Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

غطرسة إسرائيلية (5)

$
0
0

أظن أن أهم دور كان لهذه الوثيقة هو تعريف الولايات المتحدة أن الرئيس السادات يسعي لحل سلمي سريع فى هذا الجيل ولا يريد إنتظار الأجيال القادمة لتقوم هي بحل النزاع مع إسرائيل. وكان هذا فى المرحلة الأولى من اللقاءات مع حافظ إسماعيل. ثم عندما حل موعد المرحلة الثانية بقيام المعارك كان دور هذه الإتصالات هو تعريف الولايات المتحدة أن عليكم كبح جماح إسرائيل حتى لا ينفلت الأمر حيث أننا لا نريدها حربا شاملة بل نريدها حربا محدودة ليس فيها "تعميق ولا توسيع لنطاق المعارك داخل سيناء"وهو نفس النص الذى أرسله حافظ إسماعيل للأمريكيين وقام بصياغته المستشار بالخارجية وقتها أحمد ماهر، الذى أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية. وهذه الرسالة الواضحة تقول للولايات المتحدة نحن لن نزيد الموقف إشتعالا ولكننا نريد تحريكه حتى لا تقولوا عنه أنه حصان ميت بعد أن تنتهي العمليات وبذلك عليكم أنتم أن تدفعوا إسرائيل إلى تقديم التنازلات المطلوبة للسلام. (كانت كلمة تنازلات هي نفسها التي إستعملها الرئيس نيكسون فى إجتماع مجلس الأمن القومي فى صدد بحث أزمة البترول التي نتجت عن حرب الشرق الأوسط، إذ أن المسجل عنه كتابة وصوتا أنه قال علينا أن نضغط على أصدقائنا الإسرائيليين حتي يقدموا تنازلات "مؤلمة")..

والرئيس السادات هو من جيل حضر المراحل الأولى من الحرب العالمية الثانية ثم شهد كضابط صغير الإنقلاب الذى وقع في موازينها بدخول الولايات المتحدة الحرب وكيف أنها كانت تحارب وتمول فى نفس الوقت وتنجح فى كل مرة فى فرض شروطها على كل من الإتحاد السوفيتي وبريطانيا وكيف أنها خرجت من الحرب بأقل الخسائر وأعظم المكاسب. كما أنه كأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة قد عاصر بالصوت والصورة والقرب اللصيق أيام الإعتداء الثلاثي على مصر وكيف أن التهديد الأمريكي للدول المعتدية كان هو العامل المؤثر الوحيد على الدول المغيرة على مصر وأنها رضخت للإرادة الأمريكية فى بحر أيام قليلة وأعلنت عن عزمها على الإنسحاب.

وهو أيضا – الرئيس السادات – عرف كضابط شاب أن الإتحاد السوفيتى لن يجازف بأى عمل عسكري ضد الولايات المتحدة لصالح أي بلد آخر، فقد أحجم عن التدخل فى كوريا من الأصل ولم يقم إلا بدور المورد للسلاح، رغم أنه كان خارجا من الحرب العالمية الثانية بأقوي جيش تقليدي فى العالم وقتها. وستالين يعد أكثر الرؤساء السوفيت عدوانية فقد هجم الإتحاد السوفيتي فى عهده عدة مرات كثيرة على بلاد متعددة ولكنه عندما أحس أن الأمر قد يتطور إلى حرب ضد الولايات المتحدة لم يتهور..

وفى عصر ما بعد ستالين شهد العالم المشادة شبه النووية بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي وفى النهاية رضخ الإتحاد السوفيتي وسحب صواريخه من كوبا وكسبت الولايات المتحدة التي تتمتع بعبقرية دعائية كبيرة نصرا هائلا مع أنها إضطرت أيضا إلى سحب صواريخها الذرية من تركيا، إلا أن ذلك تم فى السر وبناءا على شرط وضعته أمريكا فى بنود الإتفاق لتسوية الأزمة..

والآن هاهو قد أصبح رئيسا فى وضع المسئولية وقائدا لعملية عسكرية كان يريدها محدودة وكانت إسرائيل تريد التوسع فيها لكي ينتهي أمر العناد العربيإلى الأبد..

ولكن..  


المهرة وسقطرى يقولون للسعودية (بالمهرية) "نحوم كضرموت لا"

$
0
0

بعبارة "نحوم كضرموت لا"باللغة المهرية الأصيلة التي لايتحدثها سوى المهريين والسقطريين رد أبناء المهرة على قرار لجنة الأقاليم الذي ضم المهرة إلى سقطرى بتلك العبارة التي تعني بالعربية "نرفض الانضمام إلى إقليم حضرموت". 
وعلى الرغم من أن لاءات أبناء المهرة وسقطرى تتصاعد يوما بعد آخر إلا أن الجهات الرسمية لاتزال تتجاهل تلك المطالب التي يعتبرها أبناء المهرة خيار لا رجعة عنه مهما كانت الوسائل حتى لو تطلب الأمر إغلاق المنافذ مع حضرموت وفرض الإقليم بحكم الأمر الواقع بقرار شعبي وليس سياسيا إلى التفاصيل:

ليس غريبا أن تجد علم الجمهورية اليمنية يرفرف في سماء الغيضة وإلى جانبه علم إقليم المهرة الذي رفع بقرار شعبي وما يزال ينتظر قرارا سياسيا حتى الآن، وجود علم الجمهورية في الغيضة يحمل أكثر من دلالة في ظل إسقاطه في مختلف المحافظات الجنوبية باستثناء المهرة الوحدوية أرضا وإنساناً إلا أن صناع القرار في صنعاء تجاهلوا التأييد الشعبي الكبير لإقليم المهرة والخلافات الكبرى بين المهرة وسقطرى وحضرموت فالمهرة البلدة الطيبة ماتزال خارج الحسابات حتى الآن كما يبدو.


نـافـذي صنعاء

حاولنا معرفة ما إذا كانت أيادي عتاولة النهب الطولي قد وصلت إلى المهرة التي تمتلك مئات التباب المطلة على ساحل بحر العرب فسألنا عددا من أبناء المهرة عن ملف نهب الأراضي فقيل لنا إن مدير المساحة والأراضي من أبناء المهرة ولا توجد مشاكل في هذا الجانب بل إن كل الناس يلتزمون بحقوقهم ويحترمون حقوق الغير على الرغم من وصول أسعار الأراضي في الغيضة عاصمة المهرة إلى 300 الف ريال سعودي.
وأكدوا أن أيادي النهب التي طالت أراضي
عدن ومحافظات جنوبية أخرى لم تطل أراضي المحافظة، إلا أن المهرة لم تسلم من عبث النافذين الذين كما يبدو أنهم اكتفوا بنهب ثروات البحر.
فعدد من شركات الصيد الآلي التابعة لشركات متعددة عربية وأجنبية أوقفت في سواحل المهرة التي تتجاوز ال 330 كيلو من قبل الصيادين المحليين الذين أوقفوا عددا من تلك السفن الجارفة وأجبروا أخرى على الفرار من سواحلهم وعدم العودة إلى الاصطياد منها، أحد أبناء المهرة الذي يعمل صيادا كشف لنا عن سفن القبض على سفن جرف آلية كانت تحمل تراخيص باسم نافذي صنعاء للاصطياد في مناطق صحراوية وأشار إلى أن إحدى السفن ألقي القبض عليها أثناء ممارستها الصيد الآلي في شواطئ الغيضة وتبين أنها تحمل ترخيصا للاصطياد في الشحن البري.


المهريون وحضرموت

أثناء عودتنا براً من الغيضة إلى  المكلا أقلنا سائق من أبناء المهرة وفي الطريق كشف السائق المهري الذي أقلنا إلى مطار الريان في المكلا عن الكثير من المضايقات التي يتعرض لها أبناء المهرة في حضرموت، فالسائق الذي شعرنا في بداية الأمر أنه يريد إسقاط خلافة مع سائقي الأجرة الحضارم المتحكمين بفرزة نقل الركاب في الشحر بين لنا أشياء أخرى وانتقل من نقل قضيته الشخصية والصراع على الركاب في الفرزة في المكلا إلى القضية العامة التي كانت جزءا من رفض المهريين الانضمام مع الحضارم في إطار إقليم حضرموت، وبعد أن سرد علينا قصته مع جواز السفر الذي ذهب إلى فرع المصلحة في المكلا لقطعة فقوبل طلبه برفض قاطع كونه من المهرة وجوازات حضرموت لا تمنح أبناء المهرة أي جواز سفر وطلبت منه العودة إلى المهرة إلى البطاقة الشخصية التي يتم التعامل بموجبها وكأن حضرموت دولة والمهرة دولة أخرى ومن حصل على بطاقة شخصية إصدارها من حضرموت أصبح يحمل الجنسية الحضرمية والعكس.

وأشار إلى أن هناك ممارسات ممنهجة من قبل مسئولي حضرموت لالتهام المهرة وأراضيها وطمس تاريخها.
واعتبر ما تقوم به حضرموت من توغل في الأراضي المهرية لا يقل خطورة عن توغل السعودية في الأراضي اليمنية، مشيرا الى ان حضرموت سعت الى سلخ عدد من المناطق المهرية الى نطاقها الجغرافي خلال العقود الماضية ومنها المسيلة النفطية كما سعت الى منح المئات من أبناء المهرة بطائق شخصية تمهيداً لضم أراضيهم الى حضرموت.
وأثناء اقترابنا من الحدود بين محافظتي المهرة وحضرموت كان السائق حريصا على إبلاغنا بأننا دخلنا حدود حضرموت وطالبنا أن لا نصوب عدسات الكيمرات تجاه أية نقطة هناك لأن الرد ربما يكون بالضرب المباشر مؤكدا بأن النقاط العسكرية لديها أوامر بضرب النار فورا ، وهو ما لاحظناه في عدد من النقاط العسكرية الممتدة من منطقة المصنيعة إلى القرب من مطار الريان، وكانت المفاجأة أن مدينة الريدة الشرقية أول مدينة حضرمية استقبلناها على الطريق العام تمتلك مقومات بنية تحتية أكبر مما تمتلكه عاصمة المهرة
 الغيضة، فشوارع الريدة تماثل شارع الستين بالعاصمة بل أكثر منه تنظيما كما إن كافة شوارعها وأزقتها مزفلته وعلى نفس المظهر كانت المدن الأخرى ومنها الشحر التي تصول وتجول فيها الجماعات المسلحة ولا تجد فيها علم للجمهورية اليمنية حتى في أسطح المباني الحكومية رفع علم الجنوب سابقاً وأسقط علم الوحدة .


القاعدة والمهرة.

حاولنا معرفة أي وجود لتنظيم القاعدة في المهرة فقيل لنا إن المهرة المحافظة الوحيدة التي لم تطلها القاعدة ولا الجماعات المسلحة ولا حتى الحراك الجنوبي الذي يتواجد رمزيا في مدينة الغيضة. وعزا عدد كبير من أبناء المهرة ذلك إلى الحس الأمني الكبير الذي تتمتع به القبيلة المهرية التي لا تقبل غريبا دون معرفة أسباب قدومه وتراقب تحركاته ولا تحمي قاتلا أو مخربا بل تتعاون القبائل للقبض على الجناة حتى وإن كانوا من أبنائها وفق عرفها.
حدود 67 م
يقترن حديث أبناء المهرة عن إقليمهم بالحديث عن حدود 1967م ووفق حديثهم فإن الإقليم دون الحدود السابقة للإقليم الحالي، أي حدود السلطنة المهرية السابقة التي يرفع الآن في المهرة علمها كعلم للإقليم المطلوب إقراره من قبل رئيس الجمهورية وفق اتجاه المهريين بمختلف شرائحهم.

سلطان المهرة عبدالله بن عيسى آل عفرار في لقاء بالقطاع النسوي للمجلس العام الذي يرأسه تطرق في كلمة لم تخلُ من الحماس إلى أراضي المهرة المنهوبة من قبل حضرموت والسعودية وسلطنة عمان، وخلال كلمته أشار بالاتهام إلى وقوف رجال المال والأعمال الحضارم الذي قال إنهم يمتلكون طائرات خاصة وراء إجهاض حق أبناء المهرة وسقطرى في إقليمهم المستقل على كامل تراب الإقليم.

عدد ممن التقيناهم من مشايخ المهرة اتهموا حضرموت بالسعي إلى الاستحواذ على أجزاء كبيرة من أراضي المهرة التاريخية ومنها مديرية ثمود ورماة الصحراوية المهرية الأصل والتي أصبحت اليوم تتبع محافظة حضرموت بالإضافة إلى أودية سحيقة مليئة بالثروات النفطية والمعدني بالإضافة إلى المصينعة الساحلية، وأكدوا أن حضرموت لم يكن لها أي حدود مع السعودية، وبعد استحواذها على أراضي المهرة أصبحت تحادد السعودية ، وأشاروا إلى أن منطقة خراخير وعروق الشيبة وعروق بن حمودة أراضي مهرية إلا أن حضرموتضمتها إلى أراضيها عندما تم ترسيم الحدود بين اليمن والسعودية، ومن خلال حديثهم يتهمون ما يسمونه بالعكبري، وهو، كما قالوا، مسئول في الإدارة المحلية، تجاهل مطالب أبناء المهرة وضم الأراضي المهرية إلى خريطة حضرموت. وعلى الرغم من توجيه الرئيس السابق علي عبدالله صالح بتعديل الخارطة إلا أن المسئول في وزارة الإدارة المحلية لم ينفذها واستجاب لضغوطات مسئولين حضارم في الدولة .


النفط في المهرة

يتحدث المهريون عن ثروات هائلة من النفط في المهرة، ويؤكدون أن أول شركة نفطية دخلت المهرة والتقت بالسلطان عيسى بن عفرار هي شركة ارامكو عام 1955م وكانت تعتزم العمل في الاستكشافات النفطية في المهرة، بالإضافة إلى شركة أخرى دخلت للعمل في المجال النفطي في ستينات القرن الماضي.
وعلى الرغم من تأكيدهم وجود نفط ومعادن في المهرة إلا أن تداول المسئولين الحضارم عن وزارة النفط اليمنية منذ قيام الوحدة كان سبباً لعدم دخول أية شركة نفطية المهرة، ويعتبرون ذلك امتداداً للنهج الذي دأب عليه نافذو حضرموت في السلطة والمعارضة، ووفق حديثهم فإن ممثلي حضرموت في السلطة والمعارضة كانوا يختلفون في أشياء كثيرة ويتفقون على تشديد القبضة على المهرة وإخضاعها لحضرموت
.


التعليم في المهرة

أثناء زيارتي لكلية التربية في الغيضة التابعة لجامعة حضرموت، علمت بأن حالة من عدم الرضا في أوساط الطلاب عن وضع الجامعة وأن الكلية تشهد حالة من عدم الاستقرار.

حاولت معرفة الأسباب فقيل لي إن مطالبهم تتمثل في توسيع تخصصات الكلية أو تحويلها إلى جامعة أسوة بباقي المحافظات التي أعلن فيها جامعات مستقلة.

وأثناء لقائي بعشرات الطلاب والطالبات قيل لي إن التعليم في الكلية إجباري ولا مجال لأي تخصص غير تخصصات الكلية النظرية الأربعة، الفيزياء والرياضيات والقران الكريم واللغة العربية.
بينما عدد 500 طالب منهم 300 طالبة الكثير منهم لا يرغب في الدراسة في التخصصات المعتمدة، وأثناء نقاشي مع عدد من الطالبات الدارسات في الكلية حول ميولهن للتعليم والتخصص أكدن بأن المهرة بعد خمسين عاما من الثورة لم تمتلك طبيبة من بناتها تستطيع خدمة مجتمعها المحلي ولا مهندسة، وأكدت عدد من الطالبات بأنهن لا يرغبن في دراسة الرياضيات ولكن أجبرتهن الظروف وعدم وجود بدائل أخرى للتعليم الجامعي، على الدخول في قسم الرياضيات، وأكدن أن طموحهن في التعليم كان في أن يصبحن طبيبات ومهندسات ومبرمجات.

واعتبرن غياب التخصصات العلمية في كلية المهرة أحد أكبر العوائق التي تقف حجرة عثرة أمام خريجي وخريجات الثانوية العامة في المهرة.

أحمد محسن بلحاف رئيس اتحاد الطلاب في الكلية قال ل(لوسط) إن عدم وجود كليات الطب والهندسة تلبي تطلعات الطلاب أجهض العملية التعليمية، وطالب وزارة التعليم العالي والحكومة الالتفات إلى وضع التعليم في المهرة، وقال إن هناك بعض المقاعد الموجودة في الجامعات الحكومية، إلا أن الأوضاع الاقتصادية للطلاب حالت دون دراسة الكثير من الطلاب المستحقين للمنح الداخلية.


المهرة جوهرة منسية

تمتلك المهرة سمات متنوعة ومتعددة قلما تجدها في محافظة أخرى، فالمحافظة الواعدة لاتزال بكرا حتى الآن في كل شيء، فثرواتها لاتزال كامنة تحت الأرض وطبيعتها الخلابة لاتزال محتفظة بجمالها وشواطئها الفسيحة تنتظر من يعرف قدرها ومن يصنع منها معالم سياحية قد تبهر العالم أجمع حال توظيف جمالها التوظيف الأمثل سياحياً.

فالفرص الاستثمارية السياحية التي تتميز بها المهرة تتنوع من السياحة التاريخية إلى السياحة الصحراوية إلى السياحة البيئية في محمية حوف وكذلك السياحة البحرية، وما يزيد السياحة جذباً في المهرة هو مناخها وتضاريها وطيبة أهلها والأمن والاستقرار الذي تتمتع به دون غيرها من محافظات الجنوب، ولكن المحافظة الساحرة بشواطئها ورمالها ووديانها تناسها الجميع، دولة وقطاع خاص، ولو كانت في غير اليمن لتحولت إلى قبلة للسياحة في العالم العربي كما هو حال مدينة صلالة العمانية التي تحولت إلى مصيف لدول الخليج وتستقطب مئات الآلاف من السياح العرب والأجانب سنويا بل إن عائدات السياحة من صلالة العمانية التي لا تمتلك 50% من مقومات السياحة في المهرة أصبحت من أهم موارد الدخل لسلطنة عمان.


مجتمع مضياف

في مساء من مساءات الغيضة الهادئة استقدمنا شيخ مسن إلى منزله لتناول وجبة العشاء وتناول أطراف الحديث عن المهرة وأوضاعها، وحال وصولنا إلى منزله، الواقع في منطقة اسمها قطر، برفقة عدد من الزملاء الصحفيين وجدنا أصالة القبيلة المهرية وحضارتها، فالشيخ المسن عاملنا كأبناء وقص علينا الكثير من قصص معاناة المواطن المهري بسبب التهميش والاقصاء والتبعية، وكان بوده أن يستضيفنا لثلاثة أيام وفق العادات والتقاليد ولكنه تفهم ارتباطنا وحملنا رسالة وحيدة أن ما يقوم به السلطان بن عفرار هو السبيل الوحيد الذي لا يمكن التراجع عنه: إقليم مستقل دون إلحاق.
خيارنا سيحقق بكافة الوسائل

أحمد سعيد أحمد عفرار، في مديرية حات، عبر عن رفضه رفضا تاما لقرار لجنة الأقاليم، وقال: نحن أجمعنا على الإقليم من قبل إعلان الأقاليم إذا كان ما يلبون طلبنا ويأخذوا بخيارنا السلمي.. مؤكدا بأن أبناء المهرة وسقطرى سيسعون إلى تحقيق مطلبهم بكافة الوسائل.

على أحمد سليمان، من أبناء أبناء المهرة أكد أن تحديد لجنة الأقاليم تسعى إلى طمس هوياتهم، وقال مطلبنا هو إقليم أكان في الدولة الاتحادية أو غيرها فنحن تحت ظل دولة والدولة هي الأم، وقال مطلبنا صريح وواضح: نرفض طمس هويتنا بضمنا مع حضرموت.

محمد سالم المهري قال: من عام 67 لم يعملوا لنا شيئا من صحة ومن تعليم، وقال أنا اغتربت 40 سنة، وقال نحن أبناء المهرة كان لنا دولة نحد السعودية وعمان، وكنا نذهب إلى الخليج بورقة ولايزال احترام المهرة من احترام ماضيها، وقال مطلبنا إقليم حتى لا يستمر التهميش ويعطونا نسبا ضئيلة.

الولايات المتحدة الأميركية إلى أين؟

$
0
0

 الولايات المتحدة الأميركية  إلى أين؟

وكأن الرئيس الأميركي أوباما  يسعى كي لا يدخل التاريخ كرئيس تشظت بلاده في عهده.  وربما يعي جيداً حجم المرض العضال الذي يعصف ببلاده, فهو يسعى جاهداً أن تمر ولايته الرئاسية بأمان, ويسلم دفة القيادة لرئيس آخر ليكون هو من  سيتحمل  وزر تشظي  بلاده.  و مما يقال أن المشاكل والامراض  التي تعاني منها بلاده لا دواء لها. وهذا بعض منها:

·      

فالصراع حامي الوطيس وعلى أشده بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فالجمهوريين مقتنعين بأن الحروب الغبية التي شنها جورج wبوش لا غنى عنها  ولا مفر منها, وهي من ستجبر العالم على رص صفوفه لمنع انتحار الولايات المتحدة, لأن انتحارها  يقوض الأمن والسلام العالمي. والديمقراطيين مقتنعين بأن إشعال الحروب والفتن في العالم بالوكالة, وبدون تورط بلادهم فيها هو الحل  الأمثل لإجبار العالم على الانصياع لمطالب وشروط الولايات المتحدة لضمان السلام والاستقرار العالمي.

·      

والخلافات التي لم تكن معهودة  بين النخبة الأميركية, أتخذت طابع عدائي وعدواني, وحطم كل الحدود الدبلوماسية والأخلاقية.  فوزير الدفاع السابق  دونالد رامسفيلد, دفعه غضبه ليقول في مقابلة مع شبكة فوكس: بوسع قرد مدرب أن ينجز الاتفاق الأمني مع أفغانستان, وهذا الأمر لا يتطلب عبقرية, وقد أسأنا التصرف في هذه العلاقة.  وهذا الكلام العدواني المشبع بالكراهية أثار حفيظة المشاهدين ,الذين ربطه بعضهم بالعنصرية التي يكنه رامسفيلد لذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة الأميركية ومنهم باراك أوباما. وعرضه لهجوم الأكثرية عبر تذكيره بالقضايا  التي واجهته خلال فترة توليه منصبه الوزاري, مما ما دفع  بمساعده كيث أوربان للظهور على شبكة  CNN,  لنفي أن تكون تصريحات  رامسفيلد موجهة ضد الرئيس أوباما شخصياً، خاصة بعد الضجة التي أثارها التشبيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال أوربان:إن رامسفيلد استخدم هذا التعبير دون أن يقصد إساءة محددة. وأن رامسفيلد يشعر بالأسى بسبب ضعف الإدارة السياسية, وهو ما انعكس على تصريحاته. وتابع أوربان القول:فالفشل أمام روسيا, والعجز عن إنجاز اتفاقية أمنية مع  أفغانستان دفع بالرئيس الأفغاني  حميد كرزاي إلى نقطة لم يعد يرغب معها بالتحدث إلى الدبلوماسيين الأمريكيين, والإخفاق التام في التعامل مع الملفات السورية والإيرانية, جعل سمة  هذه الادارة  الفشل والإخفاق المتلاحق.

·      

واستخفاف الولايات المتحدة الأميركية بأزمتها الاقتصادية. يثير الغرابة والعجب. فهي تبدو غير معنية بأوضاعها الاقتصادية, قدر اهتمامها بأوضاعها العسكرية. وبما تشعر أنه ثقلها المعنوي في العالم. وباتت تنظر لحلفائها ولِمُدِينها, على ان أرصدتهم في بنوكها, وديونهم عليها ثمن عليهم أن يدفعوه لينعموا بالدعم الاميركي العسكري. وأن  حل مشكلة ديونها للحكومة وللشركات الصينية العملاقة , قد  يجبرها على خوض حرب مع الصين في  المحيط الهندي وجنوب المحيط الهادي وأقصى الشرق.

·      

وأنه منذ 6أعوام فإن  نحو نصف السكان الاميركيين يعيشون إما في حالة جمود اقتصادي او حالة تراجع معيشي. كما أن نحو نصف الاميركيين اصبحوا يفتقرون الى النقود السائلة. وبول كريغ روبرتس  نشر بحثاـً  بعنوان كيف قتل اقتصاديونا وصانعو سياساتنا اقتصادنا. وكشف فيه كيف ان المؤسسات الاميركية ترسل رؤوس اموالها، الى ما وراء البحار، ما يعني ان الدخل والقاعدة الضريبية وفرص العمل التي ترتبط بالوظائف انما تذهب الى الخارج. وأنه عندما سمح للبنوك بأن تصبح مستقلة عن تقلبات السوق فقد جعلوا منها عبئاً على الاقتصاد. والاقتصادي الاميركي اندريه دامون حذر من احتمال ان تواجه الولايات المتحدة في المستقبل القريب جموداً اقتصادياً, ونسبة عالية من البطالة. ففي أميركا اليوم عشرة ملايين عاطل بعدما كان العدد 6,8 مليون في العام 2007م. وان 3,6 مليون أميركي انتقلوا الى حالة البطالة منذ 30 اسبوعاً. وهذا الرقم يزيد ثلاث مرات عما كان عليه في عام 2006م.  وهذا معناه أن واشنطن  تحمل حلفائها مسؤولية تعويضها عما أصابها من ضرر.

·      

والظهور الجديد لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، أمام المؤتمر السنوي للحزب الجمهوري في ولاية كاليفورنيا. فالسيدة رايس وجهت انتقادات قاسية إلى سياسة الرئيس باراك أوباما الخارجية ومحاولاته تقليص حجم الجيش الأميركي،  حيث قالت: الحزب الجمهوري يحتاج إلى بعض أعمال الترميم. والولايات المتحدة الأمريكية برمتها بحاجة لترميم مماثل. ومن الضروري إعادة الاعتبار لقيم الفرد في المجتمع الأمريكي,  وتقليص دور الدولة. والاستفادة من التجارب الخاصة بـالإبداع والاختراع في معقل التكنولوجيا الأمريكية بـسيليكون فالي. وعلينا أن نستمر بأن نكون دولة يطمح الجميع إلى العيش فيها وتحقيق حلمهم, وأن نتمكن من استقبالهم وفقا لقانوننا، وكذلك وفقا لقيمنا. وإنه من الضروري على الأمريكيين أن يتذكروا من أحداث أوكرانيا قيمهم الخاصة بالثورة والحرية. وعلينا مواصلة رفع الصوت للدفاع عن أولئك الذين يريدون أن يتمتعوا بحريات مشابهة للحريات التي نتمتع بها. وذكرت الحضور  بما سبق للرئيس رونالد ريغان الدعوة إليه, والذي كان يصفه بـالسلام عبر القوة. وانتقدت السياسة الخارجية الحالية بالقول:لا يمكننا الحفاظ على سياسة خارجية نشيطة دون وجود جيش قوي. فالفراغ الذي نتركه سيستغله أمثال بشار الأسد، الذي يمزق الشرق الأوسط اليوم، وكذلك أمثال الإرهابيين في العراق وسوريا، حيث يولد تنظيم القاعدة من جديد، والرئيس الروسي بوتين. وهذا العالم لن يكون مناسباً لقيمنا ومصالحنا، ولذلك يترتب على أمريكا واجب القيادة.   وهذا الظهور  أعتبره البعض كأنه تمهيد لطرح اسمها كمرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة.

·      

ومحاولات المهزومون في حرب فيتنام من ضباط الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض دور أي رئيس أو إدارة يعزفان عن خوض الحروب من جديد. وبعض هؤلاء  المهزومين فشل في الفوز بانتخابات الرئاسة الأميركية, إلا أنهم يصرون على إشعال الحروب. ومن هؤلاء الضباط السابقين جون ماكين ودونالد رامسفيلد وجون كيري.

·      

وأن ثمة حالة من التشاؤم تسود أوساط القوى العاملة الاميركية في السنوات الاخيرة. ويزيد من شعور العمال الاميركيين بالخوف من احتمالات زيادة أعداد العاطلين, وهذا الشعور عام, لأن الولايات المتحدة بنظرهم تتراجع بكل المقاييس الدالة على النمو الاقتصادي والمنافسة الخارجية. وأنه لكي تعيد الولايات المتحدة سيطرتها على العالم وعلى بعض الدول من جديد, عليها المنافسة في مجالات التكنولوجيا، خاصة تلك التي تتصل بالنواحي العسكرية, وشن الحروب وتدبير الانقلابات العسكرية.

·      

والتركيز اليومي من قبل وسائط الاعلام وبعض وسائط الاعلام العربي والغربي على محاربة الإهاب, وإتهام دول عربية بضلوعها بالإرهاب. فصحيفة الإندبندت  كتبت في افتتاحيتها: إن الحرب على الإرهاب فشلت، وأن الغرب يتحمل جزءا من المسؤولية, وأن الجماعات الإسلامية المتشددة القريبة من تنظيم القاعدة تسيطر على أقاليم تفوق مساحتها مساحة بريطانيا، وذلك غربي العراق وشرقي سوريا، وأفغانستان وفي الصومال. وإن الدول الغربية رفعت شعار محاربة الإرهاب لتشن حروباً في العراق وأفغانستان، وأنفقت أموالاً ضخمة، وقوضت الحريات وانتهكت حقوق الإنسان، وتغاضت عن التعذيب والاحتجاز دون محاكمة، والتجسس على بيوت الناس. لكنها فشلت في تحقيق الهدف. واضافت تقول: أن تحقيقا أعده مراسل الإندبندت، باتريك كوكبيرن، يبين أن السعودية كان لها دور مهم في صعود نجم تنظيم القاعدة: ففي هجمات 11 أيلول كان 15 سعودي من أصل 19 ممن اختطفوا الطائرات. لكن الرئيس السابق جورج wبوش لم يفكر لحظة واحدة في اتخاذ أي إجراءات ضد السعودية، وهو ما جعلها، تواصل القيام بدور محوري في تجنيد عناصر الجماعات المتشددة وتمويلها. وبدلا من السعودية ألقى بوش باللائمة على صدام حسين والعراق، دون أن يكون لديه أي دليل على اتهامه. وختمت الصحيفة  مقالها بالقول:إن السبب وراء عزوف الولايات المتحدة وبريطانيا عن لوم السعودية على دعم الجماعات المتشددة هو قوة السعودية المالية، وسعي الدول الغربية وراء صفقات السلاح، فضلاً عن مصالح أشخاص يملكون القوة في الغرب.

·      

ومعهد المشروع الاميركي  أعرب عن اعتقاده بأن  ما يؤشر على فشل السياسة الأميركية إنما هو انزلاق لبنان المضطرد, وامكانية نشوب حرب اهلية مما يستدعي اجراء مراجعة لها, لدرء اندلاع جولة اخرى من الحرب مع اسرائيل, سيما وان القوات المسلحة اللبنانية غير مؤهلة للحفاظ على الأمن ومراقبة حدود البلاد. واشار المعهد إلى أن تقلص ميزانية الدفاع اقتضت نشر القوات الاميركية المحمولة في المحيطين الهادي والهندي. وغياب وجود ثابت لحاملات الطائرات في البحر المتوسط، على الرغم من تعاظم الحاجة لذلك,  وغيابها عن مسرح الشرق الاوسط  دفع بسوريا لتجاهل الخط الاحمر الذي رسمه الرئيس اوباما. واضاف:والغياب التام للحاملات الاميركية في مياه المتوسط ساهم في تشجيع تحرك بوتين في اوكرانيا. إلا أن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية, فنّد مزاعم منتقدي استدارة الادارة الاميركية نحو آسيا على حساب الاهتمام بالشرق الاوسط, او باتجاه ايران على حساب حلفائها الثابتين. حيث أوضح  المركز: الولايات المتحدة لا تنوي تقليص التزاماتها,  بل ان قراءة معمقة للميزانية العسكرية للعام المقبل , تشير الى النية للاستثمار الكبير في تعزيز فعالية كلاً من القوات المسلحة وقوات الدفاع الصاروخية  معاً لتعزيز الجاهزية والقدرة على استشراف المخاطر.ومعهد كارينجي حث صناع القرار  الأميركي على اتباع رؤية جديدة لحماية أمن الخليج. وصحيفة يديعوت أحرونت نشرت مقال اليكس فيشمان,وجاء فيه: شركات اوروبية زارت ايران ولم تعقد صفقات معها الى الآن. وتلك الزيارات ترمي الى اثارة شهوة جميع  الاطراف.  فالأمريكيون يؤمنون بأن مليارات الدولارات التي ستأتي بها الشركات الضخمة ستجعل  مواقف إيران أكثر مروتة. والايرانيون يعتقدون أن الشركات الاجنبية ستضغط على دولها للتفاوض مع إيران كي لا تخسر سوقاً مغرية فيها 75 مليون انسان. فالجميع الآن يتشممون عند الجميع. واحتمال تسوية دائمة في الشأن الذري في السنوات القريبة  ليس مرتفعاً. و احتمال أن تُحرز تسوية مؤقتة وقتاً طويلاً أعلى من ذلك. ويجب فقط ابطال عمل الضفدع التي تنق في اطراف المستنقع وهي اسرائيل. إنهم  يتبادلون معها المعلومات ويبلغونها عن آخر  المستجدات, ويطلبون مشورتها في حالات ما، لكنهم لا ينسون أن يلطموها هنا وهناك, وأن يذكروها بمكانتها في النظام العالمي؛ حتى نهاية ولاية أوباما على الأقل. وهذا يؤشر على عمق الصراع بين مراكز الأبحاث والدراسات.

·      

وشركات التصنيع الاميركية تعيد تمركز منشآتها الصناعية في الولايات الأميركية من جديد. فالعديد منها تنقل منشآتها لولايات مرشحة للانفصال والاستقلال, ككاليفورنيا وتكساس. وهو ما سينعكس سلباً, ويزيد ويفاقم  من حدة الصراع.

·      

ومعدلات الجريمة في ارتفاع مطرد داخل المجتمع الاميركي وهذا لا يبشر بخير.

·      

والتركيز  على الهوية الدينية للولايات المتحدة الأميركية. فالليبراليين الجدد والمحافظين الجدد المتصهينيين يحاولون التأكيد على دين الدولة و تحويل الولايات المتحدة الأميركية  لدولة دينية لتكون النموذج الثاني لإسرائيل التي  تقر بيهودية الدولة.

·      

وفشل كل محاولات الرئيس باراك أوباما خلال ولايتيه لترميم  وتحسين صورة بلاده.

·      

ولغة الحذاء التي استخدمها الصحفي العراقي مع الرئيس الأميركي بوش خلال  مؤتمره الصحفي في العراق, يستخدمها بعض الأميركيين من بعض المسؤولين الأميركيين.

·      

والادارات الأميركية فقدت كل مصداقيتها من قبل الكثير من شعوب العالم.

·      

والربيع العربي الذي حاولت إدارة أوباما ركوب موجته لتحقيق مصالحها, وضمان هيمنتها على العالم,  ثبت لها  بأنه لا يمكن الوثوق فيه. فالربيع العربي تحول إلى ريح عاتية تهدد واشنطن وأوروبا وحلف الناتو. وفتح الأبواب على مصراعيها لصراع مرير, مما دفع بإدارة الرئيس أوباما لتعيد النظر فيه, وتدعوا  لمحاربة الارهاب من جديد.

·      

وبروز قوى ودول جديدة  كبرى تطالب بأن يكون لها دور مؤثر  وفاعل في النظام الدولي الجديد, وحتى في منظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالتحديد.

·      

والترسانة الأميركية من الاسلحة النووية والصواريخ والحاملات وقطع البحرية تحتاج إلى مبالغ كبيرة للصيانة والتحديث والتطوير. والميزانية المتردية لا تسمح بهذه الاعمال.

·      

وضيق الرئيس الأميركي من حث بعض الدول لبلاده على التدخل عسكرياً في بعض الدول. والذي قال أوباما لهم بأن  عليهم أن يعلموا بأن لقوة بلاده حدود, ويسخر بمن  ينسون أو يتناسون أن الذي ليس لقوته من حدود إنما هو الله رب العالمين.

·      

وبالرغم مما يقال عن طفرة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، فإنها لا تزال تخطط لاستيراد 40 في المئة من احتياجاتها من النفط الخام، بما يوازي 10.6 مليون برميل يوميا. وبالمناسبة، تورد أرقام وزارة الطاقة الاميركية ان الولايات المتحدة استوردت من روسيا في عام 2013 زهاء 167 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات النفطية.

هذا بعضاً مما يعرقل خطوات كل رئيس أميركي يسعى للإبحار بسفينة بلاده بسلام وأمان. و سؤالنا إلى النخبة الأميركية:إلى أين  سينتهي المطاف بالولايات المتحدة الأميركية, وهل  الولايات المتحدة الأميركية  ستنتهي إلى نفس ما انتهى إليه الاتحاد السوفياتي عام 1988م؟

 

        الجمعة: 18/4/2014م              العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم

burhansyria@gmail.com

 

bkburhan@hotmail.com

قصة الحجاج وسعيد بن جبير

$
0
0

سمع الحجاج بن يوسف ان سعيد بن الجبير يتكلم فيه فأمر باحضاره

فجاء ( سعيد بن جبير ) ( للحجاج ) قال له الحجاج : أنت شقي بن كسير ؟!… ( بعكس اسمه )

فرد سعيد : أمي أعلم بإسمي حين أسمتني .

فقال الحجاج غاضباً : ” شقيت وشقيَت أمك !! ”

فقال سعيد : ” إنما يشقى من كان من أهل النار ” ، فهل أطلعت على الغيب ؟

فرد الحجاج : ” لأُبَدِلَنَّك بِدُنياك ناراً تلَظّى ! ”

فقال سعيد : والله لو أعلم أن هذا بيدك لاتخذتك إلهاً يُعبَد من دون الله .

قال الحجاج : ما رأيك فيّ ؟

قال سعيد : ظالم تلقى الله بدماء المسلمين !

فقال الحجاج : أختر لنفسك قتلة ياسعيد !

فقال سعيد : بل أختر لنفسك أنت ! ، فما قتلتني بقتلة إلاقتلك الله بها !

فرد الحجاج : لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً قبلك، ولن أقتلها لأحد بعدك

فقال سعيد : إذاً تُفسِد عليّ دُنياي، وأُفسِدُ عليك آخرتك .

ولم يعد يحتمل الحجاج ثباته فنادى بالحرس : جروه واقتلوه !!

فضحك سعيد ومضى مع قاتله

فناداه الحجاج مغتاظاً : مالذي يضحكك ؟

يقول سعيد : أضحك من جرأتك على الله، وحلم الله عليك !!

فاشتد غيظ الحجاج وغضبه كثيراً ونادى بالحراس : اذبحوه !!

فقال سعيد : وجِّهوني إلى القبله ، ثم وضعوا السيف على رقبته ، فقال : ” وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين .”

فقال الحجاج : غيّروا وجهه عن القبله !

فقال سعيد : ” ولله المشرق والمغرب فأينما تُولّوا فثمّ وجه الله .”

فقال الحجاج : كُبّوه على وجهه !

فقال سعيد : “منها خلقناكم وفــيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى .”

فنادى الحجاج : أذبحوه ! ماأسرع لسانك بالقرآن ياسعيد بن جبير !

فقال سعيد : ” أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ” . خذها مني يا حجاج حتى ألقاك بها يوم القيامـه !!

ثم دعا قائلاً : ” اللهم لاتسلطه على أحد بعدي ” .

وقُتل سعيد ….

والعجيب أنه بعد موته صار الحجاج يصرخ كل ليله : مالي ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلي !

وبعد 15 يوماً فقط مات الحجاج ولم يُسلط على أحد من بعد سعيد …

 

رحمك الله يابن جبير !

أين نحن من ثباتك وقوة حجتك !

وسلامة إيمانك ،

” اللهم لاتجعل الدنيا أكبـــر همنا ولا مبـــلغ علمنا ولا الى النـار مصيرنا

 

 

ثورة «علم الأحياء التخليقي»: الكومبيوتر صانعا للميكروبات!

$
0
0

لم تتأخر «نظرية المؤامرة» Conspiracy Theory عن التمدّد إلى الأوبئة الفيروسيّة التي تتالت منذ مطلع القرن 21. تنقلّت النظرية بين «سارس» SARS و «أنفلونزا الطيور»، ولم تعف حتى عن «انفلونزا الخنازير».

 

فــي كل مرّة، كانت المخيّلات تذهب إلى البعيد والأبعد. ربما لأن تطوّر العلوم البيولوجية، خصوصاً الجينات، أوحت لتلك العقول بخيالات ضخمة. بقول آخر، لأن إمكان التلاعب الجيني بتراكيب الكائنات الحيّة باتت في يد العلم فعليّاً، لم تحتج المخــيلات المهجوسة بالمؤامرة ونظرياتها إلى كثير من الجهد، كي تخلط حابل الحقيقة بنابل الأوهام.

 

وجاءت تصرّفات بعض الحكومات لتزيد في طين أخيلة المؤامرة بلّة، بل لتجعلها سيولاً لا تتوقف. مثلاً، لماذا جرجرت الحكومة الصينية أرجلها طويلاً في طين التلكؤ والمماطلة، بل إنها لم تبدأ في التعاون مع المؤسسات الدوليّة إلا بعد أن انتشر الفيروس المنطلق من الصين، في 29 بلداً؟ (أنظر «الحياة» في 25 نيسان- إبريل 2014).

الأرجح أن هذه المخيّلات المشتعلّة بالأوهام الفوّارة، ستجد مساحة ضخمة للتمدّد فيها خلال القرن الجاري. لماذا؟ ببساطة، لأن هذا القرن يشهد ولادة سريعة لعلم جديد: بيولوجيا التركيب الاصطناعي Synthetic Biology، واختصاراً «سين بيو» Synbio.

ويزيد في قوة هذه الولادة وتأثيراتها أنها تعبّر عن الإندماج بين طرفين صاعدين في العلوم المعاصرة: الكومبيوتر والجينوم. يكفي الكومبيوتر وحده لتأجيج المخيّلات. لنفكر في ما حدث ضمن أدمغة «نظرية المؤامرة» مع الفضيحة التي فجّرها خبير المعلوماتية الأميركي إدوارد سنودن.

 

وكذلك يكفي الجينوم وصورة الإنسان المتلاعب بجينات الكائنات الحيّة وتراكيبها، ليشعل الخيالات ويطلقها إلى آفاق لا متناهية.

 

ماذا يحدث عندما يولد علم قوي من اندماج الأمرين سويّة؟ إلى أين تسير الخيالات مع التمدّد المستمر لعلم «سين بيو» الذي يعبّر عن قدرة الإنسان على تصنيع كائنات حيّة مجهرية، لم تكن موجودة في سجل الطبيعة منذ بداية التاريخ؟ يكفي وضع معادلات مناسبة، واستعمال الكومبيوتر لرسم تركيبتها الجينية، كي يأخذ العلماء تلك التركيبة ويجمعوها من مكوّناتها الأوليّة (= التراكيب البروتينية الأساسية التي تتألف منها الجينات)، كي يصعنوا ميكروبات جديدة، لم ترها الأعين ولا العقول أبداً!

البداية: «فاي أكس 174»

 

في شهر أيار (مايو) 2010، ابتكر أحد كثر الرجال ثراءً ونفوذاً في مجال التقنيّات البيولوجيّة مخلوقاً حيّاً جديداً. وانطلق جي كريغ فانتر وفريق العمل في شركته الخاصة من تركيبة الحمض النووي «دي أن إيه» DNA، لبناء تركيب وراثي مستحدث يتضمّن ما يزيد على مليون مُكوّن مشفّر من التراكيب الأساسية في الحمض النووي، وهي تُعرَف باسم «قواعد النيوكليوتيد» Nucleotide Bases.

 

وقبل سبع سنوات، كان فانتر أوّل شخص في التاريخ يصنع خلية حيّة بالارتكاز على هذه المعلومات. وعند دراسة تركيب الحمض النووي في فيروس يدعى «فاي أكس 174» phi X174، الذي يستطيع أن يغزو البكتيريا، فكر كريغ أنه يستطيع تركيب ذلك الحمض النووي فعليّاً في المختبر، بالاعتماد على معلومات الكومبيوتر عن تركيبته. وأنجز كريغ هذا الأمر. إذ جرى تركيب فيروس بصورة اصطناعيّة في المختبر على أساس الشفرة الجينية «فاي أكس 174».

 

واكتشف فانتر وفريق عمله كيفية صنع خليّة جرثوميّة بصورة اصطناعية. وبعد جهد، راقب الفريق بدهشة تلك الخليّة الحيّة التي ابتكروها وهي تبدأ بالحركة، بل تأكل وتتنفس وتتكاثر.

 

وأثناء اشتغاله على هذا الموضوع، حاول فانتر تحذير عدد كبير من الأشخاص الغافلين عمّا يجري، وأن يلفت نظرهم إلى الآفاق التي توشك على التفتح أمام العلوم البيولوجيّة.

وخلال مقابلة أُجريت معه في العام 2009، لفت فانتر إلى أن التوصّل إلى تركيب جينوم ما بصورة اصطناعيّة، كفيل بأن يؤثّر في نظرة الناس إلى الحياة.

 

واعتبــر أيضاً أنّ هذه التكنولوجيا المبتكــرة عبارة عن «علم جينومات مُركّبة» Synthetic Genomes. ويعني ذلك أنها تراكيب جينيّة تنطلق في الكومبيوتر، لتصنع عالماً رقميّاً لعلوم البيولوجيا، ثم تصل إلى صناعة تراكيب جينيّة من كائنات حيّة... وفق الطلب!

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-17

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى 

المنهج التجريبي في أول عصر النهضة، ثم جاء فأعطى المسلمين منهج أرسطو في أول عصر النهضة العربية على يد لطفي السيد في مقدمة ترجمة كتاب "الأخلاق".

والسؤال هو: هل حقا كان لطفي السيد أستاذ الجيل صادقا فيما قال وفيما دعا إليه العرب والمسلمين من اتخاذ أرسطو منطلقا إلى النهضة الجديدة، وقد مضت كتاباته وكتابات طه حسين وغيره من بعده دعوة ملحة إلى هذا الطريق. أم أن الأمر كان فيه شبهة وخدعة؟!.
وهل كان حقا (أرسطو) هو منطلق الحضارة الغربية في عصر النهضة وما بعدها، أم أن أول عمل قامت به النهضة هو نقض أرسطو وتزييفه، والحملة على منهجه واعتبار منهجه هو عامل التجميد الذي عاش فيه الغرب معتقلا قرونا حتى جاء نور الفجر مع منهج التجريب الإسلامي الذي أطلق الطاقات إلى عصر العلم الحديث، ندع هذا للباحثين، لقد كان علماء المسلمين انطلاقا من القرآن هم الذين أنشأوا المنهج العلمي التجريبي الذي كان أول حجر في بناء الحضارة والعلم بشهادة:
دراير وبريفولت وجوستاف لوبون في القديم، وسارتون وهونكه وغيرهم في العصر الحديث ومن أهم الكتب في هذا الشأن كتاب هونكه "شمس الله تشرق على الغرب"وكتاب "أوربا ولدت في آسيا".
إذن فلم يكن لطفي السيد صادقا في دعواه ولم يكن عميد الأدب العربي طه حسين أمينا حين نقل إلينا هذا المعنى، ذلك أن المسلمين نقدوا أرسطو أولا (في القرن الرابع الهجري)، ثم جاء الأوربيون فنقدوه ورفضوه فى القرن (الخامس عشر الميلادى)، واستعملوا أسلوب المسلمين في نقده، والتمسوا منهج المسلمين الذي دفعهم إلى ذروة الحضارة والعلم والتكنولوجيا الآن.  إذن فلماذا هذا التعارض. يسأل عن هذا الاستشراق والاستعمار، ذلك بأنهم على حد تعبير الدكتور محمود قاسم: نقلوا المسلمين إلى أرسطو ونقلوا أنفسهم إلى منهج المسلمين (جابر وابن الهيثم والبيروني).
ذلك أن أرسطو هو الذي سيضع المسلمين مرة أخرى داخل القوقعية المنطقية التأملية ويحرمهم من ثمرات منهج التجريب الذي أنشاه دعاة الغرب.
وهكذا نجد أن هذا المنطلق على يد لطفي السيد وطه حسين وجماعة من أتباعهم يتسع ويمتد حتى يقرر: أن العرب خضعوا لمنهج اليونان وأرسطو في القديم ولما كان الفكر الحديث هو ثمرة فكر اليونان فإن تبعية المسلمين والعرب له لا يعد شيئا غريبا ولا جديدا؛ لأنهم كانوا تابعين لليونان من قبل فلا عجب أن يتبعوا ما جدده أحفاد اليونان، لم يكن أستاذ الجيل صادقا إذن ولم يكن الدكتور طه حسين صادقا في هذا، فإن المسلمين لم يقبلوا أرسطو ولم يعتنقوا فكر اليونان وإنما العكس هو الصحيح، ذلك أنهم قاوموه ونقدوه وأبانوا عن وجوه الخلاف العميق بينه وبين منطق القرآن وتصدى كثيرون منهم لهذا وفي مقدمتهم الشافعي وابن حنبل والغزالي وابن تيمية.
وقد أثبت الشيخ مصطفى عبد الرازق وأبو ريدة والنشار أن المنطق الأرسطوطاليسي هو منهج الحضارة والفكر اليوناني لم يقبل في المدارس العقلية الإسلامية، وأن المنهج التجريبي الإسلامي هو الذي عرفته أوربا بعد قرون من مطلع حضارتها الحديثة لمباينته للحضارة اليونانية، وأن اكتشاف وجود هذا المنهج لدى المسلمين يفسر روح الحضارة الإسلامية، فالحضارة الإسلامية حضارة عملية تجريبية تتجه إلى تحقيق الفعل الإنساني في ضوء نظرية حية ملموسة. كذلك، فقد كشفت الأبحاث المتعددة عن اضطراب خطير في المراجع التي اعتمد عليها الفارابي وباعتراف الدكتور محمد عبد الرحمن.  مرحبا: "أن الفكر الذي نقل إلى المسلمين من اليونان والإغريق لم يكن صحيح الأصول بل كانت صورة زائفة دخلت عليها مفاهيم السريانية والنساطرة المترجمين وعقائدهم، وكانت تهدف إلى خدمة مفاهيم دينية، ومن هنا كان فسادها في أن تعطي الفكر الإسلامي شيئا، ومن ناحية أخرى فقد تبين أن المقاومة للفلسفة اليونانية ومذهب أرسطو بالذات قد بدأت منذ أن تمت الترجمة، وأن المعارضة بدأت منذ اليوم الأول، ذلك أن الفكر الإسلامي كان قد تم تشكيله قبل الترجمة على أساس قيمه القرآنية من التوحيد والأخلاق، ومن الربط بين الوحي والعقل، ولذلك فإنه كان من العسير أن تنصهر فيه الفلسفة اليونانية أو ينصهر فيها، خاصة وهي فلسفة مجتمع وثني قام على العبودية وإعلاء الشهوات وعبادة الجسد فضلا عن أن محاذير الترجمة من فساد وانتحال وتحريف نصوص وإن كانت طائفة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم المشائين قاموا بمحاولة شاقة وعسيرة لإدخال الفلسفة اليونانية في إطار الإسلام ولكن المحاولة فشلت تماما، وكانت وقفة الإمام الغزالي في وجه الفلسفة اليونانية وقفة صارمة ردت السهم إلى صدور أصحابه فقد كشف عن الفرق بين الفلسفة الرياضية والطبيعية وبين الفلسفة الإلهية ورفض الأخيرة؛ لأنها متعارضة مع التوحيد وأعلن أن الكلام في الطبيعيات برهاني، أما في الإلهيات فهو تخميني. وفي الفلسفة الإلهية عارض الغزالي القضايا الكبرى الثلاث التي تقرها الفلسفة اليونانية وتختلف مع مفهوم الإسلام:
١ - ما يقولون به من قدم العالم.
٢ - وأن الله (جل وعلا) لا يحيط علما بالجزئيات.
٣ - وإنكارهم البعث، وهاجم الفلاسفة الذين جحدوا الصانع أو زعموا أن العالم قديم كالدهرية والزنادقة، والذين قالوا: أن النفس تموت ولا تعود ومن أنكروا الأخرة.  مرحبا: "أن الفكر الذي نقل إلى المسلمين من اليونان والإغريق لم يكن صحيح الأصول بل كانت صورة زائفة دخلت عليها مفاهيم السريانية والنساطرة المترجمين وعقائدهم، وكانت تهدف إلى خدمة مفاهيم دينية، ومن هنا كان فسادها في أن تعطي الفكر الإسلامي شيئا، ومن ناحية أخرى فقد تبين أن المقاومة للفلسفة اليونانية ومذهب أرسطو بالذات قد بدأت منذ أن تمت الترجمة، وأن المعارضة بدأت منذ اليوم الأول، ذلك أن الفكر الإسلامي كان قد تم تشكيله قبل الترجمة على أساس قيمه القرآنية من التوحيد والأخلاق، ومن الربط بين الوحي والعقل، ولذلك فإنه كان من العسير أن تنصهر فيه الفلسفة اليونانية أو ينصهر فيها، خاصة وهي فلسفة مجتمع وثني قام على العبودية وإعلاء الشهوات وعبادة الجسد فضلا عن أن محاذير الترجمة من فساد وانتحال وتحريف نصوص وإن كانت طائفة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم المشائين قاموا بمحاولة شاقة وعسيرة لإدخال الفلسفة اليونانية في إطار الإسلام ولكن المحاولة فشلت تماما، وكانت وقفة الإمام الغزالي في وجه الفلسفة اليونانية وقفة صارمة ردت السهم إلى صدور أصحابه فقد كشف عن الفرق بين الفلسفة الرياضية والطبيعية وبين الفلسفة الإلهية ورفض الأخيرة؛ لأنها متعارضة مع التوحيد وأعلن أن الكلام في الطبيعيات برهاني، أما في الإلهيات فهو تخميني. وفي الفلسفة الإلهية عارض الغزالي القضايا الكبرى الثلاث التي تقرها الفلسفة اليونانية وتختلف مع مفهوم الإسلام:
١ - ما يقولون به من قدم العالم.
٢ - وأن الله (جل وعلا) لا يحيط علما بالجزئيات.
٣ - وإنكارهم البعث، وهاجم الفلاسفة الذين جحدوا الصانع أو زعموا أن العالم قديم كالدهرية والزنادقة، والذين قالوا: أن النفس تموت ولا تعود ومن أنكروا الأخرة.  ويقول الدكتور النشار: أن المنطق الأرسطاليسي قد نقل إلى العالم الإسلامي وأثر فقط في المدرسة المشائية الإسلامية وبقيت المدارس الأخرى المنبثقة عن النظام الإسلامي بعيدة كل البعد عنه، تحاربه وتجاهده، وكانت قد وضعت منطقا مختلفا تمام الأختلاف في روحه وجزئياته.
وقد وصل علماؤنا في مجال البحث من منهج أرسطو إلى حقيقة أساسية هي أن: منطق أرسطو يعبر تعبيرا دقيقا عن المجتمع اليوناني العبودي المنقسم إلى سادة يتأملون وعبيد يعملون، السادة هم الصورة والعبيد هم المادة، ولكن المجتمع الإسلامي يختلف عن المجتمع اليوناني اختلافا كبيرا تقوم دولته على الأخوة والمساواة وتنطلق من نقطة النظر في السموات والأرض والعمل والكسب والسعي والتجريب.
ومن هنا اختلف منهج المجتمع الإسلامي عن مجتمع اليونان من جملة جوانب أهمها:
التوحيد وإلغاء العبودية والممارسة في مجال العلم، وبذلك بدأ ذلك التعارض الواضح العميق بين مجتمع ومجتمع وفكر وفكر خرج الفكر الإسلامي من الطبقة الأرسطية التي ترى أن العلم لا يكون إلا بالكلي أما العلم الجزئي فليس علما، فتقدم الفكر الإسلامي فحطم هذه القاعدة.
وقد صور كثير من الباحثين أثر منهج أرسطو فوصفه الدكتور محمود قاسم بأنه كان منهجا عقيما، وأنه ضلل كثيرا من مفكري العرب، ثم وقف حائلا دون ازدهار الحضارة العربية، ويرجع عقمه إلى أنه كان خلوا من الخيال، وأنه كان أكثر اهتماما بالقضايا العامة المجردة منه لدراسة التفاصيل والجزئيات، يستدل على صدق دعوانا وتواضعها بتاريخ النهضة الأوربية، فإنها لم تتحرر من الجمود الذي فرضه عليها منهج اليونان إلا بعد أن عرفت مناهج العرب في العلم والفلسفة ولنا أن نستشهد برنيان نفسه، ذلك أنه
يصف (روجر بيكون) بأنه الأمير الحقيقي للفكر الأوربي في القرن الثالث، ويجب أن تعلم كيف جاءته إمارة الفكر، إذ ليس في هذا المجال خلق من العدم ومن اليسير أن نكتشف سر أصالته إذا نحن بينا أنه أول من نادى بمهاجمة المنهج الأرسطاطاليسي في أوربا ودعا إلى اصطناع نهج العرب فهو يأخذ على معاصريه بأنهم يصبون لعناتهم على الرياضة من أنه من الممكن أن يبرهن بالرياضة على كل ما هو ضروري لفهم الطبيعة ولولا الرياضة لاستحال علينا أن نعرف أشياء هذا العالم معرفة صحيحة تعود علينا بالنفع في الأمور الإنسانية والأمور الدينية أيضا، كذلك يأخذ عليهم الانصراف عن استخدام الملاحظات والتجارب مع أن الطبيعة لا تكشف أسرارها إلا بدراسة الأمور الجزئية حتى تصعد بنا إلى القوانين الكلية".
وهكذا انتصر المنهج الإسلامي على المنهج الأرسطي وحطمه في عقر داره بعد أن حطمه في مجال الفكر الإسلامي نفسه.
فإذا أردنا أن نتبين فكر أرسطو وجدناه يقول بالنظام العبودي اليوناني ويرى أن (نظام الرق) هو أصلح نظام للبشرية وأن العبد إذا تحرر من عبوديته فهو عبد والأمير إذا استعبد فهو أمير، ومفهومه لله تبارك وتعالى ناقص وضال وماديته في التفكير بكونه أساس المذهب المادي واضح لا شبهة فيه، ولذلك فقد كان لا بد أن يصحح الفكر الإسلامي موقفه من أرسطو وفلسفته وخير ما يذكر في ذلك ما كتبه الإمام الجليل ابن تيمية في كتابه "منطق القرآن في مواجهة منطق أرسطو".
يقول أحد الباحثين: أن لطفي السيد هو أول من ضرب وحدة الفكر العربي الإسلامي وقسمه إلى تيارين: قومي وديني وسارت الأحزاب المصرية المنبثقة من حزب الأمة (الوفد، الأحرار الدستوريين) على نفس الطريق الذي رسمه كرومر ونفذه لطفي السيد، والذي كان سعد زغلول أكثر إيمانا به، وقد.  حمل لواءه سعد زغلول بعد ثورة ١٩١٩ واستطاع هذا الاتجاه أن يسيطر بعد الاستقلال وأن يمتلك نفوذ الحكم والسيطرة السياسية بينما وقف الاتجاه الإسلامي في حدود ضيقة وبرز من خلال الجمعيات الإسلامية والأزهر بعد أن انتشرت حركة التبشير في الجامعة الأمريكية وسقوط الخلافة، وظل مسيطرا حتى أسلم نفسه لحركة يوليو التي عمقت خطر العلمانية تعميقا كبيرا، وفتحت الباب واسعا أمام الماركسية اللينية.


* عبد العزيز فهمي الداعي إلى استبدال العربية بالحروف اللاتينية:
صديق لطفي السيد ورفيق عمره، دعا إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية، ولدت دعوته ميتة، وتصدى له العلامة أحمد شاكر كما مر بنا.


* إسماعيل مظهر ساهم في نقل الدارونية إلى الشرق الإسلامي:
دعا إسماعيل مظهر إلى الارتماء في أحضان الغرب وأخذ حضارته دون وعي وتمييز. وكان ضمن ثلاثة أسهموا بصفة بارزة في نقل الدارونية إلى الشرق بطريق الترجمة المباشرة وبالدراسة المستفيضة في الصحف هم: شبلي شميل وسلامة موسى وإسماعيل مظهر (١)، والأولان نصرانيان أشهرا إلحادهما وكفرهما بكل دين (٢)، أما الأخير فمسلم الأصل إلا أنه كتب ما لا يتردد أحد في نسبة قائله إلى الكفر، وكان لكتبهم وأبحاثهم الأثر الكبير في جيلهم ومن تلاه.
وكتب إسماعيل مظهر في عدد مارس ١٩٢٨ م من مجلته مقالا،. .جاء فيه:
"أما تفكير الإنسان الجدي فأصبح في تحديد علاقته لا بواجب الوجود ولكن بالكون، فبعد أن أسقط العلم الإنسان عن عرش الملائكة العلوي وأنزله إلى أفق الحيوان، أخذت الإنسان فكرة جديدة ليست بأقل إشكالا من الفكرة التي ملكت زمامه من ناحية الأديان ".
"بعد أن أظهر النشوئيون أصل الإنسان الحيواني، وأثبتوه علميا (! ) وبعد أن أثبت الجيلوجيون قدم الأرض والفلكيون قدم النظام الشمسي وأظهر هؤلاء بأبحاثهم سلسلة التدرج الطويل التي مضى عليها الكون لينتهي بظهور الحياة فوق الأرض أخذ العقل الإنساني سمته نحو التفكير كما هي عادته فيما يختص وراء هذه السلسلة الطويلة من قصد، وهل كانت متجهة بكل ما فيها من الصور لأن تنتهي بالإنسان على أنه القصد الأخير منها؟ "
"أما الثابت حتى اليوم فليس مما يرضي التفاؤل في مصير الإنسان، ولست أدري لماذا لا يشارك الإنسان الحيوانات في نهايتها المحزنة ما دام يشاركها في بداياتها الجميلة" (١)، وينتهي تأثره بداروين إلى قوله:
"اكتفت الأديان بالقول بأن الغاية من خلق الإنسان والجن هي أن يعبدوا الفه، فكرة حسنة ولكنها غير صحيحة (! ) إذ لو صح هذا إذن لاعتقد بجانبه بأن الله في حاجة لأن يعبده الإنس والجن (! ) ولظهر النظام الكوني في مجموعه بمظهر شيء ما خلق إلا ليعضد الحياة الإنسانية التي يجب أن تسخر لعبادة الله، وهذا في معتقدي أبعد الأشياء عن أن يكون الغاية من وجود الإنسان" 
.والحق إن إسماعيل مظهر لم يكن إلا نموذجا لكتاب كثيرين يتفاوتون في درجة التصريح بما يعتقدون لكنهم متساوون في المنطلق والغاية مثل منصور فهمي ولطفي السيد وأمين الخولي وطه حسين وأخيرا صادق العظم (صاحب كتاب نقد الفكر الديني)، وآخرين ممن لا تأويل لما يكتبون إلا الخروج على الإسلام غير أن بعضهم تخفى تحت أقنعة البحث العلمي أو التمذهب الأدبي حتى لا يصدم مشاعر الجماهير فتنصرف عن إنتاجه" (١).


* إسماعيل مظهر، نصير السفور، عدو الحجاب:
جمع إسماعيل مظهر شبهاته وآراء غيره ونسقها في كتاب أسماه "المرأة في عصر الديمقراطية"جاء فيه:
"ومضى الكثيرون متعامين عن الحق الواضح الجلي قائلين بأن قضية المرأة قضية محلولة وأن الزمن القديم قد وضع لها القواعد وفصل الفصول وأتم الفروع، مؤتمين في ذلك بنظريات وأقوال أبلاها الزمن وناء عليها الدهر، فأصبحت مهلهلة فضفاضة بادية العورات، ولكنهم يحاولون ستر عوراتها بالثرثرة الفارغة كقولهم: "المرأة للبيت"وقولهم: "الرجل قوام على المرأة"وقولهم كما قيل من قبل: "المرأة ليس لها نفس" ... " (٢).
وفيه: "لقد اتخذ الرجعيون الذين يرهبون التطور فرقا من أوهام سلطت عليهم أو رغبة في بسط سلطانهم على النساء .. من بضعة نصوص أشير بها إلى حالات قامت في عصور غابرة سبيلا إلى استعباد النساء استعبادا أبديا، لقد حضت المرأة في ذلك العصر أن تقر في بيتها، وأن لا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى" (٣)، ثم أخذ يناقش كلا الدليلين.  ."إن المعنى الذي يستخلصه أصحاب الرجعية من حض المرأة على أن تقر في البيت معنى غامض كل الغموض في هذا العصر. وبالرغم من ذلك الغموض الذي يكتنفه فإنهم لا يريدون أن يفسروه حتى تتحدد المعاني القائمة في نفوسهم منه.
أما إذا أرادوا أن تكون المرأة سجينة البيت فكيف يوفقون بين هذا المعنى وبين حاجات الحياة الضرورية؟ وإذا أرادوا أن يكون تفسيره أن تقر المرأة في البيت إذا لم يكن لها ما يشغلها خارجه، فذلك هو الواقع في حياتنا الحديثة" (١).
" .. ولكن المصيبة التي أصابنا بها أولئك المستغرقين (كذا) في النظر في الحياة بمنظار القبلية البدائية، أنهم يعتقدون أن كل تجمل تبدو به المرأة هو تبرج وأنه تبرج الجاهلية الأولى، ذلك في حين أن كلمة "التبرج"ليس لها حدود التمرينات الرياضية، وفي حين أنه لم يصلنا عنهم وصف شامل لتبرج الجاهلية الأولى!! ".
" .. فغالب الظن بل الأرجح تغليبا أن المقصود به (أي التبرج) عادة ألفت في الأزمان الأولى كانت في نشأتها شعيرة من شعائر الوثنية، أي شعيرة دينية، فإن البغاء على ما يعرف الآن من تاريخه وتطوره قد نشأ في أوله نشأة دينية، فكان شعيرة من شعائر التقرب من الآلهة .. ".
ثم يقول:
"فلما جاء الإسلام .. عطف إلى ناحية المرأة فاعتبرها نصف إنسان وأضفى عليها من الكرامة والاحترام ذلك القدر الذي لا يزال حتى الآن موضع انبهار كل المتشرعين"، " .. غير أن خمسة عشر قرنا من الزمان كافية.  .في الواقع لأن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة .. ".
"ومن هذه الناحية لا أرى ما يمنع مطلقا من أن ترفع المرأة إلى منزلة المساواة بالرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية: في الميراث وفي قبول الشهادة وفي العمل وفي الاستقلال الفكري والاقتصادي، وبالجملة في جميع الأشياء التي تكمل بها إنسانيتها، ذلك بأنها إنسان" (١).


* ولي الدين يكن نصير السفور:
مر ذكره من قبل، قال ناصرا للسفور:
"أزيلي الحجاب عن الحسن يوما
وقولي مللتك يا حاجبه
فلا أنا منك ولا أنت مني .. فرح ذاهبا هأنا ذاهبه" (٢)


* إسماعيل أحمد أدهم والدعوة إلى الإلحاد:
انتشر الإلحاد في العصر الحديث -أو على الأقل الشك واللا أدرية- وشكل ظاهرة بين المفكرين والمثقفين.
و"كان من ضمن القائمين بهذه الحركة (إسماعيل أحمد أدهم) الذى جاء إلى مصر (من تركيا بعد إعلان العلمانية) وحاول نشر الأفكار الإلحادية بين أهلها. وقد ألف رسالة صغيرة عنوانها:"لماذا أنا ملحد؟ "وطبعها في مطبعة التعاون بالإسكندرية ومما جاء فيها: "أسست جماعة نشر الإلحاد بتركيا، وكانت لنا مطبوعات صغيرة أذكر منها: ماهية الدين، قصة تطور الدين ونشأته، العقائد، قصة تطور فكرة الله، فكرة الخلود"، "وبعد هذا.   .فكرنا في الاتصال بجمعية نشر الإلحاد الأمريكية، وكان نتيجة ذلك تحويل اسم جماعتنا إلى "المجمع الشرقي لنشر الإلحاد"، وكان صديقي البحاثة إسماعيل مظهر في ذلك الوقت -١٩٢٨ - يصدر مجلة العصور في مصر وكانت تمثل حركة معتدلة في نشر حرية الفكر والتفكير والدعوة للإلحاد" (١)


* الزنديق جميل صدقي الزهاوي الملحد، عدو الحجاب:
ملأ الملحد جميل صدقي الزهاوي الشاعر العراقي ديوانه بالأفكار الإلحادية التي لا تخرج في جملتها عن نظرية داروين أو نظرية هيكل الأثيرية التي هي في الواقع امتداد للداروينية، من ذلك قوله:
إني أفكر في الطبيعة فاحصا ... فيعد تفكيري من الإلحاد
... ووجدت أن الكائنات سلالة ... لا فرق بين خفيها والبادي
أما الزمان فإن في دورانه ... ما يربط الآزال بالآباد (٢)
وقوله:
ما حياة قديمها غير باد ... لك إلا تطور في جماد
إنها تتبنى لها في نظام ... كل ما يقضي حاجتها من عتاد (٣)
(كذا)
ومن رباعيته:
ما نحن إلا أقرد ... من نسل قرد هالك
فخر لنا ارتقاؤنا ... في سلم المدارك (٤)
.بل نجده يهجو المخالفين لنظرية داروين من معاصريه:
إن الذين عن الأقراد قد بعدوا ... لم يجحدوا أنهم منهن قد ولدوا
وناصر حركة "تحرير المرأة"المشبوهة، وكان نصيرا للسفور فقال:
هزأوا بالبنات والأمهات ... وأهانوا الزوجات والأخوات
هكذا المسلمون في كل صقع ... حجبوا للجهالة المسلمات
سجنوهن في البيوت فشلوا ... نصف شعب يهم بالحركات
منعوهن أن يرين ضياء ... فتعودن عيشة الظلمات
... إن هذا الحجاب في كل أرض ... ضرر للفتيان والفتيات (١)
 
* درية شفيق زعيمة حزب بنت النيل وصلتها بالغرب والدوائر الصليبية واليهودية
"لما كان عامل المنافسة بين العاملات المأجورات لترويج الحركة النسوية في مصر من دواعي السرعة لبلوغ المراد عند الاستعمار، فقد عمل على انشاء حزب نسائي جديد سنة ١٩٤٥ أطلق عليه "الحزب النسائي"ولم يخرج هذا الحزب قليلا أو كثيرا في أهدافه عن أهداف الاتحاد النسائي، وإن كان المعلوم بالضرورة أن إنشاء هذا الحزب كان لمجرد التجديد في وسائل الإغراء والفساد.
وعلى هذا النمط قام الحزب النسائي الثالث باسم حزب بنت النيل الذي تتزعمه درية شفيق ..
وقصة إنشاء هذا الحزب ترتبط بقصة زعيمته، وتعطي صورة ناطقة.   لحقيقة النوع المختار من النساء لإشعال نار الفتنة، للإتيان على كيان الأسرة المسلمة من القواعد.
ولعل كثيرا من الناس يجهلون كيف نشأت هذه السيدة نشأة غامضة، فقد انتسبت للجامعة في مستهل عهدها بقبول الفتيات طالبات فيها إلى جانب الفتيان، حيث استطاع لطفي السيد أن يتحدى الرأي الإسلامي بقوة واقتدار، معلنا ذلك للملأ بقوله بالنص: "ويتصل بخطأ الجماهير في فهم رسالة الجامعة وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام. وفي هذا المقام يسرني أن أؤكد لكم أني لم أتعرض إلى جزئية من الجزئيات تجعلني أندم ولو
وقتيا على ما شرعته الجامعة من هذه الخطة من غير أن تستفتي العرف العام".
ومن خلال هذا التحدي الجامعي كانت السيدة وهي طالبة تبالغ في إبراز فتنتها وجمالها حتى لقد كان يتألم من مظهرها الأساتذة والطلاب، ومع ذلك فقد واصلت دراستها حتى تخرجت، ثم سافرت -وحدها بالطبع- إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه التي كان موضوعها مرتبا بما تعلقه على نفسها من المساهمة في سبيله في مستقبل أيامها .. لقد كان موضوعها يتعلق بموقف الإسلام من المرأة .. وبالطبع موقف الإسلام الذي تفهم حضرتها من سماحته ما لا يتعارض مع فسوق أو فجور .. ومن خلال رحلتها تزوجت بمصري معروف يرأس اليوم تحرير إحدى الجرائد الكبرى، وكان هو الآخر طالبا هناك حينئذاك إلا أن الزواج لم يطل أكثر من شهر لأسباب غير معلومة. وعادت إلى مصر فاجتهدت في أن تدرس بالجامعة، ولكن الجامعة وقفت دون رغبتها؛ لأنه كان في الغالب فرق بين قبول أمثالها طالبة وبين قبولها كمدرسة للجيل .. أيا كان هذا الجيل ..
وهناك بدأ يزداد الغموض في حياتها .. فمن شقة متواضعة إلى شقة مترفة وأثاث ورياش إلى ظهور في المجتمعات والحفلات إلى رحلات متعددة.   بين مصر وأوربا، وفي خلال بضع سنوات تزوجت من أحد مدرسي الجامعة الشبان الذين ما لبثوا أن صاروا من أساتذة الجيل.
وفي سنة ١٩٤٩ - أي بعد فترة وجيزة من هذا التصريح- فوجئ الشعب بإنشاء حزب نسائي جديد ترأسه المرأة الغامضة .. ولم يمض قليل حتى أصدر ذلك الحزب الناشئ ثلاث مجلات تطبع في حجم كبير وعلى ورق مصقول، اثنتان منها باللغة العربية والثالثة باللغة الفرنسية عدا المطابع المجهزة، والسيارات الفاخرة ..
وأخذ الناس يتساءلون عن موارد السيدة الغامضة، ومن أين لها هذا الخطر، ولكنها لم تمهلهم حتى أمطرتهم بوابل من القذائف الرائشة على الدين والأخلاق، لتشغلهم عن نفسها بالأخذ والرد والجذب والشد ..
 
* ترحيب الصحف البريطانية:
وفي خلال أشهر من تكوين الحزب سافرت حضرتها إلى إنجلترا فقوبلت بحفاوة عظمى قيل: أنه لم ينل مثلها كثير من رؤساء الدول وزعمائها، ورحبت بها الصحف البريطانية بدون استثناء ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده .. أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات.
ونحن نكتفي بالإشارة إلى عينة من أحاديثها هناك وكان مع مراسل جريدة "ذى سكتشمان"الذي كتب يقول:
"إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل هي كما أوضحتها الدكتورة درية شفيق: منح المرأة حق الأقتراع وحق دخول البرلمان، والمطمع الثاني الذي تهدف الدكتورة لتحقيقه هو إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوروبية في مصر"وتقول: "إن الطلاق في مصر بوضعه الحالي أمر يسير.  جدا فالزوج المسلم له الحق في أن يطلق زوجته بمجرد قوله: أنت طالق أما فيما يتعلق بتعدد الزوجات، فإنه لا يزال شائعا بين الطبقات الفقيرة".
 
* انكشاف المستور:
وبلغ التوتر مبلغه ونهض رجال الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق على قلب رجل واحد يجابهون الاستعمار في شخص هذه السيدة أمام أعظم حصن من حصون الإسلام وهو الأسرة المسلمة، ووقف الاستعمار بأمواله ونفوذه .. وانكشف بعض المستور حين قدمت إحدى عضوات مجلس إدارة الحزب استقالة مسببة. ما لبثت أن قبلتها الرئيسة دون عرضها على مجلس الإدارة، وكم كانت الدهشة كبيرة، وإن لم تكن مفاجئة بطبيعة الحال، إذ
علم أنه قد حيل بين كثير من الصحف وبين نشر سبب الاستقالة حتى فوجئ الشعب بأن السبب هو أن السفارة الإنجليزية والسفارة الأمريكية تمدان الحزب بألفين من الجنيهات سنويا، عدا الورق المصقول وغيره فضلا عن تقديم المشورة والتوجيه.
على أن هذه الاستقالة لم تكن وحيدة في ذاتها وفي أسبابها، بل لقد تبعتها وسبقتها استقالات أخرى وأنه كان مما يلفت النظر منها، استقالة السيدة درية جمعة من كبيرات نساء الحزب، وهي الاستقالة التي نشرتها جريدة الأهرام، وعلق عليها رئيس تحريرها في الصفحة الأولى في ذلك الوقت، حيث اعترفت السيدة المذكورة بفساد الأصول التي يقوم عليها مجتمع نسائي كهذا، واكتفت بالإشارة إلى خطورة هذا الفساد بقولها ما نصه: "وإني لا أدري الحكمة من اشتراك الرجال في حزب نسائي، لذلك أقدم استقالتي"، وكان تعليق رئيس التحرير وهو من أعلم الناس بالزعيمة المحترمة طبعا، إذ زاد على ذكر الرجال فقرر عن أن الكثيرين منهم من الشباب ومن الشباب الأعزب بالذات. 
   * وزيرة الشئون البريطانية تتفقد الهيئات النسائية في مصر:
ومن هنا أيضا لم يدهش الشعب المصري لزيارة وزيرة الشئون الاجتماعية البريطانية مسز "سمر سكيل"حيث تفقدت الأحزاب النسائية في مصر، وعقدت الكثير من الاجتماعات مع زعيماتها وفي مقدمتهن هذه السيدة الغامضة، وختمت زيارتها بحديث من محطة الإذاعة المصرية تقول فيه للمصريين ما نصه: "إنني أتحدث إليكم كامرأة وامرأة متزوجة وكمصلحة اجتماعية وكطبيبة فأقول لكم كامرأة: إن الرجال وحدهم لا يستطيعون الفوز في هذا الصراع الذي يشن من أجل خير الأسرة ورفاهيتها، ولن تكسبوا هذه الحركة إلا إذا اشتركت المصريات مع المصريين في الكفاح الوطني على قدم المساواة".
نعم إنه لعجيب حقا أن تتحرق الوزيرة البريطانية غيرة على نجاح مصر في كفاحها من أجل خير الأسرة ورفاهيتها، وتتحدث عن الكفاح الوطني الواجب لمصر من أجل الحرية والسيادة، في الوقت الذي كانت تنكر فيه الحكومة البريطانية مطالب مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل!.
 
* توجيهات الاستعمار:
ومن ذلك التاريخ نحت رئيسة بنت النيل في ظل من الحماية الأجنبية منحى جديدا في بابه، استغله أذناب المستعمر في الأحداث الوطنية التي حدثت قبل إلغاء معاهدة سنة ١٩٣٦ وبعدها فكان الهدف هو إشغال الرأي العام بقضية المرأة في مصر، عن التفرغ لقضية الوطن!.
ففي إبريل سنة ١٩٥١، خرجت مظاهرة، من قاعة أيوارت بالجامعة الأمريكية ذات التاريخ الطويل في التبشير -قوامها بضع عشرات من الفتيات الكاسيات، تتقدمهن زعيمة الحزب المذكور. وبعض الشباب من أصدقاء.  حزبها وأنصاره .. إلى أين؟! إلى دار البرلمان، هاتفات بالحقوق السياسية المزعومة!!
ولقد اعترفت الزعيمة المحترمة بمقابلة الوزيرة البريطانية وتحريضها لها فنشرت حديثا بجريدة البلاغ بعد ذلك بيومين تبين أثر المقابلة في عزمها على "ترك المقالات والمناقشات والمجادلات، والاتجاه إلى المظاهرات واقتحام أبواب البرلمان"، وذلك تمشيا طبعا مع مغزى الكفاح الوطني المزعوم الذي ترمي إليه الوزيرة البريطانية، والذي تشترك فيه المرأة مع الرجل على قدم المساواة .. !
وهكذا لم يكن عجيبا أيضا أن تبرق جمعية سان جيمس الإنجليزية إلى الزعيمة المذكورة بتهنئتها علي نجاحها في اتجاهها الجديد نحو المظاهرات وتعلن تأييدها لها حتى تنال المرأة المصرية على يديها الحقوق السياسية، تحت قبة البرلمان وفوق كراسي الوزارة.
 
* مؤتمر أثينا النسائي الدولي .. وسياسة التسلح الدفاعي:
وفي إبريل سنة ١٩٥١ عقد مؤتمر نسائي دولي في أثينا، لبت دعوته الزعيمة باسم المرأة المصرية -زورا وبهتانا- ومع أن المؤتمر في ظاهره يدعو إلى حقوق المرأة المزعومة، فإن قراراته كشفت عن أنه مؤامرة استعمارية بعيدة المدى، فقد جاء في أحد هذه القرارات: "الموافقة على سياسة التسليح الدفاعي"، ومع أن مصر كانت وما زالت بطبيعة الحال ترفض أي ارتباط دولي في شئون الدفاع، فإن الزعيمة المصرية كانت في مقدمة المؤيدات للقرار تأييدا حارا، حتى أن مندوبتي إنجلترا واليونان ظلتا تصفقان للقرار تصفيقا شديدا طويلا!.
ولعل أبلغ ما قوبلت به الزعيمة المحترمة على إثر عودتها من هذا المؤتمر، كان من بعض سيدات الأحزاب النسائية الأخرى "سيزا النبراوي"إذ كتبت في جريدة المصري الصادرة يوم ٩ أبريل سنة ١٩٥١ تقول: "لعل. المندوبة المصرية قد أدركت خطورة هذا القرار على مطالبنا الوطنية، فإن الاحتلال البريطاني يتذرع بهذه الحجة عينها "حجة التسلح الدفاعي"للبقاء في أرض الوطن ورفض الجلاء الذي نناضل من أجله، إن هذا القرار في الحق لا يقاوم الحرب، وإنما يؤيد الاحتلال، لذلك رأينا المندوبة البريطانية مصفقة له مرحبة به".
 
* مؤتمر ستوكهلم .. وتثبيت دعائم إسرائيل:
على أنه قد أثبتت الحوادث فوق ذلك أن هذه الحركة النسائية المصرية لم يقف تواطؤها مع الاستعمار الغربي عند حد تثبيته في مصر والشرق فحسب، بل إننا لا نغالي إذا قلنا عنه أنه كان يسخر لتثبيت دولة إسرائيل المزعومة، لتظل شوكة قوية في ظهر الدول العربية والإسلامية وقد اتضح ذلك بجلاء حين اشتركت المندوبة المصرية في المؤتمر النسائي الدولي الذي أقيم في استوكهلم وجاء من ضمن قراراته الاستعمارية قرار يقضي بمطالبة وزير داخلية السويد -التي عاصمتها ستوكلهم طبعا- بإنزال أشد العقوبات على مسيو "انيرابر"الصحفي السويدي المعروف، لمواصلته أعمال الدعاية ضد الصهيونيين في السويد".
وقد كتب مسيو انيرابر على أثر ذلك إلى الجامعة العربية والحكومة المصرية، يستنكر موقف مندوبات مصر في ذلك المؤتمر لموافقتهن على هذا القرار ..
 
* زعيمة هندية تعلن استغلال الاستعمار الغربي للحركات النسائية:
هذا وقد كان من أثر جلاء الغاية التي يسعى إليها الاتحاد النسائي الدولي بمؤتمراته الخطيرة في استغلال مندوبات الدول الواقعة تحت النفوذ الاستعماري الغربي لتثبيت دعائم الاحتلال في هذه البلدان .. أن هبت. الزعيمة الهندية "كاميلا ديفي"في وجه هذا الاتجاد وهي عضو أصلي فيه، وأعلنت استقالتها منه. وأذاعتها في كثير من الصحف العالمية، ونشرتها لها جريدة المصري هي الأخري في ٢١ أبريل سنة ١٩٥١ حيث قالت هذه الزعيمة: إنها تعلن استقالتها من الاتحاد النسائي الدولي؛ لأنه واقع تحت سيطرة الدول الغربية الاستعمارية، ويعارض مجهودات السلام، وخاصة وقف الحرب في كوريا.
ولعل أبلغ دليل على أن زعيمة النيل .. المصرية كانت ترتبط بتعليمات أجنبية معادية، هو ما أيدته الوقائع من خلال الفترة التي ألغيت فيها المعاهدة المصرية الإنجليزية وقامت فيها الأمة قومة رجل واحد لحرب الإنجليز في القتال، وترويع أمنهم وقطع المئونة عنهم، وانسحاب العمال المصريين من معسكراتهم، حتى قيام حركة الجيش وما بعدها .. فقد حدث أن سقطت وزارة الوفد على إثر حريق القاهرة المعروف، وجاءت على إثرها وزارة علي ماهر حيث تنفست الزعيمة الصعداء وقويت شوكتها، خاصة بعد أن أعلن عدم اعتراضه لطريق الداعيات لحقوق المرأة لأنهن -علي حد تعبيره- نصف أمة الذي لا يجوز أن يشل .. ثم لم تلبث وزارة علي ماهر أن سقطت هي الأخرى وجاءت على إثرها وزارة الهلالي وحل البرلمان وفكرت الحكومة في تعديل قانون الانتخاب، وهناك ظهر نفوذ الاستعمار لصالح الزعيمة حينما رفعت الصوت من خلال هذه الأحداث الوطنية على خطرها منادية بحق المرأة في الانتخاب والترشيح وبضرورة إيجاد نص في القانون يجعل النساء سواسية مع الرجال إزاء هذا الحق المزعوم ..
 
* الزعيمة تستنجد ببريطانيا:
وإني أذكر أننا قابلنا المسئولين في وزارة نجيب الهلالي لنحول دون النص فطلب إلينا أن نعبئ الأمة للمقاومة وإلا نجحت الهيئات النسائية في.    بلوغ مرادها بكل قوة! فلما قامت قومة رجال الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق بحملتهم الناجحة التي أحبطت كيد الاستعمار وأذنابه وأسندت ظهر الحكومة أمام الخطر، اضطرت الزعيمة إلى الاتصال بإنجلترا رأسا، فلجأت على الفور إلى مندوب الإذاعة البريطانية في مصر مستر باتريك سميث ليرفع إلى بلاده شكوى عميلتها من الحكومة المصرية.
ولذلك لم يعجب هؤلاء الذين استمعوا إلى المذيع البريطاني المذكور حينما تكلم إلى بلاده حينذاك فقال في رسالة ما ملخصه: "جاءتني الدكتورة درية شفيق زعيمة حزب بنت النيل، وقد شكت إلي من أن الجهات المسئولة في مصر تعارض بشدة مطالبتها بحقوق المرأة السياسية وكفاحها لأجل تمثيل المرأة داخل البرلمان المصري، وطلبت مني أن أناشد الصحف البريطانية كي تؤازرها بكل ما تستطيعه، وأن تضغط على الدوائر المصرية حتى تكف عن معارضتها القائمة، ثم أوصى حضرته في رسالة بضرورة مؤازرة هذه الزعيمة في دعوتها إلى تحرير المرأة المصرية، عملا بميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي تحتكم إليه الزعيمة والذي ينص على تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية بين الرجال والنساء في الدول الأعضاء التي بينها مصر".
 
* الزعيمة في مؤتمري لندن ونابلي:
وفي مستهل العهد الجديد وفي وزارة علي ماهر الأخيرة على وجه التحديد ومن خلال تلك المرحلة الحاسمة التي كان يتقرر فيها مصير الحركة، وينساق كل مشبوه سياسي إلى مكان بعيد عن مسرح الثورة لكي تأمن شرورهم في الداخل والخارج على حد زعمها، فوجئ الشعب بسماح علي ماهر لهذه الزعيمة بالسفر إلى لندن لحضور المؤتمر النسائي الدولي هناك ثم انتقالها بعد ذلك على الفور لحضور انعقاده في نابلي بصحبة مندوبة إنجلترا لأنها عضو أصلي به على خلاف الدكتورة درية شفيق التي كانت مندوبة زائرة   فقط تسعى للحصول على صفة العضوية الأصلية بواسطة المندوبة الإنجليزية المذكورة ..
وقد استقبلت الصحف البريطانية جميعها على عادتها قدوم الزعيمة استقبالا حارا علقت عليه بعض الصحف المصرية -في دهشة- بأنه استقبال لم يحدث له مثيل، وهناك أدلت الزعيمة بتصريحات خطيرة قالت في إحداها - ما نشرت جريدة الديلي اكسبريس: "إن نظام الحكم الحاضر -الذي كان يتزعمه محمد نجيب- يوفر الحياة الحرة لكل فرد من مواطنيه ولذلك فقد يكون الوقت قد حان لنا نحن النساء لكي نتمتع ببعض حقوقنا القانونية بعد زمن طويل".
وفي خلال الأسبوع الذي أقامته في إنجلترا كانت محل عناية خاصة دون غيرها من وفود الدول الأخرى، وقابلها المسئولون هناك مقابلات خاصة متصلة متكررة رسمت فيها من الاتجاهات ما كان له أثر كبير في تقوية أملها في بلوغ الأهداف التي يدفعها إليها أعداء الإسلام ..
 
* الزعيمة .. وإسرائيل:
ومن ثم اتجهت إلى روما بصحبة المندوبة الإنجليزية سالفة الذكر ومندوبة إسرائيل أيضا مدام "تبهيلا مانمون"حيث كان همها كما قلت: أن يقبلها المؤتمر عضوا أصليا كي يكون لها قوة الأشتراك دي توجيه السياسة النسوية الاستعمارية لا في مصر وحدها، بل في مختلف الدول الأعضاء وليكون لها بحكم هذا الوضع مساهمة فعالة من حيث وضع إسرائيل كدولة يدخل تثبيت قواعدها في نطاق عمل المؤتمر .. كما سيتبين بعد.
فمع أن الدول العربية قد أصدرت تعليماتها إلى مندوبيها في المجتمعات والمحافل الدولية وإلى سفرائها ووزرائها المفوضين في مختلف الدول كي يقاطعوا مقاطعة تامة شاملة، كل الأوساط التي تجمع الدبلوماسيين.  الإسرائيليين، وكي يصدروا عن حزم وعزم في احتقارهم وعدم الأعتراف بوجودهم، حتى لقد أنشأت الجامعة العربية في جلسة اللجنة السياسية المنعقدة بالقاهرة في ١٨ مايو سنة ١٩٥١ مكاتب أقليمية في الدول العربية ينسق جهودها مكتب رئيسي في مقر الجامعة لمكافحة التعامل أو الأتصال بأي صورة بإسرائيل أو رعاياها، بل إن حركة الجيش قد عززت هذا المكتب، وأعطته أهمية كبرى لمضاعفة جهوده في الحيلولة دون أي اتصال من هذا القبيل، وقرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في ١٨ ديسمبر الماضي إنشاء مكتب أقليمي مدعم بجوار مكتب الجامعة العربية، وأهاب بكل مصري وكل مواطن كريم إن يبادر مشكورا بموافاة المكتب بأية معلومات في هذا الصدد كي ينهض برسالته ويحقق المقاطعة المرجوة على أكمل وجه، وبالرغم من ذلك كله فقد كانت أول خطوة خطتها زعيمة بنت النيل في روما أن انتهزت فرصة حضورها المؤتمر كزائرة فاتصلت بوفد إسرائيل ورئيسته المذكورة، طوال الأيام التي مكثتها هناك، ونشرت الصحف الأوربية، وبعض المجلات النسوية المصرية الصور الكثيرة التي بدت فيها الدكتورة درية شفيق في أحاديث هامة وأوضاع شتى مع هذه الإسرائيلية الخطيرة مما يدل دلالة قاطعة على أن الزعيمة كانت مسخرة في هذه المقابلات الجريئة وما صاحبها من التصريحات الخطيرة التي ما لبثت أن افتضحت مراميها واتجاهاتها لا على لسان الصحف الأوربية فحسب، بل الصحف الإسرائيلية في تل أبيب أيضا .. !
ولقد أشارت المجلة المصرية سالفة الذكر إلى اتصالات درية شفيق وتصريحاتها ونقلت أنباءها ونصوصها .. وقد جاء فيها كما نشرته الصحف الإيطالية ما نصه:
"إن السيدة درية شفيق وجهت خطابا خطيرا لقائد القوات المسلحة -محمد نجيب- حيث قالت: إنها بوصفها ممثلة لجميع نساء مصر في سنة. ١٩٥٢ تطالب بشرف الخدمة العسكرية، وأن القائد محمد نجيب لم يبتسم لهذا الطلب فحسب بل وعد بالاهتمام به .. ".
ولعل أخطر تلك التصريحات المجنونة، ذلك التصريح الذي نشرته مجلة الايبوكا الإيطالية حيث قالت:
"إن السيدة درية شفيق مشحونة بالظرف، وذات نظرات خطيرة وجاذبية باريسية، وأنها الصديقة المسموعة الكلمة لدى الجنرال محمد نجيب الذي وعد الحركة النسوية بالتأييد والتقدير".
وبطبيعة الحال إن هذا التصريح من هذه الجريدة الأجنبية لم يكن إلا للتوريط، ولكنها معذورة أمام تقرير درية شفيق بأنها تمثل نساء مصر على الإطلاق! ومع ذلك لقد فاتها أن مصر هي زعيمة العالم الإسلامي وموطن الأزهر، ومهبط طلبة العلم الديني، ولكنها الحروب الصليبية التي لن تضع أوروبا كافة أسلحتها بغية القضاء على الإسلام مستغلة أمثال هذه الأذناب من الخارجين والخارجات ..
 
* المندوبة الإسرائيلية تهنئ نفسها بصحبة درية شفيق:
والأخطر من هذا كله ذلك التصريح الذي أصدرته ممثلة إسرائيل ونشرته الصحف الإيطالية والإسرائيلية تعقيبا على تصريحات الدكتورة درية شفيق حيث أعلنت المندوبة الإسرائيلية المذكورة ارتياحها لاتصالها بالمندوبة المصرية بلندن ومصاحبتها لها إلى نابلي حيث قالت: "إنني أهنئ نفسي بهذا الاتصال الذي ربط بيني وبين السيدة درية شفيق، وإنني أعلن لعضوات المؤتمر السادس عشر في نابلي أني عقدت آمالي على الزعيمة المصرية لحل جميع المشاكل بين البلدين إسرائيل ومصر".
* الباريسيات أنفسهن .. يتهكمن .. !!
على أنه كان مما يلفت النظر بهذه المناسبة أن الوفد النسائي الفرنسي في المؤتمر علق على حركات ومظاهر السيدة درية شفيق في أوروبا بقوله كما نشرته بعض الصحف الإيطالية حيث قال: "إذا كانت السيدة درية شفيق هي النموذج الصحيح لنساء مصر، فقد أدركنا الآن السر في أن نساء الشرق المسلمات .. "والباقي مفهوم ..
هذا وقد نشرت المجلة النسوية المصرية سالفة الذكر بجوار ذلك كله الصور المختلفة لدرية شفيق مع رئيسة وفد إسرائيل نقلا عن الصحف الإيطالية، كما نشرت صورة زنكغرافية لمقال نشرته بعض الصحف الإسرائيلية الصادرة في تل أبيب باللغة العبرية، وكانت صورة درية شفيق وهي تحادث مندوبة إسرائيل تزين المقال المذكور، وقد جاء في هذا المقال بعد ترجمته: "إن تل أبيب تتوقع أن الحوادث المقبلة ستزيد مكانة درية شفيق شأنا ورفعة" (١).


* علي عبد الرازق يهدم مفهوم الإسلام بوصفة دينا ودولة في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"وهذا الكتاب كاتبه الحقيقي هو المستشرق اليهودي مرجليوث:
"كانت القوى الأجنبية قد تآمرت على إسقاط الخلافة الإسلامية في دورة طويلة تكاتفت فيها الصهيونية والغرب الاستعماري وجماعة الاتحاديين الذين أسقطوا السلطان عبد الحميد واستولوا على الحكم في الدولة العثمانية تمهيدا لتسليم فلسطين إلى الصهيونية العالمية، وجاء دور مصطفى كمال أتاتورك بعد انتهاء الحرب العالمية التي دخلتها الدولة العثمانية وهزمت فيها،


وكان لسقوط الخلافة رنة أسى وتطلع ضخم إلى هذا الحدث الذي أصبح من بعد عهدا من عهود حركة اليقظة الإسلامية بإعادة الخلافة.
في هذا الجو المضطرب -الذي انحل فيه عقد الجامعة الإسلامية وبرزت دعوات الإقليمية والقومية وتمزيق العالم الإسلامي إلى قوى محلية- صدر كتاب الشيخ علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم"الذي كان بمثابة صيحة تغريبية جائرة تحاول أن تقضي على مفهوم الإسلام الجامع دينا ودولة بإثارة شبهة ماكرة لئيمة خادعة هي القول بأن الإسلام دين عبادي وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في ذات الوقت حاكما أقام دولة.
وقد صدر الكتاب في مجال معارضة الخلافة الإسلامية لأسباب سياسية كانت بريطانيا والنفوذ الأجنبي تؤازرها وكانت تعمل دون عودة هذا النظام الإسلامي الجامع.
ولكن الخطر الحقيقي وراء كتاب الشيخ علي عبد الرازق كان هو: هدم مفهوم الإسلام بوصفه دينا ودولة ونظام مجتمع ومنهج حكم جامع.
ولقد اهتزت دوائر الأزهر والعالم الإسلامي لهذا الكتيب المزور وأعلنت هيئة كبار العلماء فساد المنهج الذي قام عليه، وأن المؤلف قد أخطأ خطأ بالغا حين "جعل الشريعة الإسلامية روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا، مع إن الدين الإسلامي على ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عقائد وعبادات ومعاملات هي لإصلاح أمور الدنيا والآخرة، وإن كتاب الله تعالى وسنة رسوله يشتملان على أحكام كثيرة في أمور الآخرة.
كما أشار حكم هيئة كبار علماء الأزهر إلى أن المؤلف:
أولا: زعم أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين.

ثانيا: زعم أن نظام الحكم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان موضع غموض  .وإبهام أو نقص موجب للحيرة.

ثالثا: زعم أن مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت بلاغا للشريعة مجردا من الحكم والتنفيذ.
رابعا: أنكر إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وعلى أنه لا بد للأمة من يقوم بأمرها في الدين والدنيا.
خامسا: أنكر أن القضاء وظيفة شرعية، وقال: إن الذين ذهبوا إلى أن القضاء وظيفة شرعية جعلوه متفرعا من الخلافة.
سادسا: زعم أن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده -رضي الله عنه- كانت لا دينية. وهذه جرأة لا دينية.
صدر كتاب الإسلام وأصول الحكم عام ١٩٢٥ سابقا لكتاب الشعر الجاهلي لطه حسين، وقد كشفت الأيام من بعد كيف أن هذا الكتاب من تأليف المستشرق اليهودي مرجليوث المقيم في لندن وأنه أهداه لعلي عبد الرازق عندما زارها دارسا (١).
وقد ظل هذا السر محجوبا إلى وقت قريب حين كشف عنه الدكتور ضياء الدين الريس في كتابه "الإسلام والخلافة في العصر الحديث"الذي صدر عام ١٩٧٢ تقريبا وكان المظنون خلال أكثر من خمسين عاما أنه من تأليف الشيخ عبد الرازق، وقد عد هو وكتاب طه حسين عن الشعر الجاهلي من الأسس التغريبية التي اعتبرها الشيوعيون والعلمانيون مرجعا لخطتهم وأهدافهم في هدم مفهوم الإسلام في السياسة والأدب، وقد قوبل الكتاب عند صدوره بمعارضة شديدة وألفت كتب كثيرة في الرد عليه وكتبت

.فصول عديدة في الصحف ومن ذلك كتاب "الفاضل بن عاشور"، ومحمد بخيت ورشيد رضا وكثيرون.

* وجد المنحرفون ضالتهم:
ولقد كان كتاب "الإسلام وأصول الحكم "لعنة على الشيخ علي عبد الرازق فقد أصاب حياته بالظلام والغربة ولاحقته لعنته مدى حياته حتى أنه عندما أراد الماركسيون إقناعه بإعادة طبعه قال لهم: إن هذا الكتاب أثار عليه متاعب كبيرة، ومع ذلك فإن بعض الماركسيين أعاد طبعه وقدم له، رغبة منهم في تأكيد مفهوم فاسد لا يقره الإسلام، ويتخذ الكتاب الماركسيون -المعارضون لمفهوم الإسلام بوصفه دينا ودولة- من هذا الكتاب خطة عمل توالي بث سمومها في الصحف والمؤلفات والمؤتمرات، ويولي كبر ذلك أمثال محمد عمارة ومحمد أحمد خلف الله وحسن حنفي وعبد الله العروي وسيكون هذا الكتاب لعنة عليهم كما كان لعنة على علي عبد الرازق، فمات الكتاب قبل أن يموت صاحبه، وانطوت صفحته وصاحبه حي".
ومع الأسف فقد كان صدور مثل هذا الكتاب مما تلقفه المستشرقون ليثيروا به دعوى عريضة بأن في الإسلام مذهبين: أحدهما: أن الإسلام دين ودولة والآخر يقول: أن الإسلام دين روحي ويضعون على عبد الرازق على رأس الفريق الذي يقول هذا القول، والواقع أنه ليس في الإسلام غير رأي واحد، وهو الرأي الأول، وأن ما ذهب إليه علي عبد الرازق عام ١٩٢٥ م لم يكن من الإسلام في شيء، ولم يكن علي عبد الرازق إماما مجتهدا، وإنما قاضيا شرعيا تلقفته قوى التغريب فاصطنعته تحت اسم "التجديد"حيث دعي إلى لندن لحضور حلقات الاستشراق التي تروج للأفكار المعارضة لحقيقة الإسلام وهدم مقوماته، وأهدى أصل هذا الكتاب الذي وضع عليه اسمه مترجما إلى اللغة العربية وطلب إليه أن يضيف إلى مادته بعض النصوص.  العربية التي يستطيع اقتباسها من كتب الأدب.
أما الكتاب نفسه فكان من تأليف قزم من أقزام الاستشراق وداعية من دعاة الصهيونية واليهودية العالمية هو المستشرق مرجليوث الذي شاءت الصدف أن يكون هو نفسه صاحب الأصل الذي نقل منه كتاب الأدب الجاهلي والذي أطلق عليه الأستاذ: محمود محمد شاكر "حاشية طه حسين على بحث مرجليوث"، ويمكن أن يطلق الآن اسم "حاشية علي عبد الرازق على بحث مرجليوث"، وقد كشف هذه الحقيقة الدكتور ضياء الدين الريس في بحثه القيم "الإسلام والخلافة في العصر الحديث".
وهكذا تجد أن السموم المثارة في أفق الفكر الإسلامي توضع أساسا من رجال التغريب، ثم تختار لها أسماء عربية لتحمل لواءها وتذيعها إيمانا بأن الأسم العربي أكبر تأثيرا وأبعد أثرا في خداع الجماهير.
ولقد طالما تحدث التغريبيون عن كتاب "الشعر الجاهلي"و"الإسلام وأصول الحكم"على أنهما دعامتان للنهضة "التغريبية في الفكر الحديث".
ومع أن حركة اليقظة الإسلامية واجهت كتاب علي عبد الرزاق المنحول وفندت فساد وجهته وأخطاءه فإن قوى التغريب ما تزال تعيد نشره وطبعه مع مقدمات إضافية يكتبها شعوبيون يخدعون الناس بألقابهم وأسمائهم، وهم يجدون في هذه الرحلة التي يرتفع فيها صوت تطبيق الشريعة الإسلامية والدعوة إلى الوحدة الإسلامية مناسبة لنفث السموم مرة أخرى ولن يجديهم ذلك نفعا فإن كلمة الحق سوف تعلو وتنتشر وتدحض باطل المضللين مهما
تجمعوا له وقدموه في صفحات براقة مزخرفة وأساليب خادعة كاذبة.
إن أول من كشف حقيقة الكتاب هو الشيخ محمد بخيت الذي رد على الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "حقيقة الإسلام وأصول الحكم"، وهو واحد من الكتب التي صدرت في الرد عليه حيث قال:    
"لأنه علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس له منه إلا وضع اسمه عليه فقط، فهو منسوب إليه فقط ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا العار وألبسوه ثوب الخزي إلى يوم القيامة.
وقد علق علي عبد الرازق على هذا المعنى بأن هذا الكتاب كان شؤما عليه، وقد ألصق به كثيرا من المتاعب والشبهات، والحقيقة أنه بعد أن طرده الأزهريون من هيئة العلماء ظل منفيا ومهجورا وعاش بقية حياته منقطعا عن الحياة العامة بالرغم من أن محاولات جرت لإسقاط الحكم وضمه إلى مجمع اللغة العربية وجعله وزيرا، فقد كان الكتاب أشد شؤما على حياته من كل ما ألم به.
ومن هذا الخيط الرفيع الذي ألقاه الشيخ محمد بخيت بدأت محاولة الدكتور ضياء الدين الريس فاستطاع أن يصل إلى الحقيقة وهي أن كاتب الكتاب هو المستشرق مرجليوث اليهودي الأصل، وهو أول من شن الهجوم على الخلافة لأن بلاده "بريطانيا"كانت في حرب مع دولة الخلافة، وقد أعلن الخليفة العثماني الجهاد الديني ضدها، والنصوص في الكتاب قاطعة بأنه كان موجها ضد الخلافة العثمانية فإنه يذكر بالاسم "السلطان محمد الخامس"الخليفة في ذلك الوقت الذي كان يسكن في "قصر يلدز"وهناك نص على "جماعة الأتحاد والترقي، وهي التي كانت تحكم تركيا: أي دولة الخلافة طوال أعوام الحرب العالمية الأولى.
ويقول الدكتور الريس: إن الاتحاديين تلاميذ الماسونيين وقد تربوا في محافلهم واعتنقوا شعارهم ومفاهيمهم وقاموا بدور مسموم وهو فتح باب فلسطين أمام اليهود المهاجرين، وكان السلطان عبد الحميد قد رفض عروضهم، وكانوا هم (أي الاتحاديين) أداة الصهيونية العالمية في إسقاط هذا السلطان المناضل.  ورجح الدكتور الريس أن مرجليوث اليهودي الذي كان أستاذا للغة العربية في جامعة أكسفورد ببريطانيا هو كاتب الكتاب؛ لأن أراء الكتاب هي آراؤه التي كتبها من قبل عن الدولة الإسلامية، وفندها الدكتور الريس في كتابه. "النظريات السياسية في الإسلام"وأثبت خطأها وبطلانها بالأدلة العلمية، وهو يكتب عن الإسلام بنزعة حقد شديد، ويتسم أسلوبه بالمغالطات والمعلومات المضللة والقدرة على التمويه، كما يتصف بالالتواء، وهذه الصفات كلها تظهر في هذا الكتاب المنسوب إلى الشيخ علي عبد الرازق، ومعروف أن الشيخ ذهب إلى بريطانيا وأقام فيها عامين فلا بد أنه كان متصلا بالمستر مرجليوث، أو تتلمذ عليه، وكذلك توماس أرنولد الذي يشير إليه الشيخ ويصفه بالعلامة فقد ألف كتابا عن الخلافة بشكل عام والعثمانية بوجه خاص، وقد نقدناه.
يقول الدكتور الريس في كتابه: "النظريات السياسية الإسلامية":
والقصة تتلخص في أنه إبان الحرب العالمية الأولى والحرب دائرة بين الخليفة العثماني وبريطانيا أعلن الخليفة الجهاد الديني ضد بريطانيا ودعا المسلمين أن يهبوا ليحاربوها، أو يقاوموها، وكانت بريطانيا تخشى غضب المسلمين الهنود بالذات، أو ثورتهم عليها، في هذه الفترة كلفت المخابرات البريطانية أحد المستشرقين الإنجليز أن يضع كتابا يهاجم فيه الخلافة وعلاقتها بالإسلام ويشوه تاريخها ليهدم وجودها ومقامها ونفوذها بين المسلمين.
وقد أستخدمت السلطات البريطانية هذا الكتاب في الهند وفي غيرها، وبعد أن انتهت الحرب كان الشيخ عبد الرازق قد اطلع على هذا الكتاب أو عثر عليه، هذا إن لم يفترض أن هذا كان باتفاق بينه وبين هذا المستشرق الذي اتصل به حينما كان في إنجتلرا أو في بعض الجهات البريطانية التي.  كانت تعمل في الخفاء على هدم فكرة الخلافة، أو التي تحارب الإسلام، فأخذ الكتاب فترجمه إلى اللغة العربية أو أصلح لغته إن كان بالعربية، وأضاف بعض الأشعار والآيات القرآنية التي يبدو أنها لم تكن في أصل الكتاب وبعض الهوامش والفقرات، وأخرجه للناس على أنه من تأليفه ظنا منه أنه يكسبه شهرة، ويظهره باحثا علميا، ومتفلسفا ذا نظريات جديدة، غير مدرك ما في آرائه أو في ثناياه من خطورة، ولا يستغرب هذا لأنه لم يدرك أن إنكار القضاء الشرعي هو إنكار لوظيفته نفسها وعمله، وإلغاء لوجوده وكانت هذه البدعة السائدة في ذلك الوقت بين كتاب "السياسة"جريدة من أسموا أنفسهم "حزب الأحرار الدستوريين"، وهذا هو الذي فهمه الأستاذ الجليل أمين الرافعي فكتب في جريدة الأخبار أنه لم يستغرب أن يقدم الشيخ علي عبد الرازق على إصدار هذا الكتاب لما عرفه عنه من الضعف في تحصيل العلوم والإلحاد في العقيدة، ثم قال: هذا الى أنه انغمر منذ سنين في بيئة ليس لها من أسباب الظهور سوى الافتيات على الدين وتقمص أثواب الفلاسفة والملحدين وصار خليقا باسم "الأستاذ المحقق"، والعلامة الكبير.
ولم يعرف الأستاذ أمين الرافعي أن المؤلف الحقيقي ربما كان غير الشيخ على عبد الرازق، ولكن كلامه يكاد يكون إثباتا لذلك وهناك قرائن أخرى أوردها الدكتور الريس:
أولا: ذكر اسم كتاب مترجم عن التركية طبعة ١٩٢٤ بينما هناك فقرة تنص على أن تاريخ التأليف قبل عام ١٩١٨ وأنها ذكرت اسم السلطان محمد الخامس وقيل في الهامش أنه كتب في عهده وأقرب تفسير لذلك أن الكتاب ليس من تأليف شخص واحد.
ثانيا: يتحدث المؤلف عن المسلمين كأنه أجنبي عنهم وهم منفصلون.    عنه، فيذكرهم بضمير الغائب ولا يقول: "عندنا"أو "العرب"أو نحو ذلك كما يقول المسلم ذلك.
ثالثا: يكرر الشيخ عبد الرازق "عيسى وقيصر مرتين"ويكرر هذه الجملة التي يسميها الكلمة البالغة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"مع أن مسلما صحيح الإسلام لا يمكن أن يؤمن بهذا التعبير، وأن قيصر وما لقيصر لله رب العالمين.
رابعا: يتعاطف مع المرتدين الذين خرجوا على الإسلام وشنوا الحرب على المسلمين فيدافع عنهم في نفس الوقت الذي يحمل على رأي أبي بكر الصديق المسلم الأول بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينكر خلافته، ويقول: أن محاربته لهؤلاء المرتدين لم تكن حربا من أجل الدين، ولكن كانت نزاعا في ملوكية ملك ولأنهم رفضوا أن ينضموا لوحدة أبي بكر وما هي وحدة أبي بكر يا عدو أبي بكر والإسلام؟
أليست هي وحدة المسلمين، ويقول: "حكومة أبي بكر"، أوليست هي حكومة الإسلام والمسلمين، ويتكلم عن أبي بكر هكذا بغير احترام أو تبجيل، كأنه رجل عادي أو كما يتكلم عدو.
هل هذا هو أسلوب المسلم، فضلا عن تهافت الشيخ في الكلام عن الصحابة وهم أفضل الناس وأحبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخير من دافعوا عن الإسلام وجاهدوا في سبيل الله عز وجل.
وخامسا: أن الأسلوب الذي كتب به الكتاب أسلوب غريب، ليس مألوفا في الكتب العربية، فهو أسلوب مناورات ومراوغة ويتصف بالالتواء واللف والدوران، فهو يوجه الطعنة أو يلقى الشبهة. ثم يعود فيتظاهر بأنه ينكرها ولا يوافق عليها ويفلت منها ثم ينتقل ليقذف شبهة أو طعنة أخرى.  
على طريقة "اضرب واهرب"وحين يهاجم يصوغ عبارته في غموض وهذا يدل على أسلوب رجل سياسي متمرن في المحاورة والخدعة، وهو أشبه بالأسلوب الأفرنجي. وأسلوب الدعايات السياسية أو الدينية التبشيرية وليس هذا أبدا أسلوب العربي الصريح، فضلا عن أسلوب أحد الشيوخ المتعلمين في الأزهر وهذا مما يغلب الرأي بأنه كتاب مترجم.
سادسا: لم يعرف عن الشيخ علي عبد الرازق -من قبل- أنه كان كاتبا تمرس في الكتابة ومرن على التأليف فيكتب بهذا الأسلوب ويتعمد الطعن في الإسلام وتاريخه وعظماء رجاله، ولم يعرف للشيخ كتاب أو مقالات قبل هذا الكتاب "أي في السياسة والتاريخ"بل ما كتب من قبل كان "كتيبا"في اللغة أو في علم البيان، وهذا كل إنتاجه في أربعة عشر عاما بعد تخرجه من الأزهر، ثم بعد أن كتب هذا الكتاب ظل أربعين عاما لم يكتب كتابا آخر في نفس موضوعه أو مثله ولم يحاول أو لم يستطع حتى أن يدافع عن نفسه ويرد على خصومه بكتاب آخر.
سابعا: هناك من القرائن والأدلة العديدة ما يدعو العقل إلى أن يرجح صحة الخبر الذي رواه فضيلة المفتي الشيخ محمد بخيت، نقلا عن كثيرين من أصحاب الشيخ علي عبد الرازق المترددين عليه من أن مؤلف الكتاب شخص آخر من غير المسلمين، وقد غلبنا نحن أنه أحد المستشرقين، ولكننا نقيد هذا الخبر بأن الشيخ قد أضاف بعض فقرات وتعليقات، وأنه هو الذي أورد الآيات من القرآن.
والظاهر أنها محشورة حشرا مجموعات في كل مكان، وأبيات الشعر التي استشهد بها، كما كتب المقدمة التي زعم فيها أنه بدأ البحث في تاريخ القضاء منذ ١٩١٥ وذلك ليغطي المقارنة الظاهرة بين وضع الكتاب ووقت صدوره، فإنه من غير المعقول أن يستغرق تأليف كتيب لا يزيد عن مائة   صفحة عشر سنوات.
وفي مثل هذه المسائل بالذات فإن هذه الحالة أسهل؛ لأن النقل أو الترجمة من كتيب مجهول، أو كانت المسالة بتصريح أو اتفاق لخدمة غرضين فالطرف الأول يريد نشر آرائه لغايات سياسية ودينية، والطرف الثاني له مأرب سياسي ولكن الدافع الذاتي أنه يريد الشهرة أو الظهور أو الغرور، "وقد انتفعنا في هذا البحث بدراسة الدكتور الريس وبحث مجلة المجتمع الكويتية وكتاب المعارك الأدبية".
الحقيقة أن كتاب "الإسلام وأصول الحكم"من الأعمال التغريبية والاستشراقية الخطيرة التي أريد بها هدم القاعدة الأساسية للإسلام وهي قاعدة أن الإسلام دين ودولة في محاولة تنصير الإسلام وجعله مشابها للنصرانية التي هي بمثابة دين قائم على الوصايا وليس له تشريع؛ لأن تشريعه في اليهودية، وهذه القضية هي مفتاح الغزو الفكري الذي واجه به النفوذ الاستعماري بلاد المسلمين من أجل هدم هذه القاعدة وحصر الإسلام في المساجد وفي الصلاة والصوم وفرض الأيدلوجيات الغربية في مجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية، ومن هذا فتح الطريق أمام القانون الوضعي وكسر الحدود التي وضعها الإسلام والقضاء على محرمات الإسلام: الربا والزنا والسرقة والاختلاس والميسر، وإباحتها وجعلها في نظر الناس مشروعة، ومن وراء ذلك إمبراطورية الربا التي ترمي إلى تحطيم الضوابط والحدود وذلك للسيطرة على الاقتصاد الإسلامي وهدم المجتمع الإسلامي وإذاعة روح التحلل والترف وتغليب مفهوم المجتمع الاستهلاكي القائم على الشهوات واللذات والإباحيات، وهدم قاعدة "أخلاقية المجتمع وهدم مفهوم المسئولية الفردية للإنسان والتزامه الأخلاقي في بناء المجتمع الرباني في الأرض.  
وهكذا نصل إلى أن هذا العمل كان من المؤامرات الخطيرة والتي ما تزال تتخذ سورا يقذف منها الإسلام على أيدي خصومه والراغبين في هدم شرعته.
وبالجملة فإن كتاب الشيخ علي عبد الرازق أحدث شرخا استغله خصوم الشريعة اعتمادا على أن كاتبه رجل من الأزهر ومن علماء الإسلام وليس الأمر كذلك في الحقيقة وإنما هي المؤامرة الشعوبية الضخمة التي قام بها التبشير والاستشراق لاحتواء أمثال علي عبد الرازق وطه حسين وهي مؤامرة مآلها الهزيمة والفشل بإذن الله .. " (١) اهـ.


* أحمد أمين صاحب فجر الإسلام يشكك في أحاديث البخاري والكتب الصحيحة ويطعن في أبي هريرة وعدالة الصحابة، وفي "فجرالإسلام"و"ضحى الإسلام"طوام لا يجوز السكوت عليها:
يقول الدكتور مصطفى السباعي في بحث مطول نشره في مجلة الفتح (في ١٤ حلقة) إن كتابي "فجر الإسلام"و"ضحى الإسلام"للأستاذ أحمد أمين (عميد كلية الأداب بالجامعة المصرية) ١٩٤٠م، من أشهر الكتب الحديثة المؤلفة في تاريخ العلم والثقافة في عصور الإسلام الأولى.
ومع أن المؤلف معروف لدى الأوساط العلمية بغزارة العلم ودقة البحث وحب التأليف، فقد وقعت له في هذين الكتابين أخطاء، لا أحب أن أصفها، حتى لا أتهم بالمبالغة، وحسبي أن أقول: إنها مما لا يجوز السكوت عليها بحال من الأحوال.
ولما رأيت أن السكوت عن تلك الأخطاء والتحريفات جناية في حق. .الدين والعلم فقد أسرعت بكتابة هذا البحث، في نقد فصل واحد من كتاب "فجر الإسلام"وهو فصل (الحديث) .. وسيرى القارئ أن الأستاذ أحمد أمين:
أولا: تأثر إلى درجة كبير ببحوث المستشرقين وكتاباتهم في علم الحديث.
ثانيا: تأثر بآراء رءوس المعتزلة وطوائف الشيعة ممن يتشيع لبعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون غيرهم.
ثالثا: استنتج من عنده بعض آراء ليس لها أساس علمي ولا مستند تاريخي صحيح.
رابعا: لم يلتزم الأمانة ولا الدقة فيما نقله من النصوص والآثار.
خامسا: لم يعتمد في تاريخ الحديث على كتب علوم الحديث، بل اعتمد على كتب الأصول، وخاصة كتاب "مسلم الثبوت"وشرحه، ومن هنا أورد كثيرا من الأحاديث، منها ما لم يعثر له على أصل في كتب السنة، ومنها ما جاء بأسلوب مغاير لما في تلك الكتب.
وقد كان يستطيع الرجوع في معرفة هذه النصوص إلى مراجعها الحقيقية، لولا أنه يسعى إلى غرض معين فهو يتصيد الأدلة من هنا وهناك من غير تحقيق ولا تدقيق.
وللأستاذ أحمد أمين أسلوب خاص في بث آرائه التي يخالف بها الجمهور، متبعا فيها بعض ذوي الأهواء من المسلمين أو ذوي الأغراض من المستشرقين، ومن خصائص هذا الأسلوب أنه يأتي بالفكرة فلا يلقيها إليك في كتابه دفعة واحدة ولا يظهرها لك على أنها رأي لمبتدع أو لمستشرق، ولكنه يوزع شيئا منها هنا وشيئا هناك متلطفا في الأسلوب، متظاهرا بالبحث.  والتحقيق، ولا ينسى أن يستند في خلال ذلك إلى نص محرف أو حديث ضعيف أو رأي هزيل أو ينسب إلى العلماء قولا لم يقولوه، وإلى بعض المذاهب آراء لم يذهبوا إليها، فلا يكاد ينتهي من بحثه حتى يكون قد أحكم بث الفكرة في ثنايا كتابه من غير إزعاج للقارئ ولا استفزاز لشعوره.
وبهذا الأسلوب استطاع الأستاذ أن ينجو مما لحق بزملائه من سخط الجمهور وأن ينال ثقته بإخلاصه وتجرده للحق والعلم.
وكم كان الأستاذ أحمد أمين بارعا في التشكيك في أحاديث السنة، مما يدل دلالة قوية على أنه يشك فيها جملة -كما يقول كثير من المستشرقين- وكما قال من قبل بعض رؤساء المعتزلة والفرق الضالة والمبتدعة.
ومما يؤكد هذه الدلالة أن أحد المنتسبين إلى الإسلام في مصر، ممن تلقوا علومهم في جامعات روسيا الشيوعية (يقصد: إسماعيل أدهم أحمد) قام منذ سنين بوضع رسالة عن تاريخ السنة، انتهى به البحث فيها إلى أن هذه الأحاديث التي بين أيدينا، مشكوك في صحتها على العموم، ومن مزاعمه أن ما ذهب إليه قد وافقه عليه: فلان وفلان، والأستاذ أحمد أمين بكتاب أرسله إليه.
وانتظرنا من الأستاذ أن يكذب هذا الأتهام الفظيع الذي نسبه إليه تلميذ الشيوعيين فلم يفعل، بل قرئ له في بعض المجلات الأسبوعية ما يفيد تألمه مما حصل لصاحبه، وعد ذلك محاربة لحرية الرأي، وحجر عثرة قي سبيل البحوث العلمية الخالية من كل تعصب وهوى.
قال أحمد أمين: ويظهر أن الوضع في الأحاديث حدث في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحديث: "من كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"يغلب على الظن أنه إنما قيل لحادثة زور فيها على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. اهـ.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن هذا الذي استظهره أحمد أمين لا سند له في التاريخ، ولا في سبب الحديث المذكور، أما التاريخ فقاطع بأنه لم يقع في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أحدا من الناس زور عليه كلاما، ورواه على أنه حديث من أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -، ولو وقع مثل هذا لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفظاعته، كيف وقد كان حرصهم شديدا على أن ينقلوا لنا كل ما يتصل به - صلى الله عليه وسلم -
أما الحديث المذكور فقد اتفقت الكتب والسنة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما قاله حين أمرهم بتبليغ حديثه إلى ما بعدهم. وظاهر من الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد علم أن الإسلام سينتشر، وسيدخل فيه أقوام من أجناس مختلفة فيه بصورة قاطعة حث على وجوب التحري في الحديث عنه، وتجنب الكذب عليه بما لم يقله.
وليس في هذه الروايات إشارة قط إلى أن هذ الحديث قيل لوقوع تزوير على الرسول - صلى الله عليه وسلم -
قال أحمد أمين: وحسبك دليلا عن مقدار الوضع، أن أحاديث التفسير التي ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: لم يصح عنده منها شيء، قد جمع فيها آلاف الأحاديث، وأن البخاري وكتابه يشمل على سبعة آلاف حديث، منها نحو ثلاثة آلاف مكررة، قالوا: إنه اختارها وصحت عنده من ستمائة ألف حديث كانت متداولة في عصره. اهـ.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن كثرة الوضع في الحديث مما لا ينكره أحد، ولكنه عندما أراد أن يستدل على مقدار الوضع فاستشهد بشيئين: أحاديث التفسير وأحاديث البخاري - وظاهر عبارته في أحاديث التفسير أنه يشك فيها كلها، إذ ينقل عن الإمام أحمد أنه قال: "لم يصح منها شيء"مع أنهم قد جمعوا فيها آلاف الأحاديث.  والإمام أحمد لا يخفى مكانته في السنة. فإذا قال في أحاديث التفسير "لم يصح منها شيء"كان ما روي فيها مشكوكا بصحته إن لم يحكم عليه بالوضع، أليست هذه نتيجة منطقية لكلام الأستاذ.


* الصحيح صحيح دون شك:
أما أحاديث التفسير، فلا يخفى على من طالع كتب السنة أنها أثبتت شيئا. كثيرا منها بطرق صحيحة لا غبار عليها، وما من كتاب في السنة إلا وقد أفرد فيه مؤلفه بابا خاصا لما ورد في التفسير عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة -رضي الله عنه - أو التابعين.
وقد اشترط علماء التفسير على أن ما يفسر كتاب الله عز وجل أن يعتمد فيه على ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.
وقد جعلوا التفسير بين منقول وغير منقول، وأوجبوا على المفسر أن يرجع إلى الأول ويعرفه لو لم يصح منه شيء، بل لو لم يصح منه شيء كثير، لما فعلوا ذلك.
أما ما نقله عن الإمام أحمد، فهو يشير بذلك إلى ما روي عنه من قوله: "ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي"والكلام في هذه العبارة من وجوه:
أولا: أن في النفس من صحتها شيئا، فإن الإمام أحمد نفسه قد ذكر في "مسنده"أحاديث كثيرة في التفسير، فكيف يعقل أن يخرج هذه الأحاديث، ويثبتها عن خيرة شيوخه في "مسنده" .. ثم يحكم بأنه لم يصح في التفسير شيء؟!
وأيضا فمقتضى هذا العبارة: أن يكون كل ما روي عن أخبار العرب، ومغازي المسلمين مكذوبا من أصله، وليس هناك من يقول بهذا.  ثانيا: أن نفي الصحة لا يستلزم الوضع، والضعف، وقد عرف عن الإمام أحمد خاصة نفي الصحة عن أحاديث وهي مقبولة، وقالوا في تأويل ذلك أن هذا اصطلاح خاص به.
ثالثا: إن الإمام أحمد لم يقل أنه لم يصح في أحاديث التفسير شيء، وإنما قال: "ثلاثة ليس لها أصل، ولا يخفى ما بين العبارتين من فرق، إذ يحتمل أن يكون مراده نفي أن يكون للتفسير كتاب مأثور.
ولا يلزم فيه نفي صحة شيء من أحاديث التفسير.
رابعا: يحتمل أن يكون مراد الإمام أحمد ما صح من التفسير قليل بالنسبة لما لم يصح.


* والكلام في أحاديث البخاري:
وننتقل إلى أحاديث البخاري وقد زعم الأستاذ أحمد أمين أنهم قالوا: إن البخاري اختار أحاديث كتابه وصحت عنده من ستمائة ألف حديث، ولا أدري من قال هذا القول؟!
أما علماء الحديث ورجال المصطلح، فقد ذكروا أن البخاري لم يجمع في كتابه كل ما صح عنده، فإذا كان العلماء يقرون أن البخاري لم يخرج كل ما صح عنده يكون ما نقله الأستاذ أحمد أمين عنهم نقلا غير صحيح.
وحاول الأستاذ أحمد أمين التشكيك في عدل الصحابة فقال: الذي جرى عليه العمل من أكثر نقاد الحديث -وخاصة المتأخرين منهم- على أنهم عدلوا كل صحابي ولم يرموا أحدا منهم بكذب ولا وضع وإنما جرحوا من بعدهم.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: مما اتفق عليه التابعون ومن بعدهم، من جماهير المسلمين ونقاد الحديث قاطبة: "تعديل الصحابة".  وتنزيههم عن الكذب والوضع، هذا هو الواقع والمعروف في هذه المسألة.
ولكن المؤلف لغرض في نفسه -سبق التنبيه إليه- يريد أن يشكك في هذه الحقيقة فزعم أولا أن (أكثر) النقاد عدلوا الصحابة، مع أن النقاد قاطبة عدلوهم لم يشذ في ذلك أحد.
وزعم ثانيا: أن قليلا منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم، مع أن هؤلاء الذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نقاد الحديث، ولكنهم من ذوي الأهواء والفرق المعروفة عند المسلمين، بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر.
وزعم المؤلف ثالثا: أن هذا التعديل كان من أكثر نقاد الحديث، وخاصة المتأخرين منهم، مع أنه لم يؤثر عن أحد من المتقدمين من أهل العلم -من التابعين فما بعدهم- أنه طعن في صحابي أو ترك الحديث عنه، أو وضعه في ميزان الجرح والتعديل.
وهناك ثلاثة مزاعم يأتي بعضها إثر بعض، ليس من ورائها إلا تهوين القول بعدالة الصحابة على الإطلاق، وتجرؤ ذوي الأهواء في حقهم، إذ روي عن أولئك الأصحاب ما يخالف أهواءهم، مع أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم حماة الدين ونقلة السنة أمناء الشريعة.
لم يكتف المؤلف بهذا، بل زاد على ذلك زعما آخر تأكيدا لما رمى إليه، وتقريرا له في نفس القارئ، حيث قال بعد ما تقدم:
"ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضا موضع النقد وينزلوا بعضهم منزلة أسمى من بعض .. إلخ".
وحاصل كلامه في هذا الموضوع أن الصحابة -رضي الله عنه- كان يشكك بعضهم في صدق بعض ويضع بعضهم بعضا موضع النقد. وما ذكره أحمد أمين من أن الصحابة كان بعضهم يضع بعضا موضع النقد، مع أن كل ما كان يقع.  من الصحابة من رد بعضهم على بعض، إنما هو نقاش علمي محض مبني على اختلاف أنظارهم وتفاوت مراتبهم في الاستنباط أو الاجتهاد، أو على نسيان أحدهم حديثا وتذكر الآخر له، وليس ذلك ناشئا عن شك أو ريبة أو تكذيب واحد لآخر.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن الأستاذ أحمد أمين كان لبقا في توجيه المطاعن نحو (أبي هريرة) -رضي الله عنه- ومجاراة المستشرقين والنظام ومن شايعه من المعتزلة في التحامل على هذا الصحابي الجليل، لقد وزع طعونه في مواضع متفرقة من بحثه، كان حديثه عنه حديث محترس متلطف، يحاذر أن يجهر بما يعتقد في حقه من سوء.
ولكن أسلوب الأستاذ وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي هريرة -رضي الله عنه-، وحرصه على التشكيك في صدقه وتصديق الصحابة له، كل ذلك قد نم على سريرة الأستاذ، وأزاح الستار عن خبيئة نفسه قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أسر سريرة ألبسه الله رداءها".
ومن الإنصاف أن نقول: إن الأستاذ أحمد أمين لم يكن أول من أساء الظن بهذا الصحابي الجليل، ولا أول من حرف تاريخه، بل هو مقلد لأساتذته من المستشرقين، المتعصبين الذين دأبوا على تشويه الحقائق.
وعندما ترجم أحمد أمين لأبي هريرة: "اقتصر على ذكر نسبه وأصله وتاريخ إسلامه وأشار إلى ما روي من دعابة أبي هريرة ومزاحه.
وكان من حق الأمانة العلمية عليه أن يذكر لنا مكانته بين الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، وثناءهم عليه وإقرارهم له جميعا بالحفظ والضبط والصدق.
ولكن الأستاذ أحمد أمين لم يفعل شيئا من هذا بل تعرض لأمور يسيء ظاهرها لأبي هريرة -رضي الله عنه- جد الإساءة فكانت محاولة مستورة للطعن فيه تمشيا.  مع جولد زيهر وأضرابه من المستشرقين.
وقد اقتصر المؤلف على ذكر الشك في حفظ أبي هريرة -رضي الله عنه- من بعض الصحابة، دون أن يذكر لنا إقرار جمهورهم بحفظه وتثبيته، ودون أن يذكر لنا ثناء أهل العلم عليه من التابعين من بعدهم، واعترافهم له بأنه أحفظ صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرواهم للحديث، وهذا دليل واضح على أنه لم يقصد بمقالته إلا الطعن الخفي في صدقه والتشكيك القوي في أحاديثه ومروياته وقد اعتمد المؤلف على دائرة المعارف الإسلامية في هذا الاتجاه.
إذا تذكرت أن الأستاذ أحمد أمين تابع جولد زيهر (اليهودي) في تجريح أبي هريرة -رضي الله عنه- واتهامه، علمت السر في توخي الأستاذ لهذه المسألة هنا وتتبع خطرات جولد زيهر، ثم رأيت إلى أي حد يكون التلاعب بالحقائق في سبيل الأهواء.
ماذا يضر أبا هريرة أن ينحله الواضعون أحاديث كثيرة، ثم كيف يكون الكذب عليه داعيا للشك في أحاديثه كلها، لو أن العلماء لم يميزوا الثابت عنه من المنتحل، لكان هناك عذر في التشكيك بأحاديثه كلها، أما وأن أئمة الأحاديث ميزوا الصحيح عن الموضوع وبينوا ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مما لم يثبت، بطرق هي غاية في الدقة والتحري، فلا عذر لأحد أن يتشكك في أحاديثه جملة، إلا أن يكون صاحب هوى وغرض يتلمس لنشر هواه كل طريق ملتو معوج.
ولعل القارئ أدرك من كل ما كتبنا، أن الأستاذ أحمد أمين تابع المستشرقين المتعصبين في التحامل على ذلك الصحابي الجليل ومنزلته في الحديث.


* بماذا يفتخرون:
والأستاذ مغرم جدا بمحاكاة المستشرقين ونقل أقوالهم، ومن ذلك قول.  زكي مبارك عنه:
إن أحمد أمين لا يهمه أن يرد الحقوق لأربابها إلا في موطن واحد، هو الموطن الذي يقول فيه: أنه استأنس بأراء المستشرقين ليقال: أنه يطلع على أقوال المستشرقين.
والغرض الأول من نشر هذا البحث هو لفت أنظار الباحثين وخاصة علماء الأزهر الشريف إلى ما في كتاب "فجر الإسلام"و"ضحاه"من أخطاء يعتبر السكوت عليها بعد الإحاطة بها جناية في نظر الدين والعلم، وحتى لا ينصحوا تلاميذهم باتخاذ هذا الكتاب وغيره مرجعا أساسيا (١).


* ساطع الحصري فيلسوف القومية العربية الزائفة:
"عرب نعم، إسلام لا: أنا لا ييك (أي علماني أو لا ديني):
سقطت نظرية ساطع الحصري فيلسوف القومية العربية؛ لأنها قامت على أساس التفسير الغربي للتاريخ، ففصلت العروبة عن الإسلام وهو أول من جعل العنصرية والعرق والدم بديلا لمفهوم الإسلام الذي يقوم على الإخاء الإنساني، وهو أول مسئول عن التعليم العالي التركي في الوزارة التي شكلها الاتحاديون بعد سقوط الخلافة مباشرة وأول من صرح بأنه قومية إسرائيل تقوم على الدين، وأن الإسلام دين تعبد وينكر أنه نظام حياة ومجتمع، والحقيقة أنه ما ذنب العروبة والإسلام إذا كان ساطع الحصري غربي الفكر والذوق أعجمي النطق يتجاهل أن لغتنا لغة فكر وعقيدة وأن ديننا يجمع بين المادة والروح وبين العقل والقلب وبين الدنيا والآخرة.
حدثني الدكتور مختار الوكيل مدير مكتب الجامعة العربية في جنيف، وهو رجل صادق مؤتمن، أنه في خلال عمله زار الأستاذ ساطع الحصري في.  .سويسرا ورأى السيد عبد الفتاح حسن السفير المصري دعوته إلى طعام للغداء فلما قدم مع الدكتور الوكيل حياه السفير المصري فقال:
مرحبا بالمناضل الكبير في خدمة العروبة والإسلام، وقد عجب الرجلان من ساطع الحصري الذي رد في عنف وحدة:
"عرب نعم .. إسلام لا .. أنا لا ييك".
وكلمة"لا ييك"تعني أن صاحبها علماني أو لا ديني.
وقد أحرز ساطع الحصري شهرة وافرة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية باعتباره فيلسوف القومية العربية، حيث روج لنظرية خطيرة كانت بعيدة الأثر في حجب العروبة الأصيلة المرتبطة بالأسلام فكرا وعقيدة، وبالعالم الإسلامي تكاملا وإخاء .. لقد كان دعاة حركة اليقظة في البلاد العربية يرون أن الجامعة الإسلامية قائمة بين العرب والمسلمين (فرسا وتركا) بعد زوال الدولة العثمانية. ولكن ساطع الحصري كان من أوائل الدعاة إلى فصل العرب عن المسلمين بمفهوم القومية الغربي الوافد الذي طرحه في أفق الفكر السياسي العربي. وهذا يرجع إلى أن ساطع الحصري كان ثمرة من أنضج ثمار المدرسة الاتحادية التركية، وأكبر الدعاة الذين نقلوا مفهوم القومية الطورانية التركية إلى أفق العروبة التي كانت ترتبط بمفهوم الإسلام في العلاقة بين الشعوب التي جمعها التوحيد والقرآن ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - والفكر الإسلامي الأصيل.
لقد كان ساطع الحصري مديرا للتعليم في الدولة الاتحادية التي حكمت تركيا بعد إسقاط السلطان عبد الحميد بمفهوم العلمانية والطورانية.
وقد تعلم في مدرسة الاتحاديين، وآمن بفلسفتهم، ونقل فكرهم ومضامينهم إلى العرب، وذلك في سبيل تمزيق الوحدة الإسلامية الجامعة عربا وتركا وفرسا، وخلق أسلوب القوميات والإقليميات التي تقوم على.  الصراع والاستعلاء بالجنس والعنصر.
وهو أول من حمل لواء العنصرية والعرق والدم بديلا لمفهوم الإسلام الذي يقوم على الإخاء الإنساني. وقد كان فلاسفة الفكر القومي التركي من الاتحاديين: تلاميذ الفلسفة الوضعية متشبعين بالنزعة الطورانية العدوانية. وقد استمد ساطع الحصري مفهومه للعروبة من مفهوم القومية الغربية، والنظرية التي طبقها الأتحاديون في تركيا. فقد ركز على اللغة والتاريخ وعزلهما عن الفكر الإسلامي الجامع ككل كما ركز طه حسين على الأدب وعزله عن وحدة الفكر الإسلامي.
ونظرية ساطح الحصري التي روجت لها بعض الأحزاب السياسية العربية قد أثبتت خلال أكثر من ثلاثين عاما فشلها الذريع، وعجزها عن العطاء؛ لأنها فرغت مفهوم العروبة من قيمه وتاريخه وعناصره الأخلاقية الروحية وجعلته مفهوما ماديا خالصا.
وقد اعترف ساطع الحصري بأن إسرائيل قومية تقوم على الدين ورفض اعتبار الإسلام مقوما بوصفه دينا (بمفهوم اللاهوت). ذلك أن مفهوم ساطع الحصري للإسلام ناقص، فهو يراه دينا لاهوتيا وليس دينا ومنهج حياة ونظام مجتمع على النحو الذي يؤمن به دعاة العروبة الإسلامية.
لقد فهم الإسلام على أنه "دين عبادي"كما فهم الأوربيون المسيحية، ولم يفرق بين الدين بعامة والإسلام، ولم يفرق بين العصر والبيئة والجذور الثقافية التي يختلف فيها عن مفهوم القومية في أوربا.
ولقد كان مفهومه للعروبة ناقصا. فلم يصل الى مفهوم العروبة المترابط مع الإسلام، هذا الترابط الجذري الذي لا سبيل للانفكاك عنه.
ويرى كثير من الباحثين أن ساطح الحصري لم يعايش المناخ العربي قبل أن يضع مجموعة آرائه، وأنه استهدى بمناخ البلقان والنظرية الألمانية في.  حركته القومية التي رفع فيها شعار اللغة في مواجهة الدولة العثمانية للتحرر منها، وأنه كان حاقدا على الترك حقد المحافل الماسونية التي احتضنت الاتحاديين ووجهتهم وجهتها، ودفعتهم إلى الدعوة إلى الذئب الأغبر كرمز لها بديلا للقرآن.
وقد كان أكبر أساتذته في مفهوم القوميات "ماكس مولر"و"نوردو"وهما فيلسوفان يهوديان قصدا من وراء نظرية اللغة إلى إحياء القومية اليهودية.
وقد اعتبر ساطع الحصري اللغة أساس القومية، وعارض نظرية الأرض التي دعا إليها أنطون سعادة دون أن يتنبه إلى أن الفكر لا اللغة هو مصدر الوحدة.
وقد أجرى ساطع الحصري الجدل حول عديد من النظريات الأوربية في القومية دون أن يواجه جوهر المفهوم العربي الإسلامي المصدر والجذور: هذه الجذور التي تجعل من العسير فصل اللغة عن الفكر واعتبارها مقوما منفصلا، أو الاعتماد على نظرية بقاء اللغة أو ضياع اللغة مع أن الأساس هو بقاء العقيدة والفكر الذي يحمي وجود الأمة الحقيقي.
والواقع أن ساطع الحصري كان غربي الفكر أساسا بل وغربي الذوق أعجمي النطق، وأن تركيبه الثقافي والاجتماعي يحول بينه وبين نظرية عربية إسلامية أصيلة مستمدة من واقع الأمة الإسلامية وكيانها، وذاتيتها التي لا تنفصل فيها اللغة والتاريخ عن الفكر نفسه. وفي ذلك مغالطة أو جهل. ذلك أن اللغة العربية ليست لغة أمة فحسب ولكنها في نفس الوقت لغة فكر وعقيدة، فإذا كان العرب وهم مائة مليون يتحدثون بها فإنها لغة العقيدة والفكر لألف مليون من المسلمين يرتبطون بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وذلك التراث الضخم من الفقه والعلم والتاريخ. وأن اللغة لا تنفصل عن.   الفكر وأن تاريخ العرب لا ينفصل عن تاريخ الإسلام.
ومرجع ذلك إلى أن ساطع الحصري نشأ -كما ذكرنا- في بيئة الاتحاديين الأتراك الذين كانوا صنائع للفكر الغربي، والذين نشأوا في أحضان المنظمات الماسونية، وحملوا لواء الإيمان بالفصل بين الدين والمجتمع، وفهموا الإسلام فهما غريبا على أنه دين لاهوتي.
وعلى هذا الفهم الخاطى القاصر قامت نظرية ساطع الحصري التي لمعت سنوات تحت تأثير الخداع والأهواء حتى أن بعض دعاة الماسونية في العالم العربي راح يفسر عن طريقها تاريخ الإسلام كله فيرى أنه تاريخ قومي عنصري عربي. ومن ثم وجهت غارات الحقد والخصومة إلى الأمة الإسلامية وهذه هي الثمرة الحقيقة التي تهدف إليها حركة الغزو الثقافي التغريبي من طرح هذه النظرية القومية، الأقليمية الضيقة العدوانية الوافدة. بديلا عن المفهوم الأصيل "العروبة في إطار الإسلام"كما كان يفهمه شكيب أرسلان ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب وحسن البنا ومصطفى السباعي ومحمد المبارك.
هذه النظرية المضطربة التي خدع بها ساطع الحصري الكثيرين، التي سايرها كثير من المثقفين قبل أن يعرفوا سمومها العميقة. فلما عرفوها هاجموها وكشفوا زيفها.
والنظرية مضطربة من أساسها. ولو كان ساطع الحصري حسن النية لصحح موقفه من فهم الدين فهما غربيا لائكيا وفهم الإسلام بمعناه الجامع بين العقيدة ونظام المجتمع. لقد اعتمد أساس نظرية مفهوم الدين اللاهوتي بمفهوم أوربا والغرب للدين، ولذلك عجزت النظرية عن أن تنجح في إطار الفكر الإسلامي، بل إن كل العناصر التي عالجها كانت عناصر البيئة الغربية في مواجهة الصدع بين الجامعة المسيحية الأوربية وبين القوميات الإقليمية.  والتي كانت وراءها اليهودية الصهيونية لتمزيق هذه الوحدة والسيطرة على كل قطر على حدة. وهو نفس ما أرادته بالنسبة للجامعة الإسلامية التركية التي وقفت أمام دخول الصهيونيين إلى فلسطين وموقفهم من السلطان عبد الحميد واضح معروف.
إن كل التحديات التي تعالجها نظرية القومية الوافدة لا توجد أساسا في المناخ الإسلامي هذا فضلا عن اختلاف مفهوم (العروبة) عن مفهوم القومية في الغرب فضلا عن اختلاف مفهوم الإسلام عن مفهوم الدين بصفة عامة.
ومصدر خطأ ساطع الحصري أنه عجز عن فهم أبعاد الفكر الإسلامي وأعماقه، وعلاقة العرب بالإسلام، وعاش في مؤلفاته خادما لنظرية القومية الأوربية الوافدة التي قدمها النفوذ الأجنبي من بين ما قدم ليحطم الوحدة العربية الإسلامية الجامعة بعد أن عجز عن فرض الإقليميات القائمة على التاريخ القديم كالفرعونية والفينيقية والآشورية والبابلية.
وذلك أنه لما رأى هذه المحاولات تتهاوى ورأى أن العرب يتجهون إلى الوحدة أراد أن يفرغ هذه الوحدة من مضمونها العقائدي الجامع بين الروح والمادة والعقل والقلب والدنيا والآخرة إلى مفهوم اقتصادي مادي صرف، وبذلك فشلت نظرية القومية الوافدة كما فشلت مناهج التعليم الغربي، والقانون الوضعي وأسلوب التنظيمات السياسية الليبرالية وغيرها.
ولقد وقف ساطع الحصري في وضوح موقف الخصومة والحقد والتعصب على الإسلام كلما عرض له، وقد تجاهله طويلا في أبحاثه كأن العرب لم يعرفوه خلال تاريخهم الطويل. وكانت محاولاته للفصل بين اللغة العربية والفكر الإسلامي من ناحية. وبين تاريخ العرب وتاريخ الإسلام محاولة ساذجة. ثم كشف نفسه وأسقط مكانته كاملة حين اعترف بالقومية اليهودية القائمة على الدين، بينما عارض عنصر الدين في فهم القومية العربية.  وإن كانت كلمة (دين) لا تؤدي معنى الإسلام حين يكون البحث حول العروبة.
وقد ثبت أن ساطع الحصري قد خدم بدعوته وفكره مفاهيم الماسونية والنظرية القومية الوافدة التي كان النفوذ الغربي حريصا على تلقينها للعالم العربي. وهي ليست إلا صورة من مفهوم الإقليمية اللبنانية والمعروف أن ساطع الحصري كان من أعمدة وزارة المعارف في تركيا منذ أوائل حكم الاتحاديين في تركيا العثمانية إلى أن انتهت الحرب الأولى. وإنه كان من أخطر الموجهين للبرامج التربوية والتعليمية في العراق. حيث عمد إلى فصلها عن الإسلام فصلا تاما. وكان دوره أشبه بدور الدكتور طه حسين في التعليم المصري.
لقد حاول ساطع الحصري أن يقيم (فكرا عروبيا إقليميا) منفصلا عن الإسلام في روحه ومضامينه وشريعته. ولقد تجاهل أعمق أثر تركه الإسلام في الفكر والثقافة، واللغة والتاريخ وتجاهل أثر القرآن الكريم في اللغة العربية وفي العرب، ومدى ترابط ذلك إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة بالأمة الوسطى الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم عليه السلام فربطت هذا العالم الوسط (عالم العرب والإسلام) بروابط تاريخية وثقافية عميقة دعمتها الأديان السماوية التي نزلت في أرض الرافدين، وختمتها رسالة الإسلام العالمية التي نزلت في الجزيرة العربية.


* عجز الحصري عن فهم الفارق بين الكتلة الإسلامية والقومية الغربية وبين العروبة والإسلام:
أشار وليام ل. كليفلاند في كتابه "ساطع الحصري من الفكرة العثمانية إلى العروبة"إلى ما لتربية الحصري (غير الإسلامية) من أثر في توجهه.  القومي فيما بعد مؤيدا في ذلك فلسفة الحصري التي نسبت إلى التربية خطرا عظيما في تكوين الآراء والأهواء والاتجاهات فالحصري تعلم في المدرسة الملكية في إستانبول ولم يستظهر القرآن مثلما كان يفعل معظم تلاميذ السلطة العثمانية في عصره.
ويركز كليفلاند على هذا الفعل في حياة الحصري ويرى أنه هو السبب في أن ظهر في كتاباته بصورة المعادي للإسلام لا لسبب واضح إلا أن النمط القومي الأوربي معاد للكثلكة لسبب تاريخي أوربي خاص.
فالدين في أوربا أخفق فعلا في منع اتحاد أولئك الذين قدر لهم الارتباط بأسباب تتعدى الدين، كما يقول كليفلاند: لكن الإسلام استطاع أن يوحد شعوبا لم تكن العوامل الأخرى قادرة على توحيدها.
لقد أشار كليفلاند إلى تأثير الحصري بموقفه المتناقض الحاد بين القومية والكثلكة في أوربا وهو ما ليس له مثيل في المجتمعات الإسلامية بل إن كليفلاند يرى أن موقف الإسلام من القوميات يختلف عن موقف المسيحية في الغرب.
ويرى أن الإسلام كان قادرا على التوحيد الحضاري الذي يقوى على الزمن، حيث ينزع الباحثون إلى اتخاذ عروبة القرآن نموذجا على عوامل التوحيد الحضاري وإن كان الإسلام أحدث نتاجات حضارية أخرى فأنشا تراثا غنيا استطاع أن يوحد مجتمعات لم تكن جميعها مسلمة بالضرورة فالفتوحات الإسلامية دفعت المسلمين إلى دراسة الجغرافيا والعلوم العسكرية وتدوين الوقائع والتاريخ وتنظيم الإدارة وتطوير النظم الضريبية والرياضيات والموسيقى والعمارة، وهذه جميعها شكلت حضارة إسلامية ذات سمة خاصة وهي سمت الإنسان المنتمي إليها أيا كان دينه أو مذهبه (١).

.أما الإنتاج الحضاري في أوربا في عصر ظهور القوميات فسلك مسالك مختلفة أهم ما فيها اللغات العامية هي التي عبرت عن هذا الإنتاج الحضاري فكان لا بد من أن تثور القوميات الناشئة على السلطة الاسمية التي كانت تمثلها الكثلكة، في مؤسساتها وسلطانها، أما الإسلام فلم يكن له يوما تلك المؤسسة الدنيوية المركزية الكهنوتية ولا احتكرت فيه التشريع جهة من الجهات وكانت له في المقابل لغة واحدة لجميع المسلمين. اهـ.

هذه هي الفوارق العميقة بين الإسلام والعروبة وبين المسيحية والغرب والقوميات التي عجز ساطع الحصري عن فهمهما حين حاول أن يطبق النموذج الغربي في العلاقة بين المسيحية والقوميات على الإسلام والعروبة.
ومن هنا كان فشله وسقوط نظريته وعجزها عن الاستجابة الحقيقية، على هذا النحو الذي كشف عنه وليام كليفلاند في كتابه عن ساطع الحصري.
ويقول كليفلاند: إن الإسلام لم ينقض العروبة بل أغناها وأمدها بكابحات حضارية جعلتها صفة وسمة خاصة بين الأمم، وأمكنها من أن ترث مهمة مقارعة الغرب التي حملها الفرس على عاتقهم عشرة قرون منذ ما قبل الإسكندر، وأصبحت هذه الحضارة الإسلامية عند العرب من سمات قوميتهم وملامحهم المميزة أيا كانت عقيدتهم الدينية.
وغاية ما يقول كليفلاند: أن التناقض الحاد بين القومية والكثلكة في أوربا لا نجد له مثيلا في المجتمعات الإسلامية، وهذا هو سر موقف الحصري الجاف من الإسلام غير أن البعض يرى: أن ساطع الحصري انتقل من مفهوم الاتحاديين حول القومية الطورانية إلى العروبة أو نقل مفهوم الاتحاديين إلى العروبة أو حاول تقديم المفهوم العلماني الذي تجمع حول فكر الطورانية الذي قدمه أعداء الإسلام وأصحاب الولاء الغربي، حيث حاول تقديم هذا الفكر.  في قضية الإسلام والعروبة ومن هنا كانت تجاوزاته ومحاذيره" (١) اهـ.


* سلامة موسى الكاره للإسلام .. الدجال .. كالشجرة التي تنبت مرا، لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر:
"محاولة إعادة سلامة إلى الحياة محاولة خاسرة وقد باءت بالفشل الذريع. سلامة موسى الرجل الذي لم يعرف له في تاريخه الطويل موقف يدعو فيه لتحرير مصر من الاستعمار البريطاني وقد سقطت جميع آرائه وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.
لقد كانت كل كتابات سلامه موسى وأفكاره في حقيقتها جماع خيوط المخطط الماسوني التلمودي بباطله وهدمه وأخطاره ولقد عرف أن سلامة موسى كان يلفظ الإسلام والمسيحية معا وهو الذي أضاف إلى قائمة الرسل والأنبياء: فرويد وماركس ودارون ولينين.
كان السؤال الهام في الندوة عن الظاهرة الخطيرة التي حاولت بها بعض الجهات طرح كتب سلامة موسى في السوق مرة أخرى بأعداد كبيرة، ونشرت عديدا من كتبه ما عدا كتابه "اليوم والغد"الذي قال بعض أصحاب الولاء: أنهم لن يعيدوا طبعه والسر أن هذا الكتاب يكشف حقيقة سلامة موسى، ودعوته المسمومة، والشعوبية والماركسية جميعا.
والحق إن كتابات سلامة قد تجاوزها الزمن، ولم تعد تمثل أي عطاء ثقافي بعد أن سقطت كل هذه الدعاوي التي روجها الاستشراق والتغريب في الثلاثينات والأربعينات .. شأنه في هذا شأن طه حسين ومحمود عزمي وعلي عبد الرازق ومن تبعهم أمثال حسين فوزي وتوفيق الحكيم ولويس عوض وغيرهم.   والواقع أن النفوذ التغريبي لا يهمد ولا يتوقف عن غاياته وإن بدا أنه يغير جلده بين حين وآخر ليخدع أجيالا جديدة بتلك السموم التي قدمها على أيدي عملائه ثم تكشف زيفها.
دعا سلامة موسى إلى استعمال العامية وهدم العربية وجدد الدعوة لويس عوض في مصر ويوسف الخال وأنيس فريحة في الشام وكانت النتيجة هي الفشل المحقق.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية "وجدد الدعوة بعده كثيرون ولم يصلوا إلى شيء.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية، وجدد الدعوة إلى إبطال حكم من أحكام الدين وذلك بشأن ميراث المرأة، وقد لقنه الباحثون درسا قاسيا مريرا.
دعا سلامة موسى إلى الماركسية وقد كشفت الأيام زيف دعوته وفساد وجهته.
والحقيقة أن سلامة موسى لم يكن إلا رجل يحمل التراب فيذروه في وجه الناس حقدا وكراهية لهذه الأمة أن يتحقق لها امتلاك إرادتها وخدمة لكل التيارات الحاقدة عليها والكارهة لها. ولقد كان الكاتب في هذه الفترة يعترف بأنه ماركسي أو غربي أو داعيا لفرنسا أو إنجلترا ولكن سلامة موسى كان يعمل لكل هذه الجهات عن طريق الماسونية والمخطط الصهيوني الذي كان يحتضن كل فكر هدام .. فكان ينثر من كتابته مقتطفات عن (دارون) ومذهبه، وعن (فرويد) ومذهبه، وعن إقليمية مشوبة بالفرعونية، وعن العامية مشوبة باللاتينية ويحتضن كل كتاب هذه السموم من (ولكوكس) إلى (ماركس) ويدعي! ويناقض دعوته بمدح الخديو إسماعيل، وموالاة الاستعمار البريطاني ولا ريب فقد تخرج سلامة موسى من مدرستين:
من مدرسة تربية أبناء العرب الذين يقعون في فخاخ القوى العظمى فقد.  .دار الهلال البرهان القاطع على تلونك وغدرك".
ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. فقد أرسل خطابا (نشرت صحف دار الهلال) صورته الزنكغرافية موجها إلى الأستاذ حسين شفيق المصري في ٣ نوفمبر ١٩٣٠ هذا نصه:
عزيزي حسين:
بعد التحية: تعرف الخصومة بيني وبين السوريين (أي أصحاب دار الهلال) فأرجوك أن ترسل لي خطابا على لسان سوري وقح يشتمني فيه بإمضاء إسكندر مكاروس أو غيره من الهكسوس. وأنا في انتظار الخطاب.
أخوك سلامة موسى
وقد علق الأستاذ حسين شفيق المصري على هذا يقول:
كان يريدني أن أزور خطابا، وأن أفتري على أمة، وأن أنزل إلى الدرك الأسفل من النذالة بالكيد لقوم ليس بيني وبينهم غير الصداقة والمودة.
هذا اللعب من لعب الصبيان فعجيب أن يكون منه وهو ينادي بأنه فيلسوف من علماء النفس، أغفر له كل شيء إلا أن يظن بي ما ظن من الجهل والحمق. وهو يدعوني إلى كتابة ذلك الكتاب الذي أشتمه فيه بتوقيع رجل بريء لا ذنب له إلا أن في الدنيا رجالا لا يحاسبون ضمائرهم، ولا يرون أبعد مما بين أنوفهم وجباههم".
بل ويذهب سلامة موسى إلى أبعد من ذلك فيقول:
"ومما يدل على أن حركتنا الوطنية بأيدي ناس غير قادرين على الاضطلاع بها أن الحركة التي قامت في العام الماضي وكانت غايتها اصطناع القبعة قاومها زعماؤنا وقتلوها في مهدها. فأثبتوا بذلك أنهم لا يزالون آسيويين في أفكارهم، لا يرغبون في حضارة أوربا إلا مكرهين. وقد أدرك مصطفى كمال الذي لم تنجب بعد نهضتنا رجلا مثله ولا ربعه ولا يعرف.  مقدار ما للقبعة من القيمة والإعلان بالانسلاخ عن آسيا، والانضمام إلى أوربا، ولم يمنع استعمال السيف في هذا".
ويقول: هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرا وجهرا فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التي اتسمت بها أوربا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب، ويتنصلون من الشرق .. ليس هناك حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوربية.
ويقول: وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة للشباب، وبعثرة لقواهم. وكيف يمكننا أن نعتمد على جامعة دينية بينما في العالم نظرية تقول: أن الإنسان لم يكن راقيا فانحط كما تقول الأديان. بل هو كان منحطا فارتقى تعني بها نظرية التطور بل كيف يمكن لإنسان مستنير قرأ تاريخ السحر والعقائد أن يطلب منه أن يخدم جامعة دينية. إن الجامعة الدينية في القرن العشرين وقاحه شنيعة".
ويقول: "لا عبرة بما يقال من أن الإسلام أمر بالشورى فإن خطب جميع الخلفاء تثبت أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم نظرا بابويا بل البابا نفسه إذا قيس إليهم في بعض الأشياء يعد دستوريا".
ويقول: "إن أكبر تجربة اجتماعية رآها العالم هي الشيوعية الروسية الحديثة وظهور الشيوعية هو بمثابة حاجز بين الماضي والمستقبل فهي تفصل الاثنين فصلا واضحا وهي على ما فيها من نقائض اليوم وعلى ما ينال الناس البعيدين عنها من الرعب، فإنها ستكون بذرة لجملة أنظمة اجتماعية في المستقبل".
وهكذا تحوي كتابات سلامة موسى كل السموم التي علموه أن يثيرها في أفق العرب والمسلمين يوما بعد يوم، علموه أن الاشتراكية هى الهدام.  الأكبر للمسلمين وازدراء كل ما هو عربي، والدعاية الشيوعية، وكذلك الدعاية للإباحية.
يقول سلامة موسى: "ليس من مصلحة الإنسان أن يعيش في قفص من الواجبات الأخلاقية، يقال له هذا حسن فاتبعه وهذا سيئ فاجتنبه".
وعلموه الدعوة إلى التبعية للغرب وللاستعمار.
يقول سلامة موسى أيضا: "أجل يجب أن نرتبط بأوربا، وأن يكون رباطنا بها قويا نتزوج من أبنائها وبناتها، ونأخذ عنها كل ما يجد فيها من اكتشافات واختراعات وننظر للحياة نظرها، ونتطور معها تطورها الصناعي، ثم تطورها الأشتراكي والاجتماعي، ونجعل أدبنا يجري وفق أدبها بعيدا عن منهج العرب، ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها".
هذا هو سلامة موسى الذي يريدون أن يحيوه مرة أخرى ويجددوا فكره، هذا الفكر الذي تجاوزه المسلمون والعرب اليوم وإن كانوا قد خدعوا به هناك يوم كان دعاة التغريب تعوي كتاباتهم بالسموم!!
إن ما قدمه سلامة موسى عن الماركسية والفرويدية والدارونية هي كلمات مجمعة قد جاوزها البحث العلمي الآن، وكشف زيفها فقد ظهر الآن فساد ما دعا إليه دارون وتبين أن وراء إذاعة دعواتها ونشرها كانت التلمودية التي تريد أن تقول: أن الإنسان حيوان لتمهد لفرويد اليهودي نظريته في الجنس وكانت الماركسية والفرودية والداروينية من أدوات الفكر الصهيوني، الذي حاول أن يؤسس مدرسة في البلاد العربية والإسلامية. كما دعا إلى البهائية التي عرفها في لندن سنة ١٩١٠ عندما اتصل بجماعة الدهريين ولم يدع كتابا من كتبهم لم يقرأه وكانت معظم مؤلفاتهم في نقض الأديان السماوية -على حد تعبيره- ولا بد أنه اتصل بمحافل الماسونية، وتعلم فيها فإن كل اتجاهه كان ماسونيا تلموديا ولم تعرف حقيقته إلا بعد أن ترجمت.  بروتوكلات صهيون إلى اللغة العربية عام ١٩٤٨، وأن كل محاولاته وخططه كانت ثمرة هذه التبعية الماسونية التلمودية وقد أشار كثيرون إلى أنه لم يكن مسيحيًا صادقًا وإنما كان ولاؤه لفرويد وماركس.
وقالوا: الشجرة الفاسدة تثمر ثمرًا رديئًا، وكل شجرة لا تثمر ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار.
ولا ريب أن دعوة سلامة موسى إلى وحدة الأديان هي من مفهوم البهائية، وأن اهتمامه بالسلطان "أكبر"الهندي الذي أجرى هذه التجربة داخل في دعوته، كذلك دعوته إلى وحدة الوجود، ومذهب (سيبونزا) في وحدة المادة والقوة والروح والجسد هي من طريق خطه الواضح وكذلك فهو يرى أن حرق جثمان الميت أطهر وأنظف!!
وقد تمنى سلامه موسى أن يحرق جسمه بعد موته، وقد عمل على نشر آراء تولستوي وغاندي؛ لأنها تحاول مواجهه مفهوم الإسلام الجامع ومفهوم الجهاد وحتى ديانته المسيحية فإنها لم تسلم من هجومه وهو يعتقد أنها حجبت عن عقول الناس نور الثقافة اليونانية وحريتها، وأن هذا الحجب والحجر ظل ألفًا وخمسمائة سنة حتى بدأت بشائر النهضة الأوربية التي كان أساسها الخروج عن سلطان الكنيسة وإطباقها على النفس والعقل البشريين، والعودة إلى أسس الثقافة اليونانية وحريتها.
وقد بشر بدين جديد دعا إليه ودخل هذا الدين في عقيدته أنه (دين البشرية) كما يسميه، وهو ما دعا إليه (أوجست كونت)، ويرى أن دين البشرية بذرة من ديانة بوذا وهو دين لا يدعو إلى الإيمان بالله، أو الخلود في العالم الثاني، ولا ريب هذا الاتجاه الذي استكمله بأنبياء آخرين آمن بهم هم ماركمس وفرويد بوحي بماسونيته وولائه التلمودي الصريح، كذلك فإن دعوته إلى العالمية هي دعوة الصهيونية العالمية التي تريد هدم الأمم. المسلمة في.  مرحلة ضعفها واحتوائها للسيطرة عليها وتذيبها في أتون الأمية.
ولا ريب أن حملة سلامة موسى على اللغة العربية الفصحى، والشعر والأدب العربي هو دعوة مبطنة للحملة على الإسلام والقرآن وهي الدعوة التي حمل لواءها لويس عوض من بعد وتؤكد دعوته في مجموعها موالاة الدعوة الشعوبية التي ترمي من وراء القضاء على العرب وكيانهم إلى القضاء على الإسلام باعتبار أن تلك هي قاعدته الأساسية.
لقد كانت أصدق كلمة لباحث معاصر أنه لم يعرف لسلامه موسى مقال وطني واحد دعا فيه إلى تحرير مصر من الاستعمار البريطاني.
إن محاولة إعادة سلامة موسى إلى الوجود محاولة باطلة فقد سقطت آراؤه جميعًا وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.


* ما هو رأي مصطفى صادق الرافعي في سلامة موسى؟
يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي:
رأيي في سلامة موسى معروف. لم أغيره يومًا. فإن هذا الرجل كالشجرة التي تنبت مرًا. لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر، ما زال يتعرض لي منذ خمس عشرة سنة، كأنه يلقي عليَّ وحدي أنا تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها، فهو عدوها وعدو دينها وقرآنها ونبيها، كما هو عدو الفضيلة أين وجدت في إسلام أو نصرانية.
دعا هذا المخذول إلى استعمال العامية وهدم العربية، فأخزاه الله على يدي، وأريته أنه لا في عيرها ولا نفيرها. وأنه في الأدب ساقط لا قيمة له.
وفي اللغة دعي لا موضع له، وفي الرأي حقير لا شأن له فلما ضرب وجهه عن هذه الناحية وافتضح كيده دار على عقبيه واندس إلى غرضه الدنيء من ناحية أخرى، فقام يدعو إلى (الأدب المكشوف) فأخزاه الله مرة أخرى ولم.  يزد بعمله على أن انكشف هو، فلما خاب في الناحيتين، اتجه إلى الشارع الثالث فانتحل الغيرة على النساء والإشفاق عليهن، وقام يدعو المسلمين إلى إبطال حكم من أحكام دينهم وإسقاط نص من نصوص قرآنهم ظنًا منه أنهم إذا تجرأوا على واحدة هانت الثانية، وانفتح الباب المغلق الذي حاول هذا الأحمق فتحه طول عمره من نبذ القرآن وترك الإسلام وهجر العربية كأن إبليس لعنه الله قد كتب على نفسه (كمبيالة) تحت إذن وأمر (سلامة موسى) إذا محيت العربية أو غير المسلمون دينهم أو أبطلوا قرآنهم، فكانت البدعة الثالثة أن يدعو المسلمين جهرة إلى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، فأخزاه الله.
ثم قام هذا المفتون يدعو إلى الفرعونية؛ ليقطع المسلمين عن تاريخهم، وظن أنه في هذه الناحية ينسيهم لغتهم وقرآنهم وآدابهم، ويشغلهم عنها بالمصرولوجيا، الوطنولوجيا، ثم أتم الله فضحه بما نشره أصحاب دار الهلال.
ويقول الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني تحت عنوان:
سلامة موسى ليس بشيء إن لم يكن دجالاً!!
بضاعته بضاعة الحواة المشعوذين وله حركاتهم وإشاراتهم وأساليبهم.
يزعم نفسه أديبًا، وتعالى الأدب عن هذا الدجل، ويدعي العلم، وجل العلم أن يكون هذا دعاؤه، ويحاكي الملاحدة ليقول عنه المغفلون أنه واسع الذهن، وليتسنى له أن يغمز الإسلام ويبسط لسانه في العرب، والحقيقة أنه لا أديب ولا عالم، وإنما هو مشعوذ يقف في السوق، ويصفر ويصفق ويصخب، ويجمع الفارغين حوله بما يحدث من الصياح الفارغ والضجة الكاذبة.
لقد آن لمن تعنيهم كرامة الأدب أن يقتلعوا هذه الطفيليات، وأن يطهروا من حشراتها ونباتها رياضة، وأن يقصوا عن مجاله هؤلاء الواغلين الذين.   يتخدون أسمى ما في الدنيا وأجل ما في النفس طبولاً لهم، ويتذرعون بالتهجم على الدين -على دين واحد في الحقيقة- وعلى العلم والفلسفة والأدب لنيل ما يستحقون، ويفسدون عقول الناس، ويبلبلون خواطرهم بما يغالطونهم فيه ويخادعونهم".


* سلامة موسى: دارون ونظرية التطور:
حاولت قوى التغريب دفع أفكار سلامة موسى إلى أبعد مدى بعد أن هلك، ولكن لم يكن ذلك ليجد أي صدى، فقد تقادم العهد الذي كانت كتاباته تملأ نفوس الشباب ببريق خاطف، وتبين فساد النظريات الثلاث التي دافع عنها وسقوطها:
ا- نظرية اللادينية والعلمانية، وهذه قد تداعت في داخل المجتمعات التي دعت إليها وظهرت بها.
٢ - نظرية داروين التي تكشفت الأخطاء عن فسادها وزيفها.
٣ - نظرية التحليل النفسي لفروديد وقد اعتورها زيف كبير ونكشف عن أنها نظرية تلمودية تستهدف تدمير الإنسان وتحطيم وجوده.
يقول الأستاذ لمعي المطيعي: أن سلامة موسى وجه سهم قلمه مباشرة إلى عقيدة المصريين جميعًا، حيث ترجم في وقت باكر كتاب "نشوء فكرة الله"لجرانت إليه، فهم يؤمنون إيمانًا راسخًا بالخالق (خالق السموات والأرض) فلماذا يأتي هذا الكاتب ليعرض عليهم هذه الأفكار وما مدى اقتناعه هو نفسه بها سيما وإن كان قد تتلمذ على أفكار شبلي شميل وكتب عن الدارونية ونظرية التطور ودعا إلى العلمانية.
وقال: الانطباع الأول هو الانطباع الأخير.
لقد غفل الكاتب عن حقيقة جوهرية، وهي أن الأمة العربية تحرص. 
على التطور والتقدم والتحديث من خلال المحافظة، على العقيدة وليس عن طريق التناقض معها أو مواجهتها إذ أن الشعوب العربية تؤمن بأن العقيدة لا تتناقض مع العلم بل إنها تدعو إليه.
ومن أعماله أنه طالب باستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية في الكتابة على زعم أن الكتابة بالحروف اللاتينية أيسر، فثار أهل العربية -على حق- ضد هذه الدعوة ووجدوا منها سندًا جديدًا على اتجاه الكاتب: (المعادي لعقائد الناس ولغتهم).
وقد تتلمذ سلامة موسى على أفكار لطفي السيد وفرح أنطون ويعقوب صروف".
ويقول نعمان عاشور الذي كان يحضر مجالسه الخاصة: إن آراءه واتجاهاته كانت تجنح في معظمها للتطرف الجارف والخروج عن المألوف، وكان يخفي نزعته الطائفية وراء ستار رقيق من العلمية، ولكنه اضطر أن يكشفها في مقالاته في جريدة مصر، وكان يكشفها لتلاميذه في اجتماعاته الخاصة مع دعواه الدائمة في كتاباته إلى نبذ التعصب وإبعاد الدين عن الخلافات السياسية والمذهبيات الاجتماعية والتطلعات الوطنية والقومية.
وقد دعا إلى الفرعونية، وكتابة العربية بالحروف اللاتينية، وكانت له نظرات محددة في معالجة الجنس فضلاً عن النظرة الاشتراكية.
وقد عمل سلامة موسى في جمعية الشبان المسيحية، ما وصفه نعمان عاشور بأنه "حدبة على الشباب"وندواته ومحاضراته ومناظراته التي كان يشترك فيها وملتقى كبير من الشباب المسلمين والمسيحيين الذين كانوا يؤمنون بما يعتقده.
ا- الاتجاه إلى المذاهب الاشتراكية.
٢ - الإيمان بالغرب.
٣ - كراهية الإسلام.
وكان يوزع على الجالسين ورقة صغيرة يكتب كل منهم رده على ما سيوجه إليهم من أسئلة كشباب ليعطوها له في آخر الجلسة حيث يقوم بعمل حصر ميداني لمشاكل الشباب.
وقال: أنه صودر في حملة عام ١٩٤٦ مع زكي عبد القادر وعصام الدين حفني ناصف.
وكان قد أقام في لندن أربع سنوات تأثر فيها بالحركة الاشتراكية الفابية وكان معجبًا ببرنارد شو وتتلمذ على يعقوب صروف وفرح أنطون، وكان له دوره في مجلة الهلال".
ولا ريب أن كتابة "نعمان عاشور"تكشف الكثير وتلقي الضوء على الخطة التي كانت تقوم عليها جمعية الشبان المسيحية في الثلاثينات بالاشتراك مع الجامعة الأمريكية من ناحية أخرى في التبشير واجتذاب الشباب، ومع الدور الذي كان يقوم به طه حسين في كلية الآداب، ومدرسة السياسة (محمود عزمي وعلي عبد الرازق) في حزب الأحرار الدستوريين.
وذلك مخطط مدروس كشفنا عنه في كثير من الدراسات وهو نمو طبيعي لمدرسة سعد زغلول ولطفي السيد في التعليم والصحافة والأحزاب الموالية لكرومر والاستعمار.
ولو أفصح الأستاذ نعمان عاشور لقال: أن سلامة موسى كان يجتمع بالشباب بعد اختباره والتعرف عليه في غرفة مغلقة في جمعية الشبان المسيحية وكان يتناول أخطر المسائل بالنسبة للإسلام والقرآن بعد التأكد من أن الحاضرين عليه يحتقرون الإسلام ويسخرون منه، وكان ذلك كله مددًا لمعهد شارع المناخ الذي كان يديره (هنري كوريل) اليهودي الميسور الذي أنشا في مصر خلايا الشيوعية وأحزابها والذي ينتسب إلى التلمذة عليه عدد كبير من.  الأسماء اللامعة الآن في مجال اليسار والشيوعية.
- وعندما تطالع مواد العدد الأول من المجلة الجديدة (ديسمبر ١٩٢٩) التي أصدرها سلامة موسى بعد أن فصل من دار الهلال تجد أنه أراد أن يسجل برنامجه التغريبي كاملاً فأورد هذه الموضوعات:
- العلم وحده (محمود عزمي).
- المجددون يقولون بالتطور (سلامة موسى).
- دارون، الفرعونية، الإغريق.
- الصراحة في المسائل الجنسية.
- البهائية، الرجعية، الوطنية والعالمية.
- التجديد في تركيا.
- الشرق شرق والغرب غرب.
- المصريون أمة غير شرقية.
- دين البشرية.
- الأزمة الدينية في العالم.
- اللغة العربية.
- المادية.
- العقل وحده، غاندي.
- السفور في العالم الإسلامي.
- فولتير، هافلوك إليس، نيتشه.
- البشرية دين جديد.
- التعليم.
- السلفيون والمجددون.
- أرايت أيها القارئ المسلم هذه الموضوعات: هل غادرت قضية واحدة. 
من قضايا التغريب، ما أحوجنا إلى بحث جامع في الرد على العدد الأول من المجلة الجديدة!
واليوم وبعض أبناء سلامة موسى يجددون تراث أبيهم تراهم يخافون طبع كتابه "اليوم والغد"؛ لأنه يكشف خطته ومؤامرته على العروبة والإسلام واللغة العربية (وهو كتاب قرأته وأنا في السابعة عشرة)، لكنهم يطبعون كتاب "الثورات"الذي هو خدمة أساسية للفكرة الماسونية التي تعمل على تحطيم الأنظمة الروحية والاجتماعية والأخلاقية في العالم الإسلامي، معليًا من شأن الثورة الفرنسية على أساس أنها قمة الثورات، وإعلان، الإعجاب بها مع عدم تعمق الفهم للدوافع والغايات التي أحاطت بها، وأنها هي ثورة الماسونية الحقيقية التي أخذت تعدلها منذ عصر فولتير، ورسو، وديدرو والتي غيرت وجه أوربا كله في سبيل تمكين اليهود للخروج من الجيتو وإحلال الانتماء الوطني بديلاً للانتماء الديني، والقضاء على التنظيمات المسيحية التي حاولت وقف خطرهم وسيطرتهم، وتحطيم وحدة الجامعة المسيحية في أوربا، بل إن البروتستانتيين كما يبين من بعد كانوا في خدمة أهداف الماسونية والصهيونية وأنهم حتى الآن هم المؤيدون لفكرة وجود اليهود في إسرائيل".
- وبعد فإن مفتاح شخصية سلامة موسى هو كراهيته للإسلام والعمل في كل معسكر معادٍ له، ويبدو أن سلامة موسى حين ذهب إلى لندن جندته الماسونية العالمية بذكاء خارق واستغلت نحلته على النحو الذي اسُتُغِلّ به شبلي شميل في مهاجمة الدين بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة" (١) اهـ.
وذهب شبلي شميل وسلامة موسى إلى مزبلة التاريخ مع الدّجالين الذي تلعنهم السموات والأرضون والناس أجمعون.
 
* توفيق الحكيم ينكر رؤية الله في الآخرة ويخوّل لنفسه أن يتكلم باسم الله:
"منذ أن بدأ توفيق الحكيم كتاباته الأولى كان واضحًا أنه مغرب وأن أمانته للفكر لغربي أكبر من أمانته للفكر الإسلامي العربي وعندما كتب أكبر أعماله: أهل الكهف وسليمان الحكيم، اعتمد على التوراة مصدرًا للقصة، وبذلك جار على مفهوم الإسلام الذي قدمه القرآن الكريم وهو في مختلف القضايا الكبرى المثارة أخذ جانب التغريب (رأيه في العرب، الفن للفن، لا يوجد اليوم شرق، القبعة) وهو الذي عاش في كنف النفوذ الاستبدادي مؤيداً ومساندًا حتى إذا تغير الوضع أعلن موقفًا جديدًا ثم هو الموالي لكل تيار: الاشتراكية، لوجودية، اللامعقول، الفرعونية، اليونانية، وفي القصة انتقل من الواقعية إلى الرمزية، إلى اللامعقول وفي آخر حديث له قال: إن كل أعمالي التي تبت العمر فيها لا قيمة لها، ضيعت حياتي في كتب كان يخيل إلي أن لها قيمة، ربما كانت لها قيمة في الثلاثينات والأربعينات ولكن بعد الخمسينات لا أظن.
ولم يكن توفيق الحكيم إلا ناقل فكر غربي من مختلف مدارس المسرح والقصة وكان للمسرح والقصة اليونانية والغربية بهرًا في مطالع المرحلة، ولكن ثقافة الأمة وذوقها قد تحول، وبدأت أشياء جديدة تأسر العواطف والمشاعر.
أما موقفه من العرب، هذا الموقف الكاره الذي يقوم على انتقاص الأمة التي أختيرت لحمل رسالة الإسلام، بعد أن تهاوت أمانة الرسالة لدى أمم أخرى، فهو موقف مبني من الأمم الحاقدة التي لها ولاء خلف الإغريق والوثنيات، يقول توفيق الحكيم: في مسرحية "شهر زاد"صدى الأفكار الكثيرة التي دوت في ذهني إثر اتصالي بالفلسفة الأوربية. كانت الفلسفة.  الأوربية في ذلك الوقت تقوم على أن الإنسان هو رب هذا الكون، وأن الله (جل وعلا عما يقولون علوًا كبيرًا) قد مات كما قال نيتشه وأن المتحكم في مصائر البشرية هو الإنسان وحده بحريته المطلقة، ولذلك كانت موجة الالحاد وإنكار الدين تغمر المحيط الثقافي الأوربي عندما ذهبت إلى باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد صدم هذه العقلية الشرقية المتدينة التي أحملها فوجدت كل هذه الأفكار المتضادة متنفسًا لها في مسرحية شهر زاد".
- وتوفيق الحكيم الذي يعترف بأولياته ومصادره على هذا النحو هل استطاع أن يتحرر منها بأن يعود إلى أصالته أم أنه مضى منطلقًا في هذا الطريق الذي شقه ومن قبله العلمانيون التغريبيون أمثال طه حسين، ومحمود عزمي، الواقع أن توفيق الحكيم لم يغير طريقه وإنما مضى فيه إلى أبعد الحدود حين وصل إلى الحوار مع الله في السنوات الأخيرة والسخرية من ملائكة الله، ومن ملك الموت على وجه الخصوص في عديد من كتاباته وأحاديثه.
- أما وقائع حياته فهي تكشف عن تبعية واضحة للفكر الغربي فهو من أوائل الدعاة إلى القبعة الأوربية واتخاذ الحضارة الغربية منطلقًا للعرب والمسلمين، وهو الداعي إلى الإقليمية المصرية ذات الطابع الفرعوني الكاره للعرب والمسلمين، وهو صاحب التبعية للنسق الغربي في الأدب والولاء للصهيونية العالمية والتلمودية، وقد تساقطت دعاواه ومذاهبه ومنطلقاته على مدى الأيام حتى أعلن ذلك صراحة في السنوات الأخيرة، ولكن المرحلة الجديدة من أحوال مصر والبلاد العربية جددت فيه الأمل مرة أخرى إلى التشكيك وإثارة البلبلة واقتحام مجالات لا يحسنها، وعرفت عنه تقلباته المتوالية، فبعد أن نعم بالعصر الناصري، عاد فأعلن هجومه عليه، ثم فعل كذلك مع السادات.   مصرًا على ما كتب غير مقتنع بأنه أخطأ وقال بالنص: إني لم أرتكب خطأ؛ لأن كلامي مع الله كان صريحًا، وليكن الأسلوب ما يكون ولكني لن أغير كلمة واحدة منه وقد جاء في مقالاته تجاوزات خطيرة:
أولاً: الاجتراء على مقام الله تعالى حيث لا يجوز لمسلم أن يتخيل حديثًا مع الله فهذا اجتراء على مقامه.
ثانيًا: التشكيك في عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثًا: قوله: إن الأديان نسبية ودعوته إلى التسوية بين الأديان السماوية.
رابعًا: الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة.
خامسًا: ادعاؤه أن العلماء التجريبيين غير المسلمين يدخلون الجنة.
سادسًا: مهاجمته للغة العربية ودعواه أنه لا يُنتفع بها وأن عصرها قد انتهى.
- كشف توفيق الحكيم عن نفسه في كتاب "زهرة العمر"فقال:
إني أعيش في الظاهر كما يعيش الناس في هذه البلاد، أما في الباطن فما زالت لي آلهتي وعقائدي ومثلي العليا، كل آلامي مرجعها هذا التناقض في حياتي الظاهرة وحياتي الباطنة (١٩٤٣).
والحقيقة أن مراجعات الحوار مع توفيق الحكيم التي أجراها العلماء عام ١٩٨٣م، وبعد أربعين سنة تحتاج إلى هذا النص حتى يمكن تفسيرها وتوضيحها.
وإذا كان توفيق الحكيم يزعجه أن يواجه بأخطائه مما لم يحدث لطه حسين وغيره فإن عليه أن يعلم أن هذا ليس نفوذ علماء الإسلام بل هو طبيعة الصحوة الإسلامية فقد مضى العهد الذي كان التغريبيون يخوضون في الأمور ما ليس من حقهم ثم لا يجدون من يواجههم ويكسر منطلقهم الباطل،. وقولته: "إن علماء الدين يريدون أن يكونوا لهم وحدهم حق تشكيل عقلية الأمة على أساس العلم الديني الذي درسوه في الكتب المعتمدة وطبقًا للنصوص التي قرأوها وأقروها وحدهم دون أن يقبلوا تطورًا في أصولها أو أي شيء من المعارف التي تصل إلى تفكيرهم بالحياة على النحو الذي يعيش عليه الجزويت".
- إن هذا النص يوحي بأن توفيق الحكيم لم يستطع خلال أكثر من أربعين سنة أن ينظر إلى اليقظة الإسلامية وما زال غارقًا في بحيرة الجزويت ومفاهيم المسيحية الغربية، ونحن نقول له: إن المواجهة التي يلقاها ليست مواجهة علماء الدين ولكنها هي تصحيح لمفهوم الإسلام الأصيل الذي هو وحده الذي يشكل عقلية الأمة، وليس هو العلم الديني بمفهوم اللاهوت الغربي، ولكن بمفهوم العلم الإسلامي الجامع المتكامل الذي يمثل حقيقة المنهج الصحيح للفكر والثقافة والذي يواجه كل فكر وثني تغريبي مادي علماني يحاول أن يدخل ساحة الفكر الإسلامي متسللاً على النحو الذي يقوم به توفيق الحكيم والتطور في الوسائل وليس منهج الإسلام الذي يجمع بين الثوابت والمتغيرات والقابل للمتغيرات والتحويلات وليس بمفهوم التطور الذي يطبقه توفيق الحكيم على الأيدلوجيات والأديان البشرية.
- من أخطائه في هذه الأحاديث: أنه ليس من حق أي إنسان أن يقول: أنه يفهم الدين كما يشاء، فقد تفهم الفلسفات والأيدلوجيات، أما الدين السماوي الإلهي فيجب أن يفهم كما فهمه محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن خيانة الأمانة أن يفسر أحد مهما بلغ من الثقافة العصرية أن يفسر الدين بعقله، وأن أمور الدنيا يمكن أن تفكر فيها بالعقل، ولكن الدين تفكر منه بعقلية عصر النبوة، وأن القول: بأن كل واحد ما دام قد تعلم وتنور وقرأ كتبًا وصحفًا فله أن يفهم الدين كما يشاء، هذا قول مردود، والدين لا يكون دينًا إلا من.   مدرسة النبوة، من النبع.
- أما مسألة التخيل في الحوار فإن ذلك مخالف للقرآن والسنة والشريعة وكذلك خطأه في القول بنسبية الأديان، وخاصة الدين الإسلامي، وبقوله: أنه لا يشترط لدخول الجنة شهادة: "أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله"أما دعوى الاجتهاد فإنه لا اجتهاد مع النص، بمعنى أنه إذا وجد الحكم فيها وإلا فإنه لا يصح إلا للعلماء المتخصصين في الدين أن يجتهدوا، وهو ما لا يصح له.
أما دعواه بأنه اعتمد على القرطبي، فإن الكتب فيها مسائل خلافية كذلك لا يؤخذ المعنى من هذه الكتب مبتورًا أو يؤخذ من غير سياقه أو يقرأ على غير وجهه، فإنه يأخذ ما يأخذ ويدع ما يدع، وإذا كان لكل إنسان أن يفكر كما يشاء فإن ما يقدم للناس يجب أن يكون بعيدًا عن ما يثير الشكوك والشبهات.
وعندما دُعي إلى أن يعتذر إلى الله وأن يخرج من مقام الندية لله أصر على ما كتب، وقال: أنه يعبر عن شعوره الداخلي، إذا كان ما قال يعزى إلى تصوفه فإن التصوف لا يمكن أن يكون خروجًا على الإسلام، أما حكمه على العلماء غير المسلمين بأنهم يدخلون الجنة فحكم باطل؛ لأنهم ما لم يقولوا: لا إله إلا الله؛ فلا يدخلوها.
- وقد كشف العلماء له أنه استخدم عبارات غامضة ومجازات بعيدة من شأنها أن تشكك الناس في أمر دينهم، وأن المناجاة لا بأس بها، ولكن التأليف والتخيل على لسان الله تبارك وتعالى فإنه يدخل تحت باب قوله تعالى: {اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}؛ لأن التأليف والتخيل غير حق.
- وقال الشيخ الشعراوي: أنه نزع صفة كلام الله الأزلية، وأعطاها. صفة البشرية الزائلة التي تنقض غدًا أو بعد غد، ولكنه قيد مراد الله تبارك وتعالى في إرادته هو فما يريده عقل توفيق الحكيم يقوله الله سبحانه وتعالى في مقالاته، ذلك لأنك عندما تنقل كلاما على لسان الله تبارك وتعالى فكأنك قيدت إرادة الخلق بإرادتك أنت أيها المخلوق.
- أما عن دفاع الأدباء عن توفيق الحكيم فهو عن غير حجة تلزم من يقرأها ولكن عن عاطفة، وعلى الذين يخافون على توفيق الحكيم الحي الآن أن يغاروا على توفيق الحكيم حين يلقى الله فيجنبوه أهوال هذا اليوم بالنصيحة وبالحكمة بدلاً من أن يزينوا له طريقًا لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
- وقال الشيخ الشعراوي: أما ادعاؤه بأن اللغة لا ينتفع بها وأن عمرها قد انتهى كيف يمكن أن ينقل العالم نتائج ما يحدث في معمله إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن يقرأ أي إنسان ويستوعب ما فات إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن ترث البشرية كلها حضارة عن حضارة عن حضارة، إلا باستخدام اللغة.
إن اللغة التي يسخر منها توفيق الحكيم هي الأساس لكل شيء وهي آية من آيات الله سبحانه وتعالى، لتأخذ البشرية حضارتها جيلاً بعد جيل وترتقي وتتقدم ومن المستحيل على البشرية كلها أن يرث جيل الجيل الذي قبله في العالم إلا باللغة".
أما نسبية الأديان فيقول الشيخ الشعراوي: لا يمكن لأي إنسان أن يدعي أن الدين الخالص لله له حكم مع واحد وحكم مع آخر فالأحكام على كل خلق الله بلا تفرقة، فالأديان كلها من الله، وكيف تكون الأديان من الله سبحانه وتعالى ثم تنطبق عليها النسبية وهي شيء متغير، هل النسبية بالنسبة.   للمصدر أم أن الله سبحانه وتعالى هو وحده مصدر كل هذا، لا أعتقد أن هناك دينًا قد جاء من السماء يقول: لا إله إلا الله ودينًا آخر يقول غير ذلك فالدعوة إلى عبادة الله تبارك وتعالى لم تتغير من بدءِ البشرية وإلى نهايتها فلا يوجد حكمان يتناقضان بالنسبة للشيء الواحد حتى يمكن أن نقول: أنها نسبية، ونسبية الأديان التي يقول بها توفيق الحكيم معناها أن الله متغير والله سبحانه وتعالى ثابت لا يتغير والعقيدة لم تتغير منذ آدم حتى الآن ولا يوجد أي تناقض أو تقابل والعقيدة في كل الأديان سواء، وكل نبي جاء بدين يؤكد ما قبله ولا يلغي ما قبله بل يضيف إليه ويصحح ما حرفته البشرية إرضاء لأهوائهم".
- من يتابع المحاورات التي دارت بين توفيق الحكيم وعلماء الإسلام يحس بأنه مراوغ كبير، وفيه خبث شديد، وفيه سذاجة في الفهم إلا من كلمات ملقنة يرددها، وهو بالطبع قد رحب بنشر هذه الأحاديث عملاً بنصيحة المبشرين، أن يردد كلمات مسمومة في وسط الأحاديث من شأنها أن تثير الشبهات في نفوس الذين يقرأونها، وكل الخيوط التي تجمعها هذه الأحاديث توحي بسخرية شديدة بالوقائع فضلاً عن استشهاده بالأحاديث التي لم تثبت ومحاولة القول: بأن هذه الأحاديث نشرتها الأهرام من غير إذنه وقد تحدث كثيرون عن الربط بين نشر هذه الأحاديث وبين إسلام جارودي، وحضوره في مهرجان الأزهر والأمور في نظر توفيق الحكيم محددة بالحدود المادية الصرفة، وبالعصر الحالي وحده، فهو ليس بقادر على أن يستشرف الآفاق التاريخية أو المقبلة بالرغم من دعواه بأنه قصاص متخيل، وتوحي أحاديثه بأنه يعيش مرحلة اليأس المنكفئ على النفس، وقد ذهب كل ما قدمه، كحصاد الهشيم، دون أن يبقى منه شيء، وأن الفكر الإسلامي في الصحوة القائمة قد بدد كل نظرياته التي قدمها عن الفن للفن وحرية الكاتب
والقصاص في أنه يقول كل شيء دون تقدير مفهوم الإسلام بتقديم الأخلاقي على الجمالي، وبأن للفن في عالم الإسلام وجهة تختلف، وكأنما يرى توفيق الحكيم إزاء الصحوة الإسلامية، وهو يجيش بالكمد والكراهية. ولا ريب أن قصوره على الفن في ثقافته يجعله عاجزًا عن استيعاب النظرة الشاملة الكلية للمفاهيم الإسلامية، ويجعل رأيه ساقطًا في مجال التوجيه والتجربة لأنه عاش حياة المسرح وهو أبو المسرح الحديث الفاسد على حد تعبير تلاميذه، ولقد كان المسرح في الأفق الإسلامي لقيطًا فاسدًا أحضره اليهودي يقعوب صنوع وغذته الصهيونية والماركسية التي اعتبرته بديلاً عن الكنيسة والمعبد، ومن ذلك دعواه إلى معارضة إدخال الدين في المدارس كمادة أساسية بحجة أن المسئولين عن التعليم لا يختارون في المقرر الديني إلا أصعب الآيات لغة ومضمونًا.
ولا ريب أن نظرة "الإيمان بالفن"تمثل التبعية الكبرى للفن الغربي الوثني الإغريقي الضال المتجدد في دوائر اللامعقول وغيرها وقصوره على الفن يجعله محدود الفكر ويجعل رأيه في مجال المجتمع والعقائد والشباب جزئيًا غير مُكمَّل.
أما وصف الصحف له بالعملاق والشموخ، وعمق الفكر والريادة فهذه كلها كلمات لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، فهو مغرب، غريب على الفكر الإسلامي، متداخل فيما لا يحسنه، عاجز عن الأصالة. ولو أن الصحيفة التي يكتب فيها فتحت الباب أمام الذين يراجعونه لانكشف زيفه ولسقطت تلك الهالات الكاذبة التي يسيغها عليه دعاة التغريب".
ولا يزال توفيق الحكيم يكرر علينا أن أوربا هي العقل وبلادنا هي النفس (ففي مصر الروح والنفس وفي اليونان المادة والعقل) وهو في هذا لا يمدحنا بقدر ما يهجونا فنحن في القسم الذي ليس فيه العقل، وهذه ظلامة. 

 

أجندة مقترحة لرئيس مصر القادم في انتاج الغاز

$
0
0

أجندة مقترحة لرئيس مصر القادم في انتاج الغاز

أزمة الكهرباء الحالية تعود لنقص حاد في انتاج مصر من الغاز، بالرغم من أن التقارير السنوية المدققة للشركة القابضة للغازات حتى عام 2010 تشير إلى وجود احتياطي من الغاز يكفي استهلاك وصادرات مصر لمدة ثلاثين عاماً. سبب الأزمة هو توقف شركات الغاز والبترول الكبرى من مصر عن التنقيب منذ 2005، ثم بدء انسحابهم منذ 2011. ديون مصر للشركات ليست هي السبب الرئيسي. فلم يكن هناك ديون لشركات شل أو بي بي أو أباتشي، وحتى ديون شركة بي جي فهي ديون مختلقة وهمية بالكامل.

على الرئيس القادم القيام بالتالي:

1.    عرض كل اتفاقيات ترسيم الحدود وتقاسم مكامن الهيدروكربون، المبرمة منذ 2003 للنقاش الشعبي، ثم لتصديق البرلمان. ترسيم الحدود مع اليونان يجب أن يتم بالتوازي مع الترسيم مع تركيا.

2.    التأكيد على السيادة المصرية على كافة حدود مصر الاقتصادية الخالصة، بكافة السبل.

3.    إحالة كل ديون وزارة البترول إلى الجهاز المركزي للمحاسبات للتدقيق، ثم البدء فوراً في جدولة الديون الحقيقية.

4.    زيارة زعماء الدول العظمى الثلاث، أمريكا وروسيا والصين، وأن تأتي قضية التنقيب عن الغاز على رأس مطالب مصر.

5.    اعادة هيكلة وزارة البترول لدمج شركات البترول الصغيرة، وتطهير الفساد فيها. ومراجعة عقود امتيازات التنقيب والانتاج والتزام الشركات بتعهداتها بصيانة وتطوير الحقول.

6.    تنشيط دوريات القوات البحرية في أعالي البحار المصرية، والإعلان عن ذلك، وألا يقتصر ذلك على منع الهجرة غير الشرعية، وذلك لمنع شبهة حدوث أنشطة تنقيب متكررة للدول المجاورة داخل مياهنا.

 

7.    تغيير مناهج هندسة البترول لتخريج مهندسين قادرين على أنشطة التنقيب والانتاج بما يتواءم مع متغيرات العصر وظروف مكامن الهيدروكربون المصرية (بحرية وعميقة). 

غطرسة إسرائيلية (الأخيرة)

$
0
0

وما يهمنا هنا هو أولا بحث تصرفات الرئيس السادات وثانيا محاولة فهم طبيعة التصرفات الإسرائيلية.

أولا الرئيس السادات

الرئيس كان قد حقق نصرا ماديا ومعنويا كبيرا، فلأول مرة منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي كان العرب هم من قرروا موعد بدء الحرب وبالطريقة التى تناسبهم وكان تخطيطهم ملائما للظروف فنجح التنفيذ نجاحا لا ينكره ناكر وشهد العالم الجنرال ديان على شاشات التليفزيون شبه منهار ورئيسته جولدا مائير أرسلت للرئيس نيكسون تستعطفه أن يتعجل الإمدادات. ولهذا فهو كان أشد حرصا من الجميع على أن لا تنتهي الحرب بنكسة جديدة يذبح فيها الجيش الذى كان قبل أسبوع واحد منتصرا.

ثانيا كان الرئيس السادات فى عيون الغرب وأمريكا بالذات شخصا جديرا بالإحترام لأنه حقق بالفعل ما كان بسببه محلا للتهكم منذ شهرين فقط على غلاف مجلة نيوزويك مثلا. أما إسرائيل فقد ظهر تقصيرها وبدا إستهتارها واضحا للعالم بأجمعه إلى درجة أنها إضطرت للقيام بمغامرة كلفتها 400 جندي فى ليلة واحدة فى بلد تعداده لم يتخط 4 ملايين، وهو رقم لو كان بالمقاييس الأمريكية مثلا لكان عدد الضحايا الأمريكيين في ليلة واحدة حوالى 30 ألف جندي، وهو رقم أعلى من رقم ضحايا أمريكا فى النزول على النورماندي ويعادل تقريبا نصف عدد ضحايا أمريكا فى كل حرب فيتنام التي إستغرقت حوالى 9 سنوات كاملة !!

والغرب مهما قلنا عنه ومهما كانت إنتقاداتنا عليه إلا أن مبني فلسفته السياسية والإقتصادية هي الإنجاز والقدرة على تغيير الأوضاع الغير مناسبة إلى أوضاع أكثر مناسبة، إنه منطق الصراع الذي يحرك كل الغرب سياسة وفلسفة وإقتصادا وبالتالى أيضا حربا..

وهنا لابد من القول أن الرئيس السادات كان فى المركز الأقوي على الأقل إنسانيا.

أما إسرائيل التى كان لها أفضل جهاز مخابرات وكانت لها الغلبة الجوية المطلقة وكان لها أكثر جيوش العالم دروعا، أي أن حركته على الجبهة هي أكثر الحركات العسكرية أمنا للجنود بسبب النسبة العالية للدروع، إسرائيل لم تكن على مستوى الإستعداد الكافى لمواجهة جيش أضعف منها لمجتمع أقل تحضرا هو مصر..

والرئيس السادات باتصاله بالإدارة الأمريكية قبل وأثناء الحرب نجح فى ضمان أن يظل رد فعل إسرائيل محدودا فى نطاق الصحراء ولا يمتد لمحاولة دخول القاهرة التى كانت تبعد 101 كم فقط. ودخول القاهرة بالطبع ليس سهلا، ولكن مجرد تواجد الدبابات الإسرائيلية على بعد 101 كم هو أمر كفيل بسقوط النظام كله فى القاهرة ولا أحد كان ساعتها يعلم كيف سيتصرف نظام جديد جاء من حيث لم ولا يحتسب أحد..

وأظننى لا أبالغ حين أدعى أن هذه الإتصالات كانت بالفعل هي وثيقة التأمين التى أنقذت نظام أنور السادات من السقوط بسبب الثغرة، وبسبب الإنهاك العسكرى الذى كانت القوات المصرية قد أصبحت عليه.

ثانيا: على الجانب الإسرائيلي

كانت الرغبة الأمريكية هي إدخال مصر إلى المعسكر الغربي أو على الأقل تقريبها منه سياسيا وثقافيا. وهذا الغرض لا يتحقق بتقويض النظام بهزيمة جديدة تجعله بلا كرامة وبلا وزن وأهم من ذلك أنها تجعله غير قادر على التفاوض لا مع الولايات المتحدة ولا مع غيرها.

كما أن البديل الإسرائيلي لسقوط الحكومة فى ذلك الوقت بدا كأنه ينحصر فى كتلة الليكود التى كانت بمقاييس ذلك الزمان متشددة لا تصلح للحكم. وعلى ذلك كان على أمريكا أن تحرص حرصا كبيرا على ألا تبدو الحكومة الإسرائيلية فى عيون ناخبيها وكأنها قد هزمت عسكريا.

ومن هنا جاءت المبادرة الأمريكية بوقف إطلاق النار والتفاوض المباشر فى خيمة الكيلو 101 مع السماح للغذاء والماء بالدخول إلى الجيش الثالث المحاصر ولكن بلا سلاح ولا ذخيرة، وهو وضع يعطى الإنطباع بأنه أصبح جيشا مهزوما فى عيون الإسرائيليين بينما يعطي المصريين الإنطباع بأنه يتلقى الإمدادات الغذائية لأنه إن لم يتلقاها فسوف تتعرض إسرائيل لدرس قاس جديد على يد القوات المصرية، وهو وضع يوحى بالنصر.

هي إذن صفقة فيها ما فيها من السياسة وفيها ما فيها من العسكرية وهي فى النهاية تبغي الإرضاء السيكولوجي للشعبين على طرفي خط النار.. وهو ما حدث بالفعل..

والآن نعود إلى الفقرة التى أسماها هيكل الفقرة الكارثة أو الكارثية.

والسؤال هو: هل كانت هذه الفقرة مفيدة أم ضارة؟

أظن أنه من بعد كل ما عرفناه عن حوادث تلك المرحلة تتضح لنا الإجابة جاية لا شبهة عليها.

ومن بعد أن قرأنا ما قرأناه لا يمكن إلا الإعتراف للرئيس السادات بالحكمة وبعد النظر وإبرائه من أي تهمة تمس الشرف أو الإنتماء أو الوطنية. ولابد أيضا أن نفهم ونتفهم أن سبب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل هو ما حدث فى عام 1967 وليس ما حدث فى عام 1973.

كما أننا لابد أن ندرك أن ماحدث فى ذلك العام 1973 كان مبناه غطرسة إسرائيلية وصلت إلى القمة وكان لابد أن تنكسر، إن لم يكن بيد السادات فأى حادث عرضى كان سوف يكشف الغطرسة لأنها وضع لا يمكن الحفاظ عليه طويلا..

إنتهت الملاحظات


الإمام أحمد بن حنبل

$
0
0

( الإمام أحمد بن حنبل ) 
  للشيخ : ( سيد حسين العفاني )

لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه مثل وقدوة، فما بلغوا ما بلغوا إليه من توفيق الله لهم ورضائه عنهم إلا بزهدهم وورعهم وخوفهم من الله عز وجل، وممن اقتدى بهم في ذلك الإمام الجليل أحمد بن حنبل، فكانت حياته حافلة بالاستقامة على دين الله، والصبر على محاربة البدع.

إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].

نمضي مع سلسلة شيوخ الإسلام.

كن بالخير موصوفاً ولا تكن للخير وصّافاً، فإن الواو والراء والدال لا تشم منها رائحة الورد.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل فتيلة المصباح تضيء للناس وتحرق نفسها)، واليوم موعدنا مع الإمام حقاً وشيخ الإسلام صدقاً أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أحد الأئمة الأربعة، وإمام أهل السنة والجماعة.

 

ولد الإمام أحمد في ربيع الأول سنة (164هـ).

مات أبوه شاباً وتولت أمه تربيته.

أم تربي مثل الإمام أحمد وأم تربي مثل الشافعي ، وأم تربي مثل سفيان الثوري ، فكل أم خلفت ابناً وصنعت منه رجلاً عظيماً.

فقد كانت أم سفيان الثوري تقول: يا بني! تعلم العلم وأنا أكفيك بمغزلي هذا.

وأم الشافعي تبيع له أنقاض بيتها.

كذلك أم الإمام أحمد صنعت من ابنها رجلاً، إذ مات زوجها وهو شاب، فولدت هذه الأم الجبل الإمام العظيم أحمد بن حنبل، ولكن لا يعرف ما اسمها؟ إلا أنه يكفيها أنها صنعت الإمام أحمد .

يقول الإمام أحمد : ثقبت أمي أذني وصيّرت فيهما لؤلؤتين، فلما ترعرعت نزعتهما، فكانتا عندها ثم دفعتهما إلي، فبعتهما بنحو من ثلاثين درهماً.

 

 

 
 
 بداية طلبه للحديث

تلقى الإمام أحمد الحديث، وكان بداية طلبه للحديث وهو ابن خمس عشرة سنة، أي: في العام الذي مات فيه مالك وحماد بن زيد.

سمع الإمام أحمد من ابن بشير، وأكثر عنه حتى سمع منه أكثر من ثلاثة آلاف حديث، وقد تأدب الإمام أحمد في مجلس شيوخه غاية الأدب، قال: ما نلنا هذا العلم إلا بالذل ولا نبذله إلا بالذل، ومكث أربع سنوات في مجلس هشيم بن بشير شيخه لا يكلمه في مسألة هيبة له.

ومن شيوخ الإمام أحمد سفيان بن عيينة الهلالي وأيوب بن النجار وأبو خالد الأحمر وعِلي بن ثابت ويزيد بن هارون.

فالإمام أبو خالد كان يجلس له في مجلس الدرس تسعون ألفاً، وقد روى الإمام أحمد في المسند عن مائتين وثمانين شيخاً من شيوخ الحديث، وكتب عنه شيخه هشيم بن بشير ثلاثة آلاف حديث.

 زوجات الإمام أحمد وأولاده

رحل إلى الكوفة لطلب الحديث ولم يكن استأذن والدته، فرجع إلى أمه ليستأذنها في الرحلة لطلب العلم فبارك الله له في طلبه.

تزوج الإمام أحمد وهو ابن أربعين سنة فرزقه الله خيراً كثيراً.

إذاً: الإمام أحمد أجّل الزواج لسن الأربعين لشغله بطلب الحديث، وأمر الزواج يختلف من رجل إلى رجل، والأحكام الشرعية للزواج تدور بين الندب والوجوب والإباحة والكراهية والتحريم، فالرجل الذي يتعلم وليس له حاجة في النساء ولا يملك أي مال لا يتزوج؛ لأنه لو تزوج فإنه سيفتن هذه المرأة، وفي نفس الوقت هو لا يستطيع الباءة.

وشيخ الإسلام ابن تيمية لم يتزوج، والإمام النووي لم يتزوج، والإمامأحمد أخّر الزواج لسن الأربعين، فالشاب الذي لا يستطيع الزواج عليه بالصوم فإنه له وجاء، وطالب العلم الأولى له أن يؤخِّر.

تزوج الإمام أحمد عباسة بنت الفضل فولدت له أكبر أبنائه صالح ابن الإمام أحمد.

ثم توفيت فتزوج بعدها ريحانة فولدت له عبد الله، وقيل: إنها كانت عوراء اختارها لدينها.

ثم اشترى جارية اسمها حُسْن، والجارية حين ينكحها تصبح أم ولده، مثلمارية فهي لم تكن من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها كانت جارية للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما أنجبت إبراهيم صارت أماً لولده، فالإمام أحمد اشترى جارية فولدت له أم علي زينب ، ثم ولدت له الحسنوالحسين وماتا، ثم ولدت الحسن ومحمداً فعاشا حتى بلغا سن الأربعين سنة، ثم ولدت له سعيداً.

إذاً: هذا حال الإمام أحمد وحال زوجاته.

 مصدر علم الإمام أحمد

قال أبو بكر بن أبي شيبة : لا يقال لـأحمد بن حنبل: من أين قلت؟ لأنه نهر جار، ولا يقال له: أين دليلك، ودليله على ذلك السمع.

قال ابن نمير : كنا عند وكيع بن الجراح فجاءه جماعة من أصحاب الإمامأبي حنيفة ، فقالوا: هل هنا رجل بغدادي؟ يقصدون الإمام أحمد، فلم يعرفه وكيع ، فبينما وكيع جالس إذ طلع أحمد بن حنبل فقالوا: هو هذا! قال: هاهنا يا أبا عبد الله ، فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكرون، هذا يقول: كذا! وهذا يقول: كذا! وهذا جعل أبو عبد الله يحتج بالأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا لـوكيع : بحضرتك. فقال: رجل يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا أقول له؟

ثم قال وكيع : ليس القول إلا ما قلت يا أبا عبد الله ! فقال القوم لـوكيع: خدعك والله البغدادي.

وقال عالم: وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته فقلت له: يا أبا عبد الله! بلغني أنك ذو حسب ونسب، فقال: يا أبا النعمان! نحن قوم مساكين.

وقال أبو زرعة الرازي لـعبد الله بن الإمام أحمد : كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث -مليون حديث- قال الذهبي : هذه حكاية صحيحة تدل على سعة علم الإمام أحمد وكانوا يعدون له الأحاديث المقررة والآثار عن الصحابة وفتاوى التابعين وتفسيراتهم، كل هذا كان يحفظه الإمام أحمد، فقد بلغ ما يحفظه من الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الموقوفة عن الصحابة والمقطوعة وفتاوى التابعين ألف ألف حديث، وفي عصرنا هذا الذي يحفظ رياض الصالحين يقولون عنه: شيخ!

 كتب الإمام أحمد وعلمه

بلغت كتب الإمام أحمد يوم مات حمل اثني عشر جملاً، ما كان على ظهر كتاب منها حديث إلا ويحفظه.

قال الإمام الحافظ إبراهيم الحربي : رأيت أبا عبد الله كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين.

وقال إسحاق بن راهويه شيخ الإمام البخاري : كنت أجالس أحمد وابن معين ونتذاكر فأقول: ما فقه هذا الحديث ما تفسيره؟ فيسكتون جميعاً إلاأحمد .

وقال أبو بكر الخلال تلميذ الإمام أحمد : كان أحمد قد كتب كتب أهل الرأي -وهم الأحناف- وحفظها ثم لم يلتفت إليها.

وقال يحيى بن آدم الإمام الحافظ : أحمد بن حنبل إمامنا.

وكان الإمام أحمد أعلم الناس قاطبة بحديث سفيان الثوري ، قال شيخهعبد الرحمن بن عدي : من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري فلينظر إلى هذا. وأشار إلى الإمام أحمد .

قال المروزي تلميذ الإمام أحمد : غشي على الإمام أحمد عند ابن عيينة لما زحمه الناس، فقال شيخه سفيان بن عيينة : مات خير الناس، ظن أنه قد مات لما اشتد الزحام، والإمام أحمد يقول: كفى! وهم يدوسون عليه فغشي عليه، ثم أفاق بعد ذلك رحمه الله.

أراد شيخ أن يدخل على الإمام أحمد فقال: كنا عند ابن عيينة سنة ففقدتأحمد بن حنبل أياماً فدللت على موضعه، فجئت فإذا هو في شبيه بكهف في مكان يسمى جياد بمكة بعد الصفا، فقلت: سلام عليكم أأدخل؟ قال: لا، ثم قال بعد ذلك: ادخل. قال: فدخلت عليه فإذا عليه قطعة لبد خلق -يعني: قطعة من الصوف مقطعة- فقلت له: لم حجبتني؟ فقال: حتى استترت منك، فقلت: ما شأنك؟ قال: سُرقت ثيابي، مثل ما كانوا في مجلس مالك بن دينار فقعد الرجل يقول كلاماً فأبكى الجميع، وبعدها أتى يبحث عن نعله فلم يجده فقال: كلنا يبكي فمن سرق النعل؟ فقال هذا الرجل: فبادرت إلى منزلي فجئته بمائة درهم فعرضتها عليه فامتنع، فقلت: قرضاً فأبى. وظل ينقصها حتى بلغت عشرين درهماً فأبى، فقمت وقلت: ما يحل لك أن تقتل نفسك، فقال: ارجع، فرجعت، فقال: أليس قد سمعت معي من ابن عيينة ؟ قلت: بلى قال: تحب أن أكتبه وأن أنسخه لك؟ قلت: نعم. فقال: اشتر لي ورقاً فاشترى له الورق، فنسخ له الإمام أحمد من كتابه في هذه الأوراق فكتب بدراهم اشترى منها ثوبين، وهذا يدل على عفّة العلماء وورعهم، وربما جمع أحدهم المرقعات من المزابل فغسلها في نهر دجلة فصنع منها ثوباً يكسو عورته، ثم يبكي ويقول: ما ضرهم ما أصابهم! جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة.

واستمع إلى العجب العجاب من إمام أهل السنة:

قال الإمام أحمد : قدمت صنعاء أنا ويحيى بن معين فمضيت إلى عبد الرزاق في قريته.

الإمام أحمد اكترى نفسه عند الجمّالين حمالاً يأخذ متاع الناس الحجيج الذاهبين من مكة إلى اليمن، فكان يخدمهم وهو إمام أهل السنة، وذلك لأنه سمع أن عند عبد الرزاق الصنعاني إمام أهل اليمن ومحدثها أحاديث ليست عنده، فأراد أن يأتي إلى عبد الرزاق ، ولا توجد وسيلة إلا أن يخدم قافلة للحجيج ذاهبة إلى اليمن.

ذهب الإمام أحمد ووصل إلى بيت عبد الرزاق في قريته، قال: فلما ذهبت أدق الباب، قال لي بقّال: لا تدق فإن الشيخ يُهاب، وعبد الرزاق الصنعانيكانت له هيبة عظيمة مثل الإمام مالك يقولون عنه:

يدع الجواب فلا يراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان

نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان

وكان الملك العادل ملك مصر، كان إذا رأى عبد الغني المقدسي يقوم له فيقولون له: إنه فقير وإنه قارئ، قال: والله ما دخل عليَّ مرة إلا وخُيِّل إليّ أنه سبع، فالبقال يقول للإمام أحمد : لا تدق عليه الباب فإن للمشايخ هيبة، قال: فلما ذهبت أدق الباب قال لي بقال تجاه داره: مه لا تدق فإن الشيخ يُهاب، فجلست حتى إذا كان قبل المغرب خرج، فوثبت إليه وفي يدي أحاديث انتقيتها، فسلمت وقلت له: حدثني بهذه رحمك الله فإني رجل غريب. فقال: ومن أنت؟ وزبرني -يعني كلمه بشدة- فقلت: أنا أحمد بن حنبل فتقاصر عبد الرزاق وضمني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله ؟ ثم أخذ الأحاديث وجعل يقرؤها حتى أظلم الليل، فقال للبقال: هلم المصباح حتى خرج وقت المغرب، وكان عبد الرزاق يؤخر صلاة المغرب، ولما ذكر الإمام عبد الرزاق الصنعاني الإمام أحمد دمعت عيناه وقال: بلغني أن نفقته نفدت قال: فأخذت بيده، فأقمته خلف الباب وما معنا أحد فقلت: إنه لا تجتمع عندنا الدنانير، إذا بعنا الغلة أشغلناها في شيء، يعني: القمح أو الذرة أو الشعير قال: وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها وأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ شيء.

قا عبد الرزاق: فقال لي: يا أبا بكر لو قبلت من أحد شيئاً قبلت منك.

ولم يقبل الإمام أحمد بن حنبل .

وكان أحمد بن حنبل يصلي إماماً بـعبد الرزاق الصنعاني فسها الإمامأحمد ، فسأل عنه عبد الرزاق : لماذا سها في صلاته بالقرآن؟ فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام، يعني: من شدة الجوع نسي آيات من كتاب الله عز وجل.

 منزلة الإمام أحمد بن حنبل عند العلماء المعاصرين له

كان شيخه يزيد بن هارون كثير المداعبة والمزاح، فما كان يترك المزاح إلا في حضور الإمام أحمد فكان يترك المزاح أدباً، وكان يوقره ولا يمازحه.

قال قتيبة : وأشار إلى أحمد بن حنبل : إذا رأيت رجلاً يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة، ولو أدرك أحمد سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم عليهم.

وقيل لشيخه قتيبة بن سعيد: يضم أحمد إلى التابعين، قال: إلى كبار التابعين، لو لا أحمد لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا بأسرها.

وقال الشافعي : خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل والإمام أحمد بن حنبل قال عن شيخهالشافعي : ما من رجل مس محبرة ولا تناول قرطاساً إلا وللشافعي في عنقه منة ودين، كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن؛ فانظر هل عن هذين من عوض؟ هذا أدب الشيوخ وأدب التلامذة مع شيوخهم.

وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله: أحمد حجة بين الله وبين خلقه.

وقال علي بن المديني : أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه؛ لأن سعيداً كان له نظراء -أي: ناس أمثاله في العلم- ولم يكن لـأحمدنظراء.

وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حافظ الحديث: إني لأتدين بذكرأحمد بن حنبل ، ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة منه، وكان أهل الحديث الحفاظ في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة فجعلوا يذكرون الإمام أحمدفقال رجل بعض هذا: أنتم كل جلسة تقضونها في ذكر أحمد بن حنبل أو ماذا؟ فقال يحيى : وكثرة الثناء على أحمد تستنكر؟ لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.

وقال ابن معين الإمام العظيم: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، وقال: ما رأيت من يحدث لله إلا ثلاثة: يعلى بن عبيد والقعنبي الراوي عن الإمام مالكوأحمد بن حنبل رحمه الله، كان الإمام أحمد أفضل أهل زمانه.

وقال أبو داود : كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص:46] يعني: ما كان لهم هم ولا شاغل إلا الكلام عن الآخرة، لا يعرفون شيئاً من أمور الدنيا.

قال الشافعي : لو كُلِّفت شراء بصلة من السوق ما استطعت أن أعي مسألة من مسائل العلم.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جعل الهم هماً واحداً كفاه الله سائر همومه).

وكان الإمام أحمد يرهن نعله، ولم يشتر نعله بخمسة وسبعين جنيهاً، أو أكثر، إنما هي نعل استمر في استخدامها ست عشرة سنة كما قال ابن الجوزي ورهنها يتقوت بها.

قال الحميدي : ما دمت بالحجاز وأحمد بالعراق وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد، يعني: لا يغلبنا أحد من المبتدعة، كانت مجالس أحمدمجالس الآخرة.

قال أبو عمير بن النحاس الرملي عن الإمام أحمد رحمه الله: ما كان أخبره بالدنيا، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عُرضت له الدنيا فأباها والبدع فنفاها.

قال علي بن المديني : أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب، وأنظر إلى أدب الكبار مع الكبار.

وهذا الإمام البخاري يقول: أشتهي أن أدخل بغداد فيحدثني علي بن المديني وأحدثه، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي عالم قط إلا بين يديعلي بن المديني ، وعلي بن المديني هذا يقول عن الإمام أحمد : أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدِّث إلا من كتاب.

 زهد الإمام أحمد بن حنبل وقيامه الليل

قال الإمام أحمد لبعض أصحابه لما ذكر الدنيا: قليلها يجزئ وكثيرها لا يجزئ.

وذكر الإمام أحمد الفقر فقال: مع الفقر الخير، وكان الإمام أحمد يؤثره على الدنيا.

ولو لم يكن للفقر إلا أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام يستريحون من تعب يوم القيامة، والله عز وجل يختار لنبيه دائماً الأكمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) (من أصبح منكم آمناً في سربه) أي: مطمئناً على أولاده وعلى نفسه (معافى في بدنه) أي: عنده صحة، (عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

وهذا رجل غني جداً كان يقول لهم: وددت لو أتخذ كل ملكي وآكل الأكلة التي أنتم تأكلونها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً).

كان يمر الهلال، والهلال، والهلال ولا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار، وكان يعيش على الأسودين: التمر والماء.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوى من شدة الجوع وما يجد من الدقل ورديء التمر إلا ما يسد به جوفه، وما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلاً قط من يوم أن بعثه الله، ولا رأى شاة سمينة قط.

وسيدنا يوسف عليه السلام ما كان يشبع وهو على خزائن مصر، يقول: أخاف أن أشبع وأنسى الجياع.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت، أو لبست فأفنيت، أو أكلت فأبليت).

قال صالح : ربما رأيت أبي يأخذ الكسر ( كسر الخبز ) ينفض الغبار عنها، ويصيرها في قصعة ويصب عليها ماء ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رماناً ولا سفرجلاً ولا شيئاً من الفاكهة إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنب وتمر.

قال صالح : قال لي أبي: كانت والدتك تغزل غزلاً دقيقاً فنبيع الأستار بدرهم أو أقل أو أكثر فكان ذلك قوتنا.

قال: وكنا إذا اشترينا الشيء نستره عن أبي كي لا يراه فيوبخنا، وكان ربما خُبز له فيجعله في فخارة مع عدس وشحم، وقليل من التمر فيجيء الصبيان فيصوت بعضهم فيدفعه إليهم.

فالإمام أحمد يعطيهم الفخارة وفيها قليل من التمر فيضحكون منه ولا يأكلون، وكان يأتدم بالخل كثيراً، وكانت له قلنسوة خاطها بيده فيها خط، فإذا قام من الليل لبسها، وكنا نسمعه كثيراً يقول: اللهم سلم.. اللهم سلم، أتى إليه رجل وعليه فرو خلق وخريقة على رأسه، وهذا الرجل حاف في برد شديد فسلم عليه وقال: يا أبا عبد الله ! قد جئت إليك من موضع بعيد ما أردت إلا السلام عليك، وأريد عبادين، وأريد إن أنا رجعت أسلم عليك، فقال: إن قدر، فقام الرجل وسلم وأبو عبد الله قاعد، فما رأيت أحداً قام من عند أبي عبد الله حتى يقوم أبو عبد الله له إلا هذا الرجل.

فقال لي أبو عبد الله : ما أشبهه بالأبدال، أو قال: إني لأذكر به الأبدال، وأخرج إليه الإمام أحمد أربعة أرغفة وقال: لو كان عندنا شيء لواسيناك.

وقال المروزي: قلت لـأبي عبد الله: ما أكثر الداعي لك.

قال: أخاف أن يكون هذا استدراجاً بأي شيء.

وقلت: قدم رجل من طرسوس فقال: إنا كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل رفعوا أصواتهم بالدعاء لـأبي عبد الله ، وكنا نمد المنجنيق ونرمي عن أبي عبد الله ، ولقد رمي عنه بحجر والعلج متترس بدرقة، فلما رموه بالحجر ودعوا باسم أبي عبد الله فذهب الحجر برأس هذا الفارس، فتغير وجه أبي عبد الله وقال: ليته لا يكون استدراجاً ومكراً. هذا خوف الكبار على أنفسهم.

وقال المروزي: رأيت طبيباً نصرانياً خرج من عند أحمد ومعه راهب فقال: إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله .

وقال علي بن أبي فزاره جارنا: كانت أمي مقعدة -أي: مصابة بالشلل- من نحو عشرين سنة، فقالت لي يوماً: اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي.

فأتيت إلى الإمام فدققت عليه في دهليزه، فقال: من هذا؟

قلت: رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء لها، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب وقال: نحن أحوج أن تدعو هي لنا، ثم قال: فوليت منصرفاً وأنا حزين، فخرجت عجوز وقالت: قد تركته يدعو لها.

فقال: فدققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي.

قال عبد الله بن الإمام أحمد : كان أبي في كل يوم وليلة يصلي ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي كل يوم مائة وخمسين ركعة، وهنا يستفاد شيء فقهي أن صلاة الليل من النفل المطلق؛ وأفضل الصلاة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد عن إحدى عشرة ركعة، أو عن ثلاث عشرة ركعة، ولكن هذا الحديث لا يدل على المنع من أن تزيد على الثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة ركعة، وليس في الزيادة ابتداع لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر ركعة كما يقولتميم الداري: كنا نقرأ بالمئين، وكنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا عند طلوع الفجر خشية أن يفوتنا الفلاح (السحور).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن تكثير الركعات كانت عوضاً عن طول القيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ركوعه نحواً من قراءة خمسين آية، وسجوده نحواً من ذلك، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة والإمام النووي وابن عبد البر وجماهير علماء المسلمين، والشيخابن باز والشيخ ابن عثيمين ، فالمراد: صلاة معظم الليل والله أعلم.

 تبرك الإمام أحمد بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

قال عبد الله بن أحمد :كان أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبِّلها، وربما وضعها على عينه، وربما غمسها في الماء وشربه يستشفي به؛ وهذا خاص بآثار النبي صلى الله عليه وسلم.

قال عبد الله بن الإمام أحمد : ورأيت أبي أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في زير الماء ثم شرب فيها.

قال الإمام الذهبي : قلت: أين المتنطع المنكر على أحمد ؟ وقد ثبت أن عبد الله بن الإمام أحمد سأل أباه عن لمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا أرى بذلك بأساً -أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع-

 بعد الإمام أحمد عن الولاة وعطاياهم

ذكر أن الإمام أحمد أتت عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها شيئاً، فبعث إلى صديق له يلتمس منه دقيقاً، فجهّزوه للإمام أحمد بسرعة وعملوا له عشاءً كي يأكل سريعاً، فقال: كيف ذلك؟ فقالوا: تنور صالح مسجر، فقال: ارفعوا. ولم يأكل؛ وذلك لأن ابنه صالح كان يقبل هدايا وأعطيات الخليفة، ثم قام فأمر بشد باب بينه وبين صالح لكونه كان يأخذ جائزة المتوكل.

هذا هو الإمام أحمد ! كان أبعد الناس عن مجلس السلاطين، يقول سعيد بن المسيب : إذا رأيتم العالم يرتاد أبواب الأمراء فاشهدوا أنه لص.

 قراءة الإمام أحمد للقرآن وصبره على مرضه

قال عبد الله بن الإمام أحمد : كان أبي يقرأ كل يوم سبعاً من القرآن، يختمه كل أسبوع مرة.

وكان الإمام أحمد يخرج لطلب الحديث وهو غلام صغير قبل صلاة الفجر، فكانت أمه تستحلفه بالله أن يمكث في البيت حتى يؤذن المؤذن لصلاة الفجر ثم يخرج لطلب الحديث.

وكان الإمام أحمد يحيي الليل وهو غلام، بات معه رجل من علماء الحديث فأعد له وضوءه من الليل، فلما أصبح أتى فوجد الماء على حاله فقال: طالب علم لا يكون له ورد من الليل! قال: إني على سفر فقال: حج مسروقفما مات إلا ساجداً، يعني ما أتى عليه الليل إلا وهو ساجد متنفل وهو في سفره للحج.

قال صالح : كان أبي إذا دعاه رجل يقول: ليس يحرز الرجل المؤمن إلا حفرته.

الأعمال بخواتيمها، ثم لما كان في مرض الموت قال: أخرج لي كتاب عبد الله بن إدريس وقال: اقرأ عليّ حديث ليث : إن طاوساً كان يكره الأنين في المرض قال: فما سمعت لأبي أنيناً حتى مات.

ودخلت عليه امرأة وهي مخة بنت الحارث الحافي فقالت: يا إمام! أنين المريض شكوى؟

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

فقال: والله ما سئلت عن مثل هذا السؤال من قبل، ثم قال لها: نرجو أن لا يكون كذلك، وما علم الإمام أحمد بهذه المسألة إلا في مرض الموت فما أنَّ حتى مات.

ثم قالت له: إنا نغزل غزلنا على ضوء مصباح الشارع فإذا مر قوم من الظاهرية -وكانوا ظلمة- ربما غزلنا بعض الغزل على ضوء مصباحهم، فهل نبيّنه للناس؟

فقال: بينيه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

ثم قال الإمام لابنه عبد الله : اتبعها يا بني! فانظر أي البيوت تدخل، فقال: دخلت في بيت بشر ، قال: من بيتهم خرج الورع.

وكان الإمام أحمد إذا سئل عن مسألة من مسائل الزهد والورع قال: تسألونني عن الزهد وفيكم بشر ، مثل هذه لا تخرج إلا من بيت بشر .

 

خوف الإمام أحمد من الله

كان الإمام أحمد إذا ذكر الموت خنقته العبرة، وكان يقول: الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموت هان عليّ كل أمر الدنيا، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنما هي أيام قلائل، ما أعدل بالفقر شيئاً، لو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر.

قال الإمام أحمد : أريد أن أكون في شعب من شعاب مكة حتى لا أعرف، لقد بليت بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحاً ومساءً.

يقول ذلك من خوفه من الشهرة.

قال المروزي: ذكر لـأحمد أن رجلاً يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له.

التقى سفيان الثوري بـالفضيل بن عياض فتذاكرا فرقاً فدمعت أعينهما، فقال الإمام سفيان الثوري : إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا خير مجلس جلسناه علينا بركة، قال: ترجو هذا؟ إني أخاف أن يكون أشأم مجلس جلسناه علينا شؤماً.

فقال سفيان للفضيل : لم؟

قال: ألست عمدت إلى أحسن ما عندك من الكلام فأخرجته لي، وعمدت أنا إلى أحسن ما عندي من الكلام فأخرجته لك فتزينت لي وتزينت لك، فراءيتني وراءيتك، فعبدتني وعبدتك!

فبكى سفيان وقبّل رأس الفضيل بن عياض وقال: أحياك الله كما أحييتني.

قال الإمام أحمد : ليتنا نترك الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث الحافي.

فقلت له: إن فلاناً يقول: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها، بل زهد في الناس.

فأنت تجد الرجل يملك مليون جنيه، يريد أن يدخل انتخابات الشعب ومجلس الشورى، وهو يعلم أنه لا أحد يعلم، وأنه ساقط ساقط، فينفق منها ربع مليون جنيه.

إذاً: الرجل يبذل المال من أجل الشهرة، فالزهد في المال شيء بسيط جداً، وإن كانت الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وأنت تركتها كلها فإن الزهد قصر الأمل، والزهد الزهد في النفس؛ فلما قيل للإمام أحمد أنت لم تزهد في الدراهم وحدها، بل زهدت في الناس، قال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟ الناس يريدون أن يزهدوا فيَّ.

هذا هو الإمام أحمد ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

مراقد مهددة في البر الغربي

$
0
0

منذ الستينات أتردد علي البر الغربي للأقصر،‮ ‬البر الغربي للابدية،‮ ‬حيث تغيب الشمس‮ ‬يودع المصريون الراحلين الي الغرب،‮ ‬الي الابد،‮ ‬مراقدهم اصبحت جزءاً‮ ‬من التراث الانساني‮. ‬غير أنها مهددة بالاندثار،‮ ‬من عصابات اللصوص المحترفين الذين ظهروا بكثافة مع وهن الدولة وتضعضعها بعد ثورة‮ ‬يناير.‮ ‬لا‮ ‬يوجد احصاء دقيق بما تم نهبه من المواقع المعروفة أو تلك التي لم تكتشف بعد خاصة في منطقة ابو صير وما تم سرقته من المتحف المصري وما دمر في الاسلامي،‮ ‬غير أن الخطر الحقيقي هو طريقة التعامل مع المراقد التي تعتبر من كنوز البشرية وتحفل باللوحات الفنية التي تضارع الفن الحديث،‮ ‬بيكاسو اعظم الفنانين في القرن العشرين اعتبر لوحة النائحات في مقبرة راموزاً‮ ‬وحركة ايديهن منطلق الفن الحديث وأساسه‮.

‬في اسبانيا كهوف رسم الانسان البدائي عليها خطوطاً‮ ‬توحي بالوحوش والمخاطر التي كانت تتهدده،‮ ‬قيمة الكهوف في تاريخها القديم‮. ‬لا‮ ‬يمكن مقارنتها باللوحات الجدارية في مقابر المصريين القدماء ومع ذلك‮ ‬يجب ان نتعلم من تجربة الاسبان،‮ ‬حرصاً‮ ‬علي هذه الكهوف الاصلية جري انشاء نماذج دقيقة لها علي مقربة وتلك هي المسموح بزيارتها،‮ ‬اما الاصول فللمتخصصين فقط،‮ ‬هذا ما‮ ‬يجب ان‮ ‬يتم بالنسبة للمراقد المصرية القديمة،‮ ‬ويمكن أن‮ ‬يضم المتحف الكبير بعض النماذج الدقيقة للمشهور منها مثل مرقد نفرتاري،‮ ‬وتوت عنخ آمون،‮ ‬وسيتي الاول ورمسيس السادس والمهندس سنموت والكاهن آي والفنان سنجم رع وباشادو،‮ ‬وفي الصحراء الممتدة‮ ‬غرب القرنة‮ ‬يمكن انشاء نماذج مطابقة للاصول التي‮ ‬يجب اغلاقها وقصر زيارتها علي العلماء والمتخصصين‮.

‬الوضع الحالي كارثي‮. ‬في السنوات السابقة علي ثورة‮ ‬يناير شهدت حركة السياحة كثافة شديدة،‮ ‬يوجد مرقد رائع الجمال لفنان اسمه سنجم رع في منطقة دير المدينة،‮ ‬وتلك القرية التي اكتشفها الفرنسيون عام ‮٣٠٩١ ‬كانت مخصصة للفنانين الذين‮ ‬يقومون برسم مراقد الملوك الكبار وهؤلاء‮ ‬يتبعون المعبد‮ (‬هابو‮)‬،‮ ‬والقرية في حالة جيدة وماتزال محتفظة بتفاصيل الحياة اليومية،‮ ‬ما ازعجني دخول المئات من السياح الي المقبرة ومثيلاتها‮ ‬يومياً،‮ ‬هذا‮ ‬يؤدي إلي اختفاء الالوان تدريجياً‮ ‬وقد لاحظت في مرقد‮ «‬منا‮» ‬الجميل بهتان بعض الرسوم خلال العشرين عاماً‮ ‬الاخيرة،‮ ‬هذا ما‮ ‬يجب ايقافه فوراً‮ ‬بانشاء نماذج مطابقة تكون لزيارة العوام أما أهل الاختصاص فيسمح لهم بالزيارة بعد اجراءات محددة ومشددة،‮ ‬التنبيه لهذه المخاطر ليست ترفاً‮ ‬الآن،‮ ‬اذ‮ ‬يجب ان نطلق العنان للخيال فيما‮ ‬يتعلق بالتراث القومي خاصة ان الافق‮ ‬ينبيء بمستقبل افضل رغم مصاعب الحاضر‮.‬

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-18

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى 

 

الأصالة التي كشفت زيف روائع الفكر الغربي التي طالما أشادوا بها فإذا هي ركام ورماد، وقد تبين إنما هي في حقيقتها أهواء النفوس المليئة بالشهوات والجنس والغرور في بحيرة راكدة آسنة غرق فيها توفيق الحكيم وما زال غاراقًا.

 

- وتستطيع أن تقول أن توفيق الحكيم المعدود من القمم الشوامخ قد سقط سقوطًا شنيعًا في المجالات الآتية:
أولاً: اعتماده على الأساطير في جميع قصصه واعتماده على الأحاديث الموضوعة في أغلب كتاباته.
ثانيًا: فكرته المشوشه عن الأديان وخاصة عن الإسلام.
ثالثًا: تأثره بالفكر الوثني والفرعوني فقد اعتمد فى قصة (أهل الكهف) على نظرة فرعونية وكان لفكرته المشوشة عن الإسلام أثر جعله يخلط بين مصر القديمة والأديان بصفة عامة، فالمسلم يؤمن بأن هناك انقطاعًا يفصل ما بينه وبين التصورات الوثنية والوضعية، كما أنه يؤمن بأن الإسلام هو دين ممتد من لدن آدم حتى محمد - صلى الله عليه وسلم - يضع التصور المتكامل لعلاقة الإنسان بربه ونفسه والآخرين ويرسم له منهاج الحياة ويحدد معالم المستقبل في الآخرة.
وعن أهل الكهف يقول: إنه كان تحت تأثير مصر القديمة "لقد قرأت كتاب الموتى والتوراة والأناجيل الأربعة والقرآن"بينما اسم المسرحية (أهل الكهف) توحي بأن معالجتها ستكون من خلال منظور إسلامي، ولكنها جاءت مشوشة الفكر والمنهج.
أما (عودة الروح) فهي أيضًا تحمل فكرة فرعونية قديمة (الكل في واحد) أي أن الوجدان الجمعي والشعبي ينمحي في زعيم واحد أو فرعون واحد.
كما يقول الدكتور حلمي القاعود.  رابعًا: الترويج لنظرية الفكر الصوفي المنحرف (نظرية وحدة الوجود) وما في الجبة إلا الله، كما حاول أن يسقط إسقاطات علمانية وإلحادية روج لها الفكر الوافد منذ منتصف القرن الرابع عشر الهجري انطلاقًا من المفاهيم الكنسية التي لا تتطابق بحال مع فكرنا الإسلامي.
خامسًا: ناقش الله تبارك وتعالى في أمر الأديان السماوية ونسي أو تناسى أن الله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، وعارض الله تبارك وتعالى في أمر العقل وأجاز تداول الكتب السماوية بعد التعديل والتصحيح وهذا جهل بحقيقة الرسالات السماوية من جهه ومحاولة للدس على نقص كلام الله من جهة ثانية.
سادسًا: رأى أن الإيمان الحقيقي إنما هو عند العلماء الطبيعيين فلا عبرة عنده بالعقيدة ولا التوحيد ولا العمل، وهذه قضايا خطيرة مؤداها الطعن في معظم التراث الإسلامي -إن لم يكن كله- القائم على أعمدة التوحيد والعمل فضلاً عن الترويج للفكر العلماني القائم على الاعتراف بالحقائق العلمية وحدها مجردة من كل اتصال بالأديان.
سابعًا: أساء الأدب إساءة بالغة عندما خرج على مقتضى العرف الإيماني والأدبي السائد بين المؤمنين وبين خالقهم.
ثامنًا: قصر الإيمان على المعرفة وألغى التلفظ بمنطوق الشهادة فهو عنده إيمان تعبدي لفظي لا معنى له، وهذا ولا شك مذهب طائفة من الفلاسفة والمتكلمين المنحرفين ونسي أن الإقرار باللسان شرط عند أهل الحق.
تاسعًا: خول لنفسه أن يتكلم باسم الله (قل على لساني ما تشاء على مسئوليتك) هذا منتهى العبث والاستهتار مما يشعرنا أن الرجل كان في حالة غير طبيعية أثناء كتابة هذه الشطحات إذ كيف يتجرأ أن يروي كلامًا مكذوبًا على الله.  عاشرًا: أنكر رؤية الله يوم القيامة وهي ثابتة، وتجاوز حدود البشرية بوصفه كلامًا مخترعًا منسوبًا إلى الذات العلية هذا فضلاً عن افترائه وكذبه" (١).

 

* توفيق الحكيم من أكبر كتّاب التغريب:
استقطبت الصحافة العربية عددًا كبيرًا من كتاب التغريب الذين كانوا عدتها في سبيل تبرير مفاهيم الإقليمية والفرعونية والتنكر لمفاهيم الوحدة الإسلامية وترابط العروبة والإسلام، وكان في مقدمة هؤلاء توفيق الحكيم ولويس عوض وحسين فوزي.
وما يزال توفيق الحكيم منذ الثلاثينات يحمل لواء التفرقة بالتجهيل للعرب والإعلاء للمصرية طوال أكثر من خمسين عامًا. وهي تفرقة لا تقوم على أساس علمي، وإنما تعتمد شبهات المستشرقين وخصوم العرب والإسلام، فتوفيق الحكيم يدعي أن هناك شخصية مصرية مميزة عن الشخصية العربية الإسلامية، ويرى بين المصرية والعروبة خلافًا بل وتضادًا .. حتى يقول: "إن مصر والعرب طرفا نقيض"، وهي نفس الدعوة التي حملها طه حسين ومحمد عبد الله عنان وسلامة موسى. ويحملها اليوم لويس عوض وبطرس بطرس غالي وكثيرون من المتأثرين بالتاريخ القديم السابق للإسلام والذين يتجاهلون ما أثبته المؤرخون من "الانقطاع التاريخي"بين مصر الإسلامية العربية وبين ما قبل ذلك.
وكل الذين يفاخرون بميزات لمصر يجهلون أن مصدر هذه الميزة هي تلك الموجات العربية المتوالية التي أخرجتها الجزيرة العربية وأهمها الموجة الإسلامية.   .الإسلامية التي حملت معها مفهوم التوحيد الخالص، وهم يجهلون ذلك الترابط الوثيق الذي أوجده دين الحنيفية السمحاء: دين إبراهيم الذي عم وشمل كل هذه المناطق بدعوة الإسلام الأولى التي صدرت عنها من بعد رسالات الأنبياء موسى وعيسى ومحمد.
فلماذا هذا الأستعلاء العنصري بالمصرية المستمدة من الفرعونية، وقد أثبت المؤرخون أن الفراعنة عرب أصلاً، وأن جميع الموجات الفينيقية والآشورية والبابلية كلها موجات انبثقت من قلب الجزيرة العربية، وأن كل معطيات المصريين تتلخص في أمرين: العقيدة واللغة ومن ثمارهما القيم والخلق والمقومات، وكلها جاءت من الإسلام والقرآن، فليس هناك في الحقيقة طرف مصري مناقض للعرب، وإنما هي كلمات من المبالغة والتعصب والعنصرية تذاع وتستشري في فترات الضعف، وقد ذاعت إبان الاحتلال البريطاني وتجري اليوم على الألسنة إبان تحدي الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، والواقع أن الجامع الحقيقي هو الإسلام، وليس العروبة، وليست المصرية إلا دعوة مشابهة لدعوات الإقليمية التي تتحرك على أفق العالم الإسلامي هنا وهناك تحت تأثير موجة القوميات الضيقة الوافدة، ولا ريب أن العالم الإسلامي كله مقبل على الوحدة والالتقاء وأن هذه الدعوات لا تجد لها مجالاً حقيقيًا إلا عند ذوي الغايات القصيرة والأغراض الخاصة.
بل إن مصر إذا عزلت عن العروبة والإسلام فإنها لا تبقى شيئًا سوى تماثيل وأهرامات وأحجار الأقصر ووادي الملوك. وهذا يكذب عبارة توفيق الحكيم الذي يقول: "إن الاختلاط بالروح العربية كاد ينسي المصريين أن لهم روحًا خاصة تنبض ضعيفة تحت ثقل الروح الأخرى الغالبة"، وإني لأتساءل ْماذا كانت أو تكون الروح المصرية الخاصة بدون الروح العربية، أتكون روح فرعون والعبودية والظلم وعبادة الآلهة المتعددة والوثنية المغرقة في السحر: {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}.
- ويذهب توفيق الحكيم في هذا الطريق المظلم الموحش إلى أن يدعو مصر إلى أن تكون فندق العالم، أي أن تصبح دارًا مفتوحة لكل السائحين وطلاب الحاجات، وأن تفقد شخصيتها الحقيقية التي شاء الله أن يصنعها لها بالإسلام، وهي حماية المقدسات وحمل لواء الجهاد والمرابطة على هذا الثغر الخطير في العالم.
ولقد كانت أكبر أخطائه، تخبطه بين تأييد الاستبداد الناصري ومحاولة تخلصه منه بعد استقبال عصر جديد، فقد كتب يقول: أن السلطان في الفترة السابقة قتل الحريات وكمم الأفواه وأنه أخضع له الكتاب والمفكرين فجروا في طريقه وأيدوه، ولذلك فهو يطالب بمحاكمة هؤلاء الكتاب ويطالب أول الأمر بمحاكمة توفيق الحكيم نفسه الذي أيد السلطان في هذا الاتجاه. ويقول: أنه جرى في هذا الطريق حتى بعد وفاة عبد الناصر فطالب بإنشاء تمثال ضخم في ميدان عام تقديرًا لعظمة وبطولة ذلك السلطان، وقد جاءته مئات الخطابات المؤيدة لرأيه غير أن خطابًا واحدًا من بينها جاء فيه: صحيح أن السلطان يستحق تمثالاً كبيرًا يناسب شهرته ومكانته ولكن أين يقام هذا التمثال .. ثم اقترح أن يقام هذا التمثال في تل أبيب.
ولقد كان توفيق الحكيم على مدى حياته مضطرًا إلى الخطأ غير كاشف لأبعاد الأحداث فإن انغماسه في الأساطير والقصة الغربية وما وراءها من خيالات قد حال بينه وبين الرؤية الصحيحة لأحداث العصر والمجتمعات.
فهو عندنا دعا إلى الخلاص من الطربوش، دعا إلى اللجوء إلى القبعة، وعندما ضرب الفرنسيون دمشق بالمدافع ونشروا الرعب والعدوان لم يزده ذلك على أن قال:
"لتذهب دمشق ومئات مثل دمشق إلى الهاوية وتبقى فرنسا". وهو الذي قال مرة: إذا لم تكن لنا حضارة فلنأخذ الحضارة الغربية وننتهي.
كل هذا يعطي صورة البساطة والخيال وعدم العمق، في تناول الأمور، ويعطي مفهوم رجل المسرح والرواية والأساطير القديمة الذي يعجز عن متابعة الأحداث. وكل كتاب القصة على هذا النحو.
- يقول محمد المجذوب: كتبه أكبر شاهد على تنكره لمثل أمته حتى ما كان منها متصلاً بالسيرة النبوية ككتابه محمد - صلى الله عليه وسلم - أو مسرحية أهل الكهف، وبه مواطن دسائسه على الرسول.
وفي أهل الكهف: "تحوير شائن لمضمون القصة القرآنية التي قامت على إثبات حقائقها الكتب الدينية السابقة والحفريات الأثرية المعاصرة".
- ولقد كان عمل توفيق الحكيم في الحقيقة قائمًا على إحياء التراث اليوناني والوثني والأساطير (أوديب) وبثها في أفق الفكر الإسلامي، وإحياء مفاهيم الحضارة الفرعونية (إيزيس) وإحياء تراث اليهودية (الملك سليمان) وإحياء مدرسة اللامعقول وأدب اليهودية يونسكو وبكيت (يا طالع الشجرة) والماركسية الاشتراكية. وكان له إلى ذلك كله هدف مبيت دفين هو إفساد التراث الإسلامي وتغيير مضامينه بما كتب معارضًا لما جاء في القرآن سواء في أهل الكهف أو الملك سليمان، وهو يعيش تحت سيطرة مفاهيم الفلسفة المادية ومذهب مدرسة العلوم الأجتماعية والمفاهيم الماركسية التي تقول بالصراع بين العقل والعاطفة، وبين المثالية والمادية، وبين العاطفة والواقعية. ويرى أن هذا الصراع هو جوهر الفن. والحقيقة أن توفيق الحكيم قد غفل عن مصدر ثرِّ لفهم البشرية فهمًا صحيحًا وهو القرآن: ومفهوم التوحيد الخالص الجامع الذي يحول بين البشرية وبين التمزق أو الصراع أو انقسام وحدة النفس المؤمنة الربانية الاتجاه. وقد عمل على ترجمة كل الاتجاهات والمدارس والمذاهب.  الغربية بخيرها وشرها وما يحسن تقديمه للفكر الإسلامي وما لا يجوز تقديمه، فكانت كتاباته حصيلة مختلطة وركامًا مضطربًا، وقد أفسد أمانة القلم ومسئولية الكلمة حين عجز أن يقدم لأمته خير ما في هذا الفكر من مثل أو أن يدل الناس على حقيقة هذه التيارات وخلفياتها لتكون على بينة مما في هذه الكتابات من سموم وأهواء.
- بل لقد دافع توفيق الحكيم عن تدريس الكتب الإلحادية في الجامعة وقال: "لماذا كل هذا الفزع كلما وقع بصرنا في كتاب على عبارة تمس الإسلام"تحت مظلة حرية الفكر الباطلة، وهو يعلم أن هذا الشباب ليس له من حصيلة إسلامية كبيرة تحميه من الشكوك التي تثيرها هذه الكتب.
- ويحمل توفيق الحكيم مجموعة من المفاهيم الفلسفية المضطربة تجعله غير قادر على الوصول إلى مفهوم الأصالة الإسلامية. فهو يقيم مفاهيم في النفس والمجتمع على الأساطير التي لا تمثل واقع الحياة في شيء كقصة أوديب الذي تزوج أمه. وهو يعتنق مفهوم هيجل في القول بأن التناقض قانون الحياة.
- كما أنه يروج لمفهوم حرية الفنان المطلقة الذي لا يتقيد بقيم الأخلاق أو الدين، كما أنه يقيد نفسه بمفهوم الصراع اليوناني بين الإنسان والقدر وبين إرادة الإنسان وإرادة الله، ويرى رأيهم في أن القوة الخارجية تتحدى الإنسان وتبطش به. ويرى أن الإنسان سجين في إطار معين من الزمان والمكان وأن إرادته ترتطم أحيانًا بكل هذه العوامل، وهو بذلك يجهل مفهوم الإسلام في إرادة الإنسان المحدودة، داخل إرادة الله تبارك وتعالى، والتي هي مناط المسئولية والجزاء الأخروي. وهو في كل آرائه متأثر بالفلسفة المادية والفلسفة الوجودية ومدرسة العلوم الاجتماعية والماركسية على شذرات وشظايا من هنا وهناك متجمعة ومضطربة لا تصل به إلا إلى مفهوم غامض مضطرب.   - ولعل أخطر مواقف توفيق الحكيم هو هجومه ضد عروبة مصر ونفيه لانتمائها الإسلامي ووجهها العربي. وقد اتهم بأن فكرة حمار الحكيم مأخوذة من فكرة الأديب الأسباني (خمينز)، وقد كانت لتوفيق الحكيم صلاته بالصهيونية العالمية. وفي عام ١٩٤٣ ترجم له أبا إيبان يوميات نائب في الأرياف إلى اللغة الإنجليزية وفي عام ١٩٤٧ انتقل توفيق الحكيم إلى تل أبيب والتقى هناك بالفنانين المسئولين عن المسرح ودار الحوار حول مسرحية (سليمان الحكيم) التي استوحى وقائعها من التوراة وعرضوا عليه ترجمة المسرحية إلى العبرية.
ويدعو توفيق الحكيم إلى التعاون الثقافي بين الفكر العربي واليهودي، وإنشاء جمعية عربية إسرائيلية مقرها العاصمة الفرنسية للعمل من أجل السلام. وهكذا تعطي كتابات توفيق الحكيم صورة التخبط والاضطراب وضعف الرؤية العامة، ولو اقتصر توفيق الحكيم على أن يكون من رجال المسرح ومترجمي التراث اليوناني والغربي لكان ذلك خيرًا له، ولكنه حاول أن يكون عن طريق الصحافة من رجال الفكر والرأي فكانت أمانته للتغريب والغزو الثقافي والشعوبية واضحة جلية" (١).

 

* وختامًا نقول أن توفيق تنكر لأمته حين "وصف إسرائيل بأنها دولة متحضرة" (٢)

 

 

* الدكتور زكي نجيب محمود يسخر من الشريعة وينكر الغيب ويهاجم الحجاب ويدعو إِلى وحدة الوجود:
"قد بدا في السنوات الأخيرة أن الأضواء كلها قد ركزت تمامًا على.  .الدكتور زكي نجيب محمود كقائد لهذه الكتيبة التغريبية وقد مهد الدكتور لذلك بأن أعلن أنه أعاد النظر في التراث الإسلامي (وأسماه العربي) في محاولة لخداع البسطاء ولتغطية ماضٍ طويل في الفكر المادي كانت قمته كتابه المعروف (خرافة الميتافيزيقا) أي بمعنى صريح إنكار مفهوم الغيب الذي جاء به الإسلام والادعاء بأنه خرافة. وإنكار كل ما سوى المحسوس والمعقول متابعة في ذلك للمذهب الفلسفي الذي اعتنقه طوال حياته مقلدًا في ذلك فيلسوفًا أوروبيًا ماديًا ملحدًا ينكر الأديان المنزلة ويفاخر بأنه يمثل مدرسته (أوجست كونت). وفي طريق كسب الأنصار والتقرب إلى الشباب الواعي المثقف يتحدث الدكتور زكي نجيب محمود عن الإيمان بالله وعن الإيمان باليوم الآخر، وعن أعلام التراث: الغزالي وغيره، ذلك كله محاولة لإلقاء حاجز بين الماضي والحاضر وإحراز الثقة التي تمكنه من بث لمفاهيمه وآرائه.
ونحن لا نتهم أحدًا في عقيدته ولا نتعقب للعورات ولا نلتقط ما تتكشف عنه السرائر من وراء الوعي ولكننا نقرر بداءة بأن المنهج الذي يدعو إليه زكي نجيب محمود معارض لمفهوم الإسلام الصحيح من جوانب عديدة وخاصة بالنسبة لتلك القضية الكبرى التي يثيرها في كل كتاباته وهي مسألة العقل والعقلانية، فالإسلام لا يعطي العقل هذا السلطان المطلق كله، ولا يقر مثل هذا المعنى. وإنما يرسم للعقل طريقًا كريمًا في ضوء الوحي. والعقل في الإسلام مناط التكليف ولكنه ليس حكمًا على كل شيء؛ ذلك لأن العقل أداة تصلح إذا صلح تكوينها وتفسد إذا فسد تكوينها. وهي إن امتدت بالوحي أضاءت وأشرقت عليها أنوار الفهم. أما إذا اهتدت بالفكر البشري فإنها تكون بمثابة أداة تبرير لكل أهواء النفس.
فالعقلانية بالمعنى الذي يدعو إليه زكي نجيب محمود نظرية مادية صرفة ومرفوضة تمامًا. وإذا كان هو وجماعة المستشرقين والتغريبيين يعتزون من.  التراث بالجانب الخاص بالمعتزلة فإن هذا الأعتزاز لا يمثل إلا انحرافًا في مفاهيم الفكر الإسلامي. فالمعتزلة خرجوا عن مفهوم الإسلام الجامع المتكامل بين العقل والقلب والروح والمادة، والدنيا الآخرة. وأعلوا مفهوم العقل.
فانحرفوا وتحطموا وحكمت عليهم الأمة كلها بأنهم خرجوا عن مفهوم الإسلام الصحيح حين دعوا إلى خلق القرآن واستعدوا الخلفاء على المسلمين والعلماء. وقد هزمهم الله شر هزيمة على يد الإمام أحمد بن حنبل، وأعاد للإسلام مفهومه الأصيل الجامع.
والموقف نفسه يقفه الإسلام بالنسبة للدعوة إلى التصوف كمنطلق وحيد لفهم الحياة والأمور من خلال الحدس والروحانيات وحدها ولقد كان هوى زكي نجيب محمود في دراساته في التراث مع ذلك المفهوم العقلاني الذي انحرف عن مفهوم الإسلام الجامع، والذي استمد مادته من الفلسفات اليونانية الوثنية المادية، والإلحادية الإباحية التي غامت سحابتها على الفكر الإسلامي ثم انقشعت تحت تأثير أضواء المفهوم القرآني الأصيل.
- كذلك فإن مفهوم الدكتور زكي نجيب محمود للألوهية مفهوم ناقص وقاصر لا يمثل مفهوم الإسلام (على النحو الذي أورده في مقاله في الهلال).
لقد مرت البشرية بمراحل كثيرة في فهم الألوهية ناقصة ومنحرفة وجاء الإسلام بالمفهوم الجامع الحق فلم يعد هناك مجال لإعادة ترديد هذه المفاهيم بعد مرور أربعة عشر قرنًا على نزول دعوة التوحيد الخالص.
إن الذي يقبله شباب الإسلام اليوم من الباحثين هو مفهوم الله الحق لا مفهوم الآلهة كما فهمه الوثنيون أو المعددون، أو المشركون الذين كانوا يؤمنون بالله خالقًا ولا يؤمنون به مصرفًا للأمور كلها .. وقد جاء الإسلام ليكشف هذه الحقيقة وحدها، ويدعو إليها: (إسلام الوجه لله).
أما مفهوم الإيمان بالله على النحو الذي كتب عنه الدكتور زكي نجيب.  محمود فهو مفهوم عرفه المشركون، ولم يقبله منهم الإسلام. ولعل من أكبر الخطأ عرض مفهوم أرسطو وأفلاطون في الألوهية ومحاولة تفسيره بمفهوم الإسلام مع أنه كان أبعد ما يكون عن ذلك، بل إن القرآن الكريم دحض كثيرًا من مفاهيم أرسطو وأفلاطون والفلسفات اليونانية والوثنية والغنوصية لنقصها وقصورها. وخاصة ما ادعاه هؤلاء من أن الله تبارك وتعالى يدير ظهره للكون ولا يعلم الجزئيات، وأن المادة خالدة، إلى غير ذلك من تلك التفاهات، بل إن مفاهيم أرسطو وأفلاطون للألوهية تدخل تحت ما أسموه (علم الأصنام) فكيف يقدم هذا المفهوم للشباب المسلم اليوم على أنه مفهوم الألوهية الحقة؟! ولقد كشف علماء المسلمين منذ وقت بعيد فساد مفاهيم الفكر البشري ونقصه. وكيف أنها منحرفة. وكيف أن الله تبارك وتعالى يعلم الأمور كلها {وما تسقط من ورقة إِلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس}.
وأن هذا الكون ليس مخلدًا، ولا باقيًا، وأن له نهاية كما كانت له بداية، وأن الله تبارك وتعالى يمسك هذا الكون لحظة، ويديره ساعة بعد ساعة، وأن كل ما يقوله الفلاسفة هراء.
المسملون يعلمون أن الكتب المنزلة حرفت وغيرت مفهوم الألوهية الحقة (الله رب العالمين) فنسبه البعض إلى أنفسهم وقالوا: إنه رب الجنود وربهم وحدهم. وقال الآخرون بأن لله ولدًا وكذبوا {ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه}.
وليس مفهوم الألوهية صحيحًا، ولا كاملاً إلا في الإسلام وحده فهو مفهوم إسلام الوجه لله {إِياك نعبد وِإياك نستعين}.
ولقد حاول الفكر البشري أن يزيف مفهوم الألوهية الحقة. وأخطأت الماسونية حين قالت: "المهندس الأعظم"، وهناك انحرافات الباطنية والماديين.    والوجوديين ودعاة وحدة الوجود والحلول والاتحاد على النحو الذي عرف عن كثيرين. وهناك مفهوم الإسلام بوصفه دينًا لاهوتيًا. والحقيقة أن المطلوب ليس إثبات وجود الله تبارك وتعالى ولكن المطلوب معرفة حقيقة هذا الوجود بعيدًا عن هذه المفاهيم المنحرفة ويستتبع الإيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان بشريعته.
- ولكن الدكتور زكي نجيب محمود لا يلبث أن ينتقص من شأن هذه الشريعة ويصفها بأنها قاصرة ومجافية للعصر ويطالب بتخطيها في سبيل تحقيق المعاصرة، وهو يقبل بالحضارة الغربية كما كان يقبل بها سلفه طه حسين (حلوها ومرها وما يحمد منها وما يعاب) فما عرف عنه أنه دعا المسلمين إلى أخذ العلوم مثلاً دون أسلوب العيش، ولكنه يدعو إلى شيء غريب هو أن المسلمين ليس لهم فلسفة حياة وهو ادعاء باطل وظالم.
فيكف يمكن أن يقال لأصحاب القرآن الذي وضع منهجًا للحياة والمجتمع غاية في الأحكام جربته الشعوب والأمم ألف عام فأقام لها حياة الرحمة والعدل والإخاء البشري. كيف يمكن أن يقال لهذه الأمة إنها لا تمتلك منهج حياة؟!!.
وكيف يقبل وهو العقلاني الحصيف هذا المنهج الذي يعيشه الغرب سواء الغرب الليبرالي أم الماركسي في ذلك الخضم العفن الفاسد المتآكل من الشهوات والإباحيات والانحراف والتحلل والغرابة بشهادة كُتَّاب "الغرب والشرق على السواء".
وكيف يغضي وهو الأمين على الكلمة عن أزمة الحضارة وأزمة الأنسان الغربي. وقد قرأ عشرات من الكتابات آخرها ما كتبه (سلجوستين) ودمغ به حضارة الغرب التي يكبرها زكي نجيب محمود وحسين فوزي وتوفيق الحكيم. ويفخرون بها ويغوصون بأقلامهم في تلك الحمم من الدماء والعفن.   والفساد. وهم يقولون لا إله إلا الله على الأقل وراثة، ويرون كيف يقدم الإسلام ذلك المنهج النقي الطاهر الأخلاقي الكريم الذي يرفع من قدر الإنسان. وكيف يحق لأمة تحمل لواء القرآن (ألف مليون مسلم) أن تتخلى عن رسالتها في تبليغ كلمة الله الحق إلى العالمين وتنصهر في بوتقة الأمية والحضارة المنهارة التي تمر بآخر مراحلها.
وهل من الأمانة أن يدعو هؤلاء أمتهم إلى هذا وهم روادها والرائد لا يكذب أهله ولا يغشها. إن مسئولية القلم وريادة الفكر وهي أضخم المسئوليات عند الله تبارك وتعالى يوم الحساب. وقد كان أولى بهم جميعًا أن يصدقوا أمتهم النصح ويدعونها إلى أن تقيم حضارة الإسلام مجددة في إطار (لا إله إلا الله) والأخلاق والرحمة والإخاء الإنساني وأن يلتمسوا أسلوب العيش الإسلامي ليقدموا للبشرية نموذجًا جديدًا نقيًا تتطلع إليه النفوس والأرواح اليوم بعد أن عم الفساد البلاد الغربية كلها من جديد. ولن يكون غير الإسلام. وسوف يدمغهم التاريخ بأنهم كانوا روادًا غير مؤتمنين على الأمانة، وسوف تكتب أسماؤهم في سجل الذين عجزوا عن أن يقولوا كلمة الحق، وأن ينصحوا لأمتهم وهم الذين عاشوا حياة الغرب، وعرفوا فساد مناهجه وأساليب حياته، وعرفوا أن هذه الأمة الإسلامية الكريمة على الله أعز من أن تسحق في أتون الشهوات وأن تدمر بأيدي أبنائها ودعاتها الذين تلمع أسماؤهم وتخدع الناس شهرتهم.
- إن الدكتور زكي نجيب محمود قد أخطأ الطريق حين فهم التراث الإسلامي ذلك الفهم الذي جعله يكرم أمثال (ابن الراوندي) و (مزدك)، و (ماني)، و (الحلاج) و (الباطنية)، و (الشعوبية) و (إخوان الصفا) وتلاميذهم.
كذلك فهو مؤمن بمجموعة من المسلمات الخاطئة من عصارة مفاهيم الفكر البشري الوثني المادي فضلاً عن أن إيمانه بالعلم والعقل وحدهما وهو.    في مفهوم الإسلام قصور شديد عن المفهوم الجامع.
- وإني لأسال الدكتور زكي نجيب محمود: هل يؤمن بالوحي؟ هذا هو مقطع المفاصلة بيننا وبينه. وإذا كان يؤمن به فلماذا لم يعلن فساد منهج كتابه "خرافة الميتافيزيقا"، ولماذا لا يؤمن بهذا الوحي الذي جاء به القرآن شريعة ومنهج حياة؟
وإذا كان الدكتور زكي نجب محمود قد تراجع عن "خرافة الميتافيزيقا"وغيرها من آرائه. أليس من الشجاعة أن يعلن ذلك صراحة حتى يستطيع أن يكسب إلى صفه بعض الناس.
إن محاولة افتعال مكانة طه حسين اليوم هو أمر مضيع. فقد انتهى ذلك العهد وصحا الناس وخطت حركة اليقظة الإسلامية خطوات واسعة فكشفت عن فساد تلك النظريات والأطروحات الزائفة التي قدمها الآباء العتاة الذين كانوا يستقبلون أبناءنا في الجامعات الأوربية وهم من اليهود أمثال مرجليوث ودوركايم وغيره.
ْأما قول الدكتور زكي نجيب محمود أن الثقافة الإسلامية في العصر العباسي قد اغترفت ثقافات الدنيا بغير حساب فهو قول باطل. لقد وقفت الثقافة الإسلامية موقف التحليل والغربلة لكل ما ترجم، وأخذت منه ما وجدته صالحًا ومطابقًا لمفهوم التوحيد الخالص. أما ما عدا ذلك فقد رفضته وشنت عليه حربًا عنيفة، وأخرجت دعاته من طريق الفكر الإسلامي فأطلقت عليهم اسم (المشاءون المسلمون) إعلانًا لتبعيتهم للمشائين اليونانين، ولم تقبل منهم ما جاءوا به.
وأعلن المسلمون أن منهج اليونان أو منهج الغنوصية الشرقي كلاهما باطل وأن للإسلام منهج خاص مستقل كما نفعل نحن اليوم إزاء ما يقدمه التغريبيون من فكر الشرق والغرب مما هو ليس مقبولاً في الإسلام بحال.  كذلك فإن نظرية زكي نجيب محمود بالتوفيق بين المترجم الوافد الغربي وبين المجدد من التراث الإسلامي (وهو ما يسميه بالعربي استنكارًا) هذه نظرية ليست مستحدثة بل هي نظرية طه حسين وهيكل والزيات وغيرهم .. وهي نظرية اتضح بطلانها. أما ما تعارفت عليه اليقظة الإسلامية فهو أن يقوم أساس إسلامي أصيل من مفهوم الإسلام الجامع (بوصفه منهج حياة ونظام مجتمع) وفي ضوئه يحاكم التراث كله والوافد كله، ولا يقبل إلا ما يزيد المنهج قوة ودعمًا مع الاحتفاظ بأسلوب العيش الإسلامي (عقيدة وشريعة وأخلاقًا) ودعوى زكي نجيب بالمواءمة مرفوضة. فالمسلمون على استعداد للتضحية بالتقدم المادي في سبيل الاحتفاظ بالقيم الأساسية التي هي في حقيقتها ليست معوقة للتقدم المادي، ولكنها حائلة دون فساد الحضارة الغربية وزيفها وانحلالها الذي يود هؤلاء القوم إغراق هذه الأمة فيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
يتابع الدكتور زكي نجيب محمود دعوته إلى "التغريب"في مقالات أسبوعية محمومة على نفس مفهوم الدكتور طه حسين (أن نأخذ الحضارة حلوها ومرها) ولكنه لأن الوعي الإسلامي أصبح قويًا يتنازل عن فكرته التي ظل يدافع عنها ويدعي أنه قرأ التراث وأنه يقبل -فضلاً منه ومنة- أن نأخذ التراث ونأخذ حضارة الغرب، أما الأخذ من الغرب فهو بدون تحفظ، إما التراث فيمكن أن نأخذ منه ما يتفق مع العصر، إن كلمة التراث التي يستعملها عملة زائفة ومغشوشة، لأنه يجعلها بديلاً للإسلام (القرآن والسنة).

 

فهو يضمها جميعا تحت كلمة (التراث) مع أن التراث هو العمل البشري الذي قام به المسلمون في تفسير وشرح القرآن والسنة تحت اسم الفقه وتحقيق السنة وتفسير القرآن وغيره من العلوم.
- إن الدكتور زكي نجيب محمود لم يطور نفسه كما ينبغي ليصبح.    مقبولاً لدى الشباب المسلم اليوم؛ لأنه ما زال يكتب بأسلوبه الجاف الذي أنشاته دراسته للفلسفة (الوضعية المنطقية) فلا يستطيع أن يخرج منها ويقف الجفاف عثرة أمام دعوته، يقول: (المصدر الذي استقيت منه معظم ثقافتي هو الثقافة الأوربية بصفة عامة والإنجليزية بصفة خاصة)، وقد لبثت مع الأسف الشديد طويلاً وأنا لا أعرف من التراث العربي إلا شذرات، حتى تنبهت له منذ سنوات.
- نعم، لقد كان لا بد أن يتحدث عن التراث (ليخدع) أناسًا مثل الذين خدعهم طه حسين حين كتب (هامش السيرة) إن القيادات التغريبية تريد أن تجعل الأمور أكثر يسرًا، ولكن زكي نجيب محمود لم يطور نفسه كما ينبغي مع تطور اليقظة الإسلامية من ناحية ومع تطور الفكر الإنساني نفسه وظهور عوامل كثيرة تجعل الغرب يعيد النظر فى فكره، إن زكي نجيب محمود لا ينظر إلى الظواهر الخطيرة التي تبدو في كتابات فيلسوف العصر جارودي والطبيب بوكاي .. ويصر على قديمه ويعد الأساليب خدعة مع بقاء المضمون الذي يملأ نفسه في عناد.
إنه يتحدث عن العلم وهو يعني الفلسفة، إن ما يدعو إليه ويسميه العلم ليس هو العلم، فالعلم هو ما يجري في المعامل، أما الفلسفة فهي محاولات الخداع بفرض الفلسفة المادية في ميادين العلوم الإنسانية والأخلاق والاجتماع والنفس.
وإصراره على "تقديس العقل"يوجد له نفورًا شديدًا في بيئة الإسلام، ذلك لأن الإسلام لا يقدس العقل، ولكنه يؤمن بأن العقل مناط التكليف ولكن له حدوده وهو يهتدي بالشرع ولا يستطيع أن ينفرد بتوجيه؛ لأنه إذا وكل إليه الأمر أخطأ وانحرف؛ لأنه في الحقيقة ابن بيئته التي شكلته وليس له قدرة استقلالية في الحكم على الأمور، وهو مدخل كبير للهوى.  والزيف والانحراف.
إن زكي نجيب محمود يخطئ حين يدعو المسلمين إلى أخذ التكنولوجيا والعلوم الحديثة مفروضة مع فكرها، والمسلمون لا يأخذون إلا أدوات الحضارة ولهم أسلوب عيش خاص بهم، وكذلك فعل الغربيون حين أخذوا أدوات الحضارة من مسلمي الأندلس.
كذلك يخطئ حين يظن أن المسلمين أخذوا ثقافة اليونان وبنوا عليها فكرهم (وقولي: أن الثقافة الإسلامية أخذت بغير حساب كل ما عرفته الدنيا من ثقافات وأجرتها في شرايينها) قول باطل فهي حين أخذت غربلت ونقدت وكشفت وجه الخطأ وكل ما أخذته إنما أخذته كمادة خام لها حرية تشكيلها في إطار مفهومها الإسلامي الذي يختلف عن إرجانون اليومان الذي يقوم على العبودية والرق بينما يقوم مفهوم الإسلام على التوحيد والعدل والإخاء البشري.
وكما تخطئ مفاهيمه للعقل تخطئ مفاهيمه للتقدم (الذي هو عند المسلمين جامع بين المعنوي والمادي ولا يضحى بالمعنوي من أجل المادي) ومفهومه للأصالة والمعاصرة ناقص من حيث يقول: لا بد من مصدرين هما التراث وحصاد الفكر الأوربي، وتلك معادلة فوق أنها ساذجة لم يعد يقبلها الآن أحد فهي باطلة، فما هو التراث (هل هو تراث الباطنية والمعتزلة والشعوبية الذي أغرم به زكي نجيب محمود فعاش مثلاً فترة يدرس مسيلمة الكذاب كما قال في الجزائر وهل تكفي عبارة (حصاد الفكر الأوربيَ) لقبوله بكل ما فيه من سموم وفساد وانحلال، إنه لا يتحدث عن أي تحفظ عندما يتحدث عن حضارة العصر فهو يقبلها كاملة، ونقول للدكتور زكي: إن هذه المعادلة لم تعد مطروحة اليوم، وكان يقول بها البسطاء من المفكرين المسلمين قبل خمسين سنة عندما لم يكونوا قد اكتشفوا المؤامرة التي تبحث عن.   العبارات الساذجة، كذلك لم يعد هناك هذا التقسيم الذي يتحدث عنه جماعة يسدون الأبواب في وجه الثقافة الأوربية وجماعة يدعون إلى امتصاص الثقافة الأوربية، بل إن هناك إجماع على شيء واحد: هو عرض التراث الوافد جميعًا على قاعدة "بناء الأساس الإسلامية"القائمة على الإسلام بمنهج حياة ونظام مجتمع وماذا يقصد زكي نجيب محمود حين يقول: "الرأي نأخذه من غيرنا، فنحن أتباع لا أصحاب آراء مستقلة"من هم غيرنا، هل هو القرآن والسنة، أم هم العرب الذين نزل عليهم، الحقيقة أننا نؤمن منهج رباني له أسسه وقوانينه وحدوده وضوابطه ولا يكون هناك حين نأخذ من الإسلام الرأي أي انتقاص لوجودنا وكياننا؛ لأننا لا نؤمن بأن لا كيان لنا بدونه وهي عبارة يلوكها التغريبيون ليخدعوا بها بعض البسطاء الذين يتحمسون للتبعية، أي تبعية: هل التبعية للإسلام خير أم للغرب الملحد المادي الوثني الذي يستخدم هذه الأقلام وتلك الصحف المفتوحة أمام ثرثرتهم التي أصبحت غثة وتافهة - ومن أخطائه: قوله: أن المسلمين استخدموا منطق أرسطو في فهم الإسلام وهذا الخطأ جرى تصحيحه منذ وقت بعيد، وقد أعلن علماء المسلمين أن للقرآن منطقًا (وليقرأ إن شاء ابن تيمية في منطق القرآن لا منطق أرسطو) وهو يغض من شأن إبداع المسلمين وأصالتهم في تقديم منهج التجريب ومنهج المعرفة ذي الجناحين من أجل أن يربط ولاء كاذبًا مع المدرسة اليونانية بولاء متجدد يراد به مع المدرسة الغربية.
وأخطر تمويهاته هي أنه يتكلم عن العلم وهو يقصد الفلسفة كما فعل طه حسين من قبل، إن كل ما يتكلم عنه زكي نجيب محمود لا يدخل في باب العلم، إن العلم لم ينحرف عن الإيمان بالله ولا يطالبنا بالتبعية ودعوته (الوضعية المنطقية) تدور في حلقتها الموصدة عليه حياته كلها وقد تجاوزتها الفلسفات والأحداث في الغرب ولكنه ما زال مصرًا عليها وهي عنده (إنكار الغيب) على نحو ما كتب في (خرافة الميتافيزيقا) ويقوم علي الواقع التجريبي.   المحسوس وإنكار ما سواه، والإيمان بالجبر الذاتي والاحتكام الصارم إلى العقل (صنيع الظن وما تهوى الأنفس).
والوضعية المنطقية منهج مؤداه أن يستخدم العقل وحده وهو مذهب يريد أن يفسر الكون ويفسر الإنسان مع إنكاره ما وراء الطبيعة، وإذا شاء أن يتحدث عن الله تبارك وتعالى كانت عباراته هي عبارات أصحاب وحدة الوجود والحلول.
- وهو يتناقض مع نفسه في رأيه في التراث فيقول: إن العودة إلى الشريعة الإسلامية رجعية، فالعلمانيون الذين لا يؤمنون بالغيب مجددون، والمؤمنون الذين يصلون الماضي بالحاضر رجعيون، فالعودة إلى المنابع رجعية والتقدمية هي الانسلاخ من القيم الخلقية وهذه مفاهيم معكوسة.
- وفي جملة الأمر نجد العناصر التالية في فكر زكي نجيب محمود:
أولاً: التبعية للفكر الغربي ومحاولة احتواء المسلمين في إطاره لقبول فكر الغرب لا المدنية والصناعة.
ثانيًا: إحياء التراث الذي كتبته الباطنية والشعوبية.
ثالثاً: اعتماد (الوضعية المنطقية) التي هي فلسفة الرأسمالية التي تبرر سيطرتهم على الشعوب.
رابعًا: تقديس العقل مما يعارض مفهوم الإسلام الجامع بين العقل والقلب، والروح والمادة.
إن قضية سلطان العقل قضية مضللة وقد رفضها الإسلام من المعتزلة قديمًا.
خامسًا: الجمع بين التراث والمعاصرة، تراث ينتقى، وفكر غربي يؤخذ كله.  سادسًا: السخرية من الشريعة الإسلامية واعتبار عقوبة قطع اليد أمرًا وحشيًا يهدد كرامة الآدميين مع عدم فهم الحقيقة من وراء ذلك وهي: الحيلولة دون وقوع جريمة السرقة.
سابعًا: مهاجمة حجاب المرأة المسلمة.
ثامنًا: الإصرار على فكرة إنكار الغيب (خرافة الميتافيزيقا).
تاسعًا: تعلقه بأهداب طه حسين وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي وجميع الملاحدة واعتبار نفسه إمتدادًا لهم.
عاشرًا: مفهومه الديني هو مفهوم وحدة الوجود الذي يؤمن به ميخائيل نعيمة. والذي يختلف عن مفهوم الإسلام الحق.
لم يكن الدكتور زكي نجيب محمود معروفًا في الأوساط الفكرية إلا بأنه أستاذ فلسفه في الجامعة، يعتنق مذهب "الوضعية المنطقية"، وهي النظرية المادية التي حمل لواءها في الفكر الغربي أوجست كونت وكان معروفًا أن كل واحد من أساتذة الفلسفة يعتنق مذهبًا ما، فكان عبد الرحمن بدوى يعتنق مذهب الوجودية، وفؤاد زكريا يعتنق مذهب المادية التاريخية، وهكذا ولكنا لم نلبث بعد وفاة الدكتور طه حسين إلا قليلاً حتى طلع علينا الدكتور زكي بمقولة جديدة: أنه كان غافلاً عن التراث (ويسميه العربي وليس الإسلامي)، ولكنه تنبه إليه أخيرًا فدهش لأنه قضى العمر الطويل دون أن يعرف عنه شيئًا فلما أخذ في مطالعته دهش له. ومن ثم بدأت صلته بالفكر الإسلامي، وهناك أطلق نظريته الأنتقائية التي يرى فيها أن دعاة الباطنية والحلول والاتحاد وغيرهم هم أصحاب الفكر الحر وكان من رأيه أن علينا أن نأخذ من التراث ما نراه مناسبًا لعصرنا وندع ما لا نراه مناسبًا، وكان كل مفاهيمه يصدر عن النظرية المادية الغربية التي نشأ عليها وتربى في أحضانها والتي أصدر من خلالها كتابه "خرافة الميتافيزيقا"أي خرافة الغيب، وهو كتاب لم يرجع عنه.  ولم يعلن فيما بعد أنه قد غير رأيه فيه.
ولم تكن نظريته متقبلة في دوائر الفكر الإسلامي؛ لأنه لم يكن يؤمن أساسًا بأن الإسلام منهج حياة أو نظام مجتمع وكان موقفه من الألوهية والنبوة والوحي غامضًا ولم يكن مفهوم أهل السنة والجماعة.
- وكانت بعض الجهات قد أعلنت أن الدكتور زكي نجيب محمود قد اختير ليخلف الدكتور طه حسين في قيادة حركة التغريب والغزو الثقافي، ولكن كان على الدكتور أن يجعل كتاباته متقبلة في نظر القرّاء، وعند ذلك أعلن بعض التنازلات، فأخذ يتكلم عن الدين وعن عظماء الإسلام وعن بعض المواقف التاريخية على نحو يخدع به البسطاء الذين يسارعون إلى القول بأن الكاتب الفلاني يذب عن الإسلام وهي نفس الخطة التي اختارها التغريب للدكتور طه حسين بعد مواقفه الواضحة، ضد القرآن والإسلام حين أعلن عن كتابه "على هامش السيرة".
- ولكن الدكتور زكي نجيب محمود يختلف اختلافًا واضحًا عن الدكتور طه حسين فهو لا يملك ذلك الأسلوب الموسيقي الرنان الذي يجذب القراء؛ لأنه ليس أديبًا، وليست له حصيلة من القرآن والسنة أو قراءات التراث تؤهله ليكون في مصاف الدعاة القادرين على اجتذاب الناس بأسلوبهم البليغ، فضلاً عن ذلك فإن الدكتور زكي نجيب محمود يحمل طابعًا من الحدة والعنف والعناد، لا يليق بالدعاة إلى حدّ ما، فإن طبيعة الدعاة حتى إلى الغزو الفكري والتغريب أن تكون لهم مرونة في الحديث وخفة في الخطو، وأن لا يصدموا مشاعر الأمة، وخاصة عندما يجابه الواحد منهم بالرد الكاسح الغاضب لمخالفته للأعراف الإسلامية أو تجاوزه لما يراه الناس حقًّا، وقد ظل الدكتور زكي نجيب يتخبط، وقد فتحت له أكبر الصحف صدرها، ومنعت نشر أي رأي مخالف أو معارض أو مناقش له، وهذا ما لم يكن من.  طبيعة هذه الصحيفة في تاريخها كله، لقد أفردت له أكبر الصحف الصفحات واسعة، يصول فيها ويجول، بأسلوب جاف فلسفي، وحوار مغرب تضيق به الصدور، وينصرف عنه الناس بعد سطور قليلة، فكيف يمكن أن يكون الدكتور زكي نجيب محمود عميدًا للتغريب أو خليفة للدكتور طه حسين، ثم هو حين اصطدم به الناس في (قضية الحجاب) كشف عن قصوره التام عن أداء دوره المرسوم، وانكشف عجزه عن مسايرة الناس أو اقناعهم وسرعان ما تعرى ذلك (القناع) الذي يلبسه فإذا هو كاتب عنيف جاف لا يصبر على القول المرفوض والدنيا كلها من حوله تشيح عنه، وما هكذا عهدنا الدعاة، وإننا لنؤكد أن الدكتور زكي نجيب محمود قد سقط في الامتحان وأنه عجز عن أن يحمل لواء زعامة التغريب وعمادة الغزو الثقافي خلفًا للراحل طه حسين، وأنه إذا كان يظن من نفسه أنه زعيم فكر فما هو كذلك، وما كان ذلك يومًا، وما هكذا تساق الأبل يا سعد، وكيف برجل يهاجم تيارًا قويًا كاسحًا، سليمًا صادقًا، مرتبطًا بالفطرة، متصلاً بالإيمان، كيف يمكن أن يصور هذا التيار على أنه تخلف وهل بلغت المغالطة إلى هذا الحد، وهل يمكن أن ينتصر دعاة التغريب في معركة حاسمة كهذا في مواجهة قيم الأمة ودينها وأخلاقها، ما هكذا يمكن أن تقاد حركة التغريب، وما هكذا يمكن كسب الأنصار بإغاظة الناس وإبراز مكنونات النفس الخفية الممتلئة كراهية للإسلام، والحقد على أهله، والرغبه في تدمير قيمه، وما كان صاحبكم كذلك بل كان يستطيع أن يخفي أحقاده، حين يتحدث وكأنه من المؤمنين أم أن حركة التغريب قد غيرت من أساليبها فانتقلت من إقناع الناس إلى إغاظتهم، ومن كسبهم، إلى سبهم، نحن نعلم أن حركة اليقظة الإسلامية الآن تسير في طريق مختلف وأن أساليب التآمر على عقيده الأمة لم تعد تخدع أحدًا، ويخيل إليَّ أن دعاة التغريب يلقون بآخر سهامهم في يأس غريب، وفي إحساس بالفشل ولكن أما كان يمكن أن يكونوا أكثر تجملاً، 
 
على كل حال، لقد كشفوا أنفسهم وخلعوا الثوب الخادع الذي كانوا يتسربلون به حتى يظن الناس أنهم من المصلحين ومن الناصحين المخلصين لهذه الأمة وبان تمامًا وبما لا يدع مجالاً للشك أنهم ظالمون لأنفسهم غاشون لأمتهم وأنهم يسيرون ضد تيار التاريخ واليقظة والصحوة، وتلك نهايتهم مهما أفسحت لهم الصحف صفحاتها ومهما كان لأسمائهم شهرة ولمعان خادع لم يعد يخدع أحدًا" (١) اهـ.


* الدكتور طه حسين عَرّاب رائد حركة التغريب ومحو الهوية الإسلامية:
- إنه طه حسين القائل.
- "لأمر ما اقتنع الناس أن النبي يجب أن يكون من صفوة بني هاشم، ولأمرٍ ما شعروا بالحاجة إلى إثبات أن القرآن كتاب عربي مطابق في ألفاظه للغة العرب".
- "أظهر تناقض كبير بين نصوص الكتب الدينية وبين ما وصل إليه العلم من النظريات والقوانين فالدين حيث يثبت وجود الله ونبوة الأنبياء يثبت أمرين لم يستطع العلم أن يثبتهما، العالم الحقيقي ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة وكما ينظر إلى اللباس من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة، وتتبع الجماعة في تطورها وتتأثر بما تتأثر به الجماعة. إن الدين في ناحية والعلم في ناحية، وليس إلى التقائهما من سبيل ومن زعم غير هذا فهو خادع أو مخدوع.
- "إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين وستبقى كذلك، بل يجب أن تبقى وتقوى، والمصري فرعوني قبل أن يكون عربيًّا، ولا يطلب من مصر أن تتخلى عن فرعونيتها وإلاّ كان معنى ذلك: اهدمي يا مصر أبا الهول.   والأهرام، وانسى نفسك واتبعينا، لا تطلبوا من مصر أكثر مما تستطيع أن تعطي، مصر لن تدخل في وحدة عربية سواء كانت العاصمة القاهرة أم دمشق أم بغداد، وأؤكد قول أحد الطلبة القائل: لو وقف الدين الإسلامي حاجزًا بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه.
- "خضع المصريون لضروب من البغي والعدوان جاءتهم من الفرس والرومان والعرب أيضًا".
- "ما لي أدرس الأدب لأقصر حياتي على مدح أهل السنة وذم المعتزلة. من الذي يكلفني أن أدرس الأدب لأكون مبشرًا للإسلام أو هادمًا للإلحاد".
- "إن الإنسان يستطيع أن يكون مؤمنًا وكافرًا في وقت واحد، مؤمنًا بضميره وكافرًا بعقله، فإن الضمير يسكن إلى الشيء ويطمئن إليه فيؤمن به، أما العقل فينقد ويبدل ويفكر أو يعيد النظر من جديد فيهدم ويبني، ويبني ويهدم" (١).
- ويقول في كتابه: "مستقبل الثقافة في مصر"عام ١٩٣٨ "إن سبيل النهضة واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء وهي أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يُحب منها وما يكره، وما يُحمد منها وما يُعاب، ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع".
عاملك الله بما تستحق يا طه من داعٍ إلى العلمانية في وقت باكر، وداع إلى القضاء على الشريعة الإسلامية بالقانون الوضعي، ومن داع إلى القضاء.   ..على الوحدة الإسلامية بالدعوة إلى الإقليمية والقومية الغربية.
- طه حسين في أعماله الكبرى كلها خاضع للاستشراق متأثر به تابع له مُعْلٍ من قدره متحدث عن فضله على الأدب العربي والفكر الإسلامي.
- في كتابه "الشعر الجاهلي"سرق نظريته من اليهودي مرجليوث من بحثه الذي نُشر في المجلة الآسيوية عام ١٩٢٤ م وصدر بعدها الشعر الجاهلي عام ١٩٢٦، ومن كتاب "مقالة في الإسلام"لجرجيس صال (المبشر الإنجليزي عربه عن الإنجليزية هاشم العربي وطبع عام ١٨٩١ بمصر.
أما رأيه عن المتنبي فقد أخذه من بلاشير.
ومذهبه في النقد أخذ نظريته من تين، وبوردنير.
وبحثه عن ابن خلدون أخذه عن دور كايم.
واتجاهه في حديث الأربعاء أخذه عن سانت بيف.
وعمله في هامش السيرة أخذه من كتاب على هامش الكتب القديمة.
- طه حسين الذي ترجم وأذاع شعر بودلير العنيف في إباحيته، المسف في أسلوبه، وترجم وأذاع القصة الفرنسية المكشوفة، وقد حفلت كتاباته في جريدة السياسة ١٩٢٢/ ١٩٢٣ ومن بعدها في مجلة الجديد وغيرها بهذه الترجمات التي كانت مثار تعليق المازني كما سيأتي.
- تأثر طه حسين في كتاباته الأدبية والتاريخية والإسلامية بـ:
فولتير صاحب الفكر الحر وعدو الديانات.
- وفي ميدان الأدب والنقد الأدبي يتابع "تين"في نظريته المادية التي لا ترى في الإنسان إلا الجسم"والمادة فقط وأن الإنسان قبل كل شيء حيوان متوحش .. وبهذا الفكر فتح طه حسين أبواب الإثم وسموم الفكر وإباحيات المذاهب أمام الشباب. 
- وتابع طه حسين مثله الأعلى رينان في الأنتصار لحرية الرأي حتى لم يفرق بين حرية الرأي وبين الشك.
- وأعجب طه حسين بأوجست كونت الذي وصف بأنه صاحب دين جديد وهو صاحب الفلسفة الوضعية وتأثر به تأثرًا كبيرًا طه حسين وهو المذهب الذي عمقه من بعد دوركايم وصولاً بالفكر الغربي إلى المادية المطلقة.
- وكذا تابع وتأثر بديكارت وسانت بيف ومذهبهما في الشك الفلسفي. وكذا ببول فاليري وغيرهم.


* طه حسين وكازانوفا والقرآن:
- قال طه حسين عن كازانوفا (١): "هذا الرجل الذي دعته الجامعة ليس رجلاً عاديًا وإنما هو أستاذ حقًّا، ولقد أريد أن يعلم الناس أني سمعت هذا الأستاذ يفسر القرآن الكريم تفسيرًا لغويًّا خالصًا فتمنيت لو أتيح لنا لمنهجه أن يتجاوز باب الرواق العباسي ولو خلسة ليستطيع علماء الأزهر الشريف أن يدرسوا على طريقة جديدة نصوص القرآن الكريم من الوجهة الخالصة على
نحو مفيد حقًّا.
- ولكي نعرف وجهة نظر"كازانوفا"في القرآن والإسلام نعرض لما قاله في "محمد وانتهاء العالم"، وفي هذا الكتاب يتعرض بالتشكيك إلى سلامة نصوص القرآن الكريم، ويزعم أن آيتين ذاتي شأن لا أصل لهما ألبتة، بل وضعهما أبو بكر ثم أضيفتا إلى القرآن.
- ثم يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن العقل ونضوج الفكر اللذين دلّ عليهما إذ ظهرت الأيات الأولى الموحاة "ثم يشير إلى ما أسماه "جلالة كلامه.  .الذي لا يُقاس بغيره ولم يخطر لبال عربي قبله "، ومعنى هذا أنه ينسب القرآن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وينكر الوحي والنبوة.
- يقول عمر فاخوري في كازانوفا في "آراء غريبة في مسائل شرقية":
إن هذه اللهجة من كازانوفا أخطر خطرًا على الإسلام من شتائم المستشرق اليسوعي "لامنس"التافهة، ومحاولة كازانوفا تنصب على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعين خليفة له لأنه لم يفكر أنه سيموت واعتقد أن انتهاء العالم قريب، وأنه سيكون في حياته، ولذلك فهو يعد أن آية {وما محمد إِلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وآية {إِنك ميت وِإنهم ميتون} قد أضافهما أبو بكر من بعد.
- يقول كازانوفا: "إني أؤكد أن مذهب محمد الحقيقي إن لم يكن قد زُيف فهو على الأقل ستر بأكثر العنايات وأن الأساليب البسيطة التي سأشرحها فيما بعد هي التي حملت أبا بكر أولاً ثم عثمان من بعده على أن يمدا أيديهما إلى النص المقدس بالتغيير، وهذا التغيير قد حدث بعبارة بلغت حدًا جعل الحصول على القرآن الأصلي يشبه أن يكون مستحيلاً". هذه هي عقيدة كازانوفا في القرآن وفي الإسلام التي أشاد بها طه حسين وأعجب بها.
وقال: إنه لم يفهم القرآن إلا بعد أن سمع دروس كازانوفا التي دعته إلى أن يردد هذه الآراء في محاضراته ثم يدعو كازانوفا نفسه ليلقي هذه الأبحاث على طلاب كلية الآداب.
لقد أشار المنجوري إلى رأي طه حسين في القرآن مما ألقاه على طلابه وسجل ذلك في مقالات بمجلة الحديث الحلبية، وفي جريدة كوكب الشرق وما قرأه الدكتور عبد الحميد سعيد من كراسة أحد الطلاب في مجلس النواب أثناء عرض قضية طه حسين، ولم ينفك طه حسين عن التشكيك في القرآن أبدًا، بل ظل يثير الشبهات حوله بصورة وأخرى وخاصة في بحثه عن ضمير الغائب الذي ألقاه في مؤتمر المستشرقين في عام ١٩٢٨"اهـ. 
- يقول طه حسين في كتاب "الشعر الجاهلي"مشككًا في القرآن: "ونحن لا نستطيع أن نظفر بشيء واحد يؤيد ما أشرنا إليه هو: أن الكتاب شيء غير القرآن، كان موجودًا قبل إنزال القرآن، والقرآن صورة عربية منه، وقد أخذ صورًا من قبل كالتوراة والإنجيل".
- ويقول: "وإذن فالقرآن دين محلي لا إنساني عالمي، قيمته وخطره في هذه المحلية وحدها. قاله صاحبه متأثرًا بحياته التي عاشها وعاش فيها.
ولذلك يعد تعبيرًا صادقًا عن هذه الحياة. أما أنه يمثل غير الحياة العربية أو يرسم هدفًا عامًا للإنسان، فليس ذلك بحق. إنه دين بشري وليس وحيًا إلهيًّا، والقرآن مؤلف، ومؤلفه نبيه محمد، ويمثل تأليفه بأنه يمثل حياة العرب المحدودة في شبه الجزيرة في اتجاهات حياتها المختلفة السياسية والاقتصادية والدينية.


* دليل دامغ ونص خطير لعرّاب التشكيك في القرآن الكريم:
قدم الدكتور عبد الحميد سعيد كرّاسة لأحد طلبة طه حسين أثبت فيها ما كان يلقيه عليهم - يقول في محاضرة في كلية الآداب بقصر الزعفران (١٩٢٧ - ١٩٢٨) بعد ضجة الشعر الجاهلي:
"وصلنا في المحاضرة الماضية إلى موضوع اختلاف الأساليب في القرآن، وقررنا أنه ليس على نسق واحد، واليوم نوضح هذه الفكرة:
لا شك أن الباحث الناقد والمفكر الحر الذي لا يفرق في نقده بين القرآن وبين أي كتاب أدبي آخر، حيث يلاحظ أن في القرآن أسلوبين متعارضين لا يربط الأول بالثاني صلة ولا علاقة، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا الكتاب قد خضع لظروف مختلفة وتأثير بيئات متباينة، فمثلاً نرى القسم المكي فيه يمتاز بكل ميزات الأوساط المنحطة، كما نشاهد أن القسم اليثربي.  تلوح عليه أمارات الثقافة والاستنارة، فأنتم إذا دققتم النظر وجدتم القسم المكي ينفرد بالعنف والقسوة والحدة والغضب، والسباب والوعيد والتهديد، ويمتاز كذلك بتقطع الفكرة واقتضاب المعاني وقصر الآيات، والخلو التام من التشريع والقوانين، كما يكثر فيه القسم بالشمس والقمر والنجوم والفجر والضحى والعصر والليل والنهار والتين والزيتون، إلى آخر ما هو جدير بالبيئات الجاهلية الساذجة التي تشبه بيئة مكة تأخرًا وانحطاطًا.
"أما القسم المدني فهو هادئ لين وديع مسالم، يقابل السوء بالحسنى، ويناقش الخصوم بالحجة الهادئة، والبرهان الساكن الرزين، كما أن هذا القسم ينفرد بالتشريعات الإسلامية، كالمواريث والوصايا والزواج والطلاق والبيوع وسائر المعاملات، ولا شك أن هذا أثر من آثار التوراة والبيئة اليهودية، التي ثقفت المهاجرين إلى يثرب ثقافة واضحة، يشهد بها هذا التغيير الفجائي الذي ظهر في أسلوب القرآن".
"ليس القرآن إلا كتابًا ككل الكتب الخاضعة للنقد، فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها، والعلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر نهائيًّا عن قداسته التي تتصورونها، وأن تعتبروه كتابًا عاديًا فتقولوا فيه كلمتكم، ويجب أن يختص كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب ويبين ما يأخذه عليه".
"هناك موضوع آخر أريد أن أنبهكم إليه وهو مسألة هذه الحروف الغريبة غير المفهومة، التي تبتدئ بها بعض السور أمثال: ألم، ألر، طس، كهيعص، حم عسق .. إلخ، فهذه كلمات ربما قُصد منها التعمية أو التهويل وإظهار القرآن في مظهر عميق مخيف، أو هي رموز وُضِعت لتميز بين المصاحف المختلفة التي كانت موضوعة عند العرب" (١).  
- فطه حسين هنا يقول ببشرية القرآن، وهذا القول كفر أكبر مخرج من الملة بعد قيام الحجة على قائله من قِبَل علماء الأمة.


* موقف طه حسين من الدين الإِسلامي والحكومة الإِسلامية:
إن مقال طه حسين "بين العلم والدين"الذي نشره في مجلة الحديث عام ١٩٢٧ هو بمثابة تقرير كتبه الدكتور إلى أساتذته عتاة التغريب ليكشف لهم عن الخطر الذي يواجهه تحت مادة دين الدولة الرسمي الإسلام، وفيه يكشف مفهومه للإسلام بأنه لا يزيد عن أن يكون صلاة وصيامًا واحتفالاً بالمولد النبوي والأعياد الرسمية وإطلاق المدافع في رمضان وقيام المحمل إلخ ..
أما بالنسبة للنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإنه يدعو مصر إلى اعتناق النظرية الغربية يرى أنه لا سبيل غير ذلك.
- يقول طه حسين في عدائه للحكومة الإسلامية والتشريع الإسلامي:
"لقد اعتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم ونسير سيرتها في الإدارة ونسلك طريقها في التشريع، والتزمنا هذا كله أمام أوربا، وهل كان إمضاء معاهدة الاستقلال ومعاهدة إلغاء الامتيازات إلا التزامًا صريحًا قاطعًا أمام العالم المتحضر بأننا سنسير سيرة الأوربيِين في الحكم والإدارة والتشريع فلو هممنا الآن أن نعود أدراجنا وأن نحيي النظم العتيقة لما وجدنا إلى ذلك سبيلاً".
- ويقول في كتاب "الفتنة الكبرى": "لقد كانت الخلافة الإسلامية تجربة جريئة توشك أن تكون مغامرة ولكنها لم تنته إلى غايتها ولم يكن من الممكن أن تنتهي إلى غايتها؛ لأنها أُجريت في غير العصر الذي كان يمكن أن تُجرى فيه سبق بها هذا العصر".
ويقول في "الفتنة الكبرى": "ليس من شك أن عليًّا قد أخفق في بسط.  خلافته على أقطار الأرض الإسلامية، ثم هو لم يخفق وحده، وإنما أخفق معه نظام الخلافة كله وظهر أن الدولة الجديدة التي كان يُرجى أن تكون نموذجًا للون جديد من ألوان الحكم والسياسة والنظام لم تستطع آخر الأمر إلا أن تسلك طريق الدول من قبلها، فيقوم الحكم فيها على مثل ما كان يقوم من قبل من الأثرة والاستعلاء ونظام الطبقات التي تستذل فيه الكثرة الضخمة، لا من شعب واحد بل من شعوب كثيرة لقلة قليلة من الناس" (١).
وهذا الكلام تَجَنٍ من طه حسين على الخلافة التي لم تخفق، وإنما ظلت طيلة ثلاثة عشر قرنًا حتى الحرب العالمية الأولى مصدر عزة المسلمين وقوتهم.
- ومفهوم طه حسين للدين هو أنه ظاهرة اجتماعية وأنه خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها، وأشد من ذلك خطرًا قوله: "بأن الإسلام لم يغير حياة العرب، وأنه بقي على هامش حياة المسلمين، وأنه لم يستطع أن يفرض حياة المسلمين بين أصحاب الحضارات الأخرى".
- أما رأيه في الشريعة فهو رأي متعصبي المستشرقين أمثال جولدزيهر، وشاخت وغيرهم فهو يقول: "ولكننا لا نشك في أن الفقه الإسلامي قد تأثر بالفقه الروماني قليلاً أو كثيرًا سواء علم بذلك الفقهاء أم لم يعلموا"وهذا الكلام لطه حسين مغالطة واضحة.
- ويقول عن الشيخ الظواهري في "السياسة" (٢٨/ ٦/١٩٣٢):
"ما دامت هذه الأيام السود قد جعلت رأي الشيخ الظواهري فوق الدين والعلم، وفوق الحرية والدستور والقانون فمن الحق على هذا (البابا) أن لا يحكم في رعاياه البائسين حكم قراقوش، وأن لا يقضي في أمر حتى يفهم.   .ويتبصر. وأنا أعلم أن عمامة الشيخ تضيق بفهم هذه الكتب العلمية الخالصة التي يطبعها في مصر جماعة من المصريين والأجانب الشرقيين والغربيين".
وواضح أن هدف طه حسين هو فتح الطريق أمام الأجانب الغربيين وحدهم في نشر ما يشاءون من آراء سواء أكانت معارضة للإسلام أو مهاجمة له. وأيضًا في اتهامه لقراقوش بالاستبداد تزييف واضح للتاريخ.
الخطوة الثانية:
- وكانت مقالات طه حسين عن ما أسماه الخطوة الثانية: هي أخطر محاولاته لهدم الأزهر.
فقد أُعلن إلغاء المحاكم الشرعية فإذا الدكتور طه حسين يتقدم بطلب إلغاء الأزهر تحت اسم الخطوة الثانية في مقال بجريدة الجمهورية ٢١/ ١٠/١٩٥٥ دعا فيها إلى توحيد التعليم على الأساس المدني، ثم أردفه بمقال آخر في ٢/ ١١/١٩٥٥، ثم بمقال في ١٦/ ١١/١٩٥٥ ثم مقال رابع بتاريخ ٢٧/ ١١/١٩٥٥. وقد ردّ عليه الكثير من العلماء والدعاة مثل الشيخ محب الدين الخطيب، والدكتور محمد أبو شهبة.
- قال الدكتور محمد محمد أبو شهبة في مجلة الأزهر عن طه حسين:
"أيريد أن نتخلى عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الموحى إليه بهما
من ربهما ونشتغل بفلسفة اليونان وسقطاتهم وثقافة الفرنسيين الذين يحبهم
ويحبونه حتى ننفي عن أنفسنا أننا محافظون، أم يريد أن تقطع صلتنا بالسلف
الصالح من هذه الأمة الإسلامية وما خلّفوا لنا من كنوز وذخائر ونصل حبالنا
بأبناء السين والتايمز حتى يرضى عنا ويضعنا في قائمة المجددين، ألا فليعلم
الدكتور ومن على شاكلته أنه لن يكون شيء من ذلك، ودون ما يريد خرط
القتاد وصعود السماء {فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن
كيده ما يغيظ}.  - وكتب السيد محب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة الأزهر في مقدمة العدد الخاص (ديسمبر عام ١٩٥٥):
ْ"إن الضجة التي أثارها مؤلف "مستقبل الثقافة في مصر"لم يثرها ليقضي على مناهج الأزهر من ناحية العلوم. بل هو يريد من مصر ومن الأزهر ومن كل من ينتسب إلى العلم من الناطقين بالضاد أن يؤمنوا بثقافة الغرب ما آمن هو بها ..
وبعد: فإن مصر لو فقدت عقلها وسارت وراء مؤلف "مستقبل الثقافة في مصر"لخسرت جميع أبنائها المثقفين كما خسرت ويا للأسف المسيو كلود طه حسين ناظم ديوان أجراس الكنائس الذي يتغنى فيه لابنته بموسيقى الكنائس، وأظن أن مؤلف كتاب "مستقبل الثقافة"يتمنى لجميع أبناء مصر أن يكون كل واحد منهم (كلود طه حسين).
- أما القائمون بالولاية على مصر فإن أبناء مصر أكرم عليهم من ذلك وأعز، وهم يعلمون أن حياة مصر بالإسلام وقوتها بالتعاون مع العرب. إن هذه البذور التي زُرِعت في تربتنا الجامعية منذ نحو ثلاثين سنة بمشهد من صاحب "الخطوة الثانية"كما يشهد له بذلك كتابه "في الشعر الجاهلي"، وأعمدة الصحف ومحاضر مجالس النواب وبعض قرارات النيابة إلى أن أنبتت تلك البذور رجالاً صار منهم الآن مدرسون وأساتذة كالذي "كان يمزح مع طلابه على حساب إيمانهم فيقول لهم: إنه سيعطي درجات إضافية في الامتحان للذين يفطرون في رمضان"، وكالذي يعتبر الآن حجة للفسلفة الوجودية في مصر، ويقول في رسالة له صدرت في القاهرة عام ١٩٥٣:
"إما أن تقول بالأخلاق فتفقد ذاتك، وإما أن تقول باللا أخلاق فتخاطر بوجودك. وإننا معاشر الوجوديين لا نريد أن ننساق وراء أحلام البراءة والبكارة والطهارة" .. هذا هو خطر الوجودية .. إن صاحب "الخطوة الثانية"  يعمى عن رؤية هذا الخطر على مصر؛ لأن هواه يصرفه عن اعتبار أن الخطوة الثانية يجب أن تتجه نحو تطهير الجامعة من هذا التيار العدواني للقانون والأخلاق والواجب والطهارة والبراءة وحماية الجامعيين من هذا الوباء الجارف الذي يدعو إلى الإثم ويهدد مستقبل مصر وكيانها، فرأيناه يسكت عن ذلك؛ لأنه كان من شهود زرعه وغرسه ويرفع عقيرته مناديًا بالقضاء على ما يختلف به في مفاهيم تعليمه عن مناهج من يسميهم الناس في مدارسهم، وليس بين مناهج الأزهر والمناهج الأخرى فرق إلا بتعليم القرآن وتفسيره والحديث ومصطلحه والسيرة النبوية والفقه الإسلامي، فالقرآن وهذه العلوم المفسرة له والمستظلة بهدايته هي الخطر كل الخطر على مصر ويجب أن تكون الخطوة الثانية متجهة نحو تحطيمها وإبادتها بتوحيد التعليم في طور الصبا والشباب".


* دعوته إِلى أدب المجون والجنس والإِباحة:
في جرأة عجيبة على تاريخ الأمة قال طه حسين كلمته المسمومة: "إن القرن الثاني للهجرة كان عصر شك ومجون وزندقة وفجور، وأنه يتخذ كنموذج لهذا العصر: أبا نواس، ووالبة ومسلم بن الوليد وأمثالهم من شعراء اللهو، ويعتمد على كتاب "الأغاني"في كثير من الأحكام التي أصدرها من غير تحرج ولا احتياط على هذا العصر.
بل إنه ذهب إلى أبعد من هذا حيث دعا شاب كلية الآداب إلى اعتبار كتاب "الأغاني"مرجعًا في دراسة العصر ومصدرًا لرسم صورة المجتمع الإسلامي، وهذا زيف بالغ الخطر، وجرأة على الحق.
وقد رد عليه الدكتور غلاّب والأستاذ محمد عرفة، وأشار الدكتور عبد الحميد سعيد إلى خطورة "حديث الأربعاء"في حديثه في مجلس النواب المصري عام ١٩٣٣.
وما توقف طه حسين في دعوته إلى الزندقة والإباحة الجنس، ولقد. ذهب إلى أبعد من ذلك فكتب حياة أبي نواس في أواخر حياته ليصلها بما كتبه عنه في أوائل الشباب (سنة ١٩٢٦) وبينهما أربعة عقود، وإحياء أبي نواس إحياء للدعوة إلى الخمر وإلى الجنس وإلى الإباحة تذكر بعصبة المجان: بشار ومطيع وحماد عجرد والخليع.
- وكتب الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه "قبض الريح" (ص٦٣) وما بعدها ما يلي:
"ولقد لفتني من الدكتور طه حسين في كتابه "حديث الأربعاء"وهو مما وضع قصص تمثيلية - وهي ملخصة، أن له ولعًا بتعقّب الزناة والفسّاق والفجرة والزنادقة".
ودعوته إلى تحرير الأدب من الأرتباط بالأخلاق والدين دعوة إلى التحرر من ثوابت هذا الدين، يقول عن شعر المجون: "خسرت الأخلاق من هذا التطور وربح الأدب "- وهو الذي ترجم شعر بودلير الماجن، والقصص الفرنسي الداعر.


* طه حسين وحضارة البحر التوسط:
دعا الدكتور طه حسين إلى الإقليمية المصرية مع إعلائه الدعوة إلى الفرعونية وإنكار رابطتها العربية والإسلامية، والادعاء بأن لها رابطة بالغرب ودول البحر المتوسط وأن العقل العربي هو عقل يوناني استمد ثقافته من الفلسفة اليونانية في القديم، وهو عقل غربي في الحديث استمد ثقافته من أوربا.
وقد كان هدف طه حسين من هذه الدعوى عزل مصر عن العرب والعالم الإسلامي وإدخالها في الحلف اللاتيني الذي أنشأته إيطاليا وفرنسا وأسبانيا بوصفها دول البحر الأبيض المتوسط، وكانت فرنسا هي التي تقود هذه الدعوة، والنظرية تقوم على أساس أن مصر قطعة من أوربا، كما أعلن.  ذلك الخديو إسماعيل وأنها جزء من حوض البحر المتوسط.
- يقول طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة": "إن العقل المصري منذ عصوره الأولى عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط، وإن تبادل المنافع على أخلاقها فإنما بتبادلها مع شعوب البحر المتوسط. فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصري نقره فيها فهي أسرة الشعوب التي عاشت حول بحر الروم، وإن كلمة إسماعيل لم تكن فنًا من فنون التمدح أو لونًا من ألوان المفاخرة، وإنما كانت مصر دائمًا جزءًا من أوربا في كل ما يتصل بالحياة الثقافية العقلية".
- وهذه دعوى عريضة باطلة، وقد وجه طه حسين بعشرات الردود التي تكسف شمسه وتزيف رأيه، ولكنه كان يمضي في هذا الطريق على نحو من الصلف والكبرياء الكاذب الذي لا يبلغه.
ولقد أخطأ خطأً بالغًا حين كتب في جريدة "كوكب الشرق"عام ١٩٣٣ هذه العبارة: "وإن المصريين قد خضعوا لضروب من البغي وألوان من العدوان جاءتهم من الفرس واليونان وجاءتهم من العرب والترك والفرنسيين وجاءتهم الآن من الإنجليز، وهم قد صبروا لهذا كله وانتصروا على هذا كله فردوا من ردوا من المعتدين وأفنوا في أنفسهم من أفنوا من هؤلاء المعتدين".
- وقام شباب متحمس لعروبته في دمشق في ساحة الشهداء بحرق بعض كتب طه حسين. وانهالت الردود على طه حسين من عبد الرحمن عزام، ومحمد علي علوبة، وأحمد حسن الزيات، وعبد القادر حمزة، وعلي الجندي (العربي - إبريل عام ١٩٨٠).
وأعلنت مجلة "المكشوف"المارونية البيروتية عام ١٩٣٨ عن كتاب لم يصدر للدكتور طه حسين هو "مستقبل حضارة البحر التوسط في الشرق والغرب". وجاء في هذه المجلة قول طه حسين: "أؤكد قول أحد الطلبة. القائل: "لو وقف الدين الإسلامي حاجزًا بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه". إن المصري مصري قبل كل شيء فهو لم يتنازل عن مصريته مهما تقلّبت الظروف".
إن طه حسين يكشف بذلك انغماسه حتى الأذنين في وثنية عميقة يتنقل بها من اليونان إلى الرومان إلى الفراعنة، وفي نفس ذلك الحقد المتصل على الإسلام فضلاً عن أن هناك فارقًا واسعًا وعميقًا بين دراسة الآثار وبين الدعوة إلى الفرعونية.
وما استطاعت كتابات طه حسين هذه أن تزيح سمومه الفرعونية التي بثها على طول حياته، تلك التي شكلت مدرسة الإقليمية المصرية البغيضة وقوامها: حسين مؤنس، وتوفيق الحكيم، وحسين فوزي ولويس عوض، وهم الخلفاء الطبيعيون للثقافة الوثنية التي أنشاها طه حسين وهيكل، ومحمود عزمي، وسلامة موسى، هؤلاء جميعًا كانوا يعتقدون بأن انتماء مصر يجب أن يكون انتماء غربيًا أوربيًا في التعليم والثقافة وفي الحكم والسياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع وفي التشريع.
- ولكن أخطر ما دعا إليه الدكتور طه حسين هو إنكار فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الحديثة، ورد عليه شيخ العروبة أحمد زكي ردًا مفحمًا بيَّن هراءه ودجله.


* طه حسين وتزييف التراث وإِحياء التراث الزائف الذي صنعته الباطنية كـ "رسائل إِخوان الصفا":
كان أكبر أهداف طه حسين تزييف التراث، وكان موقفه من التراث الإسلامي واضحًا وهو موقف الاستهانة والامتهان له باطلاق اسم القديم عليه، ومحاولة إعادة كتابته بمفهوم التفسير المادي للتاريخ ومنهج الجبرية.  التاريخية وإزالة طابع الإيمان والبطولة والتضحية. وتركيزه على القول بأنه لم يجد في الأدب العربي القديم ما يستحق أن يُبعث وينشر إلا أخبار المجونيين الذين ابتلي بهم الأدب العربي كأبي نواس ووالبة والخليع ومن إليهم.
وعمل على إحياء التراث الزائف الذي صنعته الشعوبية والباطنية، فقد حرص على إعادة إحياء بعض الكتب القديمة واعتبرها مراجع لدراسة المجتمع الإسلامي، وقد ركّز على كتاب "الأغاني"تركيزًا شديدًا مع أن هذا الكتاب بإجماع المؤرخين لا يصلح للغرض الذي قصد إليه.
- وقصد إلى إحياء بعض الكتب القديمة ذات الأثر الخطير في طرح مفاهيم الباطنية والمجوسية وذلك باهتمامه بكتاب "رسائل إخوان الصفا".
وطمع في إحياء كتب المعتزلة والفلاسفة والتصوف الفلسفي وهو تيار بدأه المستشرقون وسار فيه أستاذه "ماسنيون"الذي أحيا الفكر الباطني للحلاج.
- يقول طه حسين: "إنه استكشف كتابًا عظيم الخطر في تاريخ الفلسفة الإسلامية هو كتاب "المغني"للقاضي عبد الجبار، وهو كتاب يصور مذاهب المعتزلة في علم الكلام"وهو بنشره هذا الكتاب في فكر المعتزلة يضلل الناس عن مفهوم التوحيد الخالص ويردهم إلى الشبهات.
- وهكذا نجده في المجمع اللغوي ولجنة الثقافة بالجامعة العربية يهدف إلى نشر مثل هذه الكتب ويسميها "الخطيرة القيمة"، وهو في لجنة الثقافة يهتم بكتاب "أنساب الأشراف"للبلاذري وهو كتاب مضطرب طبعه اليهود في إسرائيل؛ لأنه يبرئ عبد الله بن سبأ.
كتاب "رسائل إِخوان الصفا":
كشف كثير من الباحثين أخطاء طه حسين في كلامه عن "رسائل إخوان الصفا"، ومنهم الأستاذ محمود الملاح، والأستاذ عبد الآمر غلوس على. النحو التالي:
- قال طه حسين عن إخوان الصفا أنهم مفكرون مستقلون يحاولون أن يصبغوا ما انتهى إليه المسلمون من آثار الأمم بصبغة إسلامية، وكان من زعمائهم جماعة كالفارابي وابن سينا.
وقد أجاب الأستاذ الملاح عن ذلك الأفتراء بقوله: "إن هذه النحلة الهدامة تحاول صبغ الملة الإسلامية صبغة الأساليب الوثنية المتضمنة للشرك والرجوع بالمسلمين إلى الوراء بعد أن ذاقوا نعمة التوحيد الخالص".
- كذلك قال طه حسين: إن رسائل إخوان الصفا أشبه شيء بدائرة معارف فلسفية جمعت كل ما لم يكن بد من تحصيله للرجل المثقف في هذا العصر، وأن هذه الرسائل ليست إلا مدخلاً إلى رسالة جامعة هي خلاصة العلم وغاية الغايات. هل يبعد أن يكون رجل كالغزالي قد تأثر إلى حد قريب أو بعيد بفلسفة هذه الجماعة ولا سيما حينما نلاحظ أنه نشأ فيلسوفًا وانتهى صوفيًّا؟!
وقول طه حسين كله كذب فلقد كان الغزالي معروفًا بمحاربة الباطنية فرسائل إخوان الصفا جب ملئ بالأفاعي والعقارب، وهذه الرسائل بخسة الغاية والهدف.
* طه حسين والسيرة النبوية: "على هامش السير"أو "على هامش الشعر الجاهلي"وبعث الأساطير "المثيولوجية"الإِسلامية:
جمع طه حسين كل السموم والشبهات التي أثارها الاستشراق في مختلف كتبه وفي دائرة المعارف الإسلامية وأدخلها في دراسته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان والصحابة -رضي الله عنه- حتى يمكن القول بأن "على هامش السيرة"يمكن أن يُسمى "على هامش الشعر الجاهلي"، ولقد وضع الكتاب على نمط كتاب غربي كتبه "الفريد أورشيم"الأستاذ بجامعة أكسفورد.      تحت عنوان "على هامش سيرة المسيح"ذكر ذلك الأستاذ عبد الله كنون في كتابه "التعاشيب". وأشار الدكتور محمد برادة إلى أن طه حسين كتبه تقليدًا لكتاب "على هامش الكتب القديمة"لجيل لومتير.
- يقول طه حسين في كتاب "الإسلام والغرب"الصادر عام ١٩٤٦ في باريس "ويتحتم أن نعترف بأن كتابين فرنسيين كانا بمثابة الشرارتين اللتين أشعلتا موقدين مختلفين، أحد الكتابين لجيل لومتير وعنوانه "على هامش الكتب القديمة"، والثاني "حياة محمد"لإميل درمنجم". قال هذا الكلام في أول مؤتمر للحوار بين المسيحية والإسلام ويعد كتابه خطوة في هذا السبيل من حيث دمج الأديان كلها في كتاب واحد، وفي اختراع أخطر بدعة من إحياء الأساطير في الأدب العربي.
- وقد ردّ عليه الأستاذ غازي التوبة في كتابه عن الفكر الإسلامي المعاصر، والأستاذ محمد النايف في مقالاته المستفيضة عن السيرة التي نشرها في مجلة المجتمع الكويتية سنوات (١٣٩٤ و١٣٩٥ هـ) والدكتور محمد حسين هيكل، وقال الدكتور محمد حسين هيكل: "في رأيي أن لا تتخذ حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - مادة الأدب الأسطوري، وإنما يُتخذ من التاريخ وأقاصيصه مادة لهذا الأدب ..
والنبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وعصره تتصل بحياة ملايين المسلمين جميعًا بل هي فلذة من هذه الحياة، ومن أعز فلذاتها عليها وأكبرها أثرًا، واعلم أن هذه الإسرائيليات قد أُريد بها إقامة (ميثولوجية إسلإمية) لإفساد العقول والقلوب من سواد الشعب، ولتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد كانت هذه غاية الأساطير التي وضعت عن الأديان الأخرى، من أجل ذلك ارتفعت صيحة المصلحين الدينيين في جميع العصور لتطهير العقائد من هذه الأوهام".
 
ولا ريب أن كلام الدكتور محمد حسين هيكل هذا هو اتهام صريح للدكتور طه حسين في اتجاهه وتحميل له لمسئولية من أخطر المسئوليات، وهي إعادة إضافة الأساطير التي حرر المفكرون المسلمون سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها طوال العصور، وإعادتها مرة أخرى لخلق جو معين يؤدي إلى إفساد العقول في سواد الشعب، وتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أخطر مزاعمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أحب زينب بنت جحش وهي زوجة لزيد وهذا بهتان عظيم (١).
ولقد وصف الأستاذ مصطفى صادق الرافعي كتاب "على هامش السيرة"بأنه تهكم صريح (٢).
- ويقول الأستاذ غازي التوبة: "إن طه حسين ينصب نفسه إمامًا للأساطير اليونانية ويضع السيرة في مصاف الإلياذة ويطلب من المؤلفين والكتاب أن يفتتنوا في الحديث عنها افتتان أوربا بأساطير اليونان، كي يرضوا ميول الناس إلى السذاجة، ويمتعوا عواطفهم وأخيلتهم. ولكن هل يتساوى الأثران في المجتمعين: "الإلياذة"في المجتمع اليوناني، والسيرة في المجتمع الإسلامي، وهل كانت السيرة يومًا ما في التاريخ موضوعًا لتسلية قصصية أو مباراة لفظية" (٣).
وفي الجزائر نشرت مجلة "الشباب الجزائرية" (ذي القعدة عام ١٣٥٢ هـ - ١٩٣٤م) تحت عنوان "دسائس طه حسين"قالت: "ألف طه حسين كتابًا أسماه "على هامش السيرة"يعني السيرة النبوية الطاهرة، فملأه من الأساطير
اليونانية الوثنية وكتب ما كتب في السيرة الكريمة على منوالها، فأظهرها بمظهر الخرافات الباطلة وأساطير الخيال، حتى يخيل للقارئ أن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هي إلا أسطورة من الأساطير، وفي هذا من الدس والبهت ما فيه" (١).
 
* "الشيخان"أبو بكر وعمر:
يمضي الدكتور طه حسين في كتابه هذا على نفس النمط الذي سار عليه في كتابه "الفتنة الكبرى"وهي مجموعة أحقاد ووصايا تبشيرية واستشراقية موجهة ومدروسة يضعها في قلب هذه الدراسات لإثارة الشكوك حول صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد مهّد لكتاب "الشيخان"بمقدمة خطيرة أعلن فيها مذهب الشك الفلسفي بوضوح فيعبث في تاريخ أمتنا ويطعن في الرواة الثقات من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وتابعي التابعين وينكر أحاديث متفقًا على صحتها:
فيطعن في حادث السقيفة قائلاً: "لست أطمئن إلى أكثر ما يرويه الرواة من نصوص الحوار الذي كان بين أبي بكر وصاحبيه من جهة وبين الأنصار من جهة أخرى".
- ويطعن في حديث العباس وعلي عن موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن العباس عرف الموت في وجه النبي، مع رواية البخاري له وأحمد.
- ويشكك في استسقاء عمر بالعباس مع أن الحديث مروي عن أنس في "صحيح البخاري".
- ويشكك في أن يكون عمر قد راجع أبا بكر -رضي الله عنه- معترضًا على حرب المرتدين مع أن الحديث رواه الجماعة سوى ابن ماجه .. وما أكثر قوله.  ..في رواية الثقات العدول: "ويزعم الرواة".
- ويلغ في أعراض الصحابة فيلمز أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص ويتحامل على معاوية -رضي الله عنه- ويوغل في عرض سيف الله المسلول خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ويجد في القصص التي اختلقها الوضاعون من أعداء الله عبر التاريخ الإسلامي ذريعة للطعن في أعظم قائد عرفته المعارك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ويصف عمر -رضي الله عنه- في غير موضع بالبطش، وقال: إنه لم يمت حتى ملته قريش. وينتقد أبا بكر -رضي الله عنه- في أنه حصر الخلافة في قريش مع أنه في هذه المسألة قد وردت أحاديث صحيحة كثيرة، ويصف عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بأنه ماكر أهل الشام والأشعث بن قيس بأنه ماكر أهل العراق، ولا ريب أن الطعن في الصحابة -رضي الله عنه- يرمي إلى زلزلة الثقة بأهل الثقة.
انظر إليه وهو يقول في كتابه "الشيخان": "وكان حظ الكوفة من سواد العراق ومما فُتح من أرض الفرس أعظم من حظ البصرة. وكان أهل البصرة يطمعون في أن يوسعوا رقعتهم ويكثروا من الفتوح، لتتاح لهم من الغنائم وسعة الفيء إلى ما كانوا يؤمنون به من فضل الجهاد والغزو في سبيل الله، حتى قال الأحنف بن قيس ذات يوم لعمر: "إن عيشنا أضيق من عيش إخواننا بالكوفة، وأنا لن نأمن الفرس"، وما زال الإلحاح حتى أذن عمر، فاندفع أهل البصرة حتى بلغوا من الفتح ما أرادو"فهل هذه هي النيات التي تحكم الأبرار الأطهار الذين تربوا في مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووعوا قوله: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"فما بال القتال في سبيل الغنائم.
 
* طه حسين والصحابة:
نجد أصولاً عامة مشتركة في كل كتب طه حسين:في رواية الثقات العدول: "ويزعم الرواة".
- ويلغ في أعراض الصحابة فيلمز أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص ويتحامل على معاوية -رضي الله عنه- ويوغل في عرض سيف الله المسلول خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ويجد في القصص التي اختلقها الوضاعون من أعداء الله عبر التاريخ الإسلامي ذريعة للطعن في أعظم قائد عرفته المعارك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ويصف عمر -رضي الله عنه- في غير موضع بالبطش، وقال: إنه لم يمت حتى ملته قريش. وينتقد أبا بكر -رضي الله عنه- في أنه حصر الخلافة في قريش مع أنه في هذه المسألة قد وردت أحاديث صحيحة كثيرة، ويصف عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بأنه ماكر أهل الشام والأشعث بن قيس بأنه ماكر أهل العراق، ولا ريب أن الطعن في الصحابة -رضي الله عنه- يرمي إلى زلزلة الثقة بأهل الثقة.
انظر إليه وهو يقول في كتابه "الشيخان": "وكان حظ الكوفة من سواد العراق ومما فُتح من أرض الفرس أعظم من حظ البصرة. وكان أهل البصرة يطمعون في أن يوسعوا رقعتهم ويكثروا من الفتوح، لتتاح لهم من الغنائم وسعة الفيء إلى ما كانوا يؤمنون به من فضل الجهاد والغزو في سبيل الله، حتى قال الأحنف بن قيس ذات يوم لعمر: "إن عيشنا أضيق من عيش إخواننا بالكوفة، وأنا لن نأمن الفرس"، وما زال الإلحاح حتى أذن عمر، فاندفع أهل البصرة حتى بلغوا من الفتح ما أرادو"فهل هذه هي النيات التي تحكم الأبرار الأطهار الذين تربوا في مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووعوا قوله: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"فما بال القتال في سبيل الغنائم.
 
* طه حسين والصحابة:
نجد أصولاً عامة مشتركة في كل كتب طه حسين:      أولاً: ظلم عثمان واستنقاص الصحابة - رضي الله عنهم - والافتراء على السيدة عائشة - رضي الله عنها -
ثانيًا: تكذيب الروايات التي وردت في "صحيح البخاري"وكتب السنة.
وفي كتاب "الوعد الحق":
- يطيل الحديث في كتابه "الوعد الحق"عن ظلم عثمان -رضي الله عنه- وطغيانه، وأنه ما زال يضرب ابن مسعود -رضي الله عنه- حتى كسر ضلعه، وأشبع عمار بن ياسر -رضي الله عنه- ضربًا حتى أصابه الفتق، وغشي عليه، وفاتته صلوات الظهر والعصر والمغرب (ص ١٧٠)، وهذا دجل من طه حسين وكذب صراح.
- ويدعي أن عثمان -رضي الله عنه- نكث عن بيعته لعبد الرحمن بن عوف وانحرف عن طريق صاحبيه، وأن بني أمية في عهد عثمان حكموا حكمًا جاهليًّا بعيدًا عن الإسلام.
وفي كتابه "مرآة الإِسلام":
في صفحاته الأخيرة تتوالي عباراته الجارحة للصحابة -رضي الله عنه- وتكذيب للأحاديث الصحاح.
ويركز طه حسين في هذا الكتاب على خصوم الإسلام الذين تآمروا عليه من أمثال الزنادقة في عهد المهدي، والحلاج، فيدافع عنهم ويهاجم الخليفة المهدي في صنيعه بالزنادقة، ويصف قتل الحلاج بالغلوّ، ويزكي المعتزلة القائلين بخلق القرآن ويدافع عن قتلة عثمان -رضي الله عنه-.
 
* إعجاب طه حسين بثورات التخريب:
بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك في مغايظة المسلمين وتنكب الطريق الصحيح، واعتبر أن مؤامرة القرامطة والزنج ثورتان إسلاميتان تطلبان العدل والمساواة.  ولا ريب أن طه حسين كما يقول محمد النايف: لا يستطيع أن يتخلى عن عاطفته نحو الملحدين كالسبأية، والزنادقة والحلولية والقرمطية وثورة الزنج، ويُحشر المرء مع من أحب.
 
* طه حسين وصلته باليهود:
في محاضرته في "المدرسة الإسرائيلية "بالإسكندرية في ٢٤ ديسمبر ١٩٤٤ كما نشرتها مجلة المكشوف البيروتية في ٢ كانون الثاني ١٩٤٤:
"ألقى الدكتور طه حسين مراقب الثقافة في وزارة التربية الوطنية في المدرسة الإسرائيلية بالإسكندرية - يوم ٢٤ كانون الأول ١٩٤٤ محاضرة عن اليهود والأدب العربي فذكر العلاقات بين اليهود والعرب منذ الجاهلية وأي أثر كان لليهود في تحضير سكان الجزيرة، ثم تكلم عن انتشارهم في أفريقيا الشمالية وأسبانيا حيث كانت لهم خدمات في سبيل الثقافة وكيف نافسوا العرب أنفسهم على أكثر المناصب في الدولة، إلى أن قال: إن المسيحيين واليهود كانوا خير عون للعرب في نقلهم العلوم والفنون والآداب عن اليونان والهنود والفرس .. "قالت المجلة: فقُوبل كلام المحاضر بعاصفة من التصفيق وقرر المجلس الملي الإسرائيلي إنشاء جائزتين باسم طه حسين يُمنحان لألمع طالبين في المدرسة الإسرائيلية".
- وقبل ذلك بكثير احتضن طه حسين في كلية الآداب طالبه الأثير (إسرائيل ولفنسون) الذي وُصف بأنه رجل استقدمه الدكتور إلى الجامعة وأحاطه بعنايته ورعايته ومكّنه من الحصول على إجازة الدكتوراه برسالة عن "اليهود في جزيرة العرب"قدمها بنفسه في الحفل وفي الطبع، وقد أطلق على نفسه (أبو ذؤيب) وقد عمل أستاذًا فترة من الزمن في دار العلوم، وقد وجد فيما نقله من أخبار وأحاديث تحريفًا وبترًا واقتطاعًا من نصوص محفوظة معروفة.    موضوع رسالة الصهيوني إسرائيل ولفنسون (المشرف على البحوث الإسرائيلية في أفريقيا بعد ذلك) هو "تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام"قدم لها الأستاذ المشرف طه حسين بمقدمة جاء فيها:
الموضوع في نفسه قيّم جليل الخطر بعيد الأثر جدًا في التاريخ الأدبي السياسي والديني للأمة العربية فليس من شك أن هذه المستعمرات اليهودية قد أثرت تأثيرًا قويًّا في الحياة العقلية والأدبية للجاهليين من أهل الحجاز، وليس من شك أن الخصومة كانت عنيفة أشد العنف بين الإسلام ويهودية هؤلاء اليهود، وفي أنها استحالت من المحاججة والمجادلة إلى حرب بالسيف انتهت بإجلاء اليهود عن البلاد العربية.
وهذه الرسالة استحق صاحبها من الدكتور طه المشرف عليها أن ينعته بأنه عالم شاب وُفِّق إلى الخير وإلى تحقيق أشياء كثيرة لم تكن قد حُققت من قبل.
وإسرائيل ولفنسون هذا قال عنه طه حسين: جئت به من فرنسا، وهو القائد لأكبر حملات الكذب والدعاية والتضليل على العرب في فلسطين.
- ورسالة الدكتوراه هذه حلقة من كتب الدعاية الصهيونية التي كانت الشعبة الثقافية للمؤتمر الصهيوني بإشراف (مارتن بوبر) تدعو إلى نشرها، وقد أضفى طه حسين وتلميذه اليهودي على اليهود ما ليس لهم، وما لم يكن فيهم، بل هو فضل خلعاه على اليهود فما كان لليهود على العرب، أو على غيرهم من البشر أي فضل.
ولقد تصدى لهذا الدجل الرخيص الدكتور فؤاد حسنين وبين عوار هذه الرسالة.
- وطه حسين هو المدافع عن عبد الله بن سبأ اليهودي في كتابه "الفتنة الكبرى"ويشكك في حقيقة هذا اليهودي الذي تزعّم أكبر فتنة في صدر الإسلام، وحاول محاولة ساذجة في إنكار شخصية ابن سبأ وآثارها.  البعيدة المدى.
- ويكتب طه حسين صفحة كاملة في جريدة "الوادي"يلخص فيها كتاب "الأجناس"للكاتب الألماني الإسرائيلي فرديناند بروكينز والتي نقلها من مجلة اللاستراسيون ونشرها في٣ يونيو عام ١٩٣٤ وهي في مجموعها دعاية صارخة لليهود ومحاولة لتثبيت معلومات زائفة عن قتلهم بيد هتلر وإثارة القلوب عليهم بالإشفاق.
- وبعد ذلك أشرف طه حسين على دار الكاتب المصري اليهودية التي عيّنته مستشارًا لها ورئيساً لتحرير مجلة الكاتب المصري.
"ولندع الدكتور لويس عوض تلميذ الدكتور وصفيّه في كثير مما يدعو إليه يتحدث عن هذه القصة فيقول: كان لهذه الدار قصة واضحة وغامضة معًا، كان يملك هذه الدار أربعة إخوة من يهود مصر الميسورين. كنا نعرف في هذه الفترة مليونيرات يهود، بعضهم من يهود مصر وبعضهم من اليهود المصريين المتصلين بالثقافة والمثقفين منهم من كان ضالعًا في تشكيل حركاتنا السياسية الجديدة كالشيوعية وما إليها، وكنا نعرف أو نسمع عن آل كوريل: هنري وراؤول ومليونير يهودي شاب اسمه ريمون أحيون. كنا نسمع عن هؤلاء وغيرهم أنهم يمولون الحركات الشيوعية بالمال وقيل بالجنس أيضًا، لم نسمع عن آل هراري كانوا أربعة إخوة تجارًا ووكلاء شركة ومنتجين للآلة الكاتبة، قرروا دخول عالم النشر وتعاقدوا مع طه حسين .. كنت أسمع أن حملة ضارية قد شُنت على الدار من بعض الصحف المصرية الصغرى يقودها إسماعيل مظهر اتهمت فيها دار الكاتب المصري بأنها رأس رمح لليهود في مصر .. والحق أن ظهور دار الكاتب المصري في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العالم العربي إذا نظرنا له بعد هذه الفترة البعيدة أمر يدعو إلى الاستثارة فعلاً" (الأهرام ٢٠/ ٢/١٩٦٨).
وإذا راجعنا ما أصدرته الدار وجدنا حربًا واضحة للإسلام ممثلة في كتاب جولدزيهر -اليهودي- ونجد عاصفة من المترجمات المثيرة التي تحمل الإلحاد والإباحية والفكر الغربي في صوره المنحلة والمضطربة الوجودية والشيوعية وغيرها" (١).
- ولعل هذا ما دعا مجلة الإثنين أن تستجوب طه حسين في عددها (٨ أكتوبر عام ١٩٤٥) تحت عنوان "يقولون عنك فماذا تقول؟ ""يقولون عنك أنك تعمل على مساعدة الصهيونية فماذا تقول؟ ".
- يقول الأستاذ أنور الجندي عن طه حسين:
"أيدت كتاباته مفاهيم الرأسمالية وعاون الماركسين واليساريين حتى عدّوه "أستاذهم"ولم يطلق كلمة واحدة في سبيل فلسطين، وكان ولاؤه للفكر الصهيوني واضحًا في جولاته في المدارس الإسرئيلية بمصر أو إلقاؤه محاضرات يشيد فيها بدور كاذب لليهود في الجزيرة العربية والأدب العربي واستقدم شابين يهوديين وأعطاهم مجالاً للتبرير في الجامعة أحدهما (إسرائيل ولفنسون) .. والأخر (بول كراوس) الذي كان يروج للفكر الباطني والشعوبي من أمثال الحلاج وابن عربي وابن سبعين وعدد من الزنادقة، وكانت رحلاته للقدس المحتلة، فقد سافر مع لطفي السيد لافتتاح الجامعة العبرية بالقدس (١٩٤٤م) وسافر مع حسين فوزي (الذي أعلن ذلك صراحة) لزيارة الأقسام الاستشراقية وأهدوه كتاب "أنساب الأشراف "للبلاذري الذي اعتمد عليه في كتابه "الفتنة الكبرى"مبرئًا عبد الله بن سبأ اليهودي من أثره المعروف والمجمع عليه في مقتل عثمان، وولاه اليهود في مصر رئاسة تحرير مجلة الكاتب المصري ودارها عام ١٩٤٧، وقد كشفت أطروحات علمية في الجامعات. 
المصرية دور طه حسين في الصحافة الصهيونية في مصر وشهد نوفون رئيس إسرائيل في إبان زيارته لمصر في عهد السادات أنه صحب طه حسين في زيارة للمستعمرات اليهودية، فهذه زيارة لم يعلن عنها في وقتها" (١).
- ماذا نكتب عن عميد الأدب العربي وتشجيعه لطلابه على إقامة أحفال الرقص المختلط في البيوت (٢).


* هل اعتنق طه حسين النصرانية في فرنسا؟
- قال الدكتور نجبب البهيتي تلميذ الدكتور طه حسين: "إنهم حاصروا طه حسين بحصارين: زوجته الفرنسية وسكرتيره القبطي، وأنه لم يكن يستطيع أن يفلت من مهمته، وأن نظرة واحدة إلى كتاب "معك "للسيدة سوزان يكشف بوضوح عن وجه طه حسين وقد وصفه الأستاذ أحمد حسين بقوله: أنه دخل عشرات الكنائس في كل مكان ذهبوا إليه ولم يدخل مسجدًا واحدًا" (٣).
- "أما شبهة التنصر فقد ذكرها سكرتيره في حديث صاخب لمجلة الإذاعة وعلّق عليها الأستاذ أحمد حسين" (٤).
ونختم بما قال الأستاذ أنور الجندي: "في السنوات الأخيرة من حياة
طه حسين كان لا يزال الرجل يردد شبهاته، وفي مجلس ضمّ اللواء محمود
شيت خطاب الذي روى لي القصة (عام ١٩٧٢ تقريبًا) قال طه حسين: إن
القرآن كان غير منقط، ولذلك فقد حدث فيه اختلاف كثير فهناك كلمات
.تنطق كذا وكذا فتبيّنوا، فتثبتوا، إلخ
قال شيت خطاب: يا دكتور إن الله يقول: {إِنا نحن نزلنا الذكر وِإنا له لحافظون} هل لو كانت كلمات اختلف فيها أما كان الفقهاء والمفسرون سجلوا ذلك، إننا لا نجد في كتاب التفسير أو القراءات ما يدل على ما ذهبتم إليه، إن ما تقولون به هو ما قاله ماسينون وغيره من المستشرقين افتراء على القرآن والإسلام، ولا بد من مواجهة هذا والجهاد فيه.
وصمت طه حسين لحظة قال: لماذا لم تقولوا لي إن فلانًا هنا معنا، إني أعتب عليك يا دكتور مدكور" (١).
- ونختم بما قاله الدكتور محمد محمد حسين لله دره: "طه حسين الذي تشهد كتبه بأنه لم يكن إلا بوقا من أبواق الغرب وواحدًا من عملائه الذين أقامهم على حراسة السجن الكبير يرّوج لثقافاته ويعظمها ويؤلف قلوب العبيد ليجمعهم على عبادة جلاديه".
 
* هل تاب طه حسين:
نظمت نقابة الصحفين المصرية حفلاً لتأبين المفكر الإسلامي أنور الجندي الذي وافته المنية مساء الأثنين ١٤/ ١١/١٤٢٢هـ الموافق ٢٨ من يناير عام ٢٠٠٢ م.
وفي كلمته في هذا الحفل تكلم الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ الإسلامي: "وأكد عويس بأن طه حسين تاب في آخر أيامه، ولكنه كان عاجزًا عن إعلان توبته، والتنكر لكل ما كتبه حيث منعه أناس من خارج بيته ومن داخله -يعني زوجته- واستدل د. عويس على توبة طه حسين بعدة أدلة منها ما ذكرته مجلة "العربي"الكويتية في تحقيق لها عن (حج طه حسين)،. 
 
وذكرت أنه بكى وقبل الحجر الأسود لمدة ربع الساعة فمنع الناس من الطواف، وذكر من شهد هذا الموقف أن طه حسين كان يردد عبارات التوبة بأنه أخطأ في حق دينه، وكان طه حسين يقوم بتقبيل تراب مكة وهو في طريقه إلى الحج.
وأضاف عويس بأن العلمانيين يتعمدون إخفاء هذه الصفحة من حياة طه حسين.
وذكر د. عبد الحليم عويس واقعة أخرى تؤكد توبة طه حسين وهذه الواقعة يشهد عليها اثنان من تلامذة طه حسين على قيد الحياة الآن وهما: د. محمد عبد المنعم خفاجي (٨٥ سنة) ود. علي علي صبح (عميد كلية اللغة العربية بالأزهر بالقاهرة) حيث ذكر أنهما ذهبا إلى طه حسين وهو محمول على الأيدي بعد جلسة مجمع اللغة العربية في أواخر حياته وقالا له: بحق الله أكتبت "في الشعر الجاهلي"عن علم أم كتبته للدنيا والشهرة؟! فأجاب طه حسين: بل كتبته للدنيا والشهرة!!
واستحلفهما أن يكتبا هذه الشهادة، ويوقعا عليها ليظهرا توبة طه حسين للعالمين .. فطه حسين أساء وأخطأ ولكنه تاب ورجع" (١).
 
* العقاد كتب الكثير عن الإِسلام ولكن الحق أحب إِلينا منه .. مدح البهاء والبهائية .. وكتب "عبقرية محمد"وهذا قصور منه وغياب عن النبوة النبوة لا العبقرية يا عقّاد:
كل من ترجم للعقاد يعرف ثناءه ومدحه للبهاء والبهائية وهذه من أكبر.  ..السقطات في فكر العقاد، ثم كتابته عن "عبقرية محمد" - صلى الله عليه وسلم - وذهوله عن الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية.
- قال الأستاذ أنو الجندي في كتابه "جيل العمالقة" (ص ٣٨٤ - ٣٨٩): "الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية:
إن التفرقة بين (النبوة) و (العبقرية) هي من أخطر ما تعرضت له كتابات العصريين للسيرة النبوية فليس من المعقول أن تطلق تسمية (العبقرية) على الرسول - صلى الله عليه وسلم - المؤيد بالوحي ثم تطلق أيضًا على صحابته أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعبقرية في كتابات العقاد والبطولة في كتابات عبد الرحمن عزام، وبطل الحرية في كتابات عبد الرحمن الشرقاوي، وكل هذه مسميات تحجب عن القارئ المسلم الصفة البارزة والمهمة الأساسية وهي "النبوة"المؤيدة بالوحي.
إن دراسة حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت أي اسم من شأنها أن تعجز عن استيفاء جوانب هذه الشخصية العظيمة، وليس ثمة غير منهج واحد هو أنه نبي مرسل من قبل الله تبارك وتعالى، فإن هذا الفهم وحده هو الذي يكشف عن الحقائق الناعمة ويكشف عن صفحات السمو والكمال الخلقي والعقلي والنفسي.
إن كلمة (العبقرية): هي مصطلح عرف في الفكر الغربي وتناولته الأقلام ودارت حوله المعارف والمساجلات، وفي عام ١٩٣٥ انتقلت هذه المعارك إلى المجلات العربية فدارت عنه مناقشة طويلة بين محمد فريد وجدي والدكتور أمير بقطر.
والتقطها الأستاذ العقاد واختزنها في ذاكرته وجعلها عنوانًا لدراسة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي بدأها عام ١٩٤٢.
ومن مجمل الدراسات التي دارت يتكشف أن هذه النظرية تجري حول.  التميز والذكاء والتفوق في مجال "الفن والموسيقى والتصوير ولم يرد في الأسماء التي تناولتها الأبحاث أي اسم من أسماء المصلحين أو أصحاب الرسالات.
ولقد قصر أمير بقطر العبقرية على الذكاء، وقال: إنها تجيء عن طريق الوراثة وأنها غير مكتسبة، وأوردت دوائر المعارف وصفا للعبقرية بأنها لغة الكامل في كل شيء يكون مبلغ رقم قياسي ذكاء العبقري فوق المعتاد، وبينما يقصر (أمير يقطر) العبقرية على مسألة اختبار الذكاء، فإن (فريد وجدي) يرى أنها (هبة إلهية ثمرتها فوق القدرة البشرية يمنحها الله لبعض الأفذاذ لتبرز على ألسنتهم أو على أيديهم في أمور لا يستطيع العقل البشري أن يستقل بإيجادها.
- ولعل هذا هو المعنى الذي جعل العقاد يختارها ليصف بها الرسول مع أن جميع علماء العرب لم يصفوا بها أحدًا من الأنبياء كالمسيح أو موسى عليهما السلام والحقيقة أن مقاييس الجاه والثروة والعظمة التي جاءت بها العلوم المادية الحديثة تختلف تمامًا عن التقديرات التي جاءت بها النبوة.
وأن أي قدر من الموهبة الإلهية التي وصف بها العبقرية تختلف اختلافًا واضحًا عن النبوة.
وبالرغم من الاختلاف في فهم العبقرية بين كتابات العشرات من الباحثين الغربيين فإن أحدًا لا في الغرب ولا في العرب أدخل النبوة والأنبياء في هذه الدائرة ولكن يبدو أن الأستاذ العقاد أراد أن يتفوق على صاحبيه (هيكل وطه) وقد سبقاه لعشر سنوات في كتابة السيرة باتخاذ هذا المصطلح.
- يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: يجب أن يقرأ للعقاد باحتياط وهو يكتب عن الإسلام فالعقاد ابن العصر الحديث أخذ ثقافته مما قرأ لأدبائه وعلمائه وهو شيء كثير، وليس كل ما كتبه المستشرقون يقبله المسلم، ولا كل  نظريات الغرب متفق وما قرره القرآن، ولكن العقاد اعتقد من هذه النظريات ما اعتقد فهو ينظر إلى القرآن من خلال ما اعتقد منها ويبدو أن من بين ما اعتقده العقاد نظرية (فريزر) في نشوء الأديان فهي عنده ليست سماوية، ولكنها أرضية نشأت بالتطور والترقي إلى الأحسن ومن هنا تفضيل العقاد للإسلام على غيره من الأديان فهو آخرها وإذن فهو خيرها، ويقول: إن لم يكن هذا هو تفسير إطلاق اسميه الغربيين على كتابه "عبقرية محمد والفلسفة القرابية"فهذه التسمية خطأ منه ينبغي أن يتنبه إليه قارئ الكتاب من المسلمين لينجو ما أمكن مما توحي به التسميات من أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبقري من العباقرة لا نبي ولا رسول بالمعنى الديني المعروف في الأديان المنزلة ويؤكد هذا الإيحاء أن جاء الكتاب واحدًا من سلسلة كتب العبقريات الإسلامية ولن يكون أولها، فالناشئ الذي يقرأ بعد عبقرية محمد عبقرية أبي بكر وعبقرية عمر مثلاً لا يمكن أن يسلم من إيحاء خفي إلى نفسه أن محمدًا وأبا بكر وعمر من قبيل واحد، عبقري من عباقرة وإن يكن أكبرهم جميعًا، كالذي سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بطل الأبطال فأوهم أنه واحد من صنف ممتاز من الناس متجدد على العصور وليس من صنف اختتم به - صلى الله عليه وسلم - صنف الأنبياء والمرسلين من عند الله، فالنبي والرسول يأتيه الملك من عند الله بما شاء الله من وحي ومن كتاب، ولا كذلك العبقري ولا البطل، فالنبوة والرسالة فوق البطولة بكثير، كم من الصحابة -رضي الله عنه- من بطل ومن عبقري وكلهم يدين له - صلى الله عليه وسلم - بأنه رسول الله إلى الناس كافة في ذلك العصر وما بعده وأنه خاتم النبين.
- ويقول الأستاذ غازي التوبة: كتب العقاد العبقريات دفاعًا عن العظمة الإنسانية في وجه المتطاولين والحاقدين والمشوهين، هذه العظمة الإنسانية التي تحتاج إلى رد الاعتبار في عصره ودفاع العقاد عن العظمة الإنسانية هي حلقة.  من دفاعه عن الفرد وإيمانه به ولكن ما هي الأخطار التي هددت الفرد والعظمة وجعلته يستل قلمه سنة ١٩٤٢ ليكتب أول عبقرية من عبقرياته، في الحقيقة أن الأخطار المباشرة التى هددت الوجه الآخر من إيمان العقاد بالفرد هو النظام الديمقراطي، هددته ثلاثة أخطار هي الفاشية والشيوعية والمد الإسلامي، تصدى للفاشية في "هتلر في الميزان"وتصدى للشيوعية في كتابه "الشيوعية والإنسانية"وأفيون الشعوب، أما تيار المد الإسلامي فحاربه بسلاح الشخصيات فكتب العبقريات ليؤكد صحة أفكاره في أولية الفرد في التاريخ وأحقيته كمحرك له وليطعن ويشوه الإيمان بالجانب الجماعي في الإسلام ويشكك في دور العقائد والتربية في توجيه الأشخاص، فالعظيم عظيم بفطرته والعبقري عبقري منذ نشأته، كذلك فقد ركز العقاد على العوامل الوراثية والتكوين الجسماني والعصبي ووضع هذه الأسباب في المرتبة الأولى في توجيه الشخصية بحيث تأتي العقيدة الإسلامية والتربية في المرتبة الثانية إن كان هناك دور للعقيدة أو التربية، والعقاد في موقفه هذا متأثر ببعض المدارس الأوربية التي تقدس الفرد والفردية وتفسر مختلف حوادث التاريخ على هذين الأساسين، وقد أورد العقاد ذكرًا لإحدى هذه المدارس التي تحدد صفات العبقري انطلاقًا من تكوينه الجسدي وهي مدرسة (لومبروزو).
وهكذا قولب العقاد الشخصيات الإسلامية ضمن نظرياته الجاهزة في الفرد والطوابع الفردية.
- وهو في هذا قد حجب الجانب الرباني المعجز، وحجب الغيبيات.
فهو في موقفه من انتصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزواته لا يعرض مطلقًا لوعد الله تبارك وتعالى لرسوله ورعايته والملائكة المقاتلون والنعاس الذي تغشى المسلمين أمنة، والمطر الذي طهرهم والرياح التي اقتلعت خيام المشركين وتثبيته لافئدة المقاتلين وقذفه الرعب في قلوب الكافرين، فليست العوامل.   المادية وحدها هي قوام مكانة الرسل العسكرية، ولكن العوامل الربانية يجب
أن تضاف إلى ملكات الرسول في التخطيط.
- كذلك فهو لم يكشف عن دور الإسلام في بناء شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالإسلام هو الذي أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الإيمان بالله تبارك وتعالى والإيمان بأحقية الموت في سبيل الله وذلك القدر من الثبات والتضحية والإقدام والعزم والصبر.
هذا الجانب الذي تجاهله العقاد واكتفى بالمقارنة بين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين نابليون من النواحي المادية والعسكرية، كذلك لم يتبين الفارق بين حروب محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين حروب نابليون وأنها كانت خالصة فى سبيل الله ونشر الإسلام وليست في سبيل المطامع والسيطرة.
- ذلك أنه ناقش عبقرية الرسول العسكرية في ضوء العبقريات البشرية، ولم يتنبه للفوارق العميقة، التي يتميز بها شخصية الرسول بوصفه نبي مرسل أو تلك التي هداه إليها الإسلام، وأن تمييزه هذا يختلف عن البطولات والعبقريات البشرية الأخرى، ومن هنا يبدو النقص في وزن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعبقريات البشرية الأخرى.
كذلك هذا التمييز الذي عرفت به شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - "نبيًا"ومرسلاً وهاديًا، تختلف في المقارنة بينه وبين الأبطال العالميين الأخرين من ناحية كما أن شخصيته عليه السلام تختلف عن شخصية كل من أبي بكر وعمر وغيرهم.
لقد تحدث العقاد عن الجانب المادي في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحجب تمامًا الجانب الروحي المتصل بالوحي وأظهره كمجرد إنسان يعمل بمواهب ممتازة وملكات خاصة، وهكذا فان (العبقرية) التي حاول العقاد أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خلالها، كان حجمها ضيقًا ومجالها ناقصًا،.وأخطر ما أخذ عليه هو أنه لم يظهر أثر الإسلام في بناء شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو العامل الأكبر في حياته وتصرفاته على النحو الذي وصفته السيدة عائشة -رضي الله عنه- بقولها: "كان خلقه القرآن"هذه الربانية الخالصة التي تعلو على طوابع البشر، وقد وصفها القرآن في قوله تعالى: {قل إِن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالين لا شريك له}.
- كذلك فقد تحدث عن افتتان المسلمين بشخص الرسول وانبهارهم بمواهبه واعتبر إعجابهم به سببًا وحيدًا لدخولهم في الإسلام وعزا اجتماع الصداقات المتنوعة حوله نتيجة لمزاياه النفسية وبذلك أنكر أثر عظمة الإسلام نفسه في إيمان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس من شك في أن إعجاب المسلمين بالرسول له أهميته في مرحلة الدخول في الإسلام، ولكن تقدير المسلمين للإسلام هو العامل الذي ثبتهم بعد ذلك على الإيمان بالإسلام وحفزهم للدفاع عنه.
- إن الأستاذ العقاد وقد حارب مذهب التفسير المادي للتاريخ الذي قدمه ماركس والشيوعية حربًا لا هوادة لها خضع مع الأسف للمذهب المادي الذي لا يعترف بالآثار المعنوية المترتبة على الإيمان والعقيدة في بناء الشخصية كما تجاهل جانب الغيبيات ولم يفهم النبوة فهمًا صحيحًا، ولذلك فإن الجانب الروحي القادر على العطاء في بناء الشخصيات والذي صنع شخصية رسول الإسلام تراه باهتًا غائمًا عنده، وذلك لأنه اعتمد في دراسة الشخصيات والبطولات على مذاهب غربية تتجاهل النبوة والوحي والغيبيات والمعجزات ولا تجعل لهذه العوامل الروحية والمعنوية أي وزن وأي اعتبار، وإنما قامت اعتباراتها على جوانب الحس وتركيب الإنسان المادي والوراثيات وغيرها"اهـ (١).
 
* الشيخ عبد المتعال الصعيدي يحاول هدم الحدود الإسلامية المستقرة في الكتاب والسنة، ونظرة إِلى كتابه "المجددون"تعلم منه ضآلة علم هذا الرجل وأنه يدس السم في العسل:
كان الشيخ عبد المتعال الصعيدي "يحاول هدم الحدود الإسلامية المستقرة في الكتاب والسنة زاعمًا أن الأمر بها للندب لا للوجوب، وأن الأمر لا يقتضي التكرار الدائم إلى آخر هذا اللغو المتهافت" (١).
والرجل قد سوّدت يداه كتابه "المجددون"واعجب عجب العجاب يا أخي حين تراه يعد منهم الكندي والفارابي وابن سينا!!! ولا تعليق.
* خالد محمد خالد كتب الكثير الرائق كرجال حول الرسول وكبا جواده في "الديمقراطية أبدا "وسار على نهج علي عبد الرازق ولكن بأسلوب أذكى وأحدث في كتابه "من هنا نبدأ"تم تاب غفر الله له:
كتب الأستاذ خالد محمد خالد الكثير الطيب وخاصة كتابه القيم "رجال حول الرسول"، ولكنه سقط سقطتين كبيرتين لا بد من التنبيه عليهما فولاؤنا لله ورسوله.
- أما السقطة الأولى فكتابه "الديمقراطية أبدًا"، ومن ضمن ما قال فية:
١ - حق المرأة في وقف تعدد الزوجات، وعلى ذمته ينسب إلى محمد عبده أنه قال: "يجب تحريم التعدد الآن عملاً بحديث لا ضرر ولا ضرار" (٢).
٢ - تأميم الطلاق على حد تعبيره (٣).
- أما الكتاب الثاني فهو الخطير المسمى "من هنا نبدأ"وهو دعوة صريحة إلى العلمانية.
- يقول الأستاذ جمال سلطان في كتابه "جذور الأنحراف في الفكر الإسلامي الحديث":
"في كتابه الشهير "من هنا نبدأ" (١) كتب خالد محمد يقول: "إن تصفية العلاقات بين المجتمع والدين، هي بداية الطريق المفضي إلى النماء والاستقرار" (ص ٤٤).
فبداية طريق النهضة، كما يراه هذا الرمز العلماني يوم كتب كتابه ذاك، هو تصفية العلاقات بين المجتمع والدين، وهو لا يلبث أن يطرح عدة تساؤلات توضح أهمية هذه "التصفية"لنجاح المسيرة، فيقول: "وإننا لنقف في خضم هذا العالم الذي تتقاذف أممه، وتتدافع إلى الأمام سائلين أنفسنا أنمضي قدمًا أم ننتكس إلى الوراء؟ أننحرف عن قومية الحكم إلى عنصريته وطائفيته، أم نضاعف هذه القومية وننميّها؟ أنمزج الدين بالدولة، فنفقد الدولة ونفقد الدين؟ أم يعمل كل منهما في ميدانه؟ فنربحهما جميعًا، ونربح أنفسنا ومستقبلنا"؟ (ص١٥١) وهذه التساؤلات تجعلنا نقترب من صميم قصد المؤلف، ونلخصه في السؤال: أنقترب من "الأنموذج"الأوربي أم نبتعد عنه فننتكس إلى الوراء؟ وهذا السؤال يجعله أقرب وضوحًا في ذهن القارئ ما عطف به المؤلف ليضرب لنا المثل والعبرة والدرس، فيقول: "ولعلنا لم ننس بعد ما حدث للمسيحية، فحين حوّلتها الكنيسة إلى دولة وسلطان، واقترفت باسمها أشد أصناف البغي والقسوة، جاء يوم ثار فيه الناس جميعًا على المسيحية، وعلى الكنيسة، واتخذوهما هزوًا ولعبًا وخلعوا كل ما في أعناقهم.للدين من عهد وطاعة، حتى إذا عادت الكنيسة بالمسيحية إلى مكانها الطبيعي، تبشر وتهدي فقط، رجع الآبقون إليها، ولاذوا من جديد بها، وبدأت تستعيد سلطانها الأدبي واستقرارها التاريخي (ص ١٥١).
وإذًا فالسبيل واضحة، إما أن نفصل الكنيسة المسلمة (!!! ) عن الدولة وإما أن يثور الناس على الإسلام و"كنيسته"معًا، ولعل القارئ البسيط يسأل: وما هي "كنيسة الإسلام"؟! وهل في الإسلام كنيسة؟! وهو سؤال بديهي الآن، ولكن -في حقبة التنوير- كان عكس ذلك هو البديهي إن خالد محمد خالد لم يكلّف نفسه الوقوف ليسأل، وما وجه الشبه بين التجربة المسيحية وصراعها الأوربي، والتجربة الإسلامية؟ وما هي بالتحديد "الكنيسة"أو نظيرها الذي يتوجّب عزله عن الدولة؟ إن المسألة كانت محسومة في أذهان ذلك الجيل، وهي أن التجربة الأوربية "أنموذج"وعلى الجميع احتذاؤه، وهي "مثال"وعلى من يطلب النور والحضارة أن يتمثل به ويشابهه، ويسير على دربه، ويتبع خطاه.
وكتاب "من هنا نبدأ"موزع على فصول أربعة، جاءت الفصول الثلاثة الأولى منها مصدَّرة بعبارات لنفر من مفكري أوربا المحدثين هم على التوالي "فولتير"و"توماس بين"، و"فولتير"مرة ثانية؟!! وهي لمحة نلفت بها ذهن القارئ لتفهم طبيعة التكوين النفسي لرموز "التنوير"ومبلغ إدراكهم لمنابع النور! كتب خالد محمد خالد يدعو للنهوض برسالة المسجد في الإسلام بحيث تؤدي دورها "النموذجي"، فإذا به ينحرف فجأة لأخذ النموذج من "الكنيسة"، يقول: "ولقد أن الأوان لرسم سياسة للمسجد، وتنظيم رسالته أو تهذيب وسائله، فالكنائس في الغرب تعمل مع المجتمع لا ضده، وتمجد الرقي لا تلعنه وتدعو إلى الحياة لا الموت، وتتطور مع العلم والزمن" (ص٧٢).   - وإذن فالنموذج واضح لا لبس فيه، وهو أن يتشبه المسجد بالكنيسة في الغرب، ومن هنا يبدأ التنوير، أو ما يسميه خالد محمد خالد "النهضة الكنسية" (ص٧٣).
- والمسألة لا تقف عند الكنيسة كمؤسسة، وإنما "الأنموذج "ينبغي أن يكون أكثر صراحة، فالشيخ المسلم والعالم المسلم ينبغي أن يكون كقسيس الكنيسة في أوربا، فهو ينادي بتأسيس كليات "اللاهوت"الإسلامي بحيث -حسب نصه- يتخرّج فيها وعاظ من طراز جديد، كوعّاظ الكنيسة في أوروبا" (ص٨٣).
- والهوس بالأنموذج الأوربي "المتنور"كان يصل أحيانًا - بل كثيرًا إلى نوع من الفجاجة الفكرية التي لا تُقبل من الصبي الحدث، فما بالك برمز تنويرفي كبير، يتأسف "أدونيس"على تراجعه عن مخططه التنويري، فيقول خالد في كتابه: "لقد انعقد إجماع العلم المتحضر كله، على أن النظام الذي تبلغ به المنفعة الاجتماعية حدها الأقصى في الوقت الحاضر، هو الاشتراكية" (ص١٢٣) ثم يقول: "إن كل توجيهات الرسول لتنزع إلى الاشتراكية في كل نظام يبتكره الناس، ويحقق منافعهم ومصالحهم" (ص١٢٤).
وأصبحت الرسالة المقدسة كما نص عليها كتاب "من هنا نبدأ"هي "الخبز"، أن تمتلئ البطون وترتوي الشهوات! فتحت عنوان "الخبز هو السلام"كتب يحدد وظيفة الحكم اللازمة لبلادنا، فقال: "إننا نعيش في عصر، ليس للحكومات فيه رسالة سوى تحقيق المنفعة الاجتماعية للشعوب، وإزاحة كل العوائق التي تعترضها وتصدها عن غايتها المقدسة!! (ص٩٨).
- نقطة البداية هذه، التي نسجل بها كيف بدأ الخلل، وكيف انحرفت حركة النهضة العربية عن جادة السبيل، لا ينفرد بها كتاب ولا اثنان ولا حتى عشرة؛ لأنها كانت "روح"هذه النخبة المثقفة المتغرّبة، والمثل الذي نأخذه من. كتاب "من هنا نبدأ"هو بمثابة شهادة وثيقة، ورغم أن صاحبها قد تخلى عن كثير مما ورد فيها الآن، إلا أن هذا لا يناقض منهجنا؛ لأننا لا نعني الأشخاص، وإنما نرصد حالة فكرية من خلال نسقها الحضاري في لحظة زمانية معينة.
 
* الشيخ الغزالي يتصدى لخالد محمد خالد ويرد على كتابه "من هنا نبدأ"بكتابه "من هنا نعلم"فأحسن:
رد الشيخ محمد الغزالي على خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نعلم"فأحسن وأجاد.
ومن عجيب التصاريف أن الرجل الذي تصدى لانحرافات (خالد محمد خالد) منذ أربعين سنة، يقع هو ذاته في الخطأ المنهجي الذي تولدت عنه كل خطايا كتاب خالد محمد خالد "من هنا نبدأ"، وهكذا برزت في كتابات الشيخ (محمد الغزالي) الأخيرة إشارته إلى القيم الأوروبية والذوق الأوربي والفكر الأوربي على سبيل التبجيل وإعلاء الشأن، ولا أغالي إذا قلت بأن أحاديثه في هذا الشأن وصلت إلى حد جعل "الأنموذج"الغربي مثلاً يُحتذى في كثير من قيم وآداب وأفكار المجتمع الإسلامي المعاصر، ووصلت إلى الحد الذي يجعله يقيم بعض آدابنا الإسلامية وأخلاقنا وأفكارنا وثقافتنا على أساس وزنها بالتقدير الأوربي والنظرة الأوربية.
فإذا تحدث عن موقف الإسلام من الفن بصورة المختلفة مثل الموسيقى والتصوير ونحوها برز في حديثه الأنموذج الغربي، وكيف أننا نسيء إلى صورة الإسلام إذا حرمنا كذا أو كذا، وإذا تحدث عن هيئة الحجاب الشرعي، وضع في مقاييسه ومعاييره اشمئزاز الإنسان الأوربي من صورة النقاب، ونفوره من هيئة المرأة المنقبة، وإذا تحدث عن آداب بعض شباب الإسلام من تقصير الثياب أو لبس العمامة، استنكر هذه الهيئة لعدم ملاءمتها لمعايير التحضر عند الإنسان الأوربي، وإذا درس قضية فقهية مثل سفر المرأة، أو.    خروجها إلى المسجد، أو توليتها القضاء أو الإمامة الصغرى أو العظمى، وجدت حديثه ينصرف إلى ضرب المثل من المرأة الأوربية وربما المرأة اليهودية مثل (جولدا مائير)!، كما يضرب المثل بالراهبات والمبشرات ونشاطهن وحركتهن وسلوكهن الاجتماعي، تمامًا كما ضرب خالد محمد خالد المثل للعالم المسلم بالقسيس، وضرب المثل للمسجد ودوره بالكنيسة ودورها، فالمنهج واضح، وإن اختلفت التطبيقات، أو ضاقت مساحات الجرأة والتهور.
وأصبح معروفًا من الموازنات الجديدة لدى الشيخ (الغزالي) في فتاواه وأحكامه، تقسيم الفتوى على أساس جديد، ليس هو الشرعي وغير الشرعي، أو الحق والباطل، وإنما على أساس هذا حضري وهذا بدوي، فالمقياس أصبح هو التحضر والبداوة، وشاع في أحاديث الشيخ إنكاره على بعض الفتاوى الشرعية على أساس أنها "فقه بدوي"، كما شاع عنه هجومه على من يعتصمون بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية دونما اعتبار لأي مشروعية أخرى، ويطلق الشيخ عليهم وصف "النصوصيون"، وأحيانا "الحَرْفيون"، وهذه التقسيمات والاصطلاحات كلها ليست بنات فكر الشيخ، وإنما هي وليدة أفكار نفر من المنحرفين بالفكر الإسلامي تحت دعوي "الفكر الديني المستنير"ونحن في غنى عن تضخيم البحث باستقصاء المقولات الممثلة لهذه الأفكار من كتابات الشيخ، فهي مشهورة وواسعة التداول.
ولا نطيل الوقوف عند هذا الخلل المنهجي عند الشيخ، وحسبنا الإشارة إليه والتنبيه إلى خطورته، وقد عرضنا لنقده بشيء من التفصيل في كتابات سابقة" (١، ٢)
* الدكتور زكي مبارك يشارك طه حسين التشكيك في القرآن:
من الإنصاف أن يقال: إن زكي مبارك كانت له جهود أدبية وفكرية في المنافحة عن تراث أمته وأرومة حضارته، خاصة موقفه المشرف من هجوم الدكتور طه حسين على العقل العربي الإسلامي عندنا انحاز طه بحماس بالغ للحضارة الغربية وريثة العقل اليوناني - بما في ذلك شذوذه الهابط.
إلا أن الدكتور زكي مبارك انخرط هو الآخر فيما انخرط فيه خصمه طه حسين من تملق وتزلف شنيع لبعض أساتذته من المستشرقين الفرنسيين الذين درس وأخذ عنهم في جامعة السوربون بباريس أثناء تحضير أطروحته للدكتوراه الموسومة بـ "النثر الفني في القرن الرابع الهجري "حيث ذهب الدكتور مبارك يجاري آراء أساتذته، خاصة منهم "المسيو مرسيه"و"ديموبين"وقد وصل الأمر إلى القرآن.
لقد لمز زكي مبارك القرآن وجارى المستشرقين .. فلم يلبث أن أعلن في أطروحته أن القرآن كتاب أرضي لا سماوي (كذا والله) .. فالقرآن عنده أثر نثري جاهلي!!! وأنا هنا لا أتحامل ضده أو أقوّله ما لم يقل، بل أكتفي بنقل أسطر قليلة موثقة من كتابه "النثر الفني"قال: "فليعلم القارئ أن لدينا شاهدًا من شواهد النثر الجاهلي يصح الاعتماد عليه وهو القرآن، ولا ينبغي الاندهاش من عدّ القرآن أثرًا جاهليًّا فإنه من صور العصر الجاهلي؛ إذ جاء بلغته وتصوراته وتقاليده وتعابيره، وهو بالرغم مما أجمع عليه المسلمون من تفرّده بصفات أدبية لم تكن معروفة في ظنهم عند العرب، يعطينا صورة للنثر الجاهلي" (١).
..- ويقول في صفاقة غريبة: "القرآن شاهد من شواهد النثر الفني، ولو كره المكابرون فأين نضعه من عهود النثر في اللغة العربية؟ أنضعه في العهد الإسلامي؟ وكيف والإسلام لم يكن موجودًا قبل القرآن حتى يغيّر أوضاع التعابير والأساليب؟ فلا مفرّ إذن من الاعتراف بأن القرآن يعطي صورة صحيحة من النثر الفني لعهد الجاهلية" (١).
الحق أن ما افتراه الدكتور مبارك، وما قاله عن القرآن ليس هيّنًا، وهو يتناقض تمامًا مع اتجاه عدّه رمزًا من رموز الدفاع عن الثقافة العربية .. وهوية أمتنا الحضارية .. لذلَك لم يكن حراس عرين تلك الهوية من الغافلين عن مفترياته، ولا سيما إذا تعلّق بالكتاب العزيز والوحي الخالد ..
- قال الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: "أراد الدكتور زكي مبارك أن ينال إجازته العلمية من باريس فكيف يصنع الدكتور الذكي؟؟ رأى أن يسوق ألف دليل على أنه وعى جيدًا دروس أساتذته، وأنه اقتنع بالفكرة التي يصرّحون بها حينًا، ويلمحون بها حينًا آخر، فكرة أن القرآن من وضع محمد، وأنه ليس وحيًا مصونًا كالإنجيل أو التوراة "كذا"فاسمع العبارات التي بثها بثًا دنيئًا وسط مائتي صفحة من كتابه "النثر الفني"وتملّق بها مشاعر السادة المستشرقين الذين يوجهون العلم والأدب لخدمة المستعمرين ونصرة الصليبيِن" (٢).
وبعد أن أورد الشيخ فقرات من كتاب "النثر الفني"تتعلق جميعها بمفتريات الدكتور مبارك على القرآن الكريم علّق على ذلك بقوله: "ماذا يطلب أعداء الإسلام أكثر من هذا؟ وأين تبلغ أهداف الصليبية الغازية بعد.   .هذا؟ هذه العبارة (١) مليئة بالمطاعن والأكاذيب هي أثر الغزو التنصيري الذي شنّه الاستعمار علينا .. والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نلقى فيه صورة الوحي الإلهي كاملة غير منقوصة .. وهو أنقى ينبوع لهدايات الله، كما تنزل على رسله الأكرمين، وكما بلغها إمام الأنبياء محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المعجزة التى حاول المغرورون أن يتعرضوا لها، فارتدوا على أعقابهم يتبعهم الخزي، وتتناول أقفيتهم الصفعات .. ".
ثم استتلى في تعليقه قائلاً: "ومحاولة المستشرقين وأذنابهم أن ينالوا منه ليست محل اكتراثنا، وليس هنا مجال تفنيدها، وكشف دخلها ودغلها، وكل ما يعنينا هنا إبراز الصلات الفكرية بين نوع من الأدب قدمه لنا بعض الناس، وبين غايات الهجوم الصليبي الذي لقح هذا النوع ونماه واحتضن أصحابه، ومهد لهم في المحافل! ولا ندري هل رجع الدكتور زكي إلى الله بعد هذا الكفران المبين أم مات على زيغه؟ لقد كتب بعد هذا كتابات حسنة في التصوف! وان كان الرجل ظل يدمن الخمر حتى صرعه السكر، فقضى على حياته وهو نشوان" (٢).
فكيف يجرؤ الدكتور مبارك فيذهب هذا المذهب الشنيع فيعدّ القرآن آثرا عربيًا صرفًا، أي أنه كتاب نبت من الأرض ولم ينزل من السماء!!
والقارئ المسلم لا يغض طرفه ولا ينسى إذا تعلق الأمر بلمز كتاب ربه والحط من منزلة الوحي الكريم (٣).
كتاب "النثر الفني في القرن الرابع الهجري "ورد الدكتور محمد أحمد الغمراوي على زكي مبارك:
المؤلف تعرض في كتابه للدين بما لا يقره عقل ولا خلق:
في كتاب "النثر الفني في القرن الرابع الهجري "للدكتور زكي مبارك أخطاء خطيرة في دراسته للقرآن الكريم تناولها الدكتور محمد أحمد الغمراوي بالبحث في فصول مطولة متعددة نشرتها الرسالة المصرية في مجلد عام ١٩٤٤ م ونحاول عرضها هنا بإيجاز.
- تضمن البحث شبهات ثلاث تخالف ما يعرف من الدين بالضرورة:
أولاً: دعوته إلى نقد القرآن.
ثانيا: إنكاره إعجاز القرآن.
ثالثا: أنه يكاد يصرح بأن القران من كلام البشر.
رابعًا: أن الأديان كلها نبت البيئة ومن وضع الأنبياء.
- قال الدكتور محمد أحمد الغمراوي: إن زكي مبارك يحاول إبطال حكمة الله في جعل كتابه الذي أنزله على آخر أنبيائه ورسله معجزة أدبية، وهي محاربة لله من غير شك، ويحاول زكي مبارك إبطال تلك الحكمة عن طريقين:
أولاً: طريق نظري في الدعوة إلى إنكار (إعجاز القرآن) ليبطل عند صغار العقول أمثاله: إن القرآن من عند الله.
ثانيًا: طريق عملي هو العمل على جعل الأدب إِباحيًّا شهوانيًّا بعد أن جعله الله في القرآن وبالقرآن إصلاحيًا ربانيًّا، وزكي مبارك في هذا تابع مقلد فقبله كان أبو نواس، وأمثال أبي نواس من الذين صرفوا الأدب عن الوجهة. التي شرعها الله للناس فى الأدب بالقرآن فجعلوا الأدب للغواية بعد أن كان للهداية وجعلوه للشيطان بعد أن كان لله، ومثله كان ابن الراوندي وغيره من أهل الأهواء.
يتعرض الدكتور زكي مبارك في كتابه النثر الفني للدين بما لا يمكن أن يقره عليه عاقل ولا دين وبما يخالف الكتاب والسنة والإجماع عند المسلمين يتعرض لا لجزئية من الجزئيات يجوز فيها الخلاف بل للأصول التي يقوم الدين بقيامها وينهدم بأنهدامها كأصل "إعجاز القرآن"وأن القرآن كتاب الله لا كتاب محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فنجده في أول فصل من فصول الكتاب يعيب على علماء العربية أنهم حين تعرضوا لنقد القرآن لم يذكروا إلا المحاسن.
وفي هذا خرج على علماء العربية وعلى الإجماع، إذ أن النقد عنده أن يقف الباحث أمام الأثر الأدبي موقف الممتحن للمحاسن والعيوب، وهذا صحيح ولكن في نقد كلام الناس لا كلام الله، ولو كان القرآن كلام بشر لكان أثرًا أدبيًّا لصاحبه، أما وهو كلام الله خالق البشر أنزله سبحانه معجزة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتحدى به كل شاك فيه من العرب وغير العرب، بل تحدى به الجن والإنس على اختلاف العصور، فكيف يمكن أن يقف الناقد أمامه إلا كما يقف العالم أمام آية من آيات الله في الأرض أو في السماء؟
إن العهد الذي كان ينظر فيه في القرآن نظرة تطلب العيوب قد مر بالفعل، مر إلى غير رجعة، والذين نظروا في القرآن تلك النظرة التي يدعو إليها الدكتور زكي مبارك كانوا أقدر منه ألف مرة على إدراك أي عيب لو وجدوه، وأبصر بنقد الكلام لأنهم كانوا أهل العربية الفصحى.
افترض الدكتور زكي مبارك أن القرآن أثر جاهلي وزعم أن للعرب في الجاهلية نهضة علمية وأدبية وسياسية وأخلاقية واجتماعية كان الإسلام تاجًا لها، أي أن الإسلام نتيجة وتمامًا لتلك النهضة لا سببًا لها.  - يقول في تعليل ذلك: لأنه لا يمكن لرجل فرد مثل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أن ينقل أمة كاملة من العدم إلى الوجود ومن الظلمات إلى النور ومن العبودية إلى السيادة القاهرة، كل هذا لا يمكن أن يقع دون أن تكون تلك الأمة قد استعدت في أعماقها وفي ضمائرها وفي عقولها بحيث استطاع رجل واحد أن يكوِّن منها (أمة متحدة)، وكانت قبائل متفرقة، وأن ينظم علومها وآدابها بحيث تستطيع أن تفرض سيادتها وتجاربها وعلومها على أجزاء مهمة من آسيا وإفريقيا وأوربا في زمن وجيز، ولو كان يكفي أن يكون الإنسان (نبيًا) ليفعل ما فعله النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لما رأينا أنبياء أخفقوا ولم يصلوا لأن أممهم لم تكن صالحة للبعث والنهوض.
فزكي مبارك يحاول أن يرد نهضة العرب بعد الإسلام لا إلى رسالة الإسلام ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أنزل الله عليه من قرآن وحكمة، ولكن إلى علوم وآداب وتجارب كانت عند العرب، وأن كل ما فعله النبي هو أن نظمها حتى استطاع أهلها أن يسودوا في القارات الثلاث في زمن وجيز.
وتاريخ نشأة العلوم والآداب في الأمة العربية بعد الإسلام معروف، كما أن مقاومة العرب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته ومحاربتهم له ولها معروفة، ولكن الرجل ينكر التاريخ ويفتري تاريخًا آخر ويزعم زعمًا لا يجوز ولا يستقيم في منطق أو تفكير إلا إذا كان القرآن كلام النبي، كلام محمد العربي - صلى الله عليه وسلم - لا كلام الله سبحانه، عندئذ فقط يعقل أن يكون العرب على ما وصف زكي مبارك من نهضة وعلم وأدب؛ لأن القرآن أكثر من نهضة وعلم وأدب، ولا يعقل إن كان كلام بشر أن يأتي به صاحبه في أمة جاهلة كالتي أجمع على وجودها قبل الإسلام مؤرخو اللغة العربية من شرقيين ومستشرقين ومؤرخي الإسلام.
ويلتحق بزعمه الذي زعم لعرب الجاهلية من نهضة علمية، سياسية،  

 

خلف يخلف فهو خليفة

$
0
0

خلف يخلف فهو خليفة

 

إنتهت الخلافة الرسمية فى بغداد عام 1258 بدخول التتار إلى المدينة وإحراقها وتصفية بيت العباسيين. وقد كانت الخلافة العباسية قد ضعفت جدا قبل هذه الغزوة التتارية بحيث أن كثيرا من الأقاليم قد إستقلت عن بغداد فعليا وأصبح لها حكام يتمتعون بالسلطة السياسية ويسمون أنفسهم سلاطين. وكان يدعى لهؤلاء السلاطين على المساجد إلى جانب الدعوات التقليدية للخليفة الذى كان قريبا فى وضعه بوضع ملك الإنجليز الآن أو ملك إسبانيا أو هولندا. فلم يكن للخليفة سوى أن يتبع إرشادات السلاطين المختلفة بأن يستعرض الجيش الخارج للغزوة مثلا أو يصدر مراسيم التعيين أو الفصل بينما السلطة الحقيقية هى فى يد هؤلاء السلاطين.

 

ومن أشهر هؤلاء السلاطين المعز لدين الله الفاطمى والحاكم بأمر الله الفاطمى وصلاح الدين الأيوبى وسيف الدين قطز والسلطان قلاوون والسلطانة شجر الدر إلى آخر القائمة.

ولو أنك سألت أي طفل فى الشارع عن إسم من إستعاد القدس عام 1187 لقال لك فورا إنه السلطان صلاح الدين ولكن أحدا لن يعرف إسم الخليفة الذى تم فى عصره هذا التحرير.

وفى ظل هذه الثنائية السياسية فعلا الدينة رمزا (بين سلطان وخليفة) تم تحرير القدس وتحققت كثير من الإنتصارات وازدهرت الحضارة الإنسانية على أرض الشرق الأوسط وتم بناء حضارة راقية فى الأندلس الذى كان له أيضا سلاطينه.

وفى عام 1517 دخل السلطان سليم الأول مصر وبحث فيها عن آخر من تبقى من نسل العباسيين وحين وجده إستكتبه تنازل لا عودة عنه عن منصب الخلافة وبذلك جمع السلطان سليم بين المنصبين، الملك والخلافة، لأول مرة منذ خمسة أو ستة قرون.

فناذا يعنى ذلك؟

إنه يعنى أن المسلمين عرفوا الفصل بين الحكم واللقب الدينى وأن الحكم لم يكن ينهض على أساس دينى بل كان ينهض على أساس من القوة السياسية (وقتها كانت عسكرية طبعا) للمتنافس وكان هذا المتنافس مضطرا للبقاء موجودا فى العصر بالعلم أو بالتكنولوجيا أو بالسلاح أو بالمعارف أو بالتحالفات وإلا فسوف يفنيه المتنافسون الآخرون.

 

ولكن عندما وقع الإتحاد بين المنصبين وأصبح السلطان العثمانى خليفة لا ينازعه أحد رغم أنه حصل على هذا المنصب بتنازل موقع من آخر شخص من نسل العباسيين، وهو تنازل لا قيمة له لأن من تنازل لا يملك أصلا هذا المنصب، أقول عندما وقع هذا الإتحاد بين الصفتين تراخت الأمور شرقا وغربا فى أرجاء الإمبراطورية الواسعة وأصبحت أرضها وشعوبها وثرواتها منهبا للدول الأجنبية وأخذت مواقعها تتساقط الواحدة تلو الأخرى حتى إنتهت هى نفسها بعد 400 عام فقط من حصولها على صفة الخلافة.

والمناداة بإعادة الخلافة جاءت عقب هذا السقوط العثمانى وهى مناداة بإعادة التوحيد بين الصفتين. أى أنها مناداة بإعادة وضع الضعف والإسترخاء والركون إلى مهابة الخلافة للحصول على مكاسب سياسية.

والمنادين بإعادة الخلافة لم يمدوا بصرهم لأعمق من 500 عام خلت. وهى الخمسمائة عام التى جلبت معها هبوط المستوى التعليمى وتوقف العمل الفكرى وانتشار الأمراض المجتمعية والتفكك إلى جانب الظلم الشديد الذى كانت تمتاز به الدولة العثمانية سواء فى مواجهة أعدائها أو حتي مواطنيها.

وانجلترا التى نجحت فى حكم العالم لمدة تقترب من 3 قرون لم تفلح فى ذلك إلا بعد أن قلمت أظافر الملك وجعلت منه مجرد رمز لتوحيد القطر وليس حاكما له إختصاص سياسى.

ثم أن هناك بعدا آخرا للموضوع لم يكن موجودا من قبل وهو البعد القومى.
فقد ظهر كائن جديد يسمى الدولة القومية سواء فى العراق أو سوريا أو السعودية أو حتى تركيا إضافة إلى أنه كان كامنا فى مصر بسبب الاقدمية التى تتمتع بها الدولة المصرية على جميع من عداها.

وفى ظل الشعور القومى المتنامى فلا أجد أنه من السهولة ولا من الحكمة الحديث عن خلافة إسلامية عابرة للحدود تبدأ فى إندونيسيا وتنتهى فى مراكش وتمتد من البلقان حتى الصومال. هذا هراء. وهذا الكائن لن يكتب له أن يعيش بل سوف يتفكك بسرعة وتطمع فيه القوى الأجنبية من جديد ونعيد قصة الدولة العثمانية.

وللدلالة على الفرق الكبير بين لقبى ملك وسلطان يكفى أن يلاحظ المرء المجهود الضخم الذى بذله عبد الخالق ثروت باشا كوزير لخارجية مصر حتى تعترف الدول الأجنبية بالملك فؤاد ملكا على مصر من بعد أن كان لقبه السلطان أحمد فؤاد بعد أن ورث اللقب عن السلطان حسين كامل الذى كان أول من حمله فى مصر فى العصر الحديث، إذ أن الخديو عباس حلمى كان يحمل لقب خديو أى عامل لدى السلطان العثمانى.

وكانت أكبر خدمة أداها ثروت لأحمد فؤاد هى نجاحه فى الحصول له على هذا اللقب الجديد، ملك..

 

إذن ما هى المصلحة التى يبحث عنها أنصار الدعوة لإعادة الخلافة؟

وأنا مدرك تماما لأن الخوض فى أمر الخلافة سوف يجلب علي حنق الكثيرين وغضب لا حد له، ولكن الحقوق لابد أن ترد إلى أصحابها. فكثير من مسلمي اليوم لا يعلمون عن الدولة العثمانية إلا قشورا ويربطون بين إسمها وهالة من القدسية التى ربما هي لا تستحقها.

فليس كل من هو مسلم أو كل من قال أنه مسلم  هو بالتبعية حسن السيرة عاطر الذكر. فالمسلمون شانهم شأن أي جماعة إنسانية فيهم الصالح الطيب وفيهم المجرم العتيد.

وكثير جدا من شباب المسلمين اليوم لا يعرفون سوي أن الدولة العثمانية عندما سقطت الخلافة من يدها وسقطت هي بأسرها فقد كان ذلك هزيمة نكراء للإسلام!! وهو رأي لا صواب فيه ولا حق.

في عام 1595 أمر السلطان العثماني الجديد محمد الثالث بقتل 19 أخ ذكر، حتي لا ينافسه منهم واحد، ثم أشرف بنفسه علي مراسم دفنهم بطريقة رسمية لائقة!!

وكان بعضهم لم يتجاوز سن الطفولة الاولي.

وفيما بعد كان ‏السلاطين أقل وحشية فلم يلجاوا للقتل بل للحبس مدي الحياة معزولا.

وكان اسم مكان الحبس هذا"القفص ".

أين هو هذا التصرف من أي قيمة دينية أو حتي أخلاقية؟

 

‏ولا استطيع الرد علي هذا الكلام سوي بالتساؤل البسيط التالي :

 إن كانوا فعلا حكاما عظاما، فلماذا انحط حال المسلمين في عهد دولتهم ولماذا اهملوا‏ العلم والتعليم ولماذا افضت دولتهم الي احتلال اجنبي لكل الأقاليم التي كانت تحت سيطرتهم؟

ليس مقياس النجاح في الحكم هو خوض المعارك الحربية ضد الدول الأوروبية ولكن النجاح مقياسه يقع في نوعية الحياة التي كانت متوفرة للمواطن العثماني علي أرض تلك الدولة.

‏وكم التخلف الذي أصاب الأمة الإسلامية تحت حكم العثمانيين لم يحدث لهم من قبل تحت أي حكم آخر. 

أم أن ذلك هو أيضا محل خلاف؟

انه الاتحاد بين الحكم والدين هو ما ادي الي ذلك. وعلي كل حال فالخلافة العثمانية كما أسلفت قامت علي أساس غير صحيح لأن تنازل من لا يملك هو مما لا يعتد به.

لابد لنا أن نتخلي عن العواطف لو أردنا أن نستفيد من قراءة التاريخ، وإلا فالأفضل عدم قراءته.

 

ولئن كانت التجربة العثمانية تشكل خصما من الرصيد الحضارى الإسلامي فهناك تجربة أخري إسلامية مضيئة ومشرقة تماما كالشمس فى كبد السماء، ولا خلاف على تحضرها وتقدمها وقيادتها للعالم فترة من الزمان.. وهو حديث المرة القادمة..

بين شعب وثورة زنجبار

$
0
0

حكيت في الحلقة الاولي عن مشاركتي في وفد مصر الي احتفالت استقلال تنجانيقا 1961 .. وهنا الحلقة الثانية عن ظروف علاقتي بشعب وثورة زنجبار وحضور احتفالات استقلالها 1963 وليسجل المؤرخون

 

سأحكى لكم -2-

بين شعب وثورة زنجبار

حلمى شعراوى

 

ذكرتنى زيارة سالم أحمد سالم (السكرتير العام الاسبق لمنظمة الوحدة الافريقية..) للقاهرة، أبريل 2014 بذاك "الشاب"الزنجباري نفسه وهو فى منتصف العشرينات من عمره، قادماً للقاهرة اخر ابريل 1964 سفيراً لحكومة تنزانيا بعد نجاح ثورة زنجبار فى يناير 1964. استقبلناه فى الرابطة الأفريقية (بما بدا رغم أنفى) لغضبى من اشتراكه مباشرة او غير ذلك فى قيادة انتفاضة اتخذت المسار الدموى بالإطار العنصرى الذى وقع، وأن كان هو والمفكر الراحل عبد الرحمن بابو قد دافعا عن نفسيهما بعد ذلك بما يبرىء ساحتهما من هذه الجرائم...

 

كان حزنى بسبب علاقتى الخاصة والحميمة التى قامت مع شعب زنجبار منذ أوائل 1959 بشكل خاص، حيث عينت بعد تخرجى مباشرة من آداب القاهرة مشرفاً اجتماعيا على "بيت شرق أفريقيا"الذى ضم أكثر من أربعين صبية وصبياً ورعاتهم من الزنجباريين، ومن بعض أنحاء شرقى أفريقيا. وجاء ذلك بناء على موافقة وتوجيه عبد الناصر شخصياً بعد مقابلته الشيخ "على محسن البروانى"زعيم الحزب الوطنى بزنجبار منتصف 1958....

 

 

 


حكى لى "على محسن البروانى"في بيت شرق افريقيا كيف رتب له محمد فايق، وعبده سلام (وزير الصحة بعد ذلك) مقابلة عبد الناصر، ليطلب منه فتح مكتب للحزب بالقاهرة، وبعض المساعدات التعليمية العاجلة لأبناء زنجبار فى مصر وخاصة من أصول عربية لخوفه على اللغة العربية وثقافتها التاريخية بينهم بل وطلب وعداً بمساعدات واسعة لإقامة الدولة بعد الاستقلال.

 

حكى لى بعد اتمام المقابلة مباشرة-ولااذكر التاريخ الان بالضبط- أنه عندما قابل عبد الناصر وحدثه عن أحوال شعب زنجبار مع الاستعمار الانجليزى، وحتى عن ظلم العائلات العربية الإقطاعية للأفارقة، وضعف قيمة السلطان العربى "جمشيد بن عبد الله "فى الجزيرة، ناهيك عن أوضاع الأفارقة الأصليين. تأثر عبد الناصر كثيرا إلى حد أن رأى على محسن نفسه الدمعة فى عين عبد الناصر..! (حين طلب منى على محسن ترجمة ما يقوله بالإنجليزية إلى العربية ليكتب مذكرة لأهله او للاذاعة بذلك.... تحمست فى الترجمة كمتدرب حديث بمدرسة الألسن وقتها، وكتبت "أغرورقت عيناه بالدموع....!"فابتسم على محسن وكأنه يقول: مش قوى كدة! لكنه بالفعل كتب فى مذكراته بعد ذلك نفس النص تقريبا بالإنجليزية كما يلى:

 

 


"He was so engrossed with what i was saying that tears came to his eyes"….
(Ali Muhsin Al Barwani: conflicts and Harmony in Zanzibar " p.105- 1997).

 


أدركت بعد ذلك كيف تؤثر البلاغة العربية، فى صياغة المواقف..!!).

 

 

 


بدأت الإشراف الفعلى على بيت شرق أفريقيا من كافة النواحى، وفيه أخت على محسن وأبناؤه،وابناء عدد كبير من العائلات العربية والمخلطة , بل وقليلين من كينيا وتنجانيقا، بما بدا لى مبكراً أن الأزمة قائمة فى مواجهة العنصرية بالعنصرية، وأن المسألة الوطنية لم تحل المشكلة فى زنجبار حتى قامت الثورة الدموية التى أكدت المقولة! مثلت فترة اقامتى مع هذه البعثة مصدر ثقافة هائلة بالواقع الأفريقى العربى... ومن وقائع حية خلافا لما كنا نقرأه من مصادر بريطانية معروفة 

 

 

 

 


رشحتنى مهمتى فى بيت شرق أفريقيا، ثم تعييني بالشئون الأفريقية بالرئاسة آخر 1960لأسافر من قبل في وفد مصر الي احتفالات استقلال تنجانيقا ديسمبر 1961 وها هى ترشحنى مرة اخري عضوا في وفد مصر إلى احتفالات استقلال زنجبار فى ديسمبر 1963

 

...

 

 


كان مكتب الحزب الوطنى لزنجبار قائماً فى الرابطة الأفريقية وعلى رأسه سليمان مالك (مثقف غير راض على وضعه فى الحزب ولا الوضع فى المجتمع الزنجبارى)، وهناك فى البرنامج السواحيلى أحمد رشاد (مخلط أفريقى عربى ساخط على القيادة العربية للحزب)، ومبارك خلفان رئيس اتحاد طلبة زنجبار الذى تدفعه الثقافة الجديدة لرفض تمايز العرب فى زنجبار....).

 

 

 


كان لزنجبار "لوبى"فى مصر من د.عبده سلام (صاحب نفوذ فى الاتحاد الاشتراكى) ورجل الأعمال فتحي صبرى! (تاجر كبير مع شرق أفريقيا) ودكتورة نور.. مخلطة مصرية زنجبارية، أستاذة بجامعة الإسكندرية، والعبد الفقير، وبعض رجال التعليم...الي جانب حماس محمد فايق طبعا.) كما كان بعض المحيطين بالشيخ على محسن يعرفون رجال الأزهر بل وبعض وجوه الاخوان واليسار

 

 

 


كان هذا اللوبى فى النهاية يصب فى خانة عروبة زنجبار وأهميتها فى شرق أفريقيا.... وكان مبلغ وعيى شخصياً هو أهميتها فى العلاقات العربية الإفريقية عموماً إذا اهتممنا بدعم أفارقة زنجبار مثل عربهم، لأن صورة زنجبار بسلطان عمانى الأصل لم تلق ترحيباً لدى كل عناصر اللوبى المذكور...كانت العائلات العربية بادية التسلط علي المجالس وزراعة وتجارة القرنفل علي السواء, وشعرت كثيرا ان علي محسن نفسه يريد التخلص من هذا العبء,وانه تبادل هذا الشعور مع عبد الناصر في المقابلة, وانه يريد ذلك بالتوافق لا بالاتجاه يسارا !

 

 

 


فى مقابل ذلك كان ثمة لوبى حزبى محيط بعلى محسن فى الجزيرة (المعروفة باسم نجوجي) فثمة عربى متطرف (سيف...) ووطنى متوازن (أحمد اللمكى) وثمة يسار ماوى الاتجاه على رأسه الأمين العام عبد الرحمن بابو ومساعده سالم أحمد سالم وآخرون....
ووسط هذا لجأ على محسن لنمط من التوازن بتحالف مع حزب أفروشيرازى معتدل بزعامة محمد شامتى...

 

 

 


و بمعنى ما أصبحت زنجبار عام 1962 و قبل الاستقلال بشهور تمثل عند زعماء شرق أفريقيا التقليديين احتمال إما قنبلة عروبية، ناصرية، أو قنبلة ماركسية ماوية ... وكلاهما مر! ؟ لكن الذى حدث فى يناير 1964 أن انفجرت القنبلة العنصرية! أو قل العرقية (أفارقة/ عرب) رغم القول بعد الاستقلال انها اصبحت .."كوبا افريقيا "

 

 


(اذكر في هذه الفترة عقب ثورة زنجبار ان تمت زيارتان هامتان لمنطقة شرق افريقيا اقترنا بتصريحين احدهما للبريطاني "اظنه ماكميلان"ان افريقيا باتت قابلة للتغيير ripe for change بعدها جاء شو اين لاي ليعلن انها نضجت للثورة ripe for revolution وايامها عرفت الفرق بين مصطلح الأنثروبولوجيا الكولونيالية وبين المصطلح الأيديولوجي !!)
بدا أن الإعداد لاحتفالات الاستقلال فى زنجبار هو قمة التعبير عن مأزق الشركاء هناك وأنه مطلوب من "على محسن"إحداث توازن ذهبى لإنقاذ الموقف من انفجار أفريقى يعتبر الاستقلال جائزة للعرب وحدهم...

 

 

 


وفى نفس الوقت أراد على محسن أن يقيم احتفالاً كبيراً يضع زنجبار فى قلب شرق أفريقيا رغم صغرها... 

 

 

 


أذكر أنه حدثنى كثيراً عن اعجابه بعبقرية عبد الناصر فى استخدام الإعلام لبناء شخصيته وشخصية مصر فى أفريقيا، وكان يسألنى- بحكم تصوره أنى خبير خطير في الرئاسة ! كيف يرتب عبد الناصر ذلك ؟ ولا اظن اني أفدته كثيرا ! ولكنه ظل دائم الاهتمام بها حتي بدا لي انه اوصلها مع طلب انجاح الاحتفال الكبير لعبد الناصر نفسه الذي فهمت انه لابد وجه محمد فايق بالاستجابة للشيخ على محسن!

 

 

 


طلب الزعيم على محسن حضور كل اشكال التعبير المصرية التى تفيد الاحتفال... من الشيخ محمود خليل الحصرى , حتى فرقة رضا، وفريق كرة وصحفيين، ومذيعات (لا اذكر أسماء للأسف!). وبدا أن الشيخ على محسن يريد تطبيق المقولة الشائعة "إن عزف المزمار فى زنجبار، يرقص عليه الأفارقة على ساحل فيكتوريا.."و بالفعل أصبح الأهالى المتأثرين بهذا الفولكلور بعد ليلة الاحتفال يقولون أن صوت الشيخ الحصرى وصل أرض القارة The main land فى تنجانيقا كما ذكر لهم أهلوهم وهم على بعد 40 كم تقريباً!).
كان الوفد يضم أكثر من مائة عضو من كل الفنون، ورأس أنور السادات الوفد، ومعه محمد فايق، واستمتعت شخصياً بصحبة الكثيرين .....

 

 

 


انزعج الإنجليز كثيراً، خاصة مع ترتيبات "على محسن"لبروز أنور السادات فى وضع نائب رئيس مصر (وكان رئيساً لمجلس الشعب على ما أذكر) مساوياً لمندوب ملكة بريطانيا - زوجها العزيز- وفى تحركنا بمواكب تثير الانزعاج فعلاً....

 

 


وكانت الفنادق قليلة ومتواضعة فعلاً، فرحنا نقبل ضيافة العائلات العربية فى بيوتهم أو مزارعهم (الجزيرة كلها 40 ك).. حتى رحلنا.....وقد بدا فى الجو صمت الجمهور الأفريقى مريباً وكأنه يشير إلى ذلك الذى يسبق العاصفة...

 

 


سياسياً بدا التوازن يختل فى إقليم شرقى أفريقيا، مع بروز تساؤل عن دخول زنجبار ترتيبات إتحاد شرقى أفريقيا أم يعوقها نيريري ..... الخ.

 

 

 


لم تمض أيام بعد عودتنا حتى وصل "أحمد اللمكى"سفيراً لزنجبار لدى عبد الناصر! وراح يتحرك بسرعة مستخدماً "لوبى زنجبار"لإقامة أفضل العلاقات.... 

 

 


ذات مساء متأخر يوم 12 يناير 1964- وبعد أقامة السفير احمد اللمكي فى القاهرة لبضعة أسابيع فقط- دق التليفون فى منزلى حوالى الواحدة صباحاً، ثم حضر اللمكى يطلب منى الذهاب معه حالاً لمحمد فايق ليقابله بعبد الناصر الليلة لطلب تدخله العسكرى فوراً فى زنجبار ضد "الانقلاب المذبحة "الذى وقع تلك الليلة , وضرورة حماية العرب من المذابح التي يتعرضون لها في الجزيرة ....

 

 

 


لم أكن أستطيع خلال قيادتى للسيارة مصطحباً "اللمكى"إلى "فايق"أن أعبر له عن استغرابى لطلبه، بسبب شدة انفعاله، وقسوة الخبر كما سمعه تواً من الـ "بى. بى. سى) لكن السيد محمد فايق لم يقصر فى التعبير عن حزنه من ناحية ودهشته للطلب من ناحية أخرى....كما استبعد أن يوقظ عبد الناصر لإبلاغه فى تلك الساعة...! وأخذ فى تهدئة "اللمكى"مشيراً إلى صعوبات ذلك، رغم إشارة اللمكى أن قوات مصر فى اليمن أقرب وتستطيع الوصول بسرعة!! وكان ذلك كله مستحيلاً وبالضرورة وصل ذلك إلى اللمكي ، لأننا كنا أقمنا منظمة الوحدة الأفريقية حديثا ونقر مبدأ عدم التدخل.. وأخيراً فإن مأزقنا فى اليمن بات معروفاً.. فهل نوسع الرتق بالذهاب إلى زنجبار؟ ثم ان المذابح لن تنتظر إجراءات لوجستية طويلة متوقعة! وانه لا سبيل الا سرعة التدخل الدبلوماسي ..الخ 

 

 

 


وتواترت الأنباء بسرعة عن مئات المسلحين الذين يبدو انهم جاءوا من خارج الجزيرة ليقضوا علي السلطنة ويقتلوا المئات والسيطرة علي الجزيرة.. ويقودهم شرطي سابق من اوغندا يدعي"جون اوكللو"لاثارة الرعب , وتنفيذ خطة بريطانيةللسيطرة علي الجزيرة بدليل مسئولية القائد الانجليزي للشرطة وتنظيمهم خروج السلطان لبريطانيا وسجن علي محسن والقادة وعدم قتل"الثائرين"لهم واتمام كل ذلك فيما وصفه اوكللو نفسه بثورة التسع ساعات .!


John Okello: Revolution in Zanzibar 1967

 

 

 


وقد سجن علي محسن لعشر سنوات ..وطردت الادارة الجديدة المدعو اوكللو بعد ان اسمي نفسه الفيلد ماريشال ليسجن في كينيا لخوف من اشاعته روح التمرد ولو المأجور 

 

 

 


هذا الموقف الواضح لم يفهم لسنوات أعقبت ذلك.... ولا مجال للحكى عنه.. لأن ما شاع عقب الثورة هي قصص عن سلاح كان منقولا من الجزائر للجنة تحرير المستعمرات في دار السلام وان السفينة حولت الي زنجبار . اما بتعليمات من تنجانيقا او الي ما دهب اليه البعض للقول ان الجزائر كانت تقصد ذلك منافسة لمصر ! وترك البعض كل ذلك ليقول ان عبد الناصر كان قد اتفق مع على محسن لعقد اتفاقية دفاع مشترك مع زنجبار.... وإقامة قاعدة عسكرية لمصر هناك! وان ذلك هو ما اخاف الانجليز ونيريري فتامروا وضاعت زنجبار....!

 

 

 


جاء"ناصر الريامى"الباحث العمانى لمصر في 2008وأثار التساؤل معي لان كثيرا من الزنجباريين العرب ما زال يظن ذلك وهو يريد التحقق لكتابه عن زنجبار.. وصحبته إلى محمد فايق لإثارة دهشته وتأكيد النفى... ثم جاءتنى أخيراً اول 2014الباحثة الشابة بكلية بنات عين شمس ولاء صابر تردد نفس التساؤلات عن صحة رغبتنا فى وجود عسكرى فى زنجبار..!. وأقسمت لها أنى لم اسمع بذلك...! وصحبتها إلى محمد فايق ليؤكد الشهادة ازاء هذا التصور... ولافهم انا كيف تبني الاساطير سلبا او ايجابا !
ارتبط تأكيدنا بأننا سارعنا بالاعتراف بالأوضاع الجديدة فى زنجبار مع وعود _ بعد زيارة فايق للجزيرة ولتنجانيقا _ بتخفيف الضغط على العرب بالاعتقالات أو التعرض لحياتهم ، وبالتأكيد لدار السلام أننا لا نريد التدخل وإنما العمل الافريقى الوحدوى.. وسهل الامور وجود اليساريين لبعض الوقت في السلطة لكن سرعان ما تم التخلص منهم ايضا فابعد سالم احمد سالم سفيرا , وذهب عبد الرحمن بابو فيلسوف الثورة إلى دار السلام.
عندما مررت يوماً وأنا فى زيارة لتنزانيا على مقهى مشهور بشارع الاستقلال بدار السلام... وجدت عبد الرحمن بابو جالساً وحده... فى حالة تأمل... وعندما فاجأته بوجودى وسؤالى... قال... أفكر فى الثورة المهدرة.....!!

انقلاب التحالفات ...في تونس

$
0
0

بعد زيارة قصيرة لتونس هذه بعض القراءة للهندسة السياسية الجارية هناك واعتذر للتوانسة عن اي تقصير في المعرفة.

انقلاب التحالفات ...في تونس

حلمى شعراوى

تظل تونس موقعاً هاماً للعقلنة فى العالم العربى، حتى وهى تشهد أقسى التحولات.. وهذا ماامكن لي لمسه خلال زيارة قصيرة لتونس مؤخرا ... فديكتاتورية بورقيبة نفسه كانت مغلفة بالتحديث، ولجم الطبقة التقليدية، وحتى "بن على"لم يستطع الا أن يبدو عقلانيا لعامين أو ثلاثة، مبشراً بالتغييرو الحوار, ثم ادعاء "مقرطة"الواقع السياسى، حتى انفرد ليجعل الحداثة هى فقط الطريق للضبط الأمنى، والنهب المنظم , وتنمية الطبقة الوسطى لتسكت على ما يجرى...! ثم كانت "الثورة"أو قل "الانتفاضة الشعبيه"التى فتحت الباب للفرز الاجتماعي، واكتشاف أن تنظيم المجتمع هم عقلي بقدر ما هو اجتماعى، عند كثير من الفئات الاجتماعية

ولذا تلعب الصياغات الفلسفية قدرا واضحا في العمل العام في تونس بما يبعد احيانا عن المدركات الاجتماعية المباشره التي يجيد اخرون اللعب بها..
. ويمكننا النظر بسرعة إلى الخريطة التى تبرز فاعليتها كل يوم الآن على سطح الحياة السياسية، وسنعود لأثرها فى حركة التفاعل الجارى.
هناك الآن عدة عناصر واضحة وذات تاريخ فىا لعملية السياسية: اولها.. الأحزاب السياسية التى تشكل "الترويكا"أى الثلاثية الحاكمة : حزب المؤتمرمن اجل الجمهورية- التكتل الديمقراطي - النهضة) ..وفي الساحة او الفضاء السياسي تقف ايضا احزاب :الجمهورى (الاشتراكى سابقاً- التجديد او المسار (الشيوعى سابقاً) .والعمال الشيوعى..... الخ 

ثمة قوي افرزتها الثورة ثم الثورة المضادة ان جاز التعبير مثل قوة الجبهة الشعبية من جهة وقوة "الدستوريين"التي باتت تعنى حضور دستوريي"بورقيبة""وبن على"بقوة الآن على السطح كأحزاب "الفلول"بالتعبير المصرى.



وإلى جانب هذا الطرف الحزبى السياسى: هناك قوة شديدة التفاعل أيضاً وهى الاتحاد التونسى للشغل، والمنظمات الحقوقية (حقوق الإنسان خاصة). وهي ما يكاد يمثل بيت الحوار الوطني ,لنري الفرق مع وثائق الازهر وغيرها في مصر!

ما يلفت النظر هو أن معظم هذه القوى بدت وكأنها لفترة تعتمد على تاريخيتها ,ثقة ورايا.. فباتت كأنها الماضى، مما جعل حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشى وهو المحافظ النهضوي كانه التنظيمى الحداثى وحده ..!. فحضر برلمان أكتوبر 2012 بأغلبية نسبية (اكثرية) وليست مطلقة.... وكان ذلك وقتها"ستر الرب "على شعب تونس! لأنه دفع الإسلاميين هناك إلى ضرورة "التوقف للتفكير"وعقلنة التطور فى كل لحظة رغم إغراء "التمكين"الذى اندفعوا فيه بدورهم مثل الاخوان في مصر ... لكن القدرة على التراجع "المعقلن"باتت واضحة... وخاصة حين اندفعت بعض أطراف الأسلمة أو المحافظة لاغتيالات بلعيد والإبراهيمى , ربيع وخريف 2013 .. فبدا "المتمكنون"أشراراً يتوجب على الحركة السياسية كلها.. لمهم...وعندئذ اعتقد ان الاسلاميين ادركوا اهمية"الوطني"في اسبقيته علي الاممي او الدولي تيسيرا لفهم التحالفات وتقدير التنازلات وهذا ما ثبتت جدواه لهم 

 


لعب احتكار واحتقان الموقف السياسى والاجتماعى الاقتصادى دوراً فى إظهار أزمة الانفراد الاسلامي بالسلطة، وبدأت التحالفات تهتز كراسيها، حتى جاءت أحداث ثورة يونيو-يوليو 2013 فى مصر، لتساعد فى قلب تصورات "إخوان تونس"عن آفاق الانفراد، وبينما اسموا ما حدث انقلابا في مصر ,فانهم راحوا يبحثون عن دروسه باحداث الانقلاب في تحالفاتهم ازاء ادراكهم للسخط الشعبي تجاههم بنفس القدر..!. فقفز راشد الغنوشى إلى فلسفة ما أسماه البعض "ملاعبة الثعابين"وهو يدرك ان ذلك لا يمكن أن يكون إلا بالاقتراب من "الطبقات القديمة وعناصر الدولة العميقة"..... وكأن هؤلاء قد سبقوه إلى تنظيم صفوفهم فيما سمى فترة "الاتحاد من أجل تونس ثم"نداء تونس "(لاحظ مسميات الفلول في الصراخ باسم مصر...) بقيادة باجي قايد السبسى (البوقيبى الليبرالى القديم ووزيره وبن علي معا ).... وذهب الغنوشى ليعود السبسي المريض فى باريس (أغسطس 2013)) وكان ما سمى بلقاء "الشيخين"أى تحالف الجبهات المحافظة تماماً... (سواء كانوا ثعابين أو أمنجية !)..... تمثلت "شطارة"الغنوشى فىلعبة "العقلنة"وشطارة الليبرالى قايد "السيسى"فى ضم بعض ما يعتبر فى تونس وجوها ديمقراطية أو يسارية دولتية ليصبح "نداء تونس"مرشحاً جامعا لقيادة الدولة فى ثوبها الجديد بتحالف المحافظين القدامى والجدد.... !

 


كان لابد من اختبار هذا المكون الجديد... وقوى "الثورة"فى الشارع ويدها على قلبها من هذا التركيب والتفتيت المتسارع نحو استقطاب غير مامون النتائج ..... اصبحت جبهة "الترويكا"تتهاوي مع رئيس يعتبرونه نزقا مثل منصف المرزوفى وحزبه "المؤتمر"أو بمحافظ اخر فىقيادة حزب "التكتل""بن جعفر"..... من جهة... وأمامها قوة الجبهة الشعبية التى قفزت إلى الأمام بلغتها الحادة بعد مقتل الرموز الوطنيه "".... ويكاد يساند ذلك التطور جبهة يسار تقوى ثانية وتدريجياً حاملة مسميات جديدة من: المسار او القطب الحداثي اليساري إلى الديمقراطى التقدمى إلى آفاق تونس، والوطن الديمقراطيين "الوطد"والناصريين والبعثيين... الخ).ويشير ذلك بوضوح الي اهمية استمرار الحيوية في النبض السياسي حتي لو بدت الفرص اقل لانها ستعود باالضرورة مثل عودتها الان امام ضعف قوة الترويكا التي كانت كاسحة 

 


وكان الاختبار متراوحاً... فالضغط الشعبى يريد التأكد من عدم انفراد حزب النهضة- أو قل 
"الإخوان المسلمين"بعد تجربة مصر – بالسلطة ممثلة فى الحكومة "التى كانت قائمة"حتي يناير 2014 بل والامل في مزيد من اضعافها -حسب التنبؤات المتفائلة- فى انتخابات البرلمان القادم 6-9 شهور!

 


"والغنوشى"من جهة اخري يواصل ملاعبة الثعابين ، ويريد التصدى لآمال البعض في خلع النهضة من تونس على طريقة مصر.. ولذا يسارع بالموافقة علي انقلاب "مدني فعلي بسحب حكومته او ما سمي شعبيا اسقاط حكومة الاخوان والتوافق حول تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة شكلها "المهدى جمعة"بعد لأي في يناير 2014 وبها من الوجوه المثقفة ما يطمئن بالفعل.... وأهميتها فى مقولة العقلنة التونسية، أنها تمثل بالفعل معنى القبول "الحداثى"بالحكومة الانتقالية، التي لاتشارك في العمل السياسي ولا الاعلام له وانما هي آلية محايدة- ولو نسبياً- لإجراء الانتخابات القادمة وحسب .. ولنقارن بالحكومات الانتقالية فى بلاد أخرى مثل لبنان أو مصر لنقدر ما يجرى فى تونس.
إذن يكاد ينجح الاختبار الأول لمدى "عقلنة"سلوك الفلول والغتوشية في زحفهم علي السلطة والمجتمع معا ويتصدوا عمليا لضغط المعارضة الشعبية عليهم رغم تفتتها 
جاء الاختبار الثانى كاشفاً أكثر... فثمة مواجهة تحركها "العقلنة المحافظه"مقابل الثورية.... أقصد عقلنة المحافظين لفهم "الواقع " !أو انطلاق عقال التمرد مثلما كاد يحدث بعد اغتيالات صيف 2013! وووقع الاختبار الفعلي خاصا بقانون تنظيم الانتخابات وتحرك التحالف الجديد من المحافظين ضد تمرير المادة168 عن العزل السياسى الذى سيشمل كثيرا من وجوه "نداء تونس"حتى من يساره أحيانا بل وبعض المتعاطفين مع الإسلاميين... الخ.ممن يهددون بغزو البرلمان القادم بعد عدة شهور... وقد تركت تونس و يكاد يكون قد تقرر إسقاط المادة التى أسماها "الغنوشى"نفسه "المادة الإقصائية"وليست مادة العزل ..بعد تسليمه بقوة تحالف النهضة مع اعمدة النظم السابقة في اطار مزعوم للوحدة الوطنية ,ورغم تهديد بانقسام في "النهضة"يثق في معالجته الا ان الجميع في"تحالف الثعابين"يدرك خطورة عملية العزل في تونس (رغم ان قرار احدي المحاكم صدر في مصر حول العزل مؤخرا فاني لا اشعر الا بانه يجري واده دون اهتمام احد مع انه قانون كاشف تماما للنظام القائم وحوله قتال سياسي ضار في تونس )
والجدل فى تونس كثيف، حول تبلور ثورة تونس الرائدة إلى هذا الشكل من التحالفات ، حيث تحتشد القوى "المحافظة"فى تنسيق وتناغم , بينما تنشغل قوى وطنية وديمقراطية بترشيحات الرئاسة او اوضاع القيادات في مناصب المعارضة !

 


يبقى أمل التميز التونسى، في الرباعية الشعبية المعروفة و الاتحاد التونسى للشغل،و المنظمات الحقوقية لحقوق الإنسان والمرأة.... الخ.. وفي دول التحديث الحقيقية تحتل فيها هذه التنظيمات مكانتها السياسية الديمقراطية المناسبة بمثل انشغالها القانوني تماما على غير ما يتصور بعضهم فى مصر....

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-١٩

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى

 زعمه أن نشأة علوم الربية كالنحو والبلاغة والعروض قديمة، أي أنها نشأت قبل الإسلام لا بعده وهو يبني هذا الزعم أيضًا على ما افترض من أن القران أثر جاهلي.


* زكي مبارك حاول أن يصف القرآن الكريم بكل ما لا يصدق وأنه من كلام العرب!!
افتراض أن القرآن من كلام عربي من العرب:
حاول زكي مبارك أن يصف القرآن بكل ما لا يصدق إلا على نتاج البيئة، يقول: فمن الواجب أن يترك الباحثون ذلك الميدان الذي أولعوا بالجري فيه وهو عصر الدولة العباسية وأن يجعلوا ميدان النضال (عصر النبوة) نفسه وأن يحدثونا ما هي الصلات الأدبية والاجتماعية التي وصلت إلى العرب من الخارج فأعطت نثرهم تلك القوة وذلك الزخوف اللذين تراهما مجسمين في القرآن؟ هنالك نعرف بالبحث: أكان القرآن صورة عبقرية أم تقليدية.
فهذا شك لا يقبل شكًا ولا يحتمل تأويلاً في أن صاحب الكتاب يرى القرآن من كلام العرب، تأثر بما تأثروا به أو يصح أن يكونوا تأثروا به من صلات أدبية واجتماعية أتتهم من الخارج، وأن ما امتلأ به في زعمه من "الزخرف والصنعة المحكمة"ليس طبيعيًا ولكنه مكتسب مجلوب من الخارج".
وقوله: "هنالك نعرف بالبحث أكان القرآن صورة عبقرية أم تقليدية، والتقليد هنا ليس هو تقليد عربي لعربي ولكن تقليد عربي لأعجمي؛ لأن الصلات الخارجية التي يسأل عنها هي صلات بين العرب ومن حولهم من الأعاجم فتشكيكه في العبقرية وتجويزه التقليد على القرآن قاطع في أنه لا يرى القرآن من كلام واهب العبقرية وفاطر الإنسان، ولكن من كلام بشر.  مشكوك حتى في عبقريته.
- ويقول زكي مبارك "والقرآن نثر جاهلي والسجع فيه يجرى على طريقة جاهلية، حين يخاطب القلب والوجدان، ولا ينكر متعنت أن القرآن وضع للصلوات والدعوات ومواقف البكاء والخوف والرجاء سورًا مسجوعة تماثل ما كان يرتله المتدينون من النصارى واليهود والوثنيين، ولا تنس أن الوثنية كانت دينًا يؤمن به أهله في طاعة وخشوع، وكانت لهم طقوس في هياكلهم وكانت تلك الطقوس تؤدى على نحو قريب مما يفعل أهل الكتاب من النصارى واليهود".
- وهذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق في أنه يضع القرآن في صف كتب الوثنيين وأهل الكتاب ويجري المقارنة بينها وبينه ويقول: والقرآن وضع لأهله صلوات وترنيمات تقرب في صيغها الفنية مما كان لأهل الكتاب من صلوات وترنيمات والفرق بين الملتين يرجع إلى المعاني ويكاد ينعدم فيما يتعلق بالصور والأشكال، ذلك بأن الديانات الثلاث، الإسلام والنصرانية واليهودية ترجع إلى مهد واحد هو الجزيرة العربية، فاللون الديني واحد وصورة الأداء تكاد تكون واحدة.
وهكذا صارح صاحب "النثر الفني"القارئ بذات نفسه، لا عن القرآن فقط وتقليده حتى الوثنيين في الصورة والشكل ولكن عن الأديان الثلاثة كيف أنها كانت نبت البيئة، نبت الجزيرة العربية، والرجل يقول هذا وقد وضع بين أيدي الناس "المفتاح"إلى مذهبه في القرآن والدين.
- ويقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: إن الخصومة بينه وبين زكي مبارك ليس منشؤها ما يعتقد الدكتور، ولكن ما يعلن ويدعو إليه، فاعتقاده ودينه أمر بينه وبين ربه، أما ما يعلن ويكتب فأمر بينه وبين الناس، وهو حر فيما يرى ويفكر وفيما يعتقد، ما اقتصر ذلك على ذات نفسه أو ظل سرًا بينه.  وبين خلصائه والله تعالى سيجازيه به، ولكنه يفقد تلك الحرية في اللحظة التي يحاول أن يتخذ من الأدب وسيلة لبث آرائه ومعتقداته بين الناس، إنه في تلك اللحظة يصطدم بما يعتقد الناس إذا كان ما يعتقد يخالف ما يعتقدون خصوصًا إذا كان ما يعتقدون هو الحق وما يدعو إليه هو الباطل.
- لقد تركنا للدكتور كل هذه السنين يبدئ ويعيد في الأخلاق وغير الأخلاق مما يتصل بالدين اتصالاً وثيقًا من غير أن نتعرض له، إلا مرتين.
الأولى: حين ختم كلمة له في نعيم الجنة بذلك الدعاء الماجن "اشغلني عنك يا رباه بأطايب الجنة فإن نظري لا يقوى على نور وجهك الوهاج".
والثانية: حين كتب يقول: "أعوذ برب الفلق من خير ما خلق"، وقد وقع الرجل على حيلة أخذها من صديقه الشيطان هو أن يسمي المسميات ضد أسمائها ليدخل على بعض النفوس عن طريق الايحاء فستر الإنسان جسمه بالثياب رياء واعوجاج في الضمير والدعوة إلى تعريته دعوة إلى الحياة، احتضان الفتاة للفتى هو مثال الفرح النبيل، وهجوم الفتاة على الفتى طاعة لغريزة كريمة، وانتهاب الجمال هو في ذاته شكران لواهب الجمال، فتراه مثلاً يقول لك: "وانتفع الصوفية بسماحة الإسلام وهو دين يأبى أن يكون بين المسلم وربه وسيط فقرروا أنهم أرفع من الأنبياء وهذا كفر بظاهر القول، ولكنه في الجوهر غاية الإيمان".
- فانظر كيف رتب على المعنى أن الصوفية يضعون أنفسهم فوق مرتبة النبوة؛ لأنهم أعرف بالله وأرعى له من الأنبياء، وباطنه أنه ليس بهم ولا بك إذا ارتقيت مثلهم إلى الأنبياء حاجة وإلا كان بينك وبين الله وسطاء فتلك هي في رأي زكي مبارك سماحة الإسلام وبها انتفع الصوفية فلا الإسلام يحترم سماحة حمقاء كالتي نسبها إليه زكي مبارك ولا الصوفية بلغ بهم.الغرور أن يرو أنفسهم فوق الأنبياء (١). اهـ.



* محمود عزمي المدافع عن اليهودية .. الممجِّد للشيوعية .. الداعي إِلى الفرعونية .. :
كانت رياح الصهيونية من وراء كتابات محمود عزمي ومحمد عبد الله عنان، فقد كان محمود عزمي واضح الموقف في الدفاع عن اليهود، وإثارة الشفقة عليهم، وكان في الوقت نفسه يمجد المفاهيم الماركسية الشيوعية، والمعروف أن زوجته كانت من روسيا البيضاء، وربما كانت يهودية.
- وأبرز مظاهر الشعوبية في هذه المرحلة أن يكتب محمود عزمي في جرأة: "لماذا عنيت بحضور المؤتمر الصهيوني في بال؟ "يقول: "إني أعنى منذ سنوات غير قليلة بالصهيونية على اعتبار أنها حادث اجتماعي وسياسي يشغل بال أهل فلسطين العرب، فيجب أن يشغل بالتالي بال كل من يتصل بفلسطين وأهلها العرب، ويجب أن يشغل بال أولئك الذين يفكرون ويعملون في سبيل الوحدة العربية، وتوثيق عرى (بلاد العربية) جميعا وفلسطين أحد بلاد العربية، وهكذا يراوغ الدكتور عزمي ليخدع العرب والمصريين عن الأشتراك في هذا المؤتمر الذي رشحته له عوامل كثيرة. والمعروف أن محمود عزمي كان يدعو إلى الفرعونية، ولما وجد موجة العروبة أفسح لسمومه دخل إليها ليفسد مفهومه، فهو لم يوافق على إطلاق لفظ البلاد العربية على الشرق العربي، واخترع مصطلحًا جديدا هو (بلاد العربية)، يقول أحمد عبد السلام بلا فريج: يريد أن يقول إن تلك البلاد ليست بلادًا عربية بجنسيتها، ولكن بلادًا تكلمت العربية، فيجب أن تنسب إلى اللغة وهي فكرة تدل على ضعف.   .   معلوماته التاريخية عن أصل سكان العراق والشام، وسائر الأقطار التي تتكلم العربية، ومن شعوبيته قوله: إن الوحدة يجب أن تبنى على اللفظ فقط، وأن تقسم بلاد العرب إلى ثلاثة أقسام: بلاد المغرب ومصر والشام، وقوله بما أن مدنية الغرب هي المدنية الغالبة فينبغي أن نتخذها بلا انتقاد، بل بمحاسنها وقاذوراتها، وقد ردّ عليه أحمد عبد السلام بلا فريج قال: إن الدعوة إلى اتخاذ مدنية الغرب بلا قيد ولا شرط تعني القضاء على الثقافة العربية واضمحلال شخصيتنا وتعني اندماجنا في هيكل الغالب" (١).



* محمد عبد الله عنان متطرف في تأييده للصهيونية وأتاتورك واشترك مع سلامة موسى في إنشاء أول حزب شيوعي في مصر:
أما محمد عبد الله عنان فإنه دعا إلى الاستسلام في قبول النفوذ الصهيوني وقال: لا نعتقد أن سياسة العنف طريق صالح يستطيع أن يسلكه الشعب الفلسطيني لتحقيق أمانيه؛ لأن سياسة العنف أصبحت اليوم طريقًا خطرًا لا يأمن سلوكه الأقوياء أنفسهم فضلاً عن الضعفاء، على أن العامل الحاسم في تسيير السياسة البريطانية المقبلة هي كلمة اليهودية بلا مراء، ويلوح لنا أن اليهودية لا يمكن أن تنزل عن حكمها القديم الأسمى بهذه السهولة، وأنها تؤثر أن تضيف هذه الشدة إلى ثبت محنتها الحافل، وأنها قد تقرأ فيها نذيرًا لا بوجوب التراجع القديم والحذر، ولكن بوجوب مضاعفة المغامرة والإقدام.
ويقول: "إن في وسع العرب أن يغنموا كثيرًا بالاتحاد والجهاد السلمي المستنير وأن يحولوا في المستقبل دون إراقه الدماء".
.- ولا ريب أن هذا الموقف من أعنف مواقف التبعية للصهيونية وقد واجهت هذا حركة اليقظة، فكشف السيد محب الدين الخطيب في مجلة الفتح وجهة محمد عبد الله عنان في تأييده للصهيونية وتأييده لكمال أتاتورك، ولا ريب أن خلفية عنان باشتراكه مع سلامة موسى في إنشاء أول حزب شيوعي في مصر، وكتاباته الخطيرة عن (الثورة العالمية)، ويقصد بها مخططات الصهيونية الشيوعية التلمودية تُوحي بما جاء في هذا المحاولة.
- وقد كتب باحث في مجلة الفتح (٣ أكتوبر ١٩٢٩) تحت عنوان "هل عبد الله عنان يهودي صهيوني؟ "ما يلي: "قرأت مقالة عن الصهيونية (نشرها في السياسة الأسبوعية ٧ سبتمبر ١٩٢٩ وما بعدها) فلم يعتريني شك في أن الكاتب ليس يهوديًّا فقط بل من غلاة الصهيونية، كنت أظنه مؤرخًا صادقًا يشرح وجهة نظر العرب من ناحية ووجهة نظر الصهيونية من ناحية أخرى، ثم يقفي على ذلك بالحقوق التاريخية والمكتسبة للعرب، ولكني وجدته خصّ نفسه بشرح نظرية اليهود واطراح أمر العرب، وزاد الطين بدفاعه المستتر مرة والمنكشف مرة أخرى عن القضية اليهودية، وأعتقد أنه إما معتنق مذهب الصهيونية يعطف عليها ويدافع عنها، وإما ذو هوى في خدمة مصالح اليهود؟ فراح يتهوس تحرقًا على قوميتهم، ويؤسفني أن أخطّ هذا؛ لأني لست أفهم سرّ هذا الدفاع، وينسى أو يتناسى أن فكرة الوطن القومي اليهودي اشتُريت بأموال اليهود في الحرب العظمى واستغلال ضعف العرب، فأراد الصهيونيون أن يغتصبوا أرضهم وأموالهم بدون مسوغ من القوانين الوضعية والحقوق الدولية، وبينما فلسطين بحر من الدماء واليهود يتحرشون بأهل البلاد العزّل من السلاح، والعالم العربي والإسلامي يصيح من هول المأساة إذ بهذا الكاتب وزمرته يقولون ما لا يعلمون. ومن يقرأ التصوير المزيف الذي قدمه عنان يتوهم أن العرب هم البادئون بالعدوان وأن اليهود أصحاب حق، وأن عنان في هذا المفهوم يجري مجرى التلمودية الصهيونية.   ومن أخطاء عنان قوله: أن الأساطير اليهودية تقول: إن جدار البراق هو البقية الباقية من هيكل سليمان. وترى فيه التقاليد اليهودية الدينية أثرًا من أجل آثار إسرائيل، وقد ردّ عليه (ن) وربما يكون شكيب أرسلان بقوله: "كان مأمولاً منه ألا يمر على الأساطير دون أن يضع إلى جانبها الحقيقة. هذه الحقيقة تختص بعلماء الآثار ومهرة المعماريين أكثر ما تختص بالأساطير، فعلماء الآثار ليس فيهم من يقول: بأن أي قسم من الجدار الغربي للحرم القدسي الشريف يرجع في عهد بنائه إلى زمن سليمان بل المتفق عليه قطعًا أن هذا الجدار بُني في زمن لاحق متأخر جدًّا، ومن الذين يذهبون إلى القطع بأن هذا الجدار ليس بقية الهيكل "المستر جار"مدير آثار حكومة فلسطين سابقًا، والمستر اشي الذي اشتغل في حكومة فلسطين أربع سنوات وهو من أكبر المعماريين الثقات، فزعم اليهود أن الجدار يعد باقية من الهيكل ساقط أساسًا لأن علم الآثار والمعمارية ينفيانه نفيًا باتًا".
- ولعنان موقف آخر من الشريعة الإسلامية يهاجم فيها موقفها من المرأة (الثقافة - ٧ يوليو ١٩٥٢) حيث يقول تحت عنوان: "المرأة والحقوق الدستورية": "لا محل للاحتكام بشأنها إلى الدين. تقول الحقيقة أن هذا الاتجاه خاطئ من أساسه ولا محل له على الإطلاق، إن تنحية الدين أساس في هذا الموضوع سواء لتوكيد التحريم أو الإباحة، وإذا كانت مصر دولة إسلامية فليس معنى هذا أنها دولة دينية، أو أنها دولة تطبق أحكام الدين في سائر النواحي. فالنظم الأساسية والقوانين المدنية والجنائية المصرية كلها نظم وقوانين تطبعها الصفة الأوربية، ولا يطبق في مصر شيء من أحكام الشريعة الإسلامية في العبادات والمعاملات أو الحدود بصورة جبرية، والقضاء الشرعي يعتبر قضاءً استثنائيًا بالنسبة للقضاء الوطني العام، ويصل من هذه السموم والمغالطات كلها إلى أن يقول: لا محل لأن يحتل الدين حكمًا في مسائل لا.  علاقة لها بالدين ولا يمسّ العقيدة، ولا محل إذًا لنرجع بمطالب المرأة السياسية والاجتماعية لأحكام الدين".
ولا ريب أن رأي عنان هذا فاسد على إطلاقه؛ فإن الإسلام ليس دينا بالمعنى اللاهوتي، ولكنه نظام مجتمع ومنهج حياة، ولذلك كان له حق تنظيم العلاقات الاجتماعية وخاصة مما يتعلق بالمرأة والأسرة" (١).



* الشّعوبي حسين فوزي، غالٍ من غلاة التبعية للحضارة الغربية:
اتسع نطاق دعوة حسين فوزي إلى تغريب الفكر الإسلامي حين أفسحت الأهرام للشعوبيين الثلاثة (توفيق الحكيم - لويس عوض - حسين فوزي) (١٩٦٠ - ١٩٧٠) المجال ومجمل دعوته التي ردّدها أكثر من ٤٠ عامًا هي على الوجه الآتي كما لخّصها لمجلة الآداب (أبريل ١٩٦٢): "درجت على حب الغرب والإيمان بحضارة الغرب، واستحال الحب والإعجاب إيمانًا بكل ما هو غربي. لم يعتور إيماني ضعف بضرورة الحياة الغربية حتى وأنا أرى الحضارة تهددها الفاشية والنازية، وتكاد تتردى بها إلى هاوية الفناء والعدم، أغلب الناس لا يرون في حضارة الغرب إلا صورتها المادية (الراديو-الثلاجات-التليفزيون) مع أن الحضارة الغربية في أساسها فكر وفن وفلسفة وعلم، وهذا ما يعنيني من الحضارات. من الخطأ أن نأخذ إنتاج الحضارة دون أن نتشرب أساسها.
وسمة الحضارة الغربية أن العقل فيها مطلق، هذه السمة أفضل تسميتها الفكر الحر، لست أقول: إن الحضارة الغربية بلغت المثل الأعلى الذي نادى به الفلاسفة والمصلحون، ولكني أعجب إعجابًا بظاهرة واحدة في هذه الحضارة هي: الفكر الحر، ومهما كانت الأخطاء التي ارتُكبت فإن فضيلة هذه الحضارة.   .في أنها تملك أداة إصلاح ذاتيه هي (الفكر الحر) وآمل أن نمحو من أذهان النشء هذه المقابلات العميقة بين الشرق والغرب، فليس غير الإنسان وليس ثمة إلا عالم واحد". وحين يتحدث عن الجوانب الروحية في تاريخ مصر يخلط بين مدرسة هليوبوليس ومدرسة الإسكندرية وبين الأزهر الشريف.
ويقول: "لا صلة للعقيدة الدينية بمسائل الأمم". والدكتور حسين فوزي في مفهومه هذا غال من غلاة التبعية للحضارة الغربية، وهو يركز على جانبها الخاص بالفنون والمسارح والموسيقى والرقص، ويرى أن هذه هي الفنون التي تُنقَل إلى البلاد العربية. ويركز على خداع قومه بالدعوة إلى الربط بين الحضارة المادية والفكر الغربي، كأنه يريد من قومه أن يتحولوا إلى غربيين في الفكر، وأن ينصهروا في الغرب؛ وليس أدل على ذلك من إعلانه الكراهية والاحتقار للتراث الإسلامي العربي، ويصف هذه الثقافة بأنها ماتت، ويُتابع طه حسين في الدعوة إلى نقل كل ما تمثله الحضارة (خيرها وشرها، وحلوها ومرّها، وما يُحمد منها وما يُعاب).
- أما قضية الفكر الحرّ فهي قضية تلك الجماعة التي حملت في الغرب لواء المادية والإباحية، وكسرت جميع ضوابط الدين والخُلُق، وكانت تابعة للتلمودية اليهودية التي قادها فولتير وروسو ويدرو ونيتشه وأوجست كونت ثم خلَّفت فرويد ودور كايم وسارتر. ولا ريب أن إيمان هذا الرعيل بالتبعية الغربية واضح وعميق، فهم يكرهون الإسلام والعربية والتراث والتاريخ الإسلامي ويزدرونه، وهم في هذا على خط واحد مع طه حسين وسلامة موسى وزكي نجيب محمود" (١).
- يذهب الدكتور حسين فوزي إلى أبعد حد في العنف والقسوة في.   .مهاجمة الثقافة العربية فيقول. "ماتت الثقافة العربية عبر القرون الوسطى وانطفأ نورها كما ينطفئ السراج الذي نضب زيته وأُحرِقت زبالته وانكسر إناؤها أيضًا، وذهب غبارها مع الثقافات الأخرى التي عُرفت في أوربا فيما بين انحلال الإمبراطورية الرومانية وعصر الرنيسانس ولا قيمة للثقافة العربية عندي أكثر من أنها لعبت دور انتقال في العصور الوسطى فكانت مستودعًا لبعض مظاهر تفكير اليونان فيما قبل عصر إحياء العلوم" (١).
- ويكذب حسين فوزي حين يرى أن شئون الزينة تتصل بالعادات والتقاليد بينما هي في الحقيقة من أصول الأخلاق. وكتب في الأهرام ٢١/ ٨/١٩٦٤ عن مُوَدة الصدر المكشوف، ويفيض في هذا الحديث ويحسنه ويغري به كل قارئ (٢).



* الدكتور أحمد زكي أبو شادي زعيم جماعة أبوللو والفجور:
رحم الله مصطفى صادق الرافعي القائل عن حركة التجديد الأدبي أنها: "فساد اجتماعي، لا يدري أهله أنهم يضربون به الذلة على الأمة" (٣).
في أوائل العقد الرابع أنشأ أحمد زكي أبو شادي أحد فرسان التجديد الأدبي - "جماعة أبوللو"، كحركة "تجديد في الشعر العربي"، وأصدر مجلة تحمل اسم الجماعة نفسه، وجذب إليه العدد من المواهب الأدبية في مصر والبلاد العربية الأخرى، وخاصة من الشباب.
ولقد اشتد نزاع النقاد في مناقشة التجديدات التي أدخلها أبو شادي على "عمود الشعر العربي"، ولكن أحدًا منهم -مع الأسف- لم يفسر لنا،.  .ما هي صلة القوافي وعَرُوض الخليل بن أحمد، بالصور العارية، والمناظر الجنسية المثيرة التي كان ينشرها الدكتور أبو شادي بجوار قصائده في مجلة "أبوللو"؟ (١).
فقد درج أبو شادي على نشر قصائدة في "أبوللو"وبجوارها صورة عارية ومثيرة، مثل قصيدة "في الحمّام"التي نشر أمامها صورة مثيرة لفتاة عارية، وكتب تحتها "في الحمّام"، وقد قلّده بعض تلاميذه مثل: إسماعيل سري الدهشان، الذي نشر قصيدة "الصائدة المتجردة"، وأمامها صورة امرأة عارية تصطاد في البحر.
لقد جمع أبو شادي حوله جيلاً من الشباب العربي وأرضعهم لبان "تجديده"، الأدبي، فلنستمع -إذن- إلى واحد من هؤلاء الشباب ذلكم هو الشاعر التونسي الثائر أبو القاسم الشابي يطالعنا برسالة يزدري فيها الأدب العربي ويتحدى:
نبئوني يا سادة: هل تجدون في العربية من يستطيع أن يحدثكم عن تلك العواطف العنيفة، التي تهز الحياة هزًّا؟ كلا -خبروني يا سادة أي شاعر عربي يستطيع أن يحدثكم عن نشوة الحب، وسكرة العواطف، ومعنى الأمومة ورحاب الأمل، أو يريكم هجسات القلوب وخلجاتها؟ -كلا-، ولكنكم واجدوه وأكثر منه- عند آداب الأمم الأخرى" (٢).
- يقول الماركسي أحمد زكي أبو شادي الذي ألّف كتاب "ثورة الإسلام"في كتابه هذا (ص ٢٥): 
"وهذه سنن ابن ماجه والبخاري وجميع كتب الحديث والسنة طافحة بأحاديث وأخبار لا يمكن أن يقبل صحتها العاقل ولا نرى نسبتها إلى الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، إذ أغلبها يدعو إلى السخرية بالإسلام والمسلمين والنبي الأعظم".
ويقول أيضًا متشدقًا بحب المستشرقين أعداء الإسلام: "ومع أن علم أولئك المستشرقين كعلم المستنيرين من المسلمين، بأن الجمهرة من الأحاديث النبوية مختلفة اختلاف الإسناد نفسه، الذي لم يكن معروفًا في فجر الإسلام، فإن حظهم هو التعلق بكل سخيف حقير منها، للتدليل على سخافة الإسلام وحقارته يساندهم في ذلك من طريق غير مباشر جهلة الكتاب المسلمين" (١).



* لويس عوض الكاره الكريه .. الكاره للإسلام والعروبة والعربية، الممجِّد للاحتلال الفرنسي الصليبي والخونة الصليبيين وكبيرهم الجنرال المعلم يعقوب:
نعم هو الكاره الكريه .. الكاره للإسلام ولكل ما يمت إلى الإسلام بصلة .. كاره لطهارة الإسلام وطهره مثلما قال الله تعالى عن قوم لوط: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: ٥٦] .. فلا عجب أن يفضحه الله، فيخط لويس بقلمه فجوره ودنسه وشربه للخمر وممارسته للزنا بانتظام، وحديثه الكثير عن الشذوذ الجنسي دون استنكار.
- يقول لويس عوض: "ومن ملذاتي أني كنت أشرب كل شهر زجاجة. نبيذ أحمر قبرصي كانت تكلفني أقل من خمسة قروش، أو زجاجتيْ بيرة تكلفاني خمس أو ست (كذا!! ) قروش .. " (١) ويعد هذا من ملذاته البريئة (!! ) (٢).
ويعترف القذر بممارسته للزنا وبطريقة منتظمة "أوراق العمر" (ص ٣٣٨) وما بعدها، (٣٤٠)، وما بعدها ويحلم بحل المشكلة الجنسية في مصر على الطريقة الأوربية (ص ٥٥٢)، وفي سياق دعوة لويس إلى الإباحية الغربية، نراه يشيد باليهود وموقفهم من المرأة الزانية فيعلق على حَمْل الفتاة اليهودية "أستير"من أحد سكّان منزلها وإنجابها طفلة زنا، وقبول أسرتها للأمر الواقع ويقول: "إن هذا القبول سلوك في غاية التمدن" (٣)!!!
- وإلحاح لويس على الحديث عن الشذوذ الجنسي في سيرته الذاتية وبعض كتبه الأخرى دون أن يبدي رأيًا معاديًا، بل يبدو كأنه يراه أمرًا مشروعًا لا غبار عليه (٤)، وأن "ليوناردو دافنشي، وشكسبير وتشايكوفسكي وهمرشلد وهربرت فون كاربان، وربما سقراط وأفلاطون من بينهم (٥) ويبدو أنه يريد أن يبلغنا رسالة فحواها أن المشاهير في الماضي والحاضر -وبالتالي في المستقبل- لا بد أن يكونوا شواذًا أو مرحين وفق المصطلح الإعلامي السائد (٦).
- ولقد تأثر لويس في مرحلته الجامعية بثلاثة من أساتذته الإنجليز وهم    كريستوفر سكيف وإيرفينج وفيرنس مضافًا إليهم دافيس الأعرج وبيفن .. رجال معروفون بأحقادهم الصليبية وبأعمالهم في المخابرات البريطانية (١).



* أما سلامة موسى فهو صانعه ومعلمه ووالده الروحي:
وقد طبق أفكاره وتصوراته في القضايا الفكرية والأدبية التي عالجها وناقشها ويشير لويس عوض إلى دور سلامة موسى الخطير في حياته فيقول: "وضع سلامة موسى أمام أبناء جيلنا أكثر القضايا العلمية والفلسفية الاجتماعية والاقتصادية التي كانت ولا تزال مصدر البحث الإنساني في كل بلاد التحضر، وربطنا بتيارات الفكر العالمي الحي فجعلنا نحس بأننا أحياء (٢).
ويشيد بسلامة موسى وبلاغته المزعومة، وحملته على البلاغة العربية (! ) ثم يكمل كلامه قائلا: "فقولوا هذا الذى رحل كان رائدًا شامخًا، وكان محطم أوثان، ولن تخطئوا في شيء، فهذا ما سيقوله التاريخ" (٣).
"وعلى المستوى الشخصي يكشف لويس عن طبيعة تأثير سلامة موسى المباشر عليه، فيقول: "وقاد سلامة موسى خطاي نحو الاشتراكية" (٤)، ويقول: "وعلى الجملة فقد نمت فيّ عقلية المفكر الاجتماعي التي كان سلامة موسى يغذيها في نفسي بمؤلفاته وبالمجلة الجديدة" (٥).
ويصفه لويس عوض بأنه كان صريحًا في اشتراكيته، صريحًا في.  .. .زندقته، ويرى أنه كان مسيحيًّا بالميلاد فقط، وكان يضع جميع أديان التوحيد في سلة واحدة، وكان ينظر إلى الأيان التوحيدية والوثنية نظره إلى ظواهر أنثروبولوجية، أي مجرد فولكلور راق، وكان من دراويش مصر القديمة، دائم الدعوة للاهتمام بدراسة حضارة مصر الفرعونية، و"كان عنده شموخ القبطي المتمسك بأصلابه الفرعونية حضارة وأمجادًا" (١).
ويبدو أن لويس قد استقى التناقض في تفكيره أساسًا من التناقض الذي يمثله سلامة موسى (الاشتراكي، الزنديق، المثقف المسيحي، اللاديني، الفرعوني، القبطي) ويبدو أنه ورث عنه تلك الكراهية العميقة للإسلام وكل ما يتعلق به، مع التعبير عن هذه الكراهية بمصطلحات مراوغة مثل الرجعية والسلفية والمحافظة والخلفية التاريخية والشرق والجمود والتخلف والغوغاء والسوقة .. إلخ وهي مصطلحات تتردد بكثرة في كتاباتهما.
انظر إلى لويس عوض هذا الإباحي القذر ينشر بعض شعره في مجلة "حوار"اللبنانية جاء فيها على لسان السيدة مريم البتول أم المسيح عليه السلام:
رميتُ عليه طلَّسْمي لأُنقذَه من البدَد
نصبت له فخاخ الحب في الأبعاد والرمد
فذاق العقل طعم الحب من ثغري ومن جسدي
وأخصبني بآلته فذقت حلاوة الوتد!!
وقد علّق عليها عباس خضر ووصفها بالقمامة القذرة (٢).
.إن الروح الصليبية تشكل الفرع الأول في الإطار المرجعي لدى لويس عوض، وكذا الماركسية، وهو بحق رسول الصليبية الحديثة والماركسية إلى الأمة العربية، فحمل إليها العدوانية على الإسلامية، وبشر فيها بالتبعية للغرب، وبث فيها الكثير من السموم والأحزان قاتله الله.
 
* إِلى أصحاب الفكر المستنير التقدمي من تلامذة لويس عوض:
يا من قلتم عنه أنه "لويس عوض المعلم العاشر" (١).
أو أن التاريخ سيذكر لويس عوض في صفحات ناصعة لفكره الناقد وبحثه الدائب عن الحقيقة كما يقول "شريف الشوباشي" (٢).
هل من المقبول عندكم أيها التنويريون التقدميون أعداء الظلاميين أن يصف لويس "أم الكون"بالزنا، وأن البشر كلهم زناة.
فأم الكون زانية، وكل ابن لها زان
غشت ماخور بَعلَزْبُون بين البعد والآن
وهذا الكونُ بالفحشاء من بذرة شيطان (٣)
 
* "المكالمات أو شطحات الصوفي"شعر لويس عوض:
تعالوْا يا معاشر التقدميين إلى عبث لويس بالذات الإلهية عبر المرحلتين المنشورتين من قصيدته "المكالمات"عبثًا لا مسوغّ له، وحديث زندقته الذي لا يحفظ للذات الإلهية قدسيتها وهيبتها بل يشوهها تشويهًا بشعًا حين يضعها في العديد من الصور السوداء وبخاصة في المرحلة الثانية [الناسوت] الذي يبدأ مقطعه الأول هكذا:
.[وقالوا: ربنا واحد، فقلتُ: ليته عَشَرهْ
كمثل زيوس في الأوليمب يحسو الراح في زمرهْ
ويؤنس بعضهم بعضا، وتحلو العزلة المرةْ
وينسوْنا، وننساهم، ويشرب آدمُ خمرهْ]
ويضعه في صورة أخرى لمخلوق يخرّ مصابًا بالشلل في المقطع الرابع:
[وخر الرب مفلوجًا كمعلول بلا علل
تعلّق لطفه في الكون بين الفجر وَالطفَل
فيا غوثاه، إن وقفت إرادته على شلل
أو يضعه في صورة لا تليق بذاته العلية كما يقول في المقطع الخامس علي لسان هابيل:
[رآني الله مذبوحًا كشاةٍ خُضِّبت بدمِ
فما مدّ اليد الطولى لينقذني من العدم]
أو يسند إليه -جلا وعلا- صفات رخيصة يأباها المخلوق السويّ، فيقول في المقطع السادس على لسان نبي الله أيوب:
[أنا أيوب، مشهور بتسبيحي وتقبيحي
ويوم بصقتَ، يا اللهُ، في وجهي وفي روحي
شكرتُ، فزدتني بصقا، وثُرتُ، فزدتَ من قيحي
سألت الغابة العذراء، ثم صرخت في الريح:
لماذا يبصق الرحمن في وجهي وفي روحي؟! ]
ويذكر هذا الكافر أنه أكل الله في خبزه (المقطع الثامن) وشربه في خمره (المقطع التاسع) ويصفه بالصائد الماكر [المقطع العاشر] والعنكبوت [المقطع الأخير] (١).

.* لويس عوض على خطا سلامة موسى يدعو إلى العامية بدلاً من العربية:

زعم سلامة موسى أن اللغة العربية، أو تأخرنا اللغوي من أعظم الأسباب لتأخرنا الاجتماعي! ويهاجم الذين يتمسكون بالعربية ويرى فيهم باعثين للأمس، ويدعو إلى مطلبه الأخطر والأعظم وهو "اتخاذ الخط اللاتيني، يحمل الأمة إلى الأمام مئات السنين، ويكسبها عقلية المتمدنين، ويجعل دراسة العلوم سهلة، وهو خطوة نحو الاتحاد البشري (١).
وعلى خطا أستاذه دعا لويس عوض إلى العامية وقال: "لقد أنتج المصريون في هذه اللغة الشعبية -أي العامية- أدبًا شعبيًا لا بأس به .. ولكن التركيب العبودي الذي اتصف به المجتمع المصري طوال هذه القرون قد صرف انتباه الدارسين إلى الأدب العربي، أدب الخاصة، وجعلهم يهملون الأدب المصري، أدب الشعب، وليس هذا بمستغرب، فالمثقفون في كل جيل يستمدون ثقافتهم من ثقافة السادة المحليّين أو السادة المستعمرين بحسب الحال؛ لأنهم يولدون بأبوابهم" (٢).
ويكفي نظرة إلى كتابه التطبيقي عن العامية "مذكرات طالب بعثة" (٣) لتعرف دجله وكذبه.
- وتحدث لويس عن إعجاز القرآن، وادعى أن الإعجاز وهم وخرافة، وزعم أن الإعجاز يعطي قداسة خاصة أو شرفًا خاصًا للغة العربية التي نزل بها القرآن، وبالتالي يسبغ على العرب أصحاب هذه اللغة امتيازًا خاصًا أو سيادة خاصة بين كافة المسلمين تؤهل العرب دون غيرهم لحكم العالمالإسلامي واستعماره (؟؟ ) كما زعم أن لغة السيف هي التي فرضت على المسلمين أن يقولوا إن لغة القرآن هي معيار الصحة والخطأ، وهذا القول استفز رجاء النقاش -وهو من المقربين للويس- فأعلن رفضه لوجهة نظر لويس وقال: أرفضها كل الرفض جملة وتفصيلاً وهي وجهة النظر التي تقول: إن الحضارة العربية بآدابها وفلسفتها وعلومها ولغتها وعمرانها وكل شيء فيها، ليست حضارة أصيلة، وإنما هي حضارة منقولة عن الغرب" (١).
- "لويس عوض تلميذ سلامة موسى الفرعون الذي دعا إلى ترجمة القرآن إلى اللغة العامية المصرية وحجته كما يقول الأستاذ محسن عبد الحميد في كتابه "اللغة العربية" (ص ١٤): إن كتابا يؤمن به الشعب يجب أن يقرأه بلغته لا بلغةٍ أخرى" (٢).
 
* لويس عوض والثناء على الثورة الفرنسية والحملة الفرنسية على مصر:
ْقام لويس عوض بتزوير التاريخ وتجميل وحشية الحملة الفرنسية على مصر وإسباغ الوطنية على خائن نصراني اسمه "المعلم يعقوب".
- وفي مناسبة مرور مائتي عام على الثورة الفرنسية ١٨٧٩ م، كتب لويس عوض قرابة العشرين مقالاً مطولاً في الأهرام (٣) أشاد فيها بإنجازاتها وشعارها: الحرية، والإخاء، والمساواة فكان لويس -في هذه المقالات- فرنسيًّا أكثر من الفرنسيين، فلقد أبادت هذه الثورة في مذابحها سبع سكان فرنسا (٤).  بيد أن دراويش الثورة الفرنسية في بلادنا يصرون على أنها رمز التنوير والتقدم ويُجهدون أنفسهم في إثبات ذلك.
- ولقد عدّ لويس عوض حملة نابليون على مصر والشام سببًا لدخول مصر إلى العصر الحديث وإقامة الدولة المدنية وبناء نهضتها على أسس علمية عدّها بشير التقدم والتحضر، وسبب النهضة الذي نقل مصر من التخلف إلى التحديث، أما ما اقترفته الحملة من إراقة الدماء والنهب واستباحة المقدسات، واستلاب الحرية والكرامة، فأمر لا يعنيه.
- يقول: "لا مناص من اعتبار حملة نابليون على مصر ١٧٩٨ م وما تلاها من استمرار بين مصر وأوربا عاملاً فاصلاً في تكوّن الأفكار السياسية والاجتماعية بالمعنى الحديث في مصر خاصة وفي العالم العربي بوجه عام" (١).
ثم يشير لويس إلى أن نشأة الفكرة القومية في مصر والعالم العربي، كانت وليدة التأثر بالثورة الفرنسية وحملة نابليون، ويستشهد بما كتبه الأخير وهو في منفاه بسانت هيلانه حول استقلال مصر عن العثمانيين، وتعيين والٍ من أهل البلاد لتستقل وتكون مملكة عربية، ويحدث تغيير عظيم على يد الرجل المنتظر (٢).
- ويصف لويس الحكم التركي المملوكي بالوحشية، وقيامه على نهب خيرات مصر وإذلال أهلها إذلالاً تقشعر لهوله الأبدان (٣).
... .وقد ردّ على لويس عوض الشيخ محمود محمد شاكر في "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"طبع دار الهلال، ومحمد جلال كشك في كتابه "ودخلت الخيل الأزهر".
- وسوف نكتفي بالرد على ديموقراطية نابليون بما قالته الدكتورة "ليلى عنان"في كتابها "الحملة الفرنسية بين الأسطورة والحقيقة".
يقول "دينون"بعد أن يصف بشاعة ما فعله الجند الفرنسيون بالمصريين العزل: "كنا نتباهى بأننا أكثر عدلاً من المماليك، وكنا نقترف كل يوم وبصورة اضطرارية عددًا كبيرًا من المظالم، لصعوبة تمييز أعدائنا بناءً على الشكل واللون، كان يجعلنا نقتل يوميًا فلاّحين أبرياء، كان الجند الذين نرسلهم للاستكشاف، يظنون التجار المساكين من أهل مكة (الذين حضروا لمساعدة المصريين) وقبل أن نصل لنعيد العدل -إذا ما كان هناك وقت للعدل- يكون الجند قد قتلوا اثنين أو ثلاثة، وتكون قافلتهم قد سُلبت أو بُددت، وجمالهم قد تم تبديلها بجمالنا الجريحة".
"وعندما كان الفلاّحون يذعنون لتهديدنا، ويحضرون لدفع الميري، كما يحدث أحيانًا، كنا نظن تجمعهم بسبب كثرتهم عداء لنا، وعصيهم أسلحة، فكان عليهم أن يتحملوا رصاص القناصة، أو الدوريات، قبل أن يشرحوا موقفهم، فكانوا يدفنون موتاهم، ونظل أصدقاء إلى أن تتاح لهم فرصة انتقام أكيد، والحق يُقال: أنهم إذا ما بقوا في منازلهم، ودفعوا الميري، وأوفوا بكل احتياجات الجيش، لوفّر ذلك عليهم مشقة السفر والبقاء في الصحراء. في هذه الحالة كانوا يشاهدون مواردهم تُؤكل بانتظام، فيأكلون نصيبهم ويحتفظون ببعض أبوابهم، ويبيعون البيض للجند، ولا يُغتصب إلا القليل. من نسائهم وبناتهم" (١).
ويقول "برنواييه"وهو يصف اقتحام الجيش الفرنسي لإحدى القرى قرب دمنهور: "عندما رآنا أهل هذا الكَفْر من بعيد لاذوا بالفرار .. فأحرق الجيش كل شيء، يا له من منظر بشع، وقد قضى الحريق على نصف البلدة" (٢).
ولقد تحدثت رسائل برنواييه عن وحشية نابليون ودمويته وحبه لاغتصاب النساء المصريات الأبكار قبل جنوده.
- يقول نابليون. "في استطاعتي محاسبة كل واحد منكم على مشاعره الدفينة في قلبه، لأنني عليم بكل شيء، حتى بما لا تبوحون به لأحد، ولكن سيجيء اليوم الذي سيرى فيه العالم أن كل المجهودات البشرية لا تستطيع فعل شيء ضدي" (٣).
هذا هو نابليون فليخسأ لويس عوض .. أما الخائن يعقوب فسنفرد له ترجمة خاصة به.
 
* لويس عوض الكاره للإِسلام:
لقد أصر القزم لويس عوض على استبعاد الإسلام من الواقع والحياة العملية ولقد دعا في غمرة كفاحه ضد ما يسميه إسلامية مصر أو ما يسمّيه بالرجعية إلى "دين قومي"أو دين مشترك يجمع بين المسلمين واليهود والنصارى له وجه مسيحي يقول:
."لي الغفران إن أشهرت إسلامي وتهويدي
بلا حب ولا صلب، ولا خمر وتعميد" (١).
وحاول قدر طاقته إبعاد الإسلام عن مجال التعليم وشن حملة شعواء على حلمي مراد وزير التعليم حين جعل مادة التربية الدينية مادة رسوب ونجاح ووصف سلوك حلمي مراد بأنه تملّق للسوقية والغوغاء (٢)، ويقول عن هذه الحصة: أنها اغتصاب لعقول النشء.
- وهو يعارض تطبيق الشريعة الإسلامية ويشيد بالمستنيرين الذي يعارضون تطبيقها (٣).
- وهذا الكاره الكريه كان له موقف معادِ من الخلافة عامة، ومن الدولة العثمانية خاصة، ويشيد بمعارضة الأحرار الدستوريين للخلافة لأن "موقفهم من الخلافة كان من أمجد المواقف التي عرفها تاريخ مصر الحديث ومن أكثرها استنارة وثقافة وتحديًا للحكم المطلق باسم الدولة الدينية منذ رفاعة الطهطاوي " (٤).
 
* لويس عوض ودعوته إِلى الفرعونية:
هذا الكريه كان رافضًا للعرب والوحدة العربية والانتماء العربي مستعيضًا عن كل ما يكرهه بفكرة القومية المصرية يقول: "أنا أتكلم عن القومية المصرية بوصفها شيئًا مختلفًا ومستقلاً عن القومية العربية التي لا أفهمها خارج الجزيرة العربية" (٥).
.- وهو كاره للبدو والأقوام البدوية هم العرب فيقول: "كنت لا أحب البدو ولا أخالطهم، بل كنت أكنّ احتقارا شديدًا لكل الأقوام البدوية، وأتصورها معادية للحضارة، بنت الزراعة، والصناعة والاستقرار، وكنت أراها عقيمة عقم الصحراء" (١).
ويقول: "وكان من محفوظاتي في القرآن أن الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا، وكان كل العرب عندي أعرابًا" (٢).
- قاتلك الله من قزم مزوِّر أغرق في احتقار العرب حَمَلة الإسلام، وقال: "العروبة العرقية لون من ألوان النازية (٣).
لقد رفض الوحدة العربية وسوغّ فصل السودان عن مصر.
- إن لويس عوض أسير فكرته الحانقة على الانتماء العربي الإسلامي، وأسير تعصبه الطائفي المقيت، وأسير روحه المنتمية إلى العالم الصليبي بكل ما فيه من عنصرية وعدوانية ووحشية واحتقار عظيم للعرب والمسلمين.
وجزى الله خيرا كل قلم إسلامي طاهر فضح هذا الكريه - ولعلّ آخر الأقلام المتوضئة ردا على هذا القزم هو قلم الدكتور حلمي القاعود في كتابه عن لويس والذي سمّاه "لويس عوض .. الأسطورة .. والحقيقة"طبع دار الاعتصام.
- يقول الأستاذ أنور الجندي: سجلت صفحات الدكتور لويس عوض أحقادًا وسمومًا بالغة الخطر عميقة الأثر:
أولاً: من أخطرها حملته على اللغة العربية الفصحى ودعاواه الكاذبة في مواجهتها كراهية للإسلام والقرآن، وقد كان من أخطرها كتابه "مدخل إلى فقه اللغة العربية"التي حاول فيه الأدعاء بأن العرب جاءت من القوقاز، وأن اللغة العربية لغة آرية ليس لها أي تميز خاص وقد خاض في شبهات حول الإعجاز القرآني وغيره على نحو مضلل.
ثانيًا: موقفه من الشعر العربي وهجومه على الأصالة واحتضانه لشعراء التفعيلة من أمثال: صلاح عبد الصبور وأدونيس والسياب وغيرهم ودعوته إلى تحطيم عمود الشعر وكسر بلاغة اللغة العربية، وهي دعوى قديمة ما زال يرددها ويجددها.
ثالثًا: مواقفه المتعددة من التراث الإسلامي والفكر الإسلامي وهي مواقف توحي بالشبهة في سلامة البحث وعلميته، والالتجاء إلى أفكار المستشرقين ومتابعتهم وكراهية أمة العرب والإسلام، والتي تكشف عن أحقاد دفينة.
وقد واجهه كثير من المفكرين وكشفوا زيفه، وفي مقدمتهم الأستاذ محمود محمد شاكر في كتابه "أسمار وأباطيل" (١).



* قبحك الله من جاهل .. :
يا ناطح الجبل العالي لتكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
محاولة حقيرة من هذا القزم للتشكيك في القرآن الكريم تحمل في طياتها جهل وتجهيل باللغة العربية وافتراء على التاريخ وتهجم على الفكر الإسلامي وخلط عجيب.   انظر إلى كتابه "مقدمة في فقه اللغة"يبلغ عدد صفحاته ٦٠٠ صفحة.
وانظر إلى الكشف العجيب البديع للجاهل لويس حيث يقرر أن العدد (٣) في العربية مأخوذ من جذر هندي أوربي وهو في المصرية القديمة من جذر غير هندي، وأن ثلاثة المصرية القديمة هي"خمت"و"خمت المصرية"
تساوي "صمد "العربية.
ثم يصل إلى القول بأن كلمة (صمد) في العربية وهي من الأسماء الحسنى كلمة محيرة؛ لأنها مادة جامده لم تشتق من فعل ولم يشتق منها فعل وهى غامضة المعنى، نادرة الاستعمال، وأشهر استعمال لها في الصمدية ولهذا ربط المفسرون معناها دائمًا بتوكيد التوحيد وإنكار التثليث في مفهوم الصمدانية.
- وهكذا حكم الدكتور على كلمة صمد بأنها تساوي كلمة (خمت) المصرية التي تعني (٣) ثم يتساءل كيف يصف القرآن الكريم بها الله سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ} إذا كيف تكون الكلمة تعني ثلاثة أو ثالوث ويقول الله سبحانه أنها تعني التوحيد المؤكد (١).
وخطأ الدكتور بين الربط بين كلمة (خمت) المصرية وكلمة (صمد)
حيث لا يوجد بينهما أي تشابه. ولم يقدم دليلاً واحدًا مقنعًا للربط بينهما
يقوم على سند صحيح، وإنما هو الهوى. وقوله: بأن الكلمة جامدة يكذبه "لسان العرب"أو أي معجم يصرح بأن (صمده ويصمده صمدًا وصمد إليه كلاهما قصده، وصمد صمدًا لأمر قصد قصده، وصمد رأسه تصميدًا إذا لفّ رأسه بخرقة أو ثوب أو منديل، وأصمد إليه الأمر أسنده، والصمد بالتحريك السيد المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر).
- يقول الدكتور إبراهيم عوضين: "والدكتور تجاهل سياق سورة الإخلاص فلا يعرف أن السياق يؤكد هذا المعنى إذ تقول السورة: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} فوصف الله تعالى بالأحدية يعني أنه غير متجزئ، وليس كما يتوهم، عدم التعدد.
أما إذا كان الدكتور يعلم ذلك فإننا نكون في صراحة أمام طعن في القرآن الكريم وأحكامه لأنه والحال هكذا يعني أن الآية الأولى من السورة تناقض الآية الثانية منه بزعمه.
* الهجوم على لغة القرآن:
في مواجهة اللغة العربية: (لغة القرآن) رأينا الحملات الشرسة توجه دون كلل للنيل من أصالة هذه اللغة وصمودها.
وقد اتخذ الهجوم ثلاثة محاور:
الأول: قاده سلامة موسى وأمثاله من التغربيين وقد دعوا إلى طرح الحروف العربية جانبًا واتخاذ الحروف اللاتينية بديلاً وروج أصحاب هذا الاتجاه للزعم القائل بأن اللغة العربية جامدة وخمودها سبب من أسباب تخلف العرب ونسوا أن أصحاب الحروف اللاتينية لم تشفع لهم حروفهم اللاتينية يوم أن كانوا متخلفين.
الثاني: أما المحور الثاني فقد حمل ألويته بعض تلامذة الغرب الذين رباهم على فكره وسوَّل لهم الباطل فرأوه حسنا، ولهذا فقد شجعوا العامية لغة خطاب ولغة كتابة وساعدهم على ذلك تقدم وسائل الأعلام التي تبنت هذه القضية.

الثالث: المحور الثالث الشرس نجده يظهر في حملة التشكيك في أصل.  اللغة العربية وفي القرآن ثم في أصل العرب ذاتهم، وهذا ما نجده في كتاب الدكتور لويس عوض (مقدمة في فقه اللغة العربية).

* وأهم أباطيله أثنان:
١ - أن العرب بصفة خاصة والساميين بصفة عامة منذ فجر التاريخ كانوا يقطنون مكانا آخر غير الجزيرة العربية، وأن الجزيرة العربية لم تكن مهدهم الأول، بل قدموا لها من مكان آخر. وأنه لا يوجد جنس يُسمى بالساميين إلا في إطار الشجرة العامة الهندية الأوربية.
٢ - لم يهاجر السكان العرب من داخل شبه الجزيرة بل على العكس كانت الهجرة من خارج الجزيرة إلى داخلها.
ويتجاهل الدكتور لويس البراهين التاريخية وما يؤكده التاريخ من أن الهجرات السامية خرجت من الجزيرة العربية لأسباب اقتصادية ومناخية، ودلائل التاريخ كلها تشير إلى أن بابل وآشور وكنعان ومصر والحبشة كانت كلها هدفًا لغارات من أقوام قدموا إليها من الجزيرة العربية ومع هذه الأدلة القاطعة نجد لويس عوض يصر على تجاهل الحقيقة ليجعل من العرب ولغتهم كمًّا مهملاً في عرف التاريخ.
كذلك فقد ساق الدكتور عبد الغفار حامد أدلة علمية يثبت بها أن اللغات السامية ذات طريقة خاصة تختلف في جوهرها عن اللغات الهندية الأوربية التي يزعم لويس أن العربية جزءَّاً منها أو نتاج للتعامل بها.
- ويكشف دكتور لويس عن حقيقة نواياه فيقول:

إن نظرية التعصب للغة العربية يجعلها لا تقبل الألفاظ الدخيلة وهو السبب في دخول العربية في مأزق شطرها إلى لغتين: لغة الكتاب المقدسة ولغة الكلام الدارجة، ولو أننا أخذنا بمبدأ التعريب والامتصاص والتمثيل.  اللغوي السائد في جميع اللغات لتغيرت حال معاجمنا ولجرت قوانين الصيرورة على النحو العربي والصرف العربي بما يقرب اللغة الفصحى من اللغة العامية.

نعم هذا ما يريده لويس عوض للعربية لغة القرآن: يريد لها الفناء بالانصهار مع الزمن في غيرها ليصير القرآن أبعد عن التأثير في حياة المؤمن، وهذا شبيه بما عرف من أن اليازجي كان قد شرع في تصحيح لغة الإنجيل مما يشوبها من ركاكة إلا أنهم أشاروا عليه بالكف عن ذلك حتى لا يكون فيه تدعيم للعبارة القرآنية أو لغة القرآن، ويأتي لويس عوض هنا ليهدم العبارة القرآنية بالمكر والدهاء فهو يتمنى أن يرى اللغة العملاقة التي صرعت غيرها صريعة قلمه الواهي ولكن أنَّى له ولأمثاله ذلك.
- ثم يقول الأستاذ أنور الجندي:

ْإن لويس عوض يرى أن اللغة اللاتينية نوعت إلى لهجات هي الفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية وقد تحولت هذه اللهجات إلى لغات وأن اللغة العربية مثل اللغة اللاتينية، وإن لهجاتها العامية يمكن أن تتحول إلى لغات منفصلة تمامًا عن الأصل. قال لويس عوض بهذا الرأي وما يزال يصر عليه ويعمل له، وقد نادى به في مقدمة ديوانه بلوتولاند سنة ١٩٤٧ وعاد إلى هذا إلى الرأي عام ١٩٧٨ في مقال بجريدة الأهرام (١١ مايو ١٩٧٨) حتى يكرر في هذا المقال بكل تحديد ووضوح أن اللهجات العامية تشبه اللهجات اللاتينية التي كانت منتشرة في أوربا قبل خمسمائة سنة، وهو يدعو إلى أن تتحول اللهجات العامية إلى لغات مستعمله، وهو رأي مصر عليه ينادي به في كل مناسبة، وقد عاد إلى هذا الرأي في كتابه "مقدمة في فقه اللغة العربية - الصادر ١٩٨٠ فالفكرة التي تسري في الكتاب هي فكرة التشابه بين اللاتينية والعربية واستقلال اللهجات العربية الأخرى عن أصلها، .وفي محاولة واسعة للتشكيك في مكانة اللغة العربية العلمية، وهو يحاول أن يفصل بين اللغة العربية والإسلام وبين اللغة العربية والعروبة وأنه من الممكن أن يكون هناك متعلمون بالعربية لعدة أجيال مثل المصريين ولا يكون لهم شأن بالعرب والإسلام، ويرى لويس عوض أنه كتابته باللغة العربية العلمية هو خيانة لعهده الذي أخذه على نفسه بين أشجار الدردار عند الشلال في كمبردج" (١).

- يقول الأستاذ أنور الجندي في "جيال العمالقة" (ص ٢٧٨ - ٢٧٩):
"ما هو الحجم الحقيقي للدكتور لويس عوض، وهل أصبح حقًّا من الأساتذة الكبار بالرغم من مرور الأعوام الطوال، لا أظن أنه أبدع شيئًا مهمًا أو حصل علمًا نافعًا أو اكتسب خبرة أو صقلته الأيام.
وإذا كانت نبرة لويس عوض هادئة باردة فليس لأنه لا ينفعل أو لا يتعصب ولكن لأنه تمرس على القتل العمد فالهدوء ليس اتزانًا وإنما هو احتراف للظلم، وما درج عليه من براعة في صناعة السموم ولم ينس محاوروه أن يسخروا منه في إصدار الأحكام العامة دون معرفة أو علم أو شك أن يسدد إلى قلبه سهمًا نافذًا لولا أنه اكتفى بأن يسكب على وجهه وثيابه زجاجة من الحبر الأسود وقد أقحم نفسه في أشياء كثيرة لا يجيدها:
١ - حاول الشعر في مطلع حياته وبشر بموت الشعر العربي وطالب بكسر عمود البلاغة العربية ولم يمت الشعر العربي ولم تتحطم أعمدة البلاغة العربية، ولكن شعر الدكتور لويس عوض هو الذي مات وبادت نظريته في أحياء البلاغة العامية وتهشم عمودها.
٢ - وحاول أن يكون مؤرخًا مع أنه لم يتخصص في التاريخ ففشل. فشلاً ذريعًا وكثرت سقطاته وتضاعفت عثراته ويكفي أنه أشاد ببعض الخونة والجواسيس الذين تعاونوا مع الحملة الفرنسية ضد أبناء وطنهم من أمثال المعلم يعقوب ورفعهم إلى مصاف الأبطال.
٣ - حاول دراسة الأدب العربي فما استقام له منهج وما حقق شيئًا في هذا المجال ودليل فشله تحقق بشكل واضح في دراسته (على هامش الغفران) -الأهرام في الستينات- وقد حركت هذه المقالات قلم الأستاذ محمود محمد شاكر فعلق على الموضوع في مقالات متعددة صارت فيما بعد كتابا في جزئين بعنوان "أباطيل وأسمار"وهو من أهم الكتب التي صدرت في تاريخنا الحديث تحقيقًا وتأصيلاً للمنهج العلمي في الدراسة الأدبية إلى جانب ما فيه من متعة فنية وجمال في العرض ودفاع عن تاريخنا ومقومات حضارتنا وسيظل هذا الكتاب العظيم دليلاً عميقًا على أن الدكتور لويس عوض في حجم البعوضة وأن الهالة التي منحتها له ظروف الحياة في عقد الستينات؛ عقد الهزيمة اللعين، لا تساوي جناح تلك البعوضة بل سيظل هذا الكتاب صحيفة سوابق أدبية للدكتور لويس تحمل بين طياتها سطورًا كثيرة تهدر كل قيمة علمية أو أدبية له ويكفي أن محمود محمد شاكر قد ضبط لويس عوض متلبسًا بعدم معرفة قراءة الشعر العربي.
والذي يقرأ كتاب "أباطيل وأسمار"يعرف الدكتور لويس عوض تمامًا ويحدد بدون عناء مكانته العلمية وقيمته الأدبية.
- ونختم هذه الترجمة العفنة بكلام للأستاذ عبد العزيز الدسوقي والأستاذ شاكر مصطفى.
- يقول الأستاذ عبد العزيز الدسوقي:
"إن أي كلام يكتبه الدكتور عوض لا تأثير له وليست له أية قيمة وأنه قد سقط من غرابيل المعري منذ ارتكب تأليف كتابه "على هامش الغفران".  - ويقول الأستاذ شاكر مصطفى:
"ترى ما الرأي لو جاء باحث بعد قرن من الزمان فنظر في التقارير الأمنية عن الدكتور لويس عوض فوجد أنها خليط شيوعي أمريكي فاتهمه بالذبذبة، والتلون، ونظر في تراثه الفكري فوجد فيه ريح الطائفية فرماه بالباطنية والنفاق وفي تراثه السياسي فوجده متصلاً بأمريكا وإنجلترا فدمغه بالعمالة وكتب عنه فتحدث عن أسطورة لويس عوض وأن له دورا كان يؤديه لحساب مجهول، وإن له ماضيًا مريبًا وتعاونًا كاملاً مع جهة ما وأنه مزدوج الشخصية أو مثلثها أو مربعها حسب الظروف وأن مواقفه وتحركاته جملة من المتناقضات كل ذلك بوثائق أمريكية وإنجليزية وفرنسية" (١).
 
* اليساري محمد مندور رئيس تحرير مجلة "الشرق "الشيوعية ودعوته إِلى فصل الدين عن الدولة في مقاله "الدين والتشريع"وصداقته الحميمة للويس عوض:
كتب محمد مندور اليساري مقالاً بعنوان "الدين والتشريع"عام ١٩٤٤ في جريدة "المصري"التي كان يعمل بها، دعا فيه صراحة إلى فصل الدين عن الدولة، وضرورة سن القوانين الوضعية التي لا ترتبط بالشريعة الإسلامية، ولكن الجريدة رفضت نشره ويعلق لويس عوض على دعوة مندور قائلاً: "وواضح أن هذا الكلام الذي نشره مندور في ١٩٤٤ مؤسس على ذلك الركن الركين في الفلسفة الديمقراطية الليبرالية وهو فصل الدين عن الدولة، وإقامة فقه دستوري وفقه تشريعي على أساس وضعي بدلاً من الأساس الثيوقراطي الذي كانت تقوم عليه المجتمعات الإقطاعية  فى مر العصور. .الوسطى" (١).
لقد كان مندور صريحًا في تطلعاته وتصوراته فهو رجل يساري لم ينكر ذلك، وانتهى به المطاف إلى أن يكون رئيسًا لتحرير مجلة "الشرق"التي تصدرها سفارة موسكو في القاهرة، وتعبّر عن الفكر الشيوعي الذي يرّوج له الاتحاد السوفيتي (قبل سقوطه مؤخرًا) .. ولذا فعندما أعلن مندور رفضه للشريعة أو الإسلام فهو متسق مع نفسه .. ونحن نرفضه ونرفض فكره جميعًا.
لقد كان مندور صديقًا حميمًا للويس عوض شاركه فكره وتصوراته وزامله فترة طويلة من العمر في داخل البلاد وخارجها. وكان لويس عوض يشبهه بآخيل في مملكة الربة أثينا، بينما يشبه نفسه بأجاكس، وقد ذهبا معًا إلى أثينا لتصنع لهما دروعًا كي يحاصر طروادة مدينة الموت ذات الأبراج السوداء والأسوار العالية (٢).
والرمز في هذه المرثية لا يخفى على من يتابع كتابات لويس، وغاياته الفكرية والأدبية، وقد كشف عنها على مدى المرثية حينما تحدث عن الرجعية وأعداء الموت وأنصار الحياة.
لقد اتخذ لويس عوض من موت محمد مندور الشيوعي فرصة للهجوم وهجاء الإسلام والمسلمين الرجعيين حيث شبه مصر المسلمة بطروادة مدينة الموت ذات الأبراج السوداء والأسوار العالية .. ويقول كلامًا عن محمد مندور يبين خطر محمد مندور وعمله المستمر ضد الإسلام .. يقول لويس عوض في رثاء مندور:
"هي الرجعية يا صاحبي، وهذه الرجعية هي التي قضى محمد مندور.  شبابه ورجولته في حصارها، فمذ أن عرفته في باريس في الحادي والعشرين من أكتوبر ١٩٣٧ حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في ١٩ مايو ١٩٦٥ لم يكن لمحمد مندور من همّ في الحياة غير محاربة الرجعية في كل صورة من صورها: رجعية الفكر، ورجعية السياسة، ورجعية المال، ورجعية النظم الاجتماعية، فتاريخ محمد مندور إذن ليس إلا فصلاً كبيرًا في كتاب الحرية العظيم في بلادنا، كتاب الحياة الجديدة الذي وضع فاتحته رفاعة الطهطاوي، وسطر أبوابه محمد عبده (!!! ) وقاسم أمين ولطفي السيد وطه حسين وسلامة موسى وعلي عبد الرازق، ومن حولهم كوكبة عظيمة من أعداء الموت وأنصار الحياة" (١).
والدكتور مندور تلميذ مخلص لليونان وعاشق لفنهم، وعارف بحضارتهم ومتحدث في صفحات كبار عن الالياذة والأوديسا ووثنيات اليونان وآلهتهم الزور.
"وقد حاول لويس عوض أن يرسم صورة مضللة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية فأعطى قيادتها الأدبية لثلاثة "محمد مندور ونجيب محفوظ ولويس عوض"مدعيًا أن هؤلاء الثلاثة هم الذين وضعوا بذور النهضة والتقدم خلفًا للمدرسة التي خرجت طه حسين وسلامة موسى ومحمود عزمي وأنهم كانوا النور المضيء في ظلمات هذه المرحلة.
- وقد ردت الدكتورة بنت الشاطئ على لويس عوض فقالت:
إن أحدًا لم يدر شيئًا عن البذور الخفية التي قال: إنه ألقاها هو ومحمد مندور ونجيب محفوظ في أحشاء التربة المعتمة والأرض الخراب؛ لأن هذه البذور بصريح اعترافه لم تكن لترى النور قط. إذن فمن أين استمد الشعب.   . .زاد وعيه ونور بصيرته وري وجدانه. والذي يسجله الواقع التاريخي أنه كان هناك دائمًا نبع سخي لم يغض أبدًا، يمد جماهير الشعب الأمي بالري المستديم ويفيض عليها من منهله الصافي ما يرهف وجدانها وينير بصيرتها ويشحذ إرادتها للنضال من أجل الوجود الحر الكريم. كان هناك (القرآن) يتلى في البيوت والأكواخ والمساجد والزوايا وينفذ إلى أعماق القرى ونائي النجوع منفردًا بالسيطرة الكاملة على الوجدان الشعبي، الذي لم ينفذ إليه قط من أي سبيل دعوات التقدميين ومقالات التطوريين، وإذا كانت الأمية قد فرضت على عامة الشعب وحيل بينهم وبين قراءة أي كتاب أو مجلة فقد بقي لهم كتابهم الخالد ينسخ أميتهم بمدد سخي من الوعي ويمزق عن بصيرتهم حجب الجهل وغشاوة العمى وغطاء الغفلة ويلح على عقولهم ونفوسهم بكلمات الله في حقوق الإنسان وكرامة البشر، من هذا النوع السخي وجدت الأرض الطيبة من الري المستديم ما يحميها من العقم والجدب، من هذه المدرسة تلقى الشعب الأمي الشحنة للاقتحام العنيد لكل العوائق والمواقع التي تعترض حياته عصيًا على كل المحاولات التي تغير نصًا لكلمات الله التي يتلوها الأميون مصبحين وممسين دينا وعقيدة لن يرفضوا الإقرار بالعبودية إلا لله وحده وأن يقاوموا البغي والظلم والباطل ويسحقوا جبروت الطغاة".
- وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في دحض هذه الدعوات المسمومة التي حمل لواءها لويس عوض في الدعاية لطائفة المضللين من التقدميين والعلمانيين ودعاة المادية والماركسية في صدر جريدة الأهرام: يجهل تاريخنا من يظن أن هذا الشعب في جمهرته العامة بقي جامد الضمير مخدر الحواس بصليل الأغلال حتى جاء دعاة التطور وأنصار التقدم فعلموه، ويجهل شخصية هذه الأمة من يتصور أنها اطمأنت إلى شيء من البضاعة الفكرية والثقافة المجلوبة أو انفعلت بها وهي تتأهب للاقتحام العنيد لكل العوائق
زاد وعيه ونور بصيرته وري وجدانه. والذي يسجله الواقع التاريخي أنه كان هناك دائمًا نبع سخي لم يغض أبدًا، يمد جماهير الشعب الأمي بالري المستديم ويفيض عليها من منهله الصافي ما يرهف وجدانها وينير بصيرتها ويشحذ إرادتها للنضال من أجل الوجود الحر الكريم. كان هناك (القرآن) يتلى في البيوت والأكواخ والمساجد والزوايا وينفذ إلى أعماق القرى ونائي النجوع منفردًا بالسيطرة الكاملة على الوجدان الشعبي، الذي لم ينفذ إليه قط من أي سبيل دعوات التقدميين ومقالات التطوريين، وإذا كانت الأمية قد فرضت على عامة الشعب وحيل بينهم وبين قراءة أي كتاب أو مجلة فقد بقي لهم كتابهم الخالد ينسخ أميتهم بمدد سخي من الوعي ويمزق عن بصيرتهم حجب الجهل وغشاوة العمى وغطاء الغفلة ويلح على عقولهم ونفوسهم بكلمات الله في حقوق الإنسان وكرامة البشر، من هذا النوع السخي وجدت الأرض الطيبة من الري المستديم ما يحميها من العقم والجدب، من هذه المدرسة تلقى الشعب الأمي الشحنة للاقتحام العنيد لكل العوائق والمواقع التي تعترض حياته عصيًا على كل المحاولات التي تغير نصًا لكلمات الله التي يتلوها الأميون مصبحين وممسين دينا وعقيدة لن يرفضوا الإقرار بالعبودية إلا لله وحده وأن يقاوموا البغي والظلم والباطل ويسحقوا جبروت الطغاة".
- وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في دحض هذه الدعوات المسمومة التي حمل لواءها لويس عوض في الدعاية لطائفة المضللين من التقدميين والعلمانيين ودعاة المادية والماركسية في صدر جريدة الأهرام: يجهل تاريخنا من يظن أن هذا الشعب في جمهرته العامة بقي جامد الضمير مخدر الحواس بصليل الأغلال حتى جاء دعاة التطور وأنصار التقدم فعلموه، ويجهل شخصية هذه الأمة من يتصور أنها اطمأنت إلى شيء من البضاعة الفكرية والثقافة المجلوبة أو انفعلت بها وهي تتأهب للاقتحام العنيد لكل العوائق
والموانع التي تحول دون وجودها الحر، فقبل أن تسمع الدنيا بالمذاهب الحديثة والحركات المعاصرة كان هذا الشعب الأمي يفرض وجوده على الغزاة والطغاة من كل جنس وملة فيحسبون له ألف حساب، فلم يدعهم يهدءون لحظة من ليل أو نهار وقد أعيتهم منه شتى الحيل فما أجدت عليه يد حديدية ولا لهفة معاهدة ولا انطلت عليه حيلة المفاوضات، وفرض وجوده على القصر والأحزاب، لم يستورد الشعب زاد وعيه من الخارج وإنما هو سره الخالد تلقاه جيل عن جيل أمانة صعبة وميراثًا محتومًا، فالشعب الذي قهر الصليبيين وهزم التتار ودوخ الجبابرة ولفظ الغزاة على مسار الزمن لم يكن بحاجة إلى من ينقل إليه مقالاً في التطور يستثير به نخوته أو يستورد له شعلة من وراء السور الحديدي تشحذ إرادته، ولديه النبع الصافي يعصمه من الغفلة والضلال وفيه ميراثه العريق يزوده بطاقة متجددة على تحدي البغي والشر .. ولا يقل قائل إن دعاة التقدم هزّوا الأمة ضميرًا جامدًا وحواس معطلة ووجدانًا أصم، فلقد قامت بينهم وبين الوجدان الشعبي سدود وأبواب"وهكذا نرى كيف قادت الصحافة عن طريق الأدب معركة التجهيل والهزيمة ومحاربة التراث الأصيل" (١).



* نجيب محفوظ تلميذ سلامة موسى .. الشاك في كل قيمه. المتذبذب في كل فكره، الضائع في كل واد، المتحدي لعقيدة الأمة، صاحب جائزة نوبل!! عن قصته "أولاد حارتنا"أو موت الإِله:
نجيب محفوظ هو تلميذ سلامة موسى.
لقد سُئِل نجيب محفوظ: "هل كان لسلامة موسى أثر قوي في تكوينك الفكري كما يذهب بعض الباحثين؟ ".



فقال: "نعم كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري فقد وجهني إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن، وكان الأديب الوحيد الذي قبل أن يقرأ رواياتي الأولى، وهي مخطوطة، قرأ ثلاث روايات، وقال لي: إن عندي استعدادًا ولكن الروايات غير صالحة للنشر، ثم قرأ الرواية الرابعة، وكانت "عبث الأقدار"وأعجبته ونشرها كاملة في "المجلة الجديدة"كما قرأ أول أقاصيص كتبتها ونشر بعضها في "الرواية"ومجلتي"اهـ.
إذن فقد تأثر نجيب منذ بدايته الأولى كأديب بسلامة موسى المفكر ومنذ دخل عقله (الاشتراكية والعلمية) أو بعبارة أخرى (الاشتراكية العلمية) أو (الماركسية العلمانية) لم يخرجا منه حتى الآن.
إذا تقرر هذا فاعلم أن النهاية معروفة من مطلع البداية فالاشتراكية العلمية أو الماركسية المادية التي عششت في مخ الكاتب وباضت وأفرخت وصادفت عنده مكانًا خاليًا فتمكنت .. هذه الأشتراكية العلمية تناقض الإسلام كل التناقض ولا تلتقي به في أي موضع من المواقع.
إِياك تجني سكرًا من حنظل ... فالشيء يرجع في المذاق لأهله" (١)
- وكذلك نجد (نجيب محفوظ) يسقط في حلقة الاحتواء التغريبي وتخدم قصصه نفس الأهداف، بل نجد الماركسيين يولونه اهتمامًا كبيرًا ويرون في كتاباته خدمة لغاياتهم وفكرهم وتفسيرهم المادي للتاريخ، وقد استخدموه في دعوتهم إلى الإباحية وإلى المفاهيم الهدامة في الأسرة والفتاة. وعمل المرأة وعلاقتها بالرجل، وقد كان نجيب محفوظ مهيأ لذلك كله؛ لأنه من خريجي قسم الفلسفة - ثم كان اتصاله بسلامه موسى عاملاً هامًا من عوامل.    ..تكونيه وقد كانت فكرته عن الألوهية فاسدة وقائمة على مفاهيم الماديين.
- ونجيب محفوظ هو الذي "أبرز في رواياته صورة الرجل الشاك في كل قيمه المذبذب في كل فكره الضائع في كل واد المتحدي لعقيدة الأمة والمتجه ناحية المشارب الأخرى يعب منها، وقد كانت اتجاهاته الثلاثة واضحة في تطوره القصصي على التوالي: اتجاهه الإلحادي واتجاهه المادي واتجاهه الماركسي الأخير. وهو الذي تقلب في التبعية للمذاهب الوافدة الغربية والشرقية على السواء في الرومانسية والواقعية والرمزية المغرقة، حتى في اتهامه للأزهر بأنه لا يقرأ؛ لأن الأزهر وقف ضد فساده وهو يصور أنبياء الله تلك الصورة السفيهة، وقد توالت كتاباته واستمرت ووجدت من يدفعها إلى الأمام ويشجعها"، وتسارع هيئات السينما لنقلها إلى الناس على أبشع ما يجد الذوق وأردأ ما يكون التقديم وأسوأ ما يجترأ على الأخلاق والفضائل، بل إن هناك من حاول أن يكتب عن قصص نجيب محفوظ وكأنه من دعاة الإسلام وهو القائل:
"الحق أنني معجب بالماركسية بما تحققه من عدالة اجتماعية ورؤية إنسانية سامية واعتمادها على العلم، ولكني أرفض دكتاتوريتها وفلسفتها المادية".
وهكذا سار نجيب محفوظ في طريق اليسار وعاش مع هذا التيار الذي ظن أنه يرفع من أسهمه وشهرته، وقد حاول بعد أن سقطت هيبة الشيوعيين في مجال الإعلام والصحافة والسينما أن يتراجع ويتراجع، ولكن بعد أن وصمته هذه الأفكار وقضت على كل محاولة لاستنقاذه. وقد وصفه بعض النقاد بأنه عاش مع صناع الأفكار وابتعاد الروح عن موارد الحق والخير، وأن المطالع لرواياته يزداد اقتناعًا بأن الرجل لا شيء، إذ أنه يمثل الضياع العقائدي كما يمثل الضياع الفكري أو التبعية للاستعمار الثقافي في بلادنا.
وقد تابع نجيب محفوظ دكتاتورية الناصرية، وكان من المؤيدين لها فلما. سقطت هاجمها بعنف وحاول تقليد توفيق الحكيم في نقد الماضي الذي كان مشتركًا فيه مستغلاً لخدمته، وأن الباحث في آثار نجيب محفوظ يجد ظاهرتين خطيرتين: الأولى: الجنس، والثانية: الإلحاد.
أولاً: طابع الجنس واضح في معظم روايات نجيب محفوظ، شأنه في ذلك شأن إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، ولكنه عند محفوظ أشد خطورة فهو يجعله نتيجة للفقر، ولا يرى للمرأة إذا جاعت إلا طريقًا واحدًا وهو أن تبيع عرضها، ولا ريب أن هذا الفهم خاطئ من ناحية، ولا يمكن تعميمه على كل الناس، فإن كثيرًا من الناس لا يبيعون أعراضهم ولو ماتوا من الجوع، وهو في هذا الفهم يرسم صورة مادية فردية لا يعرفها المجتمع الإسلامي الكريم القائم على الإيمان بالله، وإنما هي منقولة ومقتبسة ومسروقة من قصص الغرب حيث لا يقيم الناس أي اعتبار للعرض والشرف والكرامة.
ولقد جرى نجيب محفوظ انطلاقًا من مفاهيم المادية والوثنية والإباحية إلى أن يجعل أغلب بطلات قصصه ممن يضغط عليهن الفقر فيلجأن إلى الجنس أي الدعارة المقنعة ونجيب محفوظ في هذا الاتجاه يجري مجرى المتطلعين إلى أن تكون القصة مصدرًا للكسب المادي سواء أكانت قصة مقروءة أم مسرحية أم فيلمًا سينمائيًا فيقول: إن الجنس ظاهرة من ظواهر الحياة مثل الحب والزواج والجريمة والعقيدة. وهي عنده ظاهرة تصلح موضوعًا للعمل الفني وكل ظاهرة عرضة للاستغلال التجاري.
ويدافع نجيب محفوظ عن الجنس في أدب إحسان عبد القدوس ويراه مرتبطًا بمناقشة التقاليد الجامدة وحرية المرأة وانحلال بعض الطبقات.
ولا ريب أن نجيب محفوظ لم يعرف حقيقة المجتمع الإسلامي وأغواره، وأن ما يعرفه عنه إنما يتمثل في بعض النماذج الفاسدة التي اتصل بها، أما جوهره الحقيقي فهو ليس معروفًا له، وشأنه في هذا شأن إحسان. عبدالقدوس وكلاهما متأثر بالوسط الضيق الذي عاش فيه، فليس كما يقول
أن المنحرفة يرجع انحرافها إلى أسباب اجتماعية، أو أن المجتمع هو الذي
يؤدي إلى انحرافها.
وليس من شك أن المرأة التي تتخذ من البغاء والدعارة المقنعة وسيلة إلى
الحياة الطيبة هم قلة قليلة، وليس أغلب المنحرفات كان الفقر مصدر انحرافهن
أو سقوط المرأة بسبب الفقر، أو أن سبب الانحراف هو سبب اجتماعي هذا
كله مفهوم ماركسي ومادي، وليس صحيحًا على إطلاقه، وليس صحيحا
بالأولى في المجتمع الإسلامي، ويخطئ نجيب محفوظ حين يقول: أن أوربا
استطاعت حل المشكلة الجنسية بطريقتها الخاصة وهذه الطريقة أن البنت التي
عمرها ١٦ سنة تلتقي في حرية تامة مع أي شاب حيث لا مشكلة جنسية ولا
مشكلة عفاف ولا بكارة.
وليس هذا الذي يقوله نجيب محفوظ مما يصلح لتطبيقه على مجتمعنا أو
أنه حل حق حقيقي لهذه المشكلة.
والواقع أن كتاب القصة (نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ويوسف
السباعي ويوسف إدريس وغيرهم) هم أقل الكتاب المعاصرين تجربة في مجال
الدراسات الاجتماعية بل إن آراءهم في هذا المجال تدل على سذاجة شديد
وعلى فقر كبير، فهم مع الأسف لم يقرأوا إلا مجموعة من القصص الغربية
ثم نقلوها- بعد أن انقضى عهد الترجمة- إلى تآليف عربية حيث أبقوا على
القيم والمفاهيم والتقاليد الغربية في كثير من القضايا التي يختلف حلها في
إطار المجتمع الإسلامي وفي ضوء قيمه ومفاهيمه، وهذه المفاهيم التي يقدمها
نجيب محفوظ في قصصه المختلفة، لا تمثل حقيقة هذا المجتمع ولا مشاكله
ولا يقدم حلولآ حقيقية له، ولذلك فإن هؤلاء الكتاب عندما يخرجون من
دائرة القصة إلى دائرة الكتابة الاجتماعية على النحو الذي عرفناه في كتاباتهم 
  "من مفكرة الأهرام "يتكشف قصورهم وعجزهم.
وتمثل كتابات نجيب محفوظ في عبارة جامعة "الضياع"ففي رواياته الشحاذ وثرثرة فوق النيل وميرامار والمرايا يبدو المثقفون وكأنهم كائنات ضائعة هاربة من الواقع في الحشيش أو الجنس، وتبدو كذلك شخصيات أنانية إلى حد المرض، وقد قال: "رواياتي تنبع من ماء الهزيمة الآسن"، وبطولاته أحد اثنين: أناس لا يعيشون وأناس يحيون بفضل الانحراف والجريمة.
وقد اتهمه لويس عوض في محاضرة بإحدى الجامعات الأمريكية أنه باع نفسه للناصريين فكرمه النظام الناصري، وكان الثمن هو تشويه ثورة ١٩١٩ وزعيمها سعد زغلول حتى لا تبقى على سطح التاريخ السياسي لمصر في القرن العشرين سوى ٢٣ يوليو. وقال نجيب محفوظ: أنا لم أبع نفسي لأحد ولم يطالبني أحد ذلك.
- سأله أحدهم: أثار الناصريون في الفترة الأخيرة أنك انضممت إلى توفيق الحكيم واليمين في مهاجمة جمال عبد الناصر وعصره ومنجزاته في رواية الكرنك مع أنك نلت في عصر عبد الناصر أعلى جوائز الدولة وأعلى المناصب الرسمية (درجة نائب وزير) وعشت في عصر عبد الناصر دون أن يوجه إليك نقد، فما سر حملتك في روايتك الكرنك؟ قال: الكرنك تدين الإرهاب لا المنجزات، وقد كانت رواياتي كلها نقدًا للعصر، لقد تبين لي أن العهد يبني بيد ويهدم بالأخرى وأنه سلم مؤسساته إلى أناس بلا كفاءة ولا خلق ينغمس قادتها في الترف والثراء، تنكل باهل الرأي من مخالفيها تنكيلاً وحشيًا وتشهر سيف الرعب والإرهاب، تزج بنفسها في مغامرات دون اعتبار لقوتها الحقيقية، وتأتي النتيجة رهيبة فقد هزمنا شر هزيمة في تاريخنا كله وتتركنا بلا آمال ولا كرامة، وهكذا برز نجيب محفوظ تحوله من تأييد عصر كان فيه من أبرز دعاته.   ثانيًا: طابع الإلحاد، وهذا الطابع واضح في مختلف كتابات نجيب محفوظ ويرجع إلى إيمانه بالفلسفات المادية وإعجابه بالماركسية واتصاله بسلامة موسى وقصوره وعجزه عن مطالعة الفكر الإسلامي أو الاتصال به، ولقد كان من أسوأ بادرات نجيب محفوظ (التهكم) على الله تبارك وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا حيث يقول:
"فقد أعطانا الله سبحانه أرضًا كثيرة ولكنها فقيرة في غالبها، ثم أين مساحة الأرض التي قسمها الله للعرب من مساحة الأرض التي تملكها روسيا"، وهذا الكلام يدل على قصور نجيب محفوظ حتى في معرفة أبعاد وأعماق المنطقة العربية الزاخرة بالثروات والخيرات والواقعة بين القارات الثلاث والتي تمر منها جميع المواصلات الجوية والبرية والبحرية فضلاً عن مكانتها الجغرافية الضخمة، وحيث هي "الأمة الوسط"التي قامت على كلمة الله الحق والتي كان جندها وسيظل خير أجناد الله، وإليها حماية الدعوة والأرض والعقيدة".
ْ- وأين من موقع الأمة الإسلامية موقع روسيا أو غير روسيا، أليس هذا هو الجهل المركب من المغرورين الذين يتصدرون للزعامات الأدبية.
ويبدو فساد عقيدة نجيب محفوظ ومفاهيمه في الألوهية في قصة "أولاد حارتنا"التي تقوم على السخرية بالأنبياء والرسل ودعوة الله الحق والتي استقبلها المستشرقون ودعاة التغريب بالتقدير والإعجاب وكتبوا عنها البحوث الضافية ورفعوا صاحبها إلى أعلى ذرا العبقرية.
وقد حاول نجيب محفوظ في هذه القصة أن يقول بالرمز كل ما عجز عن قوله صراحة عن مفهوم مادي زائف وعقيدة مضطربة، ونحن لا نستغرب هذا الفهم من نجيب محفوظ الذي هو في الأساس من تلاميذ سلامة موسى الذي دربه على الفكر المادي وأعده ليكون واحدًا من هذه المدرسة التغريبية    وغرس فيه مفهوم احتقار الأديان والقيم والاندفاع نحو الفرعونية، ثم الماركسية ثم نحو معارضة كل القيم الأساسية لهذه الأمة في عشرات المواضع من كتاباته وقصصه وفي استعلاء طابع الجنس على رواياته واستهانته بكل القيم والمقدسات وقد احتفلت (أهرام هيكل) برواية أولاد حارتنا وظنوا أنها يمكن أن تمر على الناس بسهولة، فلما اكتشف الناس رموزها وعرفوا أنها تهدف إلى الانتقاص من ذات الله تبارك وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا علت صيحاتهم فأوقفت الرواية، ومنع نشرها ونشرت في بيروت وصفق لها سهيل إدريس ناشرها واحتفل بدراسات عنها، ثم تبين من بعد فساد طريقها وهدفها وأنها حملت حملة شعواء على رسل الله وأنبيائه، وأنها أعلت شأن الفكر المادي على الأديان.
وليست شخصيات القصة رموزًا بل هي تحوير لغوي لا غير لأسماء الأنبياء موسى وعيسى ومحمد، ويقال: أن القصة مشاركة من نجيب محفوظ في ذلك الحوار الواسع الذي جرى على المنابر المصرية بتوجيه من جهات مسئولة لتحديد اختبارات فكرية واضحة، ولعل ذلك في الوقت الذي كانت تجري المحاولة فيه بواسطة مراكز القوى على إقناع منظمات الشباب بقبول العقيدة المادية وإنكار وجود الله واحتقار الأديان فكان نجيب محفوظ أداة طيعة في هذا الاتجاه.
- ويرى الكثيرون أن نجيب محفوظ في قصة "أولاد حارتنا"يفسر التاريخ تفسيرًا يتفق مع مفهوم المادية التاريخية، وأنه يتجاوز الماركسية، ويقول المستشرق فرنيس شيتات: إنه من العسير على الكثيرين أن يفصحوا عن المقصود بالجبلاوي وأنهم حين يتحاشون الخوض في هذه المسألة وجدناهم يتحدثون عن المطلق أو عن الإله.
- ويرى المستشرقون أن جاك جويد هو أول من نبه الغرب إلى "أهمية.  هذه الرواية عندما قدمها في محاضرة له في أمستدردام، وتبين أن كثيرين من
المستشرقين أولوها اهتمامهم (ساسون سوفيج، وفايكونيس). وتساءل
أحدهم. هل ينكر نجيب محفوظ وجود الله في قوله: أن الميتافيزيقيا تتراجع
أمام الضرورات الأرضية، ويرى الآخرون أن هذا هو أهم مراحل التطور
العلماني في الكتابات العربية الموالية للتغريب وأن هذه القصة مساهمة طيبة
في هذا المجال.
"وقد وُوجه نجيب محفوظ بنقد صريح من الباحثين في مجال القصة
والأدب العربي المعاصر فيقول أحمد محمد عبد الله: إن نجيب محفوظ روائي
مشهور حاز مرتبة فى هذه الناحية، نقل للناس كثيرًا من الخرافات والأكاذيب
وقليلاً من الصدق والوضوح، حتى الوضوح لا تتضح فيه الرؤية تمامًا فعليها
من الغشاوة ما عليها، وقد بحثت عن خيال للفضيلة فيما يسطر فوجدت أن
الحقيقة ترفس رفسًا وأن الفضيلة ما وجدت إلا لينال منها أو يسخر بها،
وعرفت أن الهالة التي تُبنى حول هؤلاء إنما هي من قبيل البروز للكاتب
والمكتوب معه، إن نجيب محفوظ يمثل جزءا من قتامة التفكير في عالمنا العربي
والإسلامي فما كان ينتظر منه وهو الذي نال شهرة واسعة أن يكون قائد
الميدان نحو الانحدار، وما عهدنا رجلاً حمل المشعل وسار به إلا وتقاذفه
السفهاء من كل جانب ليطفئوا مشعله فلربما سقط وحمل المشعل آخرون
والمسيرة باقية، وأما الذي يرفع صوت الشيطان وصورته فنجد سياجًا من
الفوضى والبربرية تحيط به تملأ الدنيا صراخا وتصفيقًا وتصفيرًا.
وقد برز نجيب محفوظ في رواياته بصورة الرجل الشاك في كل قيمه،
المتذبذب في كل فكره، الضائع في كل واد، المتحدي لعقيدة الأمة، والمتجه
ناحية المشارب الأخرى يعب منها حتى يطفح فيفيض ما عليه على غيره
وينتكس بعد ذلك إلى غيره " (١).
* قصة "أولاد حارتنا"أو موت الإله:
هذه القصة قد بدأ نشرها مسلسلة في الأهرام سنة ١٩٥٩ م. وقد ثارت ثورة الأزهر، وبين وجه الافتراء فيها على الإسلام وأبدى الرأي في ذلك صريحًا واضحًا فما كان من رئيس تحرير الأهرام وقتئذ محمد حسنين هيكل إلا أن انبرى لثورة علماء الأزهر على هذا الكتاب وأبدى احتجاجه الشديد اللهجة على رد العلماء، وشجّع الأستاذ نجيب محفوظ على مواصلة نشر القصة، ولم يعبأ بما أبداه علماء الأزهر من غضبة لله تعالى ودفاع عن شرع رسوله الكريم، فاستمر نشر هذه القصة في تلك الظروف القاتمة السواد.
ولم تظهر هذه القصة في كتاب مكتمل في مصر ولكنها صدرت في بيروت عن دار الآداب سنة ١٩٦٧.
ومما هو معلوم الثبوت أن هذه القصة تُرجمت إلى الإنجليزية وصدرت سنة ١٩٨١ عن دار هاينمان وقال المترجم (فيليب استيوارت) في مقدمته وكذلك الناشر على الغلاف أنها أكمل طبعة لهذه الرواية.
- ولا ينسين أحد أن هذه القصة بالذات كانت على رأس الحيثيات التي منحت كاتبها هذه الجائزة (جائزة نوبل)؛ وذلك لأنهم اعتبروها قصة غير عادية وقد صرّحوا بذلك كما جاء في الخطاب الذي ألقاه سكرتير لجنة الجائزة في حفل التسليم باستوكهولم والذي أشار في هذا الخطاب وهو يمدح المؤلف ويطريه مشيرًا إلى ما تضمّنته القصة من (موت الإله) (١).
- وجاء في نص حيثيات منح جائزة نوبل لنجيب محفوظ أنه تأثر بالمفكرين الغربيين مثل ماركس وفرويد وداروين (٢).
.- إن عملين من أعمال نجيب محفوظ كانا مستند اللجنة نوبل عند اختيارها للأديب عند منحه جائزتها عن عام ١٩٨٨ وهما "أولاد حارتنا" (١) و"ثرثرة فوق النيل"مع الإشارة إلى الثلاثيات.
- يقول الأستاذ مصطفى عدنان في جريدة النور الصادرة بتاريخ ٢٠ ربيع آخر ١٤٠٩ هـ (٣٠ نوفمبر ١٩٨٨): "نحن نؤكد للأستاذ الكبير!! نحبيب محفوظ بعد فحص النص الذي أمامنا لأولاد حارتنا أنه حين كتبه كان يكتبه خدمة للشيوعية، كيف؟
فلقد انتصر للشيوعي الملحد (الذي قتل الله) ولنرجع للحلقة المنشورة في الأهرام يوم ٢٥/ ١٢/١٩٥٩ وهي الحلقة الخاتمة للرواية ويتضح منها جليًا الهدف من الرواية وينكشف بلا أية أردية حيث يقول الأستاذ نحبيب محفوظ:
"هذا الشيوعي الملحد الذي قتل الله هو المصلح الأخير للبشرية وهو الأمل الذي سيقود العالم إلى يوم الخلاص".
فعلى طول ٩٦ حلقة و١٤ فصلاً، انتهى الأستاذ نجيب إلى أن الوصايا العشر (التي أنزلها الله على موسى عليه السلام)، والكلمات التي جاء بها موسى (التوراة) وعيسى (الإنجيل) ومحمد (القرآن) عليهم أفضل الصلاة والسلام أجمعين هي بنص كلماته "أحلامًا ضائعة قد تصلح ألحانًا للرباب لا للمعاملة في هذه الحياة"الفصل ١٤" (٢).
 
* جاءت لنظرته المعارف حُوَّلا:
لقد كان سلامة موسى ملحدًا وعلمانيًا لا تلين له قناة، وكان من أوائل.   .ما نشوه كتاب بعنوان "نشوء فكرة الله"سنة ١٩١٢، وليس إذن من قبيل المصادفة أن يكون من بين أوائل ما كتب التلميذ النجيب المخلص لفكر سلامة موسى والمتأثر به بحث من عدة مقالات عن فكرة (الله) وتطورها. {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} " (١).
 
* فك الرموز:
التعريف بـ "أولاد حارتنا"يبدأ بفك الرموز المستعملة فيها، ثم التنظير بين معانيها الرمزية، والمعاني المقابلة لها في الخارج في مادة الموضوع الذي أدار عليه المؤلف الحديث من طرف خفي، ثم الكشف عن مواضع "الفر"أو "الإحجام"بعد "الكرد"أو "الإقدام"الذي أشرنا إليه من قبل.
 
* أنواع الرموز:
الرموز التي وظَّفها الكاتب الكبير الأستاذ "محفوظ"ليست نوعًا واحدًا بل جاءت -كما تبين لنا بعد النظر الطويل- على ثلاثة أقسام:
الأول: رموز "أشخاص"أو "شخوص" (٢)، مثل أدهم وعرفة.
الثاني: رموز أماكن، مثل "صخرة هند"و"الخلاء".
الثالث: رموز معان، مثل "الوقف"، و"السحر".
- وهذه الرموز على اختلاف أنواعها قسمان:
- رموز شفيفة يمكن فهم معناها بيسر وسهولة.
- رموز كثيفة لا يُفْهم المراد بها إلا بعد فكر طويل، وتأمل عميق.
وبفضل الله وتوفيقه استطعنا فك رموز الرواية بقسميها:
.الشفيف والكثيف. والموضوع الذي تحكيه والأهداف المرادة منها، مهما توارت وأُحيطت بهالة من الغموض المتعمد، والتمويه المريب".
- ورموز الرواية على درجتين:
الأولى: رموز أصول أو أقطاب يدور عليها بناء الرواية كلها، أو بناء فصل منها، مثل: الجبلاوي، والبيت الكبير، والوقف. فهذه رموز أصول اعتمد عليها الكاتب الروائي من أول كلمة، إلى آخر كلمة في "أولاد حارتنا".
ومثل: أدهم، جبل، رفاعة، قاسم، عرفة. فهذه رموز أصول -كذلك- لكن كل رمز منها موقوف -بالدرجة الأولى- على الفصل الذي ورد فيه.
الثاني: رموز مساعدة أو "فرعية"تؤدي دورًا ما في نسيج الفصل الذي هي فيه، وذلك مثل "البلقيطي"في فصل "جبل"، و"عبده"في فصل "رفاعة"، و"زكريا"في فصل "قاسم"و"حنش "في فصل "عرفة"، ومثل "همام"في فصل "أدهم"من قبل.
والرموز الأصول حين يُفَك معناها سرعان ما تتساقط طاقات من الضوء على وجوه الرموز "المساعدة"أو "الفرعية"، فيُدْرك معناها تباعًا على طريقة تداعي المعاني كما يقول علماء النفس، لذلك فإن الرموز التي سنركز على فك معانيها، ونقيم عشرات الأدلة على صدق ما فهمناه منها، هي الرموز الأصول" (١).
 
* جوانيات نجيب محفوظ والدكتور المطعني يرد على محفوظ ويطعنه في مقتل:
كل كلمة في الرواية تدل على أن كاتبنا حين كتب روايته يؤمن إيمانًا.  .قويًا بالعلم الحديث والثقة المفرطة فيه، مضافا إليه شعبة البحث العقلي التجريبي زاهدًا كل الزهد فيما سواه، وبخاصة المعارف الدينية، والتوجه المنبثق عنها.
 
* الهدف من وضع "أولاد حارتنا":
"هذا الهدف -باختصار شديد- هو تفشيل دور الدين بوجه عام في حلول مشكلات الحياة، وتحقيق السعادة للناس فيها، وبعد وقوع ذلك التفشيل، من خلال ما ورد في الرواية، يأذن الأستاذ "محفوظ"للعلم الحديث أن يطل برأسه إلى الوجود، ثم ينمو شيئًا فشيئًا حتى يصبح عملاقًا لا يقاوم، وقادرًا لا يعجز، ثم يتمكن من القضاء على الدين متمثلاً في قتل أو موت الجبلاوي -كما سيأتي- ويهز مشاعر أولاد الحارة أو الدنيا، بمخترعاته المذهلة، فينحاز الناس أو أولاد الحارة إلى عرفة وحنش، اللذين يمثلان العلم الحديث، ويفضلونه على الدين عيانًا جهارًا، وينخلعون عن الإطار الديني النبوي في وَضَح النهار؟! " (١).
 
* حتى لا نُخدع هذه معاني الرموز في "أولاد حارتنا":
م ... الرمز: .................... معناه
١ ... الحارة: ................... الكرة الأرضية أو "الدنيا".
٢ ... أولاد الحارة: .............. الإنس والملائكة، والجن.
٣ ... الجبلاوي واعتزاله: ........ هو فى الرواية: "الله"سبحانه، واعتزال الجبلاوي: رمز إلى توقف دور الدين؟
٤ ... البيت الكبير: .............. الحضرة القدسية (٢).  
.م ... الرمز: .............................. معناه
٥ ... الوقف: ............................ منهج الله في إدارة شئون الحياة.
٦ ... الشروط العشر: .................... الوصايا العشر في أواخر سورة "الأنعام ".
٧ ... الخلاء: ............................ الغيب أو ما وراء الطبيعة من أسرار.
٨ ... أدهم-جبل-رفاعة-قاسم: ......... أسماء أو رموز أربعة رسل سيأتون.
٩ ... الحكايات: .......................... التاريخ الديني النبوي.
١٠ ... المقاهي: .......................... مركز العلم والإعلام.
١١ ... شعراء الرباب: .................... الرواة والدعاة الدينيون.
١٢ ... الفتوات: .......................... المتسلطون وذوو القهر.
١٣ ... النبابيت: .......................... أدوات القمع والاضطهاد.
١٤ ... أدهم: ............................. آدم
١٥ ... أُميمة: ............................ حواء
١٦ ... همام: ............................. هابيل
١٧ ... قدري: ............................ قابيل
١٨ ... إدريس: ........................... إبليس
١٩ ... رضوان-جليل-عباس: ............ رموز لجماعة الملائكة
٢٠ ... هند: ............................. الغواية الشيطانية
٢١ ... إدارة الوقف: ..................... الخلافة أو الاستخلاف في الأرض
٢٢ ... هانم: ............................. النور، والنار
٢٣ ... الجارية السوداء: .................. الأرض
٢٤ ... جبل: ............................. موسى عليه السلام
٢٥ ... ناظر الوقف: ...................... فرعون
٢٦ ... هدى هانم: ........................ امرأة فرعون
٢٧ ... زقلط: ............................. هامان
٢٨ ... البلقيطي: .......................... شعيب عليه السلام
م ... الرمز: ......................... معناه
٢٩ ... شفيقة: ..................... ابنة شعيب زوجة موسى
٣٠ ... آل حمدان: ................. بنو إسرائيل في مصر قبل موسى عليه السلام
٣١ ... آل جبل: ................... بنو إسرائيل في مصر في عهد موسى عليه السلام
٣٢ ... صخرة هند: ................ المكان الذي ينزل فيه الوحي على موسى
٣٣ ... دعبس: .................... الإسرائيلي الذي استغاث بموسى مرتين
٣٤ ... رفاعة: ..................... عيسى عليه السلام
٣٥ ... عَبْدَةَ: ...................... مريم -رضي الله عنها-
٣٦ ... شافعي: ..................... يوسف النجار
٣٧ ... صخرة هند: ................ مكان التتويج بالرسالات عند المؤلف
٣٨ ... زكي-حسين-علي-كريم: ... رمز لجماعة الحواريين
٣٩ ... العفاريت: ................... الكفر والمعاصي والشرور
٤٠ ... الدواء: ...................... المواعظ والهداية
٤١ ... المرضى: ..................... العصاة والكفرة
٤٢ ... قاسم: ....................... محمد - صلى الله عليه وسلم -
٤٣ ... قمر: ........................ خديجة -رضي الله عنه-
٤٤ ... إحسان: .................... فاطمة -رضي الله عنه-
٤٥ ... زكريا: ...................... أبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -
٤٦ ... حسن: ...................... علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-
٤٧ ... صادق: ..................... أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-
٤٨ ... بدرية: ...................... عائشة بنت أبي بكر وزوج النبي - صلى الله عليه وسلم -
٤٩ ... يحيى: ........................ ورقة بن نوفل
٥٠ ... قنديل: ...................... جبريل عليه السلام
٥١ ... الجرابيع: .................... العرب قبل الإسلام والمسلمون بعد الإسلام
٥٢ ... سوارس: .................... أبو جهل أو أبو لهب عليهما لعنة الله
٥٣ ... عرفة: ....................... رمز العلم الحديث
٥٤ ... حنش: ...................... رمز القوة في العلم الحديث. 
م ... الرمز: ...................... معناه
٥٥ ... قَتْل عرفة الجبلاوي: ...... قضاء العلم الحديث على الدين
٥٦ ... موت الجبلاوي: ........... انتهاء دور الدين في الحياة
٥٧ ... إحياء عرفة "الجبلاوي": .... علو سُلْطان العلم الحديث على الدين
٥٨ ... وصية الجبلاوي لعرفة: ..... استسلام الدين للعلم الحديث
٥٩ ... السِّحْر: .................... العلم الحديث المذهل
٦٠ ... المكتوب مكتوب: .......... جبرية القضاء والقدر
٦١ ... نهاية واحدة هي الوت: ...... إنكار الحياة الآخرة
٦٢ ... التمساح المحنط: ............. الفكر الديني الذي مصدره الوحي قديم جامد جاف
٦٣ ... الحجرة الخلفية: ............... المعامل والمختبرات العلمية



وبفك هذه الرموز يستطيع المرء أن يدرك مدى شناعة وقبح هذه الرواية وشكر الله الدكتور عبد العظيم المطعني والشيخ عبد الحميد كشك والدكتور محمد يحيى وغيرهم .. وللدكتور المطعني النصيب الوافر والأكبر في حل هذه الرموز.



* تقرير عن رواية "أولاد حارتنا"أو "موت الإِله"التي كانت سببًا لحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل:
- يقول الدكتور المطعني:
"بكل موضوعية وصدق وإخلاص نقول:
- إن موضوع هذه الرواية "أولاد حارتنا"يتكوَّن من قسمين اثنين:
الأول: ويبدأ من "افتتاحية"أو مقدمة الرواية، ويستمر حتى الفصل الرابع، أو هو تفصيلاً:
١ - المقدمة.
٢ - أدهم، أي آدم عليه السلام.
٣ - جبل: أي موسى عليه السلام.
٤ - رفاعة: أي عيسى عليه السلام.
٥ - قاسم: أي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
أما القسم الثاني: فهو مكوَّن من فصل واحد هو: عرفة، وقد جعله المؤلف رمزًا للعلم الحديث كما تقدم.
إن مادة القسم الأول شاملاً المقدمة والفصول الأربعة المتقدم ذكرها، هي -بلا جدال- وقائع التاريخ الديني النبوي، ممثلاً في أبي البَشر آدم (أدهم في الرواية) ثم الرُّسُل الثلاثة الكبار:
موسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، والمرموز لهم في الرواية بـ: جبل، ورفاعة، وقاسم. وقد أقمنا على صحة هذا "الفهم"عشرات الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، والحجج الدامغة التي لا تقبل أدنى نزاع مهما أوتي المدافعون عن الرواية من مهارة في المغالطات، ومن أساليب الخداع والتمويه.
إن "الحارة"رمز للدنيا كلها، وليست "حارة"بالمعنى الضيق المعروف للناس.
إن "أولاد الحارة"هم البَشر جميعًا من لدن آدم عليه السلام إلى العصر الحاضر، وربما دخل فيهم -عند المؤلف- الملائكة والشيطان!



* الجبلاوي:
الجبلاوي في الرواية هو قطب الأقطاب، والمصدر الوحيد للتاريخ الديني النبوي، وهو في الرواية رمز لـ "الله"سبحانه وتعالى" (١).

.* الأدلة على أن الجبلاوي في الرواية هو الله سبحانه وتعالى عما يقول الزنادقة عُلُوًّا كبيرا:

الدليل الأول: لغز من الألغاز:
مهد المؤلف برمز آخر هو "جَدنا"مقصود منه "الله"كدْلك. قال المؤلف.
"وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات، كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير .. وقال في حسرة: "هذا بيت جدنا، جميعنا من صلبه .. " (١).
- في هذا النص ثلاثة رموز:
البيت الكبير، وهو مستودع الأسرار الإلهية، أو العرش.
و"جَدُّنا"، وهذا الرمز جاء على تشبيه "الخالق"بوالد الأبناء، فيكون معناه: خالق أبينا آدم.
والثالث: "من صلبه"أي: من خلقه وإيجاده، فليس مراد الكاتب المعاني الحقيقية الظاهرة للألفاظ، بل مراده معاني أُخرى تربطها بالمعاني الحقيقية الظاهرة أنماط من العلاقات، مثل علاقة التشبيه التي أشرنا إليها الآن.
- وبعد هذه الرموز التمهيدية ورد رمز "الجبلاوي"لأول مرة في قول المؤلف:
"وجَدُّنا هذا لغز من الألغاز، عُمِّر فوق ما يطمع إنسان أو يتصور، حتى ضُرب المثل بطول عمره، واعتزل في بيته لكبره منذ عهد بعيد، فلم يره منذ اعتزاله أحد .. على أي حال كان يُدْعَى الجبلاوي، وبامسه سميت. حارتنا، وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها، والأحكار المحيطة بها في الخلاء" (١).



* الاعتزال:
هذا رمز ثان وصف به الكاتب "الجبلاوي"رمز الألوهية "الله"، فقال: إنه اعتزل منذ عهد بعيد، والذي فهمناه من هذا الرمز أن المؤلف يقصد به انقطاع الوحي وتوقف الرسالات السماوية، بعد أن جاء الإسلام حاملاً الكلمة الأخيرة لله في توجيه الإنسانية جمعاء إلى ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة.
أما قوله بعد ذلك:
"فلم يره أحد منذ اعتزاله"فقد رمز به لعدم سماع كلام جديد له بعد توقف الرسالات مشبها السماع بالرؤية في سياق نفي كل منهما.
الدليل الثاني: مالك الملك:
قال المؤلف يصف "الجبلاوي"رمز الألوهية: "الله":
"وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها، والأحكار المحيطة بها في الخلاء" (٢).
سبق أن استدللنا على أن المراد من الحارة فى "أولاد حارتنا"هي الدنيا أو الوجود بأسره، فإذا قال المؤلف بعد ذلك:
"وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها .. "كان معناه: "مالك الملك"، ولن يكون صاحب هذا الوصف إلا الله.


.  .الدليل الثالث - كان الله ولم يكن معه غيره:

الله هو الأول بلا بداية، الأول الذي لم يسبق وجوده عدم، هذا المعنى أو هذه المعاني التي يؤمن بها المؤمنون الصحيحو الإيمان السليمو الاعتقاد في الله، أشار إليها مؤلف "أولاد حارتنا"، فقال: "عاش فيها -أي في الحارة- وحده، وهي خلاء" (١).
عبارته هذه تعني أن "الحارة"هي الكون، ولما كان رمز"الجبلاوي"يعني عند المؤلف "الله"كان معنى عبارته أن الله كان والكون خلاء، ليس فيه سواه.
وهكذا تتضح حقيقة "الجبلاوي"في الرواية، طورًا بعد طور ويزيد المسألة وضوحًا هنا، قوله واصفا "الجبلاوي".
"وكان بالضعفاء رحيمًا" (٢).
الدليل الرابع - ضلال بعض الطوائف في الاعتقاد:
قال المؤلف: "ثم جاء زمان فتناولته قلة من الناس بكلام لا يليق بقدره ومكانته، وهكذا حال الدنيا" (٣).
الذي فهمناه من هذه العبارة في وصف "الجبلاوي"ومز الألوهية "الله"عند المؤلف احتمالين:
أحدهما: الإشارة إلى العقائد الوضعية البدائية حول نشأة العقيدة في الله، مثل أديان الهند، والفُرس، واليونان القدماء، وعقائد مصر في عهدالفراعنة قبل عصر الرسالات؛ لأن هذه العقائد كلها لم تصل إلى العقيدة المثلى في الإيمان بالله، وقد تكلم فيه أصحاب هذه النِّحل الوضعية بكلام لا يليق بقدره ومكانته، كما قال المؤلف. وهذا الاحتمال هو الراجح عندنا؛ لأن المؤلف يتحدث هنا عن عصر ما قبل الرسالات.
الثاني: أن يكون مراده الإشارة إلى الطوائف التي حرَّفَتْ حقيقة الرسالات التي جاءتهم بها رُسُلهم، فهم -كأولئك- نسبوا إلى الله ما لا يليق به، كنسبة الصاحبة والولد، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
وأيًّا كان مراده فإن هذه العبارة -على قصرها- دليل رابع على أن المراد بالجبلاوي هو الله.
الدليل الخامس - وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إِلا هو:
هكذا وصف الله نفسه:
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: ٥٩].
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: ٢٦].
وهذه هي عقيدة المؤمنين: لا يَعْلمُ الغيبَ إلا الله.
قارن هذا الوصف بما جاء في قول المؤلف يصف "الجبلاوي":
"أليس من الغريب أن يختفي هو في هذا البيت الكبير المغلق، وأن نعيش نحن في التراب" (١).
إذا أحسنت المقارنة والفهم تبيَّن لك في الحال أنها عبارة تشير إلى استئثار الله بعلم الغيب، يدلك على هذا وصف البيت الكبير -بيت الجبلاوي- بأنه مغلق، وموظفًا هذا الرمز "مغلق"في الدلالة على الحيلولة بين الخلق وبين ما.  .هو كائن في علم الله، كما قال عيسى بن مريم عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: ١١٦].
أليس هذا دليلاً من أقوى الأدلة على أن "الجبلاوي"في "أولاد حارتنا"المراد به عند المؤلف هو "الله"سبحانه.
الدليل السادس - الرسل أعلم الناس بالله:
أي نزاع ينشأ حول أُصول الدين أو فروعه، فالفزع فيه إلى رُسُلِ الله، وما أنزل إليهم من ربهم، مصداق ذلك قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: ٢١٣].
احتفظ بهذه الحقيقة في ذهنك، ثم اقرأ ما قاله المؤلف في هذه الفقرة: "وإذا تساءلت عما صار به -يعني الجبلاوي- وبنا إلى هذه الحال، سمعت من فورك القصصي -أي الديني النبوي- وترددت على أُذنيك أسماء: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم. ولن تظفر بما يبل الصدر -لعله الصدى- أو يريح العقل؟! " (١).
يقرر الكاتب -هنا- ما أشرنا إليه من فزع الناس إلى ما جاء به الرُّسُل إذا شب بينهم نزاع حول مسألة من أُصول الدين أو فروعه، تضمن هذا قوله الذي نقلناه من سماع القصص أو ذكر ما جاء به الرُّسُل الذين رمز إليهم بـ "أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم: أي آدم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذه الرموز الأربعة تعني الرُّسُل الأربعة، المذكورين.   .الدليل السابع - اللجوء إِلى الله في الشدائد:
من الأمور المركوزة في الطبع، المتأصلة في الفِطرة الإنسانية الفزع إلى الله واللياذ به، واللجوء إليه في الشدائد والمحن حتى غير المؤمنين بالله إذا أفزعهم خطر، نسوا كفرهم وجاروا إلى الله ليكشف كربهم، ويزيح غمتهم هاتفين بلسان حالهم ومقالهم: يا رب.
مصداق هذا قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: ٥٣].
ومؤلف "أولاد حارتنا"يدرك أن مفزع الناس في الكوارث والمحن إنما هو الله، ترى ذلك واضحًا في قوله:
"وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات -يعني القصص الديني النبوي- كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم، أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير .. وقال في حسرة:
"هذا بيت جدنا، جميعنا من صلبه!! (١)، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع؟ وكيف نُضام؟ " (٢).
وقال: "ولا عزاء لنا إلا أن نتطلع إلى البيت الكبير، ونقول في حزن وحسرة: "هنا يقيم الجبلاوي، صاحب الأوقاف، هو الجد، ونحن الأحفاد" (٣).
أفليس في كلام المؤلف -هنا- في الموضعين أوصاف لا يوصف بها إلا الله قيوم السموات والأرض، وليس الجبلاوي الذي لا وجود له إلا في.  .خيال المؤلف؟
أما قوله: "هو الجد، ونحن الأحفاد"، فهذا لا يليق بـ: "الجبلاوي"باعتباره رمز الألوهية "الله".
ولهذا القول -عندنا- محملان:
أولهما: أنه من الفر بعد الكر، أو الإحجام بعد الإقدام، ذكره المؤلف للتمويه والتشويش على القُراء.
وثانيهما: أن يكون رمزًا مبنيًا على التشبيه، بأن جعل خالق الأب الأول -آدم- كأبي الأب، ولا غرابة في ذلك؛ لأن التعبير الرمزي في الرواية، لا يكاد يخلو منه سطر من سطورها فضلاً عن صفحاتها.
الدليل الثامن - خالق الكون:
عرفنا -قبلاً- أن الأستاذ نجيب محفوظ رمز بالحارة إلى الوجود الكوني كله، يؤكد هذا ما حكاه في الرواية من البداية إلى النهاية، فضلاً عن الأدلة التى ذكرناها من قبل.
إذا تقرر هذا فتأمل قوله في وصف "الجبلاوي"رمز الألوهية في الرواية: "هو أصل حارتنا" (١).
وما عليك إلا أن تفك الرمز "أصل"، وتقف على المعنى المتواري خلفه، وهو "خالق حارتنا"أي خالق دنيانا، ثم تضم هذا الدليل إلى الأدلة التي ذكرناها قبله، فيصبح لديك ثمانية أدلة في المقدمة وحدها على أن المراد من الجبلاوي في "أولاد حارتنا"هو الله.
الدليل التاسع - عجز الفكر عن الإدراك:
قلنا من قبل: إن الله تعالى يُعْرَف بآثاره وآلائه وآياته فى الكون ومن.    .فيه وما فيه.
فتعال: اسمع ماذا قال عن "الجبلاوي"رمز الأُلوهية (الله): "كنت -وما زلت- أجد الحديث عنه شائقًا لا يُمَل، وكم دفعني ذلك إلى. الطواف ببيته الكبير لعلي أفوز بنظرة، ولكن دون جدوى" (١).
لقد رمز المؤلف بالطواف عن "التفكر"في ذات الله المجيد وفي صفاته المقدَّسة، راجيًا أن يقف على حقيقتها أو بعض حقيقتها، ولكن عاد بخفي حنين لا بحنين نفسه، حيث تجاوز المتاح اليسير، وهو معرفة الله بآياته في الكون والنفوس - إلى غير المتاح العسير، وهو الإحاطة بحقيقة الذات العلية!!
الدليل العاشر - غيب ما وراء الطبيعة:
ما وراء الطبيعة اصطلاح فلسفي يراد به العالم المعنوي، مما لا يدرك بأي حاسة من الحواس الخمس، ويقابله العالم الحسي المادي، وهو ما له وجود يدرك بالحواس الخمس، ويشغل حيزًا من الفراغ، سواء كان حيوانًا، أو نباتًا، أو جمادًا.
ومن لطف الله بعباده أن جعل ما وراء الطبيعة من اختصاص الوحي الأمين، وما صح من كلام الرُّسُل المكرمين.
والأستاذ نجيب محفوظ في الفترة التي نقلناها عنه من قبل اعترف أن تجاربه الفكرية حول معرفة ما وراء الحس قد فشلت وعجزت عن الوصول إلى أي شيء!!
- ثم عاد فكرر الإشارة إلى هذا العجز حين قال:
"وكم وقفت أمام بابه الضخم أرنو إلى التمساح المحنَّط المركب أعلاه!!



وكم جلست في صحراء المقطم غير بعيد من سوره الكبير، فلا أرى إلا رءوس أشجار التوت والجميز والنخيل تكتنف البيت، ونوافذ مغلقة لا تنم عن أثر الحياة!! " (١).
- قال الدكتور المطعني في كتابه القيم (ص ٢٣):
وأقسم برب السموات والأرض، وعالم الغيب والشهادة لو أن مسلمًا أقسم بالله أن الكاتب لم يقصد من "الجبلاوي"إلا الله ما حنث في يمينه، ولكان صادقًا كل الصدق.
أو أن آخر أقسم بالطلاق على هذا الفهم لما حرمت عليه قرينته.
أما أولئك الزاعمون بأن "الجبلاوي"في "أولاد حارتنا"ليس المقصود منه الله، فلا يخلو حالهم من الاحتمالات الآتية:
- إما أنهم لم يقرأوا الرواية فراحوا يشهدون بما لا علم لهم به!!
- وإما أنهم قرأوا ولم يفهموا.
- وإما أنهم قرأوا وفهموا، ثم عاندوا وكابروا، وراحوا يشهدون شهادة زور، ويصرون على الحنث العظيم، ويحسبونه هينًا، وهو عند الله عظيم.
وها نحن أولاء أمام هذه المكابرة، وذلك العناد نستخرج من كلام المؤلف عشرات الأدلة التي تكشف زيفهم، وتعري مواقفهم وتسحق زورهم وبهتانهم، وترد كيدهم في نحورهم، وتظهرهم غلى حقيقتهم أمام القُراء.  مهما كانت مواقعهم وانتماءاتُهم.
- يقول الدكتور المطعني:
"وقد ذكرنا -فيما تقدم- الأدلة "القطعية"على أن الجبلاوي في الرواية هو "الله "سبحانه وتعالى، ونريد هنا أن نرد -في إيجاز واف- على من أنكر هذا "الفهم "الذي فهمه بعض نقاد الرواية. وقد جاءت دراستنا هذه مناصرة لما فهموه مع إثباته بالبراهين القاطعة كما تقدم في غضون هذه الدراسة.



* شبهتان للمنكرين:
الذين أنكروا أن يكون "الجبلاوي"في الرواية هو "الله "استندوا إلى شبهتين حسبوهما دليلين، وما هما بدليلين قط:



الشبهة الأولى:
أن اسم الله قد ورد مصرحًا به في الرواية في بعض المواضع، حتى في الحديث مع "الجبلاوي "نفسه، ومن ذلك - مثلاً قول جبل للجبلاوي:
"الحمد لرب السموات على أنك ما زلت تتمتع بصحتك" (١).
ومثل قول جبل: "ألا لعنة الله على الجبناء" (٢).
قلت: ليس في هذه الأقوال -وما أشبهها- دليل قط على أن "الجبلاوي"في الرواية ليس هو "الله"؛ لأن المؤلف -كعادته- في التمويه يتحدث عن "الله"باسمه الصريح حينًا، وبالرمز أحيانًا أخرى.
وهذه الشبهة كانت "تفيد"في الدفاع لو كانت التهمة الموجهة إلى المؤلف هي "إنكار وجود الله"!! لكن هذه التهمة ليس لها وجود لدينا، وإنما.  التهمة هي أن المؤلف يتحدث عن "الله"الذي يؤمن به حديثًا لا يليق بجلاله ووحدانيته ومخالفته للحوادث.



الشبهة الثانية:
أما الشبهة الثانية التي استند إليها هؤلاء "المنكرون "، فهي ما أورده المؤلف على لسان إدريس (أي: إبليس) بعد أن طرده "الجبلاوي" (أي الله) من البيت الكبير - أي من الجنة:
"ما أهون الأبوَة عليك!! خُلِقْتَ جَبَّارًا فتوَة"!! (١).
وجه الاستدلال عندهم أن الجبلاوي -هنا- وُصِف بأنه مخلوق، والله ليس مخلوقًا.
هذا الدفاع مع صحته في نفسه فليس فيه دليل على أن "الجبلاوي "في الرواية ليس هو "الله "، وذلك لسببين:
الأول: ليس وصف "الجبلاوي "في الرواية بأنه مخلوق هو الوصف الوحيد الذي لا يليق بـ "الله "، فالجبلاوي في الرواية له صاحبة وولد، ويأكل ويشرب، ويرتاح وينام، ويتقدم به العمر، وله خدم وغرفة نوم، ويموت أو يُقْتل!! فلماذا يتمسك المنكرون بوصف "المخلوقية"وَيَدعُون ما عداه من الأوصاف "البشرية"؟!
أما السبب الثاني، فإن المؤلف لم يُعبر عن معنى واحد من معانيه "الجُوَانية"إلا بالرموز، وهذا ينطبق على قوله: "خُلقْتَ"وصفًا لـ "الجبلاوي"رمز الألوهية (الله) في الرواية. فليس ببعيد أن يَكون المؤلف قد أراد من "خُلقْتَ"معنى رمزيًا هو: "الوجود المطلق"، وليس الخلق بمعنى الإيجاد من العدَم، المقتضي لوجود خالق غير الله!وبهذا يتضح لنا وللقراء ضعف مستند "المنكرين"في الدفاع عن الأستاذ نجيب محفوظ وأولاد حارته.
ولدينا رد آخر يشمل الشبهتين معًا، وهو أن هذا كله إنما ذكره المؤلف بقصد التمويه على "القُراء"ليبعد عن نفسه التهمة التي أشرنا إليها من قبل، وهي نقده أو نقضه للتاريخ الديني النبوي، ووصفه بـ "الفشل"في الريادة والإصلاح تمهيدًا للإطاحة به -دفعة واحدة- ثم إحلال العلم الحديث "محله"!!.



* دفاع مضحك:
وقد قرأت -مؤخرًا- دفاعًا من نوع جديد لصاحب منصب "أدبي رفيع"ورئيس أضخم مؤسسة في مصر تقوم على نشر المعرفة تأليفًا، وترجمة، وهي من مؤسسات الدولة الرسمية.
صاحب هذا المنصب يُنْكِر أن يكون "الجبلاوي"في الرواية هو "الله".
أما دليل إنكاره فأعجب من العجب، وخلاصته هي:
"الجبلاوي "ليس هو الله في الرواية؛ لأنه -يعني "الجبلاوي "دائمًا يُقسمُ بالله، فكيف يكون هو الله، وهو- دائما يقسم بالله؟!
هذه خلاصة أمينة لما قاله هذا "الرئيس"!! قرأت هذا الكلام فأضحكني من الأعماق، ثم قلت:
وما المانع -يا حضرة الرئيس- فالله نفسه قد أقسم بنفسه وبصفاته، وببعض مخلوقاته، وجاء ذلك كله في كتاب الله العزيز:
أقسم بنفسه فقال: {تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: ٥٦].
وقال: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: ٢٣].
وقال: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: ١، ٢].   !  ....وقال في الإقسام ببعض مخلوقاته -وما أكثر إقسامه بها-: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: ١، ٢].
فهل يُسْتَدل -على طريقتك- بأن الله في القرآن هو ليس الله؟! لأنه أقسم بنفسه يا حضرة الرئيس؟!
فلو فُرِضَ أن "الجبلاوي"في الرواية يُقْسم بالله -دائمًا- كما زعمت فليس في ذلك دليل على أن "الجبلاوي"في الرواية لم يرمز به "صديقك"إلى الله!!



* ولكنه لم يُقْسم:
جارينا "حضرة الرئيس"جدلاً على أن "الجبلاوي"في الرواية يُقسم بالله -دائمًا- جاريناه لنُبطلَ استدلاله على أن الجبلاوي في الرواية ليس هو "الله"وها نحن قد أبطلنا هذا الاستدلال كما رأيت.
بيد أن الواقع أن "الجبلاوي"لم يقسم بالله ولا حتى مرة واحدة، ولا نصف مرة إن صح هذا التعبير. فالرواية على طولها الطويل (٥٢٢ صفحة من القطع الكبير) تخلو تمامًا من إقسام "الجبلاوي"بالله، بل وبغير الله.
اللهُم إلا مرة واحدة أقسم فيها "الجبلاوي"، ولكن بالطلاق وليس بالله؟!
فقد ذكر المؤلف عبارة أسندها إلى الجبلاوي صدرت منه -كما زعمت الرواية- في حالة غضب، بعد طرد إدريس (أي إبليس) من البيت الكبير، وحذر أهل البيت من السماح بدخول إدريس فيه. قال المؤلف على لسان الجبلاوي:
"الهلاك لمن يسمح له بالعودة، أو يعينه عليها، ورفع رأسه -يعني الجبلاوي- صوب نوافذ الحريم المغلقة وصاح مرة أُخرى:
"وطالقة ثلاثًا من تجترئ على هذا .. " (١).
هذا هو القسم الوحيد للجبلاوي في رواية "أولاد الحارة"!!
فهل هذا قسم بالله؟ ولو فرضنا جدلا أنه قسم بالله، فأين الاستمرار والدوام الذي عبَّر عنه "حضرة الريس"بأن الجبلاوي يقسم بالله دائمًا؟!
وأكاد أقسم بالله بارًا غير آثم أن "حضرة الريس"لم يقرأ رواية: "أولاد حارتنا"قط، ولو كان قرأها لما ورَّط نفسه في هذه الورطة "البلقاء"، ويبدو لي أن كل المدافعين أو جُلهم من هذا القبيل؟!



* إِمَّا هذا، وإِمَّا ذاك:
وهل درى هؤلاء المدافعون عن الرواية، الذاهبون إلى أن "الجبلاوي"في الرواية ليس رمزًا للأُلوهية "الله "، هل دَرَوْا بأن دفاعهم هذا يُورط "المؤلف"في عقيدة الإشراك بالله -سبحانه- وأنَّه -أي المؤلف- يدعو مع الله إلهًا آخر ليس له به علم، وما أنزل الله به من سُلطان؟!
* بيان ذلك:
فقد ثبت في هذه الدراسة على وجه "اليقين "أن أدهم هو آدم، وأن "جبل"هو موسى، وأن "رفاعة"هو عيسى، وأن "قاسم"هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فإذا صحَّ أن "الجبلاوي"في الرواية ليس رمزًا لـ "الله"، فيلزم من ذلك وجود إله آخر اسمه "الجبلاوي "مع الله الواحد الأحد قيوم السموات والأرض؟!
.ويلزم أن هذا الإِله الوهمي هو الذي:
- أخرج آدم وزوجه من الجنة!!
- وطرد إبليس ولعنه!!
- وأرسل موسى وعيسى ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم -!!
- ثم هو الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن!!
فما هو رأي هؤلاء القائلين بأن "الجبلاوي"في الرواية ليس هو "الله"بعد هذا البيان؟!
- إنهم -لا محالة- مُلْزَمون بواحد من أمرين كلاهما شديد المرارة:
- فإما أن يُقروا بأن "الجبلاوي"هو "الله"في الرواية، فيلزمهم أن يوافقونا على أن الرواية أساءت -كل الإساءة- إلى الذات العلية، وإلى الرسل الكرام، وسخرت سخرية لاذعة بالتاريخ الديني النبوي!!
- وإما أن يتمسكوا -جدلاً- بأن "الجبلاوي"ليس هو "الله"في الرواية، فيلزمهم أن ينسبوا "المؤلف"إلى عقيدة الشرك والعياذ بالله!!
أمران شديدا المرارة، وخيما العاقبة، فإما هذا، وإما ذاك، ولا ثالث لهما!! فاين المفر يا حضرات المدافعين؟



ثم ما رأيكم:
ثم ما رأيكم أيها السادة القائلون بأن "الجبلاوي"في الرواية ليس هو "الله":
ْأنصدقكم أم نصدِّق المؤلف نفسه؟ أعتقد أن تصديق المؤلف هو المتعين هنا؛ لأنه كاتب "النص الروائي"لا أنتم.
فقد تخيل المؤلف أن حديثًا دار بين "عرفة"وزوجته "عواطف"، فقالت. "عواطف"هانم لزوجها "عرفة"وهي تتحدث عن "الجبلاوي"بوصف "جَدنا":
"جَدُّنا من دنيا، ونحن من دنيا أُخرى" (١).
أليست هذه العبارة دليلاً قاطعًا على أن "الجبلاوي"مُغَاير مغايرة تامة لأبناء الحارة -أي أهل الدنيا- جميعًا، فمن يكون هذا "الجبلاوي"إن لم يُرد به المؤلف "الله"؟!
نحن وأنتم نعلم أن هذا الكلام هو كلام المؤلف نفسه، سواء أسنده إلى عواطف أو إلى غير عواطف من "شخوص"روايته، ونعود مرة أُخرى فنسألكم: أنصدقكم أم نصدق المؤلف؟!
وليست هذه العبارة هي وحدها التي فلتت من "جُوَّانيات"المؤلف، فكانت وصفًا صريحًا لائقًا بـ "الجبلاوي"المرموز به لـ "الله".
فقد سبق أن قال المؤلف على لسان جبل في وصف "الجبلاوي ": "ليس كمثله أحد من أولاد حارتنا، ولا من الناس جميعًا"!!
وقد ذكرنا هذه العبارة من قبل، ونظَّرْنا بينها وبين قول الله تعالى واصفًا ذاته العلية:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].
فهل -بعد هذا- يقال، أو يُصَدَّقَ إذا قيل: إن الجبلاوي في الرواية ليس هو "الله"؟
وإذا ثبت يقينًا أن الجبلاوي في الرواية هو "الله"وها هو ذا قد ثبت -فإنه يثبت- يقينًا - كذلك أن:   
. - "أدهم"هو آدم عليه السلام.
- وأن "جبل"هو موسى عليه السلام.
- وأن "رفاعة"هو عيسى عليه السلام.
- وأن "قاسم"هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
- وأن "الحارة"هي الدنيا بأسرها.
- وأن أولاد الحارة هم الخلق من الإنس والجن، بل والملائكة.
ويثبت تبعا لهذا كله:
أن موضوع رواية "أولاد حارتنا":
المقدمة والفصول الأربعة:
أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم هو:
وقائع التاريخ الديني النبوي.
وأن الرواية قدَمت هذا التاريخ "المقدس"في إطار رمزي مغلف، وجعلته هدفًا للنقد الساخط أو "النقض "تمهيدًا للإطاحة به، وإحلال العلم الحديث محله في الريادة والتوجيه!!



* ملاحظاتنا على القسم الأول:
ولنا عدة ملاحظات على القسم الأول نسجلها فيما يأتي في إيجاز:



الملاحظة الأولى: تحريف الوقائع:
عرض المؤلف وقائع التاريخ الديني النبوي في الفصول الأربعة الأولى: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم عرضا محرَّفًا مزوَّرًا:
ففي فصل "أدهم" -آدم عليه السلام- حرَّف كثيرًا من الوقائع، حيث جعل خطيئة آدم -مثلاً- هي محاولة الاطلاع على "كتاب الحجة"بدلاً من.  الأكل من الشجرة، وجعل معصية إدريس -أي إبليس- اعتراضه على إسناد إدارة الوقف إلى آدم، بدلاً من امتناع إبليس عن السجود لآدم حين أمره الله به!!
وفي فصل "جبل" -أي موسى عليه السلام- جَعل التقاط آل فرعون لموسى من حفرة بدلاً من اليم، وجعل البئر التي سقى موسى أغنام ابنتي شعيب منها، جعلها صنبورًا أو حنفية مياه، وجعل "شعيب"هو الذي جاء إلى موسى بدلا من ذهاب موسى إليه!!
وفي فصل "رفاعة"جعل الحواري الخائن الذي أرشد اليهود على المكان الذي اختفى فيه عيسى عليه السلام امرأة كان عيسى قد تزوجها، وهى جاسوس عليه.
وجعل لعيسى أبًا هو "شافعي"، وعيسى عليه السلام ليس له أب.
أما في فصل "قاسم" -أي محمد (صلى الله عليه وسلم) - فقد كثر التحريف والتزوير. من ذلك الافتراء الصارخ على السيرة النبوية الطاهرة، حيث زعم أن "قاسم"كان بيَّاع بطاطة، وأنه ضُبط متلبسًا باختلاس ثمار الجوافة من حديقة يملكها آخرون، وأنه جرى في الشارع عريان والأطفال يتضاحكون حوله.
وأنه كان تلميذًا لورقة بن نوفل، وكان يناديه بـ "يا معلمي"!!، وأن خديجة تشككت كثيرًا في أمر الرسالة .. إلخ .. إلخ.
- وسبب هذا التحريف أمران فيما قدرنا:
أحدهما: حرص المؤلف على الاستفادة من وقائع التاريخ الديني النبوي في "رسم شخصيات الرواية"، وهذا أمر ظاهر جدًا في القسم الأول من الرواية.
أرجح الأقوال أن الرجل الصالح ليس هو نبي الله شعيب.     والثاني: حرص المؤلف الشديد على إخفاء "جوانياته"، وعدم ظهورها للقُراء؛ لأن الرواية -كما عرفنا من قبل- أخضعت التاريخ الديني النبوي -وهو مقدس- للنقد والنقض معًا، وهذا أمر -لو ظهر- لقابله النَّاس بالاستنكار والاستياء، بل وبالغضب والسخط.
لذلك لجأ المؤلف إلى التعببر الرمزي أولاً ثم إلى تحريف الوقائع ثانيًا، ودار التحريف في الرواية على ثلاثة محاور:
الأول: استبدال الواقعة بأُخرى شبيهة بها من بعض الوجوه، ومختلفة في الوجوه الأخرى.
الثاني: بتر جزء أو أجزاء من الواقعة المراد الاستفادة منها في رسم شخصيات الرواية.
الثالث: زيادة جزء أو أجزاء مضافة إلى الواقعة، أو يأتي بحشو مُتَعمَّد قصدًا للتمويه على القارئ.
وقد مرَّت في غضون هذه الدراسة أمثلة عديدة لكل محور من هذه المحاور.
والاعتذار عن المؤلف بأنه يكتب فنًّا لا تاريخًا مرفوض مرفوض كما تقدم توضيح ذلك.



الملاحظة الثانية: الإِساءة إِلى الذات العلية:
لم توجه رواية "أولاد حارتنا"كمًّا هائلاً من الإساءة مثلما وجهت إلى "الجبلاوي"رمز الأُلوهية (الله)، وجاءت هذه الإساءات على لساني كل من إدريس الذي هو "إبليس "في الرواية، ثم قدري الذي هو "قابيل"أحد ابني آدم، وقاتل "هابيل"أخيه وهو "همام"في الرواية.
هذا بالإضافة إلى الأوصاف البشرية التي وُصفَ بها "الجبلاوي"في.   الرواية كلها من التزاوج والإنجاب والاحتياج إلى "غيره"والأكل والشرب والراحة والنوم والشيخوخة، والاعتزال، ثم القتل والموت!! وكل هذه افتراءات تكاد السموات تتفطر منها وتنشق الأرض، وتخر الجبال هَدا.



* نماذج من سباب إِدريس:
إِدريس لأدهم:
- "اخرس يا كلب يا ابن الكلب"!! (١).
- "طغيان أبيك أنطقني بالحق"!! (٢).
- "طردني أبوك بدون حياء؛ فليتحمل العواقب"!! (٣).



* إِدريس يخاطب الجبلاوي:
"وتقبع أنت وحيدًا في بيتك، تبدل وتغير في كتابك كيف شاء لك الغضب والفشل!! وتعاني وحدة الشيخوخة في الظلام حتى إذا جاء الأجل فلن تجد عينًا تبكيك"!! (٤).
وحسبنا هذا القدر من بذاءات إدريس وإساءاته الموجهة إلى الجبلاوي، ذكرناها على سبيل التمثيل لا الحصر.



* نماذج من سباب قدري:
قدري لهمام:
"أؤكد لك أن جدنا -يعني الجبلاوي- شخص شاذ لا يستحق.   .الاحترام، ولو كان به ذرة من خير لما جفا لحمه هذا الجفاء الغريب!! إني أراه كما يراه عمنا -يعني إدريس- لعنة من لعنات الدهر .. لقد نال هذه الأرض هبة بلا عناء، ثم طغى واستكبر"!! (١).
قدري لأدهم:
"هذا الرجل -أي الجبلاوي- أسوأ من ابنه إدريس"!! (٢) - يعني إبليس.
قدري لهمام:
"هل وعدك البلطجي الأكبر -يعني الجبلاوي- بالحماية"؟ (٣).
وحسبنا .. كذلك - هذا القدر من بذاءات قدري الموجهة إلى الجبلاوي، وما أكثرها، وعلم الله أننا مكرهون على نقل هذه "الكفريات"لأننا نريد أن نقنع القارئ الذي لم تتح له فرصة قراءة الرواية "أولاد حارتنا"بالحكم الذي سنراه مناسبًا لهذه الرواية المشئومة.
وفي ختام هذه الملاحظة نقول:
إن رواية "أولاد حارتنا"كان ينبغي عليها أن ترعى حرمة الجبلاوي هذا ما دامت قد رمزت به إلى "الله"، وهي مسئولة عن كل كلمة وردت فيها، سواء أسندتها إلى "شخوصها"أو "أشخاصها"، وهم جميعًا -الشخوص والأشخاص- أبرياء مما أسندته الرواية إليهم، أبرياء أمام الله، وأبرياء أمام الناس؛ لأنهم لم يقولوا حرفًا واحدًا مما نُسِبَ إليهم، ويعلم الله، وتشهد ملائكته وصالحو المؤمنين أن إبليس نفسه -فيما حكاه عنه القرآن- كان أكثر.    .أدبًا مع الله من رواية "أولاد حارتنا"، وأعرف بجلال الله وعظمته من هذه الرواية الطائشة الرعناء!!



* الملاحظة الثالثة: الإِساءة إِلى رسول الإِسلام - صلى الله عليه وسلم -:
تحدثت الرواية بعد حديثها عن آدم عن ثلاثة من الرُّسُل الكبار: موسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وحديثها عن الرسولين الأولين موسى وعيسى عليهما السلام كان معتدلا نوعًا مَّا، فلم يرد فيه ما يسيء إساءة جارحة لأيٍّ منهما.
- أما حديثها عن محمد رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء مليئًا بالإساءة والتجريح إلى حد الافتراء في بعض الأحيان، فقد نسبت إليه الرواية اختلاس ثمار الجوافة، والجري في الطريق العام وهو عارٍ تمامًا من ملابسه مع تضاحك الأطفال عليه!!
وهذا افتراء محض وكذب صارخ على من أرسله الله رحمة للعالمين، وصانه من "العبث"في جميع مراحل عمره المبارك قبل البعثة وبعدها.
- ثم جعلته الرواية "بياع بطاطة"ينادي على بضاعته ويقول وهو "يزق"عربة يد "كارو":
"بطاطة العمدة .. بطاطة الفرن"!!
وهذا كذلك افتراء خالص، وليس له سند من الواقع ولا من الوهم!!
- وجعلته الرواية مُغْرمًا بمعاكسة الفتيات يترصدهن في الطريق العام قبيل الغروب!!
- وجعلته الرواية كسولاً لا يحب العمل، ويخلد إلى الراحة والدعة حتى أكرهته السيد خديجة على العمل في إدارة أملاكها!!
- ثم أجلسته الرواية على "المقاهي"وسقته الـ ... على الجوزة!!

عشرون سنة من الصراع على الذكاء الاصطناعي في «ياهوو»

$
0
0

بعد عشرين عاماً على انطلاقته، انتقل المتصفّح الشهير «ياهوو» Yahoo! من مشروع يعمل على تنفيذه الطالبان الجامعيان جيري يانغ وديفيد فلو، في كاراج منزلي، إلى شركة قدر لها أن تغزو شاشات الكومبيوتر وتسجّل نفسها كأضخم شركات المعلوماتية عالميّاً. ولعله ليس خلواً من الدلالة أن تنقل هذه المؤسسة المعلوماتية الضخمة (قيمتها الإجمالية تفوق 17 بليون دولار، ويعمل فيها أكثر من 12500 شخص)، من رجلين مؤسّسين، إلى يدي ماريسا ماير، الخبيرة في المعلوماتية، كي... تنقذها!

 

ماريسا مايروتبدو ماير التي تنجح في الحفاظ على أنوثتها، كأنها تخوض معركة متشعّبة الأوجه ضد رجل، هو ساباستيان ثور، رئيس قسم «المختبر إكس» في «غوغل». وفي مقابل أنوثة ماير، يحتفظ ثور بشكل فائق الذكورة، وليس لدواعٍ عنصرية القول إن شكله يذكّر بـ «حليقي الرؤوس»، ذلك أنه ألماني أيضاً وهو أبعد ما يكون عن العنصرية. يدور الصراع «الصامت» بين هذين الشخصين بطريقة تستدعي خيال صراع شمشون ودليلة، لكنه لا يتمحور حول السماء بل حول أمر أرضي تماماً: الذكاء الاصطناعي.

 

منافسة مع «غوغل»

قبل الخوض في مزيد من التفاصيل، يجدر تذكّر أن متصفّح «ياهوو» بعشرينيته ضمن فعاليات «معرض لاس فيغاس إلكترونيّات المستهلك». ومن المستطاع البدء من هناك تحديداً. فعندما كانت المعلوماتية في بداياتها، كان هذا المعرض مكاناً لتبادل الأفكار الكبرى لشركات المعلوماتية. في تلك الحقبة، كان المعرض محجّة لأشخاص من وزن بيل غيتس، المؤسس الأسطوري لشركة «مايكروسوفت»، وجيف بيزوس، مؤسس موقع «أمازون.كوم» للتجارة الإلكترونيّة، ويانغ وفلو من «ياهوو»، والراحل ستيف جوبز من «آبل» وغيرهم.

 

لم يعد أمر المعرض كذلك. ولم يمنع ذلك ماريسا ماير من اعتلاء المنصّة لتدخل في حوار امتد لساعة كاملة. وبفستانها النيلي المنقّش بدوائر بيض، استطاعت ماير أن تجعل الحوار متمحوراً حول الفكرة الرئيسية التي تشغلها «الانتقال الكثيف إلى الأجهزة الذكيّة المتحرّكة». وصلت ماير إلى عشرينية «ياهوو» مع سجّل مضطّرب يعبّر عن قوّة المنافسة وفداحتها في عوالم المعلوماتيّة. ففي السنة الفائتة، استعاد موقع «ياهوو» (وهو يستند أساساً إلى كونه متصفّحاً للإنترنت Internet Browser، فيما يعمل «غوغل» استناداً إلى كونه أساساً محرّك بحث Search Engine على تلك الشبكة)، كثيراً من جمهوره، إلى حدّ أنه تفوّق على «غوغل» في عدد زواره من أميركا، الذين وصل عددهم إلى 196 مليوناً.

 

من ناحية ثانية، لم ينجح تسجيل ماير سنة ناجحة في إدارتها «ياهوو» أن تستمر مجلة من وزن «وايرد» في طرح أسئلة عن مصير المسار الذي تخوض فيه هذه المرأة القديرة. فمثلاً، استهلت السنة على تغيير كبير، باتجاه الأنثى أيضاً، لأن ماير اسندت «ياهوو نيوز» إلى إمرأة قادمة من الصحافة وعهدت إليها بأن تغيير النمط الإخباري لـ «ياهوو نيوز» باتجاه التعمق والتحليل والذهاب إلى أبعد من الخبر. الأرجح ألا يصعب على من يعمل في الصحافة تخيّل الأسباب وراء هذه النقلة: إنها الشبكات الاجتماعية و... الخليوي والأجهزة الذكيّة وشاشات الفضائيات. فمع شاشات تهطل عليها الأخبار في لحظة وقوعها، ومع صعود ظاهرة «صحافة المواطن»، بات صعباً المنافسة في الخبر بحد ذاته.

 

تجربة «مكتوب»

 

على هذا الصعيد، سجّلت «وايرد» نقطة إيجابية لـ «أنثى ياهوو». في المقابل، صعّدت ماير وتيرة شراء «ياهوو» لشركات معلوماتية صغيرة، لكنها تستطيع إدماجها ضمن الصورة الكبيرة لعمل «ياهوو» كي تدفع بهذا العمل إلى الأمام.

 

وفي المنطقة العربية، أعطت صفقة شراء «مكتوب» النموذج الأبرز إقليمياً عن هذا الأمر. ومن يدخل الى موقع «ياهوو» من المنطقة العربية، ينتقل فوراً إلى الصفحة التي تدمج معطيات «مكتوب» مع «ياهوو»، بل أنه لا يصل إلى الموقع العالمي لـ «ياهوو» إلا إذا اختار ذلك. في السياق عينه، جرى شراء شركة «فليكر» Flicker للتواصل الاجتماعي، وكذلك الحال بالنسبة لشركة «أنستغرام» Instagram التي تبدو محاولة لمنافسة «يوتيوب» الذي يملكه «غوغل».

في سياق تصريحاتها بمناسبة عشرينية «ياهوو»، ركّزت ماريسا ماير على الأجهزة المحمولة، وهي التي تشهد انتشاراً ضخماً على شاشاتها للبرامج المُسمّاة «تطبيقات»، بل أن هذه التطبيقات باتت هي العصب الرئيسي حاليّاً لعمل المعلوماتية، خصوصاً أنها تجمع الكومبيوتر والخليوي واللوح الذكي، إضافة الى قدرتها على التعامل مع نظم تشغيل مختلفة مثل «ويندوز» و»ماك». يكفي تذكر قوة حضور تطبيقات مثل «واتس آب» مثلاً، إضافة الى تلك المتصلة بمواقع الشبكات الاجتماعية كـ «تويتر» و»فايسبوك».

 

في المقابل، يصنع هذه التطبيقات عــشرات آلاف الشـــباب المتوزعين عالميّاً. من هذه الزاوية، تبدو ســــياسة ماير في شراء الشــــركات الصغيرة ذات مـــغزىً تماماً.

 

ولكن، إذا تذكرنا هيـــمنة نظام «آندرويد» على التطبيقات، تظهر واضحة اليد الطولى لـ «غـــوغل» وطريقته في العمل، لأنه هو الذي أطلق مبادرة «آندرويد» وجعلها مفتوحة، ما تسبب في النمو الانفجاري لظاهرة التطبيقات.

 

عند هذه الثنية، تبرز صلعة الخبير ثور، إذ تسود بين المهتمين بالشأن المعلوماتي شبه قناعة بأن الغلبة في المعلوماتية تكون في نهاية المطاف للمتفوق في الذكاء الاصطناعي، خصوصاً عندما تصل محركات البحث إلى مستويات متقدمة فيه. يعمل ثور على ذلك الأمر تحديداً، بل أنه يركز راهناً على مشروع قريب من الأجهزة الذكيّة المتحركة، وهو السيّارة المؤتمتة التي تقود نفسها بنفسها، وهي الـ «روبوت - سيّارة» Robotic Car.

 

هل تردّ ماريسا ماير بأسلوب «ضُمّ وتوسّع»، بمعنى أن تشتري ربما شركة صــغيرة إذا استطاعت أن تلتقط طرف الخيط في المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي؟

 

هناك ما لاينتهي من أوجه الكلام عن «ياهوو». ويصعب تجاهل الإشارة إلى سرعة التبدّل في عوالم المعلوماتية، إذ ما زال «ياهوو» مراهناً على قسمه الإخباري، لكن «فايسبوك» يستعد لإصدار ما يشبه صحيفة إلكترونيّة خاصة به.

 

وفي الوقت نفسه، يردد كثيرون أن هذا المشروع جاء متأخراً لأن هناك ظاهرة هجران الأجيال الأميركية والأوروبية الشابة لـ «فايسبوك»! كيف تقرأ «أنثى ياهوو» هذا المتغيّر؟.

التغلغل العلمانى فى العالم الإسلامى-20

$
0
0

من كتاب الأعلام والأقزام فى ميزان الإسلام للدكتور السيد حسين العفانى

 

أدبًا مع الله من رواية "أولاد حارتنا"، وأعرف بجلال الله وعظمته من هذه الرواية الطائشة الرعناء!


* الملاحظة الثالثة: الإِساءة إِلى رسول الإِسلام - صلى الله عليه وسلم -:
تحدثت الرواية بعد حديثها عن آدم عن ثلاثة من الرُّسُل الكبار: موسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وحديثها عن الرسولين الأولين موسى وعيسى عليهما السلام كان معتدلا نوعًا مَّا، فلم يرد فيه ما يسيء إساءة جارحة لأيٍّ منهما.
- أما حديثها عن محمد رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء مليئًا بالإساءة والتجريح إلى حد الافتراء في بعض الأحيان، فقد نسبت إليه الرواية اختلاس ثمار الجوافة، والجري في الطريق العام وهو عارٍ تمامًا من ملابسه مع تضاحك الأطفال عليه!!
وهذا افتراء محض وكذب صارخ على من أرسله الله رحمة للعالمين، وصانه من "العبث"في جميع مراحل عمره المبارك قبل البعثة وبعدها.
- ثم جعلته الرواية "بياع بطاطة"ينادي على بضاعته ويقول وهو "يزق"عربة يد "كارو":
"بطاطة العمدة .. بطاطة الفرن"!!
وهذا كذلك افتراء خالص، وليس له سند من الواقع ولا من الوهم!!
- وجعلته الرواية مُغْرمًا بمعاكسة الفتيات يترصدهن في الطريق العام قبيل الغروب!!
- وجعلته الرواية كسولاً لا يحب العمل، ويخلد إلى الراحة والدعة حتى أكرهته السيد خديجة على العمل في إدارة أملاكها!!
- ثم أجلسته الرواية على "المقاهي"وسقته الـ ... على الجوزة!!  - ووصفت الرواية حفل زفافه إلى "خديجة"وصفًا مزريًا للغاية، كانت الخمور تجري فيه أنهارًا، وكل المدعوين كانوا سكارى ومساطيل؟!
- وجعلت الرواية محمدًا وخديجة يسيران في ليلة زفافهما خلف راقصة تتمايل وتهتز وكأنها تلقي عليهما الدرس الأخير في العلاقات الـ .. ؟
- وعيرته الرواية -مرات- بأنه راعي غنم لليهود والنصارى وغيرهم؟!
- لم ترع الرواية حرمة خاتم النبيين الذي وصفه رب العالمين بأنه سراج منير، وعلى خلق عظيم، ورحمة للناس كافة:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: ٤٥، ٤٦].
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤].
هكذا صنعت الرواية مع خير خلق الله، وهي تعلم عمَّن تتحدث جلالاً وعظمة، وهيبة ووقارًا؟!


* الملاحظة الرابعة - الحط من قَدر العرب والمسملمين؟!
وعندما تحدثت الرواية عن آل حمدان أو آل جبل، وهما رمزان لليهود قبل موسى عليه السلام وبعده، وعندما تحدثت الرواية عن آل رفاعة، وهم رمز للنصارى، عندما تحدثت الرواية عن هاتين الطائفتين، تحدثت عنهما بكل تقدير واحترام، ولكن عندما تحدثت عن العرب قبل الإسلام، ثم عن المسلمين بعد الإسلام رمتهم بكل نقيصة، فهم أتعس أولاد الحارة -أي الدنيا- وهم الجرابيع الحفاة العراة الذين لا أصل لهم ولا صفة -أي كريمة- وحياتهم لا تعلو كثيرًا عن حياة الكلاب والقطط والذباب؟! يلتمسون رزقهم في النفايات وأكوام القمامة؟!
هكذا ورب السموات والأرض وصفت الرواية العرب والمسلمين،.  العرب الذين اختار الله رسوله الخاتم منهم، وأنزل كتابه المعجز بلغتهم، وشرفهم بجعلهم أول من يتلقى رسالته الخاتمة، ثم يبلغونها للناس في مشارق الأرض ومغاربها.
والمسلمون الذين وصفهم الله بأنهم "خَيْرُ أُمَّة أُخْرِجَتْ للناسِ "هم في رواية "أولاد حارتنا"أحط الناس قدرًا، منزلتهمَ منزلة الكَلاب والقطط والذباب؟!
أليس هذا مما يجعل الحليم حيران، ويدعو إلى سوء الظن في الرواية ومؤلفها والمدافعين عنها إلى آخر شوط، وإلى أبعد مدى؟!
أليس في هذا "الصنع"محاولة سافرة لمصادرة قول الحق:
"الله أعلمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالتَهُ .. "؟!
ليتنا نعلم الثأر الذي بين رواية "أولاد حارتنا"وبين العروبة والإسلام والمسلمين؟!
أم أن موعدنا "يومَ تُبلَى السرائِرُ"؟!.


* الملاحظة الخامسة - مناصرة غير الإِسلام على الإِسلام؟!
ومن الملاحظات البارزة على الرواية، أنها -دائمًا- تناصر غير الإسلام على الإسلام نفسه، حتى في العقائد الثوابت في الإسلام، ولنضرب بعض الأمثلة:
- تفضيل عيسى على محمد صلى الله عليهما وسلم، وعِلَّة تفضيل عيسى على محمد في الرواية أن عيسى كان عزوفًا عن النساء؛ أما محمد فكان يترصد الفتيات عند المغيب، وكان زير نساء؟!
هذا ما يقوله الحمقى من المبشِّرين والمستشرقين، وقد ناصرتهم الرواية وخذلت المسلمين؟!   - مجاراة الرواية لليهود، أو مناصرتهم في دعواهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام وصلبوه، فتجزم الرواية أنهم قتلوه فعلاً، وتضرب عرض الحائط بعقيدة المسلمين وبقول الحق:
{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: ١٥٧].
- وناصرت الرواية المبشِّرين والمستشرقين في اتهامهم نبي الإسلام بعشق زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة، ثم تزوجه منها بعد أن طلقها زيد استجابة للواعج العشق؟!
- تناصر الرواية أعداء الإسلام وتُعبر عن مناصرتها لهم بقولها: "وتعشَّق امرأة من الجرابيع -أي المسلمين العرب- ثم تزوجها أيضًا"؟! (١).
- دعوى الرواية أن السيدة خديجة تشككت طويلاً في أمر الرسالة لما أخبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ببدء نزول الوحي عليه، وأنها ظلَت تراجعه وتجادله حتى قال لها: إني أعُفيك من أن تصدقيني؟! مع أن الثابت إِسلاميًّا أن السيدة خديجة بادرت بقولها:
"إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأُمَة"عند أول سماعها بنزول الوحي.
ودعوى الرواية كاذبة كاذبة، وهي مجاراة منها ومناصرة لمزاعم أعداء الإسلام.
ْ- ناصرت الرواية حقدة المستشرقين والمبشرين في دعواهم أن القرآن مقتبس من التوراة والإنجيل؟! فجاءت الرواية تقول -كذبًا وزورًا وبهتانًا-: أن قاسمًا أو محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان يتردد كثيرًا على ورقة بن نوفل الكاهن النصراني، وأخذ عنه علمًا غزيرًا، وأن محمدًا كان يخاطب ورقة بقوله: "يا معلمي"؟!، والرواية تعلم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس له مُعَلم قط إلا الله عز  وجل، وبذلك نزل الوحي الأمين:
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: ٤٨].
{وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣].
أليس هذا -مرة أُخرى- داعيًا إلى سوء الظن في الرواية إلى آخر شوط؟!


* الملاحظة السادسة - تجريد التاريخ النبوي من محتواه:
حرص المؤلف -كل الحرص- على تجريد التاريخ الديني النبوي من محتواه، وتفريغه تمامًا من "الإيمانيات والروحانيات"وتصويره في صورة صراع مادي صرف يبدأ وينتهي حول حطام الدنيا وملذاتها الفانية؟!
فليس في رواية "أولاد حارتنا"أية إشارة، ولو رمزية إلى قضية التوحيد والإيمان بما وراء الطبيعة من حقائق هي أُسس ما نادت به الرسالات السماوية.
- فمثلاً لقاء موسى بفرعون لم يكن إلا لنيل بني إسرائيل حقوقهم من "الوقف"وحصولهم على المعاملة الكريمة في المجتمع الفرعوني المستبد.
- ودعوة موسى لبني إسرائيل محصورة -في الرواية- في توحيد صفوفهم لينالوا حقوقهم، ويمكنهم الحفاظ عليها إذا نالوها.
- ومهمة عيسى كانت لمحاربة العفاريت وتخليص المرضى من شرورها ليكونوا أصحاء؟!
- ورسالة محمد - صلى الله عليه وعليهم جميعًا وسلم - كانت لمحاربة "الفتوات "وتسخير "الوقف"للجميع.  .- أما مهمة "عرفة"فكانت لإحلال قوة العلم الحديث محل الإيمان بالله ورُسُله، بعد أن حكمت الرواية على هذا الإيمان بالفشل؟!
ومؤدى هذا كله:
أن الرواية تجاري العلمانية في تفسيرها المادي للتاريخ رضي المؤلف أم لم يرض، أحب أم كره.


* الملاحظة السابعة - التعاطف مع الشيطان؟!
جارت الرواية "أولاد حارتنا"بعض الكتاب الأوروبيين والعرب في التعاطف مع الشيطان الذي طرده الله من الجنة بسبب عصيانه وكفره، ونظروا إلى هذه الواقعة على أنها من وقائع "حرية الرأي"، وأن الشيطان عوقب -ظلمًا- على رأيٍ أبداه، وعقيدة اعتقدها، حملته على عدم السجود لآدم؟ بل إن بعض الدجالين العرب دعا إلى نصرة الشيطان على الله عز وجل، وزعم هذا الأفَّاق الأشر أن الشيطان قال لله:
"لا أسجد إلا لك"، ومع هذا عاقبه الله وطرده وهو مظلوم مظلوم؟! (١).
واشترك في هذا -الدجل- الأستاذ توفيق الحكيم من قبل، وتخيل محاورة دارت بين "إبليس"وشيخ الأزهر، فأفحم إبليس شيخ الأزهر؟! وأثبت -إبليس- أمام شيخ الأزهر أنه مظلوم، مظلوم، وأن جميع الكائنات كانت تردد صياح إبليس: أنا مظلوم مظلوم؟!
سارت رواية "أولاد حارتنا"في هذا الاتجاه، ولوَحت كثيرًا بأن "إدريس"، وهو رمز الشيطان فيها، طرد من البيت الكبير -أي من الجنة- بدون سبب معقول أو مقبول. وزعمت -زورًا وبهتانًا- أن جميع الملائكة، كانت تؤيد الشيطان، ولكنهم كتموا أسرارهم خوفًا من بطش "الجبلاوي" (الله)، وتظاهروا بعدم الاعتراض؟!
فطرد الشيطان في الرواية كان لبغض "الجبلاوي" (الله) للشيطان ولإرادته النافذة التي لا تصغي لحجة مظلوم؟!


* الملاحظة الثامنة - ربط منابع النور بمواضع الخطيئه؟!
ما زلت -والله في حيرة- من بعض الرموز في "أولاد حارتنا"، ومن أكثر الرموز إثارة للحيرة رمز "صخرة هند"، وقد علم قارئ هذه الدراسة أن "هند"هي ابنة إدريس في الرواية، أي ابنة الشيطان، وأن الصخرة التي أضافها إلى "هند"مؤلف الرواية، هي المكان الذي زعمت الرواية أن ابن آدم "قدري"ارتكب فيه "الفاحشة"مع "هند"، وقد فسرنا الرمز "هند"من قبل بأنه: الغواية الشيطانية، ولا معنى لها سوى هذا، إذ لا يُعلم أن للشيطان ابنة اسمها "هند"، وحتى لو كان له ابنة فمن أدرى المؤلف أنها تُسمَّى هندًا؟!
وليس هذا هو مبعث الحيرة، وإنما مبعث الحيرة أن مؤلف الرواية الأستاذ نجيب محفوظ قد ربط بين منابع النور وهي الرسالات السماوية الثلاث، وبين هذا الموضع "صخرة هند"، وهو موضع أول جريمة "زنا"تقع في الوجود حسب "جو"رواية "أولاد حارتنا"الأوسع من الخيال والأوهام؟!
- فالرُسُل الكرام تلقوا رسالاتهم من "الجبلاوي" (الله) عند "صخرة هند"؟!
ومفزعهم وملجؤُهم كان "صخرة هند"؟!
- وعيسى والحواريون كانوا يتخذون من "صخرة هند"ناديًا للحديث والتشاور؟!
  .فما الذي حمل المؤلف على ربط منابع النور بمواضع الخطيئة يا ترى؟!
إنها ملاحظة ذات خطر، وإني لأحتفظ بما فهمته منها، وما أردت إلا أن أشرك معي القارئ في الحيرة، ولعله يفهم مثلما فهمت؟!


* الملاحظة التاسعة - الاختيار والترك:
عرف قارئ هذه الدراسة أن الفصول الأربعة الأولى: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم، تتناول أحداثا واقعية لها وجود حقيقي في التاريخ، وهي تمثل -كما تقدم- حركة التاريخ الديني النبوي وتطوراته. وقد لاحظنا أن المؤلف يقف من وقائع هذا التاريخ موقفا معينًا يقوم على سمتين بارزتين:
إحداهما: الأخذ، والأخرى: التَّرك: أي يأخذ بعض وقائع ذلك التاريخ، ويترك بعضًا آخر في رسم صور "الأشخاص"الأربعة، الذين تحدث عنهم، وهم:
آدم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، فما أكثر ما تركه من سيَر هؤلاء الرُّسُل الكرام، فمما تركه في "أدهم"المنهجِ الذي حدده الله لعمارة الأرض بعد الهبوط {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٣٨، ٣٩].
- ومما تركه في "جبل"فلق البحر وعبور موسى وبني إسرائيل إلى سيناء، وغرق فرعون وآله، ورفع الجبل فوقهم، ووزارة هارون لموسى.
- ومما تركه في "رفاعة"حديث المائدة والكلام في المهد.
- ومما تركه في "قاسم"الإسراء والمعراج، وحصار شعب بني عامر، ومع هذا الترك، فإن ما ذكره كان كافيا جدًّا في تحديد "حقيقة"كل شخصية من الأربعة المذكورين.  * الملاحظة العاشرة - نباهة عرفة وصاحبيه:
إن "عرفة"، و"حنش"وعواطف هم "الوحيدون"في الرواية الذين رفعهم المؤلف "مكانًا عليًا"، وصانهم من كل ألوان النقص والهمز واللمز أو التجريح، وهذا يلائم الجو العام لـ .. وجدانيات المؤلف، "وجوانياته"؟!.
القسم الثاني - عرفة:
أما القسم الثاني، فهو معقود -أساسًا- لعمليتي هدم وبناء، أو "إعدام"و"إحياء"، وكانت نيةُ "أولاد حارتنا"مُبيتة على هذا من قبل أن "يُخَط"حرف واحد فيها؛ فالنية -عادة وواقعًا- تسبق العمل دائمًا، وتكون "هي"الباعث على العمل، والداعية إلى الهدم أو الإعدام لـ "الدين"الذي جاء به الرُّسُل وحيًا يوحى من عند ربهم؟! والإحياء لـ "العلم الحديث"ممثلاً فيما يُدرَك بالحواس الخمس، وتُجرى عليه التجارب والملاحظات والمشاهدات، ثم تستخرجُ قوانينه الكلية، وقواعده الجزئية المستوحاة من المادة المدروسة. وكان كل شيء في الرواية يخدم هذا الاتجاه، ويمهد له من وراء ستار، ولكن كيف تمت عمليتا الهدم والبناء، أو الإعدام والإحياء؟ هذا تساؤل مهم للغاية.
- أما الإجابة عليه فنصورها في الآتي:
جيء بـ "عرفة"رمز العلم الحديث، ونائبه "حنش"، ثم وُضِع بإزائهما التاريخ الديني النبوي، ممثلاً في الجبلاوي، وأدهم، وجبل، ورفاعة، ثم قاسم. وبدأت العمليتان معًا:
ضربة بالمعول في صرح التاريخ الديني النبوي، ثم وضع لبنة في صرح العلم الحديث. وتعددت ضربات المعول في الهدم، وتعددت كذلك عملية البناء بوضع لبنة جديدة محكمة، وسار الفصل الخامس "عرفة"على هذا النظام: كل انخفاض في جانب التاريخ الديني النبوي يقابله ارتفاع في جانب العلم الحديث؟!
وكل نقص في الأول يقابله زيادة في الثاني، إلى أن وصل الأمر إلى تنفيذ حكم الإعدام التام في الدين، وعلى "التو"قام العلم الحديث، وجلس على "عرش الرحمن"وحل محله، ومكانه؟! هذا في الرواية، وليس في الواقع؟!
والذي قام بتنفيذ حكم الإعدام في الدين، هو العلم الحديث نفسه، ممثلاً في "عرفة"قاتل الجبلاوي في الرواية، وكانت الرواية قد جعلت "الجبلاوي"المصدر الأول والوحيد للاتجاه الديني في الوجود كله، يعني هو "الله"تعالى عما يقولون عُلوا كبيرًا، وكان لحكم الإعدام في الرواية مبررات كما تقدم:
- تقديم السن بالجبلاوي، اعتزاله، فشل رجاله الكبار: جبل ورفاعة وقاسم، تَخلف منهجه، فساد بضاعته، زهد أولاد الحارة فيه وفي رجاله؟!
أما العلم الحديث فكان يحقق نصرًا وازدهارًا وتقدمًا كل يوم، فعرف الناس له فضله، ووقفوا على قدراته الهائلة، وطاقاته التي لا حدود لها، فإنه - كما وصفته الرواية: "قادر على كل شيء"؟!
فلماذا -وهذا شأنه- لا يكون هو الآمر المطاع، والناهي المسموع، ومعقد آمال الناس التي لم يستطع أن يحققها الجبلاوي ورجاله على مدى العمر الطويل؟!


* والخلاصة:
إن هذه الرواية تترجم في وضوح: أن كاتبها ساعة كتبها كان زاهدًا في "الدين"كل الزهد، معرضا عنه كل الإعراض، ضائقًا به صدره، أعجميًّا به.  
 لسانه، فراح يشفي نفسه الثائرة، ويعبر عن آرائه في وحي الله الأمين، بهذه الأساليب الرمزية الماكرة، والحيل التعبيرية الغادرة، رافعًا من شأن العلم الحديث إلى مكان الثريا، واثقًا فيه كل الثقة، حتى أجلسه في روايته على "عرش الديَّان"مناصرًا للعلمانية الجاهلة، على دين الله القيم، ورسالاته السامية.
فالرواية -وهذا واقعها- رواية آثمة "مُجَرَّمَة"بكل المقاييس وطنيًّا، وقوميًّا ودينيًّا.
والتماس البراءة لها: مستحيل، مستحيل، مستحيل.
اللهم إلا إذا طمسنا قلوبنا، وأعمينا أبصارنا، وسددنا سمعنا، ثم هتفنا مع أولاد حارة الأستاذ نجيب محفوظ، وقلنا كما قالوا: "لا شأن لنا بالماضي، ولا أمل لنا إلا في سحر عرفة، ولو خيرنا بين "الجبلاوي" (الله) والسحر، لاخترنا السحر"؟! (١).
وهيهات هيهات لما يتصورون؟ " (٢).


* من سقطات محمد جلال كشك في كتابه "أولاد حارتنا فيها قولان":
الدفاع المبالغ فيه البعيد كل البعد عن الحقيقة.
- يقول عن موقف اليسار من نجيب محفوظ:
"وهم يبغضون منه النفس الإسلامي الذي يتضوع من أعماله" (ص ١٩) وهل يصدق هذا عاقل؟!
وقال في (ص ١٣٨): "جريمة نجيب محفوظ أنه قدم وجهًا إِسلاميًّا
 
مشرقًا، مشرقًا في الزمن الرديء جدًّا .. وفي زمن بدا فيه المسلم قبيح المسلك قبيح الفكر".
ويقول في (ص ٥٨): "ولا شك أن قاسم يرمز إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - "فلينظر كل الناس إلى ما قاله نجيب عن قاسم.
وقوله عن جمال الدين الأفغاني (ص ٣٦): "المجاهد الشهيد أستاذ الأجيال جمال الدين الأفغاني .. شاهت الوجوه .. من فيهم له في خدمة الإسلام ما للأفغاني؟!!
الأفغاني بلا جدال هو أعظم مسلم في القرن التاسع عشر هو الزعيم المفكر الذي جعل العالم الإسلامي ميدان نشاطه، متخطيًا بنجاح الحدود القومية والمذهبية"رأيت ردنا المفصل على فكر الأفغاني.
وقال عن الأفغاني: "ولكنه بلا جدال أستاذ الجميع، وخير من خدم الإسلام في القرن التاسع عشر، ولولا شنشنة نعرفها من أخزم، لقلنا بل ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم" (ص٣٧، ٣٨)!!
وقال (ص ٤١): "إن المسلم الذي يتعرّف على الله سبحانه وتعالى من معالم شخصية الجبلاوي، هو الذي يستحق الاستتابة، ويجب عليه أن يعيد تثقيف نفسه في علم التوحيد .. وهو مسلم ظن بالله الظنون ولم يقدر الله حق قدره .. والسموات مطويات بيمينه - سبحانه وتعالى عما يشركون" (١).
- ونحن نحيل القارئ إلى ما قاله سكرتير لجنة الجائزة في حفل التسليم باستوكهولم عام ١٩٨٨ حيث أشار في غضون إطرائه على الرواية إلى ما تضمنته من مفهوم (موت الإله)! (٢).
ونحيل القارئ إلى الكتاب الهام "الطريق إلى نوبل ١٩٨٨ عبر حارة نجيب محفوظ "للأستاذين الدكتور محمد يحيى ومعتز شكري.
 
* نجيب محفوظ والشيخ عبد الحميد كشك وأحمد عبد المعطي حجازي:
"في صحيفة الأهرام الصادرة في ٢/ ٦/١٩٩٩ شن أحمد عبد المعطي حجازي هجومًا ضاريًا على الشيخ عبد الحميد كشك -رحمه الله- مدعيًا أن الكتاب الذي كتبه الشيخ كشك عن نجيب محفوظ فيه دعوة لاغتيال نجيب محفوظ استجاب لها ولباها -كما يقول حجازي- "بعض القردة المتوحشين"، وانهالوا على عُنُق الكاتب بالخناجر والمُدى"ويمضي فيصف الشيخ كشك بأنه "واعظ محدود الثقافة!! لا علاقة له بدراسة الأدب"وبأنه: "واعظ نصف أمي"ويتساءل ساخرًا: "لماذا لا يُعيَّنْ الشيخ كشك أستاذًا في جامعة المنصورة، أو في جامعة القاهرة" (١).
 
* في ميزان الحق:
"وما ذكره حجازي يرفضه الحق وينقضه الواقع، فالذين اعتدوا على نجيب محفوظ لم يقرأ واحد منهم كتاب الشيخ كشك بل لم يسمع به، وهذا ما أثبتته التحقيقات والشيخ كان من حفظة القرآن المتعمقين في معانيه وأسراره، وكان ذا ثقافة موسوعية واسعة، ووهبه الله حنجرة قوية الأمر والتأثير، وكنت أتمنى أن يقرأ حجازي كتاب "النبي والفرعون"للكاتب العالمي الشهير "جيلز كيبل"وقد كتب فيه فصلاً عن الشيخ كشك من عشرين صفحة جاء فيه. "أنهم يستمعون لكشك في القاهرة، وفي الدار البيضاء، وفي حي المغاربة في مارسيليا .. فهو نجم الدعوة الإسلامية، وقد كان لكشك مقلّدوه،
ولكن لم يتوافر لأحدهم أحباله الصوتية التي لا تُضاهَى، أو ثقافته الإسلامية الواسعة، أو قدرته غير العادية على الارتجال، أو روحه الجسور في نقده للأنظمة الظالمة، والدكتاتورية العسكرية، ولمعاهدة السلام مع إسرائيل".
هذه سطور من شهادة كاتب غربي غير مسلم لرجل اتهمه حجازي بالأمية والتعصب وضيق الأفق .. " (١).
 
* ونقول لأحمد عبد المعطي حجازي ضيق الأفق:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رَمَدٍ ... وينِكُرُ الفم طعم الماء من سقَم
ونقول له: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: ١٠٩].
والله الموعد.
 
* عبد الرحمن الشرقاوي يشوِّه التاريخ الإِسلامي:
سبق أن تكلمنا عن عبد الرحمن الشرقاوي وكتابه "محمد رسول الحرية"وردّ الشيخ محمد أبي زهرة علية (٢)، يقول الأستاذ أنور الجندي تحت عنوان "أخطاء عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه "السيرة والتاريخ":
في كل كتاباته الإسلامية يظهر الغرض المبيت المدفون واضحًا:
"محمد رسول الحرية -مسرحية الحسين ثائرًا- كتاباته عن الإمام علي".
إن درجة الوعي الإسلامي الآن في فهم تيارات التغريب قد أصبحت عالية وما نعتقد أنها يمكن أن تخدع وهذه الأسماء معروفة الهوية ولذلك فهي لا تستطيع أن تكسب ثقة قارئ واحد من المؤمنين باليقظة الإسلامية ولعل هذا هو ما يزعج هؤلاء ومَن وراءهم، إن خطط التغريب والغزو الثقافي قد.  ....كشفت تمامًا فمهما حاولوا تغيير جلودهم ومهما خلطوا أوراقهم ومهما نشرت لهم الصحف الكبرى ومهما حالت بين مفترياتهم وبين تصحيحها، فلييئس هؤلاء تمامًا وسيرتد الكيد إلى نحور أهله.
إنها محاولة لتحطيم الصحوة وللقضاء على الأصالة ولطرح مزيد من الشبهات والشكوك والسموم على الطريق الذي أصبح صالحًا ليسلك عليه المسلمون إلى إقامة المجتمع الرباني، إنها محاولات يائسة لإفساد الفكر ولتزييف التاريخ ولهدم القيم تحت أسماء إسلامية، ومن خلال صحف محتوية للتغريب والغزو الفكري، ففي روايته الحسين شهيدًا كان حريصًا على أن يصور المجتمع الإسلامي بعد أن اختار الرسول الرفيق الأعلى بنصف قرن في صورة بشعة، وكأن هذا المجتمع قد تداعى وتهاوى وصار مجتمع عربدة وفجور، ومجتمع شقاق ونفاق ومجتمع جبن وضعف ومجتمع خيانة ونكث للعهود، مع أن المجتمع كان لا يزال يزخر بعدد كثير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه عدد ضخم من التابعين لهم بإحسان (وهذه متابعة لخطة طه حسين) التي جرى عليها في الهجوم على الصحابة وأتباعهم أما في دراسته عن الإمام علي فقد اعتمد على مراجع معينة أغلبها مشكوك في صحتها وفي مقدمتها الأغاني، وفي هذا تابع أهواء الدكتور طه وخطته حتى ليخيل إلي أنه امتداد حقيقي وتجديد استشراقي تغريبي لأفكار طه حسين المسمومة التي بثها في كتابه الفتنة الكبرى وعلي وبنوه في الأربعينات يجددها الشرقاوي في الثمانينات.
فقد جرى وراء القصص البراق، واعتمد على المصادر المضلة وساير خصوم الشيخين أبي بكر وعمر من الباطنية وحاول أن يلحق الإساءة بالسيدة عائشة على هوى بعض الفرق.
- ويمكن أن نقول بوضوح أن عبد الرحمن الشرقاوي القصاص الذي. يغلبه الخيال والبريق والرواية المثيرة لا يصلح مؤرخًا ولا يمكن أن يقبل منه كل ما كتب على أنه تاريخ وهو يمضي في سلك واحد مع جورجي زيدان أولا وطه حسين أخيرًا ومن العجيب أن أحدًا ممن نقدره لم يشر إلى متابعته لخطأ طه حسين في هذا المجال.
- وفي الوقت الذي يأتي كتاب غربيون يشيدون بعظمة الإسلام ورسوله ورجاله ينحرف كتاب عرب لهم أسماء إسلامية عن هذا الخط ويخوضون إلى ما تحت ركبهم في الأعراض والقبائح.
ولقد تأكد ما قاله الشيخ الشعراوي من أن الأهرام أصبحت وكرًا لأعداء الإسلام وأن موقف الأهرام من إغلاق الصحيفة على كتابها دون أن تسمح بوجهة النظر الأخرى هو من الآثام التي سوف تحاسب عليها الأهرام عندما يكتب تاريخ الصحابة، وما كانت هكذا تجري المعارك الأدبية في القديم حيث كان يسمح لكل طرف أن يعرض آرائه، وها هي الأهرام تستخدم من قبل توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود، والشرقاوي لخدمة أعداء الإسلام.
- ولقد صدق الشيخ محمد الغزالي حين وصف الشرقاوي بأنه يجمع القمامات من كتب التاريخ ويصدق أيضًا ما وصف بأنها مؤامرة لضرب الإسلام لحساب المسيحية ولضرب الصحوة التي أدخلت في الإسلام أعلامًا كبارًا أمثال جارودي (١) وبوكاي.
ولعل أسوأ صفحات الشرقاوي هو أسلوبه في الحوار وإدخاله الإقذاع والسخرية فهو كاتب يمكن أن يوضع في صف الشعراء القدامى الذين تخصصوا في الهجاء المقذع الذي يرفضه الإسلام أسلوبًا للحوار فما بالك وصاحب الحق في الرد لا يمكن من أن يقول كلمته في نفس المكان، أي.ظلم هذا" (١).
 
* مآخذ على كتابات الشرقاوي حول الإمام علي:
أولاً: إن مصادر الكتابة عن الإمام علي - رفاقه ومنهج البحث في سيرة الصحابة تختلف عن المصادر ومنهج البحث في التاريخ العام، وهو لم يلتزم بهذا المنهج بل عمد لكتب التاريخ وغير كتب التاريخ فاستقى منها مادته وأخباره، فرجع إلى كتاب "الأغاني "، وهو مرجع لمؤرخي الأدب في العصر العباسي يجمع أخبار الشعراء والأدباء والمغنيين والمغنيات ومجالس الشراب والطرب، فإذا وجدت فيه معلومة عن صحابي أو تابعي فيجب الوقوف أمامها طويلاً، للبحث عما إذا كانت قد وردت في مصدر تاريخي أصيل مما تتكفل به أصول البحث العلمي، ومصطلح علم الحديث وأصول الرواية في معرفة حال الرواة وصحة المتن وطريق التحمل ولكن الشرقاوي سوى بين المصادر القديمة لقدمها ولم يفرق بينها ومن هنا وقع اللبس.
- ومن مصادر الشرقاوي (الطبري) والطبري لا يشك أحد في صدقه ولكنه اعترف في كتابه أن الكتاب لا يخلو من الوقائع المكذوبة والأخبار المنحولة فلما هوجم الشرقاوي في هذا دافع عن مصدره وأهمل هذا التحذير الخطير الذي سجله الطبري في صدر كتابه.
وهكذا فإن المصادر التي رجع إليها الشرقاوي لم تكن كلها كفئًا للموضوع فوقع في ورطة إذ لم يستجب لنصح الناصحين فيها.
ثانيًا: "تناول أشخاصًا لهم بلاء وغناء وسبق إلى إلاسلام والجهاد في سبيل الله ووصفهم بما لا يليق بأمثالهم، فهم تلاميذ محمد - صلى الله عليه وسلم - والشوامخ.  .  . الذين هاجروا في الله بعد ما فتنوا وهاجروا وصبروا وقد قدم لنا الإمام علي في عماية فتنة وأعصار محنة، وقديمًا قرر الفقهاء والعلماء والسلف الصالحون ممن أدركوا الفتنة وجاءوا بعدها الإمساك عن الخوض فيها فإن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم ولكل منهم وجهة نظر واجتهاد والمخطئ فيه له أجر والمصيب له أجران.
لم يتناول الكاتب دور اليهود في هذه الفتنة التي آثر الخوض فيها وما فعله عبد الله بن سبأ وأشياعه والمخدوعون به فهم أسبابها وما أشبه الليلة بالبارحة ولم ينهج نهج المحدثين وأهل الأثر من نقده الأخبار على مقتضى قوانين الرواية والجرح والتعديل الذي ميز الله به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وراح يسوق الأخبار ومنها الملفقة كأنها حقائق مسلمة ويبني عليها اتهامات ويصدر أحكامًا قاسية وهي أخبار واهية لا تحل روايتها فضلاً عن اعتمادها في تقرير حكم أو توجيه لوم خاصة إذا كانت تحمل في ثناياها دليل بطلانها، ولم يشر إلى مرجع واحد من مراجعه التي اعتمد عليها، فإن كثيرًا من أئمة المؤرخين قد ينقلون الشائعات والأخبار التي لا تصدق، ولكن بأسانيدها اعتمادًا على أن الناس سيبحثون الأسانيد فيتقبلونها أو يرفضونها.
(عن بحث الأستاذ عبد المعز عبد الستار بتصرف)
ثالثًا: إلحاحه في قوله: "ليس لبني إسماعيل فضل على بني إسحاق ولا لبني إسحاق فضل على بني إسماعيل"والحق أنني ألمح منها كيدًا خفيًا من عمل اليهود وإفكًا افتروه، بعد أن عزلهم الله عن قيادة البشر وجعلها في العرب من بني إسماعيل فاليهود من يريدون أن يتساووا مع العرب والمسلمين ويستغلوا المبدأ ويقرروا أنهم يرتقون إلى مستوى المسلمين على ما بهم من بغي وكفر وقساوة قلب، وعلى أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وقولهم: "ليس علينا في الأميين سبيل"، ونحن نقول: "بل.  لبني إسماعيل اليوم فضل على بني إسحاق"، وللعرب فضل على اليهود بعد ما أثبت اليهود ببغيهم وعداوتهم أنهم على مدى التاريخ وراء كل فتنة وسبب كل محنة وأنهم كالمشركين لا يرقبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذمةً.
رابعاَّ: غرق عبد الرحمن الشرقاوي في أباطيل الرواة وفي "الروايات الضالة فأجرى على لسان (الإمام علي) عبارات ما كان يمكن أن تجري على لسانه، وتقوَّل عليه أخبارًا كاذبة كمثل ما نسب إليه من أنه قال أنه كان أولى من أبي بكر وعمر بالخلافة.
خامسًا. انزلق عبد الرحمن الشرقاوي في أعراض الصحابة واندفع بهدف ونية مُبيتة وليس من باب الخطأ، أو عدم الإحاطة بالمصادر، ولا كانت هذه الفترة من تاريخ الإسلام شائكة، وكان هو غير متخصص في التاريخ وقليل الدراية، والعلم بالصحابة بحيث يجب أن يتناول تاريخهم بأسلوب مختلف، يقوم على احترامهم ومعرفة قدرهم وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا حين قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، ويقول. "لا تسبوا أصحابي، من سب أصحابي فقد سبني".
وقد بدا القصد من سياق السرد وهو النيل من الآخرين ومن سابقته بالذات، وهي نقطة مهمة كان لا بد من إثارتها، وكانت عبارات الكاتب تستهدف التنقيص ممن قبله من الخلفاء - رضي الله عنهم - أجمعين.
وقد قصد الكاتب إلى إثارة خلاف في هذه الآونة بين طائفتين أو أكثر من المذاهب الإسلامية وإيجاد بلبلة وتباغض بين تلك الأمم والمذاهب ومن هنا دخل في الخطر الكبير الذي جاء عنه التحذير في بعض الآثار: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".
الأخطاء كثيرة وكأن بالرجل يرمي إلى شيء من وراء هذه المغالطات غير العلم فابتعد عن الحقائق، وماذا يقصد بأوصافه التي أتى بها خياله عن.   ليلة زواج ذي النورين عثمان - رضي الله عنه - من نائلة، وهو الذي كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، ومن أين له هذا الوصف البعيد كل البعد عن العلم وعن التاريخ وأقرب ما يكون إلى روايات الجنس، ثم كتاباته عن أم المؤمنين عائشة وعن الصحابة طلحة والزبير وغيرهم عندما وصفهم بغير أوصاف المؤمنين وهم المؤمنون حقًا.
عن (عبد الله الأنصاري) بتصرف.
سابعًا: بدأ الشرقاوي خطته بأن ألف كتابه "محمد رسول الحرية"على أساس أن الإسلام مظهر للصراع بين الطبقات وأن الأصنام تم صبها حول الكعبة لأسباب مادية وتم هدمها كذلك لأسباب اقتصادية ومضى في طريقه يفسر الوقائع بمعايير الفكر اليساري ويقرأ كتب التاريخ غير مميز بين حقيقة وشائعة، وبين صحيح وموضوع وغير مدرك لمكانة الرجال الذين يتحدث عنهم فجاءت كتاباته بعيدة كل البعد عن المنطق العلمي، كما جاءت بعيدة الأثر في الإساءة إلى الإسلام والصحابة وإلى الآمال المرجوة في الصحوة الإسلامية وجمع الشمل وقد ردد الشبهات والتقط النقاط المشكوك فيها التي تعينه على باطله، ومنها الخطبة المنسوبة إلى علي بأنه أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر وهي خطبة تعني أن الخلفاء الثلاثة كانوا مغتصبين حقًّا ليس لهم وأنهم طلاب دنيا وعشاق رياسة وأن جمهور الصحابة جبن عن مظاهرة صاحب الحق المقرر، وهذا النسق يرمي إلى فتح الباب للطعن في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
ودعواه أن بني النضير أسلموا باطل فما أسلم بنو النضير يومًا، وأنهم حاولوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما كان بينهم في بعض الشئون وهناك قضية وهب لها الشرقاوي فكره ونشاطه، ويريد أن يجر الإسلام إليها جرًا دون هوادة، هل للمسلم أن يدخر أو يكنز بعد أن يؤدي الحق المقرر عليه في ماله،.  أم يجب إلا يمسك عنده شيئًا فوق حاجته وهو يؤكد أنه لا يجوز استبقاء شيء لصاحبه فوق نفقته العادية، إن هذا هو ميل إلى نظرية كارل ماركس (لكل حسب حاجته)، ولكنه يصور الرأي الذي ارتآه على أنه من الكتاب والسنة، وهو يحاول أن يجعل علي بن أبي طالب ضد رأس المال مهما أدى ما عليه من حقوق وهو يحاول أن يجعل عثمان كأحد الباشوات أو اللوردات الذين يشبعون شهواتهم ويرهبون المجتمع بفضول أموالهم ومن المقرر أن كتابات عبد الرحمن الشرقاوي لا تحكي تاريخًا إِسلاميًّا، فهو يساري يريد أن يجعل الإسلام وتاريخه مصبوغين باللون الأحمر والتفكير المادي ويسوق الحوادث سوقًا لخدمة هذا الغرض.
فهل صحيح أن الصراع بين التوحيد والوثنية كان صراعًا طبقيًا كما يقول الأغنياء يدافعون عن وجودهم والفقراء عن حقهم في الحياة الكريمة، وعن أحلامهم في عالم أفضل، أي أحلام هذه وهل صحيح أن موسم الحج كان "يستثمر هؤلاء الأغنياء أموالهم في البيع والشراء والربا فيربحون ويربحون، وهذه الأصنام هي التي تمنحهم كل سلطاتهم على الأجراء والمعدومين والعبيد وأبناء السبيل وواجه محمد هذا كله بأن الأصنام ضلال مبين فهو يلعن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، هكذا يقول الشرقاوي في تصوير الرسالة الإسلامية. صراع بين الغنى والفقر لا وجود له إلا في دماغ المؤلف.
وآية عدم اكتناز الذهب والفضة نزلت بعد اثنتين وعشرين سنة من بدء الرسالة ولا صلة لها بعبادة الأصنام أو الحرب التي شنها الإسلام على الوثنية من أول يوم. حتى الهجرة إلى المدينة جعل لها الشرقاوي أسبابًا اقتصادية فإن المرابين في المدينة كان ضغطهم أقل، والهوان الذي يتعرض له المدينون كان أخف، تأمل قوله: هنا مجتمع آخر أكثر تقدمًا من مجتمع مكة، هنا علاقات
اجتماعية أخرى أكثر قابلية لتعاليم محمد، فالمرابي اليهودي لم يكن قادرًا على استعباد المدين العربي إذا عجز عن الوفاء كما كان يحدث في مكة، ولم يكن له الحق في أخذ امرأة المدين أو ابنته لإكراههما على البغاء كما كانت تفعل قريش، وأجير الأرض في المدينة أعلى درجة من عبيد مكة الذين كانوا يحرسون القوافل والمصارف إلخ.
ليس في هذا الكلام كله ذرة من صدق، والقول بأن العرب كانوا يسترقون المدين المعسر، ويستوفون ديونهم من استرفاق امرأته وابنته وإرغامهما على الزنى، كلام مكذوب، ما كان شائعًا لا في مكة ولا في المدينة وبالتالي فلا صلة للهجرة بهذه الأوضاع المختلفة.
إن هذا الكلام ليس تشويه تاريخ، بل هو تزوير تاريخ، أو كما يقال في مصر (سمك، لبن، تمر هندي) وليس في القرآن ولا في السنة المطهرة ولا في السير المؤلفة عن صاحب الرسالة ما يترك مثل هذا الانطباع الغريب، عن الجو الذي بدأت منه تعاليم محمد. كما يصف عبد الرحمن الشرقاوي الإسلام ونبيه وما نزل عليه من وحي وما تمخض عنه من حضارة.
عن الشيخ (محمد الغزالي بتصرف)


* مسرحية الحسين شهيدًا:
الأصابع الحمراء تشوه حقائق المعارك الإسلامية وتشهر بالصحابة الأجلاء (أحمد الشرباصي، محمد الطيب النجار، زكي البنهاوي) نشرة الاعتصام - مايو ١٩٧٥ عن هذه الدراسة للمسرحية تحت عنوان: "مسرحية الحسين شهيدًا".
١ - المسرحية تظهر شخصية الحسين وشخصية السيدة زينب - رضي الله عنهما - وهما من آل بيت الرسول الأعظم، وقد تكررت الفتوى من العلماء المسئولين بمنع.  إظهار هذه الشخصيات الطاهرة.
٢ - تردد في المسرحية التشهير بجماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم قدوة لنا وقد نوه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمكانة أصحابه في أكثر من حديث شريف ومن واجبنا أن نبرز مفاخرهم ونركز عليها ونهتم بها وألا نطيل الوقوف أمام ما نسب إليهم من خلاف أو أخطاء.
٣ - ترددت في المسرحية عبارات الاتهام بالكفر والخروج عن الإسلام وعبارات اللعنة والتغريض الشنيع بالحرمان وهذا كله بين مجموعة تنتسب إلى الإسلام وجاءت فيها ألفاظ خارجة مثل (أبناء الأمهات الزانيات، يا ابن الفاعلة، يا ابن البرصاء، الدعي بن الدعي).
٤ - صورت المسرحية العصر الأموي تصويرًا يجافي الحقيقة في بعض النواحي فوصفه بأنه عهد الإقطاع والأطماع وجردت الأمويين من كل خير ونحن لا ننكر أن هذا العصر فيه عيوب ومآخذ، ولكن هذا العصر شهد أيضًا فتوحات إسلامية كثيرة، وكان فيه جهاد ونضال فكيف نجرده من كل حسنة، ونبالغ في تصوير فساده كل هذه المبالغة.
٥ - والعجب كل العجب أن يوجد "وحشي بن حرب"بين شخصيات هذه المسرحية؛ لأن أحداثها تدور في سنة ستين للهجرة ووحشي بن حرب قد مات سنة خمس وعشرين للهجرة في خلافة عثمان - رضي الله عنه - فوحشي إذن لم يدرك شيئًا من أحداث هذه المسرحية فكيف يضاف إلى أشخاصها.
٦ - هناك نوع من القسوة في الحكم على معاوية مع أنه صحابي ومن كتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكرت المسرحية أنه عطل أصلاً من القرآن وزيف قاعدة الشورى وأهدر أحكام السنة إلى غير ذلك من التهم الشديدة التي يختلف في تحديدها المؤرخون والباحثون.
٧ - جاء على لسان الحسين - رضي الله عنه - وأرضاه أنه ذهب حينما اشتدت المحنة.  إلى قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال يخاطب النبي: جدى، أنا لا أعرف ما أصنع فأعني "والحسين خير من يعرف أن العون إنما يلتمس من الله تبارك وتعالى، وجد الحسين هو نفسه القائل: "إذا استعنت فاستعن بالله"فضلاً عن أن الواقعة لا نصيب لها من الصحة.
٨ - ذكرت المسرحية أن (يزيد) قد فرح بمقتل الحسين - رضي الله عنه - وهذا يخالف الواقع؛ لأن التاريخ يذكر أن يزيد قد توجس شرًّا من قتل الحسين وأنه بكى حين رأى رأسه ولسنا ندري لمصلحة من يظهر يزيد وهو حاكم المسلمين على أقل تقدير - في مظهر حقير مثير لو كان أمرًا واقعًا لما كان من الحكمة إبرازه.
فقد قدمت المسرحية عقب مقتل الحسين شخصًا يبدو مخمورًا والجواري تمتطين ظهره وينخسنه فيسير بهن كالحمار والتاريخ يذكر فيما يذكر أن يزيد كان متهمًا بالانحراف عن الآداب الدينية قبل المبايعة له فلما تولى الحكم انصرف عن هذا الانحراف أو على الأقل لم يجاهر بمثل ما كان يجاهر به من قبل.
٩ - أن المسرحية مع الأسف كأنها تحرص على تصوير المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنصف قرن فقط في صورة بشعة، وكأن هذا المجتمع قد تداعى وتهاوى، وصار مجتمع عربدة وفجور ومجتمع شقاق ونفاق ومجتمع جبن وضعف ومجتمع خيانة ونكث للعهود مع أن المجتمع كان لا يزال فيه عدد كبير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه عدد ضخم من التابعين لهم بإحسان.
١٠ - تردد في المسرحية أكثر من مرة التعريض بنظام الجواري حيث تناول الأشخاص عبارات الاتهام باللهو والتمتع بالجواري، على سبيل التعريض والتهكم مثل هذه العبارات (ما يجيد سوى مصاحبة الجواري)، (تمتع بجواريك الأبكار الخرد)، (سوق الإماء).
١١ - تناثرت عبارات مأخوذة من جو غير إسلامي مثل هذه العبارات (ما جئت لألقي سيفًا) (جئت لألقي موعظة) (لأملأ كل بيت بالمحبة، جموع الفقراء) (يا مطفئ نور الحضارة).
١٢ - اختير لون السواد لطائفة من الممثلين والممثلات وهذا السواد شعار طائفي مذهبي خاص فهل من المصلحة إثارة مثل هذه الطائفية، وكذا بدا من قام بدور الحسين في ثياب تشعر بأنها إيحاء بشخصية غير إسلامية، وإن كانت شخصية لها مكانها في نظر المسلم.
وكان هناك في نص المسرحية نواح وندب وتعديد وقد طال هذا وامتد فما مدى اتفاق ذلك مع تعاليم الدين.
كذلك جاء على لسان أحد الأشخاص من أتباع الحسين - رضي الله عنه - ما يفيد، أن قتال المعارضين للحسين خير من قتال المشركين فهل يحكم على عقائد الناس بمثل هذه السهولة.


* عبد الرحمن الشرقاوي شاعر الرؤية الخائنة ومسرحيته "وطني عكا ":
لقد أيّد الشرقاوي خط الصلح الكامل مع إسرائيل الذي أنتهجه السادات، وكان موقفه هذا قد سبقه تقديمه لمسرحيته "وطني عكا"التي طرحها عام ١٩٦٩، وكان عبد الرحمن الشرقاوي بكامل قواه العقلية والأيديولوجية متبنيًا لتلك المغالطات التي رددها الشيوعيون العرب حول قضية فلسطين وعلاقتنا بالكيان المغتصب وهي نظرة ومغالطات لحثالة من الشيوعيين شوهاء مجرمة ظلت تعتقد بوجود شعب طيب في "إسرائيل"تحكمه قلة رجعية لا تمثل الغالبية، وأنه لو تغير نظام إسرائيل -يقصدون الكيان الصهيوني- من الرأسمالية إلى الماركسية تنعدل الأمرر وتنتهي المشكلة. أي أن الشرقاوي كان يعبر -ولا شك أنه نجح في التعبير- عن رؤية خائنة شوهاء لمستقبل أهم وأوضح قضية من قضايانا على المستويين القومي والإسلامي.
ويبدأ الشرقاوي في تقديم افتراضات -ليس لها أي مبرر مادي- لنماذج من العسكرية الإسرائيلية، يفترسهم تأنيب الضمير صبيحة انتصارهم عام ١٩٦٧! ويظهرون كلهم كضحايا تضليل الصهيونية (لاحظ الدس لايجاد شعور بأن هناك فارقًا بين الصهيونية وبين دولة إسرائيل! ).
- وعندما نصل إلى المشهد الأخير يصور لنا الشرقاوي نضج وكثافة ما ادعاه -طوال المسرحية- من الأصوات الحرة التي ارتفعت داخل إسرائيل وتأثيرها في الموقف الحاسم، عندما يأمر الضابط الإسرائيلي "يعقوب"بنسف القرية العربية إذا لم تسلم الفدائيين، فيتقدم الضابط الإسرائيلي (الحر) "سلامسكي"معترضًا في غضب وثورة على أمر قائده "يعقوب" (ولا يضربه بالرصاص كما هو متبع في مخالفة الأمر العسكري أثناء معركة، بل يجادله بالحسنى! ) ونجد ضابطا إسرائيليًّا آخر (حرًا) كذلك اسمه "سعد هارون"من يهود فلسطين القدامى - يؤيد معارضة "سلامسكي"متخذًا أسلوبًا دينيًا كهنوتيًا في التعبير عن رفضه لأمر الضابط (يعقوب) بنسف القرية العربية.
وفي هذه اللحظة نفسها -والشرقاوي يصور لنا الأصوات الحرة في إسرائيل تعارض وتمنع الذبح والنسف والقتل، وهي تبدو متغلبة ومنتصرة على التيار المعادي للعرب في هذه اللحظة بالذات يدخل الفدائي الفلسطيني (أبو حمدان) بالمفرقعات وبخدعة ساذجة يستطيع أن يقنع الفرقة العسكرية الإسرائيلية (والتي تبدو طيبة وإنسانية إلى درجة البراءة) يقنع الفرقة بالالتفاف حول صندوق المفرقعات فينفجر ويقتل الفرقة العسكرية كلها .. ويضاء المسرح ونرى الفرقة الإسرائيلية الإنسانية جثثًا مبعثرة على الأرض .. أشلاء الأصوات الإسرائيلية (الحرة) التي قتلها الفدائي الفلسطيني.
- وبهذا يصل الشرقاوي بمدلول اللغة المسرحية المرسلة مع هذا المشهد - إلى أن المقاومة الفلسطينية، إنما تقتل بأعمال "العنف"الأصوات الحرة التي.  نكسبها داخل معسكر الأعداء!! وبذلك يخلص حضرته إلى إدانة المقاومة.
لصالح تلك الأصوات الحرة المزعومة، التي يدعي وجودها في داخل الكيان الصهيوني المعتدي، والتي تدعونا المسرحية إلى الأعتراف بها والتعاون والتعاطف معها، وفق خطة رؤية خائنة مضللة طيلة العرض المسرحي.
لاحظ التخاريف الشرقاوية التي تقول أننا داخل الكيان الصهيوني ننجح في تشكيل تيار لصالحنا، ولعلنا لا ننسى المفارقة في أن الكيان اليهودي -للأسف- هو الذي نجح في تشكيل تيار عام داخلنا نحن لصالحه!
ومن المفارقات أن تكرَّم هذه المسرحية من قبل بعض ممثلي المقاومة الفلسطينية الذين قدّم (أبو إياد) باسمهم درع المقاومة، جائزة تقديرية للمخرج كرم مطاوع والمؤلف عبد الرحمن الشرقاوي عن عملهما ذاك الشائن" (١).


* مدحت باشا الخائن والمؤامرة على الخلافة في تركيا:
المؤامرة على تركيا الخلافة مؤامرة على الإسلام بدؤها مدحت. ووسطها الاتحاديون. وختامها أتاتورك.
لماذا هذا الحقد الشديد البالغ من أقلام عربية لكتاب مسلمين جغرافيًّا على الخلافة الإسلامية والجامعة الإسلامية والوحدة الإسلامية والتضامن الإسلامي الذي تشرق في هذه الأيام شمسه وتبدو علاماته وتعلو راياته بعد أن تعددت كتابات الكتاب عن الصحوة الإسلامية بأنه "ضربة موفقة"، أو قول أحد المؤرخين الشعوبيين: "وهكذا سقطت الخلافة الإسلامية إلى الأبد"!.
وقد نسي هؤلاء وأولئك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون.  .ملكًا عاضًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت" (١).
وما ينطق الرسول عن الهوى. وهذا الحديث الصحيح يؤكد عودة الخلافة الإسلامية مرة أخرى على نحو أوثق صلة بحكم الله ونظامه الذي جاء به القرآن الكريم. ولقد كان سقوط الخلافة الإسلامية (حدثًا) خطيرًا لم يكتب عنه بعد، وكان له أثره في نفوس العاملين في حقل اليقظة الإسلامية.
وقد كان مصدرًا لقيام المفهوم الصحيح للإسلام بوصفه منهج حياة أو نظام مجتمع. وما من دعوة إسلامية إلا وقد أخذت على أهلها العهد بالعمل لعودة الخلافة الإسلامية متى جاء أوانها، وما تزال الحركات الإسلامية كلها عاملة على هذا النهج، سائرة في هذا الطريق.
ولا ريب أن قيام عدد من المنظمات الإسلامية العالمية هي بشائر الخير في هذا الطريق. فإن الدعوة إلى قيام الجامعة الإسلامية أصبح اليوم عملاّ ضروريًّا بعد أن فسدت الدعوات الاقليمية والقومية، وفي مقدمتها الجامعة العربية. ولا بد للمسلمين من أن يصلوا إلى الطريق الحقيقي لمواجهة تآمر الغرب والصهيونية والشيوعية عليهم وهو إحياء جامعتهم وإقامة خلافتهم.


* معلومات مسمومة:
ولست أدري لماذا هذا الاهتمام بإعادة طرح معلومات مسمومة كاذبة

.مضللة انتشرت زمنًا وكانت أشبه بالمسلمات، روجها اليهود والمارون ثم تبين زيفها وتكشفت الحقائق التي تدحضها؟!

لماذا العودة إلى الزيف بعد أن ظهرت الحقائق؟!
ولماذا الادعاء بأن مدحت مصلح. وأن مصطفى كمال أتاتورك مجاهد؟!! - والحقيقة أن للرجلين ومن بينهما من رجال "الاتحاد والترقي"هم عملاء النفوذ الأجنبي والصهيونية. لقد تكشفت هذه الحقائق في العالم الإسلامي كله، ولم يعد في إمكان كاتب ما أن يضلل الناس بإعادة هذه الأكاذيب وصفِّها، وخداع الناس في أمر رجل كان والده حاخاما يهوديًّا مثل (مدحت) أو رجل هو من الدونمة أصلاً مثل (أتاتورك) إن الدعاوى الصهيونية والغربية قد خدعت المسلمين طويلاً بتزييف صفحة الدولة العثمانية، والسلطان عبد الحميد من أجل هدف معروف وواضح هو إسقاط هذا السلطان، وإزالة الدولة العثمانية، وهدم الخلافة الإسلامية لتمكين الصهيونية العالمية من الوصول إلى فلسطين، والاستقرار في القدس!!
لقد كان أتاتورك والاتحاديون هم مادة تجربة جديدة فاسدة أُريد بها القضاء على النظام الإسلامي، وهدم الشريعة الإسلامية وإقرار نظام العلمانية والمادية والوثنية في المجتمع والتربية والسياسة في البلاد الإسلامية، ومحاولة لجعله مثلاً أعلى للتقدم والتجديد. ثم جاءت أحداث التاريخ بعد خمسين عامًا لتكشف زيف هذه المحاولة وفسادها بعد أن تعددت حلقات هذا الغزو التغريبي الذي تجئ الأحداث يومًا بعد يوم بمثابة الدليل الأكيد على فساد هذه التجربة وعلى سقوط هذا المنهج ومؤكدة بأن المجتمع الإسلامي الأصيل القائم على فكرة التوحيد الخالص منذ أربعة عشر قرنًا يرفض العضو الغريب، ويتأكد له بعد التجربة المتصلة مع الديمقراطية الغربية والاشتراكية الماركسية وفشلهما أن السبيل الوحيد أمامه هو المنهج الرباني الأصيل، وأن الذين
حرضوه طوال هذه السنين بالتماس المنهج الغربي (شرقية وغربية) سبيلاً للنهضة في العالم الإسلامي لم يكونوا صادقين في دعواهم فإن هذا الأسلوب في الاحتواء والعمل على صهر المسلمين في بوتقة الأممية الغربية كان من نتائجه سقوط الخلافة الإسلامية، والدولة العثمانية، وسقوط فلسطين والقدس في أيدي الصهيونية، والحيلولة دون امتلاك المسلمين لارادتهم وتطبيق شريعتهم الإسلامية والعمل على منعهم من أداء فريضة الجهاد، أو إمتلاك القوة القادرة على تجديد بناء الحضارة الإسلامية القائمة على العدل والرحمة والإخاء الإنساني.


* مدحت باشا:
إن الصورة التي رسمتها تلك الكتابات المسمومة لمدحت باشا كاذبة ومضللة. فلم يكن مدحت بطلاً قوميًّا ولكنه كان واحدًا من قوى المؤامرة التي أعدت بإحكام للقضاء على الخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، وقد كان أمره مكشوفًا لدى السلطان عبد الحميد الذي كان قد وضع يده على مخطط الدونمة بالاشتراك مع أحرار الترك الذين كانوا قد جندوا لخطة إزالة الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية من طريق الصهيونية بعد أن حققت قبل ذلك إزالة الجيتو بالثورة الفرنسية وما كان مدحت شهيدًا في الحقيقة؛ لأن الشهادة لا تكون للخونة، وما قتلوه في الحقيقة، ولكنه قتل نفسه بخيانته لوطنه وللإسلام، والعمل على تمكين اليهود من النفوذ، وهو من الدونمة الذين دخلوا في الإسلام تقية لإخفاء هويتهم، ولتدمير الدولة العثمانية من الداخل. وكان يعمل بتوجيه من المتآمرين المقيمين في باريس، والمتآمرين المقيمين في سالونيك. ولم يكن الدستور الذي دعا إليه مدحت إلا محاولة لإخراج الدولة العثمانية من النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية وتغليب نفوذ العناصر المعادية للإسلام، وتمكينها من الانقضاض على الدولة. 
- وكان السلطان عبد الحميد يعلم مدى ما تهدف إليه المخططات الصهيونية. ولقد شهد المؤرخون المنصفون بأن الدولة العثمانية الإسلامية قد تسامحت إلى أبعد حد مع العناصر غير الإسلامية، ومكنتهم من أداء عباداتهم وإقامة شعائرهم، وفتح المدارس وإقامة الجماعات إلى الحد الذي كان عاملاً من عوامل تمكنهم من التآمر على الدولة وإسقاطها. ولقد كان السلطان عبد الحميد هو نقطة المؤامرة في الحقيقة لأنه وقف أمام مطامعهم وأهوائهم، ورد (هرتزل) عن محاولاته ومؤامراته بالرد الحاسم وسمع من ممثل اليهود أن ذلك سيكلفه عرشه أو حياته فلم يتردد في تضحيته وقد كشف السلطان عبد الحميد في مذكراته دور الدونمة ورجال الاتحاد والترقي.


* الانتقاص من قدر الخلافة الإسلامية:
وإذا كانت هناك محاولة للانتقاص من قدر الخلافة الإسلامية، واتهامها بالتقصير، فإن هناك ما يؤكد كذب ذلك، وما أورده جمال الدين في حديثه إلى المخزومي باشا في كتابه (خاطرات جمال الدين) يكشف عن مدى قدرة السلطان عبد الحميد على فهم تيارات الغربيين، وقدرته على ضرب مخططاتهم وضرب بعضهم ببعض. ولقد قام السلطان عبد الحميد بإعلان تلك الصيحة المفزعة التي عجلت به. وهي قوله: "يا مسلمي العالم اتحدوا"، وكان هدفه أن يجمع المسلمين ممن هم خارج الدولة العثمانية (العرب والترك) تحت لواء الخلافة والوحدة. وفزع الغربيون واليهود من ذلك فزعًا شديدًا، فقد مضى إليه بُخطا حاسمة وحقق نتائج هامة.
ولقد كان عقلاء المجاهدين المسلمين يؤمنون بأن المحافظة على الدولة العثمانية إحدى العقائد الإسلامية بعد التوحيد والنبوة. ومن ذلك محمد عبده وشكيب أرسلان ورشيد رضا وغيرهم. وقد كانت الدعوة الحقيقة هي محاولة إصلاح الدولة العثمانية من تحت مظلة الخلافة وتعديل تنظيمات الحكم دون.   إسقاط الدولة، وكان ذلك فهم أحرار العثمانيين والعرب جميعًا، وقد كان هذا ممكنًا لولا ذلك الدور الذي قامت به الماسونية واليهودية العالمية في سبيل تحطيم نفوذ السلطان عبد الحميد، وإحلال نفوذ الاتحاديين وأعوانهم الذين تربوا في محافلهم. والذين سلموا لهم فلسطين، وسلموا للإيطاليين في طرابلس الغرب، وأدخلوا الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى ولا ناقة لها فيها ولا جمل حتى يحطموها ويقضوا عليها.


* وحدة إِسلامية وليست عنصرية:
كذلك فإن علاقة مصر والبلاد العربية بالدولة العثمانية لم تكن علاقة استعمار بل إن كلمة استعمار لا تطلق إلا على النظام الغربي الحديث، وإنما كانت علاقة ترابط تحت لواء الأخوة الإسلامية، واستعانة البلاد المستضعفة بالدولة القوية، والمصريون والجزائريون وغيرهم هم الذين طلبوا من الدولة العثمانية الارتباط بها خوفًا من تجدد مؤامرات الحروب الصليبية.


* زيف ما في كتب الموارنة وأتباعهم:
ولا شك أنه من أكبر أخطاء الباحثين هو إعادة نشر ما جاء في الكتب المدرسية والدراسات التاريخية السابقة لظهور "بروتوكولات حكماء صهيون"عن السلطان عبد الحميد وتركيا العثمانية. وهذا كله زائف ومن صنع الصهيونية وأعوانهم من الموارنة. أما اليوم فإن الرؤية التاريخية المنصفة قد اتسعت ومن الظلم أن يقف الباحثون عند الحملات الكاذبة المضللة وتجاهل الرؤية الصحيحة لإبعاد الواقع التاريخي، لقد حملت كتب جورجي زيدان وأحمد أمين وغيره صورة مضللة زائفة للسلطان عبد الحميد، وصورة براقة زاهية للاتحاديين الذين علقوا العرب على المشانق ومكنوا للصهيونية وحطموا الدولة العثمانية، وهم الذين تربوا في أحضان المحافل الماسونية. وعلى.   الباحث المنصف أن يرجع إلي الإضافات الجديدة التي ظهرت بعد الخمسينات والتي تكشف فساد ما كتبه جورجي زيدان وفارس نمر وسليم سركيس.
والجديد يجلو الحقيقة، فما كتبه جواد رفعت ومحمد جميل، وعبد الله التل والعقاد وخليفه التونسي وعجاج نويهض وتوفيق برو فإن هذه الكتابات قد غيرت تلك الصورة الزائفة التي ما زال يعتمد عليها خصوم الإسلام.
والقضية: أن اليهود عندما أحسوا بأن السلطان عبد الحميد قد وقف في طريقهم نهائيًّا عملوا على تصفيته، ومهدوا لذلك باتهامه بالاستبداد والفساد، وأذاعوا ذلك في صحف الموارنة في مصر مثل المقطم والهلال والمقتطف وغيرها.
ثم جاء أحمد أمين وأمثاله فنقلوا منهم؛ لأن الحقائق لم تكن قد تكشفت بعد، ولم تكن البروتوكولات قد ترجمت. إلى العربية، فلماذا هذا التزييف بحجب مرحلة من الحقائق، والعودة إلى إذاعة ما قبلها من الضلال بإعلاء شأن مدحت وأتاتورك، وهما من هما في الخيانة والتبعية.


* الرجل الصنم .. والخائن الأكبر مصطفى كمال أتاتورك الذي أسقط دولة الخلافة وأتى بالعلمانية:
- قال هذا الزنديق في افتتاح البرلمان التركي عام ١٩٢٣:
"نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون" (١).


* اصطناع البطل الوهمي أتاتورك:
لقد كانت اللعبة العالمية تقتضي اصطناع (بطل) تتراجع أمامه جيوش.  .الحلفاء الجرارة! وتعلق الأمة الإسلامية اليائسة فيه أملها الكبير وحلمها المنشود، وفي أوج عظمته وانتفاخه ينقض على الرمق الباقي في جسم الأمة فينهشه ويجهز عليها إلى الأبد! وهذا أفضل قطعًا من كل الـ "مائة مشروع لتقسيم تركيا" (١) وهدم الإسلام.
- وتمت صناعة البطل بنجاح باهر ووقف يتحدى الحلفاء وألقى باليونان في البحر (٢)، ولم ير الحلفاء بدًا من التفاوض معه! وكانت ثمرة المفاوضات هي - الاتفاقية المعروفة باتفاقية "كيرزن"عام ١٩٢٣ ذات الشروط الأربعة:
"١ - إلغاء الخلافة الإسلامية نهائيًّا من تركيا.
٢ - أن تقطع تركيا كل صلة مع الإسلام.
٣ - أن تضمن تركيا تجميد وشل حركة جميع العناصر الإسلامية الباقية في تركيا.
٤ - أن يستبدل الدستور العثماني القائم على الإسلام بدستور مدني بحت (٣).
- ويصف المؤرخ (آرمسترونج) خطوات تنفيذ الاتفاقية قائلاً:
"انطلق كمال أتاتورك يكمل عمل التحطيم الشامل الذي شرع فيه وقد قرر أنه يجب عليه أن يفصل تركيا عن ماضيها المتعفن الفاسد، يجب عليه أن يزيل جميع الأنقاض التي تحيط بها، هو حطم فعلاً النسيج السياسي القديم، ونقل السلطنة إلى ديمقراطية، وحول الامبراطورية إلى قطر فحسب، وجعل.   .الدولة الدينية جمهورية عادية، إنه طرد السلطان (الخليفة) وقطع جميع الصلات عن الامبراطورية العثمانية، وقد بدأ الآن في تغيير عقلية الشعب بكاملها وتصوراته القديمة وعاداته ولباسه وأخلاقه وتقاليده وأساليب الحديث ومناهج الحياة المنزلية التي تربطه بالماضي" (١).
- وامتدح توينبي عمله واعتبره أعظم من هتلر عبقرية في فن الهدم وقطع الصلة بالماضي، وقال: "إن الدولة القومية التركية التي أقامها مصطفى كمال على النسق الغربي تبدو -وقت كتابة هذه السطور- عملاً ناجحًا لم يتحقق مثله حتي ذلك الوقت في أي بلد إسلامي آخر" (٢).
- وامتدحه ولفرد كانتول سمث -على طريقته الخاصة- قائلاً: " .. رأينا تركيا في سبيل رفعة شأنها وخلق مثل عليا جديدة لم تتردد في سحق السلطات الدينية وألغت تعاليمها وحررت الإسلام وكشفت النقاب عن الدين الحق القويم!! " (٣).
نصب مصطفى كمال نفسه إلهًا من دون الله يشرع للأمة كما يشاء، فلفق قانونًا فريدًا يتكون أكثره من القانون السويسري والقانون الإيطالي وغيرهما وأكمل الباقي من عنده، ومع ذلك فهو يدعي أنه كله من عنده قائلاً:
"نحن لا نريد شرعًا فيه قال وقالوا ولكن شرعًا فيه قلنا ونقول" (٤).
- ويصف أحد الكتاب الغربيين جلسة في مجلس النواب فيقول أن مصطفى كمال وقف قائلاً:
."إن التشريع والقضاء في أمة عصرية يجب أن يكونا عصريين مطابقين لأحوال الزمان لا للمبادئ والتقاليد".
- ثم اقتفاه وزير العدل شارحاً ومفسراً:
"إن الشعب التركي جدير بأن يفكر بنفسه بدون أن يتقيد بما فكر غيره من قبله، وقد كان كل مادة من مواد كتبنا القضائية مبدوءة بكلمة قال المقدسة، فأما الآن فلا يهمنا أصلاً ماذا قالوا في الماضي بل يهمنا أن نفكر نحن ونقول نحن" (١).
- ويعترض عليه مرة أحد القانونيين بقوله:
"إن هذا النظام الذي تريدون وضعه لا يوجد في أي كتاب للقانون".
فيتلقى الجواب التالي:
- "إن النظم ليست إلا أشياء وأموراً تكيفت ومرت من التجارب .. على أن أنفذ ما أريد وعليكم أن تدرجوا ما أعمل في الكتب!! " (٢).
ونتيجة التطرف والغلو المفرط والأعمال التي لا مبرر لها إلا تنفيس الحقد الأوربي على الإسلام ومركب النقص الذي كان يستشعره الكماليون -اتخذت تركيا المتعلمة تدبيرات وإجراءات غريبة حقًّا:
فقد ألغت بالعنف والإرهاب الكتابة التركية بالأحرف العربية ثم تجرأت فحرمت الأذان بالعربية، وكتبت المصحف أو ترجمته بلغتها الهجين، وحددت عدد المساجد وأقفلت كثيراً منها أو حولته إلى ما لا يتفق وقداسته كما فعلت بجامع أيا صوفيا، وألغت وزارة الأوقاف. وفرضت بقوة السلاح المسخ الفكري وحتى المظهري على الأمة لا سيما معركة القبعة الأوروبية التي.  سالت لأجلها الدماء، وألغت الأعياد الإسلافية، وحطمت بصورة استبدادية مظاهر الحشمة والحياء الإسلافيين، فأكرهت النساء على تقليد المرأة الغربية في كل شيء وحاربت بشدة صارمة كل من اعترض طريقها من المتورعين وحتى المعتدلين شيئًا ما من الكماليين (١).
ولذلك فإن حكومة تركيا العلمانية الكمالية -هي كما وصفها الأمير شكيب أرسلان- ليست حكومة دينية من طراز فرنسا وإنجلترا فحسب، بل هي دولة مضادة للدين كالحكومة البلشانية في روسيا سواء بسواء، إذ أنه حتى الدول اللادينية في الغرب بثوراتها المعروفة لم تتدخل في حروف الأناجيل وزي رجال الدين وطقوسهم الخاصة وتلغي الكنائس (٢).
والحقيقة المرة أن مصطفى كمال قد خلق نموذجًا صارخًا للحكام في العالم الإسلامي، وكان لأسلوبه الاستبدادي الفذ أثره في سياسات من جاء بعده منهم، كما أنه أعطى الاستعمار الغربي مبررا كافيًا للقضاء على الإسلام، فإن فرنسا مثلا ًبررت تنصير بلاد المغرب العربي وفرنجتها بأنه لا يجب عليها أن تحافظ على الإسلام أكثر من الأتراك المسلمين أنفسهم!!
وليس أعجب من هذا الرجل وزمرته إلا من ينادون اليوم -من الزعماء- بإقامة حكومات علمانية في بلادهم ويقولون: أن مصطفى كمال هو قائدهم الروحي.


* حقيقة أتاتورك:
- يقول الأستاذ أنور الجندي: "إن أتاتورك في الحقيقة لم يكن مجاهدًا.  ولا مصلحًا، وإنما كان تتمة الاتحاديين لقد أخروا دوره في المرحلة الأولى قبل الحرب ليتولى الدور الثاني.
فالاتحاديون أسقطوا الدولة العثمانية بأن أدخلوها الحرب لتصفي ماليتها ووجودها.
وجاء أتاتورك ليفرض عليها اللون الغربي، وينقلها نقلة واسعة عن دولة الخلافة الإسلامية إلى دولة علمانية تكتب بالحروف اللاتينية، ويقضي على الإسلام تمامًا، ومعاهدته السرية المعروفة التي عرفت بمعاهدة لوزان تكشف ذلك في وضوح.
وقد استطاع أتاتورك إخفاء وجهه الحقيقي حتى يؤدي دوره كاملاً فخدع المسلمين في المرحلة الأولى بالصلاة وإمساك المصحف، وطلب الدعاء منهم.
أما دوره في الجهاد في أزمير فقد كشفت الوثائق أنه كان زائفًا، وأن غيره هو الذي قام بدور البطولة، وأنه استلب منهم هذا المجد وحطمهم ونسبه إلى نفسه.
ولقد كان أتاتورك عميلاً غربيًا كاملاً، وعميلاً صهيونيًّا أصيلاً، وقد أدى دوره تمامًا، وأقام تلك التجربة المظلمة المريرة التي تركت آثارها من بعد على العالم الإسلامي كله، والتي كشفت الأحداث في الأخير فسادها، وتبرأ الأتراك المسلمون من تبعتها، وكانت ظاهرة عودتهم إلى الأصالة مرة أخرى دليل على أنها كانت تجربة زائفة مضادة للفطرة ولطبائع الأشياء، والدليل إن المسلمين لم يتقبلوها بل رفضوها، وقد كشف أكثر من مستشرق وفي مقدمتهم (هاملتون جب) أن العرب لن يقعوا في براثن هذه التجربة التي خرجت بهم عن الأصالة وعن الذاتية الإسلامية.
ولقد كان من أكبر معالم اضطراب كمال أتاتورك أنه عندما أحس بدنو أجله أن دعا السفير البريطاني ليتولى بدلاً منه رئاسة الدولة التركية، كعلامة.  ..من علامات الخسة والنذالة والخيانة!!
وقد صفع المؤرخ العالمي آرنولد توينبي التجربة الكمالية التي يفخرون بها ويمجدونها الآن بعد أن رفضها أهلها وحكموا بفسادها. يقول توينبي: إن الأتراك كانوا عالة على الحضارة الغربية، وأنهم تغربوا ولم يقدموا أي شيء إلى هذه الحضارة، فكانوا عاجزين عن الإبداع في أي مجال من مجالات الإنتاج.
والواقع أن مصطفى كمال أتاتورك لم يكن كما يدعي المدعون شيئًا جديدًا، ولكنه كان حلقة في المؤامرة بدأها مدحت، وكان وسطها رجال الاتحاد والترقي للقضاء على السلطان والدولة العثمانية. ثم ختمها أتاتورك بالقضاء على الخلافة الإسلامية، ولا ريب أن انتقاص قدر الدولة العثمانية وحكامها مجاف لواقع التاريخ، وهو من عمل أتباع التغريب والشعوبية، وقد جرى ضمن مخطط يرمي إلى إثارة الخلافات والخصومة بين عناصر الأمة الإسلامية، وكان دعوة للوقيعة بين العرب والترك والفرس، وهم عناصر الأمة الواحدة التي جمعها القرآن وقادها محمد - صلى الله عليه وسلم - وآمنت بأنه لا إله إلا الله مهما كانت هناك خلافات فرعية فإنهم جميعًا أمة واحدة، ولو كان هناك قليل من الإنصاف والأمانة التاريخية لدى كتابنا المزيفين لراجع الكاتب ما كتبه أستيورت وهو غربي في كتابه "حاضر العالم الإسلامي قبل أربعين عامًا"، وكيف تحدث عن عظمة الدولة العثمانية ودورها الذي قامت به في وجه الصليبية الغربية.
- أما صيحة العناصر والأجناس التي حاول كاتب أخبار اليوم أن يجعلها قضية فإنها لم تكن كذلك في ذلك الوقت، وإنما هي المؤامرة التي عمد النفوذ الأجنبي بها إلى استغلال صيحة القوميات لتفكيك عرى الدولة العثمانية، أما المسلمون فلم يكونوا يعرفون مصرية وسورية وجزائرية وغيرها.  ولا كلمة العروبة نفسها، ولكنهم كانوا مسلمين فحسب، وإنما ظهرت هذه الدعوات إلى الإقليميات والقوميات بتحريض عناصر غير مخلصة لتفكيك عرى الوحدة، وهدم هذه الجامعة الإسلامية التي كان الغرب يخشاها، ولإقامة قومية زائفة هي القومية الصهيونية.
ولا ريب أن الأسلوب الذي اتخذ في إسقاط السلطان عبد الحميد هو أسلوب لم يعرفه النظام الإسلامي في تاريخه كله وهو من صنع المؤامرة الصهيونية التلمودية التي استطاعت أن تحمي وتحرك هذا الخداع عن طريق قوة عسكرية تتحرك هاتفة باسم السلطان خدعة ثم تكون في نفس الوقت متآمرة عليه لخدمة هدف غامض على كل الذين قاموا به، ولا يعرفه إلا القليل وهو إعادة اليهود إلى فلسطين.
كذلك فإن ما قام به أتاتورك لم يكن نصرًا عسكريا أو سياسيًّا وإنما كان هناك إشارة بقبول التوجيه الغربي: وتوقيع ملحق معاهدة لوزان وهو الذي فتح الطريق إلى كل شيء، وبه حلت جميع المشاكل، وانسحبت كل الجيوش، وتحقق ما يسمى النصر والاستقلال، وكتبت على أثر ذلك آلاف الكتب في تمجيد البطل الذي لم يكن إلا عميلاً من عملاء الخيانة لحساب الصهيونية العالمية والنفوذ الغربي والشيوعية أيضًا، فإن الشيوعيين هم أول من عاونه لقاء موقفه من عداء الإسلام ".


* عدوه الأكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
كان أتاتورك في فندق "بارك"وكان المؤذن يرفع الأذان في المسجد الصغير الكائن أمام الفندق مباشرة، يلتفت أتاتورك لمن حوله قائلاً: "من قال بأننا مشهورون؟ وما شهرتنا نحن؟ أنظروا إلى هذا الرجل (١)
كيف أنه وضع اسمًا وشهرة بحيث أن اسمه يتكرر في كل لحظة، وفي جميع أنحاء العالم إذا أخذنا فرق الساعات بنظر الاعتبار؛ ليهدموا هذه المنارة".
وانظر إلى شذوذ هذا الزنديق وفجوره وسكره لتعلم أي قزم كان هذا الخائن - انظر إلى "الجزاء من جنس العمل" (١/ ٣٩٩ - ٤٠٥).
أفتى خُزْعبلة وقال ضلالة ... وأتى بكفر في البلاد بُواحِ
فلتسمعنَّ بكل أرض داعيا ... يدعو إِلى الكذاب أو لِسجاح
ولتشهدن بكل أرض فتنة ... فيها يُباع الدين بيع سماح
يُفتَى على ذهبِ المعِزِّ وسيفه ... وهوى النفوس وحقدها الملحاح (١)


* الدكتور عبد الرزّاق السنهوري واضع القانون الدني الوضعي الذي حجب نور الشريعة عامله الله بما يستحق:
تمهيد:
- يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر:
أحب أن ألقي ضوءًا على القانون المدني الذي حكم مصر قرابة سبعين عامًا، من سنة (١٨٨٣) إلى سنة (١٩٤٩)، ثم القانون المدني الذي جاء من بعده، وقد اخترت هذا القانون بالذات؛ لأن لمصر في الدول العربية والإسلامية مكانة كبيرة، ولذلك فإن الحكام ورجال الفكر في مصر إذا قاموا بعمل ما فإن أثر هذا العمل يظهر ويتردد صداه في أكثر الدول العربية والإسلامية، ولذلك فإن قانون (١٩٤٩) أنتقل إلى كثير من الدول العربية، يقول واضعه: "إن القانون المصري الجديد ليؤذن بعهد جديد، لا في مصر فحسب، بل أيضًا في البلدين الشقيقين العربيين: سورية والعراق، ويكفي أن.  يكون هذا الشرح للقانون المصري الجديد في الوقت ذاته شرح للقانون السوري الجديد .. (١).
القانون المدني المصري الأول:
هذا القانون هو نفس قانون نابليون الذي صدر في سنة (١٨٠٤)، مع كثير من التشويه والتحريف لذلك القانون، وقد وصفه رجال القانون بأنه قانون معيب لا يصلح لأن يحكم الحياة في مصر. يقول الدكتور السنهوري في كتابه "الوسيط":
"وأول ما يعيب هذا التقنين أنه محض تقليد للتقنين الفرنسي العتيق، فجمع بين عيوب التقليد وعيوب الأصل الذي قلده" (٢).
ويقول: "لم يقتصر التقنين المصري على نقل عيوب التقنين الفرنسي، بل زاد عليها عيوبًا من عنده" (٣).
ويقول: "ففي تقنيننا المدني القديم فضول واقتضاب، وفيه غموض وتناقض، ثم هو يقع في كثير من الأخطاء الفاحشة" (٤).
وقد شرح هذه العيوب في عدة صفحات لاحقة.
- وتقول المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدني الذي أقر في سنة ١٩٤٨: "يمكن القول أن قانوننا المدني فيه نقص، ثم فيه فضول، وهو غامض حيث يجب البيان، مقتضب حيث تجب الإفاضة، ثم هو يسترسل في التافه من الأمور، فيعنى به عناية لا تتفق مع أهميته المحدودة، يقلد التقنين الفرنسي تقليدًا أعمى فينقل من عيوبه، وهو بعد متناقض في نواح مختلفة،
.ويضم إلى هذا التناقض أخطاء معيبة" (١)، وقد شرحت المذكرة هذا الإيجاز وبينته.
وجاء في تقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب المصري: "وضع القانون المدني الحالي سنة (١٨٨٣) باللغة الفرنسية، ثم ترجم إلى اللغة العربية ترجمة لم تسلم من الأخطاء، وقد جاء في معظم أجزائه صورة مقتضبة مشوهة من القانون الفرنسي الذي أصبح هو ذاته قانونًا عتيقًا في حاجة ماسة إلى تنقيح شامل وقانوننا المدني -في اقتضابه وغموضه، مما دعا الكثيرين من رجال القانون إلى توجيه النقد إليه معددين أخطاءه- لم يعد يجاري تقدم العمران في مختلف نواحيه واتساع المعاملات بين الناس، لذلك ازداد قصورًا فوق قصوره، عن مسايرة مقتضيات العصر الحاضر، وأصبح رجل القانون يسبح في بحر خضم من نصوص غامضة، وأحكام قضائية مطرد بعضها متنافر بعضها الآخر، وتفسيرات متفقة أحيانًا متجافية أحيانًا أخرى، فهو تارة يستوحي مواد القانون الغامضة ويستقرئها، وتارة أخرى يولي نظره شطر أحكام القضاء يستلهمها ويسترشدها -ما استقر عليه الرأي منها وما تشعبت الآراء فيه- وطورًا يرجع إلى المعجمات الفرنسية ومؤلفات الشراح من رجال الفقه المصريين وغيرهم مستقصيًا باحثًا. وبقدر كثرة المفسرين وتعدد الآراء التي يذهب إليها كل منهم، تتشعب الآراء فيضل الباحث فيما احتوتها من مجلدات" (٢).
وقد تحدثت المناقشات التي دارت في جلسات اللجنة القانونية لمجلس الشيوخ المصري كثيرًا عن عيوب القانون المدني ومصدره (٣). لماذا حكم ذلك القانون المشوه ديار مصر الإِسلامية؟
إذا كان القانون المدني المصري الذي حكم مصر الإسلامية فيه هذه العيوب فلماذا أقر؟ ولم حكم الديار المصرية سبعين عامًا؟ هل كان ذلك بإرادة المسلمين؟ مهما قيل في عيوب الفقه الإسلامي الذي كان يحكم بلاد المسلمين فإن عيوب هذا القانون تفوق كل وصف. فلماذا ألغيت قوانين الأحكام الشرعية ووضع بديلاً عنها قانون نابليون؟
الجواب: أن الذين أمروا بوضعه من الحكام المصريين كانوا مخدوعين مبهورين بكل ما جاءهم من الدول الأوربية، ويظنون أن قوانينهم وثقافتهم هي الحضارة التي لا غاية بعدها.
- يقول السلطان عبد الحميد في مذكراته: "خدع الإنجليز المصريين بأفكارهم لدرجة أن بعضهم يؤمن بأن طريق الإنجليز هو السبيل إلى الأمن والنجاة، ويفضل القومية على الدين، إنهم يظنون أن حضارتهم ستمتزج بحضارة الغرب دون أن يشعروا بأن هناك تضادًا بين الحضارة الإسلامية والحضارة النصرانية بحيث لا يمكن أبدًا التوفيق بينهما" (١).
هذا جانب، والجانب الآخر أن الشعب المصري المسلم كان مغلوبًا على أمره، فقد اجتمع عليه حكم الكفار الذين احتلوا دياره، وظلم الطغاة الذين ساروا في ركب الكفار ينفذون مطالبهم بلا توان، فلم يكن يملك من أمره شيئًا، ولذلك فرض عليه القانون الفرنسي، جاء في مناقشات مجلس الشيوخ لمشروع القانون المدني الذي أقر في (سنة ١٩٤٨ م) قول الدكتور ملش بك:"إن الأستاذ الوكيل بك وضع يده على مفتاح التشريع حينما قال: إن مصر كانت مغلة بالامتيازات الأجنبية التي كانت أول الأمر منحًا من الولاة ثم
لماذا حكم ذلك القانون المشوه ديار مصر الإِسلامية؟
إذا كان القانون المدني المصري الذي حكم مصر الإسلامية فيه هذه العيوب فلماذا أقر؟ ولم حكم الديار المصرية سبعين عامًا؟ هل كان ذلك بإرادة المسلمين؟ مهما قيل في عيوب الفقه الإسلامي الذي كان يحكم بلاد المسلمين فإن عيوب هذا القانون تفوق كل وصف. فلماذا ألغيت قوانين الأحكام الشرعية ووضع بديلاً عنها قانون نابليون؟
الجواب: أن الذين أمروا بوضعه من الحكام المصريين كانوا مخدوعين مبهورين بكل ما جاءهم من الدول الأوربية، ويظنون أن قوانينهم وثقافتهم هي الحضارة التي لا غاية بعدها.
- يقول السلطان عبد الحميد في مذكراته: "خدع الإنجليز المصريين بأفكارهم لدرجة أن بعضهم يؤمن بأن طريق الإنجليز هو السبيل إلى الأمن والنجاة، ويفضل القومية على الدين، إنهم يظنون أن حضارتهم ستمتزج بحضارة الغرب دون أن يشعروا بأن هناك تضادًا بين الحضارة الإسلامية والحضارة النصرانية بحيث لا يمكن أبدًا التوفيق بينهما" (١).
هذا جانب، والجانب الآخر أن الشعب المصري المسلم كان مغلوبًا على أمره، فقد اجتمع عليه حكم الكفار الذين احتلوا دياره، وظلم الطغاة الذين ساروا في ركب الكفار ينفذون مطالبهم بلا توان، فلم يكن يملك من أمره شيئًا، ولذلك فرض عليه القانون الفرنسي، جاء في مناقشات مجلس الشيوخ لمشروع القانون المدني الذي أقر في (سنة ١٩٤٨ م) قول الدكتور ملش بك:"إن الأستاذ الوكيل بك وضع يده على مفتاح التشريع حينما قال: إن مصر كانت مغلة بالامتيازات الأجنبية التي كانت أول الأمر منحًا من الولاة ثم
.. .الفرنسيون والإيطاليون وغيرهم، يقول المستشار محمد صادق فهمي بك، المستشار في محكمة النقض المصرية في مناقشته لمشروع القانون في جلسات مجلس الشيوخ:
"إننا نعرف تاريخنا، فبعد الشريعة أتت القوانين الجديدة ووضع التشريع وهو مأخوذ من التشريع الفرنسي، ثم انتقلنا منه إلى القانون المدني الأهلي، وقد استحضرنا أساتذة من فرنسا وأرسلنا البعوث إليها، وبدأنا نتعلم اللغة الفرنسية، وأصبحنا نعتبر أن الفرنسية لغة ضرورية كلغة للقانون. والسبب في هذا أن تغيير القوانين لا يكفي فيه التطبيق العملي ولا التفسير الفقهي بل يلزم الرجوع في هذا التفسير إلى المصادر، وحيث إن قانوننا مأخوذ من فرنسا فيجب أن نفسر القانون المصري جنبًا إلى جنب مع القانون الفرنسي حتى نستفيد بهذه الثروة التي أصبحت ثقافتنا متصلة بها كل الاتصال، كما يجب أن نستفيد بهذا الذخر العظيم ألا وهو الأسلوب الفرنسي في القانون، ولا يخفى على حضراتكم ما للفرنسيين من مركز سام خصوصًا فيما يتعلق بالتشريعات المنظمة والموضوعة في مجموعات. وهذه الثقافة التي وصلنا إليها الآن أخشى عليها فيما لو كان المشروع يؤثر عليها ويحاول أن يخرجنا منها فلو كان الأمر كذلك فتكون الطامة الكبرى" (١)، أرأيتم الطامة الكبرى في نظره؟ إنها تتمثل في الخروج عن الثقافة التي وردت من فرنسا.
- ويقول المستشار صادق فهمي في موضع آخر مبينًا مدى تغلغل القانون الفرنسي في عقول رجال القضاء: "لما كان مصدرنا هو القانون الفرنسي في كل أحكامنا وفي كل فقهنا وفي كل تفكيرنا، فإنكم تجدون أن الأحكام تسير بانسجام، وإذا ما رجعتم إلى القضاء الفرنسي فإنكم تجدون أننا.   نسير جنبًا إلى جنب مع محكمة النقض، ولقد وصل الأمر عندنا إلى حد أننا نترجم بالكلمة أحكام محكمة النقض والأحكام الفرنسية؛ لأن النصوص مصادرها معروفة" (١).
 
* مصادر القانون المدني الجديد:
- اعتمد القانون المدني الجديد المقر في سنة (١٩٤٨ م) ثلاثة مصادر:
الأول: القانون المدني الذي وضعه الصليبي مانوري، وأضيف إليه أحكام القضاء المصري طوال سبعين سنة، يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري واضع هذا القانون: "أهم مصادر التنقيح التقنين المدني القديم، بعد أن هذبت وأضيف إليها أحكام القضاء المصري طوال سبعين سنة، بقي فيها القضاء المصري يعمل في تفسير هذه النصوص وتطبيقها، والنصوص التي استقيت من هذا المصدر تكاد تستغرق ثلاثة أرباع التقنين الجديد" (٢).
وجاء في تقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ: "إن المشروع لم يخرج عن التقاليد التشريعية التي استقرت في البلاد منذ إدخال نظام التقنينات عند إنشاء المحاكم المختلطة (سنة ١٨٧٦). والمحاكم الوطنية (سنة ١٨٨٣) " (٣).
وجاء فيه أيضًا: "المصادر التي استمد منها المشروع أحكامه هي التقنين الحالي، وما صدر في شأنه أحكام المحاكم المصرية أولا .. " (٤).
الثاني: "التقنينات الحديث. فقد استحدث القانون الجديد موضوعات.  ..أخذها عن هذه التقنينات، واستأنس في موضوعات أخرى بما تميزت به هذه التقنينات من تقدم في الصياغة ورقي في الأسلوب التشريعي" (١).
والتقنينات التي أخذ منها القانون الجديدة كثيرة: "التقنينات اللاتينية قديمها وحديثها، فالقديم يأتي على رأسه التقنين الفرنسي. ومعه التقنين الإيطالي القديم، والتقنين الأسباني، والتقنين البرتغالي، والتقنين الهولندي، والتقنينات اللاتينية الحديثة تشتمل على التقنين التونسي والمراكشي، والتقنين اللبناني، والمشروع الفرنسي الإيطالي، والتقنين الإيطالي الجديد، وتشتمل على التقنينات الجرمانية وأهمها. التقنين الألماني، والتقنين السويسري، والتقنين النمساوي. ورجع أيضًا إلى التقنين البولوني، والتقنين البرازيلي والصيفي، والياباني، وهذه التقنينات استقت من المدرسة اللاتينية والجرمانية" (٢).
- ويقول واضع القانون: "من كل هذه التقنينات المختلفة النزعة المتباينة المناحي، ويبلغ عددها عشرون تقنينًا استمد المشروع ما اشتمل عليه من النصوص، ولم يوضع نص إلا بعد أن فحصت النصوص المقابلة في كل هذه التقنينات المختلفة ودقق النظر فيها" (٣).
الثالث: الفقه الإسلامي: فقد استبقى التقنين الجديد ما أخذه من التقنين القديم عن هذا الفقه، وأضاف مسائل جديدة إلى ما سبق أخذه (٤).
 
* القانون المدني لا يمثل الشريعة الإسلامية:
وبالتأمل في مصادر القانون المدني نجد أن "القانون المدني لا يمثل الشريعة.  الإسلامية بحال من الأحوال:
١ - لأن التشريع الإسلامي واضعه رب العالمين، أما هذا القانون فواضعه الدكتور عبد الرزاق السنهوري المصري والأستاذ إدوارد لامبير الصليبي الفرنسي، وقد عاون في وضعه الصليبيان استويت وساس.
٢ - أخذ واضعو هذا القانون أكثر من ٨٥% من نصوصه من قوانين الكفار الصليبيين. كما سبق بيانه، ولذلك نراه يبيح أحكامًا حرمتها الشريعة حرمة قطعية كالربا والقمار.
٣ - النصوص القليلة التي أخذت من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي روعي فيها أن تكون متفقة مع المبادئ التي قام عليها القانون، فالقانون هو المهيمن على الشريعة الإسلامية، يأخذ منها ما يوافقه، ويرفض ما لا يتفق مع مبادئه، يقول الدكتور السنهوري في هذا: "يُراعَى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه" (١).
وفي ضوء كلام الدكتور السنهوري يمكننا أن نفهم مراده من جوابه على سؤال الشيخ عبد الوهاب طلعت باشا، فقد سأله الشيخ: "هل رجعتم إلى الشريعة الإسلامية؟ "فقال السنهوري: "أؤكد لك أننا ما تركنا حكمًا صالحًا في الشريعة الإسلامية يمكن أن يوضع في هذا القانون إلا وضعناه" (٢).
فمدى صلاح الحكم الموجود في الشريعة الإسلامية للقانون المدني مبني.  على موافقته للمبادئ التي بني عليها القانون الوضعي، وهل يليق بالدكتور السنهوري أن يقسم أحكام الشريعة إلى أحكام صالحة وأحكام غير صالحة، وينصب نفسه حكمًا يأخذ منها ما يشاء ويدع ما يشاء!!، ولاحظ قوله: "يمكن أن يوضع في هذا القانون"لتعلم أن بعض الأحكام التي يمكن أن تكون صالحة في رأيه لم يأخذ بها؛ لأنه لا يمكن وضعها في ذلك القانون لمعارضة مبادئ القانون لها.
وفي إجابة أخرى للدكتور السنهوري على سؤال من الشيخ عبد الوهاب طلعت قال الدكتور السنهوري: "لقد أخذنا كل ما يمكن أخذه عن الشريعة الإسلامية مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث" (١).
لاحظ في الإجابة قوله: "كل ما يمكن أخذه"، وقوله: "مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث"لتعلم أنه أقام نفسه وأصول التقنين الحديث حاكمًا على شريعة الله يأخذ منها ما وافق أصول التقنين الحديث، ويترك ما خالفه، كأنما حكم الله وشرعه متروك لأحكام البشر وأهوائهم.
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٥].
وقد اقترح الدكتور السنهوري أن تكون المادة الأولى في القانون هكذا "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا.  القانون .. " (١)، فهو يريد تقييد القاضي عندما لا يجد نصًا في القانون ولا في العرف فيأخذ من الشريعة أن يكون أخذه من الشريعة محكومًا بالمبدأ الأكثر ملاءمة لنصوص القانون، فيجعل القانون هو الحاكم والمهيمن على الشريعة الإسلامية، وفي هذا ما فيه.
ْوالمادة الأولى من القانون المدني تقول: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة" (٢).
- وهذه المادة تحرم على القاضي الرجوع إلى الشريعة الإسلامية التي ألزم الله الحكام المسلمين بتحكيمها ما دام الحكم منصوصًا عليه في القانون المدني الوضعي، فإذا لم نجد الحكم في نصوص القانون فيوجب علينا واضعه الرجوع إلى عرف البشر، ويجعل أعراف البشر مقدمة على أحكام الشريعة الإلهية، ثم يمن علينا واضع القانون بأن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث، ويمن علينا أنه قدمها على القانون الطبيعي وقواعد العدالة، يقول الدكتور السنهوري في هذا: "الشريعة الإسلامية هي المصدر الثالث للقانون المدني المصري، وهي إذا أتت بعد النصوص التشريعية والعرف، فإنها تسبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة" (٣)، وكونها تسبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ليس مبررًا لأن يسبقها التشريع الذي أخذت معظم نصوصه من القوانين الوضعية، وأعراف البشر التي كثيرًا ما تكون أعرافًا.   خاطئة، ونحن نرفض قوله بعد ذلك: "ولا شك أن ذلك يزيد كثيرًا في أهمية الشريعة الإسلامية" (١)، ونرفض قوله: "ويجعل دراستها دراسة علمية في ضوء القانون المقارن أمرًا ضروريًّا لا من الناحية النظرية فحسب، بل كذلك من الناحية العلمية التطبيقية" (٢).
أما أولاً: فلأن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث ظلم للشريعة الإسلامية وانتقاص من حقها، وتقديم لقوانين البشر وأعرافهم على شريعة ربهم، لا كما يقول السنهوري من أنه يزيد من أهميتها.
ثانيًا: لأن الشريعة الإسلامية لا تدرس في ضوء القانون المقارن بحيث يهيمن عليها، ويننقص منها، وهي الشريعة التي أنزلت حاكمة على الشرائع كلها والقوانين والكتب السماوية السابقة وغير السماوية.
وثالثًا: لأن النتيجة التي يمكن تحقيقها من وراء كل هذا محدودة الأهمية، بل تكاد تكون سرابًا، كما يقول الدكتور توفيق فرج أحد رجال القانون، ويعلل ذلك بقوله: "ذلك أن التشريع في الدولة الحديثة يكاد يستوعب كل شيء، وإذا وجد مجال يحتمل أن تقوم فيه بعض الثغرات، فإن العرف من وراء التشريع محيط به في شبه شمول، ولا يبقى لمبادئ الشريعة إلا النزر اليسير" (٣).
ويرى أيضا: "أن الدور الذي يترك لمبادئ الشريعة يزداد انكماشًا إذا أخذ بما يتجه إليه البعض من أنه لا يلجأ إلى مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر للقانون - إلا إذا لم تكن تلك المبادئ تتعارض مع المبادئ العامة التي.  .يقوم عليها التشريع المدني في جملته" (١)، ثم ينقل عبارة الدكتور السنهوري الذي يرى هذا الرأي والتي يقول فيها: "فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من تلك المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه" (٢).
 
* كيف جعلت الشريعة والإسلامية المصدر الثالث:
على الرغم من أن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث الذي يرجع إليه القاضي غير مقبولة بحال من الأحوال، فإن واضعي القانون لم يتكرموا بوضعها إبتداء فقد كان نص المادة في المشروع التمهيدي هكذا: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
ويستلهم في ذلك الأحكام التي أقرها والفقه مصريًا كان أو أجنبيًا وكذلك يستلهم مبادئ الشريعة الإسلامية" (٣). وهذه المادة جعلت الشريعة الإسلامية في الذيل كما ترى.
وعندما طبع مشروع القانون ووزع على الهيئات القضائية والقانونية وتحدثت منه الصحف في الديار المصرية طالب الشعب المصري أن تجعل الشريعة الإسلامية المصدر الرسمي الوحيد لكل تشريع يصدر في البلاد، فلم تستجب رغبة الشعب، وفرض عليه القانون الذي أخذ أربعة أخماسه أو أكثر. من القوانين الكافرة، وحاول الذين وضعوه وناقشوه استرضاء الرأي العام بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث، يرجع إليها القاضي حينما لا يجد مراده في نصوص القانون ولا العرف" (١).
 
* دعوى موافقة القانون المدني للشريعة الإِسلامية:
زعم واضع القانون المدني أن نصوصه موافقة للشريعة الإسلامية ولا تعارض بينهما، يقول في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي: "ما ورد في المشروع من نصوص يمكن تخريجه على أحكام الشريعة الإسلامية دون كبير مشقة، فسواء وجد النص أم لم يوجد، فإن القاضي بين اثنين، إما أنه يطبق أحكامًا لا تتناقض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وإما أنه يطبق الشريعة الإسلامية ذاتها" (٢).
والدكتور السنهوري يتناقض مع نفسه ففي المناقشة التي جرت بينه وبين الأستاذ الدكتور حامد بك زكي أستاذ القانون المدني في كلية الحقوق بجامعة فؤاد، قال الدكتور السنهوري: "المشروع في أساسه وفي بعض نصوصه يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية" (٣)، فهو هنا يقول: إن القانون متفق مع الشريعة في بعض أحكامه لا كلها، وأحب أن أنقل للقارئ الكريم شيئًا من المناقشة التي جرت بين حامد بك والسنهوري في مجلس الشيوخ المصري.
قال حامد بك زكي: إن الجزء العام في القانون خاص بنظرية الالتزامات ومصادرها، وهذا الجزء على ما أذكر قد تناولته المواد من ١٩ إلى ٤٥٠ فهو كله أوربي أي روماني.   .  .معالي السنهوري باشا: إنه قضاء مصري متفق مع الشريعة الإسلامية (١).
حامد بك زكي: أنا عندما أقول إنه أوربي إنما أعني بذلك أنه روماني.
معالي السنهوري باشا: قل ما شئت، والمهم أنني أقول. إن هذا إنما هو قضاء مصري.
حامد بك زكي: أريد أن أصل إلى القول بأن الأحكام الخاصة بالعقود إنما هي تطبيقات للأحكام الواردة في باب الالتزامات تحت اسم العقود، وأنا من هذه الناحية - أعلن صراحة أن المشروع إنما هو مشروع أوربي بحت، وأعلن أنني أوافق على هذه الفكرة، ولكن أريد أن أصل إلى القول بأن الشريعة الإسلامية قد رجع إليها في بعض المسائل الخاصة باستلهام بعض أحكامها.
الرئيس: إذا نظرنا إلى العلاقات بين الأفراد منذ الخليقة الأبدية نجد أن فلسفة الحياة الموضوعية تتقارب (٢).
لقد كان حامد زكي صريحًا عندما أعلن أمرين: الأول أن القانون المدني قانون أوربي روماني بحت، والثاني: أنه راض عن هذا، وأنه لا يرضى بأن تكون الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع، وقد وضح رأيه هذا في بقية المناقشة.
أما الدكتور السنهوري فإنه يريد أن يجعل القانون المأخوذ من القوانين الأوربية موافقًا للشريعة الإسلامية (٣).
لقد كان رجال القانون الذين وضعوا هذا القانون يعرفون أن القانون بعيد عن الشريعة الإسلامية، ولكنهم كانوا يخافون من ثورة الأمة وانتقاد العلماء يقول رئيس اللجنة القانونية لمجلس الشيوخ لدى مناقشة مشروع القانون (١): "وقد قلنا كلنا: إن إغفال الشريعة الإسلامية من شأنه أن يعمل هيجانًا كبيرًا في الأفكار، ولما وجدنا أن المشروع لا يقول بما يخالف الشريعة الإسلامية قلنا نقدم الشريعة الإسلامية على القانون الطبيعي" (٢)، فالتقديم للشريعة إنما كان خشية هياج الأفكار!!


* العلماء الأوربيون يقررون ألا لقاء بين القانون الأوربي والإسلامي:
لا يجوز لمنصف صادق في حديثه أن يزعم أن قانونًا أخذت أصوله من القانون الروماني، وأخذت نصوصه من أكثر من عشرين قانونا أوروبيًا - أنه قضاء يتفق مع الشريعة الإسلامية، يقول فتزجيرالد Fitz Gerald وقد كان أستاذ القانون الإسلامي في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بلوندرا يقول في مقال نشره في مجلة القانون الفصلية الإنكليزية عدد يناير ١٩٥١ م:"الواقع أن النظامين: الرومي والإسلامي متضادان إلى حد لا يمكن معه التوفيق بينهما فيما يتعلق بالمسائل الأساسية، وهي المأخذ الصحيح للقانون، فالقانون الإسلامي هو قانون الله المشرع الوحيد، ولا سلطة لأي أمير في.   .وضع القوانين، ومشيئة العوام لا اعتبار لها إلا إذا مثلت إجماعًا عامًا كافيًا" (١).
ويقول أيضًا: "الشريعة كما ذكرنا من قبل تختلف اختلافًا أساسيًا عن القانون الرومي، سواء في طبيعتها أو في غرضها، فالقانون الرومي حتى في خالص ناحيته المجردة والعلمية ليس إلا قانون العلماء القانونيين، أو كما يقال في المثل اللاتيني: "كل قانون وضع فإنه وضع بسبب إنسان"، أما القانون الإسلامي فهو أولاً وقبل كل شيء نظام أهل دين يطبقون الأحكام (الموجودة) على الوقائع، وغرضهم وصل كل نفس إنسانية بالله تعالى .. " (٢).
إن الفقه الإسلامي وهو قانون المسلمين جزء من الدين الإسلامي لا ينفك عنه، أما القانون الوضعي فهو علم مادي من أمور الدنيا، يقول المستشرق الإيطالي نالينو Nallino "جعل المسلمون الفقه جزءًا من علم الدين لا ينفك عنه، ولم يجعلوه علما ماديًّا من أمور الدنيا" (٣).


* مناقشات بعض رجال القانون لواضع القانون المدني:
سأذكر محاورتين جرتا في مجلس الشيوخ المصري لدى مناقشة مشروع القانون المدني المقر في (١٩٤٨ م) أحببت أن أثبتهما للدلالة على أن القانون المدني الجديد بعيد عن الشريعة الإسلامية، وليعلم المسلمون أن رجال مصر لم يكونوا موافقين على هذا القانون، وإنما أقر ظلمًا عدوانًا.
المناقشة الأولى: للمستشار حسن الهضيبي:
وقد كان فارسها حسن الهضيبي بك المستشار بمحكمة النقض آنذاك رحمه الله.   ."حسن الهضيبي بك: أود أن أقول: إن لي رأيًّا معينًا في المسألة برمتها، وليس في القانون المدني فقط، وهذا الرأي بمثابة اعتقاد لدي لا يتغير وأرجو أن ألقى الله عليه، إنني لم أتعرض للقانون المدني باعتراض أو بنشر وأنا لم أقل شيئًا يتعلق بمضمونه؛ لأن من رأيي ألا أناقشه.
وقد جئت اليوم بناء على دعوتي؛ لأن، زميلي صادق فهمي بك صحح المسألة بالنسبة إلي، فقد ألحق بالحاضرة التي كان مزمعًا أن يلقيها، كلمة تبين مركزي في هذا المقام.
الذي قلته أنا في تصحيح الرأي الذي نشره صادق بك هو اعتقادي أن التشريع في بلادنا كلها وفي حياتنا جميعا يجب أن يكون قائمًا على أحكام القرآن، وإذا قلت القرآن فإني أعني كذلك بطبيعة الحال سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن طاعته من طاعة الله.
حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك: يقصد سعادة حسن الهضيبي بك القرآن والحديث؟
حسن الهضيبي بك: نعم، يجب أن يكون هذان المصدران هما المصدران لكل تشريع فإذا ما أردنا أن نأخذ شيئَّا من التشريعات أو النظم الأجنبية فيجب أن نردها أولا إلاً هذين المصدرين.
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩].
فإذا كان هذا التقنين صادرًا عن أحكام القرآن والسنة كان بها وإلا فيجب أن نرفضه رفضًا باتًا، ونرد أنفسنا إلى الحدود التي أمر الله بها.
حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك: وإن سكت عنه؟
حسن الهضيبي بك: الأمور في الشريعة، أمر ونهي وعفو.
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].
أما العفو فهو من الأمور المباحة التي يمكن لولي الأمر أن يصرفها كما يشاء على ما تقتضي به المصلحة.
من أجل هذا لم أشترك في مناقشة مشروع القانون المدني موضوعًا، ومن رأيي أن يصدر كيفما يكون؛ لأني شخصيًّا أعتقد أنه ما دام غير مبني على الأساس الذي ذكرته والذي أدين به فخطئوه وصوابه عندي سيان.
لقد تفضل زميلي صادق بك فهمي وصحح الموقف بالنسبة إلي في مذكرة ألحقها بمحاضرته وكانت بإملائي. ولقد جئت اليوم لأبين لحضراتكم وجهة نظري وإني أعلم تمام العلم أنكم غير مستعدين لقبول هذا الرأي (١).
الرئيس: لا شك أن كل تشريع يمكن أن يوجه إليه كثير من النقد غير المحدد ونحن هنا هيئة تشريعية قدم إلينا مشروع قانون فاجتهدنا في بحثه، ونريد الآن أن نسمع الانتقادات التي وجهت إلى تقرير اللجنة كي تجتمع اللجنة بعد ذلك لاقرار ما تراه، ولقد بدأت الآن بعرض الأمر بالطريقة المنطقية فقد قدمت انتقادات موضوعية، وتريد اللجنة أن تناقش أصحابها.
حسن الهضيبي بك: لقد ذكرت منذ لحظة أن خطأ هذا المشروع وصوابه عندي سيان (٢).
رحم الله الهضيبي لقد قال كلمة الحق التي ينبغي أن يقولها المسلم، فهذا القانون لا يستحق أن يناقش؛ لأنه غير مأخوذ من الكتاب والسنة، وصوابه وخطؤه عنده سيان ما دام كذلك، ولم يطل الكلام، فهو يعلم أن القائفين على إعداد القانون غير مستعدين لقبول رأيه؛ لأن الأمر مفروض.   على الأمة فرضًا، ولم يستطع السنهوري أن يناقش الهضيبي - رحمه الله؛ لأن الهضيبي كان حازمًا وصريحًا.
المناقشة الثانية: للشيخ عبد الوهاب طلعت:
كان فارسها المرحوم الشيخ عبد الوهاب طلعت باشا:
حضرة الشيخ المحترم عبد الوهاب طلعت باشا: هل رجعتم إلى الشريعة الإسلامية؟
المقرر: لقد ذكرت ذلك فيما سبق وأقرر أن المشروع اتبع الوضع الذي اختارته البلاد منذ إدخال التقنينات الحالية بل وزاد عليه كما أبنت الآن.
حضرة صاحب المعالي عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية): أؤكد لك أننا ما تركنا حكمًا صالحًا في الشريعة الإسلامية يمكن أن يوضع في هذا التقنين إلا وضعناه (١) والدليل على ذلك أن أحد حضرات المستشارين أراد أن يضع نموذجًا مأخوذًا من الشريعة الإسلامية فأتى بنفس نصوص القانون ونسبها للشريعة الإسلامية.
حضرة الشيخ المحترم عبد الوهاب طلعت باشا: وهل استعنتم بالفقهاء الشرعيين لعله يمكنهم أن يساعدوا في هذا السبيل.
حضرة صاحب المعالي عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية):
لقد قمنا بكل ما يمكن عمله في هذا السبيل، وأخذنا كل ما يمكن أخذه عن الشريعة الإسلامية مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث ولم نقصر في ذلك (٢).
.حضرة الشيخ المحترم عبد الوهاب طلعت باشا: إني كرجل يؤمن بالكتاب المنزل وكرجل درس الشريعة الإسلامية كما درس المعاملات فيها أرى أن فيها ما يتسع لكل شيء.
حضرة صاحب المعالي عبد الرزاق السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية):
أرجو أن تجد سعة من وقتك لزيارتي وأنا على أتم استعداد لأن أبحث معك الموضوع وأنا واثق أنك ستقتنع (١، ٢).
الناقشة الثالثة: لسيد عبد الله علي حسين:
سيد عبد الله من علماء الأزهر الذين درسوا الحقوق وحصل على درجة الليسانس في الحقوق من فرنسا، وقد كتب كتاب المقارنات التشريعية في مجلدين ردًا على الدكتور السنهوري وعلماء القانون الذين يزعمون أن رجال القانون الأوربيين لم يعتمدوا في قوانينهم على الفقه الإسلامي، وقد أثبت في كتابه أن كثيرًا من قانون نابليون مأخوذ من الفقه المالكي، ومع ذلك فقد أغفل واضعوه هذا المصدر، وقد ناقش المؤلف في مقدمة كتابه الدكتور عبد الرزاق السنهوري في دعواه أن الفقه الإسلامي لا يصلح لأن يجعل قانونًا في الوقت الذي وضع فيه السنهوري القانون المدني مستمدًا من القوانين الأوربية الصالحة لذلك بزعمه.
وقد أورد سيد عبد الله نصوص أقواله ورد عليها، وسأكتفي بإيراد جزء من مناقشته للدكتور السنهوري (٣).
السنهوري: قد دار الزمن دورته والفقه الإسلامي واقف، العالم يمشي وهو جامد، والحضارة تتطور وهو ساكن، فبعد عن الحاجات المتجددة.
سيد عبد الله: أنت أدرى يا سيدي الأستاذ لم وقف؟ لأن من تنطق بحجتهم ومن اعتنقت مذهبهم طاردوه في كل مكان، ولكن أصوله باقية وخالدة على الدهر لا تطفأ.
السنهوري: فأصبح من العسير على الأمم العربية في العصر الحاضر أن تستقي منه قوانينها الحاضرة.
سيد عبد الله: قواكم الله في الإتيان بالبديل، فأنتم وأمثالكم داعون للقوانين الوضعية، وهذا هدم للتشريع الإسلامي، إن بقي فيه شيء لم يهدم من أعدائه ومن احتلوا بلاد المسلمين.
السنهوري: فأخذت تهجره واحدة بعد الأخرى ولجأت إلى القوانين الغربية الحية لتماشي مدنية العصر ومن هنا نشأت أزمة الفقه الإسلامي.
سيد عبد الله: لا يا أستاذ لم تهجر الأمم العربية التشريع الإسلامي كراهية فيه، أو لعدم صلاحيته للزمن، ولكنها أُكرهت من عدوها الذي احتلها على تركه واستبداله بقوانينه، وأظن الأستاذ يشاهد البلاد العربية التي لم يحتلها أجنبي تحكم بالتشريع الإسلامي (اليمن والحجاز).
السنهوري: نحتاج إلى جهود جبارة ووقت طويل حتى يعود الفقه إلى مجده الأول، وينفض عنه غبار الجمود الذي تراكم عليه، فيسترد قوته ورونقه، ويعود جديدًا وفقهًا خصبًا قويًّا.
سيد عبد الله: أدركنا يا رب العالمين من عبادك والطف بنا وبهم في هذا الدنيا، إنك أنت اللطيف الخبير، هذا الذي يمهد السبيل لإصلاح الفقه لو أنه تبنى بحثًا منه ودافع عنه لظن الناس خيرًا، وقبلوا هذه الدعوى، ولكن رجلاً تبنى نظرية لامبير، ونقل لنا أسمالاً بالية من عدة تشاريع وضعية وخاطها لنا.   قانونًا مدنيًّا، وقال في مادته الثانية ما يأتي: "فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون .. "لا يصح أن يكون حكمًا، ولا يؤخذ قوله حجة.
والواجب أن يقول الأستاذ بلغة العرب الفصيحة: إنني أدعو العرب لهجر التشريع الإسلامي في بلاد الإسلام حتى تعود إليه الحياة، ويعود فقهًا خصبًا قويًّا؛ لأن رجلاً يلزم القاضي بقانونه أن يحكم العادة قبل أن يحكم التشريع الإسلامي لا يصح أن يتكلم في التشريع الإسلامي؛ لأنه يجهله أو يعاديه، إن أعداء الإسلام أخذوا منه ما لذ وطاب، ولم يقل أحد منهم هذه الأقوال؛ لأنهم درسوه وعرفوا قيمته، أصوله وقواعده، ولكنهم سكتوا عن ذكره سكوت أهل القبور، وعملوا على محوه وتعطيله في كل قطر دخلوا فيه، وتركوا من أبناء هذه الأقطار داعية لتشريعهم الوضعي فيها، وهي حقيقة مرة يعرفها من ألقى السمع وهو شهيد.
أيها الأستاذ: إن التشريع الإسلامي حي حياة إلهية، ولو لم يرق في نظرك، فلست أكثر حولاً ولا طولاً ممن محوه من بلاد الإسلام، وأدخلوا قوانينهم، وحكموا بها، وألزموها المسلمين قهرًا، وبلا ذنب إلا احتلالهم، إن علماء التشريع الإسلامي قد أصبحوا والحمد لله يضارعون في تفكيرهم وفهمهم أكبر عالم من علماء القوانين الوضعية، ولو سألتموهم عن أي قاعدة لبهركم وأخذ عليكم مجامع تفكيركم الوضعي ما يجيبون به، ولكن ما تدعون من علم ومعرفة قد جعلكم في نظركم على الأقل أعلم مخلوق وأعظم مشروع، والله يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥].
ونصيحتي إليكم أن ترجعوا إلى التشريع الإسلامي، وفيه ما فوق الكفاية، فتعلموه، وابحثوا، وبشروا به في كل مكان يعظم شأنكم، ويرضى.  عنكم ربكم، فلستم بمعجزين الله في الأرض، ولو شاء لسلبكم ما تدعون، وليس ذلك على الله بعزيز.


* خلاصة القول في القانون المدني المصري الذي وضعه السنهوري ويبوء بإِثمه أمام الله:
خلاصة القول في هذا القانون الذي زعم واضعوه أنه قانون مصري خالص - أنه قانون بعيد عن الشريعة الإسلامية، وأنه قد أقر أعين الكافرين، وأدمى قلوب المؤمنين، لقد خدعنا أعداء الإسلام عندما سمحوا لنا أن نغير القانون الفرنسي، وقالوا لنا: خذوا قانونكم من أي قانون شئتم، إلا أن يكون القانون المحكم هو الشريعة الإسلامية، فظننا أننا بذلك نلنا استقلالنا.
- يقول الدكتور السنهوري: "لقد ظفر التشريع المصري بالاستقلال في سنة ١٩٣٧، وكانت معاهدة مونتريه هي صك استقلاله، وظفر القضاء المصري بالتوحيد بعد انقضاء فترة الانتقال، وزوال المحاكم المختلطة" (١).
لقد سمح الكفار لنا بصياغة قونينا بعد أن وجدوا رجالاً رضعوا ثقافته وأعجبوا بقوانينه، وبعد أن أخذوا علينا العهود بأن نتجه نحو تلك القوانين، وبعد أن رضينا بإقصاء شريعة الله.
لقد كان رجال القانون الذين لا يفقهون الشريعة يريدون أن يمصروا الفقه.
- يقول الدكتور السنهوري واضع القانون في كتاب "نظرية العقد"قبل وضعه للقانون بعشرين سنة: "علينا أولا أن نمصر الفقه، فنجعله فقهًا مصريًا خالصًا، نرى فيه طابع قوميتنا، ونحس فيه أثر عقليتنا"ثم يتألم ويتوجع من.  حال الفقه في ذلك الوقت: "فقهنا حتى اليوم لا يزال -هو أيضًا- يحتله الأجنبي، والاحتلال هنا فرنسي، وهو احتلال ليس بأخف وطأة، ولا بأقل عنتًا من أي احتلال آخر"وهو يأسى لرجال القانون في بلده حيث يقول: "لا يزال الفقيه المصري يتلمس في الفقه الفرنسي الهادي المرشد، لا يكاد يتزحزح عن أفقه أو ينحرف عن مسراه، فهو في ظله اللاصق، وتابعه الأمين، ثم ينادي مطالبًا: "باستقلال الفقه المصري وتفريغه في جو مصري يشب فيه على قدم مصرية وينمو بمقومات ذاتية" (١). وعندما أتيحت له الفرصة بادر بوضع هذا القانون على النحو الذي وصفه.
- يقول الدكتور السنهوري في القانون بعد وضعه: "إن النصوص التشريعية الواردة في هذا المشروع لها من الكيان الذاتي ما يجعلها مستقلة كل الاستقلال عن المصادر التي أخذت منها، ولم يكن الغرض من الرجوع إلى التقنينات الحديثة أن يتصل المشروع بهذه التقنينات المختلفة اتصال تبعية في التفسير والتطبيق والتطور؛ فإن هذا حتى لو كان ممكنًا، لا يكون مرغوبًا فيه، فمن المقطوع به أن كل نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يطبق فيها، ويحيا حياة قومية توثق صلته بما يحيط به من ملابسات، وما يخضع له من مقتضيات، فينفصل انفصالاً تامًا عن المصدر التاريخي الذي أخذ منه، أيًا كان هذا المصدر، وقد حان الوقت الذي يكون لمصر فيه قضاء ذاتي وفقه مستقل، ولكل من القضاء والفقه، بل على كل منهما عند تطبيق النص أو تفسيره، أن يعتبر هذا النص قائمًا بذاته منفصلاً عن مصدره، فيطبقه أو يفسره تبعًا لما تقتضيه المصلحة، ولما يتسع له التفسير من حلول تفي بحاجات البلد، وتساير مقتضيات العدالة، وبذلك تتطور هذه النصوص في صميم.    الحياة القومية، وتثبت ذاتيتها، ويتأكد استقلالها، ويتحقق ما قصد إليه واضعو المشروع من أن يكون لمصر قانون قومي، يستند إلى قضاء وفقه لهما من الطابع الذاتي مما يجعل أثرهما ملحوظًا في التطور العالمي للقانون" (١).
إن ما قرره واضع القانون المدني ليس صوابًا، كل الذي فعله أن حكم في رقاب المسلمين قانونًا وضعه هو واستمده من أكثر من عشرين قانونًا بعد أن كان يحكم في رقابنا قانون مترجم هو قانون نابليون، والقوانين الوضعية عندنا سواء الذي يضعه نابليون، أو أبو جهل العربي، أو السنهوري فكل القوانين الوضعية تحاد شريعة الله، ونحن نريد أن نتحاكم إلى ما أنزله الله لا إلى ما وضعه البشر.
قد يكون في القوانين الوضعية قانون أفضل من قانون، ولكنها جميعًا مرفوضة عند المسلم الصادق؛ لأنها اعتداء على ألوهية الله وحكمه" (٢) اهـ.
ونختم بما قال السنهوري: "السيادة في القانون الإسلامي لله وحده، ولكنه يفوضها للأمة، كل الأمة وليس لشخص ولا لأي مجموعة من الناس أيًّا كانت".
- قال الدكتور عمر الأشقر بعد أن رد شبه السنهوري وأمثاله: لا يخفى على المسلم ما في هذه الأقوال من كفر وضلال" (٣).
- ولله در القائل.
عجّتْ فروج الناس ثم حقوقهم ... لله بالبكرات والآصال
كم تستباح بكل شرع باطل ... لا يرتضيه ربنا المتعالي
.والكل في قعر الجحيم سوى الذي ... يقضي بحكم الله لا لنوالِ
أَوَمَا سمعت بأن ثلثيْهم غدًا ... في النار في ذاك الزمان الخالي
وزماننا هذا وربك أعلمُ ... هل فيه ذاك الثلثُ أم هو خالي؟
 
* الشاعر العراقي معروف الرصافي يسقط في وحل الخيانة ويناصر اليهود:
كثيرون مهدوا لضياع فلسطين وامتدحوا الصهاينة .. امتدحوا اليهود، ووصفوا احتفالاتهم في القدس، في ليال هي عندهم بمستوى ليلة القدر في القُدسية!!! ولكنك قارئي الكريم لعلك تصعق حين تعلم أن من هؤلاء الكثيرين الشاعر العراقي معروف الرصافي .. استمع إليه في غيبوبته الفكرية .. في قصيدته التي يمتدح بها الصهيونيين يهودا وهربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في فلسطين في محفل في القدس حضرة عام ١٩٢٠ م منشدًا:
خطاب يهودا قد دعانا إِلى الفكر ... وذكّرنا ما نحن فيه على ذكر
لدى محفل في القدس بالقوم حافل ... تبوّأه هربرت صموئيل في الصدر
دعاهم رئيس القدس ذو الفضل راغب ... إِليه، فلبوا دعوة من فتى حُرِّ
فأمسوا وفي ليل المحاق اجتماعهم ... يحفول من هربر صموئيل بالبدر
فيا ليلة كادت وقد جلَّ قدرها ... تكون على علاتها ليلة القدر
ولما تناهى من يهودا خطابه ... وقد سرّنا من حيث تدري ولا ندري
تصدّى له هربر صموئيل ناطقًا ... بسحر مقال جلّ عن وصمة السحر
وعدت فأمسى القوم بين مشكل ... ومنتظر الإِنجاز منشرح الصدر
فكذِّبْ وأنت الحر من ساء ظنه ... فقد قيل: إِن الوعد دين على الحر
ولسنا كما قال الألى يتهموننا ... نعادى بني إِسرائيل في السرَّ والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهم ... يمتّ بإٍسماعيل قدمًا بنو فهر
هما من ذوي القربى، وفي لغتيهما ... دليل على صدق القرابة في النجر
ولكننا نخشى الجلا، ونتقي ... سياسة حكم يأخذ القوم بالقهر
وهل تثبت الأيام أركان دولة ... إِذا لم تكن بالعدل مشدودة الأزر
وها أنا قبل القوم جئتك معلنًا ... لك الشكر حتى أملأ الأرض بالشكر
وعلى أثر هذه القصيدة طرد الشعب الفلسطيني "الرصافي "بعد رجمه بالحجارة! وقد غادر القدس فجرًا، ولسان حاله يردد:
إِذا أنكرتني بلدة أو أنكرتها ... خرجت مع البازي عليّ ظلام
وماذا ننتظر من الشعب الفلسطيني غير هذا التوديع بالطرد والحجارة وهو يكيل المديح إلى الصهيوني "هربرت صموئيل"أو موضى سام أرسلته بريطانيا إلى فلسطين لتهويدها" (١).


* محمد أحمد خلف الله يزعم أن القرآن يحوى الأساطير؟!!
محمد أحمد خلف الله هو القائل: "ما عدا القرآن -يقصد السنة المشرفة- فكر بشري نتعامل معه بعقولنا، وتفسير رسول الله للقرآن قول بشر" (٢).
.محمد أحمد خلف الله هو القائل: "إن النص القرآني إن لم يكن قادرًا على تحقيق المصلحة تركناه، ولجأنا إلى الفكر البشري؛ فإن مدار النصوص على المصالح، فهي أصل والنصوص فرع" (١).
وقد مرّت بنا قصة الدكتور خلف الله الذي كتب عن "الفن القصصي في القرآن الكريم"فوصف قصص القرآن بالخرافة، وزعم أن القرآن نفسه لا ينفي أنه يحوي أساطير؟!! وهذا البحث لقي اتفاق وإجماع أهل العلم في مصر وغيرها على ضلال وجرأة صاحبه، "كما لقي دعم وإعجاب كثير من المشبوهين ومن المستشرقين الذين انبروا للدفاع عنه وتقريظه، حتى إن ج. بالجون، وج. جومييه -من القساوسة الدومينيكان- وصفاه بأنه البحث الوحيد الذي يمثل الاستنارة الحقيقية في الفكر الإسلامي عن حركة المجتمع العربي المعاصر، وقصر القرآن على العبادات والمساجد، كضرورة حتمية لتقدم المجتمع العربي" (٢).
- يقول الأستاذ أنور الجندي: "امتدت دعوة أمين الخولي في تلامذته، فظهر عمل خطير هو "الفن القصصي في القرآن "لمحمد أحمد خلف الله، وكان بتوجيه الشيخ (٣).
- يقول الأستاذ محمد مصطفى رمضان: "كان الشيخ الخولي وراء كثير من الحملات على القرآن الكريم، ومنها "القصص الفني في القرآن"، فقد أعلن الشيخ أنه متضامن معه فيها وشريكه في التبعية، وذلك جريًا على. خطته في الحملة على علوم البلاغة ومسخه لبلاغة القرآن، وكفره بتنزيه الله، ودعوته إلى العامية السوقية المبتذلة (عرضنا لهذه الرسالة في كتابنا "المساجلات والمعارك الأدبية").
- يقول الأستاذ محمد أحمد الغمراوي: هذه الرسالة تقيس القصص القرآني بمقاييس ليست وثيقة ولا مقررة؛ فإن خالف القرآن تلك المقاييس كان عند أصحابها كذبًا وافتراءً على التاريخ، أو كان نوعًا من ذلك الفن الأدبي الذي لا يلتزم الواقع التاريخي، ولا الصدق العقلي، وإنما يخضع في تآليفه لهذه الحرية الفنية التي يخضع لها كل فنان موهوب، وتطبيقًا لهذه القاعدة صار القرآن -في رأي صاحب الرسالة- "يتقوّل على اليهود وينطقهم بما لم ينطقوا به، ويتقوّل أمورًا لن تحدث ويقرر أمرًا خرافيًا أو أسطوريًا ثم يعود فيقرر نقيضه ويغيرّ الواقع ويبدل ويزيد وينقص بحكم هذه الحرية الفنية".
ومن مفاسد هذه الرسالة اعتبارها أن مصادر القصص القرآني هي التوراة والإنجيل والأقاصيص الشعبية، وما امتزج بها من عناصر فارسية وإسرائيلية، وأنه جرى في ذلك خلف قساوسة المستشرقين أمثال ردويل ومرجليوث حتى بلغ به الأمر أنه لم يدرك ما هنالك من تناقض بين نسبة القرآن إلى الحق سبحانه، والحكم على قصص القرآن بأن أكثره غير صحيح.
"ومما يذكر أن محمد أحمد خلف الله قد خاض بعد ذلك في ميدان آخر يهاجم فيه الإسلام، وهو موضوع الشريعة الإسلامية" (١) اهـ.

جغرافيا أميركا في مواجهة العالم

$
0
0

يجري نقاش واسـع في أميركـا والعـالم راهناً لتقييم أداء وكفاءة إدارة أوبامـا بعد مرور ست سنوات على انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، لجهة قدرته على تحقيق المصالح الأميركية حول العالم. ومن الطبيعي أن تنقسم الآراء بين مؤيد لأوباما ومعارض لسياساته، ولكن ما لا يجب أن يغيب عن النقاش المحتدم أن جغرافيا الولايات المتحدة الأميركية - تتحكم إلى حد كبير- في توجيه سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة، بغض النظر عن شخص الجالس في البيت الأبيض وميوله وانحيازاته الأيديولوجية.

المحيط الأطلسي وهوية أميركا

تتأهب للعودة إلى بلادك بعد رحلتك البحثية حيث ستنتقل بالطائرة في إثنتي عشرة ساعة من نيويورك على الساحل الشرقي لأميركا إلى القاهرة؛ تقضي منها ساعات ستا كاملة عابراً المحيط الأطلسي من أميركا إلى أوروبا. تجلس في المطعم النيويوركي الشهير والواقع على ساحل الأطلسي مباشـرة، المتخـصص في تقديم المأكولات البحرية المختلفة الأصناف والألوان والأحجام؛ تلك التي تؤكل نيئة بأدوات مدهشة تشبه أدوات طبيب الأسنان. تزيح حساء الطحالب البحرية جانباً، وتتأمل في الأطلسي الذي يبدو مختلفاً عن كل البحار والأنهـار الأخرى في العالم. ومرد ذلك ليس تفرد منتوجات الأطلسي البحرية وإنما بسـبب كـونه نهاية العالم، حيث لا شيء أمامك سوى المياه. تبدو أميركا على الخارطة مثل شريحة أفقية كبيرة ممتدة من الشـرق إلى الغرب أي من المحيط الأطلسي إلى المحيط الباسيفيكي، ويبدو ساحلها الشرقي مثل فم مفتوح في مواجهة العالم بدايته ماين شمالاً ونهايته فلوريدا جنوباً. نجحت أميركا على مدار القرن الماضي في تبديل علاقتها الجغرافية بتوازنات سياسية مغايرة مع دول العالم المختلفة؛ بحيث أصبحت وكأنـها بداية العالم بين مياه المحيطين الأطلسي والباسيفيكي، في حين تصبح باقي دول العالم عند نهايته! حتى تستطيع عزيزي القارئ تخيل ما أحاول قوله، لاحظ أن مساحة أميركا تبلغ حوالي 9,83 مليون كيلومتراً مربعاً، وهي رابع أكبر بلد في العالم من حيث المساحة بعد روسيا وكندا والصين، في حين يبلغ عدد سكانها ما يزيد عن ثلاثمئة مليون نسمة لتحتل بذلك المركز الثالث عالمياً من حيث عدد السكان بعد الصين والهند. على ذلك يحتم الموقع الجغرافي على أميركا أن تكون قوة بحرية بكل ما لهذا المصطلح من معان وتبعات، ولهذا فقد ورثت أميركا زعامة القوى البحرية في العالم من إنكلترا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في مواجهة القوى البرية بزعامة روسيا. يتمتع مواطنو الولايات المتحدة بسبب هويتها البحرية الصافية بفائض كبير من قيم الحرية والطموح الفردي غير المحدود، في حين تعتبر بلادهم أن المحيط الأطلسي الذي يفصلهم عن جغرافيا العالم الشرقي، أي العالم بدون كندا وأميركا اللاتينية، هي خط دفاعهم الأول. وبالفعل لم تجرؤ أي قوة في التاريخ الحديث على غزو الولايات المتحدة الأميركية بعد إعلان استقلالها، ولم يفكر الاتحاد السوفياتي السابق أو ألمانيا النازية - حتى مجرد التفكير - في غزو الأراضي الأميركية بسبب المحيط الأطلسي الذي يقف كحائط صد جغرافي للدفاع عن أميركا.

يعد المحيط الأطلسي، بالرغم من مزاياه كحائط صد، في الوقت ذاته عائقاً جغرافياً هـائلاً أمام أميركا، ولذلك نجد واشنطن الساعية للهيمنة على العالم بقوتها العسكرية الكاسحة تتخذ لنفسها قواعد عسكرية على امتداد خريطـة العـالم، كما أن أسطولها البحري - الأكبر في العالم بمسافة هائلة عن باقي الأساطيل - يمخر عباب كل البحار والمحيطات من دون استثناء، وفي وقت واحد. على ذلك يمكنك القول إن المحيط الأطلسي هو الذي صنع عظمة أميركا في الواقع، والتحدي الذي يمثـله يتحكم في أقدار أميركا منذ استقلالها، إذ إن الجغرافيا هي قدر الأمم الذي لا فكاك منه. وعلى ذلك، فقد نقلت أميركا معارك سيطرتها على العالم إلى ما وراء المحيط، إلا أن تزحزح بؤرة القوة في النظام الدولي الراهن جراء الصعود المتوقع لقوى دولية أخرى من شأنه أن يهدد هذا الاكتساح وتلك السيطرة.

المحيط الأطلسي وأوراسيا والشرق الأوسط

بعيداً عن الانحياز الأيديولوجي والميول العاطفية، لن نستطيع أن نفهم أهمية الشرق الأوسط للقوة العظمى الوحيدة الباقية، أي أميركا، دون إلقاء الضوء على المنطلقات الأساسية لعلماء الجيوبوليتيك الأميركيين، المؤثرين بشدة في تشكيل تصورات الرؤساء الأميركيين. هنا يمكن أن نسوق اثنين من أهم المفكرين الاستراتيجيين مثالاً على هذا التأثير: الأول قديم هو هالفورد ماكندر والثاني حديث وحي يرزق وهو زبغنيو بريجينـسكي. قام العالم الجـغرافي الشهير وعالم العلـوم السيـاسية هالفـورد ماكندر في عام 1904 بتأليف الكتاب الشهير «المحيط الجغرافي للتاريخ»، وهو أحد أشهر كتب الجيوبوليتيك في العالم. وفي الكتاب ظهرت نظرية ماكندر الشهيرة «قلب الأرض» إلى الوجود، التي يمكن تلخيصها في متوالية سببية كالتالي: «من يحكم شرق أوروبا يحكم قلب الأرض، ومن يحكم الأخـير يحـكم جزيـرة الـعالم وبالتـالي يحكـم العالـم كله». كانت نظرية ماكندر تتصادم مع المقولات الانطلاقية الإنكليزية القاضـية بالسـيطرة على الطرق البحرية لضمان السيطرة على العالم، ولذلك تأسس التصادم الفكري بين النظريتين على قاعدة أن «القوى التي تسيطر على أوراسيا يمكنها مهاجمة مستعمرات القوة البحرية» كما اعتقد ماكندر بشدة. وأوراسيا هي المنطقة الواقعة بين شرق أوروبا في الغرب وآسيا الوسطى والقوقاز في الشرق، والكلمة مشتقة من أوروبـا وآسـيا للدلالة على منطقة التماس بين القارتين. دخلت تقديرات ماكندر المتواضـعة عن أهمية الجغرافيا العربية ساحــات الانتقـاد لنـظريتـه من أوسـع أبوابهـا، كـما أنه عانـى من مركزية أوروبية مفرطة في تحليلاته. وبسبب الاحتياطات الهائلة من النفط والغــاز في الشـرق الأوسـط المكتشـفة بعد ماكـندر لم يعــد ممكـناً لأي قـوة عـظمى أن تدعي أنها كـذلك، دون وضعها في إطار بيئتها الأمنية والإستراتيجية.

ألقى زبغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق جيمي كارتر والمستشار غير المعلن والأوسع تأثيراً على باراك أوباما، في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى» الذي ألفه عام 1997 الضوء على أهمية منطقة أوراسيا للولايات المتحدة الأميركية، التي تسبق الشرق الأوسط في أهميتها من المنظور الأميركي. وقال بريجينسكي متأثرا بشدة بما كتبه ماكندر من قبل:

«انتقل علم الجيوبوليتيك من البعد الإقليمي إلى البعد الكوني. مع وجود أهمية استثنائية لمنطقة أوراسيا في المصالح الكونية الأميركية. أميركا باعتبارها قوة لا تنتمي إلى أوراسيا تمدد سيطرتها إلى الحواف الثلاث لمنطقة أوراسيا والعدو المحتمل لأميركا في أي سياق تنافسي دولي قادم لا بد له أن يسيطر على منطقة الأوراسيا. وهكذا يتوجب على أميركا أن تمنع أيا من القوى الكبرى، روسيا أو الصين أو القوى الإقليمية الصاعدة مثل إيران وتركيا، من السيطرة على منطقة الأوراسيا».

سيطرت أميركا منذ الحرب الباردة على ما أسماه بريجينسكي «رؤوس الجسور القارية»، حتى تستطيع احتواء الاتحاد السوفياتي وتمنع تمدده. في هذا السياق كانت منطقة الشرق الأوسط وما زالت رأس الجسر الكبير إلى الجنوب من أوراسيا، وتدخلات أميركا كلها في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة كانت بهدف احتواء وعزل الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك الانقلاب الذي وقع على الزعيم الإيراني محمد مصدق وحكومته المنتخبة ديموقراطياً العام 1953 والانقلاب على الوحدة المصرية - السورية العام 1961 ثم حرب العام 1967 وما تلاها من تدخلات بهدف احتواء وريثته روسيا.

الجغرافيا حكماً والوقت سيفاً

من المبكر الآن الحكم على أوباما بالفشل مثل سلفه جورج دبليو بوش، ولكنه من غير الموضـوعي أيضاً دمغ سياساته الشرق أوسطـية بالنـجاح، لا سيـما أنه لم ينجح حتـى الآن في حل أي من القضيتين اللتين تصدى في فترتي ولايـته لحلهما دبلوماسياً، أي القضية الفلسطينية والملف النـووي الإيراني. قد يكون التاريخ باعتبار أحد تعريفاته - رواية القـصص - محل خلاف بين الباحثين، إلا أن الجـغرافيا ستـحكم على تقييم أوباما وإدارته بشكل لا يرحم. في هذا السياق يقيِّم بريجينسكي الفترة الرئاسية الأولى لأوباما بوصفها «ضائعة»؛ لأنها لم تشهد حلاً سلمياً ناجزاً للملف النووي الإيراني يكرس مصالح أميركا في رقعة جغرافيـة واسعـة من الشـرق الأوسـط إلى أوراسيا. باختصار سيحدد الملف النووي الإيراني مصـير أوباما وإدارته من حيث الفشل أو النجاح، وسيذهب العام الحـالي مؤشـراً على هذا المصير، كون الحل السـلمي للملف سيتطلب ترتيبات إقليمية جديدة، ومواجهات أميركية داخلية طاحنة بين مجموعات الضغط والمصالح في أميركا، وكلاهما (الترتيبات والمواجهات) سيستغرق شهوراً من الوقت ومقاومة عارمة من المتضررين أميركياً وإقليمياً. تبدو فرص أوباما في التقييم الآن، بعد انتصاف ولايته الثانية والأخيرة، متأرجحة بين النجاح والفشل وبميل نسبي إلى الأخير؛ وفي النهاية سيقطع الوقت بسيفه البتار قول كل خطيب!

ورد في الأثر (1)

$
0
0

 

لا يألو اعضاء الحزب الجمهورى فىأمريكا جهدا لكى يظهروا إيمانهم العميق بالمسيحية الاصولية ويؤكدوا تشبثهم الشديد بالقيم الروحية التى غرسها الكتاب المقدس فىصدور من يؤمنوا به.. وهذا الإتجاه قد إنتشر فىكثير من بقاع العالم من أفريقيا إلى آسيا (الهند وإندونيسيا وباكستان) وأوروبا الشرقية إلى حد ما.. ولا تقف فىوجه هذا الإتجاه إلا أوروبا الغربية.. أما الصين فموقفها غير واضح، فلا هى تتبنى التشدد الدينى ولا هى تصرح بمناهضتها لهذا الإتجاه، والصين على كل حال ليس لها دين فمن أين يأتيها التشدد؟
منذ أكثر من عام صرح السيد آتكن المرشح الجمهورى للكونجرس الأمريكى فىإنتخابات ذلك العام 2012 عن ولاية ميسورى أنه ضد كل أنواع الإجهاض (وهو موقف جل أعضاء الحزب) ولكنه أضاف أنه أيضا ضد الإجهاض فىحالات الإغتصاب !!! وقد علل سيادته ذلك بالقول أنه "من المعروف أن المرأة لا تحمل فىحالات الإغتصاب حيث أن الجسم يقوم برفض الحمل عن طريق إغلاق كل الطرق المؤدية إليه"... وهذا النهج من التفكير كان منتشرا قبل عصور التنوير فىأوروبا حيث أن من كانت تحمل سفاحا كانت دائما متهمة لأن الإغتصاب لا ينتج حملا !!! وهو رأى يمكن القول عنه أنه وردفىالأثر، أى قول مرسل لا صاحب له ولكن جهل الناس يجعلهم يتلقفونه ويضمونه إلى منظومة التعاليم الدينية بدون أن يسأل أحدهم ما هو هذا الأثر؟
وفىإندونيسيا الشقيقة لجأ مطرب معروف إلى فكرة القيام بحملة سياسية مبناها أن إنتخاب غير المسلمين هو حرام وتبعه كثير من الناس، رغم أن إندونيسيا مجتمع متعدد الأعراق والأديان منذ القدم، والظاهر أن هذا النظر للأمور قد وردأيضا فىالأثر
وفىنيجيريا الحبيبة تعلن جماعة بوكو حرام يوميا عن نيتها إخلاء كل شمال البلاد من غير المسلمين دون أن تذكر السبب وبدأت بالفعل فىترهيبهم بتفجيرات الكنائس والمحال وأخيرا خطف الفتيات لبيعهن إماءا ويجري كل ذلك على أرضية إسلامية.
وفى الهند الباسلة يتشدد الهندوس يوما بعد يوم فى مواجهة كل من المسلمين والسيخ على السواء، بالرغم من أن المسلمين هم من أضعف الطوائف الهندية إجتماعيا وإقتصاديا فهم يحتلون المركز الأخير فى  التعليم والوظائف وكسب المال. وقد كانت الهند حتى نهاية الحرب الباردة نموذجا طيبا للتعايش بين الطوائف المختلفة، إلا أن صعود الهند إقتصاديا عقب نهاية تلك الحرب أوجد نوعا من العزة الهندوسية والنعرة القومية المبنية عليها مما جعلهم ينظرون إلى غيرهم نظرة لم يكن لها فى السابق وجود سياسى حقيقى..

وفى الولايات المتحدة أثناء الحملة الإنتخابية الأخيرة عام 2012 وجهت مجلة Cathedral Age  التى تصدر فى واشنطن عن الكاتدرائية القومية ثمانية أسئلة إلى كل من مرشحى الرئاسة رومنى وأوباما  تتعلق بمعتقداتهم الدينية وقام الإثنان بالرد مدافعين عن مسيحيتهما حيث أن أوباما متهم بكونه مسلما ورومنى هو بالفعل من طائفة المورمون..

لقد إرتكب المرشح الجمهورى للكونجرس خطأ موجعا عندما إستعمل إصطلاح "الإغتصاب المشروع"legitimate rape  والذى يعنى ببساطة أن جريمة إغتصاب المرأة التى ينتج عنها حمل تنطوى على  جانب من الشرعية بسبب موافقة المرأة الضمنية على ما يحدث بدليل أنها قد حملت !!! وهو منطق لا يتجاهل فقط الحقائق الطبية ولكن أيضا وقائع التاريخ.. فالتاريخ ملىء بحالات الحمل الناتجة عن إغتصاب صريح ليس به أية موافقة ضمنية أو غير ضمنية.

والمشكلة أن هذا المستوى الثقافى المضمحل مرشح لكى يحكم علاقات الولايات المتحدة مع العالم الخارجى حيث أن الكونجرس صاحب حول وطول فى صياغة تلك العلاقات..

 ما هو هذا الذى حدث؟ وكيف حدث؟   ولماذ؟

 

أولالابد من ملاحظة هامة فى البداية وهى أن كل تلك الأديان، المسيحية والإسلام والهندوسية وديانة السيخ فى أصلها ليست متشددة ولا تدعو لمحاكم الضمير التى تمارس الآن.. صحيح أن هناك آيات ونصوص يمكن تفسيرها على عدة وجوه، وذلك فى الديانات جميعا، ولكن الديانات جميعا متفقة فى نفس الوقت على أن التفسير لابد أن يكون سلميا يفترض حسن النية لا عدائيا يفترض فى الآخرين سوء النية..

ثانيالابد من ملاحظة أن حوالى 70% من سكان الولايات المتحدة هم من أهل القرى والنجوع وليسوا من سكان المدن.. والقرى والنجوع الأمريكية لا يمكن بحال مقارنتها بالقرى والنجوع فى أوروبا الغربية الصناعية..

ثالثايجب معرفة أن المهاجرين الأوائل إلى الولايات المتحدة لم يغادروا أوروبا على أساس دينى أو طائفى وإنما على أساس إقتصادى بحثا عن حياة أفضل من تلك المتاحة فى أوروبا التى عانت من المجاعات والأمراض والحروب المستمرة.. ولهذا فقد أراد هؤلاء التعبير عن إمتنانهم للرب  وعرفانهم للنعمة التى أسبغها عليهم متمثلة فى الأرض الواسعة والسلام النسبى والحرية التى لا حدود لها فابتدعوا عيد الشكر وهو عيد لا يعرفه الدين المسيحى وليس له سوابق فى أى مكان..

فالإنجليز مثلا والفرنسيون حكموا مساحات شاسعة من كوكب الأرض، أوسع كثيرا من الولايات المتحدة، وخضعت لهم شعوب كثيرة وكانت لهم مستعمرات غير محدودة ولكننا لم نسمع أبدا أن مسيحييى إنجلترا أو فرنسا أرادوا تقديم الشكر للرب فابتدعوا عيدا دينيا..

وقد جاء ذلك خلافا للمستعمرين اللاتين من البرتغال وإسبانيا الذين لم يخرجوا من بلادهم إلا على أساس كنسى دينى تبشيرى لنشر كلمة الرب، مما أوجد فى النهاية كنيسة كاثوليكية قوية فى بلاد جنوب أمريكا من المكسيك وكوبا شمالا إلى أرض النار جنوبا.. وقد أوجد الشعور بالحرية المطلقة لدى مهاجرى شمال أمريكا تصور القدرة على تعديل مسارات الدين والتاريخ معا، فبدأت التفاسير المتعددة للإنجيل حيث قام كل عرق أو طائفة أو حتى جماعة ليس بين أفرادها رابط واضح، قاموا بتفسير والإنجيل على ما يحلو لهم، فالسود تصوروا يسوع رجلا زنجيا مثلهم والهيسبانيك فعلوا نفس الشىء بينما بقى يسوع فى عيون الأوروبيين الشماليين من أصل إيرلندى أو إنجليزى أو ألمانى، رجلا ابيضا بالطبع !!

ولأن الولايات المتحدة قامت على أساس إقتصادى بحت فقد تطورت فيها إستراتيجيات التسويق والبيع كما لم يحدث كيفا وكما فى أى مكان على الأرض من قبل.. وتنبه النابهون من المهاجرين الجدد لأهمية الإعلان والدعاية فأصبحت المعلومات قوة لمن يريد أن يعرف وقوة أكبر كثيرا لمن يعطى المعلومة.. ونشأت صناعات الدعاية الإعلام والسينما والنشر وكل ما شابه ذلك..

وهكذا تلاقى مبدأ الحرية المطلقة مع مفهوم قوة المعلومات وأصبح عدد الديانات المسيحية فقط فى الولايات المتحدة يتجاوز المئات ناهيك عن جماعات اليهود المتفرقة والمسلمين أيضا والبوذيين والهندوس والسيخ والزرادشت وكل شىء.. بل نشأت أديان جديدة مثل الديانيتيك والساينتولوجى ومعبد الشعب بل وقد تزاوجت ديانات قديمة لتنتج المسيحية الصهيونية وأصبح الأمر غير محدد المعالم..

كما أنه لما كانت الولايات المتحدة قد نشأت على أساس إقتصادى بحت، فقد رأت النخبة الأمريكية فى الدين أنه مجرد سلعة تجارية يمكن إستثمارها لكسب مزيد من المال !!! وهنا وقعت الواقعة..

الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط-1

$
0
0
صفحات من التاريخ الاسلامي في الشمال الأفريقي
(٦)


الدولة العثمانية
عوامل النهوض وأسباب السقوط


تأليف
علي محمد محمد الصلابي
 
الإهداء
الى العلماء العاملين، والدعاة المخلصين،
وطلاب العلم المجتهدين، وأبناء الأمة
الغيورين:
أهدي هذا الكتاب سائلاً المولى عز وجل بأسمائه
الحسنى وصفاته العُلا أن يكون خالصاً
لوجهه الكريم


قال تعالى: ................ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِهِ فَلْيَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِك بِعِبَادَةِ رَبِه أَحَدَاً.
(سورة الكهف، آية ١١٠)
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حَق تقاتِهِ ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون} (سورة آل عمران: آية ١٠٢).
{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطعِ الله ورسوله فقد فازاً فوزاً عظيماً} (سورة النساء، الآية١).
أما بعد؛
يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت.
هذا الكتاب السادس (صفحات من التاريخ الاسلامي) يتحدث عن الدولة العثمانية (عوامل النهوض وأسباب السقوط)؛ فيعطي صورة واضحة عن أصول الأتراك، ومتى دخلوا في الاسلام وعن اعمالهم المجيدة عبر التاريخ، ويستل من بطون المصادر والمراجع بعض التراجم لشخصيات تركية صهرها القرآن الكريم وساهمت في بناء الحضارة الاسلامية، ونصرت مذهب أهل السنة أمثال، السلطان سلجوق، وألب أرسلان، ونظام الملك، وملكشاه، ويتحدث الكتاب عن جهادهم ودعوتهم وحبهم للعلم والعدل، ويبين أن الأتراك الذين قاموا ببناء الدولة العثمانية امتداداً للسلاجقة ويتحدث حديثاً منصفاً عن زعماء الدولة العثمانية كعثمان الأول، وأورخان، ومراد الأول، وبايزيد الأول، ومحمد جلبي، ومراد الثاني ومحمد الفاتح، ويبين صفاتهم والمنهج الذي ساروا عليه، وكيف تعاملوا مع سنن الله في بناء الدولة كسنة التدرج، وسنة الأخذ بالأسباب، وسنة تغيير النفوس، وسنة التدافع، وسنة الابتلاء، وكيف حقق القادة الأوائل شروط التمكين، وكيف أخذوا بأسبابه المادية والمعنوية؟ وماهي المراحل التي مرت بها؟ وكيف كان فتح القسطنطينية نتيجة لجهود تراكمية شارك فيها العلماء والفقهاء والجنود والقادة على مر العصور وكر الدهور وتوالي الأزمان؟
ويبين للقارئ الكريم أن النهوض العثماني كان شاملاً في كافة المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والحربية، وأن للتمكين صفات، لابد من توفرها في القادة، والأمة، وبفقدها يفقد التمكين.
 
ويوضح للقارئ حقيقة الدولة العثمانية والأسس التي قامت عليها والأعمال الجليلة التي قدمتها للأمة؛ كحماية الأماكن المقدسة الإسلامية من مخططات الصليبية البرتغالية، ومناصرة أهالي الشمال الأفريقي ضد الحملات الصليبية الإسبانية وغيرها، وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية، وإبعاد الزحف الاستعماري عن ديار الشام ومصر، وغيرها من الاراضي الاسلامية، ومنع انتشار المذهب الاثنى عشري الشيعي الرافضي الى الولايات الاسلامية التابعة للدولة العثمانية ومنع اليهود من استيطان فلسطين، ودورها في نشر الاسلام في أوروبا ويتحدث هذا البحث عن سلبيات الخلافة العثمانية، والتي كان لها الأثر في إضعاف الحكم، كأهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم والحديث الشريف في أخر عهدها، وعدم الوعي الاسلامي الصحيح، وانحرافها عن شرع الله تعالى وتأثرها بالدعوات التغريبية،
 
ويتكلم عن حقيقة الصراع بين الحركة الوهابية والدولة العثمانية، وعن الدور المشبوه الذي قام به محمد علي لصالح بريطانيا وفرنسا في ضربه للتيار الاسلامي في مصر، والحجاز، والشام، وعن حركته التغريبية التي كانت خطوة نحو الإنسلاخ عن المبادئ الاسلامية الأصيلة ويتحدث عن الدعم الماسوني الذي كان خلف سياسات محمد علي المدمرة للأمة الاسلامية ويوضح الكتاب أن محمد علي كان مخلباً وخنجراً مسموماً استعمله الأعداء في تنفيذ مخططاتهم ولذلك وقفوا معه في نهضته العلمية، والاقتصادية والعسكرية بعد أن أيقنوا بضعف الجانب العقدي والإسلامي لديه ولدى أعوانه وجنوده، وكيف ترتب على دور محمد علي في المنطقة بأسرها أن تنبهت الدول الأوروبية الى مدى الضعف الذي أصبحت عليه الدولة العثمانية، وبالتالي استعدادها لتقسيم أراضيها حينما تتهيأ الظروف السياسية.
 
ويتكلم عن السلطان محمود الثاني الذي ترسم خطى الحضارة الغربية في حركته الاصلاحية، ويتحدث عن أبنه عبد المجيد الذي تولى السلطنة من بعده والذي كان خاضعاً لتأثير وزيره رشيد باشا الذي وجد مثله وفلسفته في الماسونية، وكيف ساهم هذا الوزير مع أنصاره في دفع عجلة التغريب التي كانت تدور حول نقاط ثلاثة هامة:
 
الاقتباس من الغرب فيما يتعلق بتنظيم الجيش، والاتجاه بالمجتمع نحو التشكيل العلماني، والاتجاه نحو مركزية السلطة في استانبول والولايات، وكيف كانت الخطوات الجرية التي اتخذها الماسون الأتراك نحو علمنة الدولة وإظهار خطى كلخانة وهمايون والوصول الى دستور مدحت باشا عام ١٨٧٦م وكان ذلك الحدث أول مرة في تاريخ الاسلام ودوله يجري العمل بدستور مأخوذ عن الدستور الفرنسي والبلجيكي والسويسري وهي دساتير وضعية علمانية.
 
ويوضح للقارئ كيف وضعت حركة التنظيمات الدولة العثمانية رسمياً على طريق نهايتها كدولة اسلامية، فعلمنة القوانين ووضعت مؤسسات تعمل بقوانين وضعية، وابتعدت الدولة عن التشريع الاسلامي في مجالات التجارة والسياسة والاقتصاد، وبذلك سحب من الدولة العثمانية شرعيتها من أنظار المسلمين.
ويبين للقارئ الكريم كيف هيمن رجال التغريب على الدولة العثمانية في زمن السلطان عبد العزيز وعندما تعرض لكثير من مخططاتهم عزلوه ثم قتلوه.
ويتحدث عن الجهود العظيمة التي قام بها السلطان عبد الحميد خدمة للإسلام، ودفاعاً عن دولته، وتوحيداً لجهود الامة تحت رايته، وكيف ظهرت فكرة الجامعة الاسلامية في معترك السياسة الدولية في زمن السلطان عبد الحميد؟ ويفصل الكتاب في الوسائل التي اتخذها السلطان عبد الحميد في تنفيذ مخططه للوصول الى الجامعة الاسلامية، كالاتصال بالدعاة، وتنظيم الطرق الصوفية، والعمل على تعريب الدولة، وإقامة مدرسة العشائر، وإقامة خط سكة حديد الحجاز، وإبطال مخططات الأعداء، ويركز الكتاب على جهود الصهيونية العالمية في دعم أعداء السلطان عبد الحميد كالمتمردين الأرمن، والقوميين البلقان، وحركة حزب الاتحاد والترقي، والوقوف مع الحركات الانفصالية عن الدولة العثمانية وكيف استطاع أعداء الاسلام عزل السلطان عبد الحميد؟ وماهي الخطوات التي اتخذت للقضاء على الخلافة العثمانية؟ وكيف صنع البطل المزيف مصطفى كمال؟ الذي عمل على سلخ تركيا من عقيدتها واسلامها، وحارب التدين، وضيق على الدعاة، ودعا الى السفور والاختلاط، ولم يترك الكتاب الحديث عن بشائر الاسلام في تركيا ويشير الى الجهود العظيمة التي قامت بها الحركة الاسلامية في تركيا بفصائلها المتعددة وتترك القارئ المسلم ينظر بنور الإيمان الى مستقبل الاسلام في تركيا والعالم أجمع.
وفي نهاية الكتاب يهتم الباحث بإبراز أسباب السقوط من المنظور القرآني، ليبين للقارئ أن اسباب السقوط عديدة منها؛ انحراف الأمة عن مفاهيم دينها، كعقيدة الولاء والبراء، ومفهوم العبادة، وانتشار مظاهر الشرك والبدع، وانحرافات وظهور الصوفية المنحرفة كقوة منظمة في المجتمع الاسلامي تحمل عقائد وأفكار وعبادات بعيدة عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وينبه القارئ المسلم عن خطورة الفرق المنحرفة في إضعاف الأمة كالفرقة الأثنى عشرية الشيعية الرافضية، والدروز والنصيرية والإسماعيلية، والقاديانية، والبهائية وغيرها من الفرق الضالة المحسوبة على الاسلام، ويتحدث الكتاب عن غياب القيادة الربانية كسبب في ضياع الأمة وخصوصاً عندما يصبح علمائها ألعوبة بيد الحكام الجائرين، ويتسابقون على الوظائف والمراتب وغاب دورهم المطلوب منهم، وكيف اصيبت العلوم الدينية في نهاية الدولة العثمانية بالجمود والتحجر؟ وكيف اهتم العلماء بالمختصرات والشروح والحواشي والتقريرات؟ وتباعدوا عن روح الاسلام الحقيقة المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورفض كثير من العلماء فتح باب الاجتهاد، وأصبحت الدعوة لفتح بابه تهمة كبيرة تصل الى الرمي بالكبائر، وتصل عند بعض المقلدين والجامدين الى حد الكفر، وتعرض الكتاب للظلم الذي انتشر في الدولة وما أصابها من الترف والانغماس في الشهوات وشدة الاختلاف والتفرق وماترتب عن الابتعاد عن شرع الله من آثار خطيرة، كالضعف السياسي، والحربي، والاقتصادي، والعلمي، والأخلاقي، والاجتماعي، وكيف فقدت الأمة قدرتها على المقاومة، والقضاء على أعدائها؟ وكيف استعمرت وغزيت فكرياً، نتيجة لفقدها لشروط التمكين وابتعادهاعن اسبابه المادية والمعنوية، وجهلها بسنن الله في نهوض الأمم وسقوطها، قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا
يكسبون} (سورة الأعراف: آية ١٩٦).
 
إن هذا الجهد المتواضع قابل للنقد والتوجيه وفي حقيقته محاولة جادة للجمع والترتيب والتفسير والتحليل للأحداث التاريخية التي وقعت في زمن الدولة العثمانية والتي تأثرت بحركة الشعوب في صراعها العنيف فيما بينها نتيجة للأختلاف في العقائد والمناهج والأهداف والقيم والمثل؛ فإن كان خيراً فمن الله وحده وإن أخطأت السبيل فأنا عنه راجع إن تبين لي ذلك، والمجال مفتوح للنقد والرد والتوجيه وهدفي من الكتاب:
 
١. تسليط الأضواء على زعماء الدولة العثمانية، كعثمان الأول، وأورخان ومحمد الفاتح وغيرهم.
٢. بيان المنهج الذي سارت عليه الدولة العثمانية في مسيرتها الطويلة.
٣. التركيز على العوامل التي ساهمت في بناء الدولة العثمانية والأسباب التي نخرتها وساهمت في إضعافها ثم سقوطها وزوالها.
٤. تسهيل مبدأ الاعتبار والاتعاظ بمعرفة أحوال الدول، والنظر في سنن الله في الآفاق وفي الأنفس والمجتمعات.
٥. بيان الكيد العظيم الذي تعرضت له الدولة العثمانية من قبل النصارى واليهود والعلمانيين الأتراك .... وغيرهم.
٦. كشف الزور والبهتان الذي تعرضت له الدولة العثمانية من الأقلام المسمومة وبيان بطلان من سمّى الحكم العثماني استعماراً وقرنه بالاستعمار الغربي، كالاستعمار الفرنسي، والانكليزي.
٧. الدفاع عن أخواننا في العقيدة (العثمانيين) الذين تعرضوا للظلم ونسب الى تاريخهم أباطيل وأكاذيب من قبل اليهود والنصارى والعلمانيين العرب والاتراك وترشيد الاجيال لمعرفة حقيقة العثمانيين.
٨. إظهار صفحات الجهاد العظيم الذي قام به العثمانيون، ومساهماتهم في الدعوة الى الله والتي حاول أعداء الأمة طمسها والتشكيك فيها، والطعن في حقيقتها.
٩. أثراء المكتبة الاسلامية التاريخية بالابحاث المنبثقة عن عقيدة صحيحة وتصور سليم بعيدة عن سموم المستشرقين، وأفكار العلمانيين الذين يسعون لقلب الحقائق التاريخية من أجل خدمة أهدافهم.
١٠. بيان أن حركات الأصلاح التي تستحق التقدير والاحترام في الأمة هي التي سارت وتسير على منهج القرآن الكريم، وسنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات وكافة شؤون الحياة.
١١. التعريف ببعض العلماء العاملين والفقهاء الراسخين الذين ساهموا في بناء الدولة العثمانية وتربية الأمة، كالشيخ أحمد الكوراني، وشمس الدين آق (محمد بن حمزة) وغيرهم.
 
هذا وقد قمت بتقسيم الكتاب الى مدخل وسبعة فصول ونتائج البحث:
 
المدخل: المناهج المعاصرة في كتابة تاريخ الدولة العثمانية.
الفصل الأول: جذور الأتراك وأصولهم ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أصل الأتراك وموطنهم.
المبحث الثاني: قيام الدولة السلجوقية.
المبحث الثالث: نهاية الدولة السلجوقية.
الفصل الثاني: قيام الدولة العثمانية وفتوحاتها: ويشتمل على ستة مباحث:
المبحث الأول: عثمان مؤسس الدولة العثمانية.
المبحث الثاني: السلطان أورخان بن عثمان.
المبحث الثالث: السلطان مراد الأول.
المبحث الرابع: السلطان بايزيد الأول.
المبحث الخامس: السلطان محمد الأول.
المبحث السادس: السلطان مراد الثاني.
الفصل الثالث: محمد الفاتح وفتح القسطنطينية ويشتمل على سبعة مباحث:
المبحث الأول: السلطان محمد الفاتح.
المبحث الثاني: الفاتح المعنوي للقسطنطينية (الشيخ آق شمس الدين).
المبحث الثالث: آثر فتح القسطنطينية على العالم الأوروبي والإسلامي.
المبحث الرابع: أسباب فتح القسطنطينية.
المبحث الخامس: أهم صفات محمد الفاتح.
المبحث السادس: شيء من أعماله الحضارية.
المبحث السابع: وصية السلطان محمد الفاتح لأبنه.
الفصل الرابع: السلاطين الأقوياء بعد محمد الفاتح ويشتمل على تسعة مباحث:
المبحث الأول: السلطان بايزيد الثاني.
المبحث الثاني: السلطان سليم الأول.
المبحث الثالث: السلطان سليمان القانوني.
المبحث الرابع: الدولة العثمانية وشمال أفريقيا.
المبحث الخامس: المجاهد الكبير حسن آغا الطوشي.
المبحث السادس: المجاهد حسن خير الدين بربروسة.
المبحث السابع: سياسة صالح الرايس.
المبحث الثامن: سياسة حسن بن خير الدين في التضيق على الإسبان.
المبحث التاسع: المتوكل على الله ابن عبد الله الغالب السعدي.
الفصل الخامس: بداية اضمحلال الدولة العثمانية ويشتمل على ١١ مبحث:
المبحث الأول: السلطان سليم الثاني.
المبحث الثاني: السلطان مراد الثالث.
المبحث الثالث: السلطان محمد خان الثالث.
المبحث الرابع: السلطان أحمد الأول.
المبحث الخامس: بعض السلاطين الضعاف.
المبحث السادس: السلطان سليم الثالث.
المبحث السابع: جذور الحملة الفرنسية الصليبية.
المبحث الثامن: السلطان محمود الثاني.
المبحث التاسع: السلطان عبد المجيد الأول.
المبحث العاشر: السلطان عبد العزيز.
المبحث الحادي عشر: السلطان مراد الخامس.
الفصل السادس: عصر السلطان عبد الحميد ويشتمل على ثمانية مباحث:
المبحث الأول: السلطان عبد الحميد.
المبحث الثاني: الجامعة الاسلامية.
المبحث الثالث: السلطان عبد الحميد واليهود.
المبحث الرابع: السلطان عبد الحميد وجمعية الاتحاد والترقي.
المبحث الخامس: الإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد الثاني.
المبحث السادس: حكم الاتحاديين ونهاية الدولة العثمانية.
المبحث السابع: بشائر إسلامية في تركيا العلمانية.
المبحث الثامن: أسباب السقوط.
ثم نتائج البحث.
 
وأخيراً: أرجو من الله تعالى أن يكون عملاً خالصاً لوجهه الكريم وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكافة مايملكون من أجل إتمام هذا الكتاب.
((سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين)).
الفقير الى عفو ربه ومغفرته
علي محمد حمد الصّلابي
 
المدخل
المناهج المعاصرة في كتابة تاريخ الدولة العثمانية


تمهيد
لم يتورع المؤرخون الأوروبيون واليهود والنصارى والعلمانيون الحاقدون بالهجوم على تاريخ الدولة العثمانية، فأستخدموا أساليب، الطعن والتشويه والتشكييك فيما قام به العثمانيون من خدمة للعقيدة والاسلام، وسار على هذا النهج الباطل أغلب المؤرخين العرب بشتى انتماءاتهم واتجاهاتهم، القومية، والعلمانية، وكذلك المؤرخون الأتراك الذين تأثروا بالتوجه العلماني الذي تزعمه مصطفى كمال، فكان من الطبيعي أن يقوموا بإدانة فترة الخلافة العثمانية، فوجدوا فيما كتبه النصارى واليهود ثروة ضخمة لدعم تحولهم القومي العلماني في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.
كان الموقف من التاريخ العثماني بالنسبة للمؤرخ الأوربي بسبب تأثره بالفتوحات العظيمة التي حققها العثمانيون، وخصوصاً بعد أن سقطت عاصمة الدولة البيزنطية (القسطنطينية) وحولها العثمانيون دار إسلام واطلقوا عليها اسلام بول (أي دار الاسلام)، فتأثرت نفوس الأوربيين بنزعة الحقد والحقد والمرارة المورثة ضد الاسلام فأنعكست تلك الأحقاد في كلامهم وافعالهم، وكتابتهم وحاول العثمانيون مواصلة السير لضم روما الى الدولة الاسلامية ومواصلة الجهاد حتى يخترقوا وسط اوروبا ويصلوا الى الاندلس لإنقاذ المسلمين فيها، وعاشت أوروبا في خوف وفزع وهلع ولم تهدأ قلوبهم إلا بوفاة السلطان محمد الفاتح.
 
وكان زعماء الدين المسيحي من قساوسة ورهبان وملوك يغذون الشارع الأوروبي بالأحقاد والضغائن ضد الاسلام والمسلمين، وعمل رجال الدين المسيحي على حشد الأموال والمتطوعين لمهاجمة المسلمين (الكفرة على حد زعمهم) البرابرة، وكلما انتصر العثمانيون على هذه الحشود ازدادت موجة الكره والحقد على الاسلام وأهله، فأتهم زعماء المسيحيين العثمانيين بالقرصنة، والوحشية والهمجية، وعلقت تلك التهم في ذاكرة الأوروبيين.
لقد كانت الهجمات الأعلامية المركزة من زعماء المسيحية بسبب الحفاظ على مكاسبهم السياسية والمادية، وكرههم للإسلام وأهله، وبالفعل استطاعت بعض الاسر الحاكمة في  أوروبا أن يتربعوا على صدور المجتمعات الأوروبية في الحكم فترة زمنية طويلة، وحققوا مكاسب ضخمة فأثروا ثراء كبير ونصبوا حول أنفسهم هالة كبيرة اعتمدت في مجملها على الضلال والتضليل.
ومع أن المجتمعات الأوروبية ثارت على هذه الفئات، بعد أن اكتشفت ضلالها وتضليلها، مع بداية عصر النهضة، وبداية مرحلة جديدة في التاريخ الأوروبي، إلا أنه لم يستطع وجدان المجتمع الاوروبي أن يتخلص من تلك الرواسب الموروثة من هذه الفئات تجاه العالم الاسلامي بشكل عام وتجاه الدولة العثمانية بشكل خاص. ولذلك اندفعت قواتهم العسكرية المدعومة بحضارته المادية للإنتقام من الاسلام والمسلمين، ونزع خيراتهم بدوافع دينية واقتصادية وسياسية وثقافية، وساندهم كتابهم ومؤرخوهم، للطعن والتشويه والتشكيك في الاسلام وعقيدته وتاريخه، فكان نصيب الدولة العثمانية من هذه الهجمة الشرسة كبير.

وشارك اليهود الأوروبيون بأقلامهم المسمومة، وأفكارهم المحمومة في هذه الهجمات المتواصلة ضد الدولة العثمانية خصوصاً والاسلام عموماً، وازداد عداء اليهود للدولة العثمانية بعد أن فشلت كافة مخططاتهم في اغتصاب أي شبر من أراضي هذه الدولة لإقامة كيان سياسي لهم طوال أربعة قرون هي عمر الدولة العثمانية السنية، استطاع اليهود بمعاونة الصليبية والدول الاستعمارية الغربية ومن خلال محافلهم الماسونية أن يحققوا أهدافهم على حساب الأنظمة القومية التي قامت في العالم الغربي والاسلامي والتي وصفت نفسها بالتقدمية والتحضر واتهمت الخلافة العثمانية على طول تاريخها بالتخلف والرجعية والجمود والانحطاط وغير ذلك واعتبرت المحافل الماسونية، والمنظمات الخفية التابعة لليهود والقوى العالمية المعادية للاسلام والمسلمين أن مسألة تشويه الفترة التاريخية للدولة العلية العثمانية من أهم أهدافها.

أما المؤرخون العرب في العالم الاسلامي فقد ساروا في ركب الاتجاه المهاجم لفترة الخلافة العثمانية مدفوعين الى ذلك بعدة أسباب يأتي في مقدمتها إقدام الاتراك بزعامة "مصطفى آتاتورك"على إلغاء الخلافة الاسلامية في عام ١٩٢٤م، وأعقب ذلك إقدام الحكومة العلمانية التركية بالتحول الكامل الى المنهج العلماني في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على حساب الشريعة الاسلامية التي ظلت سائدة في تركيا منذ قيام الدولة العثمانية، وتحالفت هذه الحكومة مع السياسة الأوروبية المعادية للدول الاسلامية والعربية، واشتركت سلسلة الاحلاف العسكرية الأوروبية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي رفضتها

الشعوب العربية الاسلامية وبعض حكوماتها، وقد كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بقيام الكيان السياسي الاسرائيلي في فلسطين عام ١٩٤٨م مما جعل الشعوب العربية الاسلامية تندفع خلف حكوماتها القومية، بعد غياب الدولة العثمانية التي كانت تجاهد كل من تسول له نفسه بالاعتداء على شبر من أراضي المسلمين.

ويأتي سبب التبعية البحثية لمدرسة التاريخ العربي لتاريخ المنهجية الغربية كعامل هام في الاتجاه نحو مهاجمة الخلافة العثمانية، خصوصاً بعد التقاء وجهات النظر بين المؤرخين الأوروبيين المؤرخين العرب حول تشويه الخلافة الاسلامية العثمانية.
ولقد تأثر كثير من مؤرخين العرب بالحضارة الأوروبية المادية، ولذلك اسندوا كل ماهو مضيء في تاريخ بلادهم الى بداية الاحتكاك بهذه الحضارة البعيدة كل البعد عن المنهج الرباني، واعتبروا بداية تاريخهم الحديث من وصول الحملة الفرنسية على مصر والشام وما أنجزته من تحطيم جدار العزلة بين الشرق والغرب، وما ترتب عليه بعد ذلك من قيام الدولة القومية في عهد محمد علي في مصر، وصحب ذلك اتجاهم لإدانة الدولة العثمانية التي قامت بالدفاع عن عقيدة الشعوب الاسلامية ودينها واسلامها من الهجمات الوحشية التي قام بها الأوروبيون النصارى.
لقد احتضنت القوى الأوروبية الاتجاه المناهض للخلافة الاسلامية وقامت بدعم المؤرخين والمفكرين في مصر والشام الى تأصيل الاطار القومي وتعميقه من أمثال البستاني واليازجي وجورج زيدان وأديب اسحاق وسليم نقاش وفرح انطوان وشبلي شميل وسلامة موسى وهنري كورييل وهليل شفارتز وغيرهم، ويلاحظ ان معظمهم من النصارى واليهود، كما أنهم في أغلبهم إن لم يكونوا جميعاً من المنتمين الى الحركة الماسونية التي تغلغلت في الشرق الاسلامي منذ عصر محمد علي والتي كانت بذورها الاولى مع قدوم نابليون في حملته الفرنسية.

لقد رأى اعداء الأمة الاسلامية أن دعم التوجه القومي والوقوف مع دعاته كفيل بتضعيف الأمة الاسلامية والقضاء على الدولة العثمانية.
واستطاعت المحافل الماسونية أن تهيمن على عقول زعماء التوجه القومي في داخل الشعوب الاسلامية، وخضع أولئك الزعماء لتوجيه المحافل الماسونية أكثر من خضوعهم لمطالب شعوبهم وبخاصة موقفها من الدين الاسلامي الذي يشكل الإطار الحقيقي لحضارة المسلم وثقافته وعلومه ولم يتغير هذا المنهج المنحرف لدى المؤرخين العرب بشكل عام بعد  قيام الانقلاب العسكري في مصر سنة ١٩٥٢م، حيث اتجهت الحكومة العسكرية في مصر منذ البداية، والتفت حولها أغلب الحكومات العسكرية الى دعم التوجه القومي، كما أن معظم هذه الحكومات ارتكزت على أسس اكثر علمانية في كافة الجوانب بما في ذلك الجانب الثقافي والفكري، فنظروا الى الخلافة العثمانية والحكم العثماني للشعوب الاسلامية والعربية بأنه كان غزواً واحتلالاً، واسندوا إليه كافة عوامل التخلف والضعف والجمود والانحطاط التي ألمت بالعالم العربي الأسلامي، واعتبروا حركات الانشقاق والتمرد التي قامت ابان الفترة العثمانية، والتي كان دافعها الاطماع الشخصية، أو مدفوعة من القوى الخارجية المعادية للخلافة الاسلامية، اعتبروها حركات استقلالية ذات طابع قومي كحركة علي بك الكبير في مصر، والقرمانليين في ليبيا، وظاهر العمر في فلسطين، والحسينيين في تونس، والمعنيين والشهابيين في لبنان، وغير ذلك من أجل تأصيل الاتجاه القومي الذي طرحوه.

بل زعموا أن محمد علي كان زعيماً قومياً حاول توحيد العالم العربي، وأنه فشل بسبب أنه لم يكن عربي الجنس، وتناسوا أن محمد علي كان ذا أطماع شخصية، جعلته يرتبط بالسياسة الاستعمارية التي دعمت وجوده، وحققت به أهدافها الشريرة من ضرب الدولة السعودية السلفية، واضعاف الخلافة العثمانية، ومساندته المحافل الماسونية في ضرب القوى الاسلامية في المنطقة وتهيئتها بعد ذلك للاحتلال الغربي المسيحي الحاقد لقد تحالفت المحافل اليهودية الماسونية مع القوى الإستعمارية الغربية والقوى المحلية العميلة التي أمكن تطويعها من خلال أطماعها، والتقوا جميعاً في تدمير القوة الإسلامية ومصادرة حريات شعوبها وسلب خيراتها وإقامت حكم ديكتاتوري مدعوم بالسلاح الغربي الحديث وهو ما مثله محمد علي وقد شارك بعض المؤرخين السلفيين في المشرق العربي في الهجوم على الفترة العثمانية مدفوعين إلى ذلك بالرصيد العدائي الذي خلّفه دور الخلافة العثمانية ضد الدعوة السلفية في عديد من مراحلها بسبب مؤامرات الدول الغربية الإستعمارية التي دفعت السلاطين العثمانيين بالصدام بالقوة الإسلامية في نجد قلب الدعوة السلفية وكذلك لمساندة الخلافة للإتجاه الصوفي وبما يصاحبه من مظاهر تخل بالجوانب الأساسية للشريعة الإسلامية، فضلا عن أن دولة الخلافة في سنواتها الأخيرة قد سيطر عليها دعاة القومية التركية الذين ابتعدوا بها عن الالتزام بالمنهج الإسلامي الذي تميزت به الدولة العثمانية لفترات طويلة في تاريخها وشجع كافة المسلمين بالإرتباط بها وتأييدها والوقوف معها.
 
وأما المؤرخون الماركسيون فقد شنوا حرباً لاهوادة فيها على الدولة العثمانية واعتبروا فترة حكمها تكريساً لسيادة النظام الإقطاعي الذي هيمن على تاريخ العصور الوسطى. السابقة، وأن العثمانيين لم يُحدثوا أي تطور في وسائل أو قوى الإنتاج، وأن التاريخ الحديث يبدأ بظهور الطبقة البورجوازية ثم الرأسمالية التي أسهمت في إحداث تغيير في الجوانب الإقتصادية والإجتماعية في بداية القرن التاسع عشر، والتقوا في ذلك مع المؤرخين الأوربيين من أصحاب الإتجاه الليبرالي وكذلك مع أصحاب المنظور القومي وقام بعض المؤرخين والمفكرين من النصارى واليهود بترويج للإتجاهين الغربي والماركسي بواسطة التأليف والترجمة لمؤلفاتهم، والذي ساندته المحافل الماسونية، حيث أنهم حاولوا أن يبتعدوا عن أي من الأطر الإسلامية الوحدوية مفضلين عليها الدعوة القومية بمفهومها المحلي أو العربي، كمشروع الهلال الخصيب في الشام أو مشروع وحدة وادي النيل بين مصر والسودان فضلاً عن نشاطهم في ترويج الإتجاهات القومية المحدودة كالدعوة إلى الفرعونية في مصر، والآشورية في العراق، والفينيقية في الشام .. الخ.
 
وأما المؤرخون الأتراك الذين برزوا في فترة الدعوة القومية التركية فقد تحاملوا كثيراً على فترة الخلافة العثمانية سواء لمجاراة الاتجاه السياسي والفكري الذي ساد بلادهم والذي حمّل الفترة السابقة كافة جوانب الضعف والانهيار أو لتأثر الاتراك بالموقف المشين الذي بدت عليه سلطة الخلافة والتي اصبحت شكلية بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد سنة ١٩٠٩م حيث انهزمت في معارك متعددة عندما دخلت الحرب العالمية الأولى وترتب على تلك الخسائر ضياع كثير من أراضيها وتسليمها بتوقيع معاهدة سيفر سنة ١٩١٨م، والذي في حقيقته هزيمة لرجال الاتحاد والترقي، ونتيجة لسياستها، في حين استطاعت الحركة القومية بزعامة مصطفى كمال أن تنقذ تركيا من هذه الإهانة وتستعيد الكثير من الاراضي التركية وتجبر اليونان والقوى التي تساندها، الى جانب تأثر المفكرين الأتراك بموقف بعض العرب الذين ساندو الحلفاء الغربيين إبان الحرب الأولى ضد دولة الخلافة وإعلان الثورة عليها سنة ١٩١٦م وبرغم تفاوت الأسباب وتباينها ألا أن كثير من المؤرخين ألتقوا على تشويه وتزوير تاريخ الخلافة الاسلامية العثمانية، لقد اعتمد المؤرخون الذين عملوا على تشويه الدولة العثمانية على تزوير الحقائق، والكذب والبهتان والتشكيك والدس ولقد غلبت على تلك الكتب والدراسات طابع الحقد الاعمى، والدوافع المنحرفة، بعيدة كل البعد عن الموضوعية، وأدى ذلك الى ظهور رد فعل اسلامي للرد على الإتهامات والشبهات التي وجهت للدولة العثمانية ولعل من أهمها وأبرزها تلك الكتابة المستفيضة التي قام بها الدكتور عبد العزيز الشناوي في.   ثلاثة مجلدات ضخمة تحت عنوان "الدولة العثمانية دول اسلامية مفترى عليها"وبرغم الجهد الذي بذله ودافعه الاسلامي، والموضوعية التي اتسم بها هذا العمل في أغلبه، إلا أنه لم يعالج كافة جوانب التاريخ العثماني وعليه بعض الملاحظات مثل حديثه عن حقيقة الإنكشارية والتي لاتثبت أمام البحث العلمي
النزيه، ومن الجهود المشكورة في هذا الميدان ما قام به الباحث الكبير والاستاذ الشهير المتخصص في تاريخ الدولة العثمانية الدكتور محمد حرب الذي كتب للأمة الاسلامية بعض الكتب القيمة مثل؛ العثمانيون في التاريخ والحضارة، السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم، والسلطان عبد الحميد آخر السلاطين العثمانيين الكبار، ومن الأعمال القيمة في تاريخ الدولة العثمانية ماقدمه الدكتور موفق بني المرجة كرسالة علمية لنيل درجة الماجستير تحت عنوان "صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد"أو الخلافة الاسلامية واستطاع هذا الكتاب أن يبين كثير من الحقائق المدعومة بالوثائق والحجج الدامغة وغير ذلك من الكتاب المعاصرين إلا أن هناك جوانب في تاريخ الخلافة العثمانية وفي تأريخنا الاسلامي في العصر الحديث تحتاج الى إعادة النظر من منظور اسلامي يساهم في إبراز الحقائق، والتئام تلك الشروخ التي نتجت عن صياغة تاريخنا من منظور قومي علماني خدم أعداءنا في المقام الاول واستخدموه كوسيلة من وسائلهم في تمزيق الشعوب الاسلامية.

وعلينا عندما نكتب التاريخ الحديث أن نبين ونظهر دور المحافل الماسونية والمخططات الغربية في توجيه هذه الصياغة التاريخية الخبيثة والتي يقوم بها مجموعة من عملاء اليهود والنصارى من أدعياء المنهج الليبرالي والعلماني حيث يقومون بإبراز العناصر الماسونية على الساحة التاريخية ووضعم في دور الحركة الماسونية في الوقوف مع حركات التحرر.
إن التاريخ الاسلامي القديم والحديث علم مستهدف من قبل كل القوى المعادية للاسلام بإعتباره الوعاء العقدي والفكري والتربوي في بناء وصياغة هوية الشعوب الاسلامية (١).
وهذه محاولة متواضعة للبحث في التاريخ العثماني في عمومه وتهتم بدور الخلافة العثمانية في الشمال الافريقي، وتمتد هذه الدراسة الى الجذور القديمة التي قامت عليها الدولة العثمانية الى أن سقطت الخلافة على يد العميل الأنجليز، والملحد الكبير مصطفى كمال وفي ثنايا هذه الدراسة يتعرض الباحث لأسباب القوة العثمانية وأسباب ضعفهم،. وصفات رجالهم وسلاطينهم الأقوياء، واهتمامهم بالعلماء وتطبيق شرع الله وجهادهم العظيم لنشر الاسلام والدفاع عن دياره ضد الحملات الصليبية التي لا تنتهي، ويلتزم الكاتب بمنهج أهل السنة عند عرض الاحداث محاولاً أن يتقيد بالعدل والإنصاف عند الحكم على الأحداث لعله يساهم في تصحيح الكثير من الأحكام والمفاهيم الخاطئة التي ألمت بالدولة الاسلامية العثمانية والله من وراء القصد وهو الهادي الى الصراط المستقيم.  
 
المبحث الأول
أصل الأتراك ومواطنهم


في منطقة ماوراء النهر والتي نسميها اليوم (تركستان) والتي تمتد من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقاً الى بحر الخزر (بحر قزوين) غرباً، ومن السهول السيبرية شمالاً الى شبه القارة الهندية وفارس جنوباً، استوطنت عشائر الغز (١) وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو الأتراك (٢).
ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، في الانتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى في هجرات ضخمة. وذكر المؤرخون مجموعة من الأسباب التي ساهمت في هجرتهم؛ فالبعض يرى أن ذلك بسبب عوامل اقتصادية، فالجدب الشديد وكثرة النسل، جعلت هذه القبائل تضيق ذرعاً بمواطنها الأصلية، فهاجرت بحثاً عن الكلاء والمراعي والعيش الرغيد (٣) والبعض الآخر يعزوا تلك الهجرات لأسباب سياسية حيث تعرضت تلك القبائل لضغوط كبيرة من قبائل اخرى أكثر منها عدداً وعدة وقوة وهي المغولية، فأجبرتها على الرحيل، لتبحث عن موطن آخر وتترك أراضيها (٤) بحثاً عن نعمة الأمن والاستقرار وذهب الى هذا الرأي الدكتور عبد اللطيف عبد الله بن دهيش (٥).
واضطرت تلك القبائل المهاجرة أن تتجه غرباً، ونزلت بالقرب من شواطئ نهر جيحون، ثم استقرت بعض الوقت في طبرستان، وجرجان (٦)، فأصبحوا بالقرب من الأراضي الاسلامية والتي فتحها المسلمون بعد معركة نهاوند وسقوط الدولة الساسانية في بلاد فارس سنة ٢١هـ/٦٤١م (٧).
 
اتصالهم بالعالم الاسلامي:
في عام ٢٢هـ/٦٤٢م تحركت الجيوش الاسلامية الى بلاد الباب لفتحها وكانت تلك الأراضي يسكنها الاتراك، وهناك ألتقى قائد الجيش الاسلامي عبد الرحمن بن ربيعة بملك الترك شهربراز، فطلب من عبد الرحمن الصلح وأظهر استعداده للمشاركة في الجيش الاسلامي لمحاربة الأرمن، فأرسله عبد الرحمن الى القائد العام سراقة بن عمرو، وقد قام شهر براز بمقابلة سراقة فقبل منه ذلك، وكتب للخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يعلمه بالأمر، فوافق على مافعل، وعلى إثر ذلك عقد الصلح، ولم يقع بين الترك والمسلمين أي قتال، بل سار الجميع الى بلاد الأرمن لفتحها ونشر الاسلام فيها (١).
وتقدمت الجيوش الاسلامية لفتح البلدان في شمال شرق بلاد فارس حتى تنتشر دعوة الله فيها، بعد سقوط دولة الفرس أمام الجيوش الاسلامية والتي كانت تقف حاجزاً منيعاً أمام الجيوش الاسلامية في تلك البلدان، وبزوال تلك العوائق، ونتيجة للفتوحات الاسلامية، أصبح الباب مفتوحاً أمام تحركات شعوب تلك البلدان والاقاليم ومنهم الاتراك فتم الاتصال بالشعوب الاسلامية، واعتنق الاتراك الاسلام، وانضموا الى صفوف المجاهدين لنشر الاسلام وإعلاء كلمة الله (٢).
وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - تم فتح بلاد طبرستان، ثم عبر المسلمون نهر جيحون سنة ٣١هـ، ونزلوا بلاد ماوراء النهر، فدخل كثير من الترك في دين الاسلام، وأصبحوا من المدافعين عنه والمشتركين في الجهاد لنشر دعوة الله بين العالمين (٣).
وواصلت الجيوش الاسلامية تقدمها في تلك الاقاليم فتم فتح بلاد بخارى في عهد معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وتوغلت تلك الجيوش المضفرة حتى وصلت سمرقند، وما أن ظهر عهد الدولة الاسلامية حتى صارت بلاد مارواء النهر جميعها تحت عدالة الحكم الاسلامي وعاشت تلك الشعوب حضارة إسلامية عريقة (٤). .وازداد عدد الأتراك في بلاط الخلفاء والأمراء العباسيين وشرعوا في تولي المناصب القيادية والادارية في الدولة؛ فكان منهم الجند والقادة والكتاب. وقد ألتزموا بالهدوء والطاعة حتى نالوا أعلى المراتب.
ولما تولى المعتصم العباسي الخلافة فتح الأبواب أمام النفوذ التركي وأسند إليهم مناصب الدولة القيادية وأصبحوا بذلك يشاركون في تصريف شؤون الدولة، وكانت سياسة المعتصم تهدف الى تقليص النفوذ الفارسي، الذي كان له اليد المطلقة في إدارة الدولة العباسية منذ عهد الخليفة المأمون (١).
وقد تسبب اهتمام المعتصم بالعنصر التركي الى حالة سخط شديدة بين الناس والجند، فخشي المعتصم من نقمة الناس عليه، فأسس مدينة جديدة هي (سامراء)، تبعد عن بغداد حوالي ١٢٥كم وسكنها هو وجنده وأنصاره.
وهكذا بدأ الأتراك منذ ذلك التاريخ في الظهور في أدوار هامة على مسرح التاريخ الاسلامي حتى أسسوا لهم دولة إسلامية كبيرة كانت على صلة قوية بخلفاء الدولة العباسية عرفت بالدولة السلجوقية (٢).  
 
المبحث الثاني
قيام الدولة السلجوقية


كان لظهور السلاجقة على مسرح الأحداث في المشرق العربي الاسلامي، أثر كبير في تغير الاوضاع السياسية في تلك المنطقة التي كانت تتنازعها الخلافة العباسية السنيّة من جهة، والخلافة الفاطمية الشيعية من جهة ثانية.
وقد أسس السلاجقة دولة تركية كبرى ظهرت في القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر الميلادي)، لتشمل خراسان وماوراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى. وكانت الري في إيران ثم بغداد في العراق مقر السلطنة السلجوقية، بينما قامت دويلات سلجوقية في خراسان ومارواء النهر (كرمان) وبلاد الشام (سلاجقة الشام) وآسيا الصغرى سلاجقة الروم، وكانت تتبع السلطان السلجوقي في إيران والعراق.
وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية في بغداد ونصروا مذهبها السنّي بعد أن أوشكت على الانهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق، والنفوذ العبيدي (الفاطمي) في مصر والشام. فقضى السلاجقة على النفوذ البويهي تماماً وتصدوا للخلافة العبيدية (الفاطمية) (١).
لقد استطاع طغرل بك الزعيم السلجوقي أن يسقط الدولة البويهية في عام ٤٤٧هـ في بغداد وأن يقضي على الفتن وأزال من على أبواب المساجد سب الصحابة، وقتل شيخ الروافض أبي عبد الله الجلاب لغلوه في الرفض (٢).
لقد كان النفوذ البويهي الشيعي مسيطراً على بغداد والخليفة العباسي، فبعد أن أزال السلاجقة الدولة البويهية من بغداد ودخل سلطانهم طغرل بك الى عاصمة الخلافة العباسية استقبله الخليفة العباسي القائم بأمر الله استقبالاً عظيماً، وخلع عليه خلعة سنية، وأجلسه الى جواره، وأغدق عليه ألقاب التعظيم، ومن جملتها أنه لقبه بالسلطان ركن الدين طغرل. بك، كما أصدر الخليفة العباسي أمره بأن ينقش اسم السلطان طغرلبك على العملة، ويذكر اسمه في الخطبة في مساجد بغداد وغيرها، مما زاد من شأن السلاجقة. ومنذ ذلك الحين حل السلاجقة محل البويهيين في السيطرة على الأمر في بغداد، وتسيير الخليفة العباسي حسب إرادتهم (١).
كان طغرلبك يتمتع بشخصية قوية، وذكاء حاد، وشجاعة، فائقة، كما كان متديناً ورعاً عادلاً، ولذلك وجد تأييداً كبيراً ومناصرة عظيمة من شعبه، وقد أعد جيشاً قوياً، وسعى لتوحيد كلمة السلاجقة الأتراك في دولة قوية (٢).
وتوطيداً للروابط بين الخليفة العباسي القائم بأمر الله، وبين زعيم الدولة السلجوقية طغرلبك، فإن الخليفة تزوج من أبنة جفري بك الأخ الأكبر لطغربك، وذلك في عام ٤٤٨هـ/١٠٥٩م ثم في شعبان عام ٤٥٤هـ/١٠٦٢م تزوج طغربك من أبنة الخليفة العباسي القائم بالله. لكن طغربك لم يعش طويلاً بعد ذلك، حيث أنه توفى ليه الجمعة لليوم الثامن من شهر رمضان عام ٤٥٥هـ/ ١٠٦٢م، وكان عمره إذ ذاك سبعين عاماً، بعد أن تمت على يده الغلبة للسلاجقة في مناطق خراسان وإيران وشمال وشرق العراق (٣).
 
أولاً: السلطان (محمد) الملقب ألب أرسلان أي الأسد الشجاع:
تولى ألب أرسلان زمام السلطة في البلاد بعد وفاة عمه طغرلبك، وكانت قد حدثت بعض المنازعات حول تولي السلطة في البلاد، لكن ألب أرسلان استطاع أن يتغلب عليها. وكان ألب أرسلان -كعمه طغرل بك- قائداً ماهراً مقداماً، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع الى أخضاع أقاليم جديدة، وضمها الى دولته. كما كان متلهفاً للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الاسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الاسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الاسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الاسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية (٤). .لقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم باي توسع خارجي.
وعندما أطمئن على استباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم والبلدان الخاضعة له، أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية (العبيدية في مصر، وتوحيد العالم الاسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنيّة ونفوذ السلاجقة، فأعد جيشاً كبيراً أتجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا، فافتتحها وضمها الى مملكته، كما عمل على نشر الاسلام في تلك المناطق (١). وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة ٤١٤هـ/١٠٢٣م وأجبر أميرها محمود بن صالح بن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي بدلاً من الخليفة (الفاطمي/ العبيدي سنة ٤٦٢هـ/١٠٧٠م) (٢). ثم أرسل قائده الترك أتنسز بن أوق الخوارزمي في حملة الى جنوب الشام فأنتزع الرملة وبيت المقدس من يد (الفاطميين) العبيديين ولم يستطيع الاستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول الى مصر، وبذلك أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي داخل بيت المقدس (٣).
وفي سنة ٤٦٢هـ ورد رسول صاحب مكة محمد بن أبي هاشم الى السلطان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم وللسلطان وإسقاط خطبة صاحب مصر (العبيدي) وترك الأذان بـ (حي على العمل) فأعطاه السطان ثلاثين ألف دينار وقال له: إذا فعل أمير المدينة كذلك أعطيناه عشرين ألف دينار (٤).
لقد أغضبت فتوحات ألب أرسلان دومانوس ديوجينس امبراطور الروم، فصمم على القيام بحركة مضادة للدفاع عن امبراطوريته. ودخلت قواته في مناوشات ومعارك عديدة مع قوات السلاجقة، وكان أهمها معركة (ملاذكرد) في عام ٤٦٣هـ الموافق أغسطس عام ١٠٧٠م (٥) قال ابن كثير: (وفيها أقبل ملك الروم ارمانوس في جحافل أمثال الجبال من. .الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، مع كل بطريق مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً، ومعه مائة ألف نقّاب وخفار (١)، وألف روزجاري، ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والغرادات والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل، ومن عزمه قبحه الله أن يبيد الاسلام وأهله، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد، واستوصى نائبها بالخليفة خيراً، فقال له: ارفق بذلك الشيخ فانه صاحبنا، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة، فاستعادوه من أيدي المسلمين، والقدر يقول: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} (سورة الحجر: الآية: ٧٢).
 
فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً، بمكان يقال له الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه ابونصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين، فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان، نزل السطان عن فرسه وسجد لله عزوجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم اكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسر ملكهم ارمانوس، أسره غلام رومي، فلما أوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال: لو كُنت أنا الأسير بين يديك ماكنت تفعل؟ قال: كل قبيح، قال فما ظنك بي؟ فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني. قال: ماعزمت على غير العفو والفداء. فأفتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض الى جهة الخليفة إجلالاً وإكراماً، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخاً، وأرسل معه جيشاً يحفظونه الى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، .... ) (٢).
 
لقد كان نصر ألب أرسلان بجيشه الذي لم يتجاوز خمسة عشر ألف محارب على جيش الامبراطور دومانوس الذي بلغ مائتي ألف، حدثاً كبيراً، ونقطة تحول في التاريخ الاسلامي لأنها سهلت على اضعاف نفوذ الروم في معظم أقاليم آسيا الصغرى، وهي المناطق.  المهمة التي كانت من ركائز وأعمدة الامبراطورية البيزنطية. وهذا ساعد تدريجياً للقضاء على الدولة البيزنطية على يد العثمانيين.
لقد كان ألب أرسلان رجلاً صالحاً أخذ بأسباب النصر المعنوية والمادية، فكان يقرب العلماء ويأخذ بنصحهم وما أروع نصيحة العالم الرباني أبي نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي، في معركة ملاذكرد عندما قال للسلطان ألب أرسلان: إنك تقاتل عن دين وعدالله بنصره واظهاره على سائر الاديان. وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين.
فلما كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا فأمنوا، فقال لهم من أراد الإنصراف فلينصرف، فما ههُنا سلطان يأمر ولا ينهى. وألقى القوس والنشاب، واخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنط وقال: إن قتلت فهذا كفني (١) الله أكبر على مثل هؤلاء ينزل نصر الله.
وقتل هذا السلطان على يد أحد الثائرين واسمه يوسف الخوارزمي وذلك يوم العاشر من ربيع الأول عام ٤٦٥هـ الموافق ١٠٧٢م ودفن في مدينة مرو بجوار قبر أبيه فخلفه أبنه ملكشاه (٢).
 
شيء من أخلاق السلطان ألب أرسلان:
(كان رحيم القلب، رفيقاً بالفقراء وكثير الدعاء بدوام ما أنعم الله عليه، اجتاز يوماً بمرو على فقراء الخرائسين، فبكى، وسأل الله تعالى أن يغنيه من فضله وكان يكثر الصدقة، فيتصدق في رمضان بخمسة عشر الف دينار، وكان في ديوانه اسماء خلق كثير من الفقراء في جميع ممالكه، عليهم الإدرارات والصلات، ولم يكن في جميع بلاده جناية ولا مصادرة، قد قنع من الرعايا بالخراج الأصلي يؤخذ منهم كل سنة دفعتين رفقاً بهم) (٣).
 
كتب إليه بعض السعاة في شأن وزيره نظام الملك وذكروا ماله في ممالكه فاستدعاه فقال: خذ إن كان هذا صحيحاً فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك، وإن كان كذبوا فأغفر له زلته، الحرص على حفظ مال الرعايا، بلغ أن غلاماً من غلمانه أخذ إزاراً لبعض أصحابه فصلبه فارتدع سائر المماليك خوفاً من سطوته (٤). وكان كثيراً مايُقرأ عليه تواريخ الملوك وآدابهم، وأحكام الشريعة، ولمّا اشتهر بين الملوك حُسن سيرته، ومحافظته على عهوده، أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع، وحضروا عنده من أقاصي ماوراء النهر الى أقاصي الشام (١).
 
ثانياً: ملكشاه وفشله في توحيد الخلافة والسلطنة:
تولى السلطنة بعد ألب أرسلان ابنه ملكشاه وعارضه عمه قاورد بن جفري حاكم سلاجقة كرمان وطالب بالسلطنة ووقع الصدام بينهما قرب همذان حيث انهزم قارود وقتل وبذلك سيطر ملكشاه على دولة سلاجقة كرمان عين عليها سلطان شاه بن ألب أرسلان سنة ٤٦٥هـ/١٠٧٣م.
واتسعت الدولة السلجوقية في عهد السلطان ملكشاه لتبلغ أقصى أمتداد لها من أفغانستان شرقاً الى آسيا الصغرى غرباً وبلاد الشام جنوباً، وذلك بعد أن سقطت دمشق على يد قائده أتسز سنة ٤٦٨هـ/١٠٧٥م، وأقيمت الدعوة للخليفة العباسي.
وأسند ملكشاه المناطق التي سيطر عليها في بلاد الشام، لأخيه تاج الدولة تتمش سنة ٤٧٠هـ/١٠٧٧م، وذلك من أجل متابعة الفتح. فاسس هذا الأخير دولة سلاجقة الشام كما عين ملكشاه أحد أقاربه ويدعى سليمان بن قتلمش بن اسرائيل والياً على آسيا الصغرى التي كانت تتبع بلاد الروم، لمتابعة الفتح سنة ٤٧٠هـ/١٠٧٧م، فأسس هذا أيضاً دولة سلاجقة الروم (٢) وقد استمرت هذه الدولة ٢٢٤ سنة، ليتعاقب على حكمها أربعة عشر من سليلة أبي الفوارس قتلمش بن اسرائيل، وكان أولهم سليمان بن قتلمش الذي يعتبر مؤسس هذه الدولة (٣) وقد تمكن من فتح انطاكية سنة ٤٧٧هـ/١٠٨٤م، كما تمكن أبنه داود من السيطرة على قونية سنة ٤٨٠هـ/١٠٨٧م ليتخذها عاصمة له. وكانت قونية من أغنى وأجمل المدن البيزنطية في آسيا الصغرى؛ وقد حولها السلاجقة من مدينة بيزنطية مسيحية الى مدينة سلجوقية اسلامية. وقد سقطت هذه الدولة على يد المغول سنة ٧٠٠هـ/١٣٠٠م (٤) وأصبحت فيما بعد من أملاك الدولة العثمانية.
 
لقد كان سلاجقة الروم حريصين على تتريك آسيا الصغرى ونشر الاسلام فيها على المذهب السنّي وكانوا سبباً في نقل الحضارة الاسلامية الى تلك الأقاليم، واسقطوا الخط.   .الدفاعي الذي كان يحمي المسيحية من أوروبا ضد الاسلام في الشرق (١).
ورغم هذه السلطنة القوية زمن ملكشاه، لم يفلح قائده أتسز في توحيد بلاد الشام ومصر، بعد أن شكل السلاجقة تهديداً فعلياً للدولة العبيدية (الفاطمية) داخل مصر.
وعندما أراد أتسز غزو مصر، حلت به الهزيمة على يد قوة من العرب، قبل مواجهة الجيش الكبير الذي أعده الوزير بدر الجمالي في رجب ٤٦٩هـ/١٠٧٦م، وقد أدى فشل أتسز الى مزيد من التشرذم، والتمزق السياسي والصراع الدامي، لينتهي الأمر بمقتله سنة ٤٧١هـ/١٠٧٨م (٢).
كذلك لم يفلح ملكشاه في جعل الخلافة العباسية تتحول الى أسرته السلجوقية، عندما زوج ابنته الى الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله سنة ٤٨٠هـ/١٠٨٧م، فرزقت منه بولد، كما زوج أبنته الأخرى الى المستظهر العباسي. ولم يتمكن من حصر الخلافة والسلطنة في شخص حفيده (٣).
وفاته:
توفى السلطان ملكشاه وانتهى دور القوة والمجد (٤٤٧ - ٤٨٥هـ/١٠٥٥ - ١٠٩٢م) الذي عرفته الدولة السلجوقية في عهد السلاطين الثلاثة، طغرل بك، وألب أرسلان، وملكشاه، لتبدأ مرحلة الضعف والصراع ولقد ظهر في زمن ألب أرسلان وملكشاه الوزير نظام الملك الذي يهمنا معرفة سيرته ودروه في قوة الدولة السلجوقية.
 
ثالثاً: نظام الملك:
قال عنه الذهبي: (الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي ابن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير، سعيد، متدين، محتشم، عامر المجلس بالقرّاء والفقهاء.
أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم، وأدرّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعد صيته) (٤).  تنقلت به الأحوال الى أن وزر للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبر ممالكه على أتم ماينبغي، وخفف المظالم، ورفق بالرعايا، وبني الوقوف، وهاجرت الكبار الى جانبه (١).
 
واشار على ملكشاه بتعيين القواد والأمراء الذين فيهم خلق ودين وشجاعة وظهرت آثار تلك السياسة فيما بعد ومن هؤلاء القواد الذين وقع عليهم الاختيار آق سنقر جد نورالدين محمود، الذي ولي على حلب وديار بكر والجزيرة قال عنه ابن كثير: (من أحسن الملوك سيرة وأجودهم سريرة) (٢) وقام ولده عمادالدين زنكي ببداية الجهاد ضد الصليبيين، ثم قام من بعده نور الدين محمود، هذه الأسرة هي التي وضعت الأساس لانتصارات صلاح الدين والظاهر بيبرس وقلاوون ضد الصليبيين، وافتتحت عهد التوحيد والوحدة في العالم الاسلامي (٣).
وكذلك كان آق سنقر البرسقي من قواد السلطان محمود السلجوقي، وكان أميراً للموصل، واشتغل بجهاد الصليبيين، وفي سنة ٥٢٠هـ قتله الباطنيون، وهو يصلي في الجامع الكبير في الموصل. قال عنه ابن الأثير: "وكان مملوكاً تركياً خيراً، يحب أهل العلم والصالحين ويرى العدل ويفعله، وكان خير الولاة، يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل متهجداً" (٤).
ويحدثنا المؤرخ ابوشامة من آثار السلاجقة لاسيما في زمن نظام الملك: (فلما ملك السلجوقية جددوا من هيبة الخلافة ماكان قد درس لاسيما في وزارة النظام الملك، فإنه أعاد الناموس والهيبة الى أحسن حالاتها) (٥).
 
ضبطه لأمور الدولة:
لما تولى ملكشاه أمور الدولة انفلت أمر العسكر وبسطوا أيديهم في أموال النَّاس، وقالوا مايمنع السلطان أن يعيطنا الأموال إلا نظام الملك، وتعرض الناس لاذى شديد، فذكر ذلك نظام الملك للسلطان، فبين له ما في هذا الفعل من الضعف، وسقوط الهيبة، والوهن، ودمار.البلاد، وذهاب السياسة، فقال له: أفعل في هذا ماتراه مصلحة! فقال له نظام الملك: مايمكنني أن افعل إلا بأمرك فقال السلطان: قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها إليك، فأنت الوالد؛ وحلف له، وأقطعه إقطاعاً زائداً على ماكان، وخلع عليه، ولقبه ألقاباً من جملتها: أتابك، ومعناه الأمير الوالد، فظهرت من كفايته، وشجاعته، وحسن سيرته ما أثلج صدور الناس، فمن ذلك أن امرأة ضعيفة استغاثت به، فوقف يكلمها وتكلمه، فدفعها بعض حجّابه، فأنكر ذلك عليه وقال: إنما استخدمتك لأمثال هذه، فإن الأمراء والاعيان لاحاجة لهم إليك، ثم صرفه عن حجابته (١).
حبه للعلم واحترامه للعلماء وتواضعه:
كان يحب العلم وخصوصاً الحديث، شغوفاً به وكان يقول: إني أعلم بأني لست أهلاً للرواية ولكني أحب أن أربط في قطار (٢) نقلة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣)، فسمع من القشيري، أبي مسلم بن مهر بزد، وأبي حامد الأزهري (٤).
وكان حريصاً على أن تؤدي المدارس التي بناها رسالتها المنوطة بها فعندما أرسل إليه أبو الحسن محمد بن علي الواسطي الفقيه الشافعي أبيات من الشعر يستحثه على المساعة للقضاء على الفتن التي حدثت بين الحنابلة والأشاعرة قام نظام الملك وقضى على الفتنة ومما قاله ابو الحسن الواسطي من الشعر:
يانظام الملك قد حلّ ... ببغداد النظام
وابنك القاطن فيها ... مستهان مستضام
وبها أودى له قتلى ... غلام، وغلام
والذي منهم تبقي ... سالماً فيه سهام
ياقوام الدين لم ... يبقى ببغدا مقام
عظُم الخطبُ وللحرب ... اتصال ودوام
فمتى لم تحسم الداء ... أياديك الحسام
ويكف القوم في ... بغداد قتل وانتقام
فعلى مدرسة فيها ... ومن فيها السلام
واعتصام بحَريم ... لك من بعدُ حرام (١)
لقد كان مجلسه عامراً بالفقهاء والعلماء، حيث يقضي معهم جُلّ نهاره، فقيل له: (إن هؤلاء شغلوك عن كثير من المصالح، فقال: هؤلاء جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلستهم على رأسي لما استكثرت ذلك، وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبوالمعالي الجويني قام لهم وأجلسهما معه في المقعد، فإن دخل أبو علي الفارندي قام وأجلسه مكانه، وجلس بين يديه، فعوتب في ذلك فقال: إنهما إذا دخلا عليّ قال: أنت وأنت، يطروني ويعظموني، ويقولوا فيّ مالا فيّ، فأزداد بهما ماهو مركوز في نفس البشر، وإذا دخل عليّ أبوعلي الفارندي ذكرني عيوبي وظلمي، فأنكسر فأرجع عن كثير مما أنا فيه ... ) (٢).
قال عنه ابن الأثير: (وأما أخباره، فإنه كان عالماً، ديناً، جواداً، عادلاً، حليماً، كثير الصفح عن المذنبيين، طويل الصمت، كان مجلسه عامراً بالقرّاء، والفقهاء، وأئمة المسلمين، وأهل الخير والصلاح ... ) (٣).
كان من حفظة القرآن، ختمه وله إحدى عشرة، واشتغل بمذهب الشافعي، وكان لايجلس إلا على وضوء، وما توضأ إلا تنفَّل (٤)، واذا سمع المؤذن أمسك عن كل ماهو فيه وتجنبه، فإذا فرغ لايبدأ بشيء قبل الصلاة وكان، إذا غفل المؤذن ودخل الوقت فأمره بالأذان، وهذا قمة حال المنقطعين للعبادة في حفظ الاوقات، ولزوم الصلوات (٥)، وكانت له صلة بالله عظيمة وقال ذات مرة: رأيت ليلة في المنام إبليس فقلت له: ويحك خلقك الله وأمرك بالسجود له مشافهة فأبيت، وأنا لم يأمرني بالسجودله مشافهة وأنا أسجد له في كل يوم مرات، وأنشأ يقول:
من لم يكن للوصال أهلاً
فكلُّ إحسانه ذنوب (٦)
..  وكان يتمنى أن يكون له مسجد يعبد الله فيه، ومكفول الرزق قال في هذا المعنى: كنت أتمنىأن يكون لي قرية خالصة، ومسجد أتفرد فيه لعبادة ربي، ثم تمنيت بعد ذلك أن يكون لي رغيف كل يوم، ومسجد أعبد الله فيه (١).
ومن تواضعه انه كان ليلة يأكل الطعام، وبجانبه أخوه أبو القاسم، وبالجانب الآخر عميد خُراسان، والى جانب العميد إنسان فقير، مقطوع اليد، فنظر نظام الملك فرأى العميد يتجنب الأكل مع المقطوع، فأمره بالانتقال الى الجانب الآخر، وقرّب المقطوع إليه فأكل معه.
وكانت عادته أن يحضر الفقراء طعامه ويقربهم إليه، ويدنيهم (٢).
ومن شعره:
بعد الثمانين ليس قُوة ... قد ذهبت شهوة الصُّبوة
كأنني والعصا بكّفي ... موسى ولكن بلا نُبُوَّة (٣)
وينسب إليه أيضاً:
تقوس بعد طول العُمر ظهري ... وداستني الليالي أيَّ دَوْسِ
فأمسي والعصا تمشي أمامي ... كأن قوامها وتر بقوسِ
وكان يتأثر بسماع الشعر فعندما دخل عليه أبوعلي القومَسَاني في مرضةٍ مرضها، يعوده فأنشأ يقول:
إذا مرضنا نوَينا كل صالحةٍ ... فإن شفينا فمنا الزيغ والزَّلَلُ
نرجو الإله اذا خفنا ونسخطه ... إذا أمنا فما يزكو لنا عمل
فبكى نظام الملك وقال: هو كما يقول (٤).
في عام ٤٨٥هـ من يوم الخميس، في العاشر من شهر رمضان وحان وقت الإفطار، صلىّ نظام الملك المغرب، وجلس على الِّسماط، وعنده خلق كثير من الفقهاء، والقرّاء، والصوفية، وأصحاب الحوائج، فجعل يذكر شرف المكان الذي نزلوه من أراضي نهاوند، وأخبار الوقعة التي كانت بين الفرس والمسلمين، في زمان أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ومن استشهد هناك من الاعيان، ويقول: طوبى لمن لحق بهم.
فلما فرغ من إفطاره، خرج من مكانه قاصداً مَضْرِب حَرَمه فبدر إليه حدث ديلميّ، كأنه مُستميح، أو مستغيث، فعلق به، وضربه، وحمل الى مضرب الحرم.
فيقال: إنه أول مقتول قتلته الاسماعيلية (الباطنية)، فأنبث الخبر في الجيش، وصاحت الأصوات، وجاء السلطان ملكشاه حين بلغه الخبر، مظهراً الحزن، والنحيب والبكاء وجلس عند نظام الملك ساعة، وهو يجُود بنفسه، حتى مات، فعاش سعيداً، ومات شهيداً فقيداً حميداً (١).
وكان قاتله قد تعثر بأطناب الخيمة، فلحقه مماليك نظام الملك وقتلوه.
وقال بعض خدامه: كان آخر كلام نظام الملك أن قال: لاتقتلوا قاتلي، فإني قد عفوت عنه وتشهد ومات (٢).
ولما بلغ أهل بغداد موت نظام الملك حزنوا عليه، وجلس الوزير والرؤساء للعزاء ثلاثة أيام ورثاه الشعراء بقصائد، منهم مقاتل بن عطية حيث قال:
كان الوزير نظامُ الملكِ لؤلؤة
يتيمة صاغها الرحمن من شرفٍ
عزَّت فلم تعرفِ الأيامُ قيمتها
فرَّدها غيره منه الى الصدف (٣)
قال عنه ابن عقيل: بهر العقول سيرة النظام جوداً وكرماً وعدلاً، وإحياءً لمعالم الدين، كانت أيامه دولة أهل العالم، ثم ختم له بالقتل وهو مارُّ الى الحج في رمضان فمات ملكاً في الدنيا، ملكاً في الآخرة، رحمه الله (٤).
 
المبحث الثالث
نهاية الدولة السلجوقية
 
كان للسلطان ملكشاه عند وفاته أربعة أبناء هم بركيارق ومحمد وسنجر ومحمود. وكان محمود، والذي عرف فيما بعد بناصر الدين محمود، طفلاً فبايعوه على تولي السلطة لأن أمه تركان خاتون، كانت ذات شأن كبير ايام ملكشاه. وقد استمر حكمه حوالي العامين من ٤٨٥هـ/١٠٩٢م والى عام ٤٨٧هـ/١٠٩٤م، حيث توفي هو وأمه. ثم جاء من بعده ركن الدين أبوالمظفر بركيارق بن ملكشاه، واستمر حكمه حتى عام ٤٩٨هـ/١١٠٥م، ثم تلاه ركن الدين مكلشاه الثاني وفي نفس العام تولى السلطة غياث الدين أبو شجاع محمد، واستمر حكمه حتى عام ٥١١هـ/١١٢٨م وكان آخر حكام الدولة السلجوقية العظمى فيما وراء النهر والتي كانت لها السيطرة على خراسان وإيران والعراق. وقد انقرضت دولتهم عام ٥٢٢هـ/١١٢٨م وذلك على يد شاهنات خوارزم (١). وبسقوط الدولة السلجوقية العظمى فيما وراء النهر انفرط عقد السلاجقة وتمزقت وحدتهم، وضعفت قوتهم، حتى أصبح السلاجقة شيعاً وأحزاباً ومعسكرات متباينة، تتصارع فيما بينها، حول الظفر بالعرش، وانقسمت على ضوء ذلك الدولة السلجوقية العظمى الى عدة دول وإمارات صغيرة. ولم تكن هذه الدولة والإمارات الصغيرة تخضع لحكم سلطان واحد كما كان الحال في عهد كل من السلطان طغرلبك الأول والسلطان ألب أرسلان والسلطان ملكشاه وأسلافهم. بل كان كل جزء من أجزاء الدولة السلجوقية مستقلاً تحت قيادة منفصلة، لايوجد بينها أي تعاون يذكر (٢).
 
ونتيجة لذلك خرجت الدولة الخوارزمية فيما وراء النهر وهي تلك الدولة التي وقفت ردحاً من الزمن أمام الهجمات المغولية وقد قامت معها إمارات سلجوقية في شمال العراق والشام عرفت بالأتابكيات، وأثناء ذلك برزت سلطنة سلاجقة الروم، وهي السلطنة التي قاومت الحملات الصليبية، واستطاعت أن تحصرها في الركن الشمالي الغربي من آسيا. .الصغرى. أما سلطنة سلاجقة الروم فقد دمرتها الغارات المغولية المتلاحقة.
 
لقد تضافرت عوامل عديدة في سقوط السلطنة السلجوقية التي مهدت بدورها لسقوط الخلافة العباسية.
ومن هذه العوامل:
١. الصراع داخل البيت السلجوقي بين الأخوة والأعمام والأبناء والأحفاد.
٢. تدخل النساء في شؤون الحكم.
٣. اذكاء نار الفتنة بين الحكام السلاجقة من قبل بعض الأمراء والوزراء والأتابك
٤. ضعف الخلفاء العباسيين الذين تميزوا بالضعف أمام القوة العسكرية السلجوقية، فلم يتورعوا عن الاعتراف بشرعية كل من يجلس على عرش السلطنة السلجوقية والخطبة لكل منتصر قوي (١).
٥. عجز الدولة السلجوقية عن توحيد بلاد الشام ومصر والعراق تحت راية الخلافة العباسية.
٦. الأنقسام الداخلي بين السلاجقة والذي وصل الى حد المواجهة العسكرية المستمرة، وهذا ما أنهك قوة السلاجقة حتى انهارت سلطنتهم في العراق.
٧. المكر الباطني الخبيث بالدولة السلجوقية وتمثل ذلك في حملة التصفيات والمحاولات المستمرة لاغتيال سلاطين السلاجقة وزعمائهم وقاداتهم.
٨. الغزو الصليبي القادم من وراء البحار وصراع الدولة السلجوقية مع جحافل الغزو الوحشية القادمة من أوروبا وغير ذلك من الاسباب والعوامل إلا أن السلاجقة كانت لهم أعمال جليلة من أهمها:
أ. كان لهم دور في تأخير زوال الخلافة العباسية، حوالي قرنين من الزمان، حيث أوشكت قبل مجيئهم على الانقراض في ظل سيطرة البويهين الشيعة الروافض.
ب. منعت الدولة السلجوقية الدولة العبيدية في مصر من تحقيق اغراضها الهادفة الى توحيد المشرق العربي الاسلامي تحت الراية الباطنية  العبودية الرافضة 
.ت. كانت الجهود التي بذلتها الدولة السلجوقية تمهيداً لتوحيد المشرق الاسلامي والذي تم على يد صلاح الدين الأيوبي وتحت راية الخلافة العباسية السنيّة (١).
ث. قام السلاجقة بدور ملموس في النهوض بالمنطقة الخاضعة لهم علمياً وإدارياً ونشروا الأمن والاستقرار فيها.
ج. وقفوا في وجه التحركات الصليبيبة من جانب الامبراطورية البيزنطية، وحاولوا صد الخطر المغولي الى حد كبير.
ح. رفعوا من شأن المذهب السني وعلمائه في تلك المناطق (٢)
هذه نبذة موجزة عن السلاجقة السنيين ودورهم في نصرة الاسلام، وإن من الظلم والزور والبهتان أن نطلق على أولئك الشجعان كلمة الشراذم كما فعل الاستاذ نجيب زبيب في الموسوعة العامة في لتاريخ المغرب والأندلس (٣).
 
الفصل الثاني
قيام الدولة العثمانية وفتوحاتها
ينتسب العثمانيون الى قبيلة تركمانية كانت عند بداية القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر الميلادي تعيش في كردستان، وتزاول حرفة الرعي، ونتيجة للغزو المغولي بقيادة جنكيزخان على العراق ومناطق شرق آسيا الصغرى، فإن سليمان جد عثمان هاجر في عام ٦١٧هـ الموافق ١٢٢٠م مع قبيلته من كردستان الى بلاد الأناضول فأستقر في مدينة اخلاط (١) ثم بعد وفاته في عام ٦٢٨هـ الموافق ١٢٣٠م خلفه ابنه الأوسط أرطغرل، والذي واصل تحركه نحو الشمال الغربي من الأناضول، وكان معه حوالي مائة أسرة وأكثر من أربعمائة فارس (٢) وحين كان ارطغرل والد عثمان فاراً بعشيرته التي لم يتجاوز تعدادها اربعمائة عائلة، من ويلات الهجمة المغولية، فاذا به يسمع عن بعد جلبة وضوضاء، فلما دنا منها وجد قتالاً حامياً بين مسلمين ونصارى وكانت كفة الغلبة للجيش البيزنطي، فما كان من أرطغرل إلا أن تقدم بكل حماس وثبات لنجدة اخوانه في الدين والعقيدة، فكان ذلك التقدم سبباً في نصر المسلمين على النصارى (٣) وبعد انتهاء المعركة قدر قائد الجيش الاسلامي السلجوقي هذا الموقف لأرطغرل ومجموعته، فأقطعهم ارضاً في الحدود الغربية للأناضول بجوار الثغور في الروم (٤)، وأتاحوا لهم بذلك فرصة توسيعها على حساب الروم، وحقق السلاجقة بذلك حليفاً قوياً ومشاركاً في الجهاد ضد الروم، وقد قامت بين هذه الدولة الناشئة وبين سلاجقة الروم علاقة حميمة نتيجة وجود عدو مشترك لهم في العقيدة والدين، وقد استمرت هذه العلاقة طيلة حياة أرطغرل، حتى إذا توفي سنة ٦٩٩هـ-١٢٩٩م (٥)
خلفه من بعده في الحكم ابنه عثمان الذي سار على سياسة أبيه السابقة في التوسع في أراضي الروم (٦).
Viewing all 560 articles
Browse latest View live