Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

4- الدولة وسنينها

$
0
0

 
 
وقد كانت أوروبا كلها على شفا التحول للشيوعية أثناء الأزمة الإقتصادية الخانقة فى ثلاثينات القرن الماضى.. والأسلوب الذى كانت تتبعه الشيوعية فى ذلك الزمان كان واضحا وبسيطا يتكون من كلمتين لا ثالث لهما "هدم  الدولة"ويتم ذلك عن طريق العصيان الذى يبدأه العمال فى المؤسسات الإنتاجية فيصحو الناس على حقيقة عدم وجود خبز أو زبد أو جبن لكى بفطروا ويفطر أولادهم.. وبرد الفعل الطبيعى لشخص مذعور من شبح الجوع  ينزلون إلى الشارع متظاهرين متجمهرين بأعداد كبيرة فتعجز السلطة عن الدفاع عن المؤسسات الحيوية كالمصالح الحكومية ومخازن السلاح سواء كانت مملوكة للجيش أو للبوليس ويحتلون المصالح وهنا تبدا الثورة التى داعبت خيال كل من ماركس وإنجلز (كلاهما من الألمان) وطبقها لينين الذى سربته المخابرات العسكرية ( الألمانية أيضا ) فى قطار من منفاه فى سويسرا إلى روسيا أثناء الحرب الأولى بهدف زعزعة إستقرار روسيا التى كانت تقف ضد ألمانيا فى الحرب وقد نفذ ذلك المخطط باقتدار بالغ الكمال وبالفعل إنهارت الجبهة الروسية فى الشرق وخرجت روسيا باتفاقية بريست ليتوفسك مع ألمانيا فى مارس 1918 وتوقفت الاعمال العدائية بينهما وارتاحت ألمانيا من هم الجبهة الشرقية المنهكة  والمستهلكة لأى قوة مهما بلغ قدرها بفعل بعد المسافة وقسوة الطبيعة..
والذى يهمنا هنا هو ما حدث لروسيا بعد ذلك التفكك، وليس ما جرى للأطراف التى بقيت فى حالة حرب..
فقد دخلت روسيا فى حرب أهلية طاحنة بين البولشفيك والمانشفيك أى الجيش الأحمر والجيش الأبيض وتردت الأوضاع على الناس ووقعت مجاعة بسبب تلك الحرب وبسبب توقف الإنتاج وتمخض كل ذلك عن حكم دكتاتورى إستمر 70 عاما حتى انهار الإتحاد السوفيتى فى النهاية وعادت روسيا إلى علمها الأبيض والأحمر والأزرق وكأنك يا بو زيد ما غزيت..
وقد تكلف الإتحاد السوفيتى ملايين الأرواح بسبب هذه التطورات بالإضافة إلى  إلقائها لعشرات السنين إلى الخلف..
إلا أن هذه الدولة المفككة المتخلفة عندما كان هناك خطر يواجهها توحدت من جديد وقاومت بكل الطرق القذرة والنظيفة إلى أن برزت من الحرب العالمية الثانية قوة عظمى ولكن بشروط مجحفة بكل من كتبت عليه الأقدار أن يعيش على أرضها..
والمثال الآخر هو الصومال التى تفككت دولتها بطريقة أكيدة سافرة من بعد سنوات بلغت الخمس عشرة عاما من بعد خسارة حرب أوجادين ضد إثيوبيا عام 1977 وظلت حالة التفكك مستترة حتى عام 1991 عندما هرب محمد سياد برى من البلاد تاركا خلفه دولة كانت مرتبطة بشخصه ولما غاب هو غابت هى الأخرى عن الوجود وظلت غائبة حتى اليوم.. إنها إحدى الأمثلة الصارخة على الدول الفاشلة..
وحالة الصومال هى خير نموذج لعدم الإستقرار الذى إمتد فى الزمان فتعود الناس على غياب الدولة وصرف كل شخص أموره باعتبارها غائبة ولن تعود.. فلم تعد .. ولم يعد العالم يسمع عن الصومال إلا ما يدمى القلب ويكدر الروح..
والوضع فى مصر صحيح لا يزال أفضل منه عن الوضع فى الصومال إلا أن ذلك أولا لن يدوم طويلا وثانيا فهو بفعل تدخل قوى خارجية أهمها الولايات المتحدة وأوروبا اللذان لا يريدان شعبا من اللاجئين قوامه 85 مليون شخص !!!!
فمصر دولة ملاصقة لأوروبا عبر البحر المتوسط، وبها قناة السويس، ومجاورة لإسرائيل ومنها خرج الفكر الجهادى الأول الذى يرى العالم كله مسرحا لعمله وهذه كلها عوامل تجعل من التفكير فى تفكك الدولة فيها كابوسا يقض مضاجع كل الإستراتيجيين فى كافة الدول الغربية.. فكأنما لسان حالهم جميعا ينطق بعبارة: إلا مصر.. فانهيارها كارثة على الجميع شرقا وغربا.. وهذا هو ما يساند وجود الدولة فى مصر حتى الآن، وليس مجهودات أبنائها الذين نسوا كيفية بذل المجهود..
 
والخلاصة التى نخرج بها بعد كل هذا العرض هي:
- أن الدولة ضرورة لا غنى عنها، وقد ثبت خطأ نظر القائلين باقتصارها على أعمال الدفاع والأمن الداخلى والقضاء وعليها أن تقصر يدها عن التدخل فى الشئون الإقتصادية والإجتماعية، وهؤلاء فى الغرب من الذين قويت شوكتهم فى أعقاب إنتصار النظرية الرأسمالية على منازعها الرئيس خلال 70 عاما –النظرية الشيوعية- من عتاة الرأسماليين ورجال البنوك والصناعة كانوا هم أنفسهم أول من لجأ للدولة وقدرتها المادية لكى تنقذهم من مغبة طمعهم فى أثناء أزمة الديون العقارية عامى 2007 – 2008 فقامت الدول الراسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة بضخ مئات المليارات فى الإقتصاد حتى لا تفلس تلك البنوك الانانية الطماعة المفسدة وتغرق ومعها مدخرات الملايين من المواطنين.
- أن بناء الدول يحتاج لجهود جبارة لا قبل لأحد فى عالم اليوم بها، فالأمر ليس فقط تكلفة مادية ولكنها أهم من ذلك تكلفة بشرية واجتماعية لا يستطيع أى مجتمع اليوم أن يتحملها.. فمذبحة القلعة مثلا من المستحيل أن يقدر على تنفيذها شخص فى ظل الوعى الذى إنتشر وتحول العالم إلى قرية كبيرة كل من يعيش فيها يعرف ما يجرى على أرضها.. ورغم قسوة تلك المذبحة فقد خلصت مصر من حكم مملوكى دام حوالى 700 عام وكان حسابه الختامى سلبيا سواء على مستوى الإدارة أو الإقتصاد أو الإجتماع.. وقد كان حال المجتمع المصرى بعد التخلص من المماليك أفضل إقتصاديا وتعليميا وصحيا.
- أن حالة الفوضى يجب إنهاؤها فورا وإلا تحولت تلك الحالة إلى الاصل لتصبح بذلك حالة الإستقرار هى الإستثناء.. وهذا الخطر قد أثبتته كل من الصومال وأفغانستان، فهما مثالان لما لا يجب أن يكون
- أن الشعوب التى نجحت فى تحقيق رخاء وحرية لمواطنيها هى الشعوب التى لم تتعد على مبدأ وجود الدولة واحترام هذا المبدأ من الجميع مهما تعاظمت الخلافات السياسية والأيديولوجية، فالدولة فوق كل ذلك ويجب أن تبقى فى تلك المكانة
- أن إصلاح الخلل الموجود فى الدولة – وكل الدول بلا إستثناء بها خلل – لابد أن يتم من خلال عدم المساس بوجود الدولة قانونيا وماديا.
- أن مصر مهددة بالإنزلاق إلى أمثال تلك المصائر إن لم يتنبه المصريون – وليس الأمريكيون ولا الأوروبيون- إلى أن الوقت يسرقهم حتى لا يستيقظون يوما ليجدوا دولتهم قد تفككت
- أنه لا توجد وصفة سريعة للمجىء بالتغيير المطلوب بل أن ذلك يأتى عن طريق الصبر الطويل والعمل المستمر الغير متقطع بحروب وأزمات داخلية ونزاعات حول أمور تعد من التوافه مثل مرجعية الدولة وجنسية أم أحد المرشحين واختبارات العذرية وما شابه ذلك.. فالخطر الذى قد يتحقق أكبر كثيرا جدا من الضرر الذى وقع أو قد يقع من جراء تلك الأمور
- ضرورة تدريس المواد الإجتماعية فى المدارس بطريقة تخنلف جذريا عما هو موجود كما عرفه جيلنا والأجيال التى أعقبته.. فبدلا من الإتحاد الإشتراكى والكفاية والعدل والكلام الفارغ لابد من تعريف الطلبة من صغر سنهم بوقائع الحياة التنظيمية فى مصر من قضاء ونيابة وحقوق مدنية وفصل للسلطات حتى لا يشب جيل جديد مستعد لتقبل الدكتاتورية بسهولة
- أن الحسم أحينا كثيرة يكون هو السياسة الصحيحة وليس التساهل مع الجماعات الفوضوية التى تسعى إلى هدم كل شىء وصولا إلى اللاشىء، لمجرد الإحساس بقدرتها على إحداث تغيير، أى تغيير مهما كانت نتائجه.. والملحوظ أن أشد الدول حسما هى أكثرها ديموقراطية وحرية، فلا يحسبن أحد أن الحسم فى الأمور الحيوية يتعارض مع الحريات، بله فى الواقع يحميها ويحافظ عليها، والقانون هو ضامن البقاء داخل الإطار الصحيح من الطرفين
 
وبعد فهذه كانت عجالة عن الدولة ودورها وأهميتها ، وسنينها كما يقول الفلاحون فى مصر 
انتهت الملاحظات


Viewing all articles
Browse latest Browse all 560

Trending Articles