تأليف محمد السويسي :
يعيش العالم العربي في حال عجز وتخلف مزمن لعجزه عن اللحاق بالركب الصناعي والإقتصادي العالمي رغم قدراته المادية والبشرية الهائلة التي تحولت الى مشكلة من البطالة والتردي الأمني بدلاً من أن تكون نعمة لأمة لازالت في طور النمو قياساً مع الدول الغربية التي سبقت العالم العربي بعقود طويلة في التطور والتقدم الحضاري ، بل ولربما سبقته لقرون عدة إذا ظل نموه على تباطئه في النهوض الذي ليس من مبرر سوى فساد حكامه أو تخلفهم وجهلهم أو الثلاثة معاً .
ولن أدخل في تعقيدات إقتصادية حتى لايمل القارىء بل سأبسط الموضوع وأختصره بالمفيد الممتنع ماأمكن .
فأول أسباب العجز العربي هو الفكر المعاق لدى جميع الحكومات العربية في تبيان أسباب التخلف ومعالجته على الصعد الإدارية والإقتصادية والمالية التي سآتي على تفصيلاتها . ولاأورد كلامي جزافاً بل أنه من صلب مهامي وتخصصي الإداري والإقتصادي وتجربتي في الوظيفة العامة .
على صعيد الإدارةالعامة : لايمكن ان تنجح دولة ما دون إدارة نزيهة وشريفة تنتقي موظفيها على أسس من الكفاءة والجدارة العلمية والأخلاقية وفق مباراة ، وليس بناء على الوساطة والتدخل السياسي الذي يودي بها ، على أن يدرب الموظف من خلال معاهد مجلس الخدمة المدنية لتطوير قدراته الوظيفية وفهم صلاحياته ومسؤولياته ، مع رقابة على أعماله وفق قانون الثواب والعقاب من خلال هيئة رقابية إدارية نزيهة مدربة على تيسير أعمال الموظف ومصالح المواطنين بحرفية وحسن خلق وتعاون وفهم لمسؤولياتها ومهماتها الإصلاحية في التوعية والحث على المثابرة في إنجاز المعاملات وفق الأصول المهنية .
ولكن لو ألقينا نظرة على مسيرة إداراتنا العامة ، فهي متشابهة بين جميع الدول العربية لاعتمادها نفس المدرسة الإدارية المأخوذة عن القوانين الإدارية للنظامين الفرنسي والأمريكي ، ولا ثالث لهما في بلداننا لتخلف مسؤولي العالم العربي وحكوماته ، وأميتهم إن صح التعبير ، في إختيار النظام الإداري الأصلح لمجتمعاتنا . إذ كان من الضروري أن نعمل على وضع نظام آخر أكثر تطوراً ، أو بالأحرى أكثر ملاءمة لمجتمعنا العربي بحيث يتوافق مع عاداتنا واخلاقياتنا الموروثة وأسلوبنا في التعامل فيما بيننا حتى نستطيع الإقلاع نحو التطور الأفضل بكل مافي هذه الكلمة من معنى .
فمثلاً لو تركنا الموظف يعمل على حريته وفق واجباته وضميره المهني دون رقابة على عمله ، فإننا قد لا نجده في مكتبه الإ لساعة او ساعتين فقط في اليوم أو قد لانجده إلا لماماً لمرة أو مرتين في الإسبوع ، وبالتالي لتعرقلت معاملات المواطنين لسنوات عدة وليس لأيام أو اسابيع أو أشهر بما نلمسه في معاملات كثيرة لدى الإدارة العربية التي تعتبر إدارة فاسدة ومتخلفة ومهملة في المقياس الإداري مع سؤ أخلاق بعض الموظفين في تعاملهم مع الجمهور وإهانته وإذلاله إلى حد طرد بعض أصحاب المعاملات من مكاتبهم إن تجرأ احدهم وسأل عن اسباب تأخر معاملته . هذا عدا طلب الرشوة لإنجاز المعاملة من بعض الموظفين الفاسدين لغياب الرقابة الإدارية وعدم فاعلية نظامها وتخلفه وعدم ملاءمته .
مما يعني فلتاناً في الإدارة لانعدام في الرقابة لضعف في شخصية رئيس الوحدة أو لفساده أو للتدخل السياسي في أعمال الإدارة بحيث لايجرؤ رئيس الوحدة ، ولو كان نزيهاً ، على معاقبة الموظف المخالف حتى ولو تم ضبطه بالرشوة بأم العين ، لانه إن عاقبه فقد يفصل من وظيفته إذا كان المرتشي يلوذ بحزب او زعيم سياسي أو جهة حكومية نافذة . وهذه حال الإدارة العامة في معظم العالم العربي وللأسف دون وجود اي بارقة أمل في التطور والإصلاح في المستقبل المنظور وفق نظم الحكم القائمة .
أما في القطاع الخاص فإننا نلاحظ بأن الإدارة فيها ناجحة ، خاصة في الشركات الكبرى حيث توزع المهمام وفق كفاءة موظفيها مع تدريب جدي ورقابة حازمة في الدوام والتعامل مع الجمهور على اسس أخلاقية و حسن إداء مع سرعة في العمل وإخلاص .
وسبب نجاحها هو في قراراتها المرنة مع تطور يومي غير مقيد بالروتين الإداري بحيث تعمل براحة تامة وفق مصالحها التي تتوخى الربح ، على عكس الإدارة العامة التي لاتتوخى الربح ، وبالتالي الدقة في العمل والصرامة ؛ كما انها لاتخضع لأي ضغوط سياسية تلزمها . ولن أتوسع في هذا الشأن لأني خصصت موضوعي للإدارة العامة وإنماء الدولة وليس الشركات .
مبادىءالإصلاحالإداري : أول مبادىء إصلاح الإدارة هو ضبط الدوام لأن أي جهد دون ضبط الدوام فإنه لايؤدي إلى نتيجة إيجابية مفترضة بسبب غياب الموظف ، بما يعني تخلفه وتقاعسه عن إداء واجباته الوظيفية ؛ لانه دون ضبط الدوام في الإدارة ، ودون إدارة منضبطة فلاسبيل للنهوض بالوطن كما ينبغي .
وضبط الدوام هو مشكلة عويصة قائمة بذاتها في جميع الدول العربية لاعتمادهم نفس الطرق الغربية الغير ملائمة التطبيق في مجتمعاتنا العربية ، لذا فإن اعمال مراقبة دوام الموظفين فاشلة بشكل مريع لعدم جدواها إن لم يعملوا على نظام أكثر ملائمة في حماية المراقب الإداري ومنحه الحصانة من الفصل الوظيفي إن اصر على الإخلاص في إدائه الوظيفي دون مساءلة من كيد سياسي او ممن هو أعلى منه رتبة . وبالطبع هناك أساليب عدة لضبط الدوام ليصبح فاعلاً من دون ان يخاف المراقب من العقاب أو الفصل من وظيفته وطرده إن أحسن عمله .
ولن أورد اي اقتراح في هذا الشأن حتى لاأطيل ، مكتفياً بتحديد أماكن الضعف والخطأ ، لأن عقل الحاكم أو المسؤول العربي الحكومي غيرمؤهل لتقبل اي إصلاح عن طريق أي إداري وخبير عربي لأنه غير مهتم بضبط الإدارة إلا وفق النظم الغربية رغم عدم ملاءمتها ، ولتفضيله التنظيم الأجنبي عن العربي ، رغم الفارق بين جمهورنا وجمهورهم في تعامله ، بعكس المسؤول الأجنبي الذي يتقبل اي إقتراح عربي ملاءم ويتعامل معه بإيجابية ويعمل به .
الرقابة والتفتيش : أعمال الرقابة والتفتيش فاشلة جداً لدينا ، وفق طرق الإعداد للمفتش من قبل معاهد مجلس الخدمة المدنية التي تقتصر على الإعداد الإداري دون التدريب على أصول التفتيش وأهميته الأخلاقية في ضبط الإدارة وتفعليها وتحسين إدائها ، إذ ان عمل المراقب وفق ممارساته التفتيشية ، يعتمد الإرهاب الوظيفي باختلاق الأخطاء عن جهل منه او سؤ نية واقتراح العقوبة القصوى للموظف المخطىء إلى حد الفصل لسبب تافه ، باستهتار وعدم مسؤولية لأنه لارقابة على عمله ولاقراءة جدية لمعرفة محتوى تقاريره ومحاسبته على اخطائه .
لذا فإن سؤ تصرف المراقب الإداري الجهل أو الغير كفؤ هو كارثة على الإدارة العامة ، إذ أنه يساهم في تعويق النهوض بها وحرمانها من كفاءاتها أو تقييدها خوفاً من الخطأ بدلاً من المساعدة على النهوض بها ، وبذلك فإن نظم الإدارة في العالم العربي تجعل من المفتش الإداري إداة تعويق وتعطيل لعمل الموظف بدلاً من تنشيط عمله بروح طيبة على مضاعفة الجهد وحسن الإداء باندفاع وثقة .
وسبب تخلف المراقب المفتش في حسن إداءعمله يعود لتقصير الإدارة في معاهد الخدمة المدنية من وضع برنامج لتدريبه وفق الأصول والمواصفات الإدارية ، كما وتقصيرها في حسن اختياره ، لأن هدف الرقابة الإدارية هو تحسين العمل وتنشيطه لاتعطيله بإشاعة الخوف والترهيب في الموظفين كما ممارسات المفتشين الحاليين لإظهار نفوذهم وقوتهم عن جهل ، بدلاً من حسن الإداء لتقصير في تدريبهم وتوعيتهم ، عدا فشلهم المزمن في مكافحة الرشوة لعجز الإدارة عن وضع خطة لاستئصالها مع إمكانية ذلك بقليل من الجهد بتغيير الأساليب المتبعة التي يجب ان تترافق مع متابعة تطبيقها يومياً بشكل مستمر مع التطوير الدائم عند الضرورة ، إذ أن اسلوب مكافحة الرشوة المتبع حالياً لايحد منها مطلقاً ، لتخلف العقل الإصلاحي العربي الحكومي والإداري وعجز المفتش عن إجتراح المبادرات الإيجابية لتحسين العمل .
الإداء الإقتصاديوالمالي : تعتبر الدول العربية عاجزة عن اللحاق بالركب الحضاري العالمي وتقدمه العلمي والتكنولوجي لتخلف الحكام وقصور ذهنهم وأميتهم وبالتالي تخلف من حولهم من معاونين ومستشارين . إذ ليس من المعقول أو المقبول ان يكون العالم العربي قاصرا عن التطور والتقدم الصناعي والعلمي قياساً بدول أخرى كالهند وباكستان وأندونيسيا وماليزيا وتركيا وليس كالدول الغربية التي من الإستحالة اللحاق بها وفق النهج المتبع والعقلية السائدة.
فالنموالإقتصادي يحتاج بالدرجة الأولى الى اهتمام عال بالتعليم الثانوي والجامعي الأكاديمي الرسمي المجاني ، خاصة الفروع المهنية والعلمية منها وتشجيع البحث العلمي . على ان يرافق ذلك إقرار كافة التأمينات الإجتماعية من صحية ودفع تعويض بطالة وشيخوخة وتعويض شهري لربة البيت مع تعزيز دور المرأة لأهميتها في تربية الأسرة عماد الوطن .
كما تعزيز النقل العام والمترو في المدن والسكة الحديد بربط جميع المدن الرئيسية بها في كافة أنحاء الوطن .
إلا أنه أنه من المهم والضروري تعزيز البنوك الوطنية بتشجيع الإدخار بها بكفالة مدخراتها من الدولة وفق نسب معينة مع تعزيز الرقابة من قبل البنك المركزي على اعمالها مع أخذ الضمانات والإحتياطات اللازمة ، وتغيير النظام المتبع في إداء البورصة على غير تلك المتبعة في النظم الغربية .إذ أن إداء البورصة في الغرب وفق إدائه ملائم جداً لمجتمعاتهم الذي يعمل باسلوب ناتج عن ترف مالي وإقتصادي لتوفر السيولة العالية بين شريحة كبرى من المواطنين والأشخاص المعنويين من إدارات خاصة وشركات ومؤسسات ، وارتفاع أجور قطاع الخدمات والسياحة النشطة والأرباح الصناعية الهائلة ؛ وهو نظام مدروس تطور على عدة مراحل لعقود عدة حتى وصل الى هذه الحال للحد من التضخم المالي .
اما في العالم العربي فمن الضروري جداً تثبيت اسعار الأسهم ، وفق آلية معينة مريحة ، وهو أمر ضروري ملح من اجل تشجيع جميع المواطنين على مختلف مستويات دخلهم الإجتماعي للمشاركة في البناء الوطني ، إذ أن نظام سوق البورصة الحالي في العالم العربي مخيب للآمال إذ أن عملها مشوب بالعيب والتدليس بما يشبه ممارسات صالات القمار التي تقوم على السرقة والنهب لأصحاب النفوذ والسلطة ، وفي ذلك تأخير كبير للنهضة الصناعية وتطوير الإقتصاد الوطني والنهوض بالبلاد . ولكن من الصعب على العقل العربي ان يقبل بالتجديد والتطوير بما تقتضي مصالح الوطن إذ أنه يفضل اتباع النظم الغربية لجهل حكامه في بناء إقتصاد الدولة وتطويرها وجهلهم بالإقتصاد والإدراة .