نتج عن الحكم الثلاثي الذى يقوم به والي ضعيف وجند أتراك مقيمين فى مصر مهمتهم حفظ الأمن الخارجي والداخلي ومماليك مهمتهم ممارسة الحكم المحلي أن المماليك لم يكنوا ملزمين بتقديم تقارير عن أحوال البلاد التي يحكمونها إذ أن كل ما كان يهم الدولة العثمانية هو جمع الضرائب والمستحقات الميري وكان بيانها كالتالي:
1. ضريبة الخراج وتسمي المال الميري أو الميري فقط وهي مخصصة للسلطان. (لا تزال هناك حتي اليوم ضريبة على الأطيان الزراعية فى مصر يطلق عليها المال).
2. ضريبة الكشوفية وهي مخصصة للبيك أو الكاشف حاكم المديرية. (المحافظ بلغة اليوم).
3. الفائض أو فائض الإلتزام، وهو القدر من المال المتبقي بعد توريد كل من الضريبتين الأولتين، إذ أن الكشاف قد تحولوا إلى ملتزمين أمام الدولة، وهو ما يعني أنهم ملتزمون بتوريد قدر معين من المال عن الزمام الواقع تحت حكمهم بصرف النظر عن الظروف المحيطة بحالة الإقتصاد.. وكان هذا يعني أن الملتزم يمارس عملا يقترب من المقاولة إذ يجمع من المواطنين القدر الذى يراه هو مناسبا بدون قواعد مكتوبة أو واضحة، ثم يقوم بتوريد المطلوب للخزنة العامة ويحتفظ بالباقي حقا مكتسبا لنفسه. وفى سياق الزمان تحول هذا القدر المتبقي أو فائض الإلتزام إلى ضريبة منفصلة كان تبريرها هو أن مصاريف جمع الضريبتين الأولي والثانية هي مما يرهق الملتزم، الذى كان فى العادة مملوكا من البكوات فى مركز الكاشف، أي المحافظ.
وهذا النظام القاسي هو رجعة للوراء علي خط الزمن إذ أن خراج الأرض أو الضريبة كانت معروفة قدرا وموعدا منذ عهد الفرعون وهناك مخطوطات فرعونية تشير إلى أسباب للإعفاء أو التخفيف فى حالات فساد المحصول أو غرق القارب الذى يحمله أو سوء الأحوال الجوية أو خلاف ذلك من أسباب الإعفاء والتخفيف. أما فى ظل خلافة العثمانيين فالأمر كان متروكا للسلطة التقديرية للكاشف أو الحاكم المحلي الذى كان يدفع كثيرا من الرشاوي حتي يبقي فى منصبه الذى يعد مصدرا من مصادر تراكم الثروة فى يد الماليك. ولم يكن ذلك الكاشف فى معظم الحالات يرأف بحال الفلاحين بل كان يغالي فى تحصيل إلتزامه والإثراء حيث أنه لم تكن هناك رقابة عليهم. وأدي كل ذلك إلى هبوط الإنتاج الزراعي وهروب الفلاحين إلى المدن ليعملوا فى الحرف المتدنية، وهي الظاهرة التي لا نزال نعيشها حتي يومنا هذا.
وهكذا كانت سمة العصر العثماني المملوكي هي تحكم غير العارفين فى أرزاق العباد وسطوة الطماعين على الإقتصاد.
ورويدا رويدا تحولت القوة الحقيقية فى البلاد إلي يد المماليك الذين أصبح لهم القول والحول والطول. وهذا التحول له أسبابه التي عبر عنها الرافعي فى كتابه بعبارة بديعة وتحليل عميق..