دستور جمهورية ألمانيا الإتحادية صدر فى مايو عام 1949 وكان المقصود به أن يكون دستورا مؤقتا للجزء الغربى من ألمانيا مع الأخذ فى الحسبان أن دستورا جديدا سوف يصاغ ويعمل به عندما تسمح الظروف بتوحيد شطرى المانيا فى دولة واحدة. وهذا التوحيد لم يتم إلا فى عام 1990. ومع ذلك فقد تغاضى الألمان بعد إتمام الوحدة عن كتابة دستور جديد للدولة الموحدة وتمت الوحدة بقبول الجزء الشرقى للدستور الغربى القائم كدستور للدولة الموحدة حيث أن الولايات الشرقية إنضمت للإتحاد الفيدرالى الغربى لأن الدستور ينص على الفيدرالية. ولا توجد حاليا نية لكتابة دستور جديد حيث أن الدستور الموجود يفى بالغرض كما أنه قد أثبت فى كثير من الأزمات أنه ناجح وذو جدوى وبالتالى فلا يوجد مبرر للتغيير.
تنص المادة 20 من دستور جمهورية ألمانيا الإتحادية على الآتى:
1- جمهورية ألمانيا الإتحادية هى جمهورية ديموقراطية إتحادية تقوم على التكافل الإجتماعى.
2- تصدر جميع سلطات الدولة عن الشعب. وتتم ممارسة هذه السلطات بواسطة أعضاء يتم إختيارهم خصيصا عن طريق الإنتخاب والإقتراع ويقومون بوضع القوانين وبتنفيذ الأحكام القضائية.
3- تلتزم عملية التشريع بالنظام الدستورى وتلتزم السلطة التنفيذية والأحكام القضائية بالحق والقانون.
4- يحق لكل الالمان أن يمارسوا المقاومة ضد كل من يحاول هدم هذا النظام وذلك فى حالة عدم إمكانية اللجوء لوسائل أخرى.
والفقرة الرابعة من المادة السابقة مقصود بها قطع الطريق على أى جهة أو أى نظام أو أى شخص (بنص عبارة "كل من" ) قد يجىء فى المستقبل ويحاول تقويض أركان النظام المبين فى الفقرات الثلاثة السابقة. وهذه الفقرة كما هو واضح تعطى كل الالمان الحق فى مقاومته، بشرط عدم إمكانية اللجوء للوسائل الأخرى. أى أن حكومة منتخبة وحاصلة على تفويض من الشعب لا يحق لها إتخاذ تدابير أو إجراءات من شأنها تغيير الأساس الدستورى والقانونى للبلاد والمنصوص عليه فى الفقرات الثلاثة الأولى، أى الإلتزام بالديموقراطية والفيدرالية والتكافل الإجتماعى والإنتخاب والإقتراع واحترام قواعد الدستور عند وضع القوانين من جانب السلطة التشريعية والإلتزام بالقوانين والحفاظ على الحقوق عند ممارسة كل من السلطة التنفيذية والقضائية لعملها. وفى حالة قيام تلك الحكومة بخرق تلك الشروط – رغم أنها منتخبة وشرعية – تصبح مقاومتها من جانب الالمان هى أيضا عمل شرعى دستورى أى أنه يخرج أعمال مقاومة سلطة تلك الحكومة فى هذه الحالة من نطاق قانون العقوبات.
وأظن أن الباعث على وضع هذه المادة فى الدستور كان هو التحرز من عودة شبح النازية إلى ألمانيا عقب كل ما تسببت فيه هذه الحركة من أضرار للبلاد والعباد خلال 12 عاما فقط كانت تمسك فيها بدفة الأمور. إذ أن السلطة التنفيذية فور تولى الحزب النازى الحكم عام 1933 كانت قد حصلت من البرلمان على تمكين لإصدار قوانين دون الرجوع للبرلمان ودون الإلتزام بأحكام الدستور. وهذا بالضبط هو الجديد فى هذه المادة، أنها تمنع بشكل واضح قيام أى حركة سياسية أو شعبية تهدف إلى هدم أو تغيير الأساس القانونى الموضح فى الفقرات الثلاثة الأولى. أى أنها تشجع المقاومة الشعبية ضد حكومة قد يتم إنتخابها ولها هذا الإتجاه.
ومن يعيش فى ألمانيا يعرف جيدا معنى هذه الفقرة. فالألمان يحترمون بشدة هيبة الدولة وينبذون العنف ولا يتدخلون فى حياة الآخرين. ومن يعيش فى ألمانيا يعرف جيدا أنه يفقد كل حقوقه ويتحول فورا إلى مذنب لو أنه بادر باستعمال القوة فى أى نزاع، حتى ولو كان هو صاحب الحق الواضح. فاستعمال القوة الذاتية ممنوع إلا فقط فى أحوال الدفاع المشروع عن النفس وبشرط صد الهجوم فقط وليس ممارسة الهجوم المضاد وبشرط التناسب بين قدر القوة المستعملة فى الهجوم وقدر القوة المستعملة فى الدفاع.
وكون المشرع الدستورى الالمانى يقرر إعطاء حق المقاومة للشعب فى حالة تواجد حكم قائم على أسس تختلف عن الأسس المنصوص عليها فى الفقرات الثلاثة المذكورة هو أمر يعرض الأهمية الكبرى التى يوليها هذا المشرع لقيم الديموقراطية والتعددية والإنتخاب والإقتراع واحترام القانون والحقوق وأيضا منع الحركات الفاشية الهادفة إلى تقويض أركان هذا النظام.
وهنا لابد من ملاحظة أن حق المقاومة هذا قد جاء ذكره بصفة عامة وغير محددة وذلك حرصا على أهمية القيم التى تجرى المقاومة دفاعا عنها، أى أن هذا الحق يشمل أيضا المقاومة المسلحة، كل ذلك بفرض أن الطرق الأخرى جميعا قد أضحت غير ممكنة، وهو فرض هام جدا ولابد من إثبات تحققه حينما يقف المقاوم أمام القضاء بعد هدوء الأحوال وذلك حتى لا يفتح هذا النص الدستورى بابا لوقوع فوضى.
وطريقة تعديل الدستور ورد النص عليها فى المادة رقم 79 من نفس الدستور ويلزمه ثلثا الأصوات فى البرلمان بمجلسيه، أى أن كل مجلس لابد أن يصوت منفردا ويحصل التعديل على ثلثى أصواته حيث أن الإقتراع هو وسيلة دستورية كما يتضح من نص الفقرة الثانية من المادة السابقة. كما أنه يجب أن يكون النص الجديد دالا فى لفظه على مفهوم التعديل بحيث يقال تعدل مادة كذا إلى كذا وكذا. وهناك مواد لا يطالها الإلغاء أو التعديل وإلا سقط الدستور كله وهما المادتان الأولى (كرامة الإنسان لا تمس وحمايتها واجب أساسى من واجبات كل سلطات الدولة) بالإضافة إلى هذه المادة رقم 20 والتى تحدد نطاق حركة أجهزة الدولة المختلفة وكذلك تنظم حق المقاومة كما رأينا. أى أن حق المقاومة هو أيضا لا يمس بالتعديل. ولا توجد فى الدستور إستثناءات أخرى خلاف هاتين المادتين رقم 1 ورقم 20.
وهذا النص بهذه الطريقة ينظر إليه فى ألمانيا على أنه ضمانة للمواطنين بأنهم مسئولون عن حماية أنفسهم ضد الدكتاتورية أو أى ظاهرة إجتماعية أو سياسية تتعارض مع المبادىء التى وردت فى الفقرات الثلاثة الأولى، وبالطبع فالضمانة الثانية للمجتمع ضد الفوضى (أو ما نطلق عليه بالعربية الفتنة) هى إنسداد كل الطرق الأخرى كما سلف البيان.