والآن قد نفحص جانب آخر من جوانب الحرب وهو الجانب الإقتصادى.. وهنا لابد من التفرقة بين التكاليف المباشرة للحرب والتكاليف الغير مباشرة لها.. فمن القضايا المشهورة فى التاريخ عقب نهاية الحرب الأهلية الأمريكية قضية مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية لبريطانيا العظمى بدفع كل خسائر الإقتصاد الأمريكى الناتجة عن حرب أهلية إستمرت 4 سنوات كاملة سقط فيها حوالى ثلاثة أرباع مليون مواطن أمريكى !! والسبب فى ذلك هو تعاقد الولايات الجنوبية مع صناعة السفن الإنجليزية لبناء سفن للأسطول الجنوبى وهو فى نظر الولايات الشمالية التى إنتصرت عامل أطال زمن الحرب وزاد من خسائرها الإقتصادية.. ودخل الطرفان فى تحكيم قبل كلاهما بحكمه وكان الحكم فى صالح وجهة النظر البريطانية التى ترى المطالب الأمريكية مبالغا بشدة فيها.. إنه تحكيم ألاباما الذى تم فى سويسرا عام 1870 أو 1871 لا أذكر..
وفى حرب المانيا وفرنسا عام 1870 والتى نتج عنها تقويض إمبراطورية فرنسا وأسر الإمبراطور نابليون الثالث وأنهاء حكمه وتأسيس الإمبراطورية الألمانية الشاملة التى تضم كل الاقاليم الألمانية والتى أعلنت من قصر فرساى فى باريس، عقب هذا النصر وقع الفرنسيون على وثيقة صلح تنص على تعويض يدفع لألمانيا قدره 5 مليار فرنك فرنسى (فقط !!).. وهذا المبلغ حول ألمانيا فى ذلك الوقت إلى أقوى إقتصاد فى العالم..وعلى الرغم من تلك القناعة النسبية الألمانية فقد طالبت فرنسا عقب الحرب الأولى بعد هزيمة ألمانيا بتعويضات كانت سوف تستمر أقساطها حتى عام 1989 أى 66 عاما بعد هذه المطالبة.. ويقول الألمان أنهم دفعوا 67 مليار مارك ذهبى بينما يقول الحلفاء أنهم تلقوا 21 مليار مارك ذهبى فقط والفرق يرجع غالبا إلى التضخم الذى أصاب ألمانيا فى إقتصادها وأثر على سيكولوجيتها الإجتماعية حتى اليوم..
أما الحرب العالمية الثانية فقد تركزت تعويضاتها على ضحايا الهولوكوست سواء من اليهود أو من غيرهم (شواذ، غجر، مقعدين، إشتراكيين، شيوعيين) بالإضافة إلى التعويضات التى تقاضاها الإتحاد السوفيتى عينا وليس نقدا عن طريق تفكيك البنية التحتية والمصانع فى الأقاليم الألمانية الخاضعة له ونقلها إلى الإتحاد السوفيتى، حيث أن الحلفاء الغربيين رفضوا إدراج بند التعويضات فى مفاوضات ما بعد الحرب حتى لا يجعلوا منها تقوية للنظام الإشتراكى تحت حكم ستالين..
أما حرب فيتنام فقد إمتنعت الولايات المتحدة بصورة قاطعة عن دفع أية تعويضات عما افسدته قواتها فى ذلك البلد، إلا أن الأسبوع الماضى فقط، فى أغسطس هذا، قرأت أن فرقا أمريكية للكيماويات قد وصلت إلى فيتنام لإزالة آثار السموم التى بثتها القوات الأمريكية فى الغابات الفيتنامية حتى لا يختبىء فيها الجنود الفيتناميون.. AGENT ORANGE وهو الغاز السام الذى يمنع نمو الأشجار.. ولا أظن أن أمريكا سوف تقبل بأكثر من ذلك التعويض الرمزى، فجرائمها هناك لا يمكن للمال أن يرأب ضررها..
وفى عملية إستيلاء العراق على الكويت أنشىء جهاز مخصوص تابع للأمم المتحدة حتى تضفى أمريكا عليه الشرعية وكان الغرض منه فحص الطلبات التى يتقدم بها المتضررون من الغزو العراقى للكويت وبلغت هذه التعويضات على ما أذكر 220 مليار دولار ولكن عقب الغزو الأمريكى تقلص هذا الرقم حيث تنازل كثير من الدائنين عن حقوقهم، إن كانت هناك أصلا حقوق..
ولم أسمع عن تعويضات دفعت لأى دولة عربية نتيجة قيام حرب عليها من الداخل أو الخارج.. بل لم أسمع عن مطالبة عربية واحدة بأى شىء إزاء طرف غير عربى!!
والمرة القادمة نبحث وضع المدنيين من غير المحاربين فى مناطق القتال..
↧
فى الحروب 4
↧