Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

الاسلام بين جهل ابناؤه وعجز علماؤه-1

$
0
0

الاسلام بين جهل ابناؤه وعجز علماؤه

بقلم عبدالقادر عودة  رحمه الله

 

مقدمة:
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على محمد النبي الأمي الذي اختاره الله لهداية خلقه فأرسله للناس كافة وداعيًا ومعلمًا، يدعوهم إلى الله، ويعلمهم كتابه ويردد عليهم قوله - جَلَّ شَأْنُهُ -: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (١).

 

وبعد، فإنه مما يحزن المسلم أنْ يرى المسلمين يسيرون من ضعف إلى ضعف، ويخرجون من جهل إلى جهل، وهم لا يدرون أنَّ العلة الحقيقية لما هُمْ فيه إنما هي الجهل بالشريعة الإسلامية، وإهمال تطبيقها على كمالها وسموها، ولا يعلمون أنَّ تشبُّثهم بالقوانين الوضعية الفاسدة هو الذي أفسدهم، وأورثهم الضعف والذلة.
 
وإني لأعتقد أننا لن نترك أحكام الشريعة الإسلامية إلاَّ لجهلنا.  .بها، وقعود علمائنا أو عجزهم عن تعريفنا بها، ولو أنَّ كل مسلم عرف واجبه نحو الشريعة لما تأخر عن القيام به، ولتسابقنا في العمل لخدمة الشريعة، وتطبيق أحكامها.

 

ولقد رأيت أن خير ما يخدم به المسلم أخاه أن يبصره بأحكام الشريعة الإسلامية، وأن يبين له ما خفي عليه منها.

 

وتلكم رسالة صغيرة جمعت فيها من أحكام الشريعة ما لا غنى عنه لمسلم مثقف، وبينت وجه الحق فيما يدعيه بعض الجهال على الشريعة من دعاوى غريبة، لا منطق لها ولا سند يسندها، وإني لأرجو أن تصحح هذه الرسالة بعض أوضاع الإسلام المقلوبة في أذهان إخواننا المتعلمين تعليما مدنيا، كما أرجو أن يكون فيها ما يحفز علماء الإسلام على أن يغيروا طريقهم، وأن ينهجوا نهجا جديدا في خدمة الإسلام، وهم ورثة الأنبياء، والمبلغون عن الرسل.

 

والله أسأل أن يهدينا جميعا سواء السبيل.

 

المؤلف
 
الفَصْلُ الأَوَّلُ: مَا يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَهُ:
نحن معشر المسلمين يسرنا أن ننتسب للإسلام ونفخر به، ولكنا للأسف نجهل أهم أحكام الإسلام، ونهمل أعظم مقوماته.


أَحْكَامُ الإِسْلاَمِ وَمُقَوِّمَاتُهُ:
وأحكام الإسلام هي المبادئ والنظريات التي نزل بها القرآن، وأتانا بها الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومجموع هذه المبادئ والنظريات هو ما نسميه الشريعة الإسلامية، فالشريعة إذن هي مجموعة المبادئ والنظريات التي شرعها الإسلام، في التوحيد، والإيمان، والعبادات، والأحوال الشخصية، والجرائم، والمعاملات، والإدارة، والسياسة، وفي غير ذلك من الأغراض، والاتجاهات.


وأعظم مقومات الإسلام هو العمل بأحكامه، إذ الإسلام لم يوجد إلا لتعرف أحكامه، وتقام شرائعه وشعائره، وعلى هذا فمن أهمل العمل بالشريعة الإسلامية أو عطلها فقد أهمل الإسلام وعطله.
 
أَحْكَامُ الإِسْلاَمِ شُرِّعَتْ لِلْدِّينِ وَالدُّنْيَا:
والأحكام التي جاء بها الإسلام على نوعين: أحكام يراد بها إقامة الدين، وهذه تشمل أحكام العقائد والعبادات، وأحكام يراد بها تنظيم الدولة والجماعة، وتنظيم علاقات الأفراد والجماعات بعضهم ببعض، وهذه تشمل أحكام المعاملات، والعقوبات، والأحوال الشخصية، والدستورية، والدولية، ... إلخ، فالإسلام يمزج بين الدين والدنيا، وبين المسجد والدولة، فهو دين ودولة وعبادة وقيادة، وكما أن الدين جزء من الإسلام فالحكومة جزؤه الثاني، بل هي الجزء الأهم، وصدق عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حيث قال: «إِنَّ اللهَ لَيَزَعُ بِالسُلْطَانِ مَا لاَ يَزَعُ بِالقُرْآنِ».


وأحكام الإسلام على تنوعها وتعددها أنزلت بقصد إسعاد الناس في الدنيا والآخرة، ومن ثم كان لكل عمل دنيوي وجه أخروي، فالفعل التعبدي، أو المدني، أو الجنائي أو الدستوري، أو الدولي له أثره المترتب عليه في الدنيا من أداء الواجب، أو إفادة الحل والملك، أو إنشاء الحق أو زواله، أو توقيع العقوبة، أو ترتيب المسؤولية، ولكن هذا الفعل الذي يترتب عليه أثره في الدنيا له أثر آخر مترتب عليه في الآخرة، هو المثوبة أو العقوبة الأخروية.


ويبنى على كون الشريعة مقصودا بها إسعاد الناس في الدنيا والآخرة أن تعتبر وحدة لا تقبل التجزئة، أو جملة لا تقبل
الانفصام لأن أخذ بعضها دون بعض، لا يؤدي إلى تحقيق الغرض منها.


ومن تتبع آيات الأحكام في القرآن يجد كل حكم منها يترتب على مخالفته جزاءان: جزاء دنيوي، وجزاء أخروي. فقطع الطريق جزاؤه القتل، والصلب، والنفي، عقوبة دنيوية، والعذاب العظيم عقوبة أخروية، وذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (١) وإشاعة الفاحشة، ورمي المحصنات له عقوبة في الدنيا، وعقوبة الآخرة حيث يقول - جَلَّ شَأْنُهُ -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (٢) وحيث يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (٣).
والقتل العمد له عقوبتان: القصاص في الدنيا والعذاب في الآخرة. وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (١)، وقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (٢).


وهكذا لا نكاد نجد حكمًا لم ترتب عليه الشريعة الإسلامية عقوبة أخروية والجزاء الدنيوي، وإن وجدنا شيئًا من ذلك فإنه يدخل تحت عموم قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ، أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (٣)، وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (٤).


ولم تشرع أحكام الشريعة الإسلامية للدنيا والآخرة عبثًا،
وإنما اقتضى ذلك منطق الشريعة، فهي أصلها تعتبر أن الدنيا دار ابتلاء وفناء، وأن الآخرة دار بقاء وجزاء، وأن الإنسان مسؤول عن أعماله في الدنيا، مَجْزِيٌّ عنها في الآخرة. فإن فعل خيرًا فلنفسه، وإن أساء فعليها، والجزاء الدنيوي لا يمنع من الجزاء الأخروي، ولا يسقطه إلا إذا تاب الإنسان وأناب.


وتمتاز الشريعة الإسلامية عن القانون الوضعي، بأنها مزجب بين الدين والدنيا، وشرعت للدنيا والآخرة وهذا هو السبب الوحيد الذي يحمل المسلمين على طاعتها في السر والعلن، والسراء والضراء لأنهم لا يؤمنون - طبقًا لأحكام الشريعة - بأن الطاعة نوع من العبادة يقربهم إلى الله، وأنهم يثابون على هذه الطاعة، ومن استطاع منهم أن يرتكب جريمة، ويتفادى العقاب فإنه لا يرتكبها مخافة العقاب الأخروي، وغضب الله عليه، وكل ذلك مما يدعو إلى قلة الجرائم وحفظ الأمن، وصيانة نظام الجماعة بعكس الحال في القوانين الوضعية فإنها ليس لها في نفوس من تطبق عليهم ما يحملهم على طاعتها، وهم لا يطيعونها إلا بقدر ما يخشون من الوقوع تحت طائلتها، ومن استطاع أن يرتكب جريمة ما - وهو آمن من سطوة القانون - فليس ثمة ما يمنعه من ارتكابها من خُلُقٍ أودين ولذلك تزداد الجرائم زيادة مطردة في البلاد التي تطبق القوانين، وتضعف الأخلاق، ويكثر المجرمون في الطبقات المستنيزة تبعًا لزيادة الفساد الخُلُقِي في هذه الطبقات، ولمقدرة أفرادها على التهرب من سلطان القانون.  ..أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ لاَ تَتَجَزَّأُ:
وأحكام الشريعة لا تتجزأ ولا تقبل الانفصال، وليس ذلك فقط لما ذكرناه من أن التجزئة تخالف الغرض من الشريعة، وإنما لأن نصوص الشريعة نفسها تمنع من العمل ببعضها، وإهمال البعض الآخر كما تمنع من الإيمان ببعضها والكفر ببعض، وتوجب العمل بكل أحكامها والإيمان إيمانًا تامًا بكل ما جاءت به، فمن لم يؤمن بهذا ويعمل به دخل تحت قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} (١).


والنصوص الواردة بتحريم العمل ببعض الشريعة دون بعضها كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٢).
.والكتمان معناه العمل ببعض الأحكام دون بعضها الآخر والاعتراف ببعضها وإنكار البعض الآخر. ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (١).


ومنها قوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (٢)، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (٣).
ومنها قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} إلى قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (١).


الشَّرِيعَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ شَرِيعَةٌ عَالَمِيَّةٌ:
وتمتاز الشريعة الإسلامية بأنها شريعة عالمية، أنزلها الله - جَلَّ شَأْنُهُ - على رسوله محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِيُبَلِّغَهَا إلى الناس كافة من عرب وعجم، شرقيين وغربيين على اختلاف مشاربهم، وتباين عاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم. فهي شريعة كل أسرة، وشريعة كل قبيلة، وشريعة كل جماعة، وشريعة كل دولة بل هي الشريعة العالمية التي استطاع علماء القانون أن يَتَخَيَّلُوهَا.
.ولكنهم لم يستطيعوا أن يوجدوها، واقرأ قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (١) وقوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (٢).


الشَّرِيعَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ شَرِيعَةٌ كَامِلَةٌ دَائِمَةٌ:
وقد أنزلت الشريعة من عند الله شريعة كاملة شاملة، وتم نزولها في فترة قصيرة، بدأت ببعثة الرسول، وانتهت بوفاته، أو انتهت يوم نزل قوله - جَلَّ شَأْنُهُ -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٣). وهذا النص قاطع في كمال الشريعة ودوامها، بعد أن قطعت نصوص الشريعة بأن محمدًا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم الأنبياء: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (٤).


ومن يراجع أحكام الشريعة يجد أنها جاءت كاملة لا نقص فيها شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول، فهي تنظم الأحوال
الشخصية، والمعاملات، وكل ما يتعلق بالأفراد، وتنظيم شؤون الحكم والإدارة والسياسة، وغير ذلك مما يتعلق بالجماعة كما تنظم علاقة الدول بعضها ببعض في الحرب والسلم.


ولم تأت الشريعة الإسلامية لوقت دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لزمن دون زمن، وإنما هي شريعة كل وقت، وشريعة كل عصر، وشريعة الزمن كله، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد صيغت نصوص الشريعة بحيث لا يؤثر على نصوصها مرور الزمن، ولا يبلى جدتها، ولا يقتضي تغيير قواعدها العامة، ونظرياتها الأساسية، فجاءت نصوصها من العموم والمرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة، ولو لم يكن في الإمكان توقعها، ومن ثم كانت نصوص الشريعة غير قابلة للتغيير والتبديل، كما تتغير نصوص القوانين وتتبدل.


مُقَارَنَةٌ بَيْنَ نَشْأَةِ الشَّرِيعَةِ وَنَشْأَةِ القَانُونِ:
عرفنا فيما سبق كيف نشأت الشريعة الإسلامية، أما القانون الوضعي فينشأ في الجماعة التي ينظمها ويحكمها ضئيلاً محدود القواعد ثم يتطور بتطور الجماعة، فتزداد قواعده، وتتسامى نظرياته كلما ازدادت حاجات الجماعة وتنوعت، وكلما تقدمت الجماعة في تفكيرها وعلومها، ويضع قواعد القانون الأشخاص المسيطرون على الجماعة وهم الذين يقومون بتهذيب هذه القواعد وتغييرها،
.فالجماعة إذن هي التي تخلق القانون، وتصنعه على الوجه الذي يسد حاجتها، وهو تابع لها، وتقدمه مرتبط بتقدمها.


وقد بدأ القانون يتكون كما يقول علماء القانون مع تَكَوُّنِ الأسرة في العصور الأولى، ثم تطور بِتَكَوُّنِ القبيلة، ثم تطور بِتَكَوُّنِ الدولة، ثم بدأ المرحلة الأخيرة من التطور في أعقاب القرن الثامن عشر، على هدى النظريات الفلسفية والاجتماعية، فتطور القانون الوضعي من ذلك الوقت حتى الآن تطورًا عظيمًا، وأصبح قائمًا على نظريات ومبادئ، لم يكن لها وجود في العصور السابقة.


طَبِيعَةُ الشَّرِيعَةِ تَخْتَلِفُ عَنْ طَبِيعَةِ القَانُونِ:
ونستطيع بعد أن استعرضنا نشأة الشريعة، ونشأة القانون أن نقول بحق: إن الشريعة لا تماثل القانون، وإن طبيعة الشريعة تختلف تمام الاختلاف عن طبيعة القانون لما جاءت على الشكل الذي جاءت به، وعلى الوصف الذي أسلفنا، ولوجب أن تأتي شريعة أولية، تأخذ طريق القانون في التطور مع الجماعة، وما كان يمكن أن تأتي بالنظريات الحديثة التي لم تعرفها القوانين إلا أخيرًا بل ما كان يمكن أن تصل إلى مثل هذه إلا بعد أن تعرفها القوانين وبعد مرور آلاف السنين.  
الاخْتِلاَفَاتِ الأَسَاسِيَّةِ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالقَانُونِ:
تختلف الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية اختلافًا أساسيًا من ثلاثة وجوه:


الوَجْهُ الأَوَّلُ:
أن الشريعة من عند الله، أما القانون فمن صنع البشر، وكلا الشريعة والقانون يتمثل فيه بجلاء صفات صانعه، فالقانون من صنع البشر، ويتمثل فيه نقص البشر وعجزهم وضعفهم، فالقانون من صنع البشر، ويتمثل فيه نقص البشر وعجزهم وضعفهم وقلة حيلتهم ومن ثم كان القانون عرضة للتغيير، أو ما نسميه التطور كلما تطورت الجماعة إلى درجة لم تكن متوقعة، أوجدت حالات لم تكن منتظرة، فالقانون ناقص دائمًا، ولا يمكن أن يبلغ حد الكمال ما دام صانعه لا يمكن أن يوصف بالكمال، ولا يستطيع أن يحيط بما سيكون، وإن استطاع الإلمام بما كان.


أما الشريعة، فصانعها هو الله، وتتمثل فيها قدرة الخالق وكماله وعظمته وإحاطته بما كان، وبما هو كائن، ومن ثم صاغها العليم الخبير بحيث تحيط بكل شيء في الحال والاستقبال.


الوَجْهُ الثَّانِي:
أن القانون عبارة عن قواعد مؤقتة، تضعها الجماعة، لتنظيم شؤونها وسد حاجتها، فهي قواعد متأخرة عن الجماعة، أو هي في مستوى الجماعة اليوم، ومتخلفة عنه غدًا، لأن القوانين لا تتغير. 
بسرعة تطور الجماعة، وهي قواعد مؤقتة تتفق مع الجماعة المؤقتة، وتستوجب التغيير كلما تغيرت حال الجماعة.


أما الشريعة فقواعدها وضعها الله على سبيل الدوام، لتنظيم شؤون الجماعة، فالشريعة تتفق مع القانون في أن كليهما وضع لتنظيم الجماعة، ولكن الشريعة تختلف عن القانون في أن قواعدها دائمة لا تقبل التعبير والتبديل، وهذه الميزة التي تمتازها الشريعة تقتضي منطقيًا:
أولاً: أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من المرونة والعموم بحيث تتسع لحاجات الجماعة مهما طالت في الأزمان، وتطورت الجماعة، وتعددت الحاجات وتنوعت.


ثانيًا: أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من السمو والارتفاع بحيث لا يمكن أن تتأخر في وقت عصر ما عن مستوى الجماعة.


والواقع أن ما يقتضيه المنطق متوفر بوجهيه في الشريعة، بل هو أهم ما يميز الشريعة، فقد جاءت نصوص الشريعة عامة ومرنة إلى آخر حدود العموم والمرونة، كما أنها وصلت من السمو درجة لا يتصور بعدها سمو.


ولقد مر على الشريعة أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، تغيرت في خلالها الأوضاع أكثر من مرة، وتطورت الآراء والعلوم
تطورًا كبيرًا، واستحدث من الصناعات والمخترعات ما لم يكن يخطر على خيال إنسان، وتغيرت قواعد القانون الوضعي ونصوصه أكثر من مرة، لتتلاءم مع الحالات الجديدة والظروف الجديدة بحيث انقطعت العلاقة بين قواعد القانون الوضعي التي تطبق اليوم، وبين قواعده التي كانت تطبق يوم نزلت الشريعة، وبالرغم من هذا كله، ومن أن الشريعة الإسلامية، لا تقبل التغيير والتبديل، ظلت مبادؤها ونصوصها أسمى من مستوى الجماعات، وأكفل بتنظيم وسد حاجاتهم، وأقرب إلى طبائعهم وأحفظ لأمتهم وطمأنينتهم.


هذه هي شهادة التاريخ الرائعة، يقف بها في جانب الشريعة الإسلامية، وليس ثمة ما هو أروع منها إلا شهادة النصوص ومنطقها وخذ مثلاً قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (١). وقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (٢). وقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (٣). وقول الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ فِي الإِسْلاَمِ» فهذه نصوص من القرآن وَالسُنَّةِ، بلغت من العموم والمرونة الحد الأقصى. وهي تقرر «الشُّورَى» قاعدة للحكم على الوجه. الذي ينتفي معه الضرر والإثم، ويحقق التعاون على البر التقوى، وبهذا بلغت الشريعة من السمو ما يعجز البشر عن الوصول لمستواه.


الوَجْهُ الثَّالِثُ:
إن الغرض من الشريعة هو تنظيم الجماعة وتوجيهها، وخلق الأفراد الصالحين، وإيجاد الدولة المثالية، والعالم المثالي، ومن أجل هذا جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها، ولا تزال كذلك حتى اليوم، وجاء فيها من المبادئ والنظريات ما لم يتهيأ العالم غير الإسلامي لمعرفته، والوصول إليه، إلا بعد قرون طويلة، وما لم يتهيأ هذا للعالم لمعرفته، أو يصل إليه حتى الآن ومن أجل هذا تولى الله - جَلَّ شَأْنُهُ - وضع الشريعة، وأنزلها نموذجًا من الكمال، ليوجه الناس إلى الطاعات والفضائل ويحملهم على التسامي والتكامل، حتى يصلوا أو يقتربوا من مستوى الشريعة الكامل.


أما القانون، فالأصل فيه أنه يوضع لتنظيم الجماعة، ولا يوضع لتوجيهها، ومن ثم كان القانون متأخرًا عن الجماعة، وتابعًا لتطورها، ولكن القانون قد تحول في القرن الحالي عن أصله فصار يوضع لتوجيه الجماعة وتنظيمها، حيث بدأت الدول التي تدعو لدعوات جديدة تستخدم القانون لتوجيه الشعوب وجهات معينة، كما تستخدمه لتنفيذ أغراض معينة، كما فعلت روسيا وتركيا
وألمانيا وإيطاليا وغيرها. وهكذا انتهى القانون الوضعي إلى ما بدأت به الشريعة، وأخذ بما سبقته إليه من ثلاثة عشر قرنًا.


المُمَيِّزَاتُ الجَوْهَرِيَّةُ التِي تُمَيِّزُ الشَّرِيعَةَ عَنْ القَانُونِ:
ونستطيع أن نستخلص مما سبق أن الشريعة الإسلامية تمتاز على القوانين الوضعية بثلاث ميزات جوهرية هي:
١ - الكمال: تمتاز الشريعة على القوانين الوضعية بالكمال أي بأنها استكملت كل ما تحتاجه الشريعة الكاملة من مبادئ ونظريات، وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب، والمستقبل البعيد.
٢ - السمو: تمتاز الشريعة بأن قواعدها ومبادئها أسمى دائمًا من مستوى الجماعات. وأن فيها من المبادئ والنظريات ما يحفظ لها هذا المستوى السامي. مهما ارتفع مستوى الناس.
٣ - الدوام: تمتاز الشريعة عن القوانين الوضعية بالدوام فنصوصها لا تقبل التعديل أو التبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحياتها في كل زمان ومكان.


طَرِيقَةُ الشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ فِي التَّشْرِيعِ:
الأصل في الشريعة أنها جاءت للناس لتحكمهم في كل حالاتهم وليحكموها في شؤون دنياهم وآخرتهم. ولكن الشريعة مع هذا
لم تأت بنصوص تفصيلية تبين حكم كل الحالات الجزئية والفرعية كما تفعل القوانين الوضعية اليوم. وإنما اكتفت الشريعية في أغلب الأحوال بإيراد الأحكام الكلية في نصوص عامة مرنة فإذا تعرضت لحكم فرعي. فنصت عليه فإنما تنص عليه. لأنه يعتبر حكمًا كليًا بالنسبة لما يدخل تحته من فروع.


والأحكام الكلية التي نصت عليها الشريعة تعتبر بحق القواعد العامة للتشريع الإسلامي، والهيكل الذي يمثل معالم التشريع الإسلامي، والضوابط التي تحكم التشريع الإسلامي، وقد تركت الشريعة لأولي الأمر أن يتموا بناء التشريع على أساس هذه القواعد. وأن يستكملوا هذا الهيكل. فيبينوا دقائقه وتفاصيله في حقوق المبادئ والضوابط التي جاءت بها الشريعة.


والطريقة التي التزمتها الشريعة في التشريع هي الطريقة الوحيدة التي تتلاءم مع مميزات الشريعة. وما تتصف به من السمو والكمال والدوام، فالسمو والكمال يقتضيان النص على كل المبادئ والنظريات الإنسانية والاجتماعية التي تكفل حياة سعيدة للجماعة. وتحقق العدل والمساواة والتراحم بين أفرادها وتوجههم إلى الخير، وتدعوهم إلى التفوق، وصفة الدوام تقتضي أن لا ينص على حالات مؤقتة تتغير أحكامها بتغيير الظروف وتوالي الأيام.


حَقُّ أُولِي الأَمْرِ فِي التَّشْرِيعِ:
وإذا كانت الشريعة قد أعطت أولي الأمر حق التشريع. فإنها لم تعطهم هذا الحق مطلقًا من كل قيد. فحق أولى الأمر في التشريع مقيد بأن يكون ما يضعونه من التشريعات متفقًا مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة وروحها التشريعية وتقييد حقهم في التشريع على هذا الوجه يجعل حقهم مقصورًا على نوعين من التشريع.
[أ] تشريعات تنفيذية: يقصد منها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية، والتشريع على هذا الوجه يعتبر بمثابة اللوائح والقرارات التي يصدرها الوزراء اليوم كل في حدود اختصاصه لضمان تنفيذ القوانين.
[ب] تشريعات تنظيمية: يقصد بها تنظيم الجماعة وحمايتها وسد حاجتها على أساس مبادئ الشريعة فلم تأت فيه بنصوص خاصة ويشترط في هذا النوع من التشريعات أن يكون قبل كل شيء متفقًا مع مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية.


حُكْمُ خُرُوجِ أُولِي الأَمْرِ عَنْ حُدُودِ حَقِّهِمْ:
من المتفق عليه أن عمل أولي الأمر صحيح طالما كان في حدود حقه. باطل فيما خرج على هذه الحدود. فإذا أتى أولو الأمر بما يتفق مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة وروحها التشريعية فعملهم صحيح تجب له الطاعة، وإذا أتوا بما يخالف
الشريعة فعملهم باطل وكل ما كان باطلاً لا يصح العمل به ولا يجب له الطاعة.


والأصل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (١) وقوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (٢)، فالله جل شأنه يوجب علينا طاعة أوامره كما يوجب علينا طاعة الرسول، وأولي الأمر والطاعة لله تجب بأمر الله، والطاعة للرسول وأولي الأمر تجب بأمر الله لا بأمر الرسول: ولا بأمر أولي الأمر. فإذا خرج ولي الأمر على ما أنزل الله فأمره باطل ولا تجب طاعته.


ولقد أكد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه المعاني في قوله: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ». وفي قوله: «إِنَّمَا الطَّاعَة فِي المَعْرُوف». وفيما قاله في أولي الأمر: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ».


هَلْ اِسْتَعْمَلَ أُولُو الأَمْرِ حَقَّهُمْ فِي حُدُودِهِ؟:
أخذ ولاة الأمور في أكثر البلدان الإسلامية يضعون من القرن.  .الماضي لبلادهم مجموعات قانونية في مختلف التشريعات على غرار ما فعلت البلاد الأوروبية، ولكنهم عمدوا إلى القوانين الأوروبية فنقلوا عنها نقلاً مجموعات دستورية وجنائية ومدنية وتجارية وغير ذلك، ولم يرجعوا إلى الشريعة الإسلامية إلا في بعض المسائل القليلة، كالوقف والشفعة.


ومن الحق أن نقرر أن معظم نصوص هذه المجموعات يتفق مع نصوص الشريعة، ولا يخرج على مبادئها العامة. ولكن من الحق أن نقرر أيضًا أن بعض نصوص هذه المجموعات جاء على خلاف أحكام الشريعة، وقام على مبادئ تخالف مبادئها، ومن الأمثلة على ذلك بعض نصوص قوانين العقوبات، فإنها تبيح الزنا في بعض الأحوال، كما تبيح شرب الخمر، بينما الشريعة تحرم الزنا وشرب الخمر تحريمًا مطلقًا، بينما تبيحه القوانين الأوروبية، ولو أن الإباحة ليست مطلقة، ومقيدة بحد معين.


عِلَّةُ نَقْلِ القَوَانِينِ الأُورُوبِيَّةِ لِلْبِلاَدِ الإِسْلاَمِيَّةِ:
قد يظن البعض أن ولاة الأمور في البلاد الإسلامية نقلوا لها القوانين الأوروبية لأنهم لم يجدوا في الشريعة غناء، وهذا ظن خاطئ أساسه الجهل الفاضح بالشريعة، فإن في الشريعة الإسلامية، وفي الفقه الإسلامي من المبادئ والنظريات والأحكام ما لو جمع في مجموعات لكان مثلاً أعلى في المجموعات التشريعية وأعتقد أنه لو وضعت هذه المجموعات الإسلامية لنقلت البلاد
غير الإسلامية أحكامها قبل جيل واحد، وأهملت ما لديها من مجموعات تعتز بها ز


والعلة الحقيقية في نقل القوانين الأوروبية للبلاد الإسلامية هي الاستعمار، والنفوذ الأوروبي، وقعود علماء المسلمين، فبعض البلاد الإسلامية أدخلت لها القوانين الأوروبية بقوة المستعمر وسلطانه، كالهند، وشمال أفريقيا، وبعض البلاد الإسلامية دخلتها القوانين الأوروبية لضعها، وقوة النفوذ الأجنبي فيها من ناحية ومحاولة حكامها تقليد البلاد الأوروبية من ناحية أخرى، ومن هذا القس مصر وتركيا.


ومن الثابت تاريخيًا أن القوانين الأوروبية نقلت إلى مصر في عهد الخديوي إسماعيل. وأنه كان يود أن يضع لمصر مجموعات تشريعية مأخوذة من الشريعة ومذاهب الفقه الإسلامي المختلفة وقد طلب من علماء الأزهر أن يضعوا هذه المجاميع، ولكنهم رفضوا إجابة طلبه، لأن التعصب المذهبي منعهم من أن يتعاونوا على إظهار الشريعة في أجمل صورها، فضحوا بالشريعة جميعها، واحتفظ كل بمذهبه والتعصب له وأضاعوا على العالم الإسلامي فرصة طالما بكوا على ضياعها، وحق لهم أن يبكوا عليها حتى تعود.


وأحب أن أنبه إلى أن بعض البلاد الإسلامية التي أخذت مختارة إلى حد ما بالقوانين الأوروبية لم تكن تقصد إطلاقًا مخالفة الشريعة الإسلامية، وليس أدل على ذلك من أن قانون العقوبات.  المصري الصادر في سَنَةِ ١٨٨٣ نص في المادة الأولى منه على أن «من خصائص الحكومة أن تعاقب على الجرائم التي تقع على أفراد الناس بسبب ما يترتب عليهامن تكدير الراحة العمومية وكذل الجرائم التي تحصل ضد الحكومة مباشرة. وبناء على ذلك فقد تعينت في هذا القانون درجات العقوبة التي لأولياء الأمر شرعًا تقريرها. وهذا بدون إخلال في أي حال من الأحوال بالحقوق المقررة لكل شخص بمقتضى الشريعة الغراء». وهذا النص مأخوذ من القانون التركي الصادر في: ٥/ ٦ / ١٨٥٣.


وكذلك أستطيع أن أقول بحسب اعتقادي: إن أولى الأمر في معظم البلاد الإسلامية لم يخطر على بالهم أن يخالفوا الشريعة لا قديمًا ولا حديثًا، ولكن القوانين جاءت مخالفة للشريعة بالرغم من ذلك، وبالرغم من حرص بعضهم على منع التخالف ولعل السر في ذلك هو أن واضعي القوانين إما أوروبيون ليس لهم صلة بالشريعة أو مسلمون درسوا القوانين ولم يدرسوا الشريعة.


أَثَرُ القَوَانِينِ عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنَ الوِجْهَةِ العِلْمِيَّةِ:
ترتب على إدخال القوانين الأوروبية في البلاد الإسلامية أن أنشأت في تلك البلاد محاكم خاصة لتطبيق هذه القوانين. وعين لهذه الحاكم أوروبيون، أو قضاة وطنيون درسوا هذه القوانين، ولم يدرسوا الشريعة، وقد اعتبرت المحاكم.  الجديدة نفسها مختصة بكل شيء تقريبًا، فترتب على ذلك تعطيل الشريعة تعطيلاً عمليًا لأن المحاكم الجديدة لا تطبق إلا قوانينها.


كذلك أنشأت السلطة القائمة على التعليم مدارس خاصة لتدريس القوانين، وقد جرت هذه المدارس على الاهتمام بدراسة القوانين، وإهمال الشريعة إلا في مسائل قليلة كالوقف، فأدى ذلك إلى نتيجة مخزية. إذ أصبح رجال القانون تقريبًا - وهم من صفوةالمثقفين - يجهلون كل الجهل أحكام الشريعة الإسلامية واتجاهاتها العامة، أي أنهم يجهلون بكل أسف أحكام الإسلام وهو الدين الذي تتدين به الدول الإسلامية.


ولقد أدى الجهل بالشريعة إلى تفسير النصوص القليلة المأخوذة عن الشريعة تفسيرًا يتفق مع القوانين الوضعية ويختلف عن الشريعة في بعض الأحوال، من ذلك أن قانون العقوبات المصري ينص على أن أحكام قانون العقوبات لا تخل في أي حال من الأحوال بالحقوق المقررة لكل شخص في الشريعة الإسلامية، وبالرغم من قيام هذا النص الصريح فإن الشراح المصريين لم يدرسوا هذه الحقوق كما هي موجودة في الشريعة، واكتفوا بأن يدرسوا من الحقوق ما يقره القانون الفرنسي، وأن يدرسوه على طريقة الشراح الفرنسيين، وأن يعللوه بقواعد القانون، كلما علله الفرنسيون، ولقد اندفع الشراح المصريون في هذا الطريق تحت تأثير عاملين:  أولهما: أنهم لا يدرسون الشريعة ولا يعرفون شيئًا من أحكامها واتجاهاتها.
وثانيهما: أنهم يقيدون أنفسهم بآراء واتجاهات الشراح الأوروبيين عامة والفرنسيين خاصة، فلا يبيحون إلا ما أباحوا ولا يحرمون إلا ما حَرَّمُوا، والشراح الأوروبيون لا يعرفون بطبيعة الحال شيئًا عن الشريعية الإسلامية.


أَثَرُ القَوَانِينِ عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنَ الوِجْهَةِ النَّظَرِيَّةِ:
إذا كانت القوانين الوضعية قد أدت عمليًا إلى تعطيل معظم أحكام الشريعة الإسلامية، فإن هذه القوانين لا أثر لها على الشريعة م الوجهة النظرية، فنصوص الشريعة لا تزال قائمة، وأحكامها واجبة التطبيق في كل الأحوال، وهذا هو حكم الشريعة وحكم القانون مجتمعين، لأن القاعدة الأساسية في الشريعة والقانون أن النصوص لا ينسخها إلا نصوص في مثل قوتها أو أقوى منها، أي نصوص صادرة عن نفس الشارع، أو من هيئة لها من سلطان التشريع ما للهيئة التي أصدرت النصوص المراد نسخها أو من هيئة يزيد سلطانها التشريعي على سلطان من أصدر النصوص المطلوب نسخها.


فالنصوص التي يمكن أن تنسخ الشريعة يجب أن تكون قرآنًا أو سُنَّةً، حتى يمكن أن تنسخ ما لدينا من قرآن وَسُنَّةٍ، وليس بعد
الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرآن حيث انقطع الوحي، ولا سنة حيث توفي الرسول، ولا يمكن أن يقال ما يصدر من هيئاتنا التشريعية البشرية في درجة القرآن والسنة، أو أن لها من سلطان التشريع ما لله والرسول، ولكن الذي يمكن أن يقال - وهو الواقع - أن أولي الأمر منا لا يملكون حق التشريع وإنما لهم حق التنفيذ والتنظيم على الوجه الذي بيناه فيما سبق، أما التشريع فمن حق الله والرسول، وقد انتهى عهده بوفاة الرسول، واستقر أمره بانقطاع الوحي.


حُكْمُ تَعَارُضِ القَوَانِينِ مَعَ الشَّرِيعَةِ:
إذا تعارضت أحكام القوانين الوضعية مع الشريعة كان من الواجب تطبيق حكم الشريعة دون حكم القانون وذلك لثلاثة أسباب.
أولها: أن نصوص الشريعة الإسلامية لا تزال قائمة ولا يمكن إلغاؤها بحال كما بينا، أما نصوص القوانين فقابلة للالغاء، ومعنى هذا أن نصوص الشريعة أقوى من نصوص القوانين.
وثانيها: أن الشريعة تقضي ببطلان كل ما يخالفها، وتمنع من طاعته، وقد شرحنا ذلك فيما سبق، فالقوانين المخالفة للشريعة تعتبر باطلة بطلانًا مطلقًا فيما جاء مخالفًا للشريعة.
وثالثهما: أن القوانين المخالفة للشريعة تخرج عن وطيفتها
بمخالفتها للشريعة، وإذا خرج القانون عن وظيفته لم يكن لوجوده محل، وكان باطلاً بطلانًا مطلقًا، وهذا هو ما تقضي به قواعد القانون الوضعي نفسه.


كَيْفَ خَرَجَتْ القَوَانِينُ المُخَالِفَةُ لِلْشَّرِيعَةِ عَنْ وَظِيفَتِهَا؟:
الأصل في القوانين الوضعية أنها توضع لسد حاجة الجماعة ولتنظيمها وحماية نظامها ونشر الطمأنينة والسلام بين أفرادها، ومن أهم حاجات الجماعة حماية عقائدها ومشاعرها ونظامها، وفي البلاد الإسلامية يقوم نظام الجماعة على الإسلام، وتقوم عقائد الكثرة على الإسلام، فكان من الطبيعي أن تجيء القوانين مطابقة للشريعة الإسلامية تمام المطابقة، ولكن القوانين لم تجيء كذلك وإنما جاءت كما رأينا مخالفة للشريعة، فخرجت القوانين بهذا لا على الشريعة فقط وإنما على الأصول التي يجب أن تقوم عليها القوانين والأغراض التي توضع من أجلها القوانين فهي قوانين لا تقوم على أصل معروف ولا تستهدف غرضًا مشروعًا.


إذا استطعنا أن نعرف شيئًا من حقائق الإسلام وأحكامه سهل علينا أن نعرف كيف أن القوانين التي توضع في أوروبا لإسعاد الجماعة ونشر الطمأنينة والسلام بين أفرادها، إنما هي في البلاد الإسلامية العامل الأول في إيلام الجماعة والإساءة إلى مشاعرهم وإيغار صدورهم، وهي العامل الأول في عدم رضاء الأكثرية
عن هذه القوانين، بل هي العامل الأول الذي يدعو للفتنة ويهيئ للفوضى:
[١] فالإسلام لا يسمح لمسلم أن يتخذ من غير شريعة الله قانونًا وكل ما يخرج على نصوص الشريعة أو مبادئها العامة أو روحها التشريعية محرم تحريمًا قاطعًا على المسلم بنص القرآن الصريح، حيث قسم الله الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما إما الاستجابة لله والرسول، واتباع ما جاء به الرسول، وإما اتباع الهوى فكل ما لم يأت به الرسول فهو الهوى، وذلك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (١) وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (٢) وقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (٣).


[٢] إن الله لم يجعل لمؤمن أن يرضى بغير حكم الله،
.أو يتحاكم إلى غير ما أنزل الله، بل لقد أمر الله أن يكفر بكل حكم غير حكمه واعتبر الرضى بغير حكمه ضلالاً بعيدًا واتباعًا للشيطان، وذلك قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (١).
 
فمن يتحاكم إلى غير ما أنزل الله، وما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قومن من يتحاكمون إليه - غير الله ورسوله - أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فمن آمن بالله ليس له أن يؤمن بغيره، ولا أن يقبل حكمًا غير حكمه.
 
[٣] إن الله لم يجعل لمؤمن ولا مؤمنة أن يختار لنفسه أو يرضى لها غير ما اختاره الله ورسوله، وذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (٢).
 
[٤] إن الله أمر بأن يكون الحكم طبقًا لما أنزل الله، وجعل
.من لم يحكم بما أنزل الله كافرًا وظالمًا وفاسقًا. فقال - جَلَّ شَأْنُهُ -: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (١)، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٢)، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (٣).
 
ومن المتفق عليه بين المفسرين والفقهاء أن من يستحدث من المسلمين أحكامًا غير ما أنزل الله، ويترك بالحكم بها كل ما أنزل الله أو بعضه من غير تأويل يعتقد صحته فإنه يصدق عليهم ما قاله الله تعالى كل بحسب حاله. فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنا مثلاً. لأنه يفضل غيره من أوضاع البشر فهو كافر قطعًا، ومن لم يحكم به لعلة أخرى غير الجحود والنكران فهو ظالم، إن كان في حكمه مضيعًا لحق، أو تاركًا لعدل أو مساواة، وإلا فهو فاسق.
 
[٥] إن الله نفى الإيمان عن العباد حتى يحكموا الرسول فيما شجر بينهم مع انتفاء الحرج والضيق عن صدورهم والتسليم والانقياد التام وذلك قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (٤).
[٦] إن كل ما يخالف الشريعة محرم على المسلمين، ولو أمرت به أو أباحته السلطة الحاكمة أَيًّا كانت، لأن حق الهيئة الحاكمة في التشريع مقيد بأن يكون التشريع موافقًا لنصوص الشريعة، متفقًا مع مبادئها العامة، وروحها التشريعية، فإن استباحت الهيئة الحاكمة لنفسها أن تخرج على هذه الحدود فإن عملها لا يحل القوانين المحرمة، ولا يبيح لمسلم أن يتبعها أو ينفذها بل من واجب كل مسلم أن يعصي القوانين ويمتنع عن تطبيقها وتنفيذها، لأن طاعة أولي الأمر لا تجب لهم مطلقة، وإنما تجب في حدودها ما أمر به الله والرسول وذلك قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (١) وقوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (٢).


وقد بينت السنة حدود الطاعة، فقال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ». وقال: «إِنَّمَا الطَّاعَة فِي المَعْرُوف». وقال في ولاة الأمور: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ».
.وقد أجمع أصحاب الرسول وفقهاء الأمة ومجتهدوها على أن طاعة أولي الأمر لا تجب إلا في طاعة الله، ولا خلاف بينهم في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن إباحة المجمع على تحريمه، كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود، وتعطيل أحكام الشريعة وشرع ما لم يأذن به الله، إنما هو كفر وردة، وأن الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتد واجب على المسلمين، وأقل درجات الخروج على أولي الأمر هو عصيان أوامرهم ونواهيهم المخالفة للشريعة.


[٧] إن أحكام الشريعة لا تتجزأ، ولا تقبل الانفعال فلا يجوز لمسلم أن يرضى بتطبيق بعض أحكام الشريعة وإهمال البعض الآخر، وقد تكلمنا عن هذه المسألة وأدلتها فيما سبق.


هذه هي بعض حقائق الإسلام، وتلكم هي نصوص القرآن والسنة، وهذا هو واقع المسلم الذي يفهم الإسلام أو يؤمن به، وهو ما يجب أن يكون عليه كل مسلم ويعمل له، والقوانين التي وضعت أصلاً لحماية المشاعر والعقائد إنما تحاربها وتعتدي عليها اعتداء منكرًا حين تأتي بما تخالف الشريعة الإسلامية، كما أنها ترهق الناس بما تفرضه عليهم من أوضاع تخالف الشريعة ويأباها الإسلام أشد الإباء.


وهكذا نستطيع أن نتبين مما سبق أن نقل «القوانين الوضعية» إلى البلاد الإسلامية يخرج بها عن وظيفتها، ويؤدي. إلى إثارة النفوس والإساءة إلى الشعور العام، ويجعل من هذه القوانين أداة صالحة لبعث الفتن ووسيلة ناجحة لنشر الفوضى والاضطراب.


الفَصْلُ الثَّانِي: مَدَى عِلْمُ المُسْلِمِينَ بِشَرِيعَتِهِمْ:
يختلف علم المسلمين بالشريعة الإسلامية باختلاف ظروف حياة كل منهم وثقافته، وهم ينقسمون إلى ثلاث طوائف بحسب علمهم بالشريعة: الأولى، طائفة غير المثقفين، والثانية، طائفة المثقفين ثقافة أوروبية، والثالثة، طائفة المثقفين ثقافة إسلامية:
وسنتكلم عن هذه الطوائف فيم يلي:


١ - طَائِفَةُ غَيْرِ المُثَقَّفِينَ:
وهي تشمل الأميين والمثقفين ثقافة بسيطة لا تؤهلهم لأن يستقلوا بفهم ما يعرض عليهم والحكم عليه حكمًا صحيحًا، وهؤلاء يجهلون الشريعة الإسلامية جهلاً تَامًّا إلا معلومات سطحية عن العبادات، وأكثرهم يؤدون العبادات تأدية آلية، مقلدين في ذلك آباءهم وإخوانهم ومشايخهم، ويندر أن تجد فيهم من يعتمد في تأدية عباداته على دراسته ومعلوماته الشخصية.


ويدخل في هذه الطائفة أغلب المسلمين ولا يقل عدد أفرادها.  عن ثمانين في المائة من مجموع المسلمين في العالم الإسلامي وتتأثر هذه الطائفة تأثرًا كبيرًا بتوجيهات المثقفين، سواء كانت ثقافتهم أوروبية أو إسلامية، ولكنها تنقاد فيما تدرك أنه يتصل بالإسلام إلى توجيهات المثقفين ثقافة إسلامية، لأنهم أقدر من غيرهم على فهم هذه المسائل، أما ما نعجز عن إدراك صلته بالإسلام فهي تخضع فيه لتوجيهات المثقفين ثقافة أوروبية.


ومن السهل أن يسيطر علماء الإسلام على هذه الطائفة سيطرة تامة، يوجهونها توجيهًا صحيحًا، إذا فهموا أفرادها أن كل شيء من أمور الحياة الدنيا يتصل بالإسلام. وأن إيمانهم لن يتم إلا إذا عولجت الأمور الدنيوية جميعًا على أساس من الشرع الحنيف.
ولكن علماء الإسلام في أكثر بلاد الإسلام يهملون هذه الطريقة ذات العدد الضخم، ويتركونها تعم في جهالتها، فتنحرف عن الإسلام، وهي تعتقد أنها على المحجة البيضاء وتعيش في الضلالة. وما أضلها إلا سكوت القائمين على أمر الإسلام. وقعودهم عن الدعوة إليه على أكمل وجه.


٢ - طَائِفَةُ المُثَقَّفَةِ ثَقَافَةً أُورُوبِيَّةً:
تضم هذه الطائفة معظم المثقفين في البلاد الإسلامية وأكثرهم متوسطو الثقافة. ولكن الكثيرين منهم مثقفون ثقافة عالية. ومن هذه الطائفة: القضاة والمحامون، والأطباء، والمهندسون، والأدباء ورجال التعليم، والإدارة، والسياسة.
وقد تثقفت هذه الطائفة عل الطريقة الأوروبية، ولهذا فهم لا يعرفون عن الشريعة الإسلامية إلا ما يعرفه المسلم العادي بحكم البيئة والوسط، وأغلبهم يعرف عن عبادات اليونان والرومان، وعن القوانين والأنظمة الأوروبية، أكثر مما يعرف عن الإسلام والشريعة الإسلامية.


ومن هذه الطائفة أشخاص يعدون على الأصابع في كل بلد لهم دراسات خاصة في فرع من فروع الشريعة، أو في مسألة من مسائلها، ولكنها دراسة محدودة. ويغلب أن تكون دراسات سطحية، وقل أن تجد في هؤلاء من يفهم روح الشريعة الإسلامية على حقيقتها أو يلم إلمامًا صحيحًا باتجاهات الشريعة والأسس التي تقوم عليها.


وهؤلاء المثقفون ثقافة أوروبية، والذين يجهلون الإسلام والشريعة الإسلامية إلى هذا الحد، هم الذين يسيطرون على الأمة الإسلامية، ويوجهونها في مشارق الأرض ومغاربها، وهم الذين يمثلون الإسلام والأمم الإسلامية في المجامع الدولية.


ومن الإنصاف لهؤلاء أن نقول إن أغلبهم على جهلهم بالشريعة الإسلامية متدينون، يؤمنون إيمانًا عميقًا ويؤدون عبادتهم بقدر ما يعلمون وهم على استعداد طيب لتعلم ما لا يعلمون ولكنهم لا يطيقون أن يرجعوا بأنفسهم إلى كتب الشريعة للإلمام بما يجهلون، لأنهم لم يتعودوا قراءتها. ولأن البحث في كتب الشريعة
 
عبد القادر عودة في سطور
  • ولد القاضي عبد القادر عودة سنة 1321هـ/1903مبقرية كفر الحاج شربيني من أعمال مركز شربين بمحافظة الدقهليةبمصرلأسرة عريقة تعود أصولها إلى الجزيرة العربية
  • التحق بكلية الحقوق بالقاهرة، وتخرج فيها عام 1930م، وكان من أول الناجحين.
  • التحق بوظائف النيابة، ثم القضاء، وكانت له مواقف غايةً في المثالية.
  • في عهد "عبد الهادي"قدمت إليه وهو قاضٍ أكثر من قضية من القضايا المترتبة على الأمر العسكري بحل (جماعة الإخوان المسلمين)، فكان يقضي فيها بالبراءة؛ استنادًا إلى أن أمر الحل غير شرعي.
  • وفي عام 1951مأصر عليه (الإخوان المسلمون)بضرورة التفرغ لمشاطرة المرشد أعباء الدعوة، فاستقال من منصبه الكبير في القضاء، وانقطع للعمل في الدعوة، مستعيضًا عن راتبه الحكومي بفتح مكتب للمحاماة، لم يلبث أن بلغ أرفع مكانة بين أقرانه المحامين.
  • وفي عهد اللواء "محمد نجيب"عُين عضوًا في لجنة وضع الدستورالمصري، وكان له فيها مواقف لامعة في الدفاع عن الحريات، ومحاولة إقامة الدستورعلى أسس واضحة من أصول الإسلام، وتعاليم القرآن...
  • وفي عام 1953مانتدبته الحكومة الليبية لوضع الدستورالليبي؛ ثقةً منها بما له من واسع المعرفة، وصدق الفهم لرسالة الإسلام.
  • في عهد عبد الهادي الإرهابي قدمت إليه وهو قاضي اكثر من قضية من القضايا المترتبة على الأمر العسكري بحلّ جماعة الإخوان المسلمينفكان يقضي فيها بالبراءة استنادا إلى أن أمر الحلّ غير شرعي. وفي عام 1951أصر عليه الإخوانبضرورة التفرغ لمشاطرة المرشد العامأعباء الدعوةفاستقال من منصبه الكبير في القضاء وانقطع للعمل في الدعوةمستعيضا عن راتبه الحكومي بفتح مكتب للمحاماة لم يلبث أن بلغ ارفع مكانة بين أقرانه المحامين.
  • وفي عهد اللواء محمد نجيبعيّن عضوا في لجنة وضع الدستور المصري وكان له فيها مواقف لامعة في الدفاع عن الحريات ومحاولة إقامة الدستور على أسس واضحة من أصول الإسلاموتعاليم القرآن. وفي عام 1953انتدبته الحكومة الليبية لوضع الدستورالليبي ثقة منها بما له من واسع المعرفة وصدق الفهم لرسالة الإسلام.
  • استشهد عبد القادر عودة عام 1954م.

النشأة والتكوين

ولد القاضي الشهيد عبد القادر عودة سنة 1321هـ/1903مبقرية كفر الحاج شربيني من أعمال مركز شربين بمحافظة الدقهليةبمصرلأسرة عريقة تعود أصولها إلى الجزيرة العربية، وقد هاجرت إلى الشام وتفرقت في عدة دول مثل فلسطينوشرق الأردنوسيناء، بينما استقر الفرع الذي انحدر منه عبد القادر في محافظة الدقهلية.

وقدمت عائلة عودة العديد من الأسماء اللامعة في سماء الفكر والحضارة، مثل الدكتور عبد الملك عودةأستاذ العلوم السياسية وعبد الغفار عودةنقيب الممثلين الأسبق، وهما أخوان غير شقيقين للشهيد، والدكتور خالد عبد القادر عودةأستاذ الجيولوجيا بجامعة أسيوط.

أكمل عبد القادر عودة دراسته الابتدائية بمدرسة المنصورةسنة 1330هـ 1911م، ثم اشتغل بالزراعة زمنا ثم عاد فواصل الدراسة وحصل على البكالوريا سنة 1348هـ 1929موعلى إجازة الحقوق من جامعة القاهرةبدرجة الشرف سنة 1352هـ 1933موكان من أوائل الناجحين، وعمل بالمحاماة فترة من الزمن، ثم انتظم في سلك النيابة العمومية، ثم عُين قاضيا وتدرج في سلك القضاء حتى صار رئيسا لمحكمة جنايات المنصورة.

تعرف على الأستاذ حسن البناالمرشد الأول لجماعة "الإخوان المسلمين"وكان عبد القادر من أحب الإخوانإلى البنا، وكثيرا ما كان يذكره بالفخر والاعتزاز.

وظل عودة يشغل منصبه في القضاء، فلما تولى الأستاذ "حسن الهضيبي"منصب المرشد العامللإخوان المسلمين، كان عبد القادر أقرب الإخوانإلى قلبه، وفي عام 1370هـ 1951مأصبح وكيلا عاما للجماعة؛

وتبنى قيادة الإخوان المسلمينللعمل الجهادي ضد الإنجليزفي قناة السويس، ثم ألح عليه الإخوانبضرورة التفرغ لمشاطرة المرشد أعباء الدعوة، فاستقال من منصبه الكبير في القضاء، وانقطع للعمل في الدعوة، مستعيضا عن راتبه الحكومي بفتح مكتب للمحاماة، لم يلبث أن بلغ أرفع مكانة

 
 
 
 

شخصنة ضارة

$
0
0

أشرت إلي أهمية التشكيل الوزاري الحالي، ذلك أن القوم يصغون ويرقبون كيفية الاختيار، ونوعية المختارين، وأكدت علي ضرورة وضع مقاييس أساسية أهمها الكفاءة، النزاهة، الوطنية بالطبع، إنها الوزارة الأولي في ولاية الرئيس المنتخب، من المهم جداً تأكيد القيم الموضوعية واختيار الأكفأ، ورغم ثقتي في مقاصد رئيس الوزراء ونواياه، إلا أن الطريقة التي أديرت بها الأمور، تعكس استمرار الرؤية القاصرة القديمة وسلبياتها.

أبدأ بالإخفاء، لا أدري الحكمة من الالتزام به، يحضرني هنا ترشيح سفير الولايات المتحدة إلي مصر، قرأت أنه سيمثُل أمام الكونغرس ليستجوبه الأعضاء ويقفوا علي رؤيته ومهارته، لماذا لم يدع رئيس الوزراء المجلس الأعلي للثقافة علي سبيل المثال ويقف أمامهم المرشحون لتولي منصب الوزارة التي أري أنها في أهمية الوزارات السيادية. جوهر قوة مصر ثقافتها، الاختيار الدقيق هنا ضروري لمرحلة جديدة، نفس الموقف بالنسبة للإعلام، سواء استمرت الوزارة ـ وهذه مخالفة للدستور ـ أو أُنشئ المجلس القومي للإعلام، الإخفاء لا ضرورة له، خاصة أن التسريبات أثارت البلبلة والإحباط، بل الإهانة لأن بعض الأسماء التي ترددت بقوة ليس لها كفاءة ولا خبرة، بل يحيط ببعضها شُبهات. تؤكد الطريقة شخصنة الاختيار، سواء تم من رئيس الوزراء أو من أي شخصية أخري، تردد مثلاً أن الرئيس السابق أوصي علي هذا، وأن ذاك معرفة قديمة، مقاييس مملوكية.

أما رئيس الوزراء فقد أصبح خفياً، حتي مكان إقامته مجهول، من فندق في مدينة نصر، إلي عمارات عثمان في المعادي، إنها نفس الرغبة الناتجة عن متعة ممارسة السلطة، والتي تبدو عند بدء الولاية الجديدة في الزيارات المفاجئة من المسئول الأعلي إلي الموظفين الأدني، منطق «بخ.. أنا الوزير» عندئذ يرتعد الموظف الصغير خوفاً أو متظاهراً بالخوف، وشيئاً فشيئاً يُشبع المسئول الكبير رغبته وتتوقف الزيارات المفاجئة. نفس المنطق في الإخفاء، تأكيد الحضور وأن العملية كلها تتم من خلال شخص واحد، يختار هذا ويُقصي ذاك، الأمر الأخطر أن العملية استغرقت وقتاً طويلاً، كان المفروض إعلان الوزارة والفريق الرئاسي خلال ثمانٍ وأربعين ساعة علي الأكثر، كان المفروض وجود تصور سابق علي التكليف الجديد للوزارة بالاستمرار، وقبل قَسَم اليمين، هذا يعني غياب الرؤية، وهنا أستعيد طول المدة الزمنية الفاصلة بين ثورة الثلاثين من يونيو وتنفيذ الاستحقاقات الثلاثة والتي لم يتم منها مجلس الشعب حتي الآن، كان ممكناً أن يتم هذا كله في أربعة أشهر علي الأكثر، ولكن طول المدة استنفد جزءاً من الطاقة الروحية للشعب، وأسلوب تشكيل الوزارة واختفاء الوزير الأول وفجاجة بعض الأسماء، تسبب في وجود إحباط ويأس من العهد الجديد والوضع العام، بينما تُبحر مصر في بحيرة من اللهب والأخطار

علاقة القانون المدني الفرنسي بالفـقـه المالكي

$
0
0

 

 

علاقة القانون المدني الفرنسي بالفـقـه المالكي  

.....................

اشتملت هذه الورقة على النقاط الآتية:

1.
الإنسان لا يستطيع أن يخترع قانونا يسير أمره وفق المصالح إلا إذا استند على قانون سماوي.
2.
تعريف بالقانون المدني الفرنسي.
3.
تعريف بالفقه المالكي.
4.
العلاقة بينهما، وهذه النقطة تبحث في نشأة هذه العلاقة وزمنها، وذلك يشمل ثلاثة أمور:
-
مكوث المسلمين في جنوب فرنسا، وأخذ الفرنسيين منهم مذهب مالك بطريقين:المدارس، والعادات والأعراف
 
تأثير ابن رشد الحفيد في فقهاء الغرب عامة والفرنسيين خاصة.

جـ ـأمر نابليون بعد غزوه لمصر بترجمة كثير من كتب الفقه الإسلامي إلى الفرنسية والفقه المالكي على الخصوص (الرسالة، ومختصر خليل).

1.

نماذج من الأحكام المتفقه بين القانون والفقه.

2.

ثم ختمت ببعض المقترحات.وهذا أوان التفصيل فأقول والله المستعان:

1.

أحب أن أبين أولا أن الإنسان- مهما كان ذكيا- لا يمكنه أن يهتدي إلى قانون يسير حياته وينظمها في مجتمع تختلط حاجاته وتتضارب إلا إذا استند إلى قانون سماوي، ولذلك نجده منذ خلقه الله سبحانه وتعالى أوحى إليه أوامر ونواهي يسعد بتنفيذها دنيا وأخرى، فإذا تطورت حياة الإنسان وتعقدت تجدد الوحي ـ عن طريق الرسل ـ يبين للبشرية طرق السير من جديد، إلى أن شاء الخالق أن يختم الشرائع بالشريعة الإسلامية جعلها قسمين:

الأولثوابت لا تتغير ولا تتبدل إلى نهاية الكون؛ لأن الخالق علم أنها ـ بهذا الثبات ـ تجلب مصلحة وتدرأ مفسدة على الدوام فجاء الوحي بتفصيلها.

الثانيمتغيرات تخضع للأزمنة والأمكنة، وهذه جعلها الشارع الكريم في صورة مبادئ وكليات عامة، تحمل جلب المصالح ودرء المفاسد، يمكن تنزيل النوازل عليها في جميع الأمكنة والعصور من قبل المجتهدين.

ولما كانت الشرائع السماوية مرتبط تطبيقها بالعقيدة، فقد يقال لنا إن كثيرا من الناس لا يؤمن بالشرائع ومع ذلك أوجدوا القوانين التي ساروا بها وطبقوها في حياتهم، وهنا أقولنحن لا ننكر أن بعض القوانين وجدت وطبقت وهي مخالفة للشرائع السماوية، ولكننا نقول إنه حتى هذه القوانين المخالفة كانت سماوية الأصل، ثم أدخلت عليها التعديلات قليلة تارة، وكثيرة أخرى، حتى إنها لتضاد الشريعة أحيانا اتباعا لهوى واضعيها.

ولذا نجد العقلاء من الأمم المختلفة ممن يريد الخير لأمته يطبق ما جاءت به الشريعة الإسلامية التي لا تخضع لهوى الأشخاص ورغباتهم ـ ولو كان لا يؤمن بسماويتها ـ لما عرفه من استقامتها وصلاحيتها للتطبيق بما ينفع البشرية جمعاء. وهذا الذي فعله نابليون بونابرت (1769 ـ 1821) حيث أمر بترجمة الفقه المالكي ـ على الخصوص ـ واختيار أحكام كثيرة منه ضمنها قانونه الشهير.

2.

نقصد بالقانون المدني الفرنسي تلك البنود Les articles الموجودة في code civil والصادر سنة 1803 وقد اعتمدنا على طبعته الثالثة و الثمانين 1983 ـ 1984 والمعتمدة على طبعته بتاريخ 30 أغسطس 1816.

والقانون المدني الفرنسي أخذ من عدة أصول هي:

أ ـ القانون الروماني، كان معمولا به في جنوب فرنسا إلى سنة 1785.

ب ـ القانون الجرمانيكان معلوما به في الشمال.

جـ ـ القانون الكنسي، وهو قانون الكنيسة الكاثوليكية.

د ـ قانون الملكية المطلقة الذي أمر به لويس الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر.

هـ ـ قانون الثورة.

و ـ الأعراف والعادات خصوصا تلك التي وجدت في الجنوب.

كل هذه ساعدت على عمل هذا القانون المدني الذي أصبح معروفا بكود نابليون.

3.

نقصد بالفقه المالكي تلك الأحكام المبنية على النصوص والاجتهادات التي اعتمدها كبار فقهاء المالكية.

ولابد لنا من إعطاء فكرة موجزة عن هذا المذهب:

في الحقيقة فقه مالك يعتمد كثيرا على فقه الفقهاء السبعة، وفقههم يعتمد على فقه الصحابة وبالأخص فقه عمر، حتى إن بعض العلماء المعاصرين من ذهب إلى فقه هذا المذهب إنما ينسب إلى مالك بنوع من المجاز،وإنما هو فقه عمر الذي فهمه من القرآن والسنة واجتهاداته. ثم إن دور مالك هو تجميعه ونقله إلى تلاميذه.

ومع أني أرى في ذلك نوع مبالغة، فإن قسما من هذا الكلام صحيح.

دون فقه مالك في الموطأ والمدونة التي كتبها سحنون بعد أن صححها على ابن القاسم (تلميذ الإمام)، (191هـ) كما دون في أسمعة تلاميذه الآخرين الكثيرة، والتي صبت ـ بعد ذلك ـ في الأمهات: الواضحة (238هـ) والموازية ( 281هـ) والعتبية (255هـ).

 

ثم جمع هذه الأمهات ابن يونس (451هـ) في كتابه الجامع، واختصره وغيره ابن شاس (616 هـ) في عقد الجواهر الثمينة.

 

واختصر الجواهر ابن الحاجب (646هـ) في كتابه جامع الأمهات، المعروف بالمختصر الفرعي الذي اختصره خليل ابن إسحاق،(767هـ) الذي كان هدفه من الاختصار أن يبقي من أقوال علماء المذهب ما به الفتوى.وأصبح هذا الكتاب وشروحه مع الرسالة لابن أبي زيد القيرواني وشروحها هما المعول عليهما عند المتأخرين، ولا بد من ذكر كتب ابن رشد الجد(520هـ ) المقدمات والبيان والتحصيل، وكتب القرافي (684هـ)الفروق والذخيرة، وشروح خليل التي قاربت المائة.ومختصر ابن عرفة الورغمي التونسي (803هـ)، وكتب النوازل المتنوعة، والمختلفة اختصارا وتطويلا.

 

4.

العلاقة بين القانون الفرنسي والمذهب المالكي:

-

دخل الإسلام الأندلس سنة 93هـ 711م،ووصل إلى ليون في فرنسا وبواتيي.وكان المذهب الفقهي السائد في الأندلس هو مذهب الأوزاعي، إلى أن أدخل إليه مذهب مالك تلميذه زياد بن عبد الرحمن القرطبي المعروف بشيطون (193هـ)، فما أن انتهى القرن الثاني للهجرة حتى ساد مذهب مالك جميع أراضي الأندلس،وأصبح هو المحكم بلا منازعومعروف أن المسلمين بقوا في الأندلس حتى سنة 977هـ 1492م.

وفي حال تواجدهم في الأندلس (أسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا) انتقل مذهب مالك إلى الفرنسيين عن طريقين:

الأولى انتشار المدارس الكبرى في الأندلس ، التي كان يرتادها المسلمون وغير المسلمين من أماكنبعيدة، فمن باب أولى سكان المناطق المجاورةوكان يدرس في هذه المدارس العلوم المختلفة بما في ذلك بطبيعة الحال الفقه المالكي، وخصوصا فتاوى النوازل نذكر منها مثالا واحدا هو :ديوان الأحكام الكبرى لابن سهل (486 هـ) المعروف بنوازل ابن سهل.

 

الثانيةانتشار العوائد الإسلامية في الجنوب الفرنسي فترة طويلة، ومعروف أن قانون العوائد كان معمولا به ومحترما في هذه المنطقة مع أنه لم يكن مدونا، وبقي الأمر كذلك حتى جمعت هذه العوائد في Napoleon code de.

 

-

تأثير ابن رشد الحفيد (595هـ) في الفلسفة الغربية، وفي فلسفة القانون على الخصوص:

لا أريد أن أتحدث ـ هنا ـ عن ابن رشد الفيلسوف الفقيه ومدرسته في هذين التخصصين وإنما أحيل إلى الدراسة الموسعة التي قام بها Brunchvicg عن ابن رشد بعنوان ابن رشد الفقيه Averroes juristeضمن دراسات شرقية مهداة إلى ذكرى Levi Provencal باريس 1962 وإلى كتاب Ernest Renan ابن رشد والرشدية فإن فيهما الكفاية.

 

ومع ذلك فإني أشير إلى أهمية كتابيه: (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) و(فصل المقال بين الحكمة والشريعة من الاتصال) وهذا الأخير يكفي أن ننقل منه قوله(يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسببه بما قاله من تقدمنا في ذلك، وسواء كان ذلك الغير مشاركا لنا، أو غير مشارك لنا في الملة) (فصل المقال ص 26 طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط 3 1986 بيروت).

 

قال ذلك وهو يتحدث عن القياس العقلي، وزاد الأمر توضيحا بتمثيله بآلة الذبح قائلا(فإن الآلة التي تصح بها التذكية لا يعتبر في صحة التذكية بها كونها آلة لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك، إذا كانت فيه شروط الصحة(م.ن).

 

وتبنى هذه الفكر القديس توماس الأكويني فقال:(ينبغي الاطلاع على آراء الأقدمين، لأن في ذلك فائدتينالأولىهي الاستعانة بالرأي الصحيح،والثانية اتقاء الرأي الخاطئ) دعثمان بن فضل:مساهمة ابن رشد في تطوير منطق القانون ومادة القانون المقارن في القرون الوسطى (قراءة حرة لبداية المجتهد) ص 420 ضمن أعمال ندوة ابن رشد فيلسوف الشرق والغرب طبعة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تونس 1999.

 

وقد طبق الأكويني هذه الفكرة فحلل عقود المضاربة ؛ لأن الكنيسة كانت تمنع الربا، ولجأ إلى الحلول العديدة المستندة إلى دليل العقل لتطوير القانونالروماني، ومن هنا تقدم فقه القانون الأوروبي، فكان الشرح على المتون وشرح المتون على المتون (م.ن).

 

جـنابليون يأمر بترجمة الفقه المالكي بعد غزوه لمصر:

كان لغزو نابليون لمصر أهداف عسكرية وأهداف ثقافيةأما الأهداف العسكرية فامتدت ثلاث سنوات،وأما الأهداف الثقافية فامتدت إلى يومنا هذا،وشملت أكثر البلدان العربيةولسنا بصدد التأريخ لذلك، ولكن ما يعنينا من هذه الأحداث أن نابليون أراد أن يستفيد بلده من هذا الغزو استفادة ثقافية ذات اتجاهين:

 

الأول ابتعاث مجموعة من علماء مصر الأذكياء،والذين يمكن التأثير عليهم، إلى باريس لينشروا الحضارة الفرنسية في ربوع بلادهم، واختارهم من العلماء؛ لأن ذلك أسرع في تقليد الشعب لهمفرجع بعضهم يدعو إلى حل الرقص؛ لأنه رياضة ضرورية تنمي الجسم، وأصبحت الدعوة إلى سفور المرأة تنشط شيئا فشيئا.

 

ولسنا بصدد الحديث عن هذا الأمر أيضا فقد كفانا الجبرتي ذلك، فلينظر تاريخه.

الثانيأمر أن تنقل عيون الفقه الإسلامي عموما،والفقه المالكي على الخصوص، إلى فرنسا، حيث ترجمت هناك، واستفيد من مادتها الفقهية.فالرسالة نسخها كثيرة في دار الكتب الوطنية بباريس، وقد طبعت مترجمة إلى الفرنسية سنة 1914هـ ولا شك أن ترجمتها قد سبقت طباعتها بفترة طويلة،وسنعرف ذلك عند جلب نصوص القانون الفرنسي،ومقابلتها بنصوص فقه المالكية، ومترجم هذه الطبعة وتعليقاتها هو Faqnan.

 

وأما مختصر خليل فقد طبع ومعه ترجمة فرنسية للأستاذ Perron سنة 1848 موفي قسنطينة مع ترجمة الأستاذ Seignette سنة 1878 ثم توالت طبعاته وترجماته.

 

وإذا كانت الطباعة قد تمت مع الترجمة في هذا الوقت المبكر، فإن الترجمة نفسها كانت قد سبقت ذلك بوقت كثير(ينظر معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف سركيس 1 /836).

 

وقد صرح بعض العلماء من الغرب بهذه الاستفادة من الفقه الإسلامي، فهذا De Santillana يقول( من الأمور الإيجابية التي اكتسبناها من التشريع العربي (يقصد الإسلامي) هذه الأنظمة القانونيةالعديدة ، من مثل الشركات المحدودة (يقصد القراضagiotage)، وهذه الأساليب المتصلة بالقانون التجاري.

 

وحتى لو نحينا هذا جانبا فمما لا شك فيه أن المعايير الخلقية الراقية لجوانب معينة من هذا التشريع قد ساعدت على إحداث التطوير المناسب لكثير من مفاهيمنا الحديثة). (مقدمة تحقيق المقارنات التشريعية 1/9).

 

5.

نستعرض الآن نماذج من الاتفاق بين مواد من القاون المدني الفرنسي والأحكام الشرعية وفق المذهب المالكي ليتبين لنا بوضوح أنها مأخوذة منه لا العكس، لأن المذهب المالكي سابق في الوجود لقانون نابليون بأكثر من ألف سنة.

6.
 
-

جاء في البند الثاني من Code civil Art.2 page 3:

La loi ne dispose que pour L avenir، elle n a poit d effet retroactif.
 
(لا يطبق القانون إلا على المستقبل، وليس له أي أثر رجعي). وهذا أمر معروف في التشريع الإسلامي، فإن الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم، أو السنة المطهرة ليس لها أثر رجعي إلا فيما له أثر مستمر فيما كان مباحا ثم نهى عنه،فلا يجوز الاستمرار على السابق فيما استمر باقيا، أما إذا انتهى وقته فلا يؤاخذ بالماضي أبداولذلك لم يطلب من المسلمين قضاء ما مضىقبل أن تفرض الصلاة، وكذلك الصيام وبقية الواجباتأما المنهيات فلا بد من التخلص منها،فمثلا من كان تحته أكثر من أربع نسوة حين ورود منع أكثر من ذلك فلا بد للمسلم أن يطلق الباقي.وكذلك إن كان تحته ما حرم من النساء مما لم يكن ممنوعا قبل ذلك، كالجمع بين الأختين فلا بد من فراق إحداهن.

 

وحتى بعد استقرار الأحكام فإن هذا البند ينطبق على أحكام القضاة الاجتهادية فإن حكم الحاكم باجتهاد، لا يسري على القضايا التي حكمت قبله.قال خليل(ولم يتعد لمماثلقال شارحهوإذا حكم الحاكم في جزئية لم يتعد حكمه لمماثل لها) الشرح الكبير 4 / 157.

 

وهو موافق للبند الخامسArt5 page 12:

I est defendu aux juges de prononcer par voie de disposition generale et reglementaire sur les causes que leur sont soumises.  

لا يجوز للقضاء أن يحكموا بنصوص قانونية عامة على النوازل المعروضة عليهم. 

 

-

وفي البند 115 ص 115 (قبل أن يعدل سنة 1977)

(lorsque une personne aura cesse de paraitre au lieu de son domicile ou de sa resedence، et que depuis quatre ans on n en aura point eu de nouvelles، les parties interessees pourront se pourvoir devant le tribunal de grande instance، afin que

l absence soit declaree.

إذا اختفى إنسان عن موطنه أو محل إقامته، وانقطع خبره من أربع سنين جاز لمن لهم مصلحة أن يرفعوا دعوى المحكمة المختصة لتحكم بالغيبة.

 

قال خليل في مختصره (ص 158)(ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي، ووالي الماء وإلا فلجماعة المسلمين فيؤجل الحر أربع سنين إن دامت نفقتها).

 

د ـ

وفي سبب العقد جاء في البند 1131 ص 615.

Lobligation sans cause، ou sur une fausse cause، ou sur une cause illicite، ne peut avoir aucun effet.

وفي البند 1132 ص 616

La convention n’est pas moins valable،quoique la cause n’en soit pas exprimee.

 

وفي البند 1133 ص 616 617 :

La cause est illicite، quand elle est prohibee par la loi ، quand elle est contraire aux bonnes moeus ou a l ordre public.

 

وترجمتها:

الالتزام بدون سبب أو بسبب فاسد أو بسبب غير مشروع فهو باطل لا يترتب عليه أثره.ومع ذلك يكون العقد صحيحا، ولو لم يذكر السبب.

 

يكون السبب محظورا عندما يكون ممنوعا بنص القانون أو مناقضا للأخلاق الحميدة، أو مناقضا للنظام العام.

 

ويقابله عند المالكية كما جاء في الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 3/6:

 

إلا إن أجبر العاقد عليه (أي البيع) وكذا على سببه جبرا حراما، وهو ما ليس بحق فيصح ولا يلزم، ورد عليه ما جبر على بيعه أو على سببه.

 

ومعروف في الشريعة الإسلامية أن العقود لا تتوقف صحتها على ذكر أسبابها.

 

ومعروف أيضا أن السبب عندما يكون حراما يبطل العقد، وقد مر بنا ما في الشرح الكبير.

 

د ـ

وفي البند 1583

إذا حصل التراضي على الثمن والمثمن، ولو لم يحصل قبض السلعة والثمن،

تم البيع بين المتعاقدين، وثبت ملك المبيع لمشتريه.

 

قال خليل في مختصره ص 168(ينعقد البيع بما يدل على الرضا، وإن بمعاطاة وببعني فيقول بعت،وبايتعت أو بعتك ويرضى الآخر فيهما).

 

وفي النهاية نقولإن نقاط الالتقاء كثيرة بين القانون الفرنسي والمذهب المالكي، ولا يمكن أن يكون ذلك مصادفة، وإنما أخذت هذه الدراسة عينات قليلة لضرورة الوقت، ونحيل من يريد أن يعرف التفاصيل ـ في معظم البنود ـ على الدراستين القيمتين،للأستاذين الجليليينمخلوف بن محمد البدوي المنياوي، في كتابه (المقارنات التشريعية) المطبوع في جزأين سنة 1999، وسيد عبد الله في كتابه (المقارنات التشريعية) المطبوع في أربعة أجزاء سنة 2001 م، وكان قد طبع سنة 1947 م.

 

وأما نقاط الاختلاف فهي كثيرة أيضاوضابطها أن كل مسألة يرجع الحكم فيها إلى الحل والحرمة ولها ارتباط في العقيدة فهي مختلفة في كلا الفقهين.

 

خاتمــة:

يمكننا أن نقول إن القانون المدني الفرنسي خصوصا قبل تعديله متأثر إلى حد كبير بالأحكام الفقهية حسب المذهب المالكيولذا أدعو أن تكثر الدراسات المقارنة وأن تتعمق حتى تتضح الصورة أكثر، وما ذلك بصعب إذا كونت لجنة من الفقهاء ورجال القانون، وتوفرت الظروف المناسبة حتى تكتمل الفائدة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المصادر :

1.

ابن رشد فيلسوف الشرق والغرب ندوة عقدت في تونس بإشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوممنشورات المجمع الثقافي أبو ظبي الطبعة الأولى 1999 م.

2.

الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير بحاشية الشيخ محمد عرفة الدسوقي طبعة دار إحياء الكتب العربية القاهرة دون تاريخ.

3.

فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال لابن رشد الحفيد المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط3 1986.

4.

مختصر العلامة خليل بن إسحاق الجندي دار الشهاب الجزائر دون تاريخ.

5.

المقارنات التشريعية ( تطبيق القانون المدني والجنائي الفرنسي على مذهب مالك ) للشيخ مخلوف بن محمد البدوي المنياوي تحقيق محمد أحمد سراج وعلي جمعة محمد دار السلام ـ القاهرة الطبعة الأولى 1999 م.

6.

المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية والتشريع الإسلامي ( مقارنة بين القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه ) ـ للشيخ سيد عبد الله علي حسين تحقيق عبد الله سراج، وعلي جمعة محمددار السلام القاهرة الطبعة الأولى 2001 م.

7.

ندوة الإمام مالك وزارة الأوقاف المغربية ( 1980 ) جـ3 ص 193 ـ 213القانون المدني الفرنسي مأخوذ من مذهب مالك للأستاذ منهل الصديق العلوي.

8.
Code civil، Jurisprudence generale Dalloz. 1983 _ 1984

ولماذا يكرر البعض بعض الأخطاء؟

$
0
0

ما أهتمت واشنطن ودول أوروبا في يوم من الأيام بأحداث الأمتين العربية والإسلامية. وما أعاروا يوماً أي اهتمام للصوت العربي أو الاسلامي .ولم يؤرقهم في يوم من الأيام غياب قيم الحرية والديمقراطية, أو مجريات ونتائج الانتخابات في أي دولة من الدول العربية والإسلامية. فكل ما يهمهم أن تكون مثل هذه مواد دسمة لإعلاميهم والإعلاميين المحسوبين عليهم من العرب, يتداولونها إعلامياً وسياسياً, لتسيسها, وإلباسها لبوس ديني وطائفي و مذهبي قومي أو علماني. لتسهيل توظيفها أسباباً ومسببات لتدخلهم بشؤونهم الداخلية, وفرض الهيمنة عليهم, أو استعمار أوطانهم.  لخدمة مصالحهم ومصالح إسرائيل وبقائها وتعزيز أمنها فقط. والكاتب سيد أمين نشر مقال عن الشكل الذي يستعمر الغرب عالمنا العربي والإسلامي, جاء فيه: ولما تنازلت بريطانيا عن مستعمراتها القديمة لأمريكا عام 1951م ارتأت الأخيرة أن نظام الاستعمار العسكري القديم لم يعد مناسبا لروح العصر فضلا عن أنه باهظ التكلفة المادية والأخلاقية فراحت تتبنى هذا النوع من الاستعمار الحديث فيما يعرف بـ"النفعية والواقعية السياسية"بحسب مؤسسه "نيقولا ميكافيلي". وكان ميكافيلي قد سرد لأميره ثلاثة وسائل لغزو إحدى الإمارات المجاورة , وسرد مع كل وسيلة عيوبها.نصحه بتجريد قوة كبري لغزو تلك الإمارة , لكنه حذره من حدوث انقلاب عليه في الداخل فيكون قد كسب أرضا جديدة وخسر أرضه القديمة.وعرض عليه أن يجرد حملة كبري بقيادة قائد الجيش ليغزو تلك البلاد , لكنه حذره من ان ينشق هذا القائد فيكون قد انفق أمواله وجيشه  على جيش العدو الجديد.وفي ثالثة الاقتراحات ,عرض عليه إن يذهب بجزء من قواته ليغزو تلك الإمارة فيستذل أكارمها وأغلبيتها, ويدلل حقراءها وأقليتها وينصَّب منهم حاكماً على البلاد بعد أن يجهز لهم حامية عسكرية تتبعه للتدخل وقت الحاجة , وقال له أن هؤلاء سيناصبون شعبهم العداء , وسيقمعونه بأبشع ما يمكن أن تقمعهم أنت به , وسينهبون ثرواته ويعطونها لك تقربا إليك لأنهم سيحتاجونك دوماً لقمع شعبهم, فضلا عن أنهم لو انتكسوا بفعل ثورة عارمة فلن يطالك من الانتكاسة شيء ويتحمل هؤلاء الخسارة كلها.فالإسلاميون لا يسمح لهم بالوصول للسلطة  وإن وصلوا سيقصون بانقلاب. والقوميون لن يحكموا وإذا حكموا سيقتلون وينتكسون كما حدث مع جمال عبد الناصر وغيره, والأغلبية مغيبة ولا يسمح بدور لها. والدساتير الملغمة بالمحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية والأثنية, وحكم الأسر للدول والامارات وراثياً بدساتير وأعراف,  أسلوب واشنطن في استعمار واستعباد وإذلال الشعوب.

 

لم ينسى أحداً  كم سمع من زعماء  وساسة واشنطن  واوروبا ديباجات المدح والإطراء على بعض الزعماء والساسة المسلمين والعرب. ولكنهم حين سقطوا  لم يتأسفوا عليهم, ولا ذرفت مقلهم بدمعة. وإنما انهالوا عليهم بمناقيرهم الحادة أو أنيابهم القاطعة و مخالبهم يمزقونهم أرب أرب. ويحملونهم مسؤولية ما حدث, لأنهم هم السبب. ومن هذه الأحداث:

 

·       وطد نظام الرئيس صدام حسين  علاقاته بتركيا وقدم لها خدمة جليلة حرم منها سوريا, أو لبنان وسوريا. حيث مد خط نقل النفط العراقي عبر الأراضي التركية إلى مينائها جيهان على البحر الأبيض المتوسط. فكافأته تركيا بتشديد الحصار عليه, وشاركت في حرب الخليج الثانية ضد نظام الرئيس صدام حسين. وفتحت مجالها الجوي لقوات الغزو الامريكي على العراق في حرب الخليج الثالثة، وفتحت المجال الجوي التركي للمقاتلات الامريكية المنطلقة من قواعدها العسكرية في تركيا لتأمين عمليات غزو واحتلال العراق  من قبل القوات الامريكية في حرب الخليج الثالثة. فعشق وهيام الأنظمة التركية المتعاقبة منذ تسعة عقود بواشنطن. ليس له حدود. و بعد عقد على الاحتلال الأميركي للعراق استفاقت تركيا لتجد أن  محصول هذا الغزو والاحتلال من سنابله وثماره من حصة إيران, و حصة تركيا القش والأوراق الصفراء.  

 

·       وطدت سوريا والعراق علاقاتهما مع الجارة المسلمة تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان. وتكثفت الزيارات بين انقرة وبغداد ودمشق واستانبول. فكافأتهما تركيا بإتمام مشاريع سدود الفرات ودجلة, والتي تشمل أكثر من ٢٠ سداً مدعومين من 67شركة اسرائيلية. وهدف إسرائيل التضييق على العراق وسوريا ومصر عبر مساهمتها بمشروع سد النهضة الاثيوبي. فتضرر العراق وسوريا والسودان ومصر. فحققت إسرائيل هدفها وكان العداء من حصة تركيا.

 

·       ساهمت تركيا بالدفاع عن أمن واشنطن وأوروبا وحلف الناتو. و اندفعت مع بعض الأنظمة العربية والاسلامية لتبرير غزو واحتلال كل من أفغانستان والعراق. وشاركت  تركيا عسكرياً مع واشنطن  في  هذا الغزو والاحتلال. ووعدت حكومة  أردوغان بأنها ستضغط بقوة على أوروبا لقبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. فانسحبت من واشنطن من العراق مهزومة, وتعد العدة للهرب من أفغانستان هذا العام مهزومة مدحورة. وتتفاوض مع إيران وتوكل أمر تفاوضها مع حركة طالبان إلى  قطر لتسهيل عملية  هروب قواتها وقوات حلفائها. فجنت إيران كافة محصول ثمار الغزو الأميركي لأفغانستان. وكان من حصة تركيا توتر علاقاتها مع طالبان, وعداء نظام قرضاي لها في أفغانستان. والاتحاد الأوروبي رفض عضويتها في الاتحاد الأوروبي. وواشنطن انبتها لأنها طلبت اعتذار إسرائيل على عدوانها على سفينة مرمرة وبقية السفن وقتلها اتراك, شاركوا مع عرب ومسلمين وأجانب لكسر الحصار المفروض على  قطاع غزة.

 

·       عقد حلف الناتو اجتماعاً في استانبول عام 2004م, وأعلن قادة الحلف عن مبادرة أطلقوا عليها تركيا والشرق الأوسط الجديد. وتم تحديد دور تركيا في الخريطة الجديدة للمنطقة, ورُسم النفوذ العثماني لها، وكيفية تصدير صورة إعلامية عالمية جيدة عن حكم حزب العدالة والتنمية التركي بميوله واتجاهاته الإسلامية في تركيا. وكلفت قطر ووسائط إعلامها و فضائيتها ومنها فضائية الجزيرة على تلميع صور الحكومة  التركية وحزب العدالة والتنمية, والاشادة بشخصية رجب طيب أردوغان ومزاياه ووجدت تركيا و أردوغان وحزبه منتهى غايتهم في نتاج ثورات الربيع العربي.  ولكن فرحتهم لم تطل بسبب إسقاط نظام جماعة حكم الإخوان المسلمين في مصر. ومحاربة واشنطن  وحلفائها والرياض والقاهرة لجماعة الإخوان المسلمين وصدور أوامر بحظرها وتصنيفها كجماعة إرهابية, ومحاصرة قطر خليجياً بسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين. فخرجت تركيا من طواحين الربيع العربي  بلا طحين و رأسها  متصدع من جعجعة أحجارها. وتوترت علاقاتها مع  جيرانها العراق وسوريا وإيران وأرمينيا وروسيا, ومصر وواشنطن وإسرائيل والصين. وحليفتها قطر منبوذة ومحاصرة.  وحتى واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي راحوا ينظمون لها ملف اتهام بدعمها الارهابين وتسهيل سفرهم إلى تركيا  للمشاركة بالجهاد والقتال في العراق وسوريا وليبيا وتونس والجزائر و الصين وروسيا. وأن هؤلاء الإرهابيون سيشكلون خطر  على أمن أوربا وأمن واشنطن.

 

·       والغزو الأميركي للعراق دمر البنى التحتية عن قصد. و عمد إلى خطف وقتل علماء العراق. وسيق عشرات الألوف من العراقيين إلى سجون واشنطن السرية في دول العالم بهدف استجوابهم  للحصول عن المعلومات عن المنشآت العلمية العراقية والمقاومة العراقية.  وتنصيب حكام أميركيين للعراق شرعوا  دستور محاصصة طائفية وأثينية للعراق. وإيقاد نار الفتنة بين الطوائف والمذاهب وبقية شرائح المجتمع العراقي.

 

·       وواشنطن وحلفائها  تسرهم  الحرب الاعلامية  الدائرة بين فضائيتي العربية والجزيرة. فالفضائيتين رغم ترويجهما للسياسات الأميركية متهمتين من واشنطن وحلفائها بدعم الارهاب إبان الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق. واعتقلت بعض مراسليهم وأودعتهم سجن غوانتانامو دون أن تعلمهما بما حصل. ومراسلوها مطاردون في كثير من الدول, ومكاتبهما محظورة في بعض الدول. وموقع آفاق مصرية, نشر خبراً, جاء فيه: فضائيتي الجزيرة  وال TRTقامت بإعداد  بعض الكوادر الإعلامية في الشرق و الغرب المحسوبة على التنظيم الدولي لجماعة الاخوان, و تزويدهم ببرامج تدريبة وأفلام وثائقية جديدة, تبرز للعالم ان ما حدث في مصر هو انقلاب, وأن ما يحدث من في شرق السعودية ثورة شعب. وأن ائتلاف ١٤ شباط وسرايا الأشتر حركات سياسية سلمية. وأن معتقلي جماعة الإخوان بالكويت والامارات قمع حريات ومناقض الديمقراطية.  وهي الأمور التي تم اعتمادها في مؤتمر - العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب - الذي عقد مؤخراً باستانبول بدعم من الأمير تميم حاكم قطر. والذي اشرف على تنظيمه المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين بالمشاركة, مع منتدى المفكرين المسلمين ( كلاهما محسوب على جماعة الإخوان ). وبحضور قيادات حزب العدالة والتنمية, ومندوبين من ٢٠٠ منظمة من مختلف الدول العربية والإسلامية تابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان .  وربما  هذا التصرف من  قطر وتركيا دفع بدول مجلس التعاون الخليجي لسحب سفرائهم من قطر, وتوظيف وسائط إعلامهم وفضائية العربية للنيل من تركيا وقطر, وحتى تكذيب معظم ما تنشره فضائية الجزيرة. وترويج  جهات اعلامية مجهولة لمقاطع يوتيوب على الانترنيت تثبت علاقة بعض مراسلو الجزيرة بعناصر إرهابية. وترد الجزيرة  على هذه التهم بأنها مقاطع مزيفة جرى التلاعب بأصوات بعض إعلامي الجزيرة فيها بالصوت والصورة. وفضائية العربية متهمة من قبل البعض بالتآمر على المسلمون السنة والشيعة.

 

·       والدكتور يحيى أبو زكريا في حواره مع موقع دام برس, قال:  الذي دشّن قناة الجزيرة هو من كبار أساطير الحركة الصهيونية في بعديها الفكري والسياسي والعرب لم يتساءلوا أبدا عن حقيقة هذا الأمر. بل كان ريفلي الذي يسكن في نفس المكان الذي يقيم فيه فيصل القاسم حيث يتناقشان في بعض عناوين الاتجاه لمعاكس. و ريفلي في كتابه عن العلاقات الاسرائيلية والقطرية, قال: كنا نتدخل في وضع أجندات قناة الجزيرة الوسيلة الإعلامية كانت جاهزة.  وقناة الجزيرة أعطيت أمراً بأن تتبنى القضايا و الملفات العربية. والعرب ملفاتهم تكاد تكون محصورة في القضية الفلسطينية و المقاومة. فتبنت هذين الأمرين لكسب الصدقية. ولقد دعيت ذات يوم إلى الدوحة لتوقيع عقد معها, فدعوت الله أن يرني إن كان فيها صلاح لنهجي و فكري فإذا بي أرى في عالم الرؤية أنني داخل القناة و زملائي من المارينز الأمريكي و هذا ما دفعني لجمع المعلومات و تبين لي أنها عبارة عن دولتين دولة العمال الصحفيين ودولة شخصيات عالمة بمجريات الأمور ومرتبطة مباشرة بحمد آل ثاني و بالتالي مرتبطة بالاستخبارات الأمريكية. وهنا أقول للتاريخ أن عزمي بشارة كان واحدا من كبار الجواسيس وكنت أطالبه دوما بتمزيق جواز سفره الاسرائيلي و كان دوما يرفض ........ فعدت إلى تاريخ عزمي بشارة  ووجدت أنه هو من قال: إذا أراد الموساد أن يخترق دوائر المقاومة عليه بعرب ثمانية و أربعين وحملة الفكر القومي لأنه لا يمكن  أن تخترق دائرة معينة دون أن تكون منها. والغريب أن من تناولهم يحي أبو زكريا بالاتهام  ألتزموا الصمت ولم يردوا عليه دفاعاً عن انفسهم تجاه هذه التهم.

 

·       والدكتور وليد البني نشر مقال في موقع كلنا شركاء, كشف فيه عن ما يحصل في سوريا, حيث قال:  داعش والقاعدة والتنظيمات المشابهة لن تستطيع أن تجد أرضية شعبية تمكنها من السيطرة على سوريا كما حصل في أفغانستان أو الصومال، لذلك فالصوملة أو الأفغنة مستبعدة، رغم إمكانية استمرارها في القتل والتدمير. فوجودها يبدو أنه يخدم طرفي الصراع الخارجيين المهيمنين على القرار السوري بشقيه. فهي من ناحية تشكل استدراجاً لمزيد من توريط حزب الله، ولمزيد من استثارة العصبيات الطائفية. ومن ناحية تجمع كل متطرفي القاعدة في مكان واحد ويتم التخلص منهم بالدم اللبناني السوري والمال الإيراني، ويخف وجودهم في الشيشان وهذا يريح روسيا أيضاً. وأخيرا وجودهم يُظهر الثورة السورية وكأنها حركة دينية متطرفة تريد السيطرة على سوريا لإعادتها الى العصور الوسطى... .. ويجب العمل على تقصير مدة هذه الحرب ما أمكن وبكل الوسائل الممكنة، لأن أي خسائر بشرية تقع هي خسارة لكل سوريا وأي تهديم للبنية التحتية سيدفع ثمنه جميع السوريين. .... ومؤسسات المعارضة القائمة ونتيجة فقدانها لقرارها المستقل وسيطرة الأشخاص الأكثر قابلية للاستتباع، وما يشاع عن فساد وإفساد فيها، لن تكون عامل مساعد على إنهاء المأساة السورية....... وصاحب المصلحة الأوحد في إيقاف النزيف السوري هم السوريون بمختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والسياسية وبغض النظر عن كونهم معارضين, أو موالين يريدون بقاء النظام خوفا من ظلام القاعدة وداعش وإجرامهما، أو مترددين واناس عاديين محايدين كل ما يريدونه هو العيش بأمان وتربية أطفالهم بعيدا عن الموت والتشرد. وهذا معناه أن الأزمة السورية طويلة, وأن سوريا  والعراق ساحتين  للحرب على الإرهاب. وأن تصريحات مسؤولي الكثير من الدول  والدول الكبرى بشأن إيجاد حل للأزمة السورية ودعم  فصائل المعارضة إنما هو ذر للرماد في العيون.

 

 

ورغم مواقف واشنطن وحلفائها الغير عادلة من  قضايا المسلمين والعرب. ومتاجرتها الرخيصة بقضاياهم المصيرية.  ودعمها المطلق لكل عدون إسرائيلي على الفلسطينيين والمسلمين والعرب, واعتراضها على كل مصالحة وطنية.  مازال البعض يتسول دعمها ومساعدتها, أو يستجدي توطيد العلاقات معها. أو يقصدها كي ترسم له خارطة طريق لحل  مشكل  داخلي أو خارجي أو إشكال لقضية غربية أو إسلامية. أو  يفاخر  بزياراته إليها ولقائه بأي مسؤول أمريكي, وسعيه الدؤوب لعقد صفقات تجارية وعسكرية  معها بمليارات الدولارات. 

الإستشراق والمستشرقون-1

$
0
0

الإستشراق والميتشرقون

للكاتب مصطفى السباعى

تقديم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فإن لمن المؤسف حقاً، أن يقف المسلم أمام تاريخه العظيم خجلاً، مطأطئ الرأس، لا يدري كيف يوفق بين ما يعرفه عن تمسك الصحابة (رضوان الله عليهم) والتابعين وتابعيهم بهذا الدين، وتفانيهم في خدمته على كافة المستويات، وبين هذه الصورة القاتمة المظلمة في صفحات هذا التاريخ، فيقف هذا الموقف الذي لا يليق برجل العقيدة في حال من الأحوال.

والسبب في هذا كما هو معلوم أنه عبثت بتاريخنا أريدٍ خبيثة، ودونته أخرى غير أمينة، ولا يراد من ذلك إلا تشويه حقيقة تاريخ هذه الأمة، وتشكيكها في قدرتها على تأدية رسالتها، وحملها إلى البشر كلهم. إننا حين نقرأ التاريخ الذي يتعلمه أبناؤنا، ويدرسونه في المدارس والجامعات، نرى بوضوح أثر هذه الحملة المسعورة ضد أمتنا المسلمة وتاريخها المشرق، والذي يسهر على تنفيذها وتطبيقها أبناؤنا الذين رباهم المستشرقون، وأرضعوهم من ألبانهم، ونفثوا السموم في عقولهم حتى أصبحوا أدوات طيعة في أيدي أسيادهم، يقولون بألسنتهم ما يشاءون، وينفذون عن طريقهم كل ما يحلو لهم، ويمليه عليهم حقدهم الدفين. ولنأخذ مثلاً على ذلك فترة الحكم العثماني للوطن العربي، فنجد فيما يحكى عن هذه الفترة العجب العجاب، فليس الأتراك المسلمون في نظر هؤلاء إلا مستعمرين لبلادنا ممتصين لخيراتنا، وليست رابطة العقيدة التي حملوا لواءها إلا قناعاً، نفذوا من خلاله مآربهم وأطماعهم الاستعمارية. وقد صور لنا هؤلاء الحضارة الإسلامية تصويراً كاذباً مبايناً للواقع كل التباين، وما ذلك إلا ليهونوا من شأنها، وليحتقروا منجزاتها التي قدمتها للبشرية، ليهون بعد ذلك الإسلام في نفوس أتباعه، وليحتقره أيضاً. هذا ولم يقتصر اهتمام المسشترقين والمستغربين على دراسة التاريخ الإسلامي وتشويهه، بل تعداه إلى الدراسات الإسلامية من تفسير وحديث وفقه، فحرفوا النصوص حيناً، وأساءوا فهمها حين لم يجدوا المجال لتحريفها. وإنه لمن المؤسف أيضاً أن تكون كتبهم قد بحثت في كل ما يتصل بالإسلام والمسلمين من تفسير وحديث وفقه وأدب وحضارة وسكان و...،فأصبحت كتبهم هذه المراجِعَ الأولى لطلبة العلم المتخصصين في المعاهد والجامعات العالمية، وأصبح هؤلاء هم حملة آراء وأفكار أسيادهم كما تقدم. لهذا كله وغيره كثير تصدى بعض علماء المسلمين الذين يغارون على هذا الدين وأمة القرآن العظيم: تصدوا لمحاولات المستشرقين وفضحها وكشفها للناس على حقيقتها. هذه الرسالة الصغيرة في حجمها، العظيمة في معانيها هي بعض ما كتبه والدي الشيخ مصطفى السباعي طيب الله ثراه حول هذا الموضوع، وكان ينوي توسيعه والزيادة فيه، لما لهذا البحث من أهمية بالغة وخطورة كبيرة. وقد سبق أن نشرت بعض محتويات هذه الرسالة[1] في مجلة "حضارة الإسلام"وكتاب "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي"،وقد وافته المنية قبل أن يحقق ما كان يأمله، فأصبحت أمانة في عنق العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، والغيورين عليها.

 

فرحمه الله رحمة واسعة، وأمطره سحائب الرحمة والرضوان، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

حسان مصطفى السباعي

 

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستشراق والمستشرقون بحث لم يعن أحد من الكاتبين بأمرهما عناية علمية واسعة تبحث عن تاريخ الاستشراق وأهدافه ومراميه وحسناته وسيئاته، وعن المستشرقين وطوائفهم وأعمالهم وما أصابوا وما أخطأوا فيه من أبحاث ومؤلفات، وكل ما كتب في هذا الموضوع لا يخلو عن أن يكون تمجيداً لهم مثل كتاب "المستشرقون"للأستاذ نجيب العقيقي، أو أن يكون كشفاً موجزاً عن أهدافهم التبشيرية والاستعمارية، وأهم بحث في هذا الشأن محاضرة قيمة للأستاذ الدكتور محمد البهي المدير العام للثقافة الإسلامية في الجامع الأزهر ألقاها في قاعة المحاضرات الكبرى الأزهرية. وقد أفرط منا أناس في الثقة بهم والاعتماد عليهم والثناء المطلق على جهودهم ويمثل هؤلاء المعجبين بهم الدكتور طه حسين من أوائل تلاميذ المستشرقين في تاريخنا الأدبي المعاصر، حيث يقول في مقدمة كتابه "الأدب الجاهلي":

"وكيف تتصور أستاذاً للأدب العربي لا يلم ولا ينتظر أن يلم بما انتهى إليه الفرنج (المستشرقون) من النتائج العلمية المختلفة حين درسوا تاريخ الشرق وأدبه ولغاته المختلفة، وإنما يلتمس العلم الآن عند هؤلاء الناس، ولا بد من التماسه عندهم، حتى يتاح لنا نحن أن ننهض على أقدامنا، ونطير بأجنحتنا، ونسترد ما غلبنا عليه هؤلاء الناس من علومنا وتاريخنا وآدابنا".

ولا ريب في أن هذا الكلام يمثل دوراً من أدوار العبودية الفكرية التي مررنا بها في مطلع نهضتنا العلمية والفكرية الحديثة، وهذه العبودية تتمثل في كتاب الدكتور طه حسين نفسه "الأدب الجاهلي"الذي كان ترديداً مخلصاً لآراء غلاة المستشرقين المتعصبين ضد العرب والإسلام أمثال "مرجليوث"الذي نقل آراءه، كلها في كتابه "الأدب الجاهلي"ونسبها إلى نفسه وليس له في الكتاب رأي جديد نتيجة بحث علمي قام به أو تعب في سبيله. ويمثل هؤلاء أيضاً الأستاذ أحمد أمين في كتابيه "فجر الإسلام"و "ضحى الإسلام"وقد بينت ما في فصل "الحديث"من كتاب فجر الإسلام من سرقة لآراء المستشرقين دون أن ينسبها إليهم في كتابي الذي صدر حديثاً "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي". ومن هؤلاء أيضاً الدكتور علي حسن عبد القادر في كتابه "نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي"وهو ترجمة حرفية لما كتبه جولد تسيهر في كتابيه "دراسات إسلامية"و "العقيدة والشريعة في الإسلام"وكذلك كان كسابقيه غير أمين حين نسب هذه الآراء إلى نفسه ولم ينسبها إلى أساتيذه المستشرقين. والدكتور علي حسن عبد القادر يشغل الآن منصب مدير المركز الثقافي الإسلامي بلندن على ما بلغني ولقد كانت لي معه قصة أجد من الخير ذكرها هنا، لما فيها من العبرة... وهي التي كانت سبباً في تأليفي لكتاب "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي". وقبل أن أروي قصتي معه أحب أن أعترف بفضله ودماثة خلقه واعترافه بالحق حين يظهر له...

 

ولما كنا طلاباً في السنة الثانية والثالثة في قسم تخصص المادة في الفقه والأصول وتاريخ التشريع "العالمية من درجة أستاذ"في كلية الشريعة، وكان ذلك عام 1939م، عينت مشيخة الأزهر في عهد الشيخ المراغي رحمه الله الدكتور علي حسن عبد القادر أستاذاً لنا يدرس تاريخ التشريع الإسلامي، وكان قد أنهى دراسته في ألمانيا حديثاً، وهو مجاز من كلية أصول الدين في قسم التاريخ، ومكث في ألمانيا أربع سنوات حتى أخذ شهادة الدكتوراة في قسم الفلسفة على ما أذكر. كان أول درس تلقيناه عنه أن بدأه بمثل هذا الكلام: إني سأدرس لكم تاريخ التشريع الإسلامي، ولكن على طريقة علمية لا عهد للأزهر بها، وإني أعترف لكم بأني تعلمت في الأزهر قرابة أربعة عشر عاماً فلم أفهم الإسلام ولكني فهمت الإسلام حين دراستي في ألمانيا، فعجبنا نحن الطلاب من مثل هذا القول وقلنا فيما بيننا: لنستمع إلى أستاذنا لعله حقّاً قد علم شيئاً جديراً بأن نعلمه عن الإسلام مما لا عهد للأزهر به، وابتدأ درسه عن تاريخ السنة النبوية ترجمة حرفية عن كتاب ضخم بين يديه، علما فيما بعد أنه كتاب جولد تسيهر "دراسات إسلامية"وكان أستاذنا ينقل عبارته ويتبناها على أنها حقيقة علمية، واستمر في دروسه نناقشه فيما يبدو لنا نحن الطلاب أنه غير صحيح، فكان يأبى أن يخالف جولد تسيهر بشيء مما ورد في هذا الكتاب، حتى إذا وصل في دروسه إلى الحديث عن الزهري واتهامه بوضع الأحاديث للأمويين ناقشته في ذلك بحسب معلوماتي المجملة عن الزهري من أنه إمام في السنّة، موضع ثقة العلماء جميعاً فلم يرجع عن رأيه، مما حملني على أن أطلب منه ترجمة ما قاله جولد تسيهر عن الزهري تماماً، فترجمه لي في ورقتين بخط يده، وبدأت أرجع إلى المكتبات العامة للتحقيق في سيرة الزهري وفي حقيقة ما اتهمه به هذا المستشرق، ولم أترك كتاباً مخطوطاً في مكتبة الأزهر وفي دار الكتب المصرية من كتب التراجم إلا رجعت إليها ونقلت منها ما يتعلق بالزهري، واستغرق ذلك ثلاثة أشهر كنت أشتغل فيها منذ مغادرتي كلية الشريعة بعد الدرس حتى أواخر الليل، فلما تجمعت لدي المعلومات الصحيحة، قلت لأستاذنا الدكتور عبد القادر: لقد تبين لي أن جولد تسيهر قد حرّف نصوص الأقدمين فيما يتعلق بالزهري، فأجابني بقوله: لا يمكن هذا، لأن المستشرقين وخاصة جولد تسيهر قوم علماء منصفون لا يحرفون النصوص ولا الحقائق!.. عندئذ أزمعت على إلقاء محاضرة في الموضوع في دار جمعية الهداية الإسلامية قرب سراي عابدين قديماً وأرسلت إدارة الجمعية بطاقات الدعوة لهذه المحاضرة إلى علماء الأزهر وطلابه، فاجتمع يومئذ عدد كبير منهم ما بين أساتذة وطلاب، ومن بينهم أستاذنا الدكتور عبد القادر الذي رجوته حضور هذه المحاضرة، وإبداء رأيه فيما أقول، فتفضل مشكوراً بالحضور، وأصغى إلى المحاضرة كلها التي كانت تدور حول ما كتبه جولد تسيهر عن الإمام الزهري، وختمتها بقولي: هذا هو ما أراه في هذا الموضوع، وهذا هو رأي علمائنا في الزهري فإن كان لأستاذنا الدكتور عبد القادر مناقشة حول هذا الموضوع إن لم يقتنع بما ذكرته، فأرجو أن يتفضل بالكلام، فنهض الدكتور حفظه الله وقال بصوت سمعه الحاضرون جميعاً: إني أعترف بأني لم أكن أعرف من هو الزهري حتى عرفته الآن، وليس لي اعتراض على كل ما ذكرته، وانفض الاجتماع، ثم دخلنا إلى غرفة الأستاذ السيد الخضر حسين رحمه الله رئيس الجمعية الأستاذ الأكبر للجامع الأزهر فيما بعد فكان مما قاله لي أستاذنا الدكتور حفظه الله وكان ذلك بحضور السيد الخضر حسين رحمه الله - : إن بحثك هذا فتح جديد في بحوث المستشرقين، وأرجو أن تعطيني نسخة من هذه المحاضرة، لأبعث بها إلى المجلات العلمية التي تعنى ببحوث المستشرقين في ألمانيا، وإني أعتقد أنها ستحدث دويّاً في أوساط المستشرقين، فشكرته على ذلك واعتبرته تشجيع أستاذ لتلميذه. وبعد أيام دعاني لزيارته في البيت، فكان مما اتفقنا عليه أن نتفرغ معاً في الصيف لترجمة كتاب جولد تسيهر والرد عليه، ولكني اعتقلت بعد ذلك من قبل السلطات العسكرية الإنجليزية في القاهرة في بدء قيام الحرب العالمية الثانية، وأقصيت عنها سبع سنوات، وفي خلال هذه الفترة أصدر الدكتور عبد القادر كتابه "نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي"ولم يتح لي الاطلاع عليه إلا بعد ثلاث سنوات حين أفرج عني في أواسط الحرب الأخيرة.

 

هذه هي قصتي مع الدكتور علي حسين عبد القادر، وأظن أنه عدل عن رأيه السابق في المستشرقين وخاصة جولد تسيهر، وبدّل رأيه في أمانته وإخلاصه للحق وعدم تحريفه للنصوص.

 

ويقابل هذا الاتجاه المفرط في الثقة ببحوث المستشرقين اتجاه يحمل على المستشرقين واتجاهاتهم المغرضة المفرطة في التعصب، ويمثله قول أحمد فارس الشدياق في كتابه "ذيل الفارياق":

 

"إن هؤلاء الأساتيذ (المستشرقين) لم يأخذوا العلم عن شيوخه، وإنما تطفلوا عليه تطفلاً، وتوثبوا فيه توثباً، ومن تخرج فيه بشيء فإنما تخرج على القسس، ثم أدخل رأسه في أضغاث أحلام، أو أدخل أضغاث أحلام في رأسه، وتوهم أنه يعرف شيئاً وهو يجهله، وكل منهم إذا درس في إحدى لغات الشرق أو ترجم شيئاً منها تراه يخبط فيها خبط عشواء، فما اشتبه عليه منها رفعه من عنده بما شاء، وما كان بين الشبهة واليقين حدس فيه وخمّن فرجّح منه المرجوح، وفضّل المفضول". وفي الحق أن كلا من الثناء المطلق والتحامل المطلق يتنافى مع الحقيقة التاريخية التي سجلها هؤلاء المستشرقون فيما قاموا به من أعمال، وما تطرقوا إليه من أبحاث، ونحن من قوم يأمرهم دينهم بالعدل حتى مع أعدائهم {ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقربُ للتقوى}.

 

تاريخ الاستشراق:

 

لا يعرف بالضبط من هو أول غربي عني بالدراسات الشرقية ولا في أي وقت كان ذلك، ولكن المؤكد أن بعض الرهبان الغربيين قصدوا الأندلس في إبان عظمتها ومجدها، وتثقفوا في مدارسها، وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم، وتتلمذوا على علماء المسلمين في مختلف العلوم وبخاصة في الفلسفة والطب والرياضيات... ومن أوائل هؤلاء الرهبان، الراهب الفرنسي "جربرت Jerbert"الذي انتخب باباً لكنيسة روما عام 999م بعد تعلمه في معاهد الأندلس وعودته إلى بلاده، "وبطرس المحترم" 1092 1156 Pierrele Aénéré "وجيراردي كريمون" 1114 1187 Gérard de Grémone. وبعد أن عاد هؤلاء الرهبان إلى بلادهم نشروا ثقافة العرب ومؤلفات أشهر علمائهم، ثم أسست المعاهد للدراسات العربية أمثال مدرسة "بادوي"العربية، وأخذت الأديرة والمدارس العربية تدرس مؤلفات العرب المترجمة إلى اللاتينية وهي لغة العلم في جميع بلاد أوربا يومئذ واستمرت الجامعات العربية تعتمد على كتب العرب وتعتبرها المراجع الأصلية للدراسة قرابة ستة قرون. ولم ينقطع منذ ذلك الوقت وجود أفراد درسوا الإسلام واللغة العربية، وترجموا القرآن وبعض الكتب العربية العلمية والأدبية حتى جاء القرن الثامن عشر وهو العصر الذي بدأ فيه الغرب في استعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته فإذا بعدد من علماء الغرب ينبغون في الاستشراق، ويصدرون لذلك المجلات في جميع الممالك الغربية، ويغيرون على المخطوطات العربية في البلاد العربية والإسلامية، فيشترونها من أصحابها الجهلة، أو يسرقونها من المكتبات العامة التي كانت في نهاية الفوضى، وينقلونها إلى بلادهم ومكتباتهم، وإذا بأعداد هائلة من نوادر المخطوطات العربية تنتقل إلى مكتاب أوربا، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر مائتين وخمسين ألف مجلداً، وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم. وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام 1873،وتتالى عقد المؤتمرات التي تلقى فيها الدراسات عن الشرق وأدبائه وحضاراته وما تزال تعقد حتى هذه الأيام.

 

ميدانُ الاستشراق:

 

بدأ الاستشراق كما رأينا بدراسة اللغة العربية والإسلام، وانتهى بعد التوسع الاستعماري الغربي في الشرق إلى دراسة جميع ديانات الشرق وعاداته وحضاراته وجغرافيته وتقاليده وأشهر لغاته، وإن كانت العناية بالإسلام والآداب العربية والحضارة الإسلامية هي أهم ما يعنى به المستشرقون حتى اليوم، نظراً للدوافع الدينية والسياسية التي شجعت على الدراسات الشرقية كما سنذكره فيما بعد.

 

دوافع الاستشراق:

 

1- الدافع الديني:

 

لا نحتاج إلى استنتاج وجهد في البحث لنتعرف إلى الدافع الأول للاستشراق عند الغربيين وهو الدافع الديني. فقد بدأ بالرهبان كما رأينا واستمر كذلك حتى عصرنا الحاضر كما سنرى وهؤلاء كان يهمهم أن يطعنوا في الإسلام ويشوّهوا محاسنه ويحرّفوا حقائقه ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدينية أن الإسلام وقد كان يومئذ الخصم الوحيد للمسيحية في نظر الغربيين دين لا يستحق الانتشار، وأن المسلمين قوم همج لصوص وسفاكو دماء، يحثهم دينهم على الملذات الجسدية، ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي. ثم اشتدت حاجتهم إلى هذا الهجوم في العصر الحاضر بعد أن رأوا الحضارة الحديثة قد زعزعت أسس العقيدة عند الغربيين، وأخذت تشككهم بكل التعاليم التي كانوا يتلقونها عن رجال الدين عندهم فيما مضى، فلم يجدوا خيراً من تشديد الهجوم على الإسلام لصرف أنظار الغربيين عن نقد ما عندهم من عقيدة وكتب مقدسة، وهم يعلمون ما تركته الفتوحات الإسلامية الأولى ثم الحروب الصليبية ثم الفتوحات العثمانية في أوربا بعد ذلك في نفوس الغربيين من خوف من قوة الإسلام وكرهٍ لأهله، فاستغلوا هذا الجو النفسي، وازدادوا نشاطاً في الدراسات الإسلامية. وهنالك الهدف التبشيري الذي لم يتناسوه في دراساتهم العلمية، وهم قبل كل شيء رجال دين، فأخذوا يهدفون إلى تشويه سمعة الإسلام في نفوس رواد ثقافتهم من المسلمين، لإدخال الوهن إلى العقيدة الإسلامية، والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث.

 

2- الدافع الاستعماري:

 

لما انتهت الحروب الصليبية بهزيمة الصليبيين وهي في ظاهرها حروب دينية وفي حقيقتها حروب استعمارية، لم ييأس الغربيون من العودة إلى احتلال بلاد العرب فبلاد الإسلام، فاتجهوا إلى دراسة هذه البلاد في كل شؤونها من عقيدة وعادات وأخلاق وثروات، ليتعرفوا إلى مواطن القوة فيها فيضعفوها، وإلى مواطن الضعف فيتغنموه، ولما تمّ لهم الاستيلاء العسكري والسيطرة السياسية كان من دوافع تشجيع الاستشراق إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوسنا، وبث الوهن والارتباك في تفكيرنا وذلك عن طريق التشكيك بفائدة ما في أيدينا من تراث، وما عندنا من عقيدة وقيم إنسانية، فنفقد الثقة بأنفسنا، وترتمي في أحضان الغرب نستجدي منه المقاييس الأخلاقية والمبادئ العقائدية، وبذلك يتم لهم ما يريدون من خضوعنا لحضارتهم وثقافتهم خضوعاً لا تقوم لنا من بعده قائمة. انظر إليهم كيف يشجعون في بلادنا القوميات التاريخية التي عفى عليها الزمن، واندثرت منذ حمل العرب رسالة الإسلام، فتوحدت لغتهم وعقيدتهم وبلادهم، وحملوا هذه الرسالة إلى العالم فأقاموا بينهم وبين الشعوب روابط إنسانية وتاريخية وثقافية ازدادوا بها قوة، وازدادت الشعوب بها رفعة وهداية، إنهم ما برحوا منذ نصف قرن يحاولون إحياء الفرعونية في مصر، والفينيقية في سوريا ولبنان وفلسطين، والآشورية في العراق وهكذا، ليتسنى لهم تشتيت شملنا كأمة واحدة، وليعوقوا قوة الاندفاع التحررية عن عملها في قوتنا وتحررنا وسيادتنا على أرضنا وثرواتنا وعودتنا من جديد إلى قيادة ركب الحضارة، والتقائنا مع إخوتنا في العقيدة والمثل العليا والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة.

 

3- الدافع التجاري:

 

ومن الدوافع التي كان لها أثرها في تنشيط الاستشراق، رغبة الغربيين في التعامل معنا لترويج بضائعهم وشراء مواردنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان ولقتل صناعتنا المحلية التي كانت لها مصانع قائمة مزدهرة في مختلف بلاد العرب والمسلمين.

 

4- الدافع السياسي:

 

وهنالك دافع آخر أخذ يتجلى في عصرنا الحاضر بعد استقلال أكثر الدول العربية والإسلامية، ففي كل سفارة من سفارات الدول الغربية لدى هذه الدول سكرتير أو ملحق ثقافي يحسن اللغة العربية، ليتمكن من الاتصال برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلى أفكارهم، ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته، وكثيراً ما كان لهذا الاتصال أثره الخطير في الماضي حين كان السفراء الغربيون ولا يزالون في بعض البلاد العربية والإسلامية يبثون الدسائس للتفرقة بين الدول العربية بعضها مع بعض، وبين الدول العربية والدول الإسلامية، بحجة توجيه النصح وإسداء المعونة بعد أن درسوا تماماً نفسية كثيرين من المسؤولين في تلك البلاد، وعرفوا نواحي الضعف في سياستهم العامة، كما عرفوا الاتجاهات الشعبية الخطيرة على مصالحهم واستعمارهم.

 

5- الدافع العلمي:

 

ومن المستشرقين نفر قليل جدّاً أقبلوا على الاستشراق بدافع من حب الإطلاع على حضارات الأمم وأديانهم وثقافاتهم ولغاتهم، وهؤلاء كانوا أقل من غيرهم خطأ في فهم الإسلام وتراثه، لأنهم لم يكونوا يتعمدون الدس والتحريف، فجاءت أبحاثهم أقرب إلى الحق وإلى المنهج العملي السليم من أبحاث الجمهرة الغالبية إلى المستشرقين، بل إن منهم من اهتدى إلى الإسلام وآمن برسالته. على أن هؤلاء لا يوجدون إلا حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الاستشراق بأمانة وإخلاص، لأن أبحاثهم المجردة عن الهوى، لا تلقى رواجاً، لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين، ومن ثمة فهي لا تدر عليهم ربحاً ولا مالاً، ولهذا ندر وجود هذه الفئة في أوساط المستشرقين.

 

أهداف الاستشراق ووسائله:

 

تنقسم أهداف المستشرقين في جملتهم من الدراسات الاستشراقية إلى ثلاثة أقسام:

 

أ‌- هدف علمي مشبوه، ويهدف إلى:

 

1- التشكيك بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومصدرها الإلهي، فجمهورهم ينكر أن يكون الرسول نبيّاً موحى إليه من عند الله جل شأنه ويتخبطون في تفسير مظاهر الوحي التي كان يراها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، وبخاصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فمن المسشترقين من يرجع ذلك إلى "صرع"كان ينتاب النبي صلى الله عليه وسلم حيناً بعد حين، ومنهم من يرجعه إلى تخيلات كانت تملأ ذهن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يفسرها بمرض نفسي، وهكذا، كأن الله لم يرسل نبياً قبله حتى يصعب عليهم تفسير ظاهرة الوحي، ولما كانوا كلهم ما بين يهود ومسيحيين يعترفون بأنبياء التوراة، وهم كانوا أقل شأناً من محمد صلى الله عليه وسلم في التاريخ والتأثير والمبادئ التي نادى بها، كان إنكارهم لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم تعنتاً مبعثه التعصب الديني الذي يملأ نفوس أكثرهم كرهبان وقسس ومبشرين. ويتبع ذلك إنكارهم أن يكون القرآن كتاباً منزلاً عليه من عند الله عز وجل، وحين يفحمهم ما ورد فيه من حقائق تاريخية عن الأمم الماضية مما يستحيل صدوره عن أمي مثل محمد صلى الله عليه وسلم، يزعمون ما زعمه المشركون الجاهليون في عهد الرسول من أنه استمد هذه المعلومات من أناس كانوا يخبرونه بها، ويتخبطون في ذلك تخبطاً عجيباً، وحين يفحمهم ما جاء في القرآن من حقائق علمية لم تعرف وتكتشف إلا في هذا العصر، يرجعون ذلك إلى ذكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فيقعون في تخبط أشد غرابة من سابقه.

 

2- ويتبع إنكارهم لنبوة الرسول وسماوية القرآن، إنكارهم أن يكون الإسلام ديناً من عند الله وإنما هو ملفق عندهم من الديانتين اليهودية والمسيحية، وليس لهم في ذلك مستند يؤيده البحث العلمي، وإنما هي ادعاءات تستند على بعض نقاط الإلتقاء بين الإسلام والدينين السابقين. ويلاحظ أن المستشرقين اليهود أمثال جولد تسيهر وشاخت هم أشد حرصاً على ادعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه، أما المستشرقون المسيحيون فيجرون وراءهم في هذه الدعوى، إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعون أن يزعموا تأثر الإسلام به وأخذه منه، وإنما فيه مبادئ أخلاقية زعموا أنها أثرت في الإسلام، ودخلت عليه منها، كأن المفروض في الديانات الإلهية أن تتعارض مبادؤها الأخلاقية، وكأن الذي أوحى بدين هو غير الذي أوحى بدين آخر، فتعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً.

 

3- التشكيك في صحة الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا المحققون، ويتذرع هؤلاء المستشرقون بما دخل على الحديث النبوي من وضع ودس، متجاهلين تلك الجهود التي بذلها علماؤنا لتنقية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى قواعد بالغة الدقة في التثبت والتحري، مما لم يعهد عندهم في ديانتهم عشر معشاره في التأكد من صحة الكتب المقدسة عندهم، وقد ناقشتهم في ذلك نقاشاً علميّاً في كتابي: "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي"الذي صدر حديثاً. والذي حملهم على ركوب متن الشطط في دعواهم هذه، ما رأوه في الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا من ثروة فكرية وتشريعية مدهشة، وهم لا يعتقدون بنبوة الرسول، فادعوا أن هذا لا يعقل أن يصدر كله عن محمد الأمي بل عو عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى، فالعقدة النفسية عندهم هي عدم تصديقهم بنبوة الرسول، ومنها ينبعث كل تخبطاتهم وأوهامهم.

 

4- التشكيك بقيمة الفقه الإسلامي الذاتية، ذلك التشريع الهائل الذي لم يجتمع مثله لجميع الأمم في جميع العصور، لقد سقط في أيديهم حين إطلاعهم على عظمته وهم لا يؤمنون بنبوة الرسول، فلم يجدوا بدّاً من الزعم بأن هذا الفقه العظيم مستمد من الفقه الروماني، أي أنه مستمد منهم الغربيين وقد بيّن علماؤنا الباحثون تهافت هذه الدعوى، وفيما قرره مؤتمر القانون المقارن المنعقد بلاهاي من أن الفقه الإسلامي فقه مستقل بذاته وليس مستمدّاً من أي فقه آخر، ما يفحم المتعنتين منهم، ويقنع المنصفين الذين لا يبغون غير الحق سبيلاً.

 

5- التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي، لتظل عالة على مصطلحاتهم، التي تشعرنا بفضلهم وسلطانهم الأدبي علينا، وتشكيكهم في غنى الأدب العربي، وإظهاره مجدياً فقيراً لنتّجه إلى آدابهم، وذلك هو الاستعمار الأدبي الذي يبغونه مع الاستعمار العسكري الذي يرتكبونه...

 

تلك هي الأهداف العلمية التي يعمل لها أكثرهم أو جمهرتهم الساحقة.

 

ب‌- الأهداف الدينية والسياسية:

 

وتتلخص فيما يلي:

 

1- تشكيك المسلمين ينبيّهم وقرآنهم وشريعتهم وفقههم، ففي ذلك هدفان: ديني واستعماري.

 

2- تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري، يدّعون أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان، ولم يكن العرب والمسلمون إلا نقلة لفلسفة تلك الحضارة وآثارها، لم يكن لهم إبداع فكري ولا ابتكار حضاري، وكان في حضارتهم كل النقائص، وإذا تحدثوا بشيء عن حسناتها وقليلاً ما يفعلون يذكرونها على مضض مع انتقاص كبير.

 

3- إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم، وبث روح الشك في كل ما بين أيديهم من قيم وعقيدة ومثل عليا، ليسهل على الاستعمار تشديد وطأته عليهم، ونشر ثقافته الحضارية فيما بينهم. فيكونوا عبيداً لها، يجرهم حبها إلى حبهم أو إضعاف روح المقاومة في نفوسهم.

 

4- إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين في مختلف أقطارهم عن طريق إحياء القوميات التي كانت لهم قبل الإسلام، وإثارة الخلافات والنعرات بين شعوبهم، وكذلك يفعلون في البلاد العربية، يجهدون لمنع اجتماع شملها ووحدة كلمتها بكل ما في أذهانهم من قدرة على تحريف الحقائق، وتصيُّد الحوادث الفردية في التاريخ ليصنعوا منها تاريخاً جديداً يدعو إلى ما يريدون من منع الوحدة بين البلاد العربية والتفاهم على الحق والخير بين جماهيرها.

 

ت‌- أهداف علمية خالصة لا يقصد منها إلا البحث والتمحيص، ودراسة التراث العربي والإسلامي دراسة تجلو لهم بعض الحقائق الخافية عنهم، وهذا الصنف قليل عدده جدّاً، وهم مع إخلاصهم في البحث والدراسة لا يسلمون من الأخطاء والاستنتاجات البعيدة عن الحق، إما لجهلهم بأساليب اللغة العربية، وإما لجهلهم بالأجواء الإسلامية التاريخية على حقيقتها، فيحبون أن يتصوروها كما يتصورون مجتمعاتهم، ناسين الفروق الطبيعية والنفسية والزمنية التي تفرق بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها، وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها.

 

وهذه الفئة أسلم الفئات الثلاث في أهدافها، وأقلها خطراً، إذ سرعان ما يرجعون إلى الحق حين يتبين لهم، ومنهم من يعيش بقلبه وفكره في جو البيئة التي يدرسها، فيأتي بنتائج تنطبق مع الحق والصدق والواقع، ولكنهم يلقون عنتاً من أصحاب الهدفين السابقين، إذ سرعان ما يتهمونهم بالانحراف عن النهج العلمي، أو الانسياق وراء العاطفة، أو الرغبة في مجاملة المسلمين والتقرب إليهم، كما فعلوا مع "توماس أرنولد"حين أنصف المسلمين في كتابه العظيم "الدعوة إلى الإسلام"فقد برهن على تسامح المسلمين في جميع العصور مع مخالفيهم في الدين، على عكس مخالفيهم معهم، هذا الكتاب الذي يعتبر من أدق وأوثق المراجع في تاريخ التسامح الديني في الإسلام، يطعن فيه المستشرقون المتعصبون وخاصة المبشرين منهم، بأن مؤلفه كان مندفعاً بعاطفة قوية من الحب والعطف على المسلمين، مع أنه لم يذكر فيه حادثة إلا أرجعها إلى مصدرها. ومن هؤلاء من يؤدي بهم البحث الخالص لوجه الحق إلى اعتناق الإسلام والدفاع عنه في أوساط أقوامهم الغربيين، كما فعل المستشرق الفرنسي الفنان "دينيه"الذي عاش في الجزائر، فأعجب بالإسلام وأعلن إسلامه، وتسمى باسم "ناصر الدين دينيه"وألّف مع عالم جزائري كتاباً عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وله كتاب "أشعة خاصة بنور الإسلام"بيّن فيه تحامل قومه على الإسلام ورسوله، وقد توفي هذا المستشرق المسلم في فرنسا، ونقل جثمانه إلى الجزائر ودفن فيها.

 

وسائل المستشرقين لتحقيق أهدافهم:

 

ولم يترك المستشرقون وسيلة لنشر أبحاثهم وبث آرائهم إلا سلكوها، ومنها:

 

1- تأليف الكتب في موضوعات مختلفة عن الإسلام واتجاهاته ورسوله وقرآنه، وفي أكثرها كثير من التحريف المتعمد في نقل النصوص أو ابتارها، وفي فهم الوقائع التاريخية، والاستنتاج منها.

 

2- إصدار المجلات الخاصة ببحوثهم حول الإسلام وبلاده وشعوبه.

 

3- إرساليات التبشير إلى العالم الإسلامي لتزاول أعمالاً إنسانية في الظاهر كالمستشفيات والجمعيات والمدارس والملاجئ والمياتم، ودور الضيافة كجمعيات الشبان المسيحية وأشباهها.

 

4- إلقاء المحاضرات في الجامعات والجمعيات العلمية، ومن المؤسف أن أشدهم خطراً وعداءً للإسلام كانوا يستدعون إلى الجامعات العربية والإسلامية في القاهرة ودمشق وبغداد والرباط وكراتشي ولاهور وعليكرة وغيرها ليتحدثوا عن الإسلام!..

 

5- مقالات في الصحف المحلية عندهم، وقد استطاعوا شراء عدد من الصحف المحلية في بلادنا، وقد جاء في كتاب "التبشير والاستعمار"للدكتورين عمر فروخ ومصطفى الخالدي وهو من أهم الوثائق التاريخية عن نشاط المستشرقين والمبشرين لخدمة الاستعمار[1] ما يلي:

 

"يعلن المبشرون أنهم استغلوا الصحافة المصرية على الأخص للتعبير عن الآراء المسيحية أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلامي آخر، لقد ظهرت مقالات كثيرة في عدد من الصحف المصرية، إما مأجورة في أكثر الأحيان، أو بلا أجرة في أحوال نادرة".

 

6- عقد المؤتمرات لإحكام خططهم في الحقيقة، ولبحوث عامة في الظاهر، وما زالوا يعقدون هذه المؤتمرات منذ عام 1783 حتى الآن.

 

7- إنشاء الموسوعة "دائرة المعارف الإسلامية"،وقد أصدروها بعدة لغات، وبدأوا بإصدار طبعة جديدة منها، وقد اطلعت على الأجزاء الأولى للطبعة الثانية من سكرتير الموسوعة حين زرت أكسفورد عام 195،وقد بدئ بترجمة الطبعة الأولى إلى اللغة العربية، صدر منها حتى الآن ثلاثة عشر مجلداً. وفي هذه الموسوعة التي حشد لها كبار المستشرقين وأشدهم عداءً للإسلام، قد دس السم في الدسم، وملئت بالأباطيل عن الإسلام وما يتعلق به. ومن المؤسف أنها مرجع لكثير من المثقفين عندنا بحيث يعتبرونها حجة فيما تتكلم به، وهذا من مظاهر الجهل بالثقافة الإسلامية وعقدة النقص عند هؤلاء المثقفين.

 

 

هذه كلمة موجزة عن المستشرقين وأصنافهم وأهدافهم ووسائلهم، ونرى من إتمام الفائدة للقراء أن نذيلها بذكر أخطر المستشرقين المعاصرين وأهم كتبهم، وبأهم المجلات التي يصدرها المستشرقون في الدول الاستعمارية الكبرى[2].

 

 

 

أهم المجلات التي يصدرونها:

 

أ‌- في عام 1787 أنشأ الفرنسيون جمعية للمستشرقين ألحقوها بأخرى في عام 1820،ثم أصدروا "المجلة الآسوية".

 

ب‌- وفي لندن تألفت جمعية لتشجيع الدراسات الشرقية في عام 1823م، وقبل الملك أن يكون ولي أمرها، وأصدرت "مجلة الجمعية الآسيوية الملكية".

 

ت‌- وفي عام 1842 أنشأ الأمريكيون جمعية ومجلة باسم "الجمعية الشرقية الأمريكية"وفي العام نفسه أصدر المستشرقون الألمان مجلة خاصة بهم، وكذلك فعل المستشرقون في كل من النمسا وإيطاليا وروسيا.

 

ث‌- ومن المجلات التي أصدرها المستشرقون الأمريكيون في هذا القرن "مجلة جمعية الدراسات الشرقية"وكانت تصدر في مدينة جامبير Gambier بولاية Ohio ولها فروع في لندن وباريس وليبزج، وتورونتو في كندا، ولا يعرف إن كانت تصدر الآن، وطابعها العام على كل حال طابع الاستشراق السياسي وإن كانت تعرض من وقت لآخر لبعض المشكلات الدينية، وخاصة في باب الكتب.

 

ج‌- ويصدر المستشرقون الأمريكيون في الوقت الحاضر، "مجلة شؤون الشرق الأوسط". وكذلك "مجلة الشرق الأوسط". وطابعها على العموم طابع الاستشراق السياسي كذلك.

 

ح‌- وأخطر المجلات التي يصدرها المستشرقون الأمريكيون في الوقت الحاضر هي مجلة "العالم الإسلامي" The Muslim World أنشأها صمويل زويمر Zweimer في سنة 1911م، وتصدر الآن من هارتفورد Hartford بأمريكا ورئيس تحريرها كنيث كراج K. Gragg وطابع هذه المجلة تبشيري سافر.

 

خ‌- وللمستشرقين الفرنسيين مجلة شبيهة بمجلة "العالم الإسلامي"في روحها واتجاهها العدائي التبشيري، واسمها أيضاً Le Monde Musulman.

 

أسماء أخطر المستشرقين المعاصرين وأهمّ كُتبهم:

 

أ. ج أربري A.J. Arberry إنجليزي معروف بالتعصب ضد الإسلام والمسلمين ومن محرري (دائرة المعارف الإسلامية) والآن أستاذ بجامعة كمبردج. ومن المؤسف أنه أستاذ لكثير من المصريين الذين تخرجوا في الدراسات الإسلامية واللغوية في إنجلترا. ومن كتبه:

 

1- "الإسلام اليوم"صدر في عام 1943.

 

2- "مقدمة لتاريخ التصوف"صدر في عام 1947.

 

3- "التصوف"صدر في عام 1950.

 

4- "ترجمة القرآن"صدر في عام 1950.

 

ألفرد جيوم: A. Geom إنجليزي معاصر، اشتهر بالتعصب ضد الإسلام، حاضر في جامعات إنجلترا وأمريكا. وتغلب على كتابته وآرائه الروح التبشيرية. ومن كتبه "الإسلام"ومن المؤسف أنه تخرج عليه كثير ممن أرسلتهم الحكومة المصرية في بعثات رسمية للخارج لدراسة اللغات الشرقية.

 

بارون كارا دي فو: Baron Garra de Vaux فرنسي متعصب جداً ضد الإسلام والمسلمين. ساهم بنصيب بارز في تحرير "دائرة المعارف الإسلامية".

 

هـ. أ. ر. جب"": H. A. R. Gibb أكبر مستشرقي إنجلترا المعاصرين. كان عضواً بالمجمع اللغوي في مصر والآن أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة هارفرد الأمريكية. من كبار محرري وناشري "دائرة المعارف الإسلامية". له كتابات كثيرة فيها عمق وخطورة وهذا هو سر خطورته. ومن كتبه:

 

1- "طريق الإسلام"ألّفه بالاشتراك مع آخرين وترجم من الإنجليزية إلى العربية تحت العنوان المذكور.

 

2- "الاتجاهات الحديثة في الإسلام". صدر في عام 1947 وأعيد طبعه وترجم إلى العربية تحت العنوان المذكور.

 

3- "المذهب المحمدي"صدر في عام 1947 وأعيد طبعه.

 

4- "الإسلام والمجتمع الغربي"يصدر في أجزاء، وقد اشترك معه آخرون في التأليف. وله مقالات أخرى متفرقة.

 

جولد تسهير: Gold Ziher مَجَري، عرف بعدائه للإسلام وبخطورة كتاباته عنه، ومن محرري "دائرة المعارف الإسلامية"كتب عن القرآن والحديث، ومن كتبه "تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي"المترجم إلى العربية تحت العنوان السابق.

 

جون ماينارد: Maynard أمريكي متعصب، كان يساهم في تحرير "مجلة جمعية الدراسات الشرقية"الأمريكية، وخاصة باب الكتب الجديدة التي لها صلة بالإسلام وبالشرق على العموم. (انظر مثلاً ص22 وما بعدها من العدد 2،من المجلد 8،إبريل سنة 1924 من المجلة المذكورة).

 

س. م. زويمر: S. M. Zweimer مستشرق مبشر، اشتهر بعدائه الشديد للإسلام، مؤسس مجلة "العالم الإسلامي"الأمريكية التبشيرية. مؤلف كتاب "الإسلام تحد لعقيدة"صدر في سنة 1908،وناشر كتاب "الإسلام"وهو مجموعة مقالات قدمت للمؤتمر التبشيري الثاني في سنة 1911 بلكنهو في الهند. وتقديراً لجهوده التبشيرية أنشأ الأمريكيون وقفاً باسمه على دراسة اللاهوت وإعداد المبشرين.

 

عزيز عطية سوريال: مصري مسيحي، كان أستاذاً بجامعة الإسكندرية والآن يدرس بإحدى جامعات أمريكا، شديد الحقد على الإسلام والمسلمين وكثير التحريف للتعاليم الإسلامية. يستعين على الحقد والتحريف بكونه بعيداً عن مصر والمسلمين، له بعض الكتب عن الحروب الصليبية.

 

غ. فون جروتباوم: G. Von Grunbaum من أصل ألماني يهودي مستورد إلى أمريكا للتدريس بجامعاتها وكان أستاذاً بجامعة شيكاغو، من ألد أعداء الإسلام. في جميع كتاباته تخبط واعتداء على القيم الإسلامية والمسلمين، كثير الكتابة وله معجبون من المستشرقين. ومن كتبه:

 

1- "إسلام العصور الوسطى"صدر في عام 1946.

 

2- "الأعياد المحمدية"صدر في عام 1951.

 

3- "محاولات في شرح الإسلام المعاصر"صدر في عام 1947.

 

4- "دراسات في تاريخ الثقافة الإسلامية"صدر في عام 1954.

 

5- "الإسلام"مجموعة من المقالات المتفرقة، صدر في عام 1957.

 

6- "الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية"صدر في عام 1955.

 

فيليب حِتي: Ph. Hith لبناني مسيحي تأمرك، كان أستاذاً بقسم الدراسات الشرقية بجامعة برنستون بأمريكا ثم رئيساً لهذا القسم، وهو الآن بالمعاش. من ألد أعداء الإسلام، ويتظاهر بالدفاع عن القضايا العربية في أمريكا، وهو مسشار غير رسمي لوزارة الخارجية الأمريكية في شئون الشرق الأوسط، يحاول دائماً أن ينتقص دور الإسلام في بناء الثقافة الإنسانية ويكره أن يسنب للمسلمين أي فضل، فقد كتب على سبيل المثال في "دائرة المعارف الأمريكية"طبع سنة 1948 تحت عنوان "الأدب العربي"ص 129 يقول: "ولم تبدأ أمارات الحياة الأدبية الجديدة بالظهور إلا في القسم الأخير من القرن التاسع عشر، وكان الكثرة من قادة هذه الحركة الجديدة نصارى من لبنان تعلموا واستوحوا من جهود المبشرين الأمريكيين". ومحاولات "حتي"انتقاص فضل الإسلام والمسلمين ليست فقط قاصرة على العصر الحديث، ولكنها تنطبق على جميع مراحل التاريخ الإسلامي كما هو موضح في كتبه التي نذكر منها:

 

1- "تاريخ العرب"ظهر بالإنجليزية، وأعيد طبعه عدة مرات، وهو مليء بالطعن في الإسلام والسخرية من نبيه، وكله حقد وسم وكراهية، انظر مثلاً مجلة "الإسلام"الإنجليزية Al-Islam التي تصدر في كراتشي باكستان ص 138 من عدد أبريل سنة 1958،ص 146 من عدد أول مايو سنة 1958.

 

2- "تاريخ سوريا".

 

3- "أصل الدروز وديانتهم"صدر في سنة 1928.

 

أ. ج فينسينك A. J. Wensink: عدو لدود للإسلام ونبيه، كان عضواً بالمجمع اللغوي المصري ثم أخرج منه على أثر أزمة أثارها الدكتور الطبيب حسين الهواري مؤلف كتاب "المستشرقون والإسلام"صدر في سنة 1936،وحدث ذلك بعد أن نشر فينسينك رأيه في القرآن والرسول مدّعياً أن الرسول ألف القرآن من خلاصة الكتب الدينية والفلسفية التي سبقته، انظر "المستشرقون والإسلام"ص 71 وما بعدها. هذا والمعروف لفينسينك كتاب تحت عنوان "عقيدة الإسلام"صدر في سنة 1932.

 

كينيت كراج: K. Gragg أمريكي شديد التعصب ضد الإسلام. قام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت والآن رئيس تحرير مجلة "العالم الإسلامي"الأمريكية التبشيرية ورئيس قسم اللاهوت المسيحي في هارتفورد ومتعهد مبشرين. ومن كتبه "دعوة المئذنة"صدر في عام 1956.

 

لوي ماسينيون: L. Massignon أكبر مستشرقي فرنسا المعاصرين، ومستشار وزارة المتسعمرات الفرنسية في شئون شمال أفريقيا، والراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر. زار العالم الإسلامي أكثر من مرة وخدم بالجيش الفرنسي خمس سنوات في الحرب العالمية الأولى، كان عضواً بالمجمع اللغوي المصري والمجمع العلمي العربي في دمشق، متخصص في الفلسفة والتصوف الإسلامي، ومن كتبه:

 

"الحلاج الصوفي الشهيد في الإسلام"صدر في سنة 1922 وله كتب وأبحاث أخرى عن الفلسفة والتصوف، وهو من كبار محرري "دائرة المعارف الإسلامية".

 

د. ب. ماكدونالد: D. B. Macdonald أمريكي من أشد المتعصبين ضد الإسلام والمسلمين، يصدر في كتاباته عن روح تبشيرية متأصلة. من كبار محرري دائرة المعارف الإسلامية ومن كتبه:

 

1- "تطور علم الكلام والفقه والنظرية الدستورية في الإسلام"صدر في سنة 1903.

 

2- "الموقف الديني والحياة في الإسلام"صدر في سنة 1908.

 

مايلز جرين: M. Green سكرتير تحرير مجلة "الشرق الأوسط".

 

مجيد قدوري: مسيحي عراقي، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة جون هويكنز في واشنطن، ومدير معهد الشرق الأوسط للأبحاث والتربية بواشنطن، متعصب حقود على الإسلام وأبنائه. ومن كتبه المشحونة بالطعون والأخطاء "الحرب والسلام في الإسلام"صدر في سنة 1955،وله مقالات أخرى.

 

د. س. مرجوليوث: D. S. Margoliouth إنجليزي متعصب ضد الإسلام ومن محرري "دائرة المعارف الإسلامية"كان عضواً بالمجمع اللغوي المصري والمجمع العلمي في دمشق. ومن كتبه:

 

1- "التطورات المبكرة في الإسلام"صدر في سنة 1913.

 

2- "محمد ومطلع الإسلام"صدر في سنة 1905.

 

3- "الجامعة الإسلامية"،صدر في سنة 1912.

 

ر. أ. نيكولسون: R. A. Nicklson كان من أكبر مستشرقي إنلجترا المعاصرين ومن محرري "دائرة المعارف". تخصص في التصوف الإسلامي والفلسفة وكان عضواً بالمجمع اللغوي المصري. وهو من المنكرين على الإسلام أنه دين روحي ويصفه بالمادية وعدم السمو الإنساني. ومن كتبه:

 

1- "متصوفو الإسلام"صدر في سنة 1910.

 

2- "التاريخ الأدبي للعرب"،صدر في سنة 1930.

 

هارفلي هول: رئيس تحرير مجلة الشرق الأوسط الأمريكية. وخطورته أنه يوجه سياسة مجلة من أهم المجلات المعنية بشؤون الشرق الأوسط السياسية والثقافية في العصر الحديث.

 

هنري لامنس اليسوعي: H. Lammens فرنسي 1872 1937 من محرري دائرة المعارف الإسلامية، شديد التعصب ضد الإسلام والحقد عليه، مفرط في عدائه وافتراءاته لدرجة أقلقت بعض المستشرقين أنفسهم (انظر ص 15 16 من 1،من المجلد 9 يناير سنة 1925 من "مجلة جمعية الدراسات الشرقية"الأمريكية). ومن كتبه بالفرنسية:

 

1- "الإسلام".

 

2- "الطائف".

 

يوسف شاخت: J. Schacht ألماني متعصب ضد الإسلام والمسلمين، له كتب كثيرة عن الفقه الإسلامي وأصوله. من محرري "دائرة المعارف الإسلامية"ودائرة معارف العلوم الاجتماعية. وأشهر كتبه: "أصول الفقه الإسلامي".

 

بعض الكتب الخطيرة التي لها

 

مكانة علمية عند بعض الناس:

 

موضوعات:

 

1- دائرة المعارف الإسلامية:

 

The Encyclopedia of Islam صدر بعدة لغات حية يعاد طبعها في الوقت الحاضر، وقد ظهر بعض أجزاء الطبعة الجديدة.

 

2- "موجز دائرة المعارف الإسلامية":

 

Shorter Encyclopedia of Islam

 

3- "دائرة معارف الدين والأخلاق":

 

Encyclopedia of Religion and Ethics.

 

(المقالات المتعلقة بموضوعات إسلامية):

 

4- "دائرة معارف العلوم الاجتماعية":

 

Encyclopedia of Social Sciences.

 

 

 

(الموضوعات المتصلة بالإسلام والعرب):

 

5- "دراسة في التاريخ".

 

(القسم المتصل بالإسلام ورسوله) من تأليف أرنولد توينبي: A. Toynbee

 

الكتب:

 

1- "حياة محمد": من تأليف وليام موير: W. Muir.

 

2- "الإسلام": من تأليف ألفرد جيوم: A. Geom.

 

3- "دين الشيعة": من تأليف د. م دونالدسون D. M. Donaldson.

 

4- "تاريخ شارل الكبير": من تأليف القس تيربن Bishop Tarpin.

 

5- "الإسلام": ظهر بالفرنسية من تأليف هنري لامنس: H. Lammens.

 

6- "الإسلام" (تحد لعقيدة): ظهر بالإنجليزية من تأليف المبشر زويمر S. m. Zweimer.

 

7- "دعوة المئذنة": ظهر بالإنجليزية من تأليف كينيت كراج: K. Gragg.

 

8- "الإسلام اليوم": بالإنجليزية من تأليف أ. ج. آربري: A. J. Arberry.

 

9- "ترجمة القرآن": الترجمة الإنجليزية من وضع أ. ج. آربري.

 

10- "تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي": ظهر بالألمانية وترجم إلى العربية، من تأليف جولد تسيهر: Gold Ziher.

 

11- "تاريخ العرب": ظهر بالإنجليزية والعربية وطبع عدة طبعات، من تأليف فيليب حتي.

 

12- "اليهودية في الإسلام": ظهر بالإنجليزية من تأليف إبراهام كاش.

 

13- "عقيدة الإسلام": ظهر بالإنجليزية من تأليف أ. ج. فينسينك: Wensink.

 

14- "الحلاج الصوفي الشهيد في الإسلام": ظهر بالفرنسية من تأليف لوي ماسينيون: L. Massignon.

 

15- "الحرب والسلام في الإسلام": ظهر بالإنجليزية من تأليف مجيد قدوري.

 

16- "تطور علم الكلام والفقه والنظرية الدستورية في الإسلام": ظهر بالإنجليزية من تأليف د. ب. ماكدونالد: D. B. Macdonald.

 

17- "الاتجاهات الحديثة في الإسلام": ظهر بالإنجليزية وترجم إلى العربية، من تأليف هـ. أ. ر. جب Gibb.

 

18- "طريق الإسلام": ظهر بالإنجليزية وترجم إلى العربية من تأليف جماعة من المستشرقين. اشترك في تأليفه ونشره هـ. أ. ر. جب Gibb.

 

19- "التصوف في الإسلام": ظهر بالإنجليزية وترجم إلى العربية من تأليف ر. أ. نيكلسون Nicholson.

 

20- "مصادر تاريخ القرآن": بالإنجليزية من تأليف آرثر جيفري: Arthur Jeffry.

 

21- "أصول الإسلام في بيئته المسيحية": بالإنجليزية من تأليف ر. بل: R. Bell.

 

22- "مقدمة القرآن": بالإنجليزية من تأليف ر. بل.

 

23- "التطورات المبكرة في الإسلام": بالإنجليزية من تأليف د. س. مرحوليوث: D. S. Margoliouth.

 

24- "محمد ومطلع الإسلام": بالإنجليزية ولنفس المؤلف.

 

25- "الإسلام": بالإنجليزية ولنفس المؤلف.

 

26- "الجامعة الإسلامية": بالإنجليزية ولنفس المؤلف.

 

27- "قنطرة إلى الإسلام": ظهر بالإنجليزية من تأليف أريك بيتمان.

 

28- "إسلام العصور الوسطى": ظهر بالإنجليزية من تأليف ج. فون جرونباوم: G. Von Grunebaum.

 

29- "الإسلام": مجموعة مقالات متفرقة ظهرت بالإنجليزية للمؤلف السابق.

 

30- "الأعياد المحمدية": بالإنجليزية ولنفس المؤلف.

 

31- "الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية": بالإنجليزية ولنفس المؤلف.

 

32- "دراسات في تاريخ الثقافة الإسلامية": بالإنجليزية ولنفس المؤلف.

 

33- "محاولات.. في شرح الإسلام المعاصر": مجموعة مقالات ظهرت بالإنجليزية لنفس المؤلف.

 

[1]هذا الكتاب يجب على كل مثقف مسلم قراءته، وقد طبع مرتين في بيروت وحاول بعض أذناب الاستعمار في العهد الماضي منع تداوله في سورية العربية المسلمة.

 

[2]هذا التثبت بأسماء مجلات المستشرقين وأسماء مشاهيرهم وكتبهم مأخوذة من محاضر للدكتور محمد البهي بعنوان: المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام.

الإنترنت مكشوفة حتى... عصر آخر!

$
0
0

«إذا كنتُ خبيراً معلوماتياً متمرّساً، واستأجرت للعمل في شبكة المياه والكهرباء في بلد خليجي وهي مؤتمتة بالكامل وتدار بواسطة الكومبيوتر والشبكات الرقمية. وبعد عشر سنوات من الخبرة في تلك الشبكة الرقميّة، وصل عقد العمل إلى نهايته. وخرجت. كيف يمكن أن أصف وضعي حينها؟ في دماغي وربما على حاسوبي وأدوات الـ»فلاش» معلومات ضخمة وحسّاسة، تمكّن من يرغب من صنع فيروس (أو تخطيط هجمة إلكترونية) تشلّ المياه والكهرباء في ذلك البلد الخليجي. هل تتخيّل بلداً خليجياً محروماً من الماء والكهرباء لأسابيع، لأيام بل حتى لساعات»؟

 

ليس ما سبق مثالاً خياليّاً، بل أنه كان ضمن نقاشات فعليّة تناولها مؤتمر علميّ عقد في إحدى دول الخليج العربي أخيراً. يجدر تذكّره جيداً، لأن أهمية الأمن الرقمي ليست أقل مما يظهره المثال الوارد آنفاً. هل استعاد بعض القرّاء ضرب المفاعلات النوويّة الإيرانية بفيروسي «ستاكس نِت» Staxnet ثم «فلايم» Flame؟ كانت ضربة «فلايم» مؤلمة لأنها استندت إلى معلومات حصلت عليها الاستخبارات الأميركية من الشركات التي تزوّد المفاعلات الإيرانية بالمعدات. لكن خبيراً معلوماتيّاً يعمل في منشأة عسكرية أو مدنيّة (لنقل مجدداً أنه في بلد خليجي) يصبح خطراً داهماً، في حال نقل معلوماته إلى أيد خبيثة.

 

لماذا ينقل تلك المعلومات؟ ربما أنه لم يكن يعلم بأن الشركة التي وظّفته، بل التي تقدّم للعمل لديها عبر إعلانات في الجرائد ومواقع الإنترنت، لم تكن سوى واجهة لجهة استخباراتية أو... إرهابيّة! لا يقصد هذا الكلام التخويف ولا تحريك صورة فرانكنشتاينية عن الأمن الرقمي. وليس عبثاً أن نشطاء الإنترنت خصصوا يوماً عالميّاً للأمن سمّوه «إنترنت أكثر أماناً». (أنظر الموقع الشبكي المخصّص لتلك المناسبة saferinternet.org/safer-internet-day).

 

الإنترنت ليست آمنة!

 

الإنترنت ليست آمنه. هذا ليس تخويفاً. إنّها جملة يجدر ألا تغيب عن الأذهان حتى إشعار آخر، أو ربما حتى حلول عصر آخر. مبالغة؟ حسناً. مَنْ لم تُخرّق آذانه الأصداء المُدوّية للفضيحة المذهلة التي فجّرها خبير المعلوماتية الأميركي إدوارد سنودن؟ ما الذي حملته تلك الفضيحة في ثناياها؟ لم يكن آمِناً هاتف المستشارة الألمانيّة وهي تدير دولة من العمالقة الثمانية عالميّاً، وأضخم اقتصاد أوروبي، ودولة حليفة لأميركا.

 

كتبت صحيفة «دير شبيغل» تغطيات واسعة عن تعاون على مدار الساعة بين الاستخبارات الألمانية والأميركية، في التجسس على... كل شيء وكل شخص تقريباً. ولم تلاقِ التغطيات التي استندت إلى مقابلات مُشفّرة مع سنودن من موسكو، تكذيباً رسميّاً، بل أثارت تحقيقات برلمانية لم تنتهِ لحد الآن، إضافة إلى أزمة نادرة بين ألمانيا وأميركا. تكرر الأمر مع دول كثيرة، منها مجموعة دول أميركا اللاتينية وجلّها حليف لأميركا.

 

تمزيق الأوراق لا يحمي

 

ما الذي قاله سنودن؟ كشف سنودن أن «وكالة الأمن القومي» الأميركية لديها برامج كـ»بريزم» Prism، تستطيع التجسّس على الإنترنت بمكوّناتها كافة، إضافة إلى اختراق شبكات الاتصال الخليوية والهاتفية الأرضية والبث المتلفز والاتصالات عبر هواتف الميكروويف وغيرها.

كيف تمكّن سنودن من معرفة تلك الأمور الحسّاسة؟ ببساطة، لأنه عمل خبيراً معلوماتياً في شركة كانت ضمن مروحة الشركات التي تعتمدها «وكالة الأمن القومي» في نظمها الإلكترونيّة. إذا استطاع هذا الخبير أن يحصل على تلك المعلومات من قلب وكالة متخصّصة بالاستخبارات، كيف يكون الحال بالنسبة إلى الخبراء الذين يعملون في مؤسسات مدنيّة لكنها تدير شؤون ربما لا تقل حساسيّة عن الاستخبارات (بل تفوقها أحياناً) كنظم شبكات المياه والكهرباء والبث التلفزيوني والمطارات والمرافئ وغيرها؟

 

مزّقَ وَرَقَة بيضاء. اقتَرَبَ من حافة المسرح. ألقى نُثَر الورق في وجه الجمهور الذي حضر مؤتمراً علميّاً تناول جزء منه أمن الشبكات، انعقد في دولة خليجية أخيراً. «مَنْ يجرؤ على هَزيمة وَرَقَة مُمَزّقة؟ مَنْ يستطيع شنّ هجوم عليها أصلاً»؟ ذلك كان مِثاله عن الخلاصة المُستَفادة معلوماتيّاً من عصر الورق: إذا توزّعت المعلومات (مع تشفيرها بالطبع) على نُثَرٍ صغيرة، وتفرّقت في أمكنة مُتباعِدَة، يغدو أَمنَها شديد القوّة، بل تستعصي على أن تشّن هجمات عليها.

 

دعّم اختصاصي المعلوماتية البريطاني بيتر كوكران ورقته المُمَزّقَة بعرض شرائح ضوئيّة «باور بوينت»، تصدّرته شريحة مُلوّنَة لكومة من الإبر الدقيقة، وقربها عنوان يقول: «العثور على الإبر في أكوام من الإبر- الملامح المستقبليّة في الأمن المعلوماتي» Finding Needles in Needle Stacks or The Future Aspects of Cyber Security. ومن الواضح أن تلك الشريحة تكرّر عبر عنوانها وصورة الإبر المُكوّمَة الخلاصة التي أبرزها كوكران في تمزيق ورقة ونثرها في الهواء. تقول الخلاصة إن توزيع المعلومات قطعاً صغيرة، وتخزينها في أمكنة متفرّقة، يجعل من الصعب تماماً الوصول إليها لسرقتها أوتخريبها.

 

وأظهر كوكران الميّال للسُخرية والمرح، صوراً أخرى تعبّر عن أفكاره المتطوّرة عن الأمن المعلوماتي في الأزمنة الحاضرة. وأبرز شريحة ضوئية لفتاة صغيرة ترتدي ثوباً طفوليّاً أبيض، وتحمل بيدها حفّارة كهربائية صنعت بها ثغرة في جدار قوي، مع عبارة تقول: «لا شيء أسهل من اختراق معظم المؤسسات والشركات». واستطراداً، رأى كوكران أن «حوسبة السحاب» Cloud Computing، التي تضع بيانات المستخدم على الإنترنت بصورة متوزّعِة، هي من السُبُل الأساسيّة في حماية المعلومات. ولكن، لم يخلُ الأمر من ظهور تحفّظات عن وجهة نظره، بعضها هُمِسَ به هَمساً.

عندما مزّق كوكران الورقة ونثرها، تذكّر البعض ما حصل عليه الإيرانيون من معلومات من الأوراق الممزّقة بالآلات في السفارة الأميركية في طهران 1979. وعندما ظهرت صورة أكوام الإبر، هَمَس ضيف أجنبي، وهو خبير معلوماتيّة أيضاً، بشبه وشوَشَة: «حسناً. ماذا لو كان للإبرة لون خاص بين أنواع الإبر كلها»؟

تاريخ مصر للحاج محمد مدبولي

$
0
0

أسس الحاج محمد مدبولي مشروعين كبيرين هدفهما تاريخ مصر، الأول «صفحات من تاريخ مصر» وصدر منه سبعون كتاباً، تشكل مكتبة متكاملة نجد في معظمها إصدارات جديدة، والأخري إعادة إصدار لمصادر مهمة طبعت علي مراحل زمنية متفاوتة وأصبح بعضها في ندرة المخطوطات مثل كتاب إلياس الأيوبي عن عصر الخديو إسماعيل، الذي طبعه الحاج محمد في مجلدين، السلسلة الأخري «صفحات من تاريخ مصر الفرعونية»، مازلت أذكره عندما كان يقول بصوت خفيض: «عاوزين نعرف الناس بتاريخ بلدهم». لم يكن الحاج مدبولي تاجراً، بل كان صاحب رسالة ماتزال مستمرة. الحديث عنه يطول، وأعتقد أن من واجب المعاصرين له إصدار كتاب حول هذا الرجل الذي يمثل ظاهرة فريدة، غير أنني اليوم سأذكر بعض العناوين التي صدرت مؤخراً في السلسلة الأولي «صفحات من تاريخ مصر» وسأتوقف عند بعضها بالتفصيل فيما بعد.


«آثار القاهرة الإسلامية من كتاب وصف مصر» للدكتورة تغريد عرفة، وفكرة البحث ذكية. مَن طالع كتاب وصف مصر، سيجد تدويناً دقيقاً لآثار مصر، خاصة الإسلامي منها، وفي عصر لم تُخترع فيه آلة التصوير بعد، عكف علماء الحملة علي رسم الآثار بدقة والتعريف بها. لا يتوقف الكتاب عند ذلك، بل يُعرّف بأنواعها وتفاصيل العمارة، ثم يقارن بين حال الآثار في زمن الحملة وفي الزمن الحالي.


«المنشآت المعمارية في عصر الخديو إسماعيل» للباحث أحمد علي، كتاب غزير في مادته، يتناول جهود الخديوي لتحديث مصر، المحور الأول يتعلق بالمدن القديمة مثل القاهرة والإسكندرية، والحديثة مثل الإسماعيلية وبورسعيد. والثاني يتناول النقل والمواصلات مثل التوسع في السكك الحديدية والبريد والتلغراف. الثالث حول تطوير شبكة الري وإنشاء ترع وقنوات جديدة، أما مشروعات التعليم فكانت استمراراً لسياسة محمد علي في بناء الدولة الحديثة، أما المحور الخامس فيتناول المشاريع الثقافية مثل دار الكتب ودار الآثار ودار الأوبرا والجمعيات العلمية.

«خانقاوات الصوفية في مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي ١١٧١-١٥١٧» للدكتور عاصم محمد رزق، وفي حدود ما قرأت لم أعرف إلا كتاباً واحداً للدكتورة دولت عبدالله عنوانه «معاهد تزكية النفوس في مصر في العصرين المملوكي والأيوبي»، وقد وجدت في مقدمة الدراسة الشاملة ما يؤكد أنه الكتاب الوحيد بالفعل الذي خُصص بأكمله لهذا الموضوع المهم. أمضي المؤلف أكثر من عشرين عاماً في إعداد الدراسة التي تعتبر الأشمل حتي الآن لهذه المنشآت المهمة التي لعبت دوراً كبيراً في الحياة الروحية والثقافية والاجتماعية لمصر وللعالم الإسلامي.
هذه المكتبة عمل ثقافي رائع يغطي تاريخ مصر بمراحله الفرعونية والقبطية والإسلامية، ولا يسعني إلا القول: «رحم الله الحاج محمد مدبولي وجزاه خيراً وبارك في خلفه».

أسبوع في الإمارات العربية المتحدة

$
0
0

أمضيت الأسبوع الماضي في أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في ندوتين هامتين: واحدة عن مصر وتحولاتها، وأخرى عن آثار التفاهم الإيراني - الأميركي على الخليج العربي. ويعكس تعاقب الندوتين اهتماماً إماراتياً وخليجياً بالتطورات الإقليمية المتسارعة، مثلما يشي بالدور المتعاظم لمراكز الأبحاث في تحليل واستشراف التطورات والمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بها، وهي مسألة إيجابية تبعث على التفاؤل في مواجهة التحولات الجيو-سياسية المتسارعة التي تعصف بالمنطقة الآن.

مصر الواقع والتحولات

نظم مركز الإمارات للسياسات، الذي تديره الدكتورة ابتسام الكتبي خلال يومي 15-16 حزيران 2014 الندوة الأولى المعنونة «مصر الواقع الراهن واستشراف التحولات». توزعت الندوة على عشر جلسات، تناولت موضوعات مثل: تحولات المشهد السياسي قبل 25 يناير 2011 وحتى 30 حزيران 2013، أولويات النظام السياسي بعد الانتخابات الرئاسية 2014، المصالحة والعنف والعلاقات المدنية - العسكرية، الاقتصاد المصري ومقتضيات النهوض، اتجاهات السياسات التنموية، المجتمع المدني والسياسات الثقافية، السياسة الخارجية المصرية في الإطارين الإقليمي والدولي، السياسة الخارجية المصرية في الدائرة العربية، أفق العلاقات المصرية - الخليجية، الخلاصة والسيناريوهات. شاركت في الجلسات العشر كمتحدثين نخبة من الخبراء المصريين هم بحسب ترتيب الجلسات مع حفظ الألقاب: أسامة الغزالي حرب، جمال عبد الجواد، أحمد زايد، مازن حسن، صالح الشيخ، عمرو هاشم ربيع، حسن أبو طالب، مختار نوح، طه عبد العليم، سمير رضوان، أمنية حلمي، رشاد عبده، عبد الفتاح الجبالي، أحمد السيد النجار، أيمن عبد الوهاب، أحمد مجاهد، عمار علي حسن، مصطفى علوي، كاتب السطور، هاني رسلان، محمد أنيس سالم، محمد السعيد إدريس، معتز سلامة، مالك عوني. وبدا من مداخلات غير المتحدثين من الخبراء وأساتذة العلوم السياسية الخليجيين أن هناك اهتماماً خليجياً واسعاً بالتطورات في مصر، وأن بلورة تحالف ثلاثي مصري - إماراتي - سعودي للتعامل مع التطورات الإقليمية المتسارعة يطغى على المداخلات، سواء بالتلميح أو التصريح. وكما هو متوقع، فقد استقطبت موضوعات السياسة الخارجية المصرية دائرة أوسع نسبياً من المداخلات والتعقيبات، خصوصاً أن هذه الموضوعات تحمل لبساً ما في تصورات الأطراف عن بعضها البعض من ناحية، وعن أدوارها المرتقبة من ناحية أخرى. حرصت ورقة كاتب السطور التي تناولت العلاقات المصرية - الإيرانية والمصرية - التركية في مراحلهما التاريخية المختلفة على تحديد سيناريوهات ثلاثة لكل علاقة، واحد متفائل وثان عقلاني تعاوني وثالث تصادمي. وإذ شددت الورقة على أهمية مصر كلاعب أوحد في المنطقة يمكنه - نظرياً وعملياً - رأب الصدع السني - الشيعي، فإن ذلك يتطلب تعاوناً خليجياً في استعادة مصر الهوامش والأدوار التي تركتها مصر خلفها في العقود السابقة لاستكمال عودتها الإقليمية وعدم الخوف من رفع مستوى العلاقات بين القاهرة وطهران كما حدث في السنوات الأخيرة، لأنه لا يمثل خصماً بالضرورة من القوة العربية الشاملة، بل إضافة لها. كما أن إدارة المباريات السياسية والإعلامية في المنطقة على قاعدة عروبية يخدم المصالح العربية العليا، لأن الانخراط في مباريات السني - الشيعي يفقد العرب مكوناً أصيلاً من مجتمعاتهم وحضاراتهم وقوتهم الشاملة، أي العرب الأقحاح من المسلمين الشيعة. وإذ طرحت الورقة العروبة الثقافية كحد أدنى للعلاقات العربية - العربية، فإنها دعت إلى بلورة نمط جديد من العروبة السياسية بعد طول تغييب وغياب. ومرد ذلك الطرح ليس انحيازاً أيديولوجياً - لا يتبرأ منه كاتب السطور - بل ضرورة عملانية إن كان للرقم العربي قيامة في معادلات الشرق الأوسط. كان لافتاً أن هذا الطرح لاقى قبولاً واسعاً من الجمهور الخليجي، الذي بات مستشعراً فداحة الخسارة بتغليب مباريات خاسرة قبل أن تبدأ، بالتوازي مع استبعاد أهم مكوّن حضاري يميز العرب في المنطقة. بالمقابل، لا يبدو أن هناك مصلحة مصرية في ترك العلاقات مع تركيا تتردى إلى مستوى قطع العلاقات، لأن ذلك لا يلبي المصلحة الوطنية المصرية. صحيح أن سقوط «الإخوان المسلمين» في مصر قد وجه ضربة ماكنة لطموحات تركيا الإقليمية، إلا أن استمرار المبارزات الإعلامية بين الطرفين ليس له أفق حقيقي، فلا أنقرة تستطيع تعديل موازين القوى في مصر، ولا القاهرة يمكنها تغيير المشهد السياسي في تركيا. نجح المؤتمر في إعطاء نظرة بانورامية شاملة عن الأوضاع في مصر، وفي البدء بحوار عقلاني بين أطراف المثلث المرتقب المصري - الإماراتي - السعودي، كرافعة لرقم عربي في معادلات الشرق الأوسط.

التفاهم الأميركي ـ الإيراني وتأثيراته

بعد استراحة ليوم واحد بدأت الندوة الثانية الهامة عن «التفاهم الأميركي - الإيراني وتأثيراته على الخليج العربي»، التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ويديره الدكتور جمال سند السويدي خلال يومي 18-19 حزيران 2014، وهو من أضخم مراكز الأبحاث العربية على الإطلاق. شاركت نخبة من الخبراء الخليجيين في الندوة مثل الدكاترة محمد بن هويدن وجاسم الحوسني وأحمد المطروشي من الإمارات، والدكاترة حسن جوهر وعبد الرضا أسيري وعبد الله الشايجي من الكويت، والدكاترة صالح المانع وسعود السرحان من السعودية، ونبيل الحمر من البحرين. وبالمقابل، كانت كوكبة لامعة من الخبراء الأجانب حاضرة في فعاليات الندوة مع حفظ الألقاب: كريم سجاد بور الباحث في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» في واشنطن، أنوشيروان احتشامي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة دورهام الإنكليزية، أمين صيقل رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة أستراليا الوطنية، السفير الأميركي السابق في الشرق الأوسط والأستاذ في «الأكاديمية البحرية الأميركية» جون ليمبرت، وأفتاب كمال باشا رئيس «برنامج دراسات الخليج» في جامعة جواهر لال نهرو الهندية، ونخبة من الباحثين الخليجيين والعرب.
ركز معظم المداخلات من الباحثين الخليجيين على التراجع الأميركي في المنطقة، وما يُبنى عليه من حتمية الاتفاق المرتقب بين واشنطن وطهران. كان واضحاً بين الزملاء الخليجيين أن هناك تغليباً لفرضية نجاح الاتفاق الأميركي - الإيراني، واختلافاً في التعاطي مع الآثار المترتبة عليه. وإذ سار كاتب السطور عكس سير المتحدثين الخليجيين، معتبراً أنه لا معطيات فعلية تشير إلى إمكانية إنجاز الاتفاق النووي خلال الشهور القليلة المقبلة، مع توقع مرور موعد العشرين من تموز المقبل دون اتفاق. وتركت التطورات في العراق بصمتها على أجواء الندوة، بحيث أشار لها أكثر من متحدث في سياقات مختلفة. وكان القاسم المشترك بين المتحدثين العرب في التعليق على هذه التطورات متمثلاً في إبراز أهمية المحور الخليجي - المصري في إعادة التوازن إلى معادلات المنطقة. في هذا السياق، تبدو مهمة مراكز الأبحاث المعنية مضاعفة، لأن الحديث العاطفي عن تحالف شيء، وإرساء هذا التحالف المنشود على أسس ثابتة وراسخة شيء آخر. تنهمك في فترات الاستراحة في تصفح مئات العناوين من الإصدارات، التي نشرها «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، وآخرها كتاب «آفاق العصر الأميركي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد» لمؤلفه الدكتور جمال سند السويدي. تعرف أن وجبة القراءة في الأسبوعين المقبلين ستتضاعف، فتشعر بالتحدي والأمل.

الأحلام والخيال السياسي

في رحلة العودة من أبو ظبي إلى القاهرة بالطائرة تحلق بأحلامك بعيداً، فترى عالماً عربياً متناغماً يؤسس قراراته على قراءة موضوعية لموازين القوى الإقليمية والدولية، يفسح المجال لعقوله ومراكز أبحاثه لتتولى أدوارها المناطة بها والقادرة عليها بالفعل. عالم عربي يتضامن بين دوله وشعوبه على أسس عقلانية وعاطفية في آنٍ معاً، يحترم الحقوق الأساسية لمواطنيه وينفتح على جواره الحضاري والجغرافي في إطار من الندية والاحترام المتبادل. يأخذك الحلم بعيداً فتحلق فوق ربوع العرب واجداً إياهم رقماً صعباً في معادلات منطقتهم، متجاوزاً ركام الخراب الراهن وحرائق الفتن الطائفية المتنقلة إلى المستقبل الآتي بالعرق والعمل والمعرفة. حلمك ليس ترفاً فكرياً أو هروباً من واقع أليم، بل جزء لا يتجزأ من خيال سياسي مطلوب لتعقل وتصور الخطوات المقبلة؛ مهما بدت الصورة كئيبة وباعثة على التشاؤم الآن. في الختام حقيقة لا بد من تذكير المتشائمين بها: ما زال العرب يشكلون الشطر الأعظم من سكان الشرق الأوسط، والقسم الأكبر من جغرافيا المنطقة، والنصيب الأوفر من مواردها الهيدروكربونية والغالبية الساحقة من ممراتها البحرية!


قناة السويس (5)

$
0
0

وحديث الإحتلال يطول وقد لا ينتهى. إذ أن السبب الحقيقى لدخول البريطانيين إلى مصر كان هو الحرص على وقوع قناة السويس فى يد السلطة البريطانية. والأسباب الحقيقية وراء كل ما حدث منذ نهايات عصر إسماعيل فى سبعينات القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية فى أربعينات القرن العشرين هى أيضا أسباب متعلقة بقناة السويس. صحيح أن أهميتها قد قلت بنسبة ما نتيجة إختراع الطائرات والصواريخ التى لا تحتاج إلى مرور بحرى، إلا أن النقل التجارى بل والحربى أيضا لا يزال معتمدا عليها بكثافة. وقصة إحتلال مصر عام 1882 معروفة ولا داع لتكرارها. فقد راوغت إنجلترا بأن أعطت الإنطباع بأنها ستهاجم مصر من جهة الغرب فى الأسكندرية بينما كان الإستعداد الحقيقى هو للهجوم من الشرق. وقد أرسلت القيادة تستدعى جيشا من الهند لكى ينضم للأسطول القادم من أوروبا. وقد حاول عرابى أن يردم القناة حتى لا تستعمل فى مرور القوات الغازية ولكن دليسبس رئيس الشركة أقنعه بالعدول عن تلك الخطة حيث أن القناة منشأة دولية لا يمكن المساس بها ولا تستطيع الجيوش البريطانية أن تغزو مصر عن طريقها، وقد صدقه عرابى. وبالفعل دخلت السفن البريطانية من بورسعيد وحدث إنزال فى الإسماعيلية وكذلك وصلت سفن قادمة من الهند تحمل جنودا لإكمال عملية الإحتلال. وبالطبع كان أول هدف للقوات الغازية هو معدات ومبانى شركة القناة حتى لا يتوقف العمل ولا تحدث لحركة الملاحة أية أضرار. وبعد أن تم وضع كل ذلك تحت الحماية البريطانية زحف الجيش إلى القاهرة عبورا بالتل الكبير حيث وقعت المعركة وانتهى الأمر بالإحتلال. والذى يعنينا هنا ليس الإحتلال ولكن القناة. ودور القناة فى تسهيل الإحتلال كان لا ينكر. ولا أقصد هنا التسهيل المادى بعبورها إذ أن الجيش كان لديه القدرة على النزول فى بورسعيد والسويس بنفس الكفاءة. ولكننى أقصد التسهيل القانونى المتمثل فى أن الغرض المعلن لبريطانيا من هذه العملية العسكرية كان هو حماية الحركة الملاحية التجارية المعتمدة على المرور فى القناة. وهذه الحجة كانت كافية لأن يقبل الجميع بهذا الإحتلال. وأول الجميع بالطبع كان هو الباب العالى، المستأمن على مصر !!!

والآن وقد إستقرت الأوضاع لبريطانيا فى مصر عقب الإحتلال فقد كانت فرنسا لا تزال قلقة من وضع يد بريطانيا على القناة أولا بسبب الوجود المادى الفعلى فى مصر وثانيا بسبب الوجود القانونى بشراء أسهم فى شركة القناة طمعا فى المزيد من السلطة فى إدارة شئونها. ولذلك إقترحت فرنسا مؤتمرا دوليا يبحث الملاحة فى قناة السويس يعقد فى إستنبول وكان ذلك فى عام 1888 ودعيت إليه الأمم البحرية فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وروسيا والنمسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وبالطبع الدولة العثمانية التى قامت بدور المضيف. واللافت للنظر هو تسمية المؤتمر نفسه. حيث سمى مؤتمر القنسطنطينية بدلا من مؤتمر إستنبول وهو الإسم الرسمى للمدينة منذ عام 1452. وإسم القسطنطينية يبدو أنه إسم عزيز على الأوروبيين حيث أنهم أرادوا إعادته مرة أخرى عقب هزيمة الأتراك فى الحرب العالمية الأولى بحيث تصبح تلك المدينة هى عاصمة المسيحية الشرقية وتضم اليونان إلى سلطتها ولكن الإجراءات السريعة التى واجه بها مصطفى كمال أتاتورك هذه الخطة نجحت فى إفشالها. وعلى كل حال فالدولة العثمانية لم تعترض حتى على الإسم فاستقرت المعاهدة الناتجة عن هذا المؤتمر تاريخيا تحت إسم معاهدة القسطنطينية. وكان الغرض من عقد مؤتمر القسطنطينية هو تدويل القناة بالكامل لكى تصبح ممرا مائيا دوليا مفتوحا للملاحة فى كل وقت وتحت أى ظرف من الظروف ولا تكون لمصر المسكينة أية سلطة على إقليمه. وهذا المبدأ خطير للغاية إذ أن القناة كما رأينا تقع داخل إقليم مصر شرقا وغربا ومدخلاها من الشمال والجنوب هما مياه إقليمية مصرية أى أنه بذلك يصبح ممرا مائيا داخليا مصريا مائة فى المائة. والأمر الغريب فى كل ذلك هو موقف الباب العالى. فهذا المفهوم هو فى الواقع سلخ لجزء من مصر عن السيادة المصرية التى هى فى النهاية تابعة للسيادة الأعلى، أى العثمانية. ولكن الأتراك قبلوا كالعادة ولم يعترضوا على شىء من هذا حيث أننا قد تأكدنا من قبل أن مصر لم تكن تعنيهم فى شىء. وفرنسا وإنجلترا كانا فى ذلك الوقت خصمين إن لم نستعمل كلمة عدوين. وفى نهايات القرن التاسع عشر فى عام 1888 تولى القيصر الشاب فيلهلم الثانى عرش ألمانيا. وكان طموحا مائلا للزهو حيث أن جدته لأمه هى الملكة فكتوريا ملكة إنجلترا. وكان هذا القيصر يرى أن لألمانيا دور فى العالم ومكانة لم تصل إليها بعد. ولهذا فقد طالب بنصيب لألمانيا فى المستعمرات وقام ببناء أسطول ألمانى أراد به أن ينافس سيدة البحار فى ذلك الوقت، بريطانيا العظمى. ولكن الساسة البريطانيين كانوا يراقبون تحركاته وتطور ألمانيا ببالغ القلق وكانوا يتوقعون حربا مع ألمانيا عاجلا أم آجلا. ولهذا فقد سعى البريطانيون إلى محاصرة ألمانيا من الجانبين بعقد تحالفات مع جاريها الكبيرين، فرنسا وروسيا. وفى سياق ذلك وقعت كل من بريطانيا وفرنسا الإتفاق الودى بينهما فى عام 1904 وبذلك إنتهت الخصومة بينهما ودخلا الحرب العالمية الأولى جبهة واحدة ضد ألمانيا التى كانت قد تحالفت مع الباب العالى بعد أن بدل الأخير تحالفه الأساسى مع بريطانيا إلى تحالف ألمانى.

وفى هذا الجو المشحون بالتوتر بين فرنسا وبريطانيا عقد مؤتمر القسطنطينية عام 1888 بغرض تدويل الممر الملاحى بصفة نهائية على مقتضى الإقتراح الفرنسى. وإتفاقية القسطنطينية هذه منذ 125 عام هى الوثيقة الوحيدة من كل ما جاء ذكره من وثائق والتى لا يزال لها أثر قانونى ولا تزال سارية وقائمة بأحكامها وشروطها إلى اليوم بعد أن زالت كل الوثائق الأخرى. ولهذا فلابد من الوقفة الفاحصة لنصوصها. والواقع أن المرء يندهش من بجاحة القوى المشاركة فى ذلك المؤتمر، ولم تكن الدولة العثمانية أقلها بجاحة!! فالطلب الفرنسى كان هو فتح القناة باستمرار لجميع الدول بلا إستثناء فى جميع الأحوال من سلم وحرب !! والنص بهذه الصياغة لا يعنى سوى نزع السيادة عن القناة نهائيا وتحويلها إلى ممر فى أعالى البحار لا سلطان لأحد عليه. وهو أمر غريب جدا فى مبناه ومعناه. إذ أن ذلك يعنى أن سفن الدول المحاربة ضد مصر تصبح صاحبة حق مرور داخل المياه الإقليمية المصرية فى البحرين الأبيض والأحمر وصولا إلى مداخل القناة فتعبرها مخترقة الخطوط المصرية وتخرج سالمة من الجهة الأخرى ومصر لا تحرك ساكنا!!! وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من الإتفاقية. ويأسف المرء أن يقر بأن من دافع داخل المؤتمر عن حق مصر فى السيادة على أراضيها وصيانة دفاعاتها والحفاظ على بحرها الإقليمى لم يكن الطرف صاحب السيادة القانونية "الشرعية"على مصر ، الباب العالى، ولكن كانت قوة الإحتلال "الغير شرعى"هى من قامت بتلك المهمة، بريطانيا !! فقد أصرت بريطانيا على نص المادة العاشرة من الإتفاقية والذى يفرغ المادة الأولى من محتواها فى حالات الدفاع عن مصر بحيث أصبح من حق مصر منع الدول المعادية من إستعمال القناة رغم الصياغة الغائمة للمادة العاشرة. وكان هذا هو أساس رفض مصر مرور جميع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل فى القناة عقب حرب 1948 حيث أنه طلب من مصر الموافقة على مرور تلك السفن. والآن إلى نصوص الإتفاقية الوحيدة الباقية منذ تلك الايام حتى يومنا هذا.

هموم أفريقية عربية فى داكار

$
0
0

هذه الحوارات جرت فى داكار وليست فى " أديس أبابا" ! رغم أن موضوع الاتحاد الأفريقى وموقفه – فى أديس – من مصر كان هو الحدث الغالب – فى مناقشاتي على الأقل - بسبب قرب اتخاذ مجلس السلم والأمن الأفريقى لقراره بشأن رفع "الحظر على "أنشطة "مصر فى الاتحاد ...! وهو الموضوع الذى جر عديدا من الموضوعات الأخرى العالم-ثالثية للحوار. 

كنت أعجب أصلا من قلق الإعلام المصرى ، ثم"فرحته"الشديدة لدرجة تبشيره "بالعودة "قبل مناقشة الاتحاد للموضوع ! حيث اني افترض أن الاتحاد هو المحتاج لمصر ، بأكثر من حاجتها له ! لكن ظروف الأزمة السياسية فى مصر حكمت أشياء كثيرة ، ومنها حوارات داكار حول الموضوع ....

 

وكان طبيعيا أن توحى داكار باتجاهات مختلفة للحوار . وعندما حضرت رئيسة وزرائها القاضية الفاضلة "أميناتا تورى"، لتحية مؤتمر المجلس الأفريقى ( كوديسريا ) ، شعرنا أن كل شيئ هادئ على شاطئ الأطلنطى الجنوبى .... رغم تفجره على بعد كيلومترات منها فى مالى ، ونيجيريا، بل وبقية الصحراء الغربية ...! .ومن حق الرئيسة أن تبدو هادئة هكذا طالما تعتمد على شعبية ديمقراطية تعتبر مثالا الآن على المستوى الأفريقى كله ..وليس عندها مشاكل العنف أو الإرهاب أو التدخل الأجنبى المباشر ....اللهم إلا استقرار علاقتها مع الفرنسيين ، و اليقظة لنشاط الإيرانيين ، حفاظا على القوة الاقتصادية للبنانيين الشيعة فى السنغال .

كان طبيعيا أن نجد فى السنغال قلقا من أى نظم غير ديمقراطية ، ولكنهم يتفهمون طبيعة التطورات المصرية ، كما يخشون مما يجرى فى ليبيا ، بسبب تسرب الأسلحة الليبية لأنحاء القارة

التعليقات على الاتحاد الأفريقى وموقفه كانت مثيرة أحيانا ، فرئيس الاتحاد الحالى (الموريتانى ) ينطبق عليه قواعد أخطر أحيانا مما ينطبق على مصر ، بحكم مأزق الانقلاب العسكرى الفعلى الذى قاده عام 2008 خلافا للحركة الشعبية المصرية، التى غيرت الحكم فى مصر...لذلك اندهش البعض من الضغط المصرى "للعودة "بينما الاتحاد هو المحتاج ...

فالاتحاد ودول القارة تبدو محتاجة للقوة المصرية للعون فى مواجهة الارهاب فى مالى ونيجيرياوالصومال ، والدول السابق تطرفها ضد مصر وفى مقدمتها نيجيريا وجنوب أفريقيا ، أصبحت طرفا فى معركة مواجهة الإرهاب ( يستعيد الحكم أيضا فى نيجيريا نفوذ الجنرالات "أوباسانجو "و "بوهارى"، و ( تقوم جنوب أفريقيا فى معظم الحالات بدور الشرطى الدولى! وحضر وزير الامن الي مصر مبكرا !) كما ان اثيوبيا وكينيا موجودتان فى الصومال بشكل غير قانونى تقريبا ، والموقف فى ليبيا فى أسوأ حالاته , ويمتد أثره عبر الصحراء ، وهذا ما يجعل الموقف الجزائرى بالضرورة أيضا مع التفاهم مع مصر بعد جفاء معروف ! . وأظن أن الأمريكيين والفرنسيين فى الأطلنطى ، أو الاتحاد الأوربى سيكونون أميل , مع أصدقائهم , إلى ترضية مصر فى هذه المرحلة طمعا في دورها الشرطي , مالم تتيقظ مصر وشعبها لتجنب ذلك !. وفوق هذا وذاك فإن حرمان الاتحاد من نصيب مصر فى ميزانيته خاصة مع مضاعفة العجز بغياب المساهمة الليبية يصيب نشاط الاتحاد الأفريقى بمقتل ! ، وهو يعانى ذلك من قبل .

بعد ذلك انتقل الباحثون بسرعة لجدول أعمال آخر أكثر تحديدا فى المجلس الأفريقى للبحوث الاجتماعية بداكار خاصا بقضية تمويل مثل هذه الهيئات الافريقية العلمية أو الشعبية من غير الممولين الأوربيين .والطريف أنهم توقعوا منى أخبارا عن إمكانيات مساعدة الخليجيين المالية للمجلس الأفريقى لسببين امتد إليهما الحوار : أولا أن مصر تقترب من الخليج أكثر من أية كتلة فى العالم ...! ثانيا : أن إحدى دول الخليج ترأس القمة العربية الأفريقية لثلاث سنوات قادمة وهى الكويت ، وطبيعى أن تمتد أنشطتها إلى التعاون مع مثل هذا المجلس فى داكار ، وغيره ... !

وابتسمت من هذا التفكير الأفريقى المتفائل .. !لعدم توفر معرفتى بهذا الكرم الخليجى تجاه أفريقيا منذ نهاية السبعينيات ( وأول ندوة دولية عن التعاون العربى الأفريقى كانت فى الشارقة 1976وكنت حاضرا لتسمية قاعة كبرى هناك باسم قاعة أفريقيا !)
المسألة الأخرى التى استحوذت على الحوارات الأفريقية فى داكار كانت تلك الظاهرة التى تجعل من "الأصوليين الإسلاميين " - وهذا أفضل تعبير موضوعى بدلا من السلفيين والإرهابييين والمتطرفين ...الخ - يمثلون الظاهرة ( الإسلامية ) بهذه الكثافة فى وقت واحد ، وبآليات عسكرية بهذا التقدم ليزحفوا بسهولة فى نيجيرياومالى والصومال وليبيا وسوريا والعراق ، وكأنهم جيوش متكاملة ، متقاربة ، وليسوا هؤلاء الأبرياء ممن يحرمون التعليم الأجنبى (بوكو حرام) أو الشباب الطيب الرافض للاحتلال فى الصومال ، أو شذرات التنظيمات المعارضة فى سوريا ممن يتمددون فجأة من تركيا لسوريا للعراق ، فى كفاءة نادرة أمام جيوش الأشاوس أو حماتها من الكتل الدولية !

ويدهش الأفارقة من سمتهم "الاسلامية "جميعا ، مع أنه منذ فترة قريبة ، كان ثمة ميل لدى عدد من المثقفين الأفارقة – مثل غيرهم فى أنحاء العالم – لاعتبار القوى الاسلامية صاحبة حق فى الوجود كقوى مدنية فى النهاية يمكن الحوار معها بدل التشدد المثير للإنقسام الاجتماعى ، لكن هذه الصورة "الإسلامية "فى أنحاء مختلفة من العالم الأفريقى والعربى ، باتت تضع التيارات الإسلامية- فى رأى الكثيرين- موضع التساؤل ...لأنها تثبت بهذا العنف صعوبة تحول "الدينى "إلى سياسى مدنى ، كما يتمثل الأمر فى بعض المناطق الهادئة ...بل وكانت السنغال نفسها التى بدأنا بها الحوار مثالا على تغلب السياسى على الدينى ، إزاء ما عرفناه عن طبيعة المعركة السياسية الرئاسية والبرلمانية مؤخرا ، وكيف حجبت القوى السياسية قوى دينية راسخة مثل المريدية والتيجانية والقادرية ..وحين حاول الرئيس السابق "عبد الله واد "الاستعانة بهذه القوى المحافظة خسر الانتخابات بجدارة !

لاحظ البعض أن موقع السنغال غير جاذب للتصارع الخارجى مثل الحالات الأخرى ، إلى جانب أو ضد هذه التيارات الأصولية ، ولذا بدأت جلسات المجلس تتجه لضرورة الوعى فى الفترة القادمة بمشكلة التدخل الأجنبى الذى يبدو مستفيدا من وجود هذه التوترات لتبرير وجوده ، على النحو الذى يبدو واضحا فى كل الحالات تقريبا ، بأفريقيا والشرق الأوسط .
قد يكون الحكم الديمقراطى الجديد فى السنغال بقيادة الرئيسان "سال"و"تورى"قد رأيا التحرك أيضا على الجبهة الشعبية لضمان سند "إنسانى"أفضل من تلك التدخلات العسكرية ! ولذا يجرى فى داكار الإعداد لانعقاد المنتدى الاجتماعى (أفريقيا)- وهو غير العالمي في جنوب افريقيا في ديسمب 2014 ايضا - فى دورة جديدة فى أكتوبر القادم لعام 2014 بما يفرض على مختلف "الشعوب القلقة"، أن تدفع بتمثيلها هناك بشكل مناسب ! وقد رأيت سمير أمين من موقعه فى داكار متحفزا معى للربط بين إحياء روح المنتدى الاجتماعى ، والاستعداد للذكرى الستين لمؤتمر "باندونج" (1955) ، وإزاء انطلاق المؤتمر الوزارى لعدم الانحياز تمهيدا لقمته فى فنزويلا عام 2015 ، فإن الحركة الشعبية على مستوى القارات الثلاث ، وفى تمثلات مختلفة لحضورها يمكن أن تجد منافذ للتحرك الحقيقى .

لكن على القوى الديمقراطية فى هذا "العالم الجنوبى"، أن تكون أكثر استعدادا على المستوى المحلى بقدر ما تسعى للحضور الخارجى أو الدولى .

فرضت هذه العلاقة المتداخلة بين التيارات الأصولية والتدخل الأجنبى ، ضرورة اتجاه المجلس الأفريقى للبحوث الاجتماعية – وغيره من الهيئات البحثية – العودة لدراسة موضوع الأصولية ، ومخاطر التدخل الأجنبى على حيوات الشعوب وثقافتها فى القارة .

واقتضى ذلك بالطبع التفكير فى العودة لمقولات تحرير العلوم الاجتماعية أو الدراسة المعمقة للثقافة الشعبية باعتبارها تعبيرا حقيقيا عن الثقافة الأصيلة وليست التيارات المصطنعة حديثا باسم الدين أو غيره ، ومن هنا انتزعنا الموافقة على اعتبار "العربية "لغة بحث وعمل فى المجلس لتشجيع الباحثين العرب على المساهمة فى هذه الدراسات .

ولم يكن لينسى المجتمعون أهمية التيارات الحديثة فى التجمعات الاقليمية ، ومدى تمثيلها لتوجهات العولمة ، أو قل الصراع بين الاستقلالية والتبعية ، فى الاقاليم السياسية المختلفة .

كل هذه الهموم التى عشناها فى داكار فاقت مجرد الفرحة الساذجة فى مصر"بالعودة "لنشاط الاتحاد الأفريقى فى جو من افتقاد الحوار حول دور مصر الأكبر فى قضايا العالم المختلفة مشرقا ومغربا ...

درس من الحضارة العربية - الإسلاميّة: العلم ينمو بالاختلاف

$
0
0

ماذا لو أردنا فتح نقاش مختلف عن العلاقة بين التخلف العلمي، بل ربما الحضاري، الذي يعيشه العرب، وبين الطريقة التي تفكر فيها الثقافة السائدة في التجربة المزدهرة للحضارة العربية - الإسلاميّة.

 

الأرجح أنه يصح البدء من القول إن العلم والحضارة ليسا شيئين متطابقين دوماً، لكن الفصل الكامل بينهما يبدو تعسفياً واختزالياً.

 

إذ رفعت الــنازية راية العــلم بــقوة شــديدة. لــيس فــقط أنها زعمت للجــنس الآري تفــــوّقاً علــمياً، لكنها جعلت من ذلك الزعم الزائــف مرتكزاً للقول بأن ذلك يعطي الجــنس الآري سبباً للهيمنة على غيره من الأعراق. ارتكز كثير من مزاعم النازية على العلم أيضاً.

 

كأس الـ «يوجينيا» المُرّة

 

في مثال لافت، يشتهر عن النازية أنها تبنت مقولات تشارلز داروين عن أحقية الأقوى في البقاء على حساب الأضعف، الذي يجب ازالته لأنه يمثل عبئاً على الحضارة.

 

استخدمت النازية مقولات التفوق في السمات البيولوجية، بما فيها الذكاء العلمي، مبرراً لسياسة عنصرية حملت اسم «الصفاء العرقي» واشتهرت تحت مصطلح الـ «يوجينيا» Eugenia.

وتحت مزاعم الـ «يوجينيا»، أصرّت النازية على عدم السماح بالتكاثر إلا للأفضل. وفرضت سياسة وقف التكاثر، عبر خصي الذكور وإزالة مبايض الأنثى، على أعراق اعتبرها النازيون أنها أقل، خصوصاً في ملكات العقل.

 

وفتح التفكير بالـ «يوجينيا» والانتقاء العنصري، باب معسكرات الابادة الجماعية في داخاو وأوشفيتز، تحت شعار التخلص من العبء الحضاري الذي تمثله أعراق أدنى عقلاً ونوعيةً، مثل اليهود والغجر والروس والسود وغيرهم. وبقية القصة معروف.

 

تاريخياً، مثّلت النازيّة وضعاً مشتطاً أو متوحشاً، كما درج المفكرون في الغرب على القول، في الاعلاء من شأن العلم والعقل في ميزان الحضارة. لهذا تُستخدم عبارة من نوع «عقلانية متوحشة» في الاشارة إلى تجارب من نوع النازية.

 

ولكن النازية ليست عزفاً منفرداً. إذ طالما بررت الدول الأوروبية استعمارها العالم، بالعبء الذي ألقاه القدر على الرجل الأبيض، الذي يتوجب عليه انقاذ أمم العالم من الجهل والتخلّف عبر... الاستعمار! لعل مقولة «العبء الحضاري للرجل الأبيض» (التي رميت أيضاً في وجه الأفارقة الأميركيين تمييزاً عنصرياً)، من أقوى مفارقات مشروع الحداثة الاوروبي، إضافة إلى مقتلتي الحربين العالميتين، والجريمة ضد الانسانية التي مثلتها مجزرة القنبلة الذرية وغيرها. وثمة نقاش مديد في الغرب عن الدلالة الحضارية لتلك الأمور. ومن المفيد استحضار ذلك النقاش لتأكيد ضرورة النظرة النقدية والمُركّبة عند التفكير بأمر العلم والبحث عن سبل التقدّم فيه.

 

يكفي التأمل في مســألة التقدّم العلمي من منظار تاريخي، لنعرف أنها لا تُخــتزل إلى تفاصيل، ولا تُحلّ باجــراءات وتمـــويل وما إلى ذلك. وبعد، فما الذي فعله العرب، منذ عهد محمد علي باشا إلى مدينة دبي للانـــترنت، ومروراً بأرتال الجامعات والمــعاهد ومراكز البحث والمبعوثين والموفدين وما إلى ذلك، غــير أنهم جربوا أشكالاً متعددة من هذا الحل؟

 

العرب ونقد النموذج اليوناني

 

هناك من يرى نوعاً من التعسّف في الحديث عن التخلّف الحضاري، بمعنى أنه حديث لا يخلو من عنصرية. وفي المقابل، هل نستطيع القول إن شعباً ما يمكن أن يكون غير متخلّف حضارياً، ولكنه متخلّف علمياً «فقط»؟ أم أن العلم من أشكال الاتصال مع الحضارة، إذ يمثّل التأخّر علميّاً في مجاراة الشعوب دليلاً أو مؤشراً على التخلّف عن ركب الحضارة الانسانية؟

إذا فكر البعض في ذلك الاتجاه، فلربما توسّعت دائرة النقاش بطريقة تدعو للقلق، بل تهدّد بضياع جدواه.

 

وحاضراً، من الوقائع التي تضرب الأعين ان الغرب متقدّم، فيما الواقع العربي - الإسلامي متخلف. يسهل قول مثل هذه العبارة، فهل يسهل اشتقاق الاسئلة، عدا عن الأجوبة، منها؟ لنأخذ المسألة الأساسية فيها: التخلف. ما هو التخلف؟ هل أنه شيء تتفق الآراء في تعريفه وتحديد مواصفاته، كي يصلح منطلقاً في السعي إلى إجابة؟ من السهل نسبيّاً الإشارة إلى وضع متقدّم علميّاً عاشته الحضارة العربيّة - الإسلاميّة. وفي ظل تلك التجربة المتقدمة، برز تداخل فوّار بين مسار العلوم من جهة، والثقافة بمعناها الواسع من الجهة الثانية.

 

مثال؟ وضع البتروجي في كتابه «مبادئ الفلك» (ووافقه في ذلك إبن الشاطر وعلماء «مرصد مراغة»)، نموذجاً للنظام الشمسي بيّن فيه أن الشمس وليس الأرض (التي اعتبرها كروية) هي مركز ذلك النظام. كان علم الفلك العربي ملك للانسانية، كما ساهم في تقدّم وعيها العلمي والتاريخي.

إذ نقض البتروجي وابن الشاطر وغيرهما نموذج الفيلسوف اليوناني بطليموس (الذي عرفه العرب وترجموه). ومهّدوا لثورة الفلكي البولندي نيقوس كوبرنيكوس في العلم. والجدير ذكره أن ثورة كوبرنيكوس الفكرية تُعتبر في الغرب، النقلة التي فتحت عصر الحداثة الاوروبية التي ما زالت مستمرة وتتطور.

 

عصر المأمون ونقاشاته


تصل بنا هذه الأمور مجدداً للقول إن العلم لا ينمو في فراغ، بل يتفاعل مع سياق اجتماعي وثقافي يجدر اعطاؤه الاهتمام الكامل.


وبالعودة الى التاريخ، ثمة شبه اجماع على القول إن عصر الخليفة المأمون مثّل ذروة في حركة العلم، بما في ذلك الترجمة التي ابتدأ بها العرب منذ مطلع العصر الأموي.


وشهد عصر الخليفة المأمون انفجاراً داوياً للخلاف على فهم النص الديني، فيما يُعرف بإشكالية قدم القرآن. والأرجح أنه ليس عبثاً أن ذلك النقاش تميّز بوقوف «الفلاسفة»، أي المتأثرين بالعلوم اليونانية وفلسفتها، في صف شبه موحّد، وجد أوضح تعبير له في مدرسة المُعتزلة وشيوخها.


وظلّ ذلك النقاش يتردد في التاريخ العربي طويلاً، وأشهره نقد الغزالي للمتأثرين بالفلسفة اليونانية وعلومها في «تهافت الفلاسفة» و «المنقذ من الضلال».


وعرض الغزالي الكثير من المسائل المتعلقة بالمناهج العلمية، وكذلك علاقة العلم مع العقل. ومن المشهور أيضاً أن الفيلسوف الاندلسي إبن رشد، توسّع في الردّ على الغزالي، خصوصاً في كتابه «تهافت التهافت».


وأدت أمور كثيرة إلى استغناء النظام التعليمي العربي - الاسلامي عن العلوم الطبيعية، وعزلها عن التفكير التعليمي والفلسفي والتشريعي. والأرجح أنه من الأمور التي أوهنت المسار العلمي لتلك الحضارة. يبقى ملفتاً تلك اللحظة من الترابط، في عصر المأمون، بين علو الأشتغال بالأفكار والفلسفة والنقد من جهة، والتقدّم العلمي من الجهة الثانية. بقول آخر، يعطي عصر المأمون نموذجاً عن الترابط بين ثقافة الاختلاف من جهة، والتقدّم في العلوم من الجهة الثانيّة.


والأرجح أيضاً أن التركيز المتطرف على الماضي يمثل نوعاً من ردود فعل، ويعكس تأثراً بما يُسمى «الــمركزية الأوروبية».


وبعبارة أخرى، كما الغرب يرى نفــسه مركزاً للعالم ويطلب من شعوب الارض تقليده، بما في ذلك المجال العلمي، تطلب «المركزية الاسلامية» الاعتراف بقوة اسهام الاسلام في الحضارة (وذلك مطلب مُحِقّ فعلياً)، لكنها تتطرف بعد ذلك باشتطاط لترى في نفسها نموذجاً مطلقاً بحيث لا يحصل التقدّم الا بالعودة اليه. وللنقاش بقيّة.

ضياع كرة البرازيل واستقلال اسكتلندة وقطلونيا

$
0
0

لا كرة برازيلية في "مونديال البرازيل 2014"! حتى لو فازت بلاد منتخب "السامبا"بالكأس الذهب لكرة القدم، فإن منتخبها لم يرقص على العشب الأخضر، بمعنى أن منتخبها لم يلعب تلك الكرة الساحرة التي كانت تُشبّه برقصة السامبا الفوّارة، أيام بيليه وزاغالو وديدي وجيرزينهو وتستاو وزيكو وسقراط. بتلك الكرة الممتلئة بسحر البراعة الفردية واللعب الجماعي المنسق بتلقائية وانسيابية، امتلأ خيال العالم بالبرازيل وكرتها. صنعت البرازيل صورتها الأخّاذة كمركز لا يضارع، عبر كرة يتناقلها لاعبون يتراقصون بمنافسيهم عبر التمرير بالكعوب وأنصاف الأقواس وبالالتفاف بالجسد مع الكرة، وبقفز الكرة فوق الرأس وملاقتها التفافيّاً بالصدر. في ذلك الزمان كسبت البرازيل الكأس الذهبية خمس مرات، وخسرتها مرات أكثر، لكنها كانت دوماً المدرسة التي لا تبارى في ألعاب تشبه السيرك والمهرجان والبهلوانات، بلاعبين يؤدون ركلات حرّة فتصبح كأنها ضربات جزاء، لأنها تطير في الهواء وتلتف كأنها توجّه بيد ساحر، وترسم في الهواء شكل أنشوطة ترتفع فوق حائط الصدّ وتسير مخادعة عين حارس المرمى، لتتقوّس صوب الزاوية الاخرى. تلك ضربة الأنشوطة كانت اختراعاً برازيلياً. وعلى غراره، كان غارينشيا المقوّس القدم يركض من زاوية الملعب ليشوط كرة ترسم قوساً ارتدادياً إلى أعلى الزاوية المقابلة، بل الزاوية الأقرب لجهته من الملعب، وهي أكثر صعوبة وأكثر ضيقاً، لكن ضربات غارينشيا كانت تنفذ إلى الشباك والمخيلات وتصنع صورة البرازيل. في زمن تكفّلت فيه البرازيل بصنع مجد سوف لن يتكرّر أبداً، وهو احتفاظها إلى الأبد بكأس "جول ريميه"لكرة القدم بعد أن فازت بثلاث مونديالات  في 1958 و1962 و1970، كان لاعبوها يتناقلون الكرة بينهم في مثلثات تتحرّك ضمن دوائر مستمرة، كأنهم يؤدون رقصة لشطحات الصوفيّة. لم يكن ممكناً توقع ممرات الكرة البرازيلية، ولا تحرّكات أجساد لاعبيها الذين كانوا في حال رقص لا تهدأ، وابتكار لا ينتهي لكرة عبقرية.

 

 

 

أين ذلك الوصف من الطريقة التي تلعب فيها البرازيل في المونديال الذي أنفقت مليارات لاستضافته على أرضها؟ المفارقة الكبرى أن كرة اللعب البرازيلي الساحر والجميل، ضاعت كليّاً في مونديال البرازيل. ثمة مفارقة أشد عمقاً. تصدر البرازيل لاعبيها إلى أوروبا في صفقات ماليّة خيالية (ما زال برشلونة يهتزّ بتأثير صفقة انتقال نيمار دا سيلفا)، بالضبط لأنهم يلعبون كرة برازيلية. وعندما جمعت البرازيل منتخبها لمونديال 2014 من لاعبيها الذين صدّرتهم إلى أوروبا، عادوا إلى البرازيل بكرة... أوروبيّة تماماً.

 

 

 

لا يلعب المنتخب البرازيلي كرة "سحرة السامبا"، لكنه يؤدي كرة أوروبيّة تماماً. يمتلأ لعب المنتخب البرازيلي بالانضباط واللياقة والتركيز الذهني العالي والثقافة الكروية المتقدّمة، لكنه لا يلعب بمهارات كرة "السامبا"ولا انسيابيتها ولا ابتكاراتها ولا رقصاتها ولا موسيقى المثلثات القصيرة والكرة المتقافزة بين ظاهر الأقدام وخارج الصدور وأعلى جبهات الرأس. يلعب منتخب البرازيل بانضباط كروي، وبخطط تتراوح بين 4-4-2 (التي تسير بسرعة نحو الدفاع، وهو غير مألوف في البرازيل وأميركا اللاتينية)، و3-4-3 التي تميل بسرعة إلى 3-5-2، فتقتل اللعبة في منتصف الملعب. صحيح أن البرازيل فازت للمرة الأولى بكأس الذهب القديمة، عندما اكتشفت خطة 4-2-4 (وهي أعطت لكرة القدم أوصاف مراكز لاعبيها المتداولة لحد الآن)، لكن الصحيح أن لاعبيها دأبوا دوماً على "التلاعب"بالخطط على غرار تلاعبهم بالكرة. كانت الخطط تتحرّك مع تحرك الابتكار الفردي، خصوصاً للاعبين الأكثر مهارة، وبانسجامه مع لعب جماعي متحرّك وفوّار.

 

 

 

حتى أجساد لاعبي منتخب البرازيل 2014، تبدو منحوتة على النسق الأوروبي في التنظيم والأموال أيضاً. تبدو أجساداً قويّة متينة من صنع الـ"جيم"والرياضة المدروسة التي تنحت العضلات والعظام كي تكون قويّة ورشيقة، كأنها مستوحاة من تمثال ديفيد الشهير لمايكل أنجلو. لا يوجد أجساد تبوح بمعاناتها للفقر في البرازيل، وهي التي صنعت أسطورة سحرة السامبا الذين يركضون أطفالاً فقراء في مدن البرازيل وقراها، كي يسحروا العالَم كباراً ومشاهير. كان غارينشيا يركض بقدمين مقوّستين من شظف العيش وقلّة الحليب في الصغر. لكنه صنع صورة الجناح الهدّاف الذي يسدّد من ومن خارج منطقة الجزاء، إلى أضيق زاوية أو أبعدها، في المرمى.

 

 

لم تكن أجساد جيرزينهو وتوستاو وديدي تشي بأنها تلعب رياضة مدروسة، وأن منهجية عاليّة في علوم الرياضة تستخدم الآلات على مدار السنة، كي تصقل شكلها وترفع قوّتها وتزيد أنفاس لياقتها.

 

 

 

هل يحمل الأمر ظلالاً تفسر ما يحصل في البرازيل 2014، بمعنى احتجاج فقراء البرازيل على "إبعادهم"، بالمعنى الرمزي لتجاهل معاناتهم بانفاق أموال طائلة (ومجبولة بالفساد) على كرة قدم لم تعد لهم؟

 

 

يشكّل فقراء البرازيل الجزء الأضخم من الجمهور عددياً، وهم أيضاً مرتكز الأسطورة القائلة بأن نجوم كرة القدم تولد في أزقتهم وبين ظهرانيهم. واستبعدت أجسادهم وكرتهم في مونديال البرازيل حاضراً!

 

 

 

ولا يقتصر البعد الاجتماعي (والتخيّلي أيضاً، بمعنى أن لكل مجتمع بنيّة تخيّليّة ترسم علاقاته ورموزها) لمونديال 2014، على البرازيل وحدها.

 

 

 

حضر منتخب الـ"لاروخا"إلى المنتخب حاملاً همّ انفصال مقاطعة كاتالونيا، الذي يشتعل كلما تزايدت انتصارات برشلونة، لكنه تفجّر التهاباً بالسقوط المريع لذلك النادي. بمعنى تخيّلي، بدت هزيمة برشلونة كأنها ضربة لحلم استقلال كاتالونيا. وفي البرازيل، ترتسم صورة هزيمة منتخب "لاروخا"، كأنها رمز لعجز العرش الإسباني في الحفاظ على وحدة البلاد، خصوصاً أن فضائح الفساد أحاطت بالعرش، على غرار إحاطة شبهات الفساد بالفيفا وصفقات انتقال اللاعبين وأموال استضافة قطر لمونديال 2022، وأموال البنية التحتية لمونديال البرازيل 2014 وغيرها.

 

 

 

في السياق عينه، من الصعب عدم التفكير في الآثار التي تتولّد عن الهزائم المرّة لمنتخب "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" (نعم، كانت في ماضٍ أصبح كأنه أساطير الأولين)، في مونديال البرازيل. تحدث تلك الهزائم في وقت تتجه فيه المملكة المتحدة لمساحة رمادية، انتظاراً لاستفتاء اسكتلندا على استقلالها. في العام 1986، كانت هزيمة بريطانيا أمام الأرجنتين هزّة ارتدادية لحرب جزر الفوكلاند. هل تكون هزائم منتخب المملكة المتحدة، مقدّمة لاستقلال اسكتلندة، أم لعلها تكون مقدّمة لحرب اخرى في الفوكلاند، خصوصاً أن منتخب ليونيل ميسي لم يتوقف عن رفع شعار "الجزر أرجنتينية"منذ وطأت قدماه أرض مونديال البرازيل 2014؟ لننتظر ولنر.

خريطة لحقل الغاز المصري في المتوسط

$
0
0

هذه خريطة لحقل الغاز المصري في المتوسط، ويسمى "حوض دلتا النيل"، بحسب "المركز الأميركي الجيولوجي"لسنة 2012. وهي توضح أن المدى الاقتصادي لمصر يمتد بعيداً عند قبرص ويقترب عند تركيا. يبدأ الحوض غرباً عند ما يشبه القمع، وهو يسمى "قمع حوض دلتا النيل". يظهر في الخريطة تحت قبرص. ومن الواضح أنه يخترق المنطقة التي تحددها إسرائيل لحقولها. وهناك خريطة ثانية توضح نقاط التحديد الجغرافي بدرجات خطوط الطول. ومن المستطاع مقارنتها بالخرائط الاخرى عن هذه الثروة الهائلة من الغاز.



خريطة للحقل نفسه، توضح خطوط الطول المستخدمة في تحديد الحقل.

 

موجة هجوم سافر جديد من لصوص وعملاء وزارة البترول

$
0
0

الحمد لله تمت ترقيتي من عميل إسرائيلي إلى عميل تركي. عشان ما ينفعش أبقى أنا وعملاء وزارة البترول زمايل. وكان في مقالين سابقين اتهمني بأني أنا شخصياً السبب في أزمة الطاقة في مصر لأني أخيف شركات البترول الأجنبية.

في صفحة كاملة في صحيفة المصري اليوم يوم 26 يونيو 2014، خرج أحد المسئولين السابقين ليكرر اتهاماته لي.

هذا المخلوق الذي يتباكى على غاز الفلسطينيين، كان في لجنة البحار التي فرطت في كل حقوقنا البحرية، وواضح جداً من قرائن متعددة إنه مخبر برخصة - هذا بالاضافة لعدة قضايا مرفوعة عليه بمخالفات جنائية فادحة أثناء عمله رئيسا لهيئة الثروة المعدنية وكلها محفوظة. المهم إنه طلع معي في برنامج في القناة الأولى (الحكومية) بالتلفزيون المصري في نوفمبر 2012، ومعه خريطة يقول أنها الخريطة "الوحيدة"للبحر المتوسط "المعتمدة"لدى الحكومة المصرية، فوجدتها مطبوع عليها أنها صادرة من الحكومة الإسرائيلية ويظهر فيها مواقع مكتوب عليها أسماء حقول غاز (وهي التي لم يبدأ اكتشافها إلا في 2010) وقال إن ياسر عرفات (زميله في المدرسة على حد قوله) موقع عليها لترسيم الحدود البحرية لإسرائيل مع قطاع غزة سنة 2008، وهي بمحض الصدفة ترسّم أيضاً الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل. ويزعم أن ثمان دول قد وقعت عليها: أمريكا وروسيا والاتحاد الاوروبي ومصر والأردن وإسرائيل وفلسطين ممثلة في ياسر عرفات. طبعاً كذاب أولاً: لأن حقول الغاز الإسرائيلية لم يبدأ اكتشافها إلا في 2010. وثانياً: لأن عرفات مات سنة 2004 قبل اكتشاف الغاز وقبل تاريخ الاتفاقية المزعومة في 2008، وثالثاً: لو كان هناك مثل تلك الاتفاقية، لفرضت الدول الكبرى على مصر تصديقها من مجلس الشعب، وهو ما لم يحدث (على حد علمي) بل ولم أقرأ عن هذه الاتفاقية على الاطلاق. ولما وجدت وقت البرنامج يمر وكم الأكاذيب يتوالى دون فرصة لي للتعقيب، قاطعته لتوضيح لتلك المغالطات. فأنهى المذيع (عمرو الشناوي) البرنامج قبل موعده بربع ساعة بتعليمات من رئيس قطاع الأخبار.

المستشفيات العائمة

$
0
0
فى عام 1907 تم توقيع إتفاق لاهاى بشأن حماية السفن الطبية (المستشفيات العائمة) فى زمن الحرب.. وفى بداية الحرب العالمية الأولى قام المتحاربون باحترام أحكام هذه الإتفاقية التى كانت تسبغ الحماية على السفن التى تحمل إشارات واضحة بأنها سفن طبية وتسير مضيئة ليلا بطريقة تجعلها مرئية تماما ومن حق الطرف المعادى أن يصعد إليها ويفتشها لضمان خلوها من الجنود والعتادبل ونصت الإتفاقية على أنه من حق الأطقم الطبية على هذه السفن أن تعالج الجرحى من الطرفين !!! وقد إندهشت عندما قرأت هذا النص فى الإتفاقية !! المهم أن طلقات المدافع الفارغة المصنوعة من النحاس تكدست على أرض المعركة فى نفس الوقت الذى عز فيه النحاس فى إنجلترا جدا مما حدا ببعض الجنرالات إلى أن يخططوا لنقل الطلقات الفارغة من فرنسا إلى إنجلترا فى هذه السفن الطبية حيث أنها ليست عتادا ولا جنودا وذلك لإعادة إستخدامها فى صناعة مقذوفات جديدة..(وصل عدد المقذوفات المستخدمة على الجبهة الفرنسية 900 مليون مقذوف خلال الحرب كلها).. ولما وصلت هذه المعلومة للألمان أغرقوا عددا من السفن الطبية باعتبارها تستخدم فى غير الغرض الذى فرضت من أجله الحماية.. وبالطبع هاجت قيامة الإنجليز وقاموا بحملة تصف الألمان بالجزارين والقتلة وسفاحى الممرضات البريئات إلخ.. لأن ضرب هذه السفن كان يشكل جريمة حرب ..لكن أعمال البحث فى الحطام أثبتت وجود طلقة مدفع واحدة على متنن السفينة الغارقة ولم يستطع الباحثون العثور على غيرها لأنه من الطبيعى أن الطلقات مخبأة فى مكان ما داخل السفينة توقيا لخطر التفتيش من قبل الألمان.
المفاجأة هى أن دفتر يوميات أحد الجنود الإنجليز - وجد محفوظا فى متحف حربى فى إنجلترا نفسها - فضح الممارسة البريطانية حيث كتب أنه فى الرحلة من إنجلترا إلى اليونان ومصر عام 1915 حملت السفينة الطبية سيارة حربية وعتاد لتعزيز القوات البريطانية فى مصر ثم أردف هذا الجندى وهذا يشكل خرقا لاتفاقية لاهاى.

ولكن يبقى الخطأ الألمانى ممثلا فى حقيقة أنهم كان لهم أن يتأكدوا من وجود عتاد حربى على ظهر السفن قبل البدء فى إغراقها بالطوريبيد لأن ذلك كما أسلفت من حقهم، لكنهم لم يفعلوا.

المهم أن قادة الغواصات الألمانية الذين أعطوا أوامر الضرب لم يقدموا لأى محاكمة ويبدو أن بريطانيا المنتصرة كانت تعلم أن ماضيها فى ذلك الشأن ملوث ومن السهل إثبات تحايلها فلم تصر على مطالبتها الأولية.
 
 

الأرض

$
0
0

الأرض

 

كان أبي من الحرس القديم الذى كان يؤمن جدا جدا بأهمية الإحتفاظ بالأرض وعدم التفريط فيها بأي شكل من الأشكال بل أنه كان يعتبر أن مجرد التفكير فى بيع الأرض هو نوع من عدم إكتمال الرجولة وصورة من صور إنعدام الشرف. والحقيقة أنني حرت كثيرا فى شبابي فى شأن هذا الرجل.. لماذا كان رأسه مليئا بهذه الأفكار الغريبة؟

فالأرض مثلها مثل أي سلعة يجوز عليها البيع والشراء والبدل والرهن والحجز وكل التصرفات، فلماذا كان يولي الأرض هذا الإهتمام الزائد؟

والحقيقة أنه كان يجب أن أنتظر حتى أبلغ من العمر مبلغا لكي أدرس القانون وأفهم لماذا كان أبي متمسكا بهذه الطريقة بالأرض.

فى قوانين المرافعات فى كل العالم  - غالبا - لا يحق لأي محكمة أن تنظر شأنا من شئون العقارات سوى المحكمة التي يتواجد العقار فى محل إختصاصها. وهذا الكلام يبدو منطقيا لو أن الإنسان يتحدث عن معاملات بين أفراد نفس الدولة.

وفى جميع النظم القانونية تعتبر الأرض هي أصل الملك وكل ما هو عليها إنما هو ملحق بها، فشراء العقارات هو شراء الأراضى، أما المنزل أو المنشأ الموجود على الأرض فهو فرع عن الأرض ولا يكتب فى العقد إلا أنه نقل ملكية قطعة الأرض من البائع إلى المشترى.

وفى الإتفاقيات الدولية المنظمة لحدود الدول البحرية يعتبر أقصى إمتداد لمساحة إقليم الدولة فى لحظة الجزر الأدني لمياه البحر هو بداية قياس المياه الإقليمية، إذ هنا ينتهي الإقليم اليابس ويبدا الإقليم البحري للدولة..

ولكن..

ولكن هناك التصرفات الدولية على العقار. فالعقار يمكن أن يكون محلا للبيع أو الرهن أو البدل بين وطنيين وأجانب. كما يمكن أن يرث العقار شخص أجنبي بحكم أن المورث أجنبي أو أنه وطني وورثته من الأجانب.

صحيح أنه في العادة يتم تقسيم التركة بين الورثة وفقا لقانون جنسية المورث، أى أن العقار يخضع فى طريقة إنتقال ملكيته فى هذه الحالة للقانون الأجنبي، لكن هذا هو الحد الأقصي لتداخل القوانين الأجنبية فى شأن العقار. ولا يوجد بعد ذلك أي إختصاص للمحاكم الأجنبية.

فاختصاص محكمة العقار فى شأن العقار هو إختصاص مانع، بمعني أنه يمنع أي محكمة أخرى من التدخل. 

حتي فرنسا تخلت عن ذلك المبدأ وأصبح العقار على أرض فرنسية لا يخضع حتي لقانون جنسية المورث فى حالات الوفاة، بل يخضع العقار الفرنسي للقانون الفرنسي فى المواريث، دونا عن جميع عناصر التركة الأخرى من المنقولات، والتى تخضع لقانون بلد المورث. وهو وضع أكثر تشددا إزاء العقارات من جانب المشرع الفرنسي.

فى إحدي محاضرات مادة الحقوق العينية كان المحاضر يتحدث عن إختصاصات المحاكم الألمانية  وذكر تلك القواعد المعمول بها فى العالم كله تقريبا وتساءل أمام الطلبة لماذا تعتقدون أن المشرع تناول هذا الأمر للعقارات فقط دون غيرها؟ وبالطبع قال كل ما يعتقده والأستاذ قبل جميع الحجج التي ذكرت، لكن حجة واحدة لم تذكر يومها وقد إمتنعت عن أن أقولها لأنني فى العادة أصمت ولا أشارك ..

التبرير الذي لم يذكره أحدهم، ولا حتي الاستاذ، هو تبرير قرأته فى دروس قوانين المرافعات المصرية بجامعة القاهرة..

فما هو هذا التبرير؟؟

تذكرون جميعا مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية منذ 35 عاما.. وقتها إتفق الطرفان على شىء غير محدد الملامح يسمي الحكم الذاتي للفلسطينيين وكان ذلك فى الوثيقة الثانية من إتفاق إطار العمل الموقع فى كامب ديفيد. ومناحم بيجن كان في بداية حياته محاميا فى وارسو ثم على ما يبدو لم ينجح فقرر الإتجاه إلى الشرق الأوسط والعمل بالسياسة الإسرائيلية. ولكنه  - كعادة كل دارسي القانون -  لم يكن قادرا على التوقف عن محاولة ربط الوقائع المادية بالنصوص القانونية فيما يسميه القانونيون التكييف القانوني. 
وعلي ذلك وكالعادة خرج السيد مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها بفتوي من عندياته قال فيها أن ما إتفق عليه هو حكم ذاتي يسري على السكان ولا يسرى على الأرض. 

فماذا يعني هذا الكلام؟

تذكرون جميعا من دروس السنة الأولي بكلية حقوق القاهرة أنكم تعرفتم علي عناصر أي دولة أو أركان قيامها، وهي إقليم محدد بذاته وشعب يعيش داخل هذا الإقليم وأخيرا نظام حكم ينظم حياة هذا الشعب سواء في علاقاته الداخلية أو في علاقاته مع الغير.

ثلاثة عناصر لا غني عنها لنشوء الدولة.

وبفحص هذه ‏العناصر يتضح بسهولة أن أهمها جميعا هو عنصر الإقليم، أي الأرض. 

ومرة أخرى نفس السؤال، لماذا هو أهم عنصر وما هو تأثير ذلك ؟

الإجابة كما تلاحظون سهلة للغاية.

الأرض هي العنصر الوحيد الدال علي ممارسة السيادة.

الإنسان ونظام الحكم لا يمكن ممارسة السيادة عليهم، فالإنسان محمي بانسانيته‏ ونظام الحكم هو ليس شيئا ماديا.

وما قاله بيجن منذ 35 عاما هو هراء قانوني فعلا،  لكنه كاشف لحقيقة أهمية الارض في الفكر السياسي، أي فكر السيادة.

الأرض هي كل ما يملكه الإنسان والحيوان لكي يعيشا، والعقل ‏الذي يباهي به الإنسان كل الكائنات الأخري لا يمكنه العمل إلا علي الأرض. 

ولو أن المهندسين منكم أجروا عملية تكامل (جمع جبري) لعناصر متفرقة ذات عدد لا نهائي (شرائح) لمساحات صغيرة من الأرض، فما هو حاصل هذا التكامل؟ 

أنه مساحة الإقليم الذي تمارس عليه الدولة سيادتها لا اقل ولا أكثر!! 

ولهذا تحرص كل الدول جدا جدا علي معاملة الأراضي والعقارات معاملة خاصة جدا لانها كل ما تملك من عناصر الوجود.

ولهذا يحرص كل المشرعين علي الاختصاص المانع للمحاكم الوطنية في شأن كل ما يتعلق بالأراضي ولا يسمحون لأي محكمة أخري بالتداخل فيما هو حق مقصور عليها.

ولهذا قررت فرنسا أن تتزيد أكثر وتمنح العقارات وضعا أكثر تميزا فيما يتعلق بالعقارات.

ولهذا أيضا تحتفظ وزارة الدفاع المصرية وحدها بالمعلومات الكاملة عن كافة اراضي مصر. وهو ما استماتت القوات المسلحة في الدفاع عنه أثناء القلاقل منذ عامين عندما حاول المتظاهرون أن يقتحموا دار وزارة الدفاع. 

ولهذا أصر الأمريكيون لدي الاستقلال علي الحصول علي تنازل كتابي بريطاني عن كافة الحقوق علي جميع الأراضي في قارة أمريكا الشمالية جنوب كندا، تنازلا لا عودة فيه.

ولهذا أصدر القاضي مارشال حكمه الشهير عام 1823 في المحكمة العليا بشأن التعامل على أراضى القارة الأمريكية.

وهذا هو سبب غضب الغرب علي روبرت موجابي رئيس زيمبابوي الذي أمم أراضي البيض. 

وأخيرا هذا هو التفسير الذي أردت أن ادلي به في تلك المحاضرة لكنني لم أفعل. باختصار :

 

الأرض هي السيادة

الجزائر انتصرت بالعولمة والكبار هزمتهم الهويات المغلقة

$
0
0
المنتخب الجزائري
الجزائر انتصرت فقلقت فرنسا! لماذا؟ لأن المنتخب الجزائري "المعولم"ينتمي إلى مكوّن معيّن في فرنسا (هو المهاجرين، وضمنهم العرب والمسلمين) يطالب بأن يصبح في صلب الهوية الفرنسية. لم يكن غريباً أن يكون ردّ الفعل على مباراة تأهّل "محاربي الصحراء"إلى دور الـ32 في فرنسا، هو خضّة سياسيّة واجتماعية ضخمة خرجت كثيراً عن أطر الرياضة، لتضع الأمور في نصابها الأساسي وهو ان التحدي الأساسي للديمقراطية الغربية هو المهاجرين (عرب، أفارقة، مسلمين وغيرهم)، الذين يفرضون عملية اختيار حادة وقاسية داخل فرنسا، بل في معظم دول الاتحاد الأوروبي. والأرجح أن العولمة تشكّل تحدّياً في المركز الغربي، ليس بأقل من التحديات التي تفرضها على العالم الثالث والدول النامية والقوى الصاعدة عالميّاً. وفي مباراة واحدة، كشفت كرة القدم بعداً أساسيّاً هو في صلب تشكّل العالم المعاصر!
 
عولمة "محاربي الصحراء"
 
قبل الوقوع في فخّ الاستطراد، لنركز على بعض جوانب من حضور العولمة في مونديال البرازيل 2014. لعبت العولمة دوراً في تميّز الانجاز الجزائري. يكفي القول أن المنتخب الجزائري يضمّ 21 لاعباً يلعبون في دول أوروبيّة. لو تقابل المنتخب الجزائري مع نظيره الفرنسي، لانطبق على اللقاء مقولة الرئيس البرازيلي السابق سيلفيا دو لولا بأن لاعبو المنتخبات القوية في العالم الثالث لهم أصدقاء في المنتخبات الأوروبية أكثر مما لديهم في منتخباتهم الوطنيّة!
 
في تفرّد الإنجاز الجزائري أن المنتخب الوطني لا يضمّ سوى لاعبين محليين. أكثر من ذلك، يحتل "الخضر"رأس القائمة في المنتخبات التي لديها لاعبين في أوروبا. إذ يضمّ منتخب البرازيل 19 لاعباً يلعبون في أوروبا، والأرجنتين 20 لاعباً، والتشيلي 18 لاعباً، والولايات المتحدة 14 لاعباً.
 
في سياق رصد نخبة "الأرجل"المهاجرة، يلاحظ "مركز بيو" Pioالأميركي للبحوث المتّصلة بالحياة اليومية، وجود 736 لاعباً من منتخبات وطنية تتنافس في "مونديال البرازيل"، يلعبون في منافسات الدوري في 53 دولة. ومع الأهمية التي تمثّلها الدوريات الأوروبية، وهي باتت معولمة في جمهورها البصري المتلفز، تجتذب "القارة العجوز"معظم تلك النخبة المهاجرة، وهي من دلالات العولمة في كرة القدم، وتلعب دوراً في الطابع المعولم للدوريات الأوروبية. وتضم أندية دوريات الدرجة الأولى في أوروبا، 515 لاعباً مهاجراً من البرازيل، و269 فرنسياً يلعبون خارج بلاد الغال، و205 لاعباً من صربيا، و188 لاعباً من البرازيل، و117 لاعباً من نيجيريا.

المُكوّن المُهاجر جزء من الهوية

$
0
0




 من المستطاع رؤية الأمر نفسه من زاوية اخرى، ربما تكون أكثر إثارة. من هي المنتخبات التي خرجت من الدور الأول في مونديال البرازيل 2014، خصوصاً تلك التي أثار خروجها كثيراً من الآهات والكلام وعبارات التعجب ومصطلحات التفّجع، إضافة إلى كثير من البكاء على الأطلال، وهو بكاء أوروبي يدل إلى أن العرب ليسوا متفرّدين في الرغبة في البكاء على ما فات!
 
خرجت انكلترة. كم لاعباً معولماً، بمعنى أنه من مُكوّن مُهاجر ومعولم، في المنتخب الإنكليزي الذي أطال بعضهم البكاء على أطلاله، على رغم أن تلك الأطلال ربما غير موجودة أصلاً! لماذا؟ لأن المنتخب الإنكليزي ليس من أصحاب السجلاّت الكبرى في المسابقات الكروية العالميّة، بل أن المرّة المفردة التي أحرز فيها كأس العالم كانت على أرضه في "ويمبلي"وهي شكّلت "مرجعاً"في الفساد، بسبب الهدف الملغي للألماني غيرد مولر على رغم أنه صحيح، والانحياز الفاضح للتحكيم في تلك المباراة، بل كثير من مباريات ذلك الفوز اليتيم.
 
لنعد إلى العولمة. أين هي في تركيبة المنتخب الانكليزي الذي لم يضمّ إلى الآن باكستانيين وهنود، على رغم شدّة حضور هؤلاء في انكلترا، بل أن عدد لاعبيه في النوادي الأوروبية هو أقل من أن يذكر!
 
ينطبق وصف مطابق، بل أكثر حدّة على المنتخبات الآسيوية الأربعة (استراليا، إيران، اليابان وكورية الجنوبيّة) التي ودّعت مونديال البرازيل في الدور الأول. أين هي المُكوّنات المُهاجرة في المنتخب الأسترالي، على رغم أن "بلاد الكنغرو"مملؤة بالمهاجرين، بل هي من نقاط جذبهم عالميّاً. كم لاعباً استراليّاً يلعب في أوروبا أو حتى في آسيا؟ لا تمثّل إيران نقطة جذب لهويات مُهاجِرة، لكن أين هم لاعبوها في الأندية العالميّة؟ مال المنتخب الإيراني بثقله على أشكان الآتي من أندية أوروبا، لكن أداؤه المميّز لم يكن كافيّاً ليحمل الفريق بأكمله. وينطبق وصف مشابه على منتخبات اليابان وكورية الجنوبيّة.
 
وإذ توصف كرة القدم في البرازيل بأنها من عوامل الوحدة الوطنية في بلاد السامبا، فإنها كانت مساحة لصراع المُكوّنات الأساسيّة في إسبانيا. ألم تصبح انتصارات نادي برشلونة صيحات استنفار بانفصال المُكوّن الكاتالوني عن إسبانيا؟ ثمة نقطة مهمة. في البرازيل، تظهر العولمة في كثرة اللاعبين المحترفين في نوادٍ أوروبية، وكذا الحال بالنسبة لأرجنتين، بل يتنافس البلدان على مرتبة الصدارة في "تصدير"اللاعبين الدوليين المحترفين في الغرب.
 
وإذاً، يكون اللعب في المركز الغربي، وهو قلب العولمة، هو المؤشر الأبرز على العولمة بالنسبة للاعبي منتخبات العالم الثالث، ونموذجها الأبرز هو أميركا اللاتينية وأفريقيا.

وهل سيضاف أوباما لقائمة المؤسسين التاريخيين؟

$
0
0

البعض يقول بأن أوباما نجح بإرساء سياسية  أميركية جديدة, تختلف عن سياسة من سبقوه. وتقوم على زج الآخرين بفتن وصراعات وحروب دامية ومدمرة, تخدم مصالح بلاده وإسرائيل. وبدون أي تدخل عسكري أمريكي على الأرض تزهق  فيه أرواح الجنود الأميركيين, وبكلفة مادية لن يكون لها من أثر يذكر على ميزانية واقتصاد بلاده. وبهذه السياسة يأمل بأن يضاف   أسمه إلى قائمة الرؤساء المؤسسيين التاريخيين للولايات المتحدة الأميركية. وأن سياسته هي من تشفي جروح بلاده من حروبها في فيتنام والعراق وأفغانستان. فالرئيس أوباما على قناعة بأن:

·       السياسات الاميركية السابقة هي من شوهت صورة بلاده, وهي من أرهقت ميزانيتها وكبدتها الكثير من الخسائر بالأرواح والعتاد, وهي من أصابت اقتصادها بالعطب.

·       الصدام مع  صقور الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبعض عتاة المحافظين الجدد  ونتنياهو وحزبه أمراً لا مفر منه.  وهؤلاء سينتقدونه وإدارته, ويصفونه بأنه رئيس متردد. وحملتهم  يجب أن لاتوهن من عزمه. ولن يظفروا منها سوى بقرقعة إعلامية.

·       العدالة في العلاقات الدولية والقوانين والمجتمعات هي الكفيل بتحقيق الأمن والسلام. وغيابها أو تجاهلها يحول المجتمعات إلى غابة أو مستنقع تستوطنه كافة ظواهر العنف والارهاب. فالكبت يولد الانفجار، والقوة تخلق رد فعل فحواه القوة، والقهر  ينمي إرادة،  والتضييق على الناس واضطهادهم يدفع بالجماهير إلى المواجهة، والمواجهة قد تشعل النار, والتباطؤ بإطفاء النار يزيدها اشتعال. وهذه النار قد تحرق البشر والحجر والأخضر واليابس. وهذه الحقائق يعرفها الرئيس أوباما جيداً. فهو من تولى رئاسة مجلة هارفارد للقانون، وعمل في الأنشطة الاجتماعية  ومستشار للحقوق المدنية في شيكاغو قبل حصوله على شهادة المحاماة, وأستاذ مادة القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو, ومديراً لمشروع المجتمعات النامية (DCP), وخبير استشاري ومدرب لمؤسسة جاماليل (معهد اجتماعي وتنظيمي), وتولى إدارة مجلس الإدارة في لجنة المحامين للدفاع عن الحقوق المدنية بشيكاغو, وأول من قاد تجمع لمعارضة الحرب على العراق عام 2003م. ولأن مهمة رئيس الولايات المتحدة الأميركية محصورة بخدمة مصالح بلاده الاحتكارية والاستعمارية, فعليه أن يوظف قناعاته وخبراته للمتاجرة بمنطق العدالة  وقيم الحرية والديمقراطية, واللعب  براعة على الهامش بين قيم العدالة وبين مصالح وأمن بلاده وحلفائها وحليفة بلاده إسرائيل.   لتأجيج الصراعات في الدول العربية والاسلامية والدول التي  لا تحظى سياستها برضا بلاده لزيادة حدة الصراع بين الأنظمة والجماهير في هذه الدول, والتلاعب بعواطف الشعوب والجماهير من موقف بلاده من الصراعات بما يضمن تحسين صورة بلاده.

·       إدارة جورج wبوش زجت الولايات المتحدة بحربي أفغانستان والعراق. وذرائع حربها الحرب على العراق كاذبة ومزورة. وخسرت الحرب في العراق التي تسببت في موت مئات الألوف من العراقيين وستة آلاف جندي أميركي، ودمرت الاقتصاد الأميركي, وجرّت الاقتصاد العالمي معه إلى الهاوية. وأجبر الرئيس بوش على توقيع اتفاق مع الحكومة العراقيّة لسحب القوات الأميركيّة, والذي  أجبر الرئيس أوباما على تنفيذه. والرئيس بوش يجب أن يحاكم هو وأبيه على ما ألحقاه بالولايات المتحدة من خسائر وأخطار, إلا أن غياب منطق العدالة في الولايات المتحدة الأميركية يجعل محاكمتهما غير ممكنة. ولهذا فعليه التقيد بمصالح بلاده وأمنها القومي, والتعامل مع كل  حدث وحادث جديد ومستجد بما يخدم أمن ومصالح بلاده. مع التقييد بالثوابت التالية:

1.   إلتزام إدارته بتقنين الضربات الجوية بالطيران والصواريخ. واللجوء إليها لمواجهة خطر الارهابيين  والمتطرفين كضربات محدودة إذا اقتضى الأمر.

2.   لا عودة لوحدات قتالية أمريكية للعراق, ولا لإرسال قوات لدول أخرى.

3.   عدم اعتماد الحلول العسكرية للمشاكل والازمات والأحداث.  والدعم الأميركي العسكري أو السياسي لطرف من الأطراف إن حصل فهو وسيلة ضغط لإجبار طرف أو باقي  الاطراف على الانخراط في الحل السياسي أولاً, وثانياً لضمان انخراطهم في  المشاركة بمحاربة قوى التطرف والإرهاب.

4.   الرئيس أوباما وإدارته سيتعاملان مع كل رئيس منتخب, وهما لا يستطيعان اختيار قادة للدول. فاختيار الرؤساء والحكومات أمر يعود للشعوب. وعلى الشعوب أن ترتقي فوق خلافاتها, وتتوحد كي تتوصل لحل سياسي للأزمات التي تعصف بها. وهو وإدارته  لن يجزعا على من يطاح به من الرؤساء  إن كان بطرق ديمقراطية أو غير ديمقراطية. فالصراعات الداخلية في الدول العربية والإسلامية هي نتيجة طبيعية لإحتقانات وصراعات ومشاكل قديمة. وزيادة حدة هذه الصراعات يخفف من العداء للسياسة الأميركية ولإسرائيل.

5.   الولايات المتحدة الأميركية لن تتدخل بأي عمل عسكري لدعم طائفة على حساب طائفة أو طوائف أخرى, أو لتحقيق نصر لطائفة على طائفة أخرى, أو لإيقاف حرب أهلية في أية دولة. وأي تدخل عسكري أميركي  يجب أن تكون أهدافه مضمونة, ولحماية المصالح الأميركية والأمن القومي.

6.   الرئيس وإدارته يهمهما أن تكون الحكومات نتاج عمليات انتخابية نزيهة. إلا أن على الحكومات التي أفرزتها الانتخابات أن تشمل كافة المكونات في الوطن. فواشنطن تريد من العملية الانتخابية ونزاهتها أن تكون شكلية فقط. فالحكومة يجب أن تتسع للموالاة والمعارضة وللأقليات وليس للأغلبية فقط.

7.   لا مكان لمن يراهن على القدرات العسكرية الاميركية. فلا توجد قوة نيران أمريكية قادرة على حل المشاكل إذا لم يتمكن زعماء  كل بلد من تجاوز الدوافع الطائفية, والعمل على ضمان وحدة بلادهم. فالصراعالدائر في بعض الدول نتيجة الانقسامات الطائفية المتفاقمة, يكون حله من قبل الأخرى يمكنهم تقديم المساعدة السياسية والقانونية والمادية فقط.

8.   معالجة المشاكل التي تعصف ببعض الدول بالتصريحات الفارغة. وتحميل المسؤولية عن المشكل أو النزاع أو الأزمة لباقي الأطراف بنسب مختلفة.

9.   إيران يمكنها لعب دور بناء في حل المشاكل والازمات وتعزيز الأمن والسلام في المنطقة, إذا حذت حذو واشنطن في الضغط على كافة الأطراف.

سياسة الرئيس أوباما يؤيدها الجنرال الأمريكي مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة. حيث حذر من أن هناك نقص في المعلومات الاستخبارية لدى الجيش الأمريكي لكي يقوم بعمل في العراق. كما أن هناك في الكونغرس من يقول بأن الطيارين سيواجهون صعوبة في معرفة من يهاجمون من الجو. كما أن الرئيس  الأميركي أوباما لا يأبه كثيراً بمعارضيه ومنتقديه. والسبب أن سياسته الجديدة التي سار عليها خلال مدة ولايتيه جعلتهم يتخبطون بمواقفهم وتصريحاتهم, والتي تصب بعضها في مصلحته. وها هو الحاكم  المدني الأمريكي للعراق غارنر   الذي أشرف على  عملية إعادة أعمار العراق والمنتقد لسياسة أوباما وإدارته من سوريا والعراق, يكشف عن تخبطه, فقال في حديثه مع CNN: أدعوا الإدارة الأمريكية إلى النأي بالنفس عن أحداث العراق الراهنة وعدم التدخل. فما نراه حاليا هو حرب العرب ضد العرب، حرب دينية، لا أرى أي حاجة للدخول في الوسط. و الوضع الراهن أكثر خطورة بكثير على إيران من الولايات المتحدة، أنا شخصيا لا أدعم توفير أي قوى جوية أو برية عن تلك الضرورية لحماية سفاراتنا أو العاملين بها. قمنا بعمل جيد بالدخول للعراق، وآخر مستهتر لدى خروجنا من هناك. وفشلت الولايات المتحدة والعراق في توقيع اتفاقية أمنية تقضي بوجود قوات أمريكية بعد انسحاب الجيش الأمريكي أواخر 2011م. وعرضنا للخطر المكاسب والعمل الجيد الذي قمنا به. واشنطن ارتكبت خطأ بالعراق بعد احتلاله. منها عدم تأسيس نظام فيدرالي, عندها كان سيكون هناك ارتياح عرقي وعشائري وطائفي... ...........ما من أحد في العراق يريد أن يحكم بواسطة بغداد. دعمنا المالكي رغم علمنا بأنه سيحرم الأكراد وسيضطهد السنة وسيكون حليفاً لإيران. ومع ذلك جددنا دعمنا له عام 2014م رغم معرفتنا التامة به. رسمنا خطا أحمراً في الرمل بشأن سوريا، ثم تراجعنا بجبن، وأدركت المليشيات المسلحة بأننا لن نفعل شيئاً.

واستطلاع اجرته صحيفة نيويورك تايمز وقناة CBS News, جاءت نتائجه لصالح أوباما, حيث بينت النتائج أنه رغم انتقاد سياسته إلا أن الكثير يؤيد الرئيس. والنتائج هي:

1.   وجود استياء لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي والشارع الامريكي من اسلوب ادارة اوباما للسياسة الخارجية للمرة الاولى منذ عام 2009م.

2.   52% من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع وثلثهم من الديمقراطيين غير راضين عن تعامل أوباما وإدارته مع موجة العنف في العراق.

3.   وأن 56% من الأميركيين يؤيدون استخدام الطائرات المسيرة في العراق. وهو خيار قال عنه مستشارو اوباما بانه ما يزال خيار مطروح على الطاولة.

4.   غالبية الأمريكيين تؤيد القسم الأكبر من اجراءات أوباما تجاه الازمة في العراق، والتي تتضمن دعم احتمالية شن ضربات جوية باستخدام الطائرات المسيرة.

5.   الاستطلاع يوثق وجود ازمة ثقة متزايدة بالرئيس وقيادته, ووجود قلق عميق من ان يؤدي تدخل أوباما في العراق الى تورط ثاني طويل الأجل ومكلف.

6.   58%  من الأميركيين يرفضون الطريقة التي يتبعها الرئيس اوباما بإدارته للسياسة الخارجية للبلاد. وقد ارتفعت النسبة عشرة درجات خلال الشهر الماضي ليصل  الاستياء إلى اعلى مستوى منذ ان تولى الرئاسة في 2009م. وأن الارتفاع بنسبة عدم الرضا جاء صارخاً وخصوصاً بين الديمقراطيين حيث قال ثلثهم انهم غير موافقين على اسلوب ادارته للسياسة الخارجية. وهذا معناه أن حدة الصراع الحزبي كبير.

7.   تأييد 37% من الاميركيين لسياسته تجاه العراق.

8.   نقلت الصحيفة عن النائب الديمقراطي ميشيل روبرتس, قوله: انا اعطيت صوتي لأوباما لأنه قال (اعطوني اربعة سنوات اخرى وسأصلح كل شيء)، وانا اعرف انه يريد محاربة الارهاب، ولكن يجب عليه ارسال طائرات مسيرة وليس جنود. وتساؤل قائلاً: من اجل اي شيء يقتل رجالنا ونساءنا هناك.

9.    رغم الاستياء حول قيادة اوباما فان 51 % من الأميركيين الذين استطلعت آرائهم وبضمنهم الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين, يقولون بأنهم أيدوا قرار أوباما الاخير بإرسال 300 مستشار عسكري للعراق.

وجهت انتقادات كثيرة للرئيس اوباما وإدارته من تعاملها مع الأحداث في سوريا والعراق. ومع ذلك يؤكد الرئيس اوباما  على عدم التدخل في سوريا و العراق, مع تكرار قوله أن الاختيارات ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات. ومنها شن ضربات عسكرية بطائرات من دون طيار, وإرسال مزيد من الخبراء العسكريين إلى العراق ودعم المعارضة المعتدلة في سوريا. والأسئلة المطروحة: هل نجح الرئيس أوباما بضم أسمه لقائمة المؤسسين التاريخيين للولايات المتحدة الأميركية؟ وهل سينتهج كلا الحزبان الجمهوري والديمقراطي  بعض سياسة أوباما مستقبلاً, ومنها إبقاء نار الفتن الطائفية والمذهبية متقدة بين بعض الشعوب وبعض الدول؟ 

أزمة الطاقة فى مصر (٣) ، الجزء الأخير

$
0
0

الوقود الأُحفورى بمشتقاته الثلاثة فحم، غاز طبيعى و بترول هو أهم و أرخص المصادر التى تستخدم فى إنتاج أنواع عديدة من الطاقة و كان و لا يزال هو الداعم الأكبر للتنمية بشتى مجالاتها على مستوى العالم، يلعب دوراَ أساسياً فى إنتاج الطاقات المختلفة حول العالم حيث يساهم فى إنتاج حوالى ٦٧  فى المائة من إجمالى الطاقة التى يستهلكها سكان العالم. مصر هى جزء لا يتجزء من هذا العالم و الغاز الطبيعى و البترول يساهم لديها بنسبة ٨٨ فى المائة لتوليد الطاقة الكهربائية التى تُعد مصدراً حيوياً و هاماً لإنتاج  الطاقة الضوئية و الحرارية و الحركية و إلخ.
 
أزمة الطاقة فى مصر ترجع  إلى فساد نظام مبارك الذى كان يقوم بإلتهام عوائد ثرواتنا المحدودة من الغاز الطبيعى و إهدارها، كان يزود إسرائيل بحوالى ٧ مليار م٣ من الغاز الطبيعي سنوياً أى ما يعادل  ٨,٣ فى المائة مما ننتجه نحن و هو ٥٨ مليار م٣ تقريباً. البيع لإسرائيل كان بسعر ١,٢٥ دولار لكل ٢٨ م٣ تقريباً من الغاز الطبيعى. الإهدار أيضاً كان يتمثل فى بيع كميات الغاز التى تُصدر إلى أسبانيا و إيطاليا لشركة بينوسا بسعر٧٥ سنتاً لكل ٢٨ م٣ تقريباً. و هناك الكثير و العديد من أمثلة الإهدار و النهب تحدث و لا يزال يتحدث عنها بالتفصيل د/إبراهيم زهران.

ننتج ٥٨ مليار م٣ غاز طبيعى و نستهلك محلياً حوالى ٤٧ مليار، عمليات الإنتاج و إستيراد و تصدير الغاز طبيعى بها حصحصات و مجاملات و سمسرة و عمليات نهب و تهليب يتم من خلالها الإستيلاء على هذه الثروة التى كانت من الممكن أن تنهض بالقطاع و تساهم بقدر كبير فى إنعاش الإقتصاد المصرى.
 
 كل ما يطفو فوق السطح من أزمة الطاقة أمام المواطن الكادح هو إنقطاع التيار الكهربائى. نسبة العجز فى إمداد المولدات الكهربائية بكميات الوقود اللازم لم تكن هى السبب الوحيد فى إنقطاع التيار الكهربائى. القدرة إلإنتاجية لمحطات التوليد يُفترض أن تكون ٣٠٠٠٠ ميجا وات يومياً لكن الحجم المُستهدف إنتاجه هو حوالى ٢٦٠٠٠ ميجا وات يومياً بينما ينخفض حجمه كإنتاج فعلى إلى ١٨٠٠٠مج وات بنسبة عجز تُقدر بحوالى ٨٠٠٠ مج وات يومياً. السبب الأول يرجع بالطبع إلى العجز فى إمدادات الوقود و الثانى هو أنه لدينا شبكة كهرباء منخفضة الكفاءة تتسبب فى فاقد سريان تيار بنسبة ١٠,٦ فى المائة من إجمالى الإنتاج الفعلى.

الكهرباء و المحروقات يتم دعمها و مع نهاية هذه السنة المالية  ٢٠١٤/٢٠١٣ نكون نحن المصريون حيث معظمنا من الفقراء و المهمشين وغير المتعلمين قد دعمنا الطاقة بحوالى ١٣٠مليار جنيه. بيانات البنك الدولى توضح أن الميسورين من الشعب حصدوا ضعف ما يحصده الفقراء  من دعم الطاقة فى مصر. الميسورون من الشعب كأصحاب مصانع و متاجر و مزارع و مشاريع فى مختلف المجالات -تتحصل الدولة منهم على حفنة جنيهات كضرائب- إلتهموا ثلثى المبلغ المُخصص لدعم الطاقة. لذلك، إذا لم يتم عمل إصلاح شامل لمنظومة دعم الطاقة حتى يصل الدعم لمستحقيه، ستزداد فاتورة العام المالى ٢٠١٥/٢٠١٤ بنسبة ١٢ فى المائة و ستكلفنا ١٤٥,٦ مليار جنيه.
 
حلول أزمة الطاقة فى مصر لا يمكن حصرها فى ترشيد إستهلاك الكهرباء بلمبات موفرة، التى من الممكن أن تلعب دوراً بحل جزء صغير جداً من الأزمة مقارنة بحجمها، و الحل الفعلى لا يمكن أن تجده لدى الكادحين الذين لم ينالوا حقهم من الدعم كما ينبغى. الحل الجذرى سيكون متواجداً  لدى الفاسدين الذين سيطروا و أهدروا و ألتهموا ثروات و مقدرات الوطن، الذين تشكلوا و أستحوذوا على كل الوزارات  والهيئات، الحائزون على مرتبات ذات أرقام فلكية و الصناديق الخاصة المُكدسة بالمليارات التى تم حجبها عن الكادحين. الحل متواجد لدى الذين أفسدوا و أفشلوا الدولة و جعلوها مُترهلة. 
 
الدولة الإفتراضية المُترهلة الفاسدة الفاشلة لا يمكن أن ترتقى لحل أى أزمة بما فيها أزمة الطاقة.
 
حل الأزمة يتطلب إرادة دولة قد أُعيد بنائها، دولة مشدودة البنيان قائمة  على نظام مؤسسى، يحكمه دستور و قانون. إذا وُجدت إرادة الدولة فى القضاء على الفساد داخل قطاع النفط فسيلزمها فرق عمل مكونة من الشرفاء المتخصصين فى هذا المجال تقوم بعمل دراسات مُحايدة لكشف كل أعمال الفساد داخل مجالات القطاع، ما أكثر هؤلاء الشرفاء، حبذا أن يكون معظم أعضاء فرق العمل من شباب الباحثين فى مجال النفط، تُتاح لهم إمكانيات عالية التقنية ملائمة لإنجاز هذه الدراسات، شباب قوى البنيان قادر على التحرك فى ورش عمل مُتحضرة مُتنقلة تصل إلى كل منابع الإستخراج و معامل التكرير و الإسالة مع القيام بعمل تحقيقات بحثية شاملة مع  و عن  شركات  الإستخراج و شركات الإستيراد و التصدير. على صعيد آخر يكون هناك ورش عمل  تقدم تحقيقات و أبحاث شاملة عن النواحى القانونية الخاصة بالتعاقدات و حقوق الإمتياز و ورش عمل أخرى تُقدم  تحقيقات و أبحاث عن  الشق الإقتصادى. إذا تم إنجاز و إتمام هذه العمليات البحثية الشاقة ستكون لدى الدولة قدرة على إزاحة كل الفاسدين من القطاع و من ثم مُحاكمتهم. من هنا سيكون لنا القدرة بإذن الله تعالى على النهوض بالقطاع و حل أزمة الطاقة.
 
 و لا يزال للحديث بقية لدى الدكتور/نايل شافعى الباحث فى مجال النفط و عن ثرواتنا المحجوبة عنا و التى تكمُن فى باطن قاع البحر المتوسط و الهميونية الجغرافية المُفتعلة إقليمياً  و التى تُعد بمثابة حائل بيننا و بين ثرواتنا فى شرق المتوسط.
 
لدينا أيضاً ثروة تُقدر بحوالى ٥٠٠ تريليون قدم٣ من الغاز الصخرى الذى يكمُن فى أربع أحواض بِكر فى الصحراء الغربية. حجم الإحتياطى فى تلك الأحواض ليس بكبير و لكنه يُعتبر حل مستقبلى لأزمة الطاقة فى مصر أود الحديث عنه فى القريب العاجل بإذن الله.

Viewing all 560 articles
Browse latest View live