Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

فكرة النظام العام

$
0
0

فى عام 2007 قامت القيامة فى ألمانيا ولم تقعد بسبب قضية رفعتها زوجة مغربية مسلمة على زوجها المغربى المسلم أمام محكمة فرانكفورت تطلب فيها التطليق بسب قيامه بالتعدى الجسدى عليها (الضرب) بل وقالت أنه هددها بالقتل.. وكانت القاضية سيدة شابة يبدو أنها فى بداية حياتها القضائية.. وصدر الحكم مزلزلا للأرجاء القضائية الألمانية حيث جاء فيه ما معناه: أنه لما كان من الظاهر بالأوراق أن عقد الزواج قد نشأ فى المغرب وكان الزوجان من مواطنى تلك الدولة التى يمثل الدين الإسلامى المصدر الرئيسى للتشريع فيها ولا سيما تشريع مسائل الأحوال الشخصية، وبعد الإطلاع على القرآن وهو الكتاب المقدس لكليهما والذى جاء فى صريح نصه أن الزوج له أن يزجر زوجته بطرق مختلفة ومتدرجة آخرها هو الضرب الذى هو من حق الزوج وحده فإن المحكمة ترى أن الزوج قد تصرف بما يمليه عليه معتقده الدينى ولا يعد قد إرتكب أية جريمة وعليه ترفض الدعوى حيث أن الزوجة هى نفسها أصولها من المغرب رغم كونها مولودة فى ألمانيا ولكن كان من المفترض أن تعرف هذه الحقائق عن النظام الدينى والإجتماعى للدولة التى تزوجت من أحد مواطنيها.. وطبعا من المؤكد أن هذا الحكم قد جاء وفقا لدفع تقدم به محامى الزوج أثبت من خلاله أن الضرب حق إسلامى من حقوق الزوج..
هاجت الصحافة وماجت وقذفت بحممها إلى عنان السماء وتقاذف الناس الكلام وطالبوا بعزل القاضية التى أخطأت خطأ فادحا فى حكمها حيث أنه مخالف للقوانين الألمانية بل وللدستور نفسه وأن من يريد الحياة على الأرض الألمانية عليه الإنصياع لقيم المجتمع الألمانى وأولها القوانين والمساواة بين الجنسين بصفة كاملة وأنه من غير المقبول ترتيب حق لمجموعة من الناس على مجموعة أخرى بسبب الجنس (حق الضرب للرجال) أو بسبب الدين (حق الرجال المسلمين فى تأديب زوجاتهم). وبالطبع وافقت المحكمة على طلب رد القاضية الذى تقدمت به محامية الزوجة ونحيت بالفعل عن نظر القضية بسبب إنحيازها لأحد الخصوم. وقد نقض الحكم فورا فى الدرجة الثانية وحصلت الزوجة على الطلاق...
فى القانون الدولى الخاص فإن المتبع فى مصر مثلا فى الأحوال الشخصية هو إتباع قانون جنسية الدولة التى يتبعها الزوجان فى كل شأن يتعلق بآثار الزواج (نسب، إنفاق، أطفال إلخ...) أو حسب جنسية الزوج وقت إنشاء عقد الزواج بصرف النظر عن أى تغيير يحدث فى جنسيته بعد ذلك.. أما أمور الطلاق فيعتد فيها بجنسية الزوجين لو إتحدت أو جنسية الزوج وقت رفع دعوى الطلاق بصرف النظر عن أى جنسية أخرى قد كان يحملها وقت إنشاء عقد الزواج..
وبذلك تكون القاضية الألمانية قد طبقت حرفية القانون حيث أن العقد نشأ فى المغرب وهو البلد الذى لا يزال كلاهما يحمل جنيسته وبالتالى فلا على الزوج إن هو قام بتأديب زوجته على الطريقة الإسلامية.. فهذه هى قواعد الإسناد المتفق عليها دوليا.... إلا أن...
إلا أن هذه القواعد تظل سارية ومحترمة طالما لم تتصادم مع فكرة النظام العام الذى تعارف عليه المجتمع واعتبره من القيم التى ينبغى إحترامها، ولو بدون نص...فتطبيق القوانين الأجنبية على أرض دولة ما هو شأن مرهون بعدم تعارض تلك القوانين مع النظام العام.. بمعنى أنه لو أن النظام العام فى ألمانيا يمنع الضرب بين الأزواج يتوقف فورا تنفيذ القانون الأجنبى على الأراضى الألمانية ويعود القانون الألمانى سيدا فى إقليمه (الحقيقة أن الإتفاق المذكور أعلاه يقع فقط فى نطاق القانون الدولى الخاص وهو ينظم أحكام القانون الخاص فقط بينما يمثل التعدى بالضرب فعلا مؤثما من القانون العام وهو قانون العقوبات). وبذلك تكون القاضية قد أخطأت فى حكمها حيث أن الحكم وإن كان قد راعى أحكام تطبيق القانون الدولى الخاص إلى أنه جاء متعارضا مع القانون الألمانى العام ومع النظام الألمانى العام أيضا..
وهنا تبرز فكرة النظام العام والتى تكتسب أهمية خاصة فى ظل الخلافات الثقافية التى تمسك بالحياة فى هذا العصر. والنظام العام مصطلح ليس له ضابط محدد قانونيا حيث أن قواعده ليست مكتوبة فى قانون ما أو تشريع معين وهو لهذا لا يستعمل إلا فى الحالات الواضحة بطريقة لا لبس فيها.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles