للاصدقاء الذين يتابعون بعض مذكراتي بعنوان "ساحكي لكم "كانت الحلقة الثالثة عن اوغندا عام 1980 واكمل هنا هذه الحلقة الثالثة ببعض التدقيق ومن حظي اني علمت ان السفير الاوغندي ابراهيم موكيبي مازال سفير اوغندا مع الرئيس موسيفيني .. وذلك ما يطمئنني .. !
تابع سلسلة سأحكى لكم : 3
إيضاحات اضافية ضرورية عن "التقلبات الأوغندية "
(هذه ايضاحات هامة لمن يتابعون تاريخ واصول حكم الرئيس موسيفيني، ومسائل تتعلق بمياه النيل , وفلسطين واسرائيل )
عقب كتابتى للنص السابق نشره ( أول يونيو 2014) عن ذكرياتى مع التقلبات الأوغندية ، كنت أواصل البحث عن أوراق قديمة تنفع لتذكيرى أو تأكيدى للذكريات التى أقدمها ..وإذ بى أفاجأ "بنوتة"قديمة تحمل داخلها كتابات بخط متسارع ، وتاريخ سبتمبر 1980!
وتفجرت دهشتى عندما بدأت أجد فى عناوين الصفحات كلمات مثل : مع "بول موانجا"، ومع "موسيفينى"، ومع "أوبوتى"، ومع "أوجوك" ( رئيس الأركان ) (26-9-1980)....بل وتحمل "نفس النوتة"مقابلات أخرى بعد ذلك فى كينيا وتنزانيا ...وزيمبابوى ، وفى فترات متقاربة ....
والمفيد هنا أنى وجدت السياق العام كما تذكرته ورويته ، مختصرا بالطبع (بدون نوتة) ، لأنى وجدت فى هذه النوتة المدهشة تفاصيل هامة تفيد جدا النص الذى رويته . سأضعه هنا منفصلا لمن يتابعون ، ولكنى سأحاول قبل نشر النصوص النهائية أن أضيف ما وجدته اليوم (5 يونيو2014) إلى النص الأصلى.
وإليكم الإضافات ، ولن تكون فى شكل محضر للمقابلة لأنها طويلة كثيرا ، ولكنى سآخذ "النص"المباشر عن المعلومة التى أريد إضافتها هنا...وهذه هى:
- أكد بول موانجا رئيس المفوضية العسكرية للثورة الاوغندية (المجلس الثورى الذي اعقب سقوط عيدي امين ) أنه فى قيادة حزب المؤتمر الشعبى UPC ( أى مع أوبوتى) ، وأنه واثق من نجاحه فى الانتخابات فى ديسمبر القادم (1980) أمام آخرين مثل الديمقراطى ، وحتى جبهة "موسيفينى"UPM ( كنت أشرت فى النص السابق أن موانجا تلميذ موسازى فى "المؤتمر الوطنى"الذى انتهى إلى الشعبى فعلا.
- سألته عن شكل ممارسة السلطة في"المجلس الثورى "الجديد ، قال أنه حريص على بقاء التحالف الوطنى فى حكومة وطنية ، وعلى المستوى الوطنى , حتى مع تعدد التمثيل الحزبى فى المجلس الاستشارى (شبيه البرلمان المؤقت) ، وأن بعض الوزراء وافقوا على الميزانية فى المجلس الوزارى ، ثم راحوا يعارضونها فى الاستشارى ...ففصلتهم( هكذا !)..وهددت بطرد كل مخالف وليس فقط أعضاء الحزب الديمقراطى ..حتى نضمن وحدة المجلس الوزارى وفاعليته "...وقد حضر إلى رؤساء الأحزاب ، ورجونى عدم تصعيد الأزمة ...
- حكى لى عن التنزانيين الذين ساعدوهم فى الزحف على "كمبالا"من حدود تنزانيا ...والذى سمى وقتها "الغزو التنزانى"ضد "عيدى أمين"– قال لى ( وهو ما أكده لى أيضا "أوجوكو"رئيس الأركان ) أن التنزانيين كانوا معهم بعد اتفاق نيريرى مع أوبوتى شخصيا ودون أى مساعدات أخرى ، تقدم التنزانيون أولا ، ثم صاروا خلفهم بقيادة أوغندية ، ووصل من التنزانيين داخل أوغندا حوالي 60 ألفا ، ثم انسحبوا سريعا ولم يبق إلا عشرة آلاف ، والاتفاق أن ينسحب هؤلاء على دفعتين حتى يتم تدريب الجيش الأوغندى ، وألمح إلى أن كينيا كانت تريد أن تحل محل تنزانيا ورفض ...وهنا نفى أيضا وجود كوبيين فى بلاده ( إزاء سؤالى عن الاشاعات الكثيرة حول ما يسمي "الغزو الكوبى "لأفريقيا ، ومدى وجودهم بعد عيدى أمين) ..وقال ذلك بوضوح مشيرا- بشكل ودى- إلى أن أبناءه يتعلمون فى كوبا ، وأنه حريص على إرسال البعثات التعليمية إلى هافانا ويستقبل الأطباء الكوبيين بدون حرج ضمن المساعدات الفنية لبلاده .
قال ان إسرائيل تعمل مع الحزب الديمقراطى ، وتستضيف قياداته حتى الآن ، ولذا هو يتشدد مع وزراء هذا الحزب.
وانتقلنا بذلك للحديث عن الفلسطينييين ومشكلتهم معه ، قال بصراحة أخوية , أنهم ساعدوا عيدى أمين ضد المعارضة , وزحفها , ، وعلى نطاق واسع ، مع معرفتهم بوحشية عيدى أمين ، ذكر لى اسم "خالد الشيخ"المندوب الفلسطينى فى أوغندا ، وأنه(موانجا) تقابل مع "أبو إياد"فى ليبيا بعد نجاح الثورة ( حيث كان يعالج مشكلة اشتراك ليبيين مع عيدى أمين ) ، وكان وقتها وزيرا للداخلية ، وعرض على ابو إياد أنه يضمن له عودة الفلسطينيين إلى أوغندا بعد خروجهم عقب الثورة ، وانه مستعد للتفاهم مع وفد فلسطينى إذا حضر إلى كمبالا . قال أنه شعر أن القيادة الفلسطينية ما زالت تتعاطف مع ع عيدى أمين "بحجة أنه أعطاهم مفتاح سفارة اسرائيل ، ولكنه مازال يعرض عودتهم وبحث حالة مصالحهم الموجودة فى البلاد "إلا أن الوفد الذى دعاه لم يحضر ، وإمعانا فى صدقه عرض على ان احمل معي ملفات الفلسطينيين، وفعلت، وسلمتها (أو صورة منها للقيادة الفلسطينية ونقلتها بالفعل إليهم بعد عودتى للقاهرة...
أثارت مسألة إسرائيل أيضا انفعاله من نقطة لم أتصورأنها وصلت لقلب أفريقيا بهذه الصورة ،وهى"وعد مصر السادات بتوصيل المياه لاسرائيل "وفوجئت بالرئيس "موانجا"يقول لى ما سجلته هكذا : "إن تقديم المياه لإسرائيل مخاطرة..فلا يجوز أن تعطى المياه لعدو"...وأنه هو شخصيا يريد مساعدة مصر فى مسألة زيادة مواردها من المياه ...ويطرح أفكارا حول إنشاء منطقة تخزين للمياه فى "كاتونجا فالى"تسحب المياه من بحيرة "ألبرت"، فهى منطقة بين فيكتوريا وألبرت، خصبة وصالحة لزراعة الأرز ، ويمكن أن تكون بحيرة.." ( أترك الأمر للفنيين لفهم النص ودلالة الطرح وامكانياته حتي الان )....؟!
جاءت سيرة المسلمين ومعظمهم من الباغندة (المملكة) ، فأشار موانجا إلى مساعد له ( محمد بيرو) أن يشرحها لى . أشار"بيرو"إلى موقفهم بقيادة الأمير بدر ضد حزب الرئيس موانجا لعداوات قديمة مع أوبوتى ، وأنهم بسبب موقفهم المحافظ دائما ، يتحالفون مع حزب رجعى ، معروف بعلاقته مع إسرائيل ، ويعبئؤون مع وزير لهم مثقف ( أبو بكر ماينجا) ، بقية المثقفين من الجامعة معهم ، لكن قاضى قضاة المسلمين يتصدر مقاومتهم ...
قابلت بعد ذلك الرئيس السابق "أوبوتى"وقائد الجيش "أوجوكو"، اللذين أكدا بعض معلومات "الرئيس موانجا"، لكن أهم المقابلات كانت مع "موسيفينى"نفسه باعتباره عضو المفوضية العسكرية (الحاكمة) ومشرف على وزارة الدفاع .
في اثناء زيارتي لجامعة مكاريري بكمبالا قابلت"محمود ممداني"في احد مساكن الاساتذة .لم افهم حدود موقفه او معارضته لبول موانجا رغم تعريفه بمهمتي في الوساطة لصالح زملائه في نيروبي. وكان ممداني قريب من العملية الثوريه التي تمت بل واحتل لفترة منصبا وزاريا لكنه ابتعد بسرعة
- قابلت في مقر الرئاسة "يوري موسيفيني"بتوجيه من"موانجا" , بدا مستفزا من حزب المؤتمر الشعبى وأوبوتى، وإلى حد ما يلمح إلى تبعية "موانجا"لأوبوتى ..وكان ذلك ليبرر تحالفه على نحو ما مع الحزب المعروف برجعيته وهو"الديمقراطى"فى مواجهة ميول أوبوتى الديكتاتورية ، والقبلية ، كما أشار إلى ميول أوبوتى البروتستانية ضد الكاثوليكية ، وانه هو (موسيفينى) يمثل الطريق الثالث ( بعد ذلك فهمت أنه يشير إلى الإنجليكانية ..!)
( كان بادى الحماس للتحالف مع الديمقراطى DPوزعيمه "باولو سيموجيريرى "، وهوالحزب القائم حتى الآن-2014- فى وضع معارض أليف مع موسيفينى...)
بدا أيضا استفزازه من ميول المؤتمر الشعبى UPCالقبلية (شمالى) إزاء استبعاد الباغندة (المملكة)وأبنائهم من الجيش لخوف الشماليين على نفوذهم فى الجيش (بينما برر لى أوجوكو قائد الجيش هذا الوضع باحجام الباغندة عن الاشتراك فى الجيش لتفرغهم للزراعة ، واعتبار الجيش مهنة غير لائقة بهم...!
- كان يميل لتقديم شروح أيديولوجية عن التشكيل الطبقى لمجتمع أوغندا مما يفرض التحالف مع البرجوازية الوطنية ، لأن هناك فرصة لنمو رأسمالية وطنية واقتصاد مختلط ، بل والتحالف مع الممالك الأخرى عكس تركيز أوبوتى علي معاداة الباغندة ...وموقفه السلبي من العودة إلى أيديولوجية ميثاقه السابق قبل انقلاب 1971.
- شعرت أن الخلاف فى روايات الرئيس ونائبه وقائد الجيش لن يؤدى الا إلى ضعف حركة الثورة إزاء تصميم الرئيس السابق أوبوتى على العودة للسلطة فى ذاتها دون جدوى . ( وهو ما حدث حيث صفى أوبوتى الجميع بعد مجيئه بالانتخابات فى ديسمبر من نفس العام وبمساعدة هؤلاء الحلفاء!) .
- كانت تصفية "اوبوتي "لعناصر التحالف معه سببا في سقوطه بعد ذلك علي يد قوة موسيفيني المتمرده التي تحركت من غرب اوغندا( بمساعدة ثوار الكونغو من جهة والممالك التقليدية من جهة اخري ...وبتوازنات- يشتهر بها – بين "المحافظين"والثوريين" ..مما لم يكن يجيده اصدقائي الذين كانوا ينتظرون في نيروبي نتائج وساطتي عند"موانجا",تلك الوساطة التي لم تحقق تقدما في وقف الصراع المتبادل..
- 4-7-2014.
- حلمي شعراوي