Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

أمى وحلقات Peyton Place

$
0
0

فى أعقاب هزيمة 1967 ولأسباب غير مفهومة أغرق السوق التليفزيونى المصرى بالمسلسلات الأمريكية من الهارب إلى بونانزا إلى مفقود فى الفضاء إلى بيتون بليس إلى الغزاة وكثير غيرهم لا أذكر أسماءهم.. ومن الملاحظ أن هذه المسلسلات كانت تغطى طلبات كل المتفرجين من أطفال وكبار ورجال ونساء ومراهقين.
ونحن لم نكن من مشاهدى حلقات بيتون بليس الإجتماعية التى تروى عن حياة الطبقة المتوسطة الأمريكية البيضاء فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث أن مشاهدة مثل هذه الأشياء لم يكن تهمنا فى ذلك العمر الصغير. ولكن إحدى قريباتى الأكبر منى قليلا كانت تتابعها وتصادف عدة مرات أن موعدها قد حان أثناء زيارتهم لنا فشاهدتها فى منزلنا بكثير من الشغف. ولما تكرر الأمر لاحظت أنا أن الحلقات تعرض لكثير من حالات الطلاق.. فهذا الرجل طلق زوجته لأنه يحب غيرها ولكن الحبيبة بعد أن تزوجا لم تعد تحبه فطلقته هى ثم جاء ذكر أسرة أخرى فيها حالة طلاق ثم طلاق رابع وهكذا.. ولما سألت قريبتى هذه لماذا يكثر الطلاق فى هذا المسلسل قالت لى لأنهم مجانين.. ولم تقنعنى الإجابة فعدت إلى أمى متسائلا فقالت لى بمنتهى العفوية وبدون تفكير أن الأمريكان يكثر لديهم الطلاق لأنهم مجانين.. شىء محير !!! أمريكا التى بسببها خسرت مصر الحرب والتى تدعم إسرائيل والتى تمثل الشيطان بالنسبة لنا تلاميذ المرحلة الإبتدائية هى مجتمع من المجانين؟
ولكن أمى لم تكن فى نظرى من العليمين ببواطن الأمور السياسية وبالذات الأمريكية فانتظرت حتى عاد أبى من السفر وطرحت عليه نفس السؤال فرد على بأن الطلاق يكثر عندهم لأنهم مغفلون!! وبعدها فى الصيف سألت خالى وكان أيضا قد درس فى أمريكا فأدلى بنفس الرأى، الأمريكان مجانين !!! المهم أن الذكرى التى رسخت فى نفسى هى عدم رضا كل العائلة عن أمريكا الإجتماعية لأنهم مجانين..
وبالأمس بعد 45 عاما تذكرت كل ذلك لدى مشاهدتى لفيلم تسجيلى طويل ورائع عن الحياة فى أمريكا فى العشرينات تحت ظل قانون تحريم الخمور.. وبالأمس فهمت المعنى الحقيقى الذى لم يستطع لا أبى ولا أمى ولا خالى أن يدخلوه إلى عقلى.. فالأمريكان هم بالفعل قريبون جدا من الجنون الإجتماعى فى الداخل وإن كانوا يبدون لنا نحن غير المقيمين داخلها فى سياساتهم الخارجية عاقلين للغاية ويحرصون على الصالح الأمريكى..

كنت قد كتبت لكم من قبل أن إنتخابات ألمانيا عام 1932 التى جاءت بهتلر قد ظهر فيها الإنقسام السياسى الواضح بين الكاثوليك والبروتستانت حيث أن نسبة التصويت للحزب النازى كانت عالية فى المناطق البروتستانتية بينما صوت الكاثوليك للأحزاب الوسطية المحافظة.
ووضع كهذا وقع أيضا فى أمريكا حيث كانت الحركة المطالبة بحظر الكحول تعبر عن ال WASP أى البيض الأنجلوساكسون من البروتستانت وهم فى الواقع يكرهون الشيوعية ويكرهون اليهود ويكرهون الكاثوليك ويكرهون المهاجرين من الإيطاليين أو من أمريكا اللاتينية وبالطبع وبدون أن أضطر لذكرها هم يكرهون السود.
وفى إنتخابات 1928 التى كسبها الرئيس هربرت هوفر (مهندس مدنى) كانت المعركة بينه وبين مرشح كاثوليكي هو آل سميث الذى جاء من الطبقة المطحونة فى نيويورك ولم يتلق تعليما.
وبسبب كونه كاثوليكيا أشاع الجمهوريون عنه أنه ألعوبة فى يد بابا الفاتيكان وأنه جهز مكتبا للبابا فى البيت الأبيض لكى يجلس فيه ليحكم أمريكا بل بالغ البعض وادعوا أنه سوف ينشىء نفقا تحت البحر يبدأ فى واشنطون وينتهى فى روما !!! وظهرت عرقية الواسب على حقيقتها عندما إنضمت عصابات الكوكلوكس كلان إلى الحملة الإنتخابية للجمهوريين ليس لشىء إلا نكاية فى المرشح الكاثوليكى.. بل زاد الأمر سوءا أن بالغ الجمهوريون فى فاشيتهم بأن أصدروا قانونا يسمى قانون 5 وعشرة وهو يجعل عقوبة التجارة فى الخمر تتضاعف إلى السجن لمدة خمس سنوات مع دفع غرامة 10 آلاف دولار.. وأضاف القانون عقوبة جديدة هى لكل من عرف أن شخصا يشرب الخمر ولم يبلغ عنه !!! ولا أعرف فاشية أشد من هذه..ولم يتم تنفيذ القانون فقط على التجار بل بدأت المدعية العامة البروتستانتية فيلبراندت تصدر أوامر بالقبض ايضا على من يشربون الخمر.. وهذه المرأة كانت تغالى فى عداوتها للكاثوليك والإيطاليين (معظم المهربين كانوا من الإيطاليين مثل آل كابون ويقال أن جوزيف كيندى الكاثوليكى والد الرئيس كيندى صنع ثروته الكبيرة فى تلك الفترة) وتساهم فى حملة المرشح هوفر حتى نجح.. ولكنه حين نجح لم يعينها وزيرة للعدل كما كانت تطمع.. فما كان منها إلا أن إستقالت وعادت لممارسة المحاماة فى مكتبها الخاص.. ومن كان أول زبون لها؟
لقد كانت وهى محامية تقوم بتمثيل مصالح شركة من كاليفورنيا تقوم بعصر العنب وتحويله إلى نبيذ. والمفاجأة الأكبر هى أن هذه السيدة التى كانت شديدة الضراوة فى هجومها على الكاثوليك تحولت بعد خروجها من المنصب إلى الكاثوليكية !!! وهذا هو ما قصدته فى البداية عندما كتبت أن الأمريكيين هم فى طريقة مارسة السياسة الداخلية بالفعل مجانين !!
فكيف يتسنى لامرأة كان أساس عملها الوظيفى والسياسى هو الإنحياز لجهة معينة ضد جهة أخرى إلى درجة أنها خرقت القانون بالقبض على شاربى الكحول وليس فقط تجاره، رغم أن القانون لم ينص على ذلك، كيف يتسنى لها أن تقيم المرحلة التالية من حياتها على أساس مخالف تماما لما كان قبله؟ وكيف يقبل منها المجتمع ذلك؟ بل وكيف قبل المجتمع أصلا فكرة الحظر؟ وأشد منها فكرة الوشاية بمن يشرب؟
أعتقد أن المجتمع الأمريكى الذى يعيش 70% من سكانه فى العزب والكاونتيز الصغيرة هو من أشد الشعوب الصناعية محافظة. بالإضافة إلى أن عدم وجود تاريخ لدولة أمريكا يجعل المهاجرين الأوائل معتقدين أن لهم دور هام وطليعى فى قيادة المجتمع. ففى المجتمعات التى لها تاريخ يكون قد قام ونهض عبر هذا التاريخ ما لا يقل عن 30 أو 40 جيلا من السكان تقاسموا بينهم مراكز الصفوة والوسط والقاع أيضا فى حركة دائبة من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى.. وهذه الخاصية المجتمعية غير موجودة فى الولايات المتحدة الأمريكية أولا بسبب قصر المدة الزمنية وثانيا بسبب الرفض النظرى من جانب مهاجرى أوروبا الأوائل للنظم الإجتماعية التى خلفوها وراء ظهورهم فى بلادهم الأصلية.. فهم رفضوا الممالك والأمراء والألقاب والإقطاع وتدخل الكنيسة فى شئون الناس وكلهم تقريبا بلا إستثناء جاءوا من خلفية بروتستانتية فى وقت عصيب هو زمن الإصلاحات الدينية فى أوروبا. صحيح أن الإقطاع كان موجودا بطريقة أخرى هى ملكية الأرض بمن عليها من السود، ولكن السود لم يكن ينظر إليهم على أنهم مواطنون لهم حقوق بل لم يكن ينظر إليهم على أنهم آدميون من الأساس..
أذكر أننى مرة شاهدت فيلما أمريكيا تدور أحداثه فى سان فرانسيسكو عام 1906 قبيل الزلزال مباشرة.. وكانت القصة حول شاب أبيض متخرج حديثا ويبدأ فى بناء شركة خاصة به ويستعين فى ذلك بمحاسب صينى مهاجر قادم حديثا من الصين. والمحاسب على درجة عالية من المهارة الحسابية والكتابية (ككثير من الصينيين) ويستعمل آلة صينية يدوية لأداء الحسابات بسرعة. وهذا الشاب الأمريكى كانت له خطيبة من طبقة راقية وقامت هى بزيارته فى مقر الشركة فقام بتقديم محاسبه الصينى إليها ثم تقديمها للمحاسب الصينى باعتبارها زوجة المستقبل.. فكانت اللقطة الدرامية التالية لذلك هى غضب الفتاة الشديد وتركها المكان على الفور.. ولما تبعها الشاب مهرولا وحاول أن يسترضيها سائلا عن سبب غضبها قالت له: "أنا لم يقم أحد من قبل بإهانتى بهذه الطريقة.. فأنا لا أقدم لشخص صينى" !! هكذا كانت العنصرية الواسبية ضد كل ما ومن هو ليس منهم.
والظاهر أن هذه العنصرية قد بدت وكأنها خفت قليلا بعد مشاركة أمريكا المحدودة فى المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى ثم حضور الرئيس وودرو ويلسون مؤتمر فرساى فى فرنسا مفعما بآمال عريضة وبمبادئه الأربعة عشر فى الحرية لكل شعوب الأرض وتصفية أوضاع الإستعمار والتى قال عنها حتى أمريكيون من داخل حزبه أنها تبدو مثالية وتنتمى لعالم غير هذا الذى نعيش فيه !! ومن الجدير بالذكر أن هذه المبادىء هى التى حفزت المصريين لإرسال وفد لفرساى لحضور مؤتمر الصلح وطلب الإستقلال.
وبالطبع نجحت كل من فرنسا وإنجلترا فى ثنى ويلسون عن نقاطه هذه وانتهى الموضوع على إقرار الأوضاع القديمة ولم يتغير شىء حقيقى إلا فى الدول التى وقعت بها ثورة مثل مصر أو تمرد على الأحكام مثل تركيا.
وهذه الفترة التى سبقت قيام الحرب العالمية شهدت تدفق أعدادا كبيرة من الأوروبيين لاستيطان الولايات المتحدة منهم مواطنو بلاد كاثوليكية كإيطاليا وبولندا وأرثوذكسية كروسيا وأوكرانيا واليونان بل وجاء المسلمون المهاجرون الأوائل إلى أمريكا وكانوا من اليمنيين بالإضافة إلى بعض الشوام.. وكذلك جاء المهاجرون الجدد من بلد ليس له دين هو الصين.
ولم يكن الرد الطبيعى الذى واجه به الواسب هذا الوضع الديموجرافى الجديد سوى التأكيد على القيم البروتستانتية وعلى حق أحفاد المهاجرين الأول فى التميز السياسى والإقتصادى والإجتماعى على كل من عداهم وكانت فكرة حظر الكحول هى أحد هذه التعبيرات حيث أن تجارة الكحول كانت مما يخضع لشبه إحتكار كاثوليكى فى المدن الكبرى، ذلك أن الكحول هو موروث ثقافى أوروبى كان لا يزال حاضرا فى أذهان القادمين الجدد خلافا للمستقرين منذ أكثر من مائة عام فى الولايات المتحدة..
والذى لا أفهمه هو جو الحرب الأهلية المحموم الذى صاحب عملية النقاش حول حظر الكحول وأدى إلى صدور تصريحات وبيانات تتعرض بصراحة للمسيحيين الكاثوليك بصفتهم هذه، أى كاثوليك. وهذا التصرف الأخرق يتعارض مع مواد الدستور الأمريكى الذى يمنعه التمييز بين البشر على أساس من الجنس أو العرق أو الدين.. ثم أن يأتى هذا الفعل من إحدى كبار موظفات الجهاز القضائى الفيدرالى ولا يمسها أى ضرر تأديبى وظيفى فهذا أمر لا أستطيع تصور حدوثه فى دولة متحضرة فى بداية القرن العشرين. وعندما ذهب المرشح آل سميث إلى آلاباما للدعاية الإنتخابية قابلته عصابات كوكلوكس كلان بإقامة صليب ضخم إرتفاعه لا يقل عن 15 مترا بجانب محطة القطار التى سوف يصل إليها وأشعلوا فيه النار رمزا لتهديده حيث أن هذه الجماعة الإجرامية تحرق ضحاياها الذين هم غالبا من السود.. وهذه التصرفات لا تنم إلا عن جنون إجتماعى لا مثيل له إلا فى الدول ذات النظام الفاشى. إذ أن مجرد وجود الديموقراطية فى الدستور كقيمة يحميها المجتمع أو يراها المجتمع جديرة بالحماية ينهض فى ذاته سببا لمنع هذه التصرفات كل من ويليبراندت وكوكلوكس كلان، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث.
ويبدو أن تلك الفاشية المقنعة فى الولايات المتحدة لم تنكسر حدتنها إلا بالأزمة الإقتصادية التى وقعت عام 1929 والتى كان سببها هو أيضا طمع وجشع المتلاعبين فى البورصة ومعظمهم بالطبع من الواسب مثل عائلة ويتنى. والظاهر أن هذه الأزمة قد قامت بتعريف كل ذى قدر قدره، فالواسب عرفوا أنهم ليسوا وحدهم فى هذه القارة وكذلك عرف الآخرون، وبالذات الإيطاليون، أن لهم قوة يمكن تجميعها وصبها فى شكل إرادة سياسية.
وبطبيعة الحال كان الواسب هم من وقفوا بكل شدة وصلابة ضد النيو ديل التى جاء بها الرئيس الجديد فرانكلين روزفلت حيث أن لها بعدا إجتماعيا لم يعجبهم فى الغالب لأن بعض الأغيار قد يفيدون منه، والنيو ديل هذه لها قصة مستقلة لأنها غيرت وجه الحياة فى أمريكا.

ونحن العرب ممن تربينا فى ظل النظم الثورية الى إجتاحت الدول العربية فى الخمسينات والستينات قرأنا وتعلمنا كثيرا عن كتاب السيد/ هنرى فورد منشىء شركة فورد للسيارات والذى أسماه اليهودى العالمى. وكانت هذه سلسلة مقالات ودراسات كتبتها مجموعة من الباحثين والمؤرخين بتكليف من هنرى فورد ونشرت فى أوائل العشرينات وكانت تعرض لليهود على أنهم المشكلة الأكبر التى تواجه العالم. وهذه هى أيضا نفس الفترة التى كان الواسب يريدون أن يعيدوا تأكيد سيطرتهم وقوتهم داخل أمريكا بعد أن كسبت أمريكا الحرب الأولى وأصبح الإقتصاد الأمريكى هائل الحجم (قبيل الكساد الكبير) وبالتالى شعر الواسب فى أمريكا أن هذا هو زمانهم. وظهرت إلى الوجود مقولات مثل أن القرن العشرين هو "قرن أمريكى"ومقولة "الأمة الفتية"إلخ..
ولكن الكساد الكبير الذى وقع فى نهاية عام 1929 عطل مسيرة الولايات المتحدة الدولية لبعض الوقت حيث فقد كثير من الناس مدخراتهم وتحولوا إلى فقراء معدمين وفقد كثير من المتعلمين الإتجاه لدرجة أن المرء يعجب من إنتشار الأفكار الشيوعية بين المثقفين فى ذلك الوقت داخل أمريكا رائدة الحرية الإقتصادية وجنة المشروع الخاص.. وهذه الأفكار الشيوعية هى التى سوف يقوم السيناتور جوزيف ماكارثى بعد حوالى 20 عاما فى نهاية الأربعينات بمحاربتها واستئصال شأفتها بحملة إرهابية تكفيرية تستمر حتى بداية الخمسينات.
وماكارثى هذا كان كاثوليكيا متمسكا بكاثوليكيته. وهو يمثل التغيير الذى وقع فى المجتمع الأمريكى عقب الكساد الكبير وعقب الحرب العالمية الثانية حيث أصبح الواسب لا يحتكر الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية كما كان يفعل قبل وقوع هذين الحدثين. والكاثوليك أصبحوا عقب الحرب العالمية قوة سياسية لا يستهان بها وتعد كنيسة شيكاجو من أقوى الكنائس الكاثوليكية فى العالم وأغناها قاطبة وذلك بسبب المهاجرين البولنديين. والحرب العالمية الثانية جاءت بتطور آخر هام جدا ظهرت نتائجه فيما بعد وهو أنه خلال الحرب سمح لأول مرة للسود بأن يحملوا السلاح ويقاتلوا بصفة كاملة فى صفوف الجيش. وكانوا قبل ذلك يقومون فقط بخدمة الجنود وبالأعمال التافهة. وقد مات منهم كثيرون وجرح منهم كثيرون وهذا الإسهام الحربى الأسود رفع من ثقة السود بأنفسهم فظهرت حركات المطالبة بالمساواة حيث أن من يحارب من أجل أمريكا لابد أن يكون له نصيب فى أمريكا. إنها حركات تحرير السود سواء السلمى منها على يد مارتن لوثر كنج أو العنيف منها كالفهود السوداء.
والتطور الثالث الذى لم يقم كثيرون بدراسته هو صعود اليهود فى أمريكا.. فما نراه اليوم من تأييد ودعم هائل لإسرائيل هو ليس شيئا قديما ومترسخا فى الوجدان الأمريكى، بل هو تطور حديث نسبيا.
وأعتقد أنا شخصيا أنه كان لليهود صوت فاعل فى السياسة الداخلية الأمريكية من قبل إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت.. فالسيد/ برنارد باروخ مثلا كان من أصحاب الصوت المسموع فى الحزب الديموقراطى الأمريكي منذ أوائل القرن العشرين وذلك بالمال الذى جمعه من البورصة .. وقد قام برئاسة الهيئة التى كانت مسئولة عن إدارة موارد الدولة الأمريكية لخدمة المجهود الحربى خلال الحرب الأولى (وهو أيضا يهودى مثل نظيره الألمانى فى ذات المنصب السيد/ فالتر راتناو). وقد سافر مع الرئيس ويلسون إلى مؤتمر الصلح فى فرساى وقد كان صديقا مقربا للغاية من الرئيس ترومان وكان قبل ذلك أيضا مستشارا للرئيس روزفلت فى أثناء إعداد النيو ديل. صحيح أن كل ذلك قد تم من خلال الحزب الديموقراطى، الذى هو فى الأساس الدار السياسى للضعفاء أمام الواسب من سود ويهود ومهاجرين وعمال فقراء، ولكن أثره على كل السياسة الأمريكية لا يمكن إنكاره فهو من أقنع ترومان بجدوى إسرائيل فى المنطقة العربية وكان صديقا ومنسقا ومضيفا مستديما لحاييم وايزمان فى الولايات المتحدة قبل أن يصبح الأخير أول رئيس لدولة إسرائيل.
وكلنا قرأنا عن الجو العام الذى خيم على الحياة السياسية والإعلامية للولايات المتحدة عندما تم إكتشاف واقعة تجسس عالمى الذرة الزوجين اليهوديين جوليوس وإيثيل روزنبرج فى عام 1950 واللذين حوكما بتهمة تسريب الأسرار الذرية للإتحاد السوفيتى وأعدما فى عام 1953. أقول كلنا قرأنا عن الجو العام المحيط بتلك المحاكمة وكيف كانت المشاعر "غير صديقة"بالمرة تجاه اليهود، لو أن المرء اراد أن يكون مهذبا فى تعبيراته !!
وكلنا قرأنا أيضا عن رد السفن القادمة عبر البحر من أوروبا والتى كانت تحمل مهاجرين يهودا هاربين من فظائع الهولوكوست أثناء الحرب فى كل أوروبا وكيف أن الولايات المتحدة كانت ترفض دخولهم مما يجعلهم يتجهون إلى سواحا فلسطين.. والمؤكد أن اليهود قد إستفادوا من الحكم الديموقراطى للرئيسين روزفلت وترومان بأقصى ما يمكن الإستفادة (وإن كان الأول قد صرح فى حديث مع زوجته أنه لا يتنبأ لإسرائيل بطول البقاء فى الشرق الأوسط بسبب الخلل الديموجرافى وذلك حسب ما ذكره هيكل فى أحد كتبه).
ولكن دخول أمريكا فى الحرب الباردة مع عدو تجهل عنه كل شىء مع عدم رغبتها فى أن تعتمد على خدمات الإستخبارات الإنجليزية العريقة، حيث أن الولايات المتحدة كانت تريد الإعتماد على نفسها فى الوصول إلى الزعامة بإقصاء إنجلترا المنهكة عقب الحرب، لم يبق أمام الولايات المتحدة سوى الإعتماد على مصادر معلومات من المهاجرين اليهود القادمين توا من داخل المعسكر الشرقى أو ممن عاشوا لفترة داخل أوروبا ويعرفون مسالكها السياسية والإجتماعية..
وبانتهاء حكم الرئيس آيزنهاور ودخول كيندى البيت الأبيض تم فتح مرحلة جديدة بين أمريكا ويهودها من ناحية وبين أمريكا وإسرائيل من ناحية أخرى..
فمن ناحية الداخل بدأ اليهود يصبحون من أصحاب الثروات والنفوذ فى الإعلام والإعلان إضافة إلى المجال التقليدى وهو البنوك. أما فى مجال إسرائيل فقد تأكدت أمريكا أن رهانها على النظم الجديدة فى العالم العربى هو رهان خاسر لأنهم لا يلتزمون بقواعد اللعب مع الأمريكان فقررت الإعتماد على إسرائيل فى حربها الباردة ضد الإتحاد السوفيتى. وفى ذات الوقت تزامنت مع ذلك أيضا ظاهرة غريبة ربما تكون قد أجلت قليلا من تلاحم أمريكا مع اليهود سواء فى الداخل أو فى الخارج، وهى ظاهرة أن معظم قادة الحركة الفكرية المعارضة للتدخل الأمريكى فى فيتنام كانوا من اليهود. وكان يطلق عليهم صقور شرق آسيا فى عهد الرئيس جونسون حيث أنهم كانوا يحثون الطلبة والمفكرين بل والمجندين على نبذ فكرة الحرب التى تبعد آلاف الأميال عن أرض الوطن وليس لأمريكى فيها لا ناقة ولا جمل. وقد كان من ضمن الحجج التى أقنعت الرئيس جونسون على تأييد إسرائيل فى خطة هجومها فى عام 1967 هى حجة أن صقور الشرق الأقصى هم حمائم فى الشرق الأوسط، بمعنى أن اليهود الذين ينتقدون سياسة جونسون فى الشرق الأقصى سوف يقبلون بها بل ويرحبون بها ويكيلون لها الثناء لو أنه لم يمارس الإعتراض على أن تبدأ إسرائيل بالحرب، وقد كان. وجونسون كان بحاجة إلى كل صوت يؤيده سواء فى الصحافة أو فى الجامعات.
ويحكى حسنين هيكل فى أحد كتبه أن وليم روجرز وزير الخارجية الأمريكى عندما جاء لمصر بغرض الإتفاق على وقف إطلاق النار تعمد أن يختلى بهيكل لمدة دقيقتين فى الحمام بمبنى الأهرام لكى يحذره من مستشار الرئيس نيكسون لشئون الأمن القومى السيد/ هنرى كيسنجر وأنه لا يخدم إلا أهله وعشيرته، فلما سأله هيكل ماذا تقصد رد روجرز: "إنه يهودى"..
وهذه القصة سواء كانت مختلقة أو صحيحة فهى لا تحمل سوى معنا واحدا هو إستمرار حالة عدم الثقة بين اليهود والواسب حتى لحظة متأخرة من الستينات.. بل أن وزير الخارجية الأحدث كثيرا من روجرز جيمس بيكر قيل عنه أنه معادى لليهود وذلك فى نهاية الثمانينات.
والشخص الذى سرب أوراق البنتاجون إلى الصحف الأمريكية عام 1971 وفضح سياسة أمريكا فى جنوب شرق آسيا كان أيضا يهوديا، دانيل إلزبيرج. والشخص الذى سرب أوراق أبحاث البحرية إلى إسرائيل عام 1985 كان يهوديا، جوناثان بولارد.
وقد قام مورجنتاو وزير الخزانة اليهودى بإقناع الرئيس روزفلت بفتح الباب لليهود لدخول الولايات المتحدة بعد أن كانت تلك الدولة تصدهم وتعيد سفنهم إما إلى إنجلترا أو إلى فلسطين.
ومورجنتاو هذا هو نفس الشخص الذى كان قد أعد خطة لتشتيت شمل الألمان بعد الهزيمة وترحيل كثير منهم من بلادهم إلى شمال أفريقيا (تونس بالذات) لكى لا تقوم لألمانيا قائمة صناعية عسكرية بعد ذلك كما كانت الخطة تتضمن رقابة صارمة للأنشطة الإقتصادية الألمانية ومنع صناعات بعينها ومنع تصدير سلع حتى لا يتكون لديها فوائض نقدية وكانت تلقى بعض الترحيب من تشرشل إلا أن روزفلت لم يقبل بها خوفا من تكرار سيناريو فرساى ... وإن كنت أنا شخصيا لا أعتقد أن مورجنتاو كان هو المحرك الرئيسى لهذا التغيير بل لعله كان برنارد باروخ بحكم إتصاله الوثيق بالحركة الصهيونية عن طريق علاقاته مع حاييم وايزمان وبحكم المال الوفير الذى كان يحتكم عليه.. أما مورجنتاو فهو مجرد عضو فى الحكومة.
وهؤلاء الواسب هم أيضا من كانوا يمارسون التمييز العنصرى فى جنوب أفريقيا ومنهم البوير المتحدرين من أصول هولندية ويطلق عليهم هذا الإسم وهى كلمة تعنى فى اللغة الهولندية فلاحين لأنهم كانوا يملكون الأرض ويستغلون السود فى الزراعة كعبيد.. والهولنديون هم من أوائل من إتجه إلى أمريكا وقام بفتحها وكانت نيو يورك فيما مضى تسمى نيو أمستردام ثم بدل الإنجليز إسمها إلى نيويورك.. وروزفلت نفسه ينحدر من أصول هولندية.. وللحديث ربما بقية


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles