وما يهمنا هنا هو أولا بحث تصرفات الرئيس السادات وثانيا محاولة فهم طبيعة التصرفات الإسرائيلية.
أولا الرئيس السادات
الرئيس كان قد حقق نصرا ماديا ومعنويا كبيرا، فلأول مرة منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي كان العرب هم من قرروا موعد بدء الحرب وبالطريقة التى تناسبهم وكان تخطيطهم ملائما للظروف فنجح التنفيذ نجاحا لا ينكره ناكر وشهد العالم الجنرال ديان على شاشات التليفزيون شبه منهار ورئيسته جولدا مائير أرسلت للرئيس نيكسون تستعطفه أن يتعجل الإمدادات. ولهذا فهو كان أشد حرصا من الجميع على أن لا تنتهي الحرب بنكسة جديدة يذبح فيها الجيش الذى كان قبل أسبوع واحد منتصرا.
ثانيا كان الرئيس السادات فى عيون الغرب وأمريكا بالذات شخصا جديرا بالإحترام لأنه حقق بالفعل ما كان بسببه محلا للتهكم منذ شهرين فقط على غلاف مجلة نيوزويك مثلا. أما إسرائيل فقد ظهر تقصيرها وبدا إستهتارها واضحا للعالم بأجمعه إلى درجة أنها إضطرت للقيام بمغامرة كلفتها 400 جندي فى ليلة واحدة فى بلد تعداده لم يتخط 4 ملايين، وهو رقم لو كان بالمقاييس الأمريكية مثلا لكان عدد الضحايا الأمريكيين في ليلة واحدة حوالى 30 ألف جندي، وهو رقم أعلى من رقم ضحايا أمريكا فى النزول على النورماندي ويعادل تقريبا نصف عدد ضحايا أمريكا فى كل حرب فيتنام التي إستغرقت حوالى 9 سنوات كاملة !!
والغرب مهما قلنا عنه ومهما كانت إنتقاداتنا عليه إلا أن مبني فلسفته السياسية والإقتصادية هي الإنجاز والقدرة على تغيير الأوضاع الغير مناسبة إلى أوضاع أكثر مناسبة، إنه منطق الصراع الذي يحرك كل الغرب سياسة وفلسفة وإقتصادا وبالتالى أيضا حربا..
وهنا لابد من القول أن الرئيس السادات كان فى المركز الأقوي على الأقل إنسانيا.
أما إسرائيل التى كان لها أفضل جهاز مخابرات وكانت لها الغلبة الجوية المطلقة وكان لها أكثر جيوش العالم دروعا، أي أن حركته على الجبهة هي أكثر الحركات العسكرية أمنا للجنود بسبب النسبة العالية للدروع، إسرائيل لم تكن على مستوى الإستعداد الكافى لمواجهة جيش أضعف منها لمجتمع أقل تحضرا هو مصر..
والرئيس السادات باتصاله بالإدارة الأمريكية قبل وأثناء الحرب نجح فى ضمان أن يظل رد فعل إسرائيل محدودا فى نطاق الصحراء ولا يمتد لمحاولة دخول القاهرة التى كانت تبعد 101 كم فقط. ودخول القاهرة بالطبع ليس سهلا، ولكن مجرد تواجد الدبابات الإسرائيلية على بعد 101 كم هو أمر كفيل بسقوط النظام كله فى القاهرة ولا أحد كان ساعتها يعلم كيف سيتصرف نظام جديد جاء من حيث لم ولا يحتسب أحد..
وأظننى لا أبالغ حين أدعى أن هذه الإتصالات كانت بالفعل هي وثيقة التأمين التى أنقذت نظام أنور السادات من السقوط بسبب الثغرة، وبسبب الإنهاك العسكرى الذى كانت القوات المصرية قد أصبحت عليه.
ثانيا: على الجانب الإسرائيلي
كانت الرغبة الأمريكية هي إدخال مصر إلى المعسكر الغربي أو على الأقل تقريبها منه سياسيا وثقافيا. وهذا الغرض لا يتحقق بتقويض النظام بهزيمة جديدة تجعله بلا كرامة وبلا وزن وأهم من ذلك أنها تجعله غير قادر على التفاوض لا مع الولايات المتحدة ولا مع غيرها.
كما أن البديل الإسرائيلي لسقوط الحكومة فى ذلك الوقت بدا كأنه ينحصر فى كتلة الليكود التى كانت بمقاييس ذلك الزمان متشددة لا تصلح للحكم. وعلى ذلك كان على أمريكا أن تحرص حرصا كبيرا على ألا تبدو الحكومة الإسرائيلية فى عيون ناخبيها وكأنها قد هزمت عسكريا.
ومن هنا جاءت المبادرة الأمريكية بوقف إطلاق النار والتفاوض المباشر فى خيمة الكيلو 101 مع السماح للغذاء والماء بالدخول إلى الجيش الثالث المحاصر ولكن بلا سلاح ولا ذخيرة، وهو وضع يعطى الإنطباع بأنه أصبح جيشا مهزوما فى عيون الإسرائيليين بينما يعطي المصريين الإنطباع بأنه يتلقى الإمدادات الغذائية لأنه إن لم يتلقاها فسوف تتعرض إسرائيل لدرس قاس جديد على يد القوات المصرية، وهو وضع يوحى بالنصر.
هي إذن صفقة فيها ما فيها من السياسة وفيها ما فيها من العسكرية وهي فى النهاية تبغي الإرضاء السيكولوجي للشعبين على طرفي خط النار.. وهو ما حدث بالفعل..
والآن نعود إلى الفقرة التى أسماها هيكل الفقرة الكارثة أو الكارثية.
والسؤال هو: هل كانت هذه الفقرة مفيدة أم ضارة؟
أظن أنه من بعد كل ما عرفناه عن حوادث تلك المرحلة تتضح لنا الإجابة جاية لا شبهة عليها.
ومن بعد أن قرأنا ما قرأناه لا يمكن إلا الإعتراف للرئيس السادات بالحكمة وبعد النظر وإبرائه من أي تهمة تمس الشرف أو الإنتماء أو الوطنية. ولابد أيضا أن نفهم ونتفهم أن سبب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل هو ما حدث فى عام 1967 وليس ما حدث فى عام 1973.
كما أننا لابد أن ندرك أن ماحدث فى ذلك العام 1973 كان مبناه غطرسة إسرائيلية وصلت إلى القمة وكان لابد أن تنكسر، إن لم يكن بيد السادات فأى حادث عرضى كان سوف يكشف الغطرسة لأنها وضع لا يمكن الحفاظ عليه طويلا..
إنتهت الملاحظات