Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

من خواطر ما بعد التمكين

$
0
0

فى عام 1998 كان الحزب الإشتراكى الديموقراطى الألمانى منقسما بين أنصار رئيس وزارة ولاية سكسونيا السفلى شمال ألمانيا جرهارد شرودر ورئيس وزارة ولاية السار غرب ألمانيا أوسكار لافونتين. وكان الأول يرى أن يتوجه الحزب توجها يعتبر ليبراليا بالنسبة للإتجاه التقليدى للحزب حيث كان يرى أن العولمة وضع جديد لا مجال فيه للأفكار الإشتراكية التقليدية التى تتميز بالحماية المبالغ فيها لحقوق العمال ومميزاتهم وللحركة النقابية. وفى الوقت نفسه كان الثانى – لافونتين – يرى أن التمسك بالأفكار القديمة هو الحل للحفاظ على ترابط المجتمع ضد التفسخ الذى كان قد بدأ يظهر على كثير من المجتمعات الغربية فى مجال العلاقات الإجتماعية السياسية مثل الإضرابات المتتالية وموجات فصل العمال بسبب إرتفاع التكلفة وللحفاظ على القدرة التنافسية مع دول آسيا الصاعدة، وكان يرى الحل دائما يقع فى المصطلح السحرى "إعادة التوزيع"والذى يعنى زيادة الضرائب على الأغنياء لصرف حصيلتها على برامج الإعانة ضد البطالة وإعادة تأهيل والضمان الإجتماعى. وفى مارس عام 1998 حسم التنافس بين الرجلين عندما إكتسح شرودر الإنتخابات التشريعية فى ولايته سكسونيا السفلى بفارق هائل جعله بطلا من أبطال الحزب فقرر الحزب ترشيحه – شرودر – وليس لافونتين لكى يخوض معركة الإنتخابات الفيدرالية ضد المستشار العتيد هلموت كول. وقد خاضها وفاز بمنصب المستشارية فى أكتوبر من نفس العام.
وفى بداية حكم التحالف بين الحزب الأكبر – الإشتراكى الديموقراطى – وحزب الخضر كانت الوزارة منقسمة بين الإتجاهين وبدأ البعض فى التعامل مع لافونتين وزير المالية باعتباره صاحب القوة الحقيقية واستمر هذا الوضع لمدة 5 شهور تقريبا إلى أن وضع المستشار شرودر حدا لذلك فاستقال لافونتين من كل مناصبه التنفيذية والحزبية وانزوى ولم يعد أحد يسمع به ثم بدل انتماءه الحزبى ودخل حزب اليسار.
ومن ضمن غرائب تلك الشهور الخمسة أن لافونتين فى سياق محاولاته لتحفيز الإقتصاد اراد التدخل فى عمل البنك المركزى الألمانى (البوندسبنك) لكى يخفض سعر الفائدة على المارك الألمانى ولكن البنك دافع عن إستقلاله الذى ينص عليه القانون ولم يعطه تلك الفرصة. ثم حاول لافونتين أن يغير طريقة حساب الضرائب على الشركات بأن يفصل بين خسارتها داخل ألمانيا ومكسبها خارج البلاد، حيث أن الشركات الكبرى مثل سيمنس أو بوش تعمل على الأراضى الألمانية وفى نفس الوقت لها فروع فى الخارج تكون عبارة عن مساهمات فى شركات أخرى أجنبية قد تحمل نفس الإسم وفى النهاية تعتبر كل المساهمات جزءا من الشركة الأم فتدخل حساباتها فى التقرير السنوى الذى يتم عن طريقه ضبط ملفها الضريبى. ولكن لا فونتين أراد تغيير هذه القاعدة المحاسبية المستقرة مما حدا بالشركات إلى التهديد بتصفية أعمالها داخل ألمانيا والهجرة للخارج بالكامل مع كل ما يعنيه ذلك من فرص عمل مهدرة داخل البلاد. وانتهت الشهور الستة باختفاء السيد/ لافونتين للأبد من السياسة التنفيذية. كانت هذه قصة ما حدث فى ألمانيا فى تلك الفترة الواقعة بين حكمين. والآن نعود إلى مصر.

كنت ولا أزال من المعتقدين بأن إنتخاب محمد مرسى قد خلق وضعا شرعيا لرئيس منتخب له على المصريين حق القيام بمهام رئاستهم وللمصريين عليه حق إحترام القائم من القوانين. وهذا الوضع الشرعى لا ريب فيه ولا نقاش حول صحته.
ولكن الشرعية لا تعنى إعطاء شيك على بياض لتعديل كل شىء والقفز فوق كل شىء، بل هى عقد بين طرفين يلتزم فيه كلاهما باحترام القواعد القائمة وعدم القفز من فوقها.
والسيد مرسى منذ أن بدأ حكمه وهو يحاول القفز فوق كل القواعد والتحلل من كل القيود الواردة فى العقد بينه وبين المصريين، سواء من إنتخبه أو من لم ينتخبه. وهذا الأمر بالذات يجعل الثقة فى نظام الرئيس مرسى مختلة بالذات فى بلد لم يفق بعد من صدمة ثورة على رئيس سابق كان نظامه يحاول القفز على الحواجز القانونية مع محاولة إعطاء حكمه صورة الحكم الديموقراطى، وكانت محاولات القفز هذه سببا مباشرا من أسباب خلعه وإهانته والثورة عليه ولم يشفع له أنه كان صاحب دور عسكرى فى الحرب الوحيدة التى كسبتها مصر ضد إسرائيل. فالخداع أومحاولات الخداع هى من مسببات إنهاء أى عقد بين أى طرفين تطبيقا للقاعدة المعروفة والراسخة بأن الغش يفسد كل شىء Fraus omnia corrumpit . ومن غير المفهوم لا هو مقبول أن يتعدى نظام حكم الرئيس مرسى على قواعد دستورية قام هذا النظام وحده تقريبا بكتابتها وصياغتها ولم يترك حتى فسحة معقولة من الوقت لدراستها وتدبر معانيها ونتائج تطبيقها.
والملاحظ أن فقهاءه القانونيين لهم صفتى الإهمال والمكابرة. فمعظم النصوص التى تمت صياغتها من قبل برلمان وحكومة النظام الجديد تتسم بالتعجل والإخفاق فى الصياغة والدراسة (كما أدلى بذلك نائب الرئيس المستشار مكى فى شأن الإعلان الدستورى). كذلك فهم كلما أخفقوا فى عملهم يحاولون التمحك فيما يطلق عليه (أعمال السيادة). فعلوا ذلك فى الإعلان الدستورى الدراكونى الأول ثم فعلوها ثانية فى شأن قانون ممارسة الحقوق السياسية فرع إنتخابات مجلس الشعب.
ويلاحظ إحتواء النص الموضوعى القانونى الإخوانى، بغض النظر عن الخطأ فى الإجراءات، يحوى فكرا متعارضا مع كل ما تمارسه الشعوب من مبادىء لتفعيل الديموقراطية. فالمفهوم من هذا القانون هو أنه لكى يحصل الحزب السياسى على حق الجلوس فى البرلمان فلابد له من تحقيق ما لا يقل عن 25% من عدد الأصوات الكلية. وهو رقم ضخم للغاية مقارنة بما تتم ممارسته فى كل الدول التى تريد أن تتصف بالممارسة الديموقراطية. وهذا النظام يدعى باللغة الإنجليزية First Past the Post والمقصود بها هو أن هناك حدا معينا من الأصوات لابد للحزب أن يحققه لكى يدخل بالفعل البرلمان لتحقيق جدية الأحزاب ولعدم تفتيت الأصوات.. وهذا الحد يبلغ فى ألمانيا 5% ويرفع من التداول بالكامل فى حالة المناطق التى بها أقلية عرقية معينة حتى تمثل تلك الأقلية فى البرلمان وتتحقق العدالة. ووضع هذ الحد الهائل (25%) هو مما يمنع أحزابا وكتلا سياسية مهمة من الحق التشريعى. ولا يوجد حزب يحقق 25% هكذا ببساطة، فحزب الأحرار فى ألمانيا مثلا لم يزد فى تاريخه عن 8 أو9% ومع ذلك فهو ممثل فى كل البرلمانات بلا إستثناء.
وهذا الحد الهائل (25%) يكافىء الحزب الحاصل فعلا على أعلى قدر من الأصوات بقدر إضافى من الأصوات قد يصل إلى 24.9% أى حوالى الربع لو أن أحد الأحزاب حقق هذه النسبة ولكنه لم يتعد حد ال25%. وهو وضع شديد الغرابة ولا يمكن فهم البواعث التى أدت على صياغة القانون بهذه الصورة إلا فى ضوء سوء النية. فلا يمكن إفتراض حسن النية فى صياغة من هذا النوع.
كما أن الشق الإجرائى لإصدار القانون كان معيبا بدرجة أشارت إليها نصوص الحكم الذى صدر من محكمة القضاء الإدارى. ولا يمكن فهم هذه التصرفات أيضا إلا على ضوء إفتراض سوء النية حيث أن القانون قد صدر بطريقة مبتسرة متعجلة لا مبرر لها ولا إهتمام حقيقى بها من الناحية الفنية.
أما من الناحية السياسية فمن غير المفهوم أيضا كيف ينتوى رئيس الدولة دعوة الناخبين إلى الإقتراع فى ظل عصيان مدنى فى عدة محافظات إلى جانب إعلان إستقلال من جانب محافظة هامة مثل بورسعيد تمسك بالبوابة الشمالية لقناة السويس الملاحية الدولية التى لابد لها أن تظل مفتوحة لكل الدول الغير متحاربة مع مصر وذلك بحكم المعاهدات الدولية الموقعة عليها مصر.
إن مشكلة الإخوان المسلمين تكمن فى عدم إحترامهم الحقيقى للقانون لا نصا ولا روحا. وقد عشنا جميعا فترة السبعينات فى الجامعات المصرية ورأينا تصوير الكتب الأجنبية وبيعها بثمن يقل عن عشرها للطلبة كمشروع تقوم به الجماعات المنضوية تحت لواء الإخوان فى ذلك الزمان. وهذه فى ذاتها جريمة تعدى على حقوق مؤلفى الكتب الأجنبية حيث أنه إهدار لنصيبهم من بيع تلك النسخ. وإذا كانت البداية قد تجسدت فى تلك الجنح منذ 40 عاما فنتيجة النمو الطبيعى للأمور فى ظل تلك العقلية هى ما نراه اليوم من أخطاء تشريعية ودستورية وقانونية فى الموضوع وفى الإجراءات.
فى عام 1992 وبعد فترة بسيطة من وقوع زلزال أكتوبر فى ذلك العام سألت إحدى المحطات التليفزيونية رئيس مصلحة الأرصاد عن إحتمالات حدوث هزات جديدة تعقب الهزة الأولى فرد الرجل بما يعرفه كل حاصل على الثانوية العامة أى بالرد الطبيعى حيث قال: "لا أحد يمكنه التنبؤ بالزلازل فهى لا تعطى إنذارات".
وبعد فترة أقل من ساعة كان خطاب فصله قد سلم إليه بناءا على توجيه من الرئيس مبارك حيث أنه إعتبر أن الرجل لم يقم "بواجبه الوظيفى"فى طمأنة الناس !!! وقد قامت جميع الأطياف السياسية الموجودة وقتها وأولهم المعارضة الإخوانية بانتقاد موقف رئيس الجمهورية الذى ضحى بموظف برىء لم يرتكب أى جرم سوى قول الحقيقة التى يعرفها تقريبا كل شخص !!
وبالأمس القريب تم فصل، أو الضغط من أجل إستقالة، رئيس مصلحة الطب الشرعى وهو مسيحى الديانة بسبب توقيعه على تقرير تشريح إحدى جثث قتلى المتظاهرين والذى يوحى بأن الجثة تعرضت للتعذيب قبل الوفاة، خلافا لما صرح به القاضى مكى الذى يشغل منصب وزير العدل !!
ما هو هذا التصرف الغير مسئول من جانب الدولة فى ظل الحكم الحالى؟ وهل قول الحق فى ظل نظام يقف على أرضية دينية إسلامية هو من موجبات الفصل؟
وأين يقع الفرق بين تصرّف حسنى مبارك الظالم الذى قامت الثورة لكى تعزله وتصرّف النظام الثورى لمحمد مرسى؟ بل إن حسنى مبارك على الأقل تصرّف بهذه الطريقة الظالمة لا لكى يغطى على جريمة تعذيب بل لكى يتفادى ذعرا بين الناس من ضربة جديدة من ضربات الطبيعة، بينما قام النظام الثورى بهذا الظلم لكى تتوه الحقيقة التى عوقب من نطق بها، وهذه وحدها جريمة إلى جانب الجرم الأصلى بالقتل تعذيبا حتى الموت. ولم يقم أحد بشرح ملابسات خروج رئيس مصلحة الطب الشرعى للناس رغم أهمية هذا الأمر.
وبقدر إقتناعى بشرعية نتيجة الإنتخابات التى أتت بمحمد مرسى رئيسا للبلاد، واقتناعى أيضا أنه لابد أن يقضى فترته كاملة غير منقوصة، إلا أننى غير مقتنع أبدا بما يفعل من غرائب التصرفات ولا يمكننى قبول طريقته الجامدة العنيدة التى بها كثير من التكبر الذى لم نعهده غالبا منذ محمد باشا محمود الذى عرف عنه التكبر بسبب ثرائه الأسطورى وبسبب دراسته فى أكسفورد فى صدر شبابه. وعلى رئيس جمهورية مصر أن يتبع الطريق الذى سار عليه كل حكام مصر منذ مينا وحتى منتصف عهد حسنى مبارك، وهو طريق تحديد مصلحة مصر بذاتها أولا ثم وضع الأولويات على أساس من هذه المصلحة القومية. ولا أقصد من ذلك قومية عدوانية أو عنصرية مصرية تريد لنفسها كل شىء ولا تريد للآخرين أى شىء، كلا، ليس هذا هو مقصدى. بل أقصد أن أولويات العمل الآن هى مصر ثم مصر ثم مصر إلى أن تستقر البلاد ويعود لها توازنها. ولا أرى أن محمد مرسى يسير على هذا الطريق الذى ثبتت جدواه عبر عشرات القرون. بل هو يسير على طريق عالمية التنظيم الذى ينتمى إليه والذى قضى ما لا يقل عن 35 عاما تحت لوائه. وليس هناك عيب فى قضاء فترة طويلة تحت لواء حزب معين أو تنظيم بعينه، ولكن العيب هو أن يسمو إنتماء صاحب التفويض على إنتمائه للشعب الذى فوضه. وأظن أن ما أسقط حسنى مبارك كان هو الحيود عن هذا الطريق الخالد لأسباب بعث عليها عاملا الثروة والورثة. ومقولة المرشد السابق عن "مصر وأبو مصر واللى فى مصر"لا يمكن أن تكون هى ديدن الحكم فى بلد به 90 مليون منهم 75% فى سن الشباب الصغير وعاطلون وليس لهم آمال فى أى شىء فى بلدهم. والمصريون الأفاضل من الأجيال السابقة علمونا أن ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع، ذلك بافتراض أن الجامع يحتاج شيئا من الأصل. فمصر لا ولن تصلح معبرا للدعوة الإسلامية إلى العالمية عن الطريق السياسى، لا لن تصلح. مصر قد تصلح معبرا للدعوة الإسلامية إلى العالمية عن طريق الدعوة العالمية المتعقلة ..وقد كان الأزهر يقوم بهذا الدور خير قيام حتى عدة عقود خلت. وطريق السياسة والعمل التنفيذى العام يختلف تماما عن طريق الدعوة الدينية.
فالولاء لمن فوضك والخوف من أن يسحب تفويضه لك هو أصل كل شىء فى الحكم الديموقراطى، هذا لو أننا أردنا ديموقراطية. وأول أركان هذا الولاء هو التخلى عن فكرة ومفهوم التمكين. فالتمكين يعنى عدم العودة مرة أخرى لصاحب السلطة بحثا عن تجديد التفويض لأن التمكين يقع مرة واحدة. والديموقراطية والتمكين لا يتفقان فى نفس النظام ولا يمكن تواجدهما معا فى نفس الجسد. كما أن التمكين يحمل فى طياته معنى الإزدواج بين علوية ودونية. فالله قد يمكن الإنسان من الحيوان، ولكنه لا يمكن الإنسان من الإنسان. ومفهوم التمكين هذا له شبيه قريب تاريخيا هو الشيوعية على الطريقة السوفيتية (وليس الصينية). فالإتحاد السوفيتى كان يحارب فى كل أركان العالم فى نفس الوقت لكى تتمكن النظرية الشيوعية فى افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بالإضافة إلى الحفاظ على ما تمكن منه من أقاليم فى أوروبا الشرقية.
وأيديولوجية التمكين هذه هى ما تسبب فى النهاية فى إنهيار الإتحاد السوفيتى إنهيارا مخجلا مفزعا من حيث سرعة حدوثه ومن حيث إتساع مداه. فقد أدى مثلا إلتزام الإتحاد السوفيتى بإمداد جميع دول أوروبا الشرقية بالطاقة بسعر أقل من ربع السعر العالمى إلى إهدار موارد هائلة لسنوات طويلة بلا طائل. وكانت شعوب هذه الدول – ولا تزال – من أشد الدول عداءا لروسيا والتصاقا بالولايات المتحدة رغم كل هذه النفقات التى تكبدها الإتحاد السوفيتى عبر عقود الحرب الباردة. وكانت النتيجة إفلاس الإتحاد السوفيتى وإفلات دول أوروبا الشرقية عند أول سانحة.
كذلك فإن ديون الهند للإتحاد السوفيتى ظلت فترة طويلة معلقة لا تسدد بسبب عدم الإتفاق على سعر الصرف بين الروبل والدولار حيث أن الهند أرادت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى أن تسدد بالروبل بعد أن إنهار سعره من دولار تقريبا إلى أقل من عشر سنت !! وفى ذلك خسارة محققة لروسيا التى مولت كثيرا من نشاطات ومشاريع الهند خلال عقود الحرب الباردة. وجدير بالذكر أن مصر مثلا سلمت الولايات المتحدة طائرات سوفيتية مما تملكه لكى تتعرف الولايات المتحدة على أسرار إنشاء هذه الطائرات فى مقابل الحصول على طائرات أمريكية وكان الخاسر الوحيد فى هذه الصفقات هو الإتحاد السوفيتى الذى ملأت عقيدة التمكين فكره وجنانه.
وبصرف النظر عن التكلفة المادية فهناك تكلفة سياسية لمفهوم التمكين. وهذه التكلفة السياسية تتمثل فى رفض كثير من قطاعات الشعب المصرى للمشروع الإخوانى القائم على فكرة التمكين. وهو رفض صريح معبر عن نفسه ومستمر فى الزمان وهو ما يهدد بقسمة داخل البلاد. وهذا الرفض ليس فقط سياسي ولكنه مذهبي. فالرفض السياسى يكون مشاركا على نفس الأرضية ولكنه يرى طريقا آخرا. أما الرفض المذهبى فلا تشارك فيه فى أى شىء ولا حتى الأرضية. وسبب ذلك هو كما أسلفت أن التمكين والديموقراطية لا يجتمعان فى نفس الجسد. صحيح أن الفكرة الديموقراطية لم تتواجد بعد فى رؤوس المصريين أو أغلبهم ولكن فكرة التمكين هى مفهوم معارض تماما لها.
فنحن لسنا شعبا غريبا قد تم غزوه أو فتحه لنصبح فيئا، بل نحن شعب واحد وعرق واحد ولغة واحدة وتاريخ لا خلاف على توحده منذ أكثر من 5000 عام.
وعقد المقارنات بين مراحل حالنا اليوم ومراحل فترة إنتشار الإسلام فى الجزيرة هو من قبيل الهزل الكوميدى فى مجال السياسة والإجتماع. فالإخوان المسلمون لم يفتحوا بلدا كافرا ولا هم جاءوا بدين جديد. وعقلية "غزوة الصناديق"هى تعبير صريح عن هذا الخطأ الفكرى الفادح. كما أن العقلية المصرية ذات الخلفية الزراعية تختلف عن عقلية الصحراء القائمة على ممارسة الإستيلاء والتفاخر به.
وكما بدأت الحديث بألمانيا أنهيه أيضا بالمثال القادم من هذا البلد. فأوسكار لافونتين قد إنتهى تماما من عالم السياسة ولم يعد أحد يسمع له صوتا وذلك بسبب محاولته تخطى الحواجز القانونية والإجرائية والتعدى على ما رسخ من قواعد سواء كانت تلك فى طرق المحاسبة الضريبية أو فى إستقلال البنك المركزى، كل ذلك رغم أنه كان منتخبا – عن طريق حزبه – إنتخابا شرعيا. فالشرعية لها حدود وعليها ضوابط لابد من إحترامها وإلا فسخ العقد وانتهى التفويض بأسرع مما يتصور من حاولوا الخروج على هذه القواعد. وقد أسمعت إذ ناديت حيا، فهل هناك حياة لمن تنادى؟


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles