واللغة واللهجة والصوت والصيحات سبحان الله!! )، وكان كل اسم من هؤلاء يحتكم تحت إمرته وحمايته طابورا من أسماء عديدة - "معظمها ناصرية وماركسية وتوليفة الماركسية الناصرية والناصرية الماركسية" (٢)
* الهزيمة النكراء التي سماها هيكل النكسة:
كيف استطاع هيكل أن يزور التاريخ وهو يكتب في أكبر صحيفة وهي الأهرام عن أيام ٥ يونيو - كيف كتب عن أعمق مأساة في تاريخنا، مأساة توقف عندها التاريخ .. لم تجف لها دموع الملايين على مئات الألوف من الأبرياء، كيف استطاع عبد الناصر وهيكل أن يخدعا شعبا ويضللا أمة؟ وكيف أننا ما نزال نهز آذاننا ونفرك عيوننا ونرى الموال الذي لا ينتهي عن "كلنا بنحبك .. ناصر".
- إن احتيال الدجال هيكل وزمرته قد أطال بقاء الوثن في الحكم، بزعم أنه تجاوز عمره الافتراضي في مايو ١٩٦٧ م يوم أعلن أنه لن يحارب .. لن يهاجم .. لن يبدأ، ثم حشد مئات الألوف من الجنود بلا استعداد، بلا خطة، وجعلهم عراة في الصحراء، وكأنه "رومولوس"آخر ملوك الإمبراطورية الرومانية، عندما قرر أن يصفي الإمبراطورية لأنها كبرت وشاخت، فقبل أن تحاكمه وتحكم عليه، حاكمها وحكم عليها، وأدانها ونفذ فيها حكم الإعدام في صبيحة الخامس من يونيو عام ١٩٦٧ م.
- وظهرت براعة عبد الناصر وهيكل في التمثيل يوم النكسة وما بعدها، فقد قرر عبد الناصر أن يتنحى ظهرا ويعود ليلا، وأعد له خطاب التنحي الممثل البارع محمد حسنين هيكل، ورسمت الأدوار بواسطة الدجالين .. يترك ناصر الحكم لوزير الحربية المهزوم شمس بدران ثم يعدل عنه إلى زكريا محيي الدين وهو كريه عند الشعب المصري، وكأنه يتنحى من ناحية ويدفع الناس إلى التمسك به، ودبرت مظاهرات العدول عن التنحي، وكانت الصورة التي يجب أن نخجل لها حتى آخر الزمان .. صورة "أعضاء مجلس الأمة، وهم يرقصون طربا؛ لأن عبد الناصر قد قرر العودة، أو قل: فرقة الفنون الشعبية التابعة لمجلس الأمة .. رقص الناس طربا وفرحا للرجل الذي مسح بهم الأرض من المحيط إلى الخليج .. للرجل الذي كان سببا في سفك دماء الآلاف الذين ذبحوا على رمال سيناء .. للرجل الذي أدخل اليهود في مصر وسوريا والأردن والقدس في ست ساعات".
- أية شعوب هذه التي تهلل وتكبر للزعيم الذي جلب لها هزيمة نكراء لا مثيل لها في التاريخ القديم والحديث، ومع هذا يعلن هيكل أننا انتصرنا لبقاء عبد الناصر في الحكم وإن ضاعت سيناء برملها، ولسوف يسأل هيكل عن دجله أمام محكمة التاريخ، وأمام الأجيال القادمة ... وسيسأل أمام اللهعز وجل في الآخرة عما فعل بأمته.
- ومن يوم هزيمته في ٥/ ٦/١٩٦٧ حتى هلاكه في ٢٨/ ٩/١٩٧٠
عاش عبد الناصر ثلاث سنوات وثلاثة أشهر و٢٣ يوما ظهر دجل حاوي الناصرية وفيلسوفها محمد حسنين هيكل.
* "بصراحة"لمحمد حسنين هيكل بعد النكسة .. بجريدة الأهرام:
كان محمد حسنين هيكل يخرج لنا كل جمعة بأفيون صراحته، يغالط في ضوء الشمس كل الحقائق الصارخة، ويقول: إننا لا نستطيع أن نحارب مثل فيتنام؛ لأن فيتنام دولة فقيرة وشعبها بدائي وليس لديه ما يخسره، أما شعب مصر فشعب عريق، لديه السد العالي، والأهرامات ولا يجب أن يعرضهم للدمار والنسف بدخولها حربا مثل حرب فيتنام (انظر مقالات هيكل بالأهرام ما بين ٦/ ١٩٦٧ إلى ١٢/ ٦٧) واستمر هيكل يركز على الحل السلمي وفقا لقرار ٢٤٢ المعترف بإسرائيل، وأن الحرب الوحيدة الممكنة هي حروب استنزاف لفرض الحل السلمي، وكان يقدم منطقا تعجيزيا يوهن من عزيمة الشعب المصري بقوله: إنه لا يمكن الحرب ضد إسرائيل؛ لأن الحرب معها تعني الحرب مع أمريكا، ونحن لا يمكن أن نناطح أمريكا، واختراع خرافة اسمها "تحييد أمريكا! ".
كانت مقالات هيكل السامة دائبة السعي لإنهاك معنويات الشعب المصري وسحقها، وكان يبدو في مقالاته ديناصورا ساديا كريها، لكنه كان يرضي بمقالاته وروحه هذه الكثير من شرائح المثقفين المهزومين والثوريين مع وقف التنفيذ، وكانت هذه الشرائح بطبيعة ذاتية أنانية - تبحث وسط الخراب عن المكسب الذاتي والمصالح الشخصية، وكانت ترى في راية الكفاح الشعبي ومواصلة الاستعداد للدفاع من أجل استعادة كل الأراضي المحتلة بالقوة، كانت ترى في هذه الراية ما يهدد استقرارها وراحتها لذلك قامت هذه الشرائح بتبني مقولات هيكل، وصورته في هيئة الرجل العاقل الواعي غير المتهور، إذ وجدت في صراحته الكاذبة صياغة لما يجول في ضمائرها ويخدم أهدافها.
- (كان أهم ما أبدع فيه هيكل هو إعلانه أننا انتصرنا في الحقيقة -رغم خسارة الرجال وضياع الأرض- ونصرنا هو: إن نظام عبد الناصر لم يسقط وبالفعل صرنا نحتفل بعيد النصر رغم الهزيمة! ) (١).
* برغم عداوتي وكرهي الشديد للعامية:
برغم عداوتي وكرهي الشديد للكتابة بالعامية إلا أني أستميح القارئ عذرا في إيراد هاتين القصيدتين قصيدة عن الأستاذ ميكي (أي محمد حسنين هيكل) وقصيدة عن نكسة ٥ يونيو وعبد الجبار (يعني عبد الناصر) لأحمد فؤاد نجم رغم أنني أخالفه في انتمائه الفكري وسلوكه الشخصي من الألف إلى الياء يصدق فيه قول رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: "صدقك وهو كذوب".
- قصيدة تدحض مغالطات هيكل وسيده ناصر .. ومقالاته الكاذبة في جريدة الأهرام تحت عنوان "بصراحة":
"بصراحة يا أستاذ ميكي .. (المقصود هيكل)
إنك رجعي وتشكيكي
بصراحة لا أنت معايا
ولا طالل من شبابيكي
وبلادنا لسه جريحة.
وبتصرخ بالأفريكي
لو بات التار يا ولادي
حيبات الذل شريكي
"بصراحة"يا أستاذ ميكي
إنك رجعي وتشكيكي
قاعد لا مؤاخنة تهلفط
وكلامك رومانتيكي
ولا ناوي تبطل تكتب
بصراحة كلام بولوتيكي
عن دور الحل السلمي
واستعماله التكتيكي
فـ الوقت اللي إحنا صراحة
دايخين دوخة البلجيكي
وبلدنا لسه جريحة
وبتصرخ بالأفريكي
لو بات التار يا ولادي
حيبات الذل شريكي
والشعب يقول يا بلادي
بالروح والدم أفديكي
وحاجات "بصراحة"بتحصل
في بلدنا يا أستاذ ميكي
"بصراحة"لا أنت معايا
ولا طالل من شبابيكي
وكأنك مثلا موميا
للسلطان الأنتيكي
أحياها لاستعمالها
لستعمار الأمريكي
رجعت على هيئة
ميكي!! "
يوم أعلنت الهزيمة باسم النكسة في يونيو ١٩٦٧ وجد أحمد فؤاد نجم نفسه يتقيأ دما، ومع هذه الحالة الجسمانية المفاجئة جلس ليكتب قصيدته الشهيرة التي كلفته قرارا بالاعتقال مدى الحياة عام ١٩٦٨:
الحمد لله خبطنا تحت باططنا
يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار!
يا أهل مصر المحمية بالحرامية
الفول كثير والطعمية
والبر عمار
والعيشة معدن وآهي ماشية
آخر آشية
ما دام جنابه والحاشية
بكروش وكتار
ها تقوللي سينا وما سيناشي
ما تدويشناشي
ما ستميت أتوبيس ماشي
شاحنين أنفار
إيه يعني لما يموت مليون
أو كل الكون
العمر أصلاً مش مضمون
والناس أعمار
إيه يعني في العقبة جرينا
والاّ في سينا
هيّ الهزيمة تنَسِّينا
إننا أحرار
إيه يعني شعب في ليل ذله
ضايع كله
دي كفاية بسّ أمّا تقول لُّه
إحنا الثوار
وكفاية أسيادنا البعدا
عايشين سُعدا
بفضل ناس تملا المعدة
وتقول أشعار
أشعار تمجدْ وتماين
حتى الخاين
إن شاء الله يخربها مداين
عبد الجبار!!
***
* مدرسة يوسف الخال (مدرسة الحزب القومي السوري) منطلق العمل الشعوبي وأساس البناء التغريبي وحاملة لواء الفينيقية والوجودية:
- يوسف الخال - غسان تويني - لويس الحاج - أدونيس - توفيق صايغ - جبرا إِبراهيم - غادة السمان - ليلى بعلبكي:
"تمثل مدرسة الحزب القومي السوري الأدبية منطلق العمل الشعوبي وأساس البناء التغريبي في هذه المرحلة، فهي تحمل لواء الإقليمية والفينيقية، والوجودية وكل شتات الدعوات الوافدة لتزييف أصالة الأدب العربي.
وعلى قمة هذه المؤسسة: يوسف الخال، غسان تويني، لويس الحاج، وقد أفرزت: أدونيس، وتوفيق صايغ، ويوسف حبش الأشقر، وجبرا إبراهيم جبرا، وليلى بعلبكي، وغادة السمان، وقد احتضنت هذه المؤسسة التيار الماركسي والوجودي والبعثي، وفي أحضانها نمت كتابات وأشعار: البياتي، وكاظم حداد وعبد المعطي حجازي، والسياب وصلاح عبد الصبور، ومن أكبر دعاتها: أدونيس ولويس عوض وقد تصدروا مجلات أدب وحوار وشعر، ويصور الباحثون منطلق هذا العمل بأن القوميين السوريين الذين صودرت دعوتهم الهدامة منذ سنوات، قد وجدوا في الأدب والشعر منطلقًا جديدًا، يقول: فيشعر القوميون السوريون أن "فينيقيا"هي فردوسهم المفقود، وهي أرضهم الموعودة التي يحلمون بها ويحاولون إعادتها إلى الواقع الحي"وهذا الحنين إلى فينيقيا أو إلى سوريا الكبرى بلغة الاصطلاحات الحديثة يملأ شعر القوميين السوريين وخاصة أدونيس وهو أنضج هؤلاء الشعراء فنًا وأكثرهم تعبيرًا عن هذه الفكرة، وكانت جريدة النهار هي بوتقة العمل، يقول طلال رحمة: كانت الأسماء التي ظهرت على صفحات جريدة النهار بمجملها من الناحيتين السياسية والفكرية، امتدادًا طبيعيًا لأوائل المبشرين اللبنانيين والسوريين فيما يسمى عصر النهضة الأدبية، وفي أواخر الأربعينات هزمت الحركة النازية وتقدمت على أنقاضها الحركة الشيوعية، وعربيًا اتضح الصراع الصهيوني -العربي- ومعه جاءت الهزيمة الأولى، واستعان غسان تويني (بكالوريس الاقتصاد والسياسة من جامعة هارفارد الأمريكية) برفيقه في الحزب السوري القومي الاجتماعي ورفيقه في الجامعة (الرفيق يوسف الخال) ورسمه عرابًا على صقلية الأدب والفن في النهار، ومع يوسف الخال بدأ عهد جديد كان مطلعًا على الأدب العربي، ومتأثرًا بشارل مالك الذي لم يكن معجبًا بالتراث العربي، فأقام نوعًا من التوازن، وحمل يوسف الخال عن أستاذه شارل مالك لواء (الفكرة اللبنانية - الفينيقية).
- يقول طلال رحمة: امتازت هذه المرحلة تحت ستار التجديد والتحديث بتسخيف التراث العربي بما في ذلك ابن خلدون وابن سينا، وابن المقفع وابن الرومي، وبتقديس كل ما هو أجنبي.
وأخرج يوسف الخال مجلة شعر التي لعبت دورًا كبيرًا وخطيرًا في الحياة الثقافية، ثم اتجه جبرًا إلى أن يتخلص من أداة الوصل، فبدلاً من أن يقول: (أيها الشاب الذي يموت باكرًا) خرج بتطبيقات لتحطيم اللغة العربية تحت بند التجديد من مثل (يا الشاب اليموت باكرًا)، وكان سعيد عقل يتابع جهوده من أجل تحديث اللغة وتطويرها عبر دعوته الصريحة إلى الكتابة باللغة العامية الدارجة (لبنان أن حكى)، وبالحرف اللاتيني (يارا)، فالتقى مع جماعة النهار وكان لقاءً عظيمًا نجم عنه انسداد نوافذ لبنان الفكرية على المنطقة العربية ونحو انعزالية ثقافية دعمت الانعزالية السياسية في ذلك الحين، ثم تولى أنسى الحاج جريدة النهار، وتولى توفيق صايغ مجلة حوار، وتولى أدونيس مجلة مواقف، وقد كشف طلال رحمة عن مبادئ هذه الجماعة، فذكر أن أهمها هي: نهش اللغة العربية كلغة وكتراث واستخدام الكلمات واللهجة العامية بالإضافة إلى تركيب الجملة وفق الأسلوب الفرنسي.
كذلك نهش جميع المفكرين والكتاب الأحياء منهم الأموات الذين تجرأوا وآمنوا إما بالعروبة السياسية أو بالحضارة العربية ثقافيًا (لا أعترف بوجود الكتاب الكبار أمثال طه حسين، وعباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم .. إلخ) هذه هي الخلفية للمخطط الذي سارت عليه مؤسسة الشعوبية والتغريب التي اتصلت خيوطها بما قام في مختلف العواصم العربية من محاولات لبناء الواجهة الشعوبية، فكانت بيروت بمجلاتها ومؤسساتها هي العامل الموجه للحركة في هذه المرحلة التي نؤرخها، ويتابع الاستشراق هذه المحاولة ويؤيدها، فنجد أمثال (جاك بيرك) يصدر كتابًا يسجل فيه المحاولة التي تعاونت الشعوبية والتغريب والماركسية عليها في سبيل تحويل مجرى الأدب العربي، والتأثير في مجالاته بالأدب الجنسي المكشوف في القصة وكسر عمود الشعر في النظم وإقامة الأسلوب اللبناني التوراتي في النثر، فقد أصدر كتابه (في الأدب العربي) عام ١٩٦٦، وحشد فيه دعاة التجديد في هذه المؤامرة الخطيرة، وهم: نجيب محفوظ، لويس عوض، بشر فارس، حسين فوزي، محمود أمين العالم، عبد الرحمن الخميسي، سعيد عقل، أدونيس، ميخائيل نعيمة، محمد كامل حسين، جبران، سلامة موسى، طه حسين، الجوهري، أمين الخولي، صلاح عبد الصبور، هذه الواجهة الشعوبية العريضة التي كانت سببًا في نكسة ١٩٦٧.
- يقول الأستاذ محمد التازي تحت عنوان "نكسة الأدب": إن الأدب المغربي الذي لم تفاجئه الهزيمة وما نجم عنها من أحداث بل وجد في الهزيمة دليلاً على صدق حدسه وإحساسه، ففي الوقت الذي ظهر فيه أدب التشاؤم واليأس والشك في كل القيم والمقومات الأخلاقية والإنسانية، حرص الأدب المغربي على التأكيد على ضرورة التمسك بالأصالة الروحية للإنسان العربي، ونحن على خلاف واضح مع بعض النقاد العرب، فعندما لاحظوا سطحية الأدب العربي بعد الهزيمة وتعبيره المباشر عن آثارها، زعموا أن ذلك يرجع إلى فقدان العمق والأصالة في الثقافة العربية المعاصرة، بينما زعمنا أن الثقافة العربية غنية بالعمق والأصالة، وأن مرد السطحية الملاحظة هي سقوط الأدب بين براثن الإعلام، فلا الأدب استمر على أصالته محافظًا على مقوماته، وكانت كارثة الإعلام العربي الممهدة للكارثة العسكرية، وبذلك فقدت الكلمة إشراقها وصدقها ونفاذها، وأخذ المواطن العربي يكذب كل ما يسمع ويقرأ بعد أن كان يصدق كل ما يسمع وما يقرأ، وأصبحت المشكلة في نظرنا ليست مشكلة تعبير وقول تبليغ، وإنما المشكلة تصديق ما يكتب وما ينشر، فقد فقدت الثقة بين الأديب والإنسان العربي حين اكتشف هذا الإنسان الطيب المكافح أنه كان ضحية للمذياع والتلفاز والصحيفة والكتاب قبل أن تزحف عليه قوى الشر بأسلحتها الفتاكة لتغتاله وتحرقه وتشرده، وقد انفصل الأدباء العرب بعد النكسة إلى ثلاث فئات:
١ - "فئة النكسة": التي تعتقد أن ما حدث يوم ٥ يونيو هو مجرد نكسة أصابت الكفاح العربي، وأنها لا يجب أن تؤثر بأي حال في السياسة والمنهج والأسلوب والتفكير وكل ما كان خطه العمل قبل ٥ يونيه، وهؤلاء الذين أريد لهم أن يرفعوا علم النكسة بعد الحرب واتخذوا من الكلمة مسوغًا للاستمرار في السياسة.
٢ - "فئة النكبة": أولئك الأدباء الذين أطلقوا على ما حدث يوم ٥ يونيه اسم النكبة ليعبروا من خلال هذه التسمية عن استمرار شكهم في السياسة والمنهج والأسلوب الذي كان سائدًا قبل ٥ يونيه وزادتهم النكسة اقتناعًا بتفكيرهم وتأكيدًا لشكهم.
٣ - "الفئة الثالثة": "وتسمى ما وقع بعد الخامس من يونيه بالهزيمة العسكرية لتحدد مسئولية ما وقع، ولتضع خطًا فاصلاً بين المسئولية الشعبية التي انزوت وخفتت، وبين المسئولية العسكرية التي أوشكت أن تقضى عليها، وإذا كان المستقبل من صنع الحاضر؛ فإن الحاضر من صنع الماضي، والذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم أن يعيدوا أخطاءه ولو لم يريدوا ذلك، ومجرد رفض الماضي لا يقيم حاضرًا ولا يعد لمستقبل، إن المثقفين العرب قصروا في واجبهم نحو الجماهير التي تحولت من فعل مؤثر إلى متفرج في حلبة الصراع، حيث يتصارع الطموح الشخصي على حساب قضية الجماهير، فأوشكت هذه الجماهير أن تفقد حس المعركة، إن المثقفين كانوا يجهلون كل شيء عن العدو المتربص بهم، إن المثقف العربي أكره في كثير من أجزاء الوطن العربي على تجنب تحليل هذا الرفض وتعميقه لدى الإنسان العربي". اهـ.
- "ونضيف إلى ذلك أن الذين تولوا الثقافة في أغلب البلاد العربية كانوا ماركسيين وشعوبيين، وكانوا على هوى مع الصهيونية الشيوعية، ولذلك فقد وجهوا الأدب بمختلف فنونه وجهة أخرجته عن الأصالة وردته إلى أساليب جوفاء، ثم كان لهم بعد النكسة الادعاء الباطل بأن التراث العربي الإسلامي هو سبب الهزيمة وأن النصر لا يأتي إلا بالانصهار الكامل في الفكر الغربي وخاصة الماركسية، وقد كشف هذا عن مؤامراتهم الخطيرة في بناء الواجهة الشعوبية، ومدى الخطر الذي لحق بالقيم وبالأمة وبالكيان من جراء هذه السيطرة التي بدأت عام ١٩٦٠ تقريبًا على الصحافة ووسائل الإعلام والسينما والمسرح، ولكن السنوات التي تلت النكسة ما لبثت أن حطمت هذا الاتجاه وكشفت عن فساد التماس العالم الإسلامي والعرب لمنهج الماركسية، كما تكشف من قبل فساد تبعيته لمنهج الليبرالية تمامًا، وتبين للعرب أنه ليس هناك إلا طريق واحد: هو طريق الأصالة الذي يستمد مقوماته من القيم الإسلامية التي بناها القرآن، وكان مجرد الاتجاه نحو هذا الهدف هو منطلق النصر الذي تحقق في العاشر من رمضان، فدل بذلك على سلامة الطريق وعلى ضرورة تعميقها والسير فيها إلى النهاية" (١). اهـ.
* الدكتور حسن حنفي على درب القطيعة مع ثوابت الإِسلام وأصوله .. إلحاد وزندقة:
على درب القطيعة المعرفية الكبرى مع ثوابت الإسلام وأصوله سار الدكتور حسن حنفي حذو النعل بالنعل، وذهب على درب تأويل الإسلام تأويلاً يفرغ الدين من الدين، فيقول عن الذات الإلهية التي أجمع المسلمون على تنزيهها، وفي الذات والصفات والأفعال، عن مماثلة أو مشابهة المحدثات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، ويقول عن التوحيد والوحي، والنبوة والرسالة والإيمان والغيب، والتراث وغيرها من مفاهيم ثوابت الدين ومصطلحاته: "إنه -أي الله- هو الأرض .. والخبز .. والحرية .. والعدل .. والعتاد .. والعُدّة .. وصرخات الألم .. وصيحات الفرح .. فهو تعبير أدبي أكثر منه وصفًا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفًا خبريًا، ولذلك وجب التخلي عن ألفاظ ومصطلحات كثيرة في علم أصول الدين من مثل: الله، والرسول والدين، والجنة والنار، والثواب والعقاب؛ لأن هذه الألفاظ والمصطلحات قطعية؛ ولأنها تجاوز الحس والمشاهدة .. ولأنها تشير إلى مقولات غير إنسانية .. فما الله إلا وعي الإنسان بذاته .. وما صفاته وأسماؤه إلا آمال الإنسان وغاياته التي يصبو إليها .. وكل صفات الله -العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة- كلها صفات الإنسان الكامل، وكل أسماء الله الحسنى تعني آمال الإنسان وغاياته التي يصبو إليها .. فالحقيقة هي الإنسان والواقع الذي يعيش فيه، ولذلك فتعبير الإنسان الكامل أكثر تعبيرًا من لفظ الله .
.والتوحيد ليس توحيد الذات الإلهية، كما هو الحال في علم الكلام الموروث، وإنما هو وحدة البشرية ووحدة التاريخ، ووحدة الحقيقة، ووحدة الإنسان ووحدة الجماعة، ووحدة الأسرة .. فالمهم هو إيجاد الدلالة المعاصرة للموضوع القديم، وتخليصه من شوائبه اللاهوتية، فليس للعقائد صدق داخلي، ولا يوجد دين في ذاته، والوحي هو البناء المثالي للعالم .. والمطلوب هو تحويل الوحي إلى أيديولوجية وإلى علم إنساني.
- والعلمانية هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور، والتراث قضية وطنية لا دينية، ومادة التراث نسقطها كلها من الحساب، ونستبدل بها مادة أخرى جديدة من واقعنا المعاصر.
والإلحاد هو التجديد، والتحول من القول إلى العمل، ومن النظر إلى السلوك، ومن الفكر إلى الواقع إنه وعي بالحاضر .. ودرء للأخطار .. بل هو المعنى الأصلي للإيمان، والمطلوب هو الانتقال من العقل إلى الطبيعة، ومن الروح إلى المادة، ومن الله إلى العالم ومن النفس إلى البدن، ومن وحدة العقيدة إلى وحدة السلوك، ومن العقيدة إلى الثورة" (١).
هكذا بلغ "التأويل - العبثي"الذروة إن لم يكن قد تجاوزها! فكل ثوابت الإسلام، وجميع عقائده، ومضامين مصطلحاته -من الله إلى الرسول إلى الدين إلى الجنة إلى النار إلى الثواب والعقاب- قد جردت من محتواها الديني "فنفس الكلمات لم يعد لها نفس المعاني"كما قال الحداثيون الغربيون، وانقلبت مصطلحات الدين وعقائده الثوابت إلى هذا العبث
.الحداثي اللا معقول! " (١).
* وصدق الله تعالى إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: ٤٠].
* وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٨٠].
- يقول هذا الضال المضل رائد اليسار الإسلامي!!!: "النقل وحده لا يثبت شيئًا، "وقال الله"، "وقال الرسول"لا يُعتبر حجة (٢)، ويقول رائد التجديد!! "فألفاظ مثل: الجن والملائكة والشياطين، بل الخلق والبعث والقيامة ألفاظ تجاوز الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها؛ لأنها لا تشير إلى واقع، ولا يقبلها الناس، ولا تؤدي دور الإيصال؟! (٣).
* حسن حنفي يقول: "احتمينا بالنصوص فجاء اللصوص":
- يقول د. حسن حنفي أحد أقطاب هذا الاتجاه: "إن العقل هو أساس النقل، وأن كل ما عارض العقل فإنه يعارض النقل، وكل ما وافق العقل فإنه يوافق النقل، ظهر ذلك عند المعتزلة وعند الفلاسفة"ثم يقول: "لقد احتمينا بالنصوص فجاء اللصوص" (٤).
.وهكذا تحول المؤمنون بالنص والدعاة إليه إلى "لصوص"؟!!، والعبارة استعارها حنفي من الشاعر الماركسي الفلسطيني محمود درويش (١).
وصار المهم عند هؤلاء مسايرة روح العصر فقط، وتساوت لديهم النصوص الدينية في حجيتها مع الأمثال العامية والأغاني الشعبية.
- يقول حسن حنفي حول هذه الفكرة: ما يهمنا هو روح العصر، وما نهتم به هي مشاكل العصر .. لذلك نهتم بالأمثال العامية وبسير الأبطال، كما نفعل تمامًا مع النصوص الدينية، ونهتم بالأغاني الشعبية (٢).
ثم أصدر حنفي كتابًا تحت عنوان "قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر"بث فيه الشكوك والإلحاد، ويدعو إلى أن الفكر الغيبي أقرب إلى الأساطير منه إلى الفكر الديني، وأن قصص آدم وحواء والملائكة والشياطين، كلها رموز أو جزء من الأدب الشعبي، ويرى هذا الضال المرتد أن العقل ما كان في حاجة إلى الشرع؛ لأن الإنسان لا يحتاج إلى الوحي، وأن ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- يؤمنان بوجود الشياطين والجن، وهذا هو أحد وجوه الضعف في هذه المدرسة، وأن الإنسان لا يحتاج لكونه مسلمًا إلى الإيمان بالجن والملائكة" (٣).
وقد وصلت به الحماقة إلى أن يقول: "يمكن للمسلم المعاصر أن ينكر كل الجانب الغيبي في الدين ويكون مسلمًا حقًا في سلوكه" (٤).
***
.* وهو يهدم أصول الدين على طريقة الفكر الماركسي:
- يقول: "لا يوجد دين في ذاته، بل يوجد تراث لجماعة معينة، ظهر في لحظة تاريخية محددة، ويمكن تطويرها للحظة تاريخية قادمة" (١).
* الموقف من التراث:
يقف اليسار من التراث موقفًا نقديًا تاريخيًا، فهو يعني إبراز مواطن التقدم في التراث من عقلانية وطبيعية وديمقراطية، وهو ما نحتاجه في قرننا هذا (٢)، وحتى تعود للإنسان قيمته التي فقدها عندما اعترف بالله، يدعو اليسار الإسلامي الإنسان إلى التحرر من كل سلطة إلا من سلطة العقل والواقع، وهذا العمل يقتضي ضرب كل الأطروحات الرجعية، والانطلاق في التجديد.
ويرى حسن حنفي أن السبب في فقد الإنسان لقيمته في تراثنا الإسلامي يرجع إلى سيادة الاختيار الأشعري، وقد تكون هذه السيادة هي إحدى معوقات العصر؛ لأنها تعطي الأولوية لله في الفعل، وفي العلم والحكم وفي التقويم، في حين أن وجداننا المعاصر يعاني من أخذ زمام المبادرة هذه باسم الله مرة، وباسم السلطان مرة أخرى، ومن ثم فالاختيار البديل: هو الخيار الاعتزالي .. الذي قد يكون أكثر تعبيرًا عن حاجات العصر، وأكثر تلبية لمطالبه (٣).
يريد الكاتب انتزاع السيادة من الله جل جلاله، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، وما تخفي صدورهم أعظم، ولا شك أن هذه نزعة إلحاد ماركسية .لا تحتاج إلى بيان وإن موهوا وخدعوا.
- وهناك تجديد على مستوى اللغة والمصطلحات (١): يرى حسن حنفي أن اللغة التقليدية في تراثنا قاصرة، وتتضمن عيوبًا كثيرة منها:
أنها لغة إلهية، تدور الألفاظ فيها حول الله .. بل إن لفظ الله لا يعبر عن معنى معين، فهو صرخة وجودية .. إذ أن الله عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبد هو الحرية، وعند المظلوم هو العدل، أي: أنه في معظم الحالات "صرخة المضطهدين"ثم ينتهي حنفي إلى أنه لا يمكن إيصال أي معنى بلفظ "الله"؛ لأن الله حوى كثرة من المعاني لدرجة أنه يدل على معانٍ متعارضة (٢).
فلا داعي إذن طبقًا لهذا الكلام إلى استعمال لفظ الجلالة، لتحل محلها كلمات: الخبز والحرية والعدل والحب، والإشباع والإنسان الكامل!!!.
إن كل الأقنعة والتموية باسم الإسلام، قد انقشعت وها هو منهج المصطلحات الماركسية يبث سمومه بلا وجل ولا تردد، وانظر إلى قوله كذلك: "إن اللغة القديمة لغة دينية تشير إلى موضوعات دينية خالصة مثل: دين، ورسول، ومعجزة، ونبوة .. وهي لغة عاجزة عن إيصال مضمونها في العصر الحاضر!! وهي -كذلك- لغة تاريخية صورية مجردة .. ولذلك فاليسار يروم تأسيس لغة جديدة تستعمل الألفاظ التي يقبلها العصر!!.
- يقول حنفي: إن في العصر ألفاظًا تجري مجرى النار في الهشيم مثل: الأيديولوجيا، والتقدم والحركة والتغير، والتحرر والجماهير، والعدالة .. وهي ألفاظ لها رصيد نفسي لدى الجماهير، والتي يمكن أن تعبر عن ثقافة وطنية (١).
وهذه اللغة مفتوحة وعقلانية، أما ألفاظ "الله والجنة والنار والآخرة والحساب والعقاب"فهي ألفاظ قطعية صرفة، لا يمكن التعامل معها دون فهم أو تفسير أو تأويل، ويضيف قائلاً: بأن الألفاظ يجب أن يكون لها مقابل في الواقع الحسي، فألفاظ "الجن والملائكة والشياطين؛ بل والخلق والبعث والقيامة"ألفاظ تجاوزها الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها؛ لأنها لا تشير إلى واقع ولا يقبلها كل الناس.
وفي نظر اليسار أن ذلك سينقل عصرنا من "مرحلة التمركز حول الله إلى مرحلة التمركز حول الإنسان، وتلك مهمة التراث والتجديد في أول محاولاته من أجل إعادة بناء علم أصول الدين، على أنه علم الإنسان (٢)، إننا إذا فعلنا كل ذلك أمكننا التغيير والتجديد ما دمنا قد تخلينا عن لغة اللاهوت، وتخلصنا من كل المفاهيم الغيبية المعيقة للتقدم والانطلاق.
- وإنها لجرأة -وأي جرأة- يعلنها اليسار الإسلامي على الله، والوحي والإسلام، باسم الإنسان والعقل والتجديد (٣).
* الفهم المقاصدي للشريعة (٤):
الشريعة عند أصحاب اليسار جاءت لتحقيق بعض المقاصد العامة والمقاصد العليا التي جاءت الشريعة لتحقيقها في نظرهم خمسة هي: الإنسانية، والعدل الاجتماعي، والحرية السياسية، المبدئية، التقدم المستمر نحو الأفضل، لكن ما الوسائل المعتمدة في تحقيق هذه المقاصد؟ هل يحددها الوحي أم يختارها الإنسان؟!
لدى اليسار أن المصلحة أصل مستقل في التشريع، وأنه لا سلطة إلا لضرورة الواقع الذي نعيش فيه، لقد أصبح الواقع هو المجدد للاختيارات والقوانين، أما دور الشرع فثانوي؛ لأن اختياراتنا هي التي تحدد طبيعة القوانين، وذلك يعني أن القوانين والأحكام المنزلة في القرآن، والواردة في السنة قابلة للتأويل والتعطيل، ونحن في كل ذلك نستلهم روح الشريعة ومقاصدها .. ولعلنا لا نكون بعيدين عن المادية التاريخية إن لم نقل من أكبر ممثليها والداعين إليها" (١).
* العلمانية والوحي:
انظر إلى هذا الكفر الصريح، يقول حسن حنفي: "إن العلمانية هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور" (٢).
* أما الرؤية الاقتصادية:
فأبرز أهدافهم أن يصلوا إلى إقامة المجتمع الاشتراكي، إقامة مجتمع بلا طبقات، وبعض الملكية الفردية، مع تبني أسلوب الملكية الجماعية، وتشجيع العمل النقابي والإصلاح الزراعي.
- وهم يعتمدون الثورة الاشتراكية، يقول حسن حنفي: "بالنسبة لنا: الاشتراكية قضية مبدأ دائم، وليست قضية نظام عابر يتغير بتغير الحكام، وتظل الجماهير الإسلامية في كلتا الحالتين فاترة لا يعنيها الأمر في شيء،
.
هذا إضافة إلى أن الإسلام ذاته ضد تجميع رأس المال في أيدي القلة {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧]، ويرفض الملكية الخاصة والمجتمع الطبقي، ويقول بالمساواة، ويرفض الاستغلال والاحتكار .. ويعطي الإمام حق التأميم والمصادرة للمال المستغل لصالح المسلمين، مهمة اليسار الإسلامي إعادة توزيع ثروة المسلمين بين المسلمين، كما شرع الإسلام، طبقًا للعمل والجهد والعرق (١).
هكذا؟! لو أردتم شرع الإسلام لتركتم هذا التلفيق المريب، ورفض حكم الله في الاقتصاد وغيره؟!.
* الطيب تيزيني الماركسي الغالي في ماركسيته:
أستاذ جامعي سوري، أعدّ هذا المجرم "مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بدايته وحتى المرحلة المعاصرة"وقد أصدر جزءين من مشروعه، خصّص الأول منهما لعرض النظرية المقترحة في قضية التراث .. ويعتمد الماركسية مذهبًا، والمادية التاريخية منهجًا، يقول: "إن النظرية الاشتراكية العالمية (الماركسية) هي المنظار الذي يجب أن ننظر من خلاله إلى التراث، فما استقام منه لها قبلناه، وأما ما لا يستجيب منه لذلك فإنه يُعزل تاريخيًّا" (٢).
- وقفة أخرى مع هيكل نختم بها هذا المجلد:
يتباكى الناصريون الآن على إعلان هيكل عن اعتزاله الكتابة والعمل الصحفي .. وأقاموا الدنيا وأقعدوها وصوروا هيكل على أنه المنقذ للأمة والمجدد لآمالها.
..
وحال الناس والجماهير الغوغاء ولسان حالهم
"وزمِّر مع كل قرد حتى ينتهى سوق القرود، ولكنا نقول لدجّال الناصرية سخرية.
* لا تعتزل:
من غيرك يقدر أن يعطي للكلمة أكثر من معنى؟!
النكبة نكسة، والسجنُ .. تأديب للشعب المجرمْ
والحركة ثورة، والتأميم .. تنظيم من أجل الأمة
لا تعتزل
من غيرك يمكن أن يتكلم في التبرير وفي التمرير
في التحذير من التحرير، وفي تحريك الشعب
فيهبُّ يطالب باستمرار مسيرة جلاده؟
لا تعتزل
من غيرك يمكن أن يرضي كلَّ الأذواقْ؟
من غيرك يُمكن أن يُخرس كل الأبواق؟
من غيرك يقدر أن يقنع آلاف البشر المطحونين
بأن الكون جميل لا أبدع
وبأن الحاكم قد قرّر
وبأن الشعب بأجمعه قد فوّض شخصًا لا يسمعْ
وبأن صواريخ "القاهر"يمكن أن تقهر بن جوريون
وبأن الأزمة حاليًا
لا مخرج منها سوى العودة
لعهود التسعات الخمسة
ولعهد الميثاق اللعبة
ولعهد النكسة والنكبة
ولعهد الخامس من يونية؟
لا تعتزل .. لا تعتزل (١).
- أفيقوا أيها السادرون في غيّكم والفظوا حملة المباخر ودجلهم من ضيّعوا الأمة وانحرفوا بها عن الإسلام مصدر كرامتها وعزتها فدمروا يومها وغدها وجعلوها في المستنقع الآسن والظلام الحالك.
والحمد لله أن شباب هذه الأمة بدأ يفيق من غيبوبته وما عاد يسمع لدجل الحواة، ولا يشنف سمع الطيبين إلا وحي السماء وقول الكبير المتعال.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: ٨].
***
..* الدكتور نصر أبو زيد يقول عن القرآن أنه نص بشري .. ومُنتَج ثقافي لا قداسة له:
"ونموذج ثان، لحداثي آخر، من الذين اتخذوا الدراسات الإسلامية ميدانًا لهذا التأويل العبثي .. يقول -عن القرآن الكريم- الذي يؤمن المؤمنون -كل المؤمنين- أنه وحي سماوي، وتنزيل إلهي معجز وخالد .. يقول هذا الحداثي -عن القرآن-: إنه نص بشري، ومُنْتَج ثقافي .. لا قداسة له! وأن بينه وبين الشعر الجاهلي -وخاصة شعر الصعاليك- شبهًا كبيرًا! وبنص عباراته -التي لا تحتاج إلى تعليق- يقول:
"من الواقع تكوَّن النص [القرآن]، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع هو الذي أنتج النص .. الواقع أولاً، والواقع ثانيًا، والواقع أخيرًا.
لقد تشكل القرآن من خلال ثقافة شفاهية .. وهذه الثقافة هي الفاعل، والنص منفعل ومفعول .. فالنص القرآني في حقيقته وجوهره مُنْتَج ثقافي.
والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة فترة تزيد على العشرين عامًا ... فهو ديالكتيك صاعد وليس ديالكتيكا هابطًا .. والإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يطمس هذه الحقيقة .. والفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية هو الذي يحوّل النص من نص لغوي إلى شيء له قداسته.
والنص القرآني منظومة من مجموعة من النصوص، وهو يتشابه في تركيبته تلك مع النص الشعري، كما هو واضح من المعلقات الجاهلية مثلاً، والفارق بين القرآن وبين المعلقة من هذه الزاوية المحددة يتمثل في المدى الزمني الذي استغرقه تكوّن النص القرآني .. فهناك عناصر تشابه بين النص القرآني ونصوص الثقافة عامة، وبينه وبين النص الشعري بصفة خاصة .. وسياق مخاطبة النساء في القرآن، المغاير لسياق مخاطبة الرجال، هو انحياز منه لنصوص الصعاليك"!.
هذا عن القرآن .. أما عن "النبوة والرسالة"و"الوحي" .. فإنها -عند هذا الحداثي الماركسي-: ظواهر إنسانية، وثمرة "لقوة المخيلة"الإنسانية، وليس فيها إعجاز ولا مفارقة للواقع وقوانينه .. فالأنبياء مثل الشعراء والمتصوفة، مع فارق في درجة "المخيلة"، فقط لا غير .. وبنص عباراته:
"إن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية "المخيلة"في اليقظة والنوم على السواء .. ومن حيث قدرة "المخيلة"وفاعليتها، فالنبي يأتي على رأس قمة الترتيب، يليه الصوفي العارف، ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب.
وتفسير النبوة اعتمادًا على مفهوم "الخيال"معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة انتقال يتم من خلال فاعلية "المخيلة"الإنسانية، التي تكون في "الأنبياء"أقوى منها عند سواهم من البشر .. إنها حالة من حالات الفاعلية الخلاقة، فالنبوة، في ظل هذا التصور، لا تكون ظاهرة مفارقة .. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحي لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع، أو تمثل وثبًا عليه وتجاوزًا لقوانينه، بل كانت جزءًا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها"! (١).
وبعد تحويل القرآن إلى نص بشري .. والوحي والنبوة إلى قوة في "المخيلة"الإنسانية .. يذهب هذا الحداثي الماركسي إلى تطبيق "التاريخية والتاريخانية"على معانٍ ومضابين وأحكام القرآن -كل معانيه ومضامينه وأحكامه- من العقائد إلى الأحكام وحتى القيم والأخلاق والقصص - الأمر الذي يعني نسخ كل مضابين القرآن وتجاوزها .. فيقول:
" .. فالقرآن خطاب تاريخي، لا يتضمن معنى مفارقًا جوهريًا ثابتًا ..
وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص .. فالقرآن قد تحوّل من لحظة نزوله من كونه [نصًا إِلهيًّا] وصار فهمًا [نصًّا إِنسانيًّا]؛ لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل. وهذه التاريخية تنطبق على النصوص التشريعية، وعلى نصوص العقائد والقصص .. وهي تحرك دلالة النصوص وتنقلها في الغالب من الحقيقة إلى المجاز .. " (١)!!.
هكذا، تم العبث الحداثي بالثوابت والمقدسات -القرآن .. والنبوة والرسالة .. والوحي- على هذا النحو اللامعقول! " (٢).
* قال تعالي: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: ٦٠].
* وقال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: ٣٥].
* وقال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: ٧٠ - ٧٢].
* وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٣ - ٢٥].
* أحمد عبد المعطي حجازي من شياطين الإِنس:
- هو أولى الناس بقول الشاعر:
وكنتُ امرأً من جند إِبليس فارتقى ... بي الدهر حتى صار إِبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أحسنُ بعده ... طرائق فسق ليس يحسنها بعدي
.- يقول الدكتور محمد عمارة عنه في كتابه "مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية" (ص ٣١ - ٣٣)
ونموذج ثالث، لشاعر حداثي -يسمونه "الشاعر الكبير"- بدأ عروبيًا، وانتهى فرنكفونيًا، في بلد ليس لها تاريخ في الفرنكفونية! أي أنه فرنكفوني بالهواية والهوى! ولقد احترف -في كتاباته الصحفية .. التي غلبت شعره- الدعوة إلى:
- تعبير الأنثى بالجسد .. أي: جعل الجسد الأنثوي العاري "الموديل"هو الملهم للرسامين والنحاتين والمصورين والأدباء .. ففصاحة الجسد الأنثوي العاري -عنده- لا تعادلها فصاحة أخرى!! وهو يسحب هذه الدعوة حتى على جسد آدم وحواء عليهما السلام!!.
- والدعوة إلى احتقار العربية -لغة القرآن الكريم- وذلك عندما يدافع عن وصف لويس عوض لهذه اللغة الوطنية والقومية بأنها: "لغة ميتة .. ودخيلة"!!.
- والدعوة إلى الاحتفاء والاحتفال بالإسكندر الأكبر (٣٥٦ - ٣٢٤ ق م) بتزيين مياديننا بتماثيله - وهو الذي افتتح مرحلة غزو الغرب للشرق، والقهر الحضاري لثقافات الشرق ولغاته ودياناته، عشرة قرون، لم تنقشع ظلماتها إلا بالفتوحات التحريرية التي قادها الإسلام والمسلمون.
...