تأليف : محمد السويسي
الطلاق كما الخلع شبه مستحيل في الإسلام ومن الصعب تطبيقه إلا وفق شروط صعبة جداً تحتاج الى قاض للبت بها وليست مجرد كلمة تلفظ دون مسؤولية يتفوه بها الزوج ليدمر عائلة بأكملها التي هي جزء من مجتمع إسلامي متكامل محصن ، وإلا انهار هذا المجتمع إذا تركنا الأمر على غاربه .
إذ أن الطلاق لايقوم في الفقه أبداً إلا بموافقة قاض شرعي غير مختل وعلى علم واسع جداً في أصول الفقه ومقاصد الشريعة بعد أخذه بالأسباب وعرض الصلح ...
ولو رمى الرجل الطلاق على زوجته شفهياُ ألف مرة فإنه لايقع إلا بحكم قاض إذا اقتنع وأخذ بالأسباب وأقرت بها الزوجة ، اوقبلت به ووافقت على الطلاق كما سبق في موافقتها على الزواج في الأساس . إذ أن الطلاق مشروط بموافقتها شرعاً إلا أنه قد يقع على غير موافقتها لعلة يأخذ بها القاضي إذ اقتنع بالأسباب .
وتقصير العلماء هو الذي جعل الطلاق أمراً هيناً بمتناول العامة والأخذ به كمتعة قابلة للتغيير من سقط المتاع وكأن المرأة سلعة للبيع والشراء على مذبح الشهوات بما لايقره الإسلام وفق مزاج صاحبها وشهواته بما في ذلك من اذى مع إنعدام الإيمان والأخلاق . لذا لايصح الطلاق دون أمر قضائي معلل حيث سيعرض على الله من قبل الزوجة يوم الحساب إن كان فيه ظلماً .
ومن الجدير لفت النظر أنه لم تحصل اي عملية طلاق منذ فجر الإسلام حتى نهاية العصر الأموي إلا بأمر قضائي لدى الولاة والقضاة ، إلى أن جاء العصر العباسي بثورة على الأمويين على اكتاف الأعاجم.
وضاع الدين نظراً لان الأعاجم ، خاصة الفرس ، قد تولوا معظم القضاء والفتوى فشاع الفساد إذ طبقوا عاداتهم الوثنية التي حملوها معهم على الدين بما شابها من عيوب في مضمونها .فأضحت المرأة مجرد متعة للرجل التي سمت على واجباتها الزوجية والعائلية في تربية مجتمع إسلامي متنور .لأن رجال الدين والقضاة المسلمين والحكام منذ ايام العباسيين وحتى الآن لهم مصلحة في هذا الإنفلات .لذا أباحوا الطلاق دون أذن قضائي ليذلوا المرأة على غير نظرة الإسلام اليها بضرورة احترامها لما فيه مصلحة للأمة نظراً لعظم دورها في نشأة الأسرة . ولازالت المرأة ذليله في ممارسات بعض الأزواج أو المجتمع ضدها ، على غير مقاصد الشريعة وتوصية الرسول.
قد يبدو هذا الكلام غريباً ، بالطبع لان غالبية المسلمين تجهل حكم الإسلام في مسألتي الزواج والطلاق وشروطهما .
وفيما يلي بيان الشرع الإسلامي في الطلاق والخلع :
أخذ الإسلام بمبدأ الطلاق على النحو الذي كان مألوفاً في العرب ولكنه أخضعه لأحكام استبعد فيها سؤ إستعماله ورتب للمرأة حقوقاً لم تكن تحظى بها في الجاهلية .
ففي الجاهلية كان الرجل يطلق إمرأته للمرة الأولى ، وقبل أن تنقضي عدتها يراجعها ، ويفعل ذلك عدة مرات مادامت في العدة وبذلك كان يضارها ؛ وقد شكت إمرأة لرسول الله ماصنع زوجها فنزلت الآية : "الطلاق مرتان ، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".
ففي هذه الآية تحدد الطلاق بمرتين . ففي الأولى يكون رجعياً ، بمعنى أنه يحق للرجل أن يراجع زوجته قبل إنقضاء عدتها . أما إذا طلقها مرة أخرى أو مضت عدتها ولم يراجعها ، فتَبين منه ولا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد . وبذلك قطع الإسلام سؤ إستعمال الطلاق وحمى المرأة من مضارة زوجها . وإذا طلقها بعد ذلك مرة ثالثة فتبين منه بينونة كبرى لاتحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره ويدخل بها ثم يطلقها بإرادته ، وفي ذلك يقول تعالى :
"فإن طلقها فلا تحل له من بعد ، حتى تنكح زوجاً غيره "وذلك بعد قوله : "الطلاق مرتان " . وبذلك نهى الإسلام عن الزواج الصوري الذي كان يدعو إليه ( المحلل ) في الجاهلية ، واشترط أن يكون الزواج حقيقياً لاشبهة فيه أو تواطؤ.
والطلاق حق يملكه الرجل ، ويمكن للمرأة أن تملكه .في الجاهلية كان بعض النسوة من الشريفات يشترطن على أزواجهن أن يكون أمرهن بيدهن ، أي يكون لهن حق تطليق أنفسهن متى شئن . وكانت علامة التطليق ألا تصنع المرأة طعاماً لزوجها أو أن تحول باب خبائها ، فإن كان قِبَلَ المشرق حولته قِبَلَ المغرب ، فيعلم الزوج أن زوجته طلقت نفسها فلا يأتيها . ويروي صاحب الأغاني أن ماوية زوجة حاتم الطائي طلقته وكان أمره بيدها ، وذلك أنه جاءها فرأها حولت باب خبائها فانصرف .
وقد أخذ الإسلام بحق المرأة في أن تشترط على زوجها تطليق نفسها منه ، فإذا قالت طلقت نفسي منك ، أو اخترت نفسي ، كانت طلقة بائنة عند أبي حنيفة ، بحيث لاتحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد ؛ وعند الشافعي كانت طلقة رجعية بحيث يمحو الزواج أثر الطلقة إذا راجعها في العدة . وهذا ماأخذ به قانون الأحوال الشخصية المصري والسوري ، على أن يبقى للزوج حق طلاقها متى شاء لآنه صاحب الحق الأصلي في التطليق ، ومنحه المرأة حق تطليق نفسها منه إنما هو تفويض لايسلبه حقه الأصيل .
ولقد أباح الإسلام الطلاق على أنه ضرورة ملزمة في بعض الحالات ، وشرعه على أعظم الحكمة والمرؤة . وعليه قرن القرآن الكريم آيات الطلاق بالتنبيه على رعاية حدود الله التي شنها وخوّف من الظلم .
قال تعالى :"تلك حدود الله فلا تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه "/سورة البقرة :229 / .
وقال : "وتلك حدود الله يبيّنها لقوم يعلمون " /سورة البقرة : 230 / .
وقال :"وتلك حدود الله ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه "/ سورة الطلاق /.
وقال : "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" /سورة البقرة : 231 /.
وقال : "واعلموا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه" /سورة البقرة:235 /.
وفي الحديث الشريف نهي عن الطلاق وتحذير من الجري وراء الهوى كقوله ۖ "أبغض الحلال عند الله الطلاق "وقوله "لعن الله كل ذواق مطلاق"وقوله : "لعن الله الذواقين والذواقات" . وقوله : "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
هذا ماجاء به الإسلام إذ نظم الطلاق وقيده بقيود شداد ، فأقام الحياة الزوجية على دعائم وطيدة وأبطل ماجرى عليه العرب وغيرهم من نظم لاتصلح للبقاء وعدل بعضها بعضها تعديلاً يتفق ومصلحة الأسرة ، وابتكر نظماً جديدة تقلل دواعي الطلاق وتضيق إباحته وتخفف آثاره التي تترتب عليه إذا ماوقع .
الخلع :
من سماحة الإسلام ورحمته بالزوجة وإنصافاً لها ، أنه أفسح للمرأة أن تختلع من زوجها إذا كرهت منه أموراً لاتطيقها . وهذا الخلع هو المال الذي تقدمه الزوجة لزوجها ليطلقها ، أي تفدي نفسها بالمال أو بمنفعة تقدمها للزوج كإرضاع ولده أو حضانته دون أجر ، أو أي تعويض يتفقان عليه . ولا يراب الخلع إثماً على المرأة ولا على الرجل .
وقد إستدل العلماء على جواز الخلع بقوله تعالى :"فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، تلك حدود الله فلا تعتدوها" /سورة البقرة : 229 / .
وقد شكت إمرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله ۖ أنها لاتعتب على زوجها في خلق ولا دين ، ولكنها لاتطيقه بغضاً ، فقال لها النبي :"أتردين عليه حديقته؟ قالت نعم ، فقال الرسول لثابت :"إقبل الحديقة وطلقها تطليقة ، فردت عليه حديقته ، وفرق الرسول بينهما . وكان ذلك أول خلع في الإسلام .
ونرى عمر ابن الخطاب قد أخذ بمبدأ الخلع ، أشفق على إمرأة تشكو أمرها إلى الله وهي تطوف ، فبعث عمر إلى زوجها فوجده متغير الفم فطلب منه أن يطلقها أو يخالعها على مال ، فخالعها على مال وخلعها من عصمته لقاء خمسمئة درهم .
وقد جعل الإسلام حق المرأة في إفتداء نفسها مقابل حق الرجل في الطلاق ، فإذا كرهت المرأة معايشة زوجها كان لها الحق في طلب خلعها من عصمته ، وبذلك يتوازن حقها في طلب الخلع مع حقه في طلاقها إذا كره أحدهما الآخر .
الطلاق والخلع بأمر القاضي :
وإذا رفض الزوج خلع إمرأته رفعت أمرها إلى القاضي ، فإذا امتنع الصلح بينهما ، أمر القاضي أن تدفع المرأة إلى زوجها ماقبضت من مهر ، أو يقرر القاضي التعويض الذي ينبغي أن تدفعه إلى الزوج ؛ فإن لم يرض ألزمه القاضي بالقبول ويثبت واقعة الخلع ويكون الطلاق بائناً .
وهكذا فإن الإسلام قد رفع من شأن المرأة وأكسبها حقوقاً لم تكن لها ، ومن هذه الحقوق مايتصل بالطلاق والتطليق . إذ خول الإسلام الزوجة أن تختلع من زوجها كما سبق أن عرضنا ، كما أباح لها أن تشترط في العقد حقها في تطليق زوجها كما تقدم . كما خول الإسلام الزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها في حالات عدة منها :
1- أن تحل بشرط اشترطته في عقد الزواج ، على ألا يكون شرطاً يتعارض مع الحياة الزوجية القائمة على الإستمساك بالعشرة أو مخالفاً لحدود الله .
2- أن يؤذيها أذىً لاتستقيم معه العشرة ولا طاقة لها بالصبر عليه .
3- أن يكون قد خدعها أنه موسر ثم تتبين أنه معسر لايجد ماينفق عليها .
4- أن يكون به عيب شرعي ينافي الزوجية أو تغّيب عنها غيبة طويلة لسنة أو أكثر .
5- أن يمتنع عن الإنفاق عليها مع قدرته . أما إذا أعسر ولم يجد ماينفقه عليها ثم طالبته بالإنفاق أو طلبت الطلاق ، فقد اختلف الفقهاء على عدة أقوال :
أحدها يذهب إلى أن الزوج يجبر على الإنفاق أو الطلاق .
والثاني يرى أن يطلقها الحاكم بعد أن يؤجله شهراً أو نحوه ثم يطلقها طلقة رجعية ، فإذا أيسر له أن يراجعها .
والثالث يقضي بأن للزوجة الخيار ، فإن شاءت أقامت مع زوجها وتكون نفقته ديناً لها في ذمته ، وإن شاءت طالبت بالطلاق . أما إذا صبرت الزوجة ولم تطالب بالتفريق فلا شىء .
ويرى بعض الفقهاء أن المرأة تُكلف ان تنفق على نفسها وعلى زوجها إن كان معسراً وهي غنية /زاد المعاد : 4/218-225 /.
والذي يتبين من هذه الآراء وهذه المناقشات التي دارت بين العلماء أن الإعسار ليس السبب وحده في الطلاق وإنما هو تبرم بحال الزوج ورفض الزوجة العيش معه من مالها أو عملها أو كسبها ، أما إذا تعاونت معه وكسبت من عملها أو أنفقت من مالها فإن هذا خير له ولها .