Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Euphoria

$
0
0

هذه الكلمة تعنى حالة من الفرح الهيستيرى الذى ينفصل عن الظروف الواقعية المحيطة بمن يتواجد على هذا الحال، أى أنها إحدى الحالات المرضية المؤقتة التى توقع صاحبها فيما بعد فى مشاكل عميقة عندما يفيق من غفلته. واليوفوريا تعمى المصاب بها عن رؤية ظروف حياته بعين واقعية حيث أنه منشغل بفرحته غير مدرك لغفلته. وأظن أن الرئيس السابق حسنى مبارك وولده جمال قد أصيبا ايضا باليوفوريا فى مرحلة ما قبل الثورة مباشرة. فالأب كان يرى نفسه قد نجح فى كل شىء وضمن المستقبل لولده والإبن قد خدعته اليوفوريا وصورت له أن الحياة السياسية سهلة ومنفتحة له على مصراعيها ليدخل ويمسك بالسلطة بلا صراع.. وكلاهما الآن فى سجن من بعد يوفوريا !!
ولا أرى وضع مصر الراهن إلا تجسيدا لهذه الحالة المرضية. فالتيار الإسلامى من بعد أن كسب الإنتخابات يعيش هذه الحالة المرضية ويعتقد أنه قد تمكن من المجتمع بطريقة تسمح له باستعباد أفراد هذا المجتمع وإجبارهم على ما لا يريدون ولا يطيقون، وهو فى ذلك خاطىء وغير مدرك لواقعه. بينما التيار الغير إسلامى مصاب أيضا بهذه الحالة حيث أنه سعيد بالحرية الجديدة التى لم يكن يتوقعها بهذه السهولة، وهو أيضا مخطىء وغير واقعى. والسبب فى هذا الأمر فى مصر هو أن التغيير لم يستغرق أكثر من 18 يوما حتى سقط النظام الشخصى لحسنى مبارك، بينما سوريا لا تزال تحارب منذ عامين واليمن دام فيها الصراع لأكثر من عام وليبيا خاضت حربا أهلية دامية شارك فيها ليبيون وأفارقة ومحاربون من كل حدب وصوب وطائرات من الناتو كلهم يعملون على أرض ليبيا التى تدفع وحدها فاتورة كل ذلك.
وهذا الإختلاف عمن حولهم جعل المصريين يدخلون زرافات فى حالة اليوفوريا. وبمراجعة تصريحات الجميع بلا إستثناء فى بدايات عام 2011 يلمس المرء أعراض هذه الحالة واضحة لا لبس فى تشخيصها.
واليوم يساهم الإعلام العربى عموما والمصرى بالتحديد فى الإبقاء على هذا الحال لأطول ما يمكن، وقد نجح فى ذلك للأسف. فالقنوات التليفزيونية التى إنتشرت بطريقة إنفجارية لا هم لها ولا عمل لديها سوى الحفاظ على ذلك. والبسطاء ينخدعون بشريط فيديو قال فيه فلان عن علان أنه إبن كذا وكذا. ثم يظهر فى اليوم التالى شريط مضاد يرد فيه علان على فلان بسب مقابل ويفضح جوانب من حياته الشخصية أو المالية. وتمضى السلسلة بلا إنقطاع.
وهكذا أصبح المواطن فى مصر غير ملتفت للهموم الحقيقية التى تهدد كرامة حياته بينما يركز إهتمامه بما جاء فى ذلك البرنامج أو ما قيل فى تلك المناظرة. ووسائل الإعلام أظنها لم تعش رواجا هائلا مثل هذا الرواج التاريخى الذى تشهده الآن. والعاملون فى وسائل الإعلام هم أيضا فى حالة يوفوريا من إرتفاع دخولهم المالية أولا وارتفاع نسبة المشاهدة لبرامجهم ثانيا. فمعظمهم لا تاريخ لهم ولا وزن. وكثير منهم لم يسمع عنهم أحد من قبل وكل مؤهلاته هى تنظيم برامج السب والشتم بعد سقوط نظام حديدى متيبس منعدم الصلة بالواقع. وهؤلاء الإعلاميون غير مدركين للحريق الذى يدفعون المجتمع باسره إلى أتونه.
ومن مظاهر اليوفوريا أن بعض المصريين المقيمين فيها ممن يحملون جنسيات أجنبية لا يعنون بالأمر فى شىء حيث أنهم معتقدون أن جنسيتهم الأجنبية تحميهم وتؤمن لهم المستقبل لو غربت شمس مصر. وهم فى ذلك مخطئون، فليس كل من يحمل جنسية أجنبية بقادر على الحياة فى مجتمع أجنبى ليس لديه علم بقيمه ونظمه.
ومن ضمن وسائل الإعلام صفحات التواصل الإجتماعى فيس بوك وتويتر. وهذان المنفذان يلعبان دورا هائلا فى تغذية الروح اليوفورية السائدة لدى الجميع. ففى ظل اليوفوريا ومن خلال هذين المنفذين أصبح الكل يظن نفسه عالما ببواطن الأمور والجميع يرى أن لديه رؤية سياسية وإقتصادية وإجتماعية متكاملة لحل مشاكل البلاد.. ورغم ذلك فالواقع يشى بالسقوط البطىء للجميع فى هاوية ليس لها قرار.
وهكذا إنتشرت اليوفوريا بين الناس بحيث أصبح الإهتمام بالإعلام بديلا عن الإهتمام بالحياة الواقعية، وباتت لقطة من برنامج حوارى تعلو على أى قضية تهم الرجل العادى.
كما أن حالة اليوفوريا تجعل من الأشياء الصغيرة عديمة القيمة قضايا هامة بل وانتصارات هائلة. فالمتظاهر اليوفورى الذى يطالب مثلا بأن تعينه الدولة يعتقد أن صدور قرار تعيينه على ورقة هو نصر مؤزر، بينما ينسى أن هذا التعيين لن يساعده على أن يقيم أوده بسبب التضخم الناتج عن عدم العمل وتوقف الإنتاج. كذلك فإن الوزير أو رئيس الوزراء الذى يقوم بإصدار قرار التعيين والتوقيع عليه – تحت ضغط المظاهرات بالطبع وليس طوعا – هذا الوزير يشعر فى سياق حالة اليوفوريا أنه قد حقق نصرا هو أيضا بسبب توقف المظاهرات عقب صدور قرار التعيين !! وهو غير مدرك لواقع خواء الخزنة التى ينتظر منها أن تتحمل تكاليف القرار.
واليوفوريا هى عقبة فى سبيل الإنتاج حيث أن الإنسان الفرح والسعيد لا يفكر فى العمل والإنتاج لأنه يعيش لحظة مبهجة فى حياته ولا يريد لها أن تنقطع بالواقع.
وأسوأ ما فى اليوفوريا هو أن تمتد فى الزمان. فلكونها حالة مرضية لابد لها من الإنتهاء الطوعى بأسرع ما يمكن حتى يعود الإنسان قادرا على مواجهة تحديات الحياة. وإن لم تجىء تلك الإفاقة طوعية فسوف يكون لها ثمن باهظ على الجميع.
أفيقوا يرحمكم الله.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles