Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

التقلبات الأوغندية -2

$
0
0

للاصدقاء الذين يتابعون بعض مذكراتي بعنوان "ساحكي لكم "كانت الحلقة الثالثة عن اوغندا عام 1980 واكمل هنا هذه الحلقة الثالثة ببعض التدقيق ومن حظي اني علمت ان السفير الاوغندي ابراهيم موكيبي مازال سفير اوغندا مع الرئيس موسيفيني .. وذلك ما يطمئنني .. !

 

تابع سلسلة سأحكى لكم : 3

 

إيضاحات اضافية ضرورية عن "التقلبات الأوغندية "

(هذه ايضاحات هامة لمن يتابعون تاريخ واصول حكم الرئيس موسيفيني، ومسائل تتعلق بمياه النيل , وفلسطين واسرائيل )

 

عقب كتابتى للنص السابق نشره ( أول يونيو 2014) عن ذكرياتى مع التقلبات الأوغندية ، كنت أواصل البحث عن أوراق قديمة تنفع لتذكيرى أو تأكيدى للذكريات التى أقدمها ..وإذ بى أفاجأ "بنوتة"قديمة تحمل داخلها كتابات بخط متسارع ، وتاريخ سبتمبر 1980!

وتفجرت دهشتى عندما بدأت أجد فى عناوين الصفحات كلمات مثل : مع "بول موانجا"، ومع "موسيفينى"، ومع "أوبوتى"، ومع "أوجوك" ( رئيس الأركان ) (26-9-1980)....بل وتحمل "نفس النوتة"مقابلات أخرى بعد ذلك فى كينيا وتنزانيا ...وزيمبابوى ، وفى فترات متقاربة ....

والمفيد هنا أنى وجدت السياق العام كما تذكرته ورويته ، مختصرا بالطبع (بدون نوتة) ، لأنى وجدت فى هذه النوتة المدهشة تفاصيل هامة تفيد جدا النص الذى رويته . سأضعه هنا منفصلا لمن يتابعون ، ولكنى سأحاول قبل نشر النصوص النهائية أن أضيف ما وجدته اليوم (5 يونيو2014) إلى النص الأصلى. 
وإليكم الإضافات ، ولن تكون فى شكل محضر للمقابلة لأنها طويلة كثيرا ، ولكنى سآخذ "النص"المباشر عن المعلومة التى أريد إضافتها هنا...وهذه هى: 

 

- أكد بول موانجا رئيس المفوضية العسكرية للثورة الاوغندية (المجلس الثورى الذي اعقب سقوط عيدي امين ) أنه فى قيادة حزب المؤتمر الشعبى UPC ( أى مع أوبوتى) ، وأنه واثق من نجاحه فى الانتخابات فى ديسمبر القادم (1980) أمام آخرين مثل الديمقراطى ، وحتى جبهة "موسيفينى"UPM ( كنت أشرت فى النص السابق أن موانجا تلميذ موسازى فى "المؤتمر الوطنى"الذى انتهى إلى الشعبى فعلا.

 

- سألته عن شكل ممارسة السلطة في"المجلس الثورى "الجديد ، قال أنه حريص على بقاء التحالف الوطنى فى حكومة وطنية ، وعلى المستوى الوطنى , حتى مع تعدد التمثيل الحزبى فى المجلس الاستشارى (شبيه البرلمان المؤقت) ، وأن بعض الوزراء وافقوا على الميزانية فى المجلس الوزارى ، ثم راحوا يعارضونها فى الاستشارى ...ففصلتهم( هكذا !)..وهددت بطرد كل مخالف وليس فقط أعضاء الحزب الديمقراطى ..حتى نضمن وحدة المجلس الوزارى وفاعليته "...وقد حضر إلى رؤساء الأحزاب ، ورجونى عدم تصعيد الأزمة ...

 

- حكى لى عن التنزانيين الذين ساعدوهم فى الزحف على "كمبالا"من حدود تنزانيا ...والذى سمى وقتها "الغزو التنزانى"ضد "عيدى أمين"– قال لى ( وهو ما أكده لى أيضا "أوجوكو"رئيس الأركان ) أن التنزانيين كانوا معهم بعد اتفاق نيريرى مع أوبوتى شخصيا ودون أى مساعدات أخرى ، تقدم التنزانيون أولا ، ثم صاروا خلفهم بقيادة أوغندية ، ووصل من التنزانيين داخل أوغندا حوالي 60 ألفا ، ثم انسحبوا سريعا ولم يبق إلا عشرة آلاف ، والاتفاق أن ينسحب هؤلاء على دفعتين حتى يتم تدريب الجيش الأوغندى ، وألمح إلى أن كينيا كانت تريد أن تحل محل تنزانيا ورفض ...وهنا نفى أيضا وجود كوبيين فى بلاده ( إزاء سؤالى عن الاشاعات الكثيرة حول ما يسمي "الغزو الكوبى "لأفريقيا ، ومدى وجودهم بعد عيدى أمين) ..وقال ذلك بوضوح مشيرا- بشكل ودى- إلى أن أبناءه يتعلمون فى كوبا ، وأنه حريص على إرسال البعثات التعليمية إلى هافانا ويستقبل الأطباء الكوبيين بدون حرج ضمن المساعدات الفنية لبلاده .

 

قال ان إسرائيل تعمل مع الحزب الديمقراطى ، وتستضيف قياداته حتى الآن ، ولذا هو يتشدد مع وزراء هذا الحزب.

 

وانتقلنا بذلك للحديث عن الفلسطينييين ومشكلتهم معه ، قال بصراحة أخوية , أنهم ساعدوا عيدى أمين ضد المعارضة , وزحفها , ، وعلى نطاق واسع ، مع معرفتهم بوحشية عيدى أمين ، ذكر لى اسم "خالد الشيخ"المندوب الفلسطينى فى أوغندا ، وأنه(موانجا) تقابل مع "أبو إياد"فى ليبيا بعد نجاح الثورة ( حيث كان يعالج مشكلة اشتراك ليبيين مع عيدى أمين ) ، وكان وقتها وزيرا للداخلية ، وعرض على ابو إياد أنه يضمن له عودة الفلسطينيين إلى أوغندا بعد خروجهم عقب الثورة ، وانه مستعد للتفاهم مع وفد فلسطينى إذا حضر إلى كمبالا . قال أنه شعر أن القيادة الفلسطينية ما زالت تتعاطف مع ع عيدى أمين "بحجة أنه أعطاهم مفتاح سفارة اسرائيل ، ولكنه مازال يعرض عودتهم وبحث حالة مصالحهم الموجودة فى البلاد "إلا أن الوفد الذى دعاه لم يحضر ، وإمعانا فى صدقه عرض على ان احمل معي ملفات الفلسطينيين، وفعلت، وسلمتها (أو صورة منها للقيادة الفلسطينية ونقلتها بالفعل إليهم بعد عودتى للقاهرة...

 

أثارت مسألة إسرائيل أيضا انفعاله من نقطة لم أتصورأنها وصلت لقلب أفريقيا بهذه الصورة ،وهى"وعد مصر السادات بتوصيل المياه لاسرائيل "وفوجئت بالرئيس "موانجا"يقول لى ما سجلته هكذا : "إن تقديم المياه لإسرائيل مخاطرة..فلا يجوز أن تعطى المياه لعدو"...وأنه هو شخصيا يريد مساعدة مصر فى مسألة زيادة مواردها من المياه ...ويطرح أفكارا حول إنشاء منطقة تخزين للمياه فى "كاتونجا فالى"تسحب المياه من بحيرة "ألبرت"، فهى منطقة بين فيكتوريا وألبرت، خصبة وصالحة لزراعة الأرز ، ويمكن أن تكون بحيرة.." ( أترك الأمر للفنيين لفهم النص ودلالة الطرح وامكانياته حتي الان )....؟!

 

جاءت سيرة المسلمين ومعظمهم من الباغندة (المملكة) ، فأشار موانجا إلى مساعد له ( محمد بيرو) أن يشرحها لى . أشار"بيرو"إلى موقفهم بقيادة الأمير بدر ضد حزب الرئيس موانجا لعداوات قديمة مع أوبوتى ، وأنهم بسبب موقفهم المحافظ دائما ، يتحالفون مع حزب رجعى ، معروف بعلاقته مع إسرائيل ، ويعبئؤون مع وزير لهم مثقف ( أبو بكر ماينجا) ، بقية المثقفين من الجامعة معهم ، لكن قاضى قضاة المسلمين يتصدر مقاومتهم ...

 

قابلت بعد ذلك الرئيس السابق "أوبوتى"وقائد الجيش "أوجوكو"، اللذين أكدا بعض معلومات "الرئيس موانجا"، لكن أهم المقابلات كانت مع "موسيفينى"نفسه باعتباره عضو المفوضية العسكرية (الحاكمة) ومشرف على وزارة الدفاع .

 

في اثناء زيارتي لجامعة مكاريري بكمبالا قابلت"محمود ممداني"في احد مساكن الاساتذة .لم افهم حدود موقفه او معارضته لبول موانجا رغم تعريفه بمهمتي في الوساطة لصالح زملائه في نيروبي. وكان ممداني قريب من العملية الثوريه التي تمت بل واحتل لفترة منصبا وزاريا لكنه ابتعد بسرعة 

 

- قابلت في مقر الرئاسة "يوري موسيفيني"بتوجيه من"موانجا" , بدا مستفزا من حزب المؤتمر الشعبى وأوبوتى، وإلى حد ما يلمح إلى تبعية "موانجا"لأوبوتى ..وكان ذلك ليبرر تحالفه على نحو ما مع الحزب المعروف برجعيته وهو"الديمقراطى"فى مواجهة ميول أوبوتى الديكتاتورية ، والقبلية ، كما أشار إلى ميول أوبوتى البروتستانية ضد الكاثوليكية ، وانه هو (موسيفينى) يمثل الطريق الثالث ( بعد ذلك فهمت أنه يشير إلى الإنجليكانية ..!)

( كان بادى الحماس للتحالف مع الديمقراطى DPوزعيمه "باولو سيموجيريرى "، وهوالحزب القائم حتى الآن-2014- فى وضع معارض أليف مع موسيفينى...)

 

بدا أيضا استفزازه من ميول المؤتمر الشعبى UPCالقبلية (شمالى) إزاء استبعاد الباغندة (المملكة)وأبنائهم من الجيش لخوف الشماليين على نفوذهم فى الجيش (بينما برر لى أوجوكو قائد الجيش هذا الوضع باحجام الباغندة عن الاشتراك فى الجيش لتفرغهم للزراعة ، واعتبار الجيش مهنة غير لائقة بهم...!

- كان يميل لتقديم شروح أيديولوجية عن التشكيل الطبقى لمجتمع أوغندا مما يفرض التحالف مع البرجوازية الوطنية ، لأن هناك فرصة لنمو رأسمالية وطنية واقتصاد مختلط ، بل والتحالف مع الممالك الأخرى عكس تركيز أوبوتى علي معاداة الباغندة ...وموقفه السلبي من العودة إلى أيديولوجية ميثاقه السابق قبل انقلاب 1971.

- شعرت أن الخلاف فى روايات الرئيس ونائبه وقائد الجيش لن يؤدى الا إلى ضعف حركة الثورة إزاء تصميم الرئيس السابق أوبوتى على العودة للسلطة فى ذاتها دون جدوى . ( وهو ما حدث حيث صفى أوبوتى الجميع بعد مجيئه بالانتخابات فى ديسمبر من نفس العام وبمساعدة هؤلاء الحلفاء!) . 


- كانت تصفية "اوبوتي "لعناصر التحالف معه سببا في سقوطه بعد ذلك علي يد قوة موسيفيني المتمرده التي تحركت من غرب اوغندا( بمساعدة ثوار الكونغو من جهة والممالك التقليدية من جهة اخري ...وبتوازنات- يشتهر بها – بين "المحافظين"والثوريين" ..مما لم يكن يجيده اصدقائي الذين كانوا ينتظرون في نيروبي نتائج وساطتي عند"موانجا",تلك الوساطة التي لم تحقق تقدما في وقف الصراع المتبادل..

 

- 4-7-2014.
- حلمي شعراوي


التخلف الحضاري وراء نكباتنا

$
0
0

محاضرة:

    فرضية التخلف الحضاري وراء جميع نكباتنا

    جوهر الكتاب الصادر مؤخراً تحت عنوان

    "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"

                        علاء الدين الأعرجي

موجز مكثّـف للمحاضرة التي ألقاها كاتب هذه السطور في الصالون الثقافي للإستاذ عبد الفتاح شبانة، حيث استضافه مشكوراً باعتباره ضيف الشرف،(في7/6/2014)، ولاسيما بمناسبة صدور الطبعة الرابعة من كتابه ""أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي".

فبعد ان أشرنا إلى أن الظواهر المجتمعية تختلف عن الظواهر الطبيعية، من حيث أن الأخيرة تخضع للتجربة الحسية المختبرية للتحقق من صحتها، بينما تفلت الظاهرة المجتمعية من ذلك، أكّدتُ، بكل تواضع أنني لا أدعي ان فرضياتي/نظرياتتي صحيحة، بل قابلة للمناقشة والنقد الذي أرحب به بكل سرور. 

ثم شرعت باستعراض كتابي المعنون"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل"، في طبعته الرابعة، التي صدرت قبل أشهر قليلة، انطلاقاً من فرضيتي العامة في معظم  كتاباتي ً التي تقضي بأن السبب الرئيسي في جميع نكباتنا وإشكاليتنا تعود إلى تخلفنا الحضاري.

طبعا هناك أسباب أخرى، ولكنها تعود معظمها في نهاية المطاف إلى السبب الأول. مثلاً: خطط الآخر لزرع الفتنة. أقول لولا تخلفنا لما انقسمنا شيّعاً وطوائف نقتتل فيما بيننا، فيدخل الآخر بن صفوفنا لإشعال نار الفتنة ، أو يصبّ الزيت فوق النار كلما خفت أوارها.  

 وبالعودة إلى فرضيتي في تخلفنا الحضاري، قلت "ليس لي أي فضل في بناء هذه الفرضية. بل كنت وما أزال أدرسُ هذه الفرضية من خلال كتابات معظم المفكرين العرب المحترمين لاسيما  قسطنطين زريق وعلي الوردي ومحمد جواد رضا ومحمد عابد الجابري وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وحسن حنفي ومحمد أركون وعبد الإله بلقزيز وعبد الله العروي وغيرهم.

ولكن الشيء القليل الذي أضفته إلى هذه الفرضية، أنني حاولت أن أتعمق في تفسيرها وتنظّيرها وتجذيرها، من خلال ثلاث فرضيات/نظريات أزعم أنها رائدة، بل أجادل في أنها جديدة على الفكر العربي والعالمي بقناعة كافية، نتيجة بحث وتمحيص، ومناقشات واستشارت، تواصلت وتكثـّفت منذ مطلع هذا القرن. ومع ذلك أظل منفتحاً بشكل كامل على جميع الآراء المخالفة والناقدة، التي أرحب بها بكل حفاوة، أملاً في إغناء بحثي بل إثراء عقلي.    

أولا: نظرية العقل المجتمعي: نقصد بالعقل المجتمعي، بكل اختصار، ذلك العقل الجمعي السائد لدى جماعة من البشر، تعيش في مكان وزمان وظروف معينة،  نطلق عليها "مجتمع"أو "وحدة مجتمعية". ويتضمن ذلك العقل جميع القيم والمفاهيم والمعتقدات والأعراف والعادات والمعارف السائدة لدى ذلك المجتمع التي تعتبر من المُسَلـَّمَات الواجبة الاتباع. ويتشكل العقل المجتمعي من الحصيلة النهائية للتطور التاريخي الذي يمر به المجتمع منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا. ويتأثر بالأحداث الجارية والتطورات القائمة، كما قد يتأثر بالخصائص السائدة لدى المجتمعات المجاورة أو التي يتصل بها بأي طريق مباشر أو غير مباشر. وقديما قال بن خلدون أن المجتمع المغلوب يتأثر بالمجتمع الغالب.           

عقلنا المجتمعي ظل محافظاً على قيمه القديمة، التي تكونت منذ عصر التدوين، كما يرى الجابري، ولكنني أخالفه، فأقول أنه تكون خلال الفترة المظلمة  وفترة البداوة، بوجه خاص. علماً أن الجابري لا يتحدث عن العقل المجتمعي بل يتحدث عن العقل العربي  بوجه عام.

  والمُفارقة الصارخة، المُضحِكة المُبكِية، أنـَّنا جميعًا ضحايا ذلك العقل الجبَّار والحاكِم المُطلَق، حينما نُدافع عن قِيَمنا وتقاليدنا وتُراثنا ومُعتقداتنا،  بل حتَّى عن آمالنا وتطلُّعاتنا، إذْ نتصوَّر أنَّنا نُعبِّر عن آرائنا وأفكارنا الشخصية. وفي الواقع نحن نعبِّر عن الآراء التي تدور في عقل ذلك المجتمع، إذْ يفرضُها علينا فرضًا من حيث لا ندري ولا نشعر.

ثانيا:نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل، التي تتعلق بالفرد، خلافاً للنظرية الأولى التي تتعلق بالمجتمع ككيان يتمتع بشخصية اعتبارية. ويمكن تعريف العقل المنفعل كما يلي: 

هو تلك الملَكة التي يكتسبُها الفردُ من مُحيطه، ويستخدمُها في التفكير والتعامُـل مع الآخرين، واتِّخاذِ قراراته التي يُميِّز بها بين الصالحِ والطالح، والصحيحِ والخطإ، والخير والشرّ، في إطار مجتمعٍ مُعيَّن، وفي حدود زمنٍ معيَّن؛ أو هو مجموعةُ المبادئ والمعايير التي يفرضُها "العقلُ المُجتمَعيّ" (كما حددَّناه سابقًا)، والتي يتَّخذُها الفردُ مِقياسًا لمعظم أحكامِه وقراراتِه.

فنحن حين نُفكِّرُ أو نتعاملُ مع الآخرين، أو نتَّخذُ قراراتِنا، نضعُ غالبًا في اعتبارنا، شعوريًّا أو لا شعوريًّا، المُستلزَماتِ والقـيّم التي يفرضُها المجتمع،ُ والتي نخضعُ لها عادةً أو نحترمُها في الغالب، شئنا أو أبَينا، وهي مُتغيِّرة بتغيُّر الزمان والمكان.

-                   

أمَّا تعبيرُ "العقل الفاعل"، فإنه يدلُّ على تلك الملَكة الذهنيَّة الطبيعيَّة التي تولَد مع الإنسان، ثمَّ تَضمرُ تدريجيًّا، بسبب تأثير الأهل والأصحاب والمربين بوجه عام الخاضعين، هم أنفسهم، لعقلهم المنفعل  الخاضع بدوره لسلطة العقل المجتمعي السائد مما يؤدي إلى أعادة إنتاج التخلف. ومع ذلك قد يشذ عن هذه القاعدة بعض الأشخاص الرواد الذين يشرعون بالتساؤل عن قيم ومسلمات العقل المجتمعي ومدى مصداقيتها، فيلاقون مقاومة شديدة من حرّاس  العقل المجتمعي. ومن هؤلاءالرواد أذكر بوجه خاص الشيخ محمد عبده، وطه حسين(حوكم) في كتابه الشعر الجاهلي، و علي عبد الرازق،(طُرد من القضاء والجامعة) في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، وعلي الوردي،(اضطُهد) في كتبه المتعددة ومنها "وُعَّاظ السلاطين"،  ونصر حامد أبو زيد(طُلق من زوجته) في كتبه المتعددة ومنها "مفهوم النصّ"، وفرج فودة(قُـتل) في كتابه"الحقيقة الغائبة"وغيره .

يُلاحَظُ من ذلك أنَّ "العقل الفاعل"يُمثِّلُ الجانبَ الطبيعيّ "الحُرّ"من عقل الإنسان، الجانب المُتحفِّز المُتسائل والمُشكِّك والمُبدِع والمُتطلِّع نحو اكتشاف آفاقٍ جديدة في كلِّ شيء، سواءٌ على صعيد الإنسان ذاته أو في ميادين ومجاهيل الحياة والطبيعة والكون، أو على صعيد مجتمعه.

وأرى أن هاتين النظريتين تنطبقان على جميع المجتمعات في كل زمان ومكان. وهذا يؤدي إلى اعتبار النظرية عالمية.

-                   

ثالثاً؛نظرية عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة على نحو يكفي لمحو الطباع البدوية:   تـفترضُ هذه النظرية  أَنَّ  العربَ لم يمرُّوا بمرحلة الزراعة، على نحوٍ كافٍ، بل انتقلوا من البداوةِ إلى الحضارة (أو بالأحرى التحضر، أي مجرد سكنى المدن) ، متجاوزين مرحلةَ الزراعة، بعد فترةٍ قصيرةٍ من بداية الفُـتوح الإسلاميَّة. وأَدَّى ذلك إلى عدَمِ زوالِ القِيَم البدويَّة الراسخة في العقلِ المجتمعيِّ العربيّ. وقد لاحظت أن العرب الذين كانوا بدواً في أكثريتهم الساحقة، هاجروا بموجات غفيرة إلى البلاد المفتوحة. وأصبحوا أسياداً فيها فضلا عن الغنى الذي أصابهم. فلماذا يمتهنون الزراعة؟

 فبعد أن جاءه عامله بخمسمائة ألف درهم من البحرين "أرتقى الخليفة عمر المنبر فقال إيها الناس جاءنا مال كثير إن شئتم كِلنا لكم كيلاً أو عددنا لكم عداً"وقد أصبح هذا المبلغ تافها فيما بعد.  

 

ومن الطبيعيِّوالمنطقيِّ أن يتجاوزَ المجتمعُ العربيُّ مرحلةَ الزراعة. فقد كان العربُ يحتقرون المِهَنَ بوجهٍ عامّ، كما يظهرُ ذلك في قولٍ مشهورٍ للجاحظ: "العربُ لم يكونوا صُـنّاعًا... ولا أصحابَ فِلاحة فيكونوا مَهَنـَة، ولا أصحابَ زَرع..."ويؤكِّدُ ابنُ خلدون هذا المعنى في عدَّةِ مناسبات في "مقدَّمته". وقد ناقشنا هذه الآراء في بحثِنا عن نشوءِ الحضارات وسقوطِها بين ابن خلدون وتوينبي(الوارد في كتابي"الصادر مؤخرا). وفي حديث رواه البخاري في صحيحه يقول إنَّ الرسولَ (ص)  لاحظ مِحراثًا في أَحدِ بيوت الأَنصار فقال: "ما دخلَتْ هذه السكَّةُ دارَ قوم إلاَّ دخلَه الذُلّ."ويُرجَّح أنَّه كان يُعبّر عن وضعٍ واقعيٍّ قائمٍ منذ العصرِ الجاهليّ.        

  عِلمًا بأَنَّ  المرورَ ٍ بمرحلةِ الزراعة، التي هي أُسُّ الحضارة وقاعدتُها الصَّلدة، يؤَدِّي إلى صَقلِ الطباع البدويَّة وتهذيبِها، أو بالأحرى تعديلِها وتغييرِها، نظرًا لأنَّ العقلَ المجتمعيَّ ما هو إلا مرآةٌ للبيئة التي يعيشُها المجتمع. فالزراعة تتطلب الاعتماد على الذات، في إعداد الأرض بحرثها وبذر الحب وسقيه (في حالة الزراعةالمروية)، ثم جني المحصول وخزنه إلى الموسم القادم. هذه الخطوات التي تعتمد على الجهد البشري، غير معروفة لدى البدوي الذي كان بعتمد بوجه خاص على جود الطبيعة ليعتاش هو وحيواناته، ثم على الغزو الذي أصبح قيمة اجتماعية يعتز بها البدوي. 

وهكذا فالعرب لم يمروا بمرحلة الزراعة على نحو يكفي لمحو القيم البدوية(العشائرية) التي ما تزال تنخر في جسد الأمة. لذلك نلاحظ هذا الصراع الدموي القائم بين الفرق المذهبية المختلفة في سورية والعراق واليمن ولبنان، مثلاً فضلاً عن الصراعات العشائرية او الإثنية في ليبيا واليمن، مما سيقضي على مكتسبات ثورة 2011.

وأعترف أن هذا الموجز لا يقدم إلا رؤوس أقلام لبحث  سوَّدت فيه مئات الصفخات التي جاء بعضها في كتاب "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل"الصادر مؤخرا في بغداد، فضلاً عن كتاب "الأمة العربية بين الثورة والانقراض"قيد الطباعة هذه الأيام.  

 

 

السيسي على خطى أردغان ... وساليناس ويودويونو، وأوباسانجو

$
0
0

لكل المعجبين بالنموذج التركي في التنمية، السيسي يمهد لاستنساخه. تقليص دور الحكومة ثم توريق لرفع الناتج المحلي الحسابي ثم رهن ثم ديون ونهضة عقارية.
هي روشتة واحدة للبنك الدولي.

إتباع أردغان لتلك السياسة، رفع ديون تركيا من 80 مليار حين تولى الحكم في 2002، إلى 400 مليار دولار في 2014. إلا أن الاقتصاد قد نما باضطراد حسب الناتج المحلي الإجمالي، جزئياً بفضل التوريق العقاري، فقد ظلت نسبة الديون إلى الناتج المحلي أقل من 40%. الاقتصاد التركي يخلو من الصناعات الثقيلة. وقد تهكم كارل بيلت، وزير خارجية السويد في يناير 2014، على تركيا بأنها لا تنتج سوى البسكويت والمراتب، وباقي انتاجها هو منتجات أجنبية بأسماء تركية. إلا أن اعتماد تركيا على الاقتراض بالفائدة المنخفضة جدا على الدولار المطبوع في سياسة التيسير الكمي الأمريكية، خلق طبقة مليارديرات جدد حول الحزب الحاكم، وأتاح أيضاً لتركيا اطلاق مشروع قومي كبير "وحيد"هو "مشروع سدود جنوب شرق الأناضول"الذي شيد بموجبه 22 سد استصلحت الأراضي وغيرت الديمغرافيا، بتكلفة 32 مليار دولار، وهو عـُشر ما اقترضه أردغان. وكان لإعلان أمريكا، بآخر 2013، إيقافها سياسة التيسير الكمي، أثرا بالغ السلبية على اقتصادات الدول المعتمدة على الاقتراض دوما MINT، وهي المكسيك، إندونسيا، نيجريا وتركيا. ومازالت صادرات تركيا تتطابق مع صادرات مصر من حيث الأصناف (محاصيل زراعية، سيراميك، أسمنت، حديد، فوسفات)، إلا أنها تصدّر نحو  6 أضعاف ما تصدّره مصر.

هذه السياسة الاقتصادية الليبرالية تم تطبيقها في مصر بين عامي 1900-1914، وأدت إلى غضبة واسعة من تغلغل الملكية الأجنبية في مناحي الحياة، فقامت ثورة شعبية في 1919.

 

الخطوط العامة لروشتة الصندوق والبنك

أولاً: تقليص دور والتزامات الحكومةفي كافة الأوجه: ويتم ذلك بتقليص الدعم، واستئناف خصخصة القطاع العام.

ثانياً: التوريق، لاضافة أصول ترفع الناتج المحلي الحسابي، وهو الأمر الهام لأن المقرضين الدوليين لا يستطيعون اقراض دولة إلا في حدود حوالي 50-70% من الناتج المحلي لتلك الدولة. وأهم خطوة في التوريق هي مشروع المحافظات الجديدة، والتي سيكون لها حق طرح سندات والاقتراض لبيع أراضي واطلاق مشاريع. وهو مشروع رائع ولكن يحتاج ضوابط أخشى أنها لن تتحقق.

ثالثاً: الرهن: أهمه البنك الزراعي (الذي قرأنا اليوم أن البنك الدولي منحه 50 مليون دولار للتطوير) والبنك العقاري. فتوريق الأرض عنصر رئيسي في الروشتة. 

رابعاً: الاقتراضوطرح السندات: لبرلة القطاع المصرفي، وفتح الباب أمام مصارف أجنبية، التي وصل عددها في عهد السادات إلى 99 بنك. وإن كانت الدولة ستواصل الاعتراض على فتح دفاتر البنوك القومية (بنك مصر والبنك الأهلي وجثة بنك القاهرة).

خامساً: النهضة العقاريةغالباً ما قد تتشابه مع تجربة مصر الاقتصادية في عقد 1900: نشاط مصرفي أجنبي كبير؛ ملاك أجانب للمرافق (مياه، كهرباء، ترام)؛ مشاريع عقارية هائلة (هليوبوليس، كوم أمبو). ويمكن مقارنة دور المؤسسة الاقتصادية للجيش بالدائرة السنية آنذاك.

في غياب خطة معلنة من السيسي، نحاول التكهن باتجاهه بالنظر في من يستمع لهم السيسي: 
* هاني دميان، ممثل مصر في البنك الدولي، والآن ممثل البنك الدولي في الحكومة المصرية.
* محمد العريان، كل خبرته في السندات أي الاقتراض من كيانات غير سيادية.

ماذا حدث لتلك النهضة العقارية؟ انتهت بثورة 1919، ومهاجمة المواطنين للمشاريع الأجنبية، مثل كوم أمبو (الذي كان دولة داخل الدولة ووصل به الأمر أنه أصدر عملة خاصة به) . فانسحب الأجانب وأنشأ مدير حسابات شركة كوم أمبو، طلعت حرب، بنك مصر وشركاته. البعد السياسي لتلك الفترة لا محل لنقاشه في هذا المكتوب.

دولة القانون

$
0
0

 

 

 

عندما كنا أطفالا فى المدرسة كنا دائما نسمع عبارة "تعال وإشكو لى وأنا أرد لك حقك"سواء من المدرسين أو من ناظرة أو ناظر المدرسة. وكانت هذه العبارة تتردد فى كل مناسبة يقع فيها خلاف بين طفلين أو حتى مراهقين ويحاول أحدهما رد إعتداء الآخر بنفسه وبيده أو حتى بلسانه.

وهذه العبارة على قدر كونها غير مقبولة لدينا جميعا فى تلك السن المبكرة إلا أنها تعبر عن شىء لم نتعلمه بوضوح ولم أتعرف عليه أنا شخصيا مجسدا أمامى إلا بعد الخروج من مصر، وهو دولة القانون.

فطوال معيشتى فى مصر كانت القاعدة المعروفة هى أن ما يستطيع المرء أن ينجزه بمفرده فى مجال الدفاع عن الحقوق فعليه إنجازه. ولا يبق إذن للدولة إلا القيام بالمهمات التى يعجز عنها المواطن بقوته الذاتية.

فاللص مثلا لو أنك أمسكته توسعه ضربا أولا ثم بعد ذلك لك أن تقرر هل تبلغ عنه أم تكتفي بذلك القصاص الفردى.

والجار المزعج كذلك ومن يوقف سيارته فى طريقك ويعطلك إلخ ...

ولو أنك أقوى من ذلك درجتين على السلم الإجتماعى قد تدافع عن أرضك برجال لك تستأجرهم ضد من يتعدى عليها ولا تلجأ للدولة إلا إن عجزت عن الدفاع.

ولو أنك شديد القوى فلا تلجأ للدولة إطلاقا لأنك تستطيع التصرف فى جميع الأحوال بمفردك مالا ورجالا وسلطة ولا تلق لنصوص القانون بالا.

ولكننى عندما خرجت من مصر لاحظت أن الأمر هنا جد مختلف.

فالقصاص الفردي مسموح به فى مجال الممتلكات فقط فى حالة التلبس من جانب المعتدي وليس بعد ذلك. فمن يسرق دراجة مثلا ويضبطه مالكها متلبسا بالسرقة له أن يحرر ملكه من اليد المعتدية ولو باستعمال القوة. وعند هذا الحد يتوقف مدي تلك الرخصة لكي يبدأ بعد ذلك الطريق القانوني..

أما فى المجال الجنائي فنفس القواعد الخاصة بحق الدفاع المشروع تسري فى كل من الثقافتين.

والفرق الواضح يقع فى مجال الحقوق العينية أو بمعني أصح المجال الخاص بالقانون المدني..

فأين يقع هذا الفرق؟

أظن أن الفرق بين الثقافتين يقع فى الخبرة المجتمعية التى إكتسبها المواطن فى كل من البلدين.

فالمواطن المصرى خلال الأعوام الطويلة التى تعامل فيها مع المواطنين الآخرين قد توصل إلى هذه المعادلة لأنها الحل المتاح فى ظل فساد الدولة وأنانية القائمين عليها.
بينما المواطن الألمانى أو الأوروبى أو الغربى عموما توصل إلى معادلة أخرى وجد أنها سارية فى معظم الأحوال وهى أن الدولة تتعامل بقدر الإمكان - وليس طبعا بطريقة مطلقة - مع المواطنين على قدم المساواة. وبالتالى فاللجوء إليها قد يكون هو الحل الأسهل وقد يكون هو الحل الأضمن ولكنه فى النهاية وفى كل الحالات الحل المقبول والذى لا يحمل فى طياته أى شبهة جريمة جديدة.

وأظن أن المواطن المصرى على إستعداد لتقبل الحل الأوروبى لو أنه شعر بأن الدولة تتعامل معه بأى قدر من الإنصاف أكثر قليلا مما تعود عليه خلال العقود الماضية. ولكن الثقة عادت مفقودة.

وأزمة الثقة هذه لها أسباب عديدة.

أولها وأهمها طريقة تعيين الموظفين العموميين فى الدولة المصرية. فهذا هو سبب البلاء ومكمن الداء..

فالدولة المصرية – التي هي غالبا نموذج لكثير من دول العالم الثالث – لا تعين موظفيها والقائمين على شئونها إلا عن طريق لعله أصبح الآن الطريق الوحيد للتعيين، وهو الواسطة.

والواسطة نظام قديم معمول به عبر التاريخ بأسره ولكنه قد توسع كثيرا جدا فى دول العالم الثالث فجاوز الحدود المقبولة وتحول من واسطة إلى توريث مباشر، أوعلى الأقل رغبة فى توريث مباشر.

والتوريث هذا يعبر عن نفسه فى كثير من الصور، فهناك نسبة أبناء العاملين، وهناك إستثناءات ممنوحة لرؤساء المصالح فى تعيين عن غير طريق المسابقة وهناك إستثناءات أعضاء المجالس النيابية والمحلية وهناك إستثناءات الوزراء وهناك طرق لا حصر لعددها لكي يحصل فى النهاية من لا يستحق على ما هو حق لسواه.

ومجالات التوريث طالت فى مصر كثيرا جدا من القطاعات.. وأظن أن الوضع فى كثير من دول العالم الثالث لا يختلف كثيرا.

ومحصلة جميع هذه الأوضاع الغير مقنعة هي ما تنشىء تلك الحالة المجتمعية الرافضة للحلول القانونية والتي تفضل على القانون اللجوء إلى القوة المباشرة، لو أنها متوفرة. وهذا النظر للأمور لا يفرق بين تيار سياسي وتيار آخرن فقد طال جميع التيارات والجماعات السياسية. وهو نظر يتلخص كما أسلفت فى فكرة قياس القدرة قبل الإقدام على العمل، مع عدم أخذ عنصر القانون فى الإعتبار.

وهو النهج الذى سار عليه حكم كل الإدارات المصرية منذ 1952 وحتي 2014. وأظن أن خيبة أمل المواطن المصري فى الديموقراطية كانت سببا مباشرا فى فقدان الإخوان المسلمين  عند الإطاحة بهم بهذه الطريقة المهينة، فقدانهم لأي تعاطف من المواطنين، رغم أنهم جاءوا بطريقة ديموقراطية لا شك فيها.

ويرجع إنعدام التعاطف إلى أنهم لم يظهروا أي إختلاف عمن سبقهم من الحكام فى التعامل مع فكرة القصاص الفردي المنفصل.

والغريب أن الجميع لا يتذكرون لفظ القانون إلا عندما يشعرون أنهم الطرف الضعيف، بينما يتناسون وجوده كاملا عندما يتمتعون بالمركز القوي.

إن دولة القانون لا تبدأ إلا فى الرأس، عندما يعتنق الإنسان فكرة أن في القانون حماية له من تغول الآخرين عليه.فالقانون هو فكرة غير مادية وليس هناك وجود لشىء ملموس إسمه القانون، بل هو حالة إفتراضية يتوافق الناس على إنشائها للإستفادة من مزايا هذا الإفتراض. أى أنها حيلة Fiction .

 

وطالما أن هذه الفكرة الإفتراضية غائبة عن الرأس الشرق أوسطي أو العربي الذى أصبح لا يعترف إلا بالاشياء الملموسة المادية المحسوسة التي لها وجود، كالسلاح والمال، فلن ينصلح حال هذه الدول ولن تخرج من المستنقع الذى دخلت فيه بفعل الفاشيات العربية والشرق أوسطية سواء العسكرى منها أو الديني، فكلاهما سواء..

وإنشاء الفاشيات العربية والشرق أوسطية  سواء العسكري منها أو الديني يصلح محلا لمقال منفصل حيث أنه موضوع طويل وقديم وشيق وشائك فى نفس الوقت..

غزة: الصراع على وقف إطلاق النار

$
0
0

يجود الشعب الفلسطيني بالدم مثلما فعل طيلة السنوات الممتدة من ثورة القسام 1936 وحتى اليوم، دفاعاً عن وجوده وطلباً لحريته، ودوماً في ظل عدم تكافؤ واضح في ميزان القوى مع عدوه. هكذا يستمر الشعب الفلسطيني في التضحية بالدم في قطاع غزة بهذه الجولة الصراعية، التي يميزها عن غيرها أن الأطراف المتصارعة فيها تتقاتل منذ البداية على وقف إطلاق النار وشروطه وليس على تحرير أراض فلسطينية خارج القطاع، أو حتى دفع الأطراف الدولية لتبني تسوية شاملة للصراع العربي ـ الإسرائيلي في حدود 4 حزيران 1967، فهذه أمور لا يسمح بها توازن القوى الراهن مع إسرائيل. وبالرغم من الاستقرار المؤسف لتوازن القوى العربي - الإسرائيلي المذكور، يبدو التوازن الإقليمي في حالة نسبية من السيولة، بحيث تلخص الجولة الصراعية الراهنة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وقطاع غزة المشهد الإقليمي وتفاصيله الجديدة، التي سيمكن قراءتها بدقة وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار المرتقب بين إسرائيل و«حماس».

الحسابات الإسرائيلية

تعي إسرائيل أنها لن تستطيع الانتصار في غزة مهما قتلت من الفلسطينيين ودمرت بيوتهم، لأن هدف إسرائيل بإنهاء المقاومة المسلحة لن يتحقق، وهي تجربة اختبرتها دولة الاحتلال في غزة مراراً وتكراراً من قبل. لم تعد إسرائيل تقاتل جيوشاً نظامية من العالم الثالث، فتنتصر عليها بأحدث تقنيات السلاح الأميركي، بل ميليشيات غير نظامية مسلحة تسليحاً ثقيلاً من الناحية الأيديولوجية وصاروخياً من الناحية العسكرية. هكذا كانت خبرة إسرائيل في حرب لبنان 2006، وفي عدواناتـها المتكررة على قطاع غزة 2008/2009 ومن ثم عام 2012 والآن عام 2014. وبرغم وعي إسرائيل بعدم قدرتها على إنهاء المقاومة المسلحة، يبقى لها هدفان تبغي تحصيلهما من العدوان على غزة: أولاً تدمير القدرات الصاروخية للفصائل الفلسطينية، وثانياً تخريب التقارب بين حركتي «فتح» و«حـماس». تعرف دولة الاحتلال الإسرائيلي أن الصواريخ الفلسطينية لا تملك قدرة تغيير الواقع على الأرض، ولكنها تعلم نجاعتها في التأثير النفسي العميق. أما تخريب التقارب بين الفصيلين الفلسطـينيين، فيـعني ضمان أن تبقى «حماس» معزولة جغرافياً في قطاع غزة وبالتالي سياسياً، فيما ستضطر «فتح» وقتها إلى التعاون أكثر مع الجانب الإسرائيلي. كما أن العزلة الجغرافية والسياسية لغزة والضـفة الغربية ستؤمن لإسرائيل كل الأوراق اللازمـة لفرض تصوراتها على الفلسطينيين؛ إذا اضطرت تل أبيب تحت الضغط الأميركي إلى الذهاب لجولة جديدة من المفاوضات معهم. لا يبدو هدف تحييد الصواريخ الفلسطينية ممكناً من الناحية العملية، لأن ذلك سيتطلب عمليات برية وغزواً للقطاع، وهو ما سيعرّض قوات الاحتلال إلى خسائر مباشرة. وإن كانت الصواريخ الفلسطينية التي تسقـط على المدن الإسرائيلية متدنية القدرة على إلحاق خسـائر بشـرية كبيرة، إلا أن توغل القوات الإسرائيلية في القطاع سيعطي الفرصـة للفصـائل الفلسطـينية لفعل ذلك. ويضاف إلى ذلك الفشل الاستخباري الإسرائيلي المريع، على الرغم من هندسة الخراب الذي تقترفه الطائرات الحربـية أميركية الصنع بحق قطاع غزة، لأن تل أبيب لا تعـلم أماكن وجود الصواريخ ولا منصات إطلاقها، ما سيـجعل الغزو البري ـ إن حدث ـ طويلاً؛ وبالتالي مكلفاً بشرياً.

الحسابات الفلسطينية

مثل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فرصة لحركة «حماس» لإظهار قدراتها القتالية والصاروخية، بغرض تحسين شروط الهدنـة المرتقبـة وإعادة موضعة نفسها في السياق الإقليمي الجديد. يمثل الحصار المفروض على غزة ضغطاً قوياً على الحركة، لأنه يزيد ـ حتى من دون عدوان عسكري مباشر ـ من النقمة الشعبية لسكان القطاع على «حماس» بسبب تردي الأحوال المعيشية فيه. كما أن سقوط جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر والنفور المصري من «حماس»، وما ينسب للحركة من زعزعة للأمن في سيناء واستهداف عناصر من القوات النظامية المصرية، يجعل «حماس» تدفع ثمناً كبيراً لانخراطها في الاصطفاف الإقليمي الإخـواني ـ التركي ـ القطري الذي كـان. أظـهرت «حـماس» قدرتـها على استهداف المدن الإسرائيلية بالصواريخ، وهي نتيجة أهم كثيراً من الخسائر الماديـة والبـشرية التي سيتعرض لها قطاع غزة من عدوان إسرائيلي عليه وفقاً للحسابات الحمساوية. ومن شأن إبرام اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بشروط أفضل لـ«حماس»، أن يعطي اعترافاً إقليمياً جديداً للحركة، ويحسّن مراكزها التفاوضية حيال القوى الإقليمية المختلفة.

الحسابات المصرية

تبارت وسائل إعلام مصرية في الشماتة بحركة «حماس» الإخوانية، لأن الحكم المصري الجديد يرى في «حماس» خصماً أيديولوجياً حليفاً لجماعة «الإخوان المسلمين»، وشريكاً لقوى إقليمية تريد منازعة مصر أدوارها في المنطقة. وتتقاسم هذه النظرة شرائح لا يُستهان بها من النخبة المصرية، التي لم يظهر أغلبها تعاطفاً مع «حماس»، مثلما حصل في جولات صراعية سابقة. ومع الوعي المصري بحدود وقدرات الأطراف المتصارعة في غزة، يعلم الحكم الجديد بأن القاهرة ستـكون الضـامن النـهائي لأية هدنة مرتقبة بين «حماس» وإسرائيل؛ على الأقل بحكم الجغرافيا التي تؤبد علاقة قطاع غزة مع مصر. لذلك فُهمت دعوة خالد مشعل للجيش المصري بالتدخل و«إظهار النخوة»، في القاهرة باعتبارها نوعاً من المزايدة المكشوفة التي تستهدف تحسين فرص شريكيه الإقليميين قطر وتركيا في إبرام الوساطة المرتقبة لوقف إطلاق النار. ومع ما تطرحه الجولة الصراعية الراهنة من مخاطر ممكنة، مثل نزوح عدد كبير من سكان قطاع غزة إلى سيناء، إذا فتحت المعابر دائماً، فهناك أيضاً فرص قائمة مثل إثبات القدرة المصرية على لعب دور الضامن لوقف إطلاق النار، ما يرفع أسهم الحكم الجديد دولياً وإقليمياً.

الحسابات الإقليمية

تسعى تركيا لأن تكون جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب حتى تضمن حضورها الإقليمي بعد خسارتها الكبيرة في مصر، لكن لا إمكانات فعلية لديها لضمان تنفيذ الاتفاق، إذ لا حدود برية لتركيا مع قطاع غزة. وعلاوة على ذلك، فهناك مخاطر على صورة تركيا في الغرب إن بدت قريبة من «حماس»، وعلى صورتها في العالم الإسلامي إن ظهرت متفاهمة مع إسرائيل. بدورها، تستضيف قطر خالد مشعل، وتريد أن تحجز لنفسها مكاناً على طاولة وقف إطلاق النار، ووسيلتها في ذلك تقديم الأموال لإعادة إعمار القطاع أو لشراء سلع غذائية ومحروقات لسكان القطاع. ولكن مثلها مثل تركيا، تواجه قطر معضلة الجغرافيا، إذ لا بد من إطلالة على جغرافيا القطاع لضمان التنفيذ. هنا يبدو التحالف التركي ـ القطري واضحاً في مزاحمة القاهرة على دور الضامن لوقف إطلاق النار، ومرتهناً له جغرافياً في الوقت نفسه.
بدورها، تريد إيران مواجهة التراجع في نفوذها الإقليمي، بسبب الحراك في سوريا والأوضاع في العراق، عبر الضغط على إسرائيل لتوجيه أنظارها إلى حدودها المباشرة بدلاً من التطلع نحو قصف إيران أو مواجهتها عسكرياً. وإذ أعلنت الصواريخ «فجر ـ 3» و«فجر ـ 5» حضوراً مدوّياً لإيران في معادلة الصراع، إلا أن طهران تتحالف في الواقع مع حركة «الجهاد الإسلامي» لا «حماس»، التي أدارت ظهرها لطهران ودمشق مع صعود «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم في القاهرة. ومن شأن احتفاظ الفصائل الفلسطينية بترسانتها الصاروخية بعد وقف إطلاق النار ـ وهو أمر شبه مؤكد من الآن ـ أن تحتفظ طهران بورقة ردعية عالية القيمة نسبياً حيال تل أبيب، إذا فكرت الأخيرة بشن ضربات عسكرية على إيران كما لوّحت كثيراً في السنوات الماضية.

الخلاصة

تعي الأطراف المتصارعة ومعها القوى الإقلـيمية حدود الصراع الدائر في غزة، فلا إسرائيل ستنتصر أو تنزع الصواريخ الفلسطينية، ولا «حماس» ستستطيع ـ في ضوء موازين القوى الراهـنة ـ أن تغير من معادلة الصراع مع إسرائـيل جوهـرياً. تتطور المحركات الذاتية لهذه الجولة الصراعية كالتالي: كلما زاد مدى الصواريخ الفلسطينية ووصلت إلى مدن إسرائيلية أبعد رداً على العدوان، ارتفعت المخاوف النفسية الإسرائيلية، ومعها بالتالي قصف إسرائيلي أشد ضراوة ووحشية. وكلما ظهرت تلك الوحشية الإسرائيلية في وسائل الإعلام الدولية، زاد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف العدوان والوصول إلى وقف إطلاق نار لن يلبي كل شروطها بالضرورة. بالمختصر، معمودية الدم ليست غريبة على الشعب الفلسطيني، الذي سيقوم مثل طائر الفينيق من الرماد، مثلما قام من كل الكوارث التي حاقت به في العقود السابقة. ما يميز هذه الجولة من الصراع، أن أفقها الصراعي محكوم من الطرفين بسقف لا يتجاوز بأية حال وقف إطلاق النار وشروطه المرتقبة بسبب اختلال التوازن العربي ـ الإسرائيلي. بدوره، سيكرّس اتفاق وقف إطلاق النار الذي تستهدفه الأطراف المتصارعة ـ كل لحساباته ومصالحه ـ توازنات إقليمية جديدة، وهي النتيجة الجيو ـ السياسية الأبرز للعدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة!

وأخيراً أستقال الأخضر الابراهيمي

$
0
0

نجح الأخضر الابراهيمي بإنجاز مهماته في دول, إلا أنه مهمته فشلت في سوريا واستقال. ووسائط الاعلام صدمها فشل الأخضر الابراهيمي. وانطلقت تفتش عن الأسباب الكامنة وراء فشله, والأسباب التي دفعته لتقديم استقالته. ومسيرة الأخضر الابراهيمي السياسية والدبلوماسية, ومواقفه من الربيع العربي, وقراءته للوضع السوري, تتلخص بالأمور التالية:


أولاً- نشأته ومولده

 

ولد الأخضر الإبراهيمي بتاريخ 1/1/1934م في بلدة عزيزة جنوب العاصمة الجزائر. ودرس القانون والعلوم السياسية في الجزائر وفرنسا. بدأ نشاطه السياسي ممثلاً لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية في أول مؤتمر لمنظمة عدم الانحياز في باندونج, وممثلاً لها في جنوب آسيا في جاكرتا من عام 1954م وحتى عام 1961م. واظب على زيارة القاهرة كونها أكبر دولة عربية تدعم جبهة التحرير الوطنية الجزائرية. وبنى صداقات مع كثير من المصريين كمحمد حسين هيكل واحمد بهاء الدين ومحمد سيد أحمد ولطفي الخولي وجميل مطر وبطرس بطرس غالي. ثم عين ممثلاً للجزائر في جامعة الدول العربية, ثم سفيراً لبلاده في بريطانيا, ومستشارا دبلوماسياً للرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. وأميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية. ومبعوثاً خاصاً للجنة الثلاثية للجامعة العربية في لبنان. و وزيراً لخارجية الجزائر بين 1991م و1993م. وعضواً في المجلس الأعلى للأمن القومي الجزائري الذي قرر إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، وفرض حالة الطوارئ، وحظر جبهة الإنقاذ الإسلامية؛ وتعيين بوضياف رئيساً للجزائر خلفاً للشاذلي بن جديد. بعض المراقبين اعتبروا الإبراهيمي أحد عرابي مرحلة الفراغ الدستوري والرئاسي في كانون الثاني 1992م. فتح القدر للسيد الابراهيمي باب الأمم المتحدة على مصراعيه في عهد أمينها العام بطرس بطرس غالي, والذي تربطه بعلاقة صداقة قوية مع غالي حين كان الابراهيمي اميناً عاماً مساعداً في الجامعة العربية. فبفضل غالي وهو فضل يحفظ الإبراهيمي له فيه اليد، خطا الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل التي جالت به العالم يطارد الأزمات والحروب وتعقيدات السياسة والاستراتيجية. والتي جعلت منه أحد الدبلوماسيين العرب الذين تتردد اسمائهم في وسائط الاعلام. كلف الأخضر الإبراهيمي بمهام خاصة في الأمم المتحدة. حيث أعد تقريرا للأمين العام للأمم المتحدة عام 2000م، عرف بـتقرير الإبراهيمي حول عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في العالم. وكشف التقرير فشل المنظمة الدولية السياسي والإداري والمالي في إدارة الأزمات. ثم عين ممثلاً أو مبعوثاً للأمم المتحدة في جنوب افريقيا وهايتي وافغانستان والعراق وسوريا.

والإبراهيمي عضو في مجموعة حكماء العالم التي تضم بعض أبرز الزعماء في العالم, والتي أنشئت للمساعدة في إيجاد حلول سلمية للأزمات. وعام 2010م حصل من مؤسسة شيراك التي أسسها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لنشر السلم العالمي على جائزة الحكام الخاصة لتفادي النزاعات. وأخيراً تم تعيينه عضوا في لجنة العقلاء للاتحاد الأفريقي. وإبنة الابراهيمي ريم عملت مراسلة لشبكة CNN خلال الغزو الأميركي للعراق 2003م، وهي زوجة الأمير علي شقيق الملك الأردني عبد الله. ويحظى الأخضر الإبراهيمي بسمعة دولية كبيرة, نتيجة شبكة علاقات دولية نسجها من خلال مهامه المختلفة سواء في الخارجية الجزائرية أو لدى هيئة الأمم المتحدة. بعض من يعرفون الابراهيمي يقولون عنه: الابراهيمي رجل طموح لا يسمح لليأس بأن يطرق تفكيره، عنيد, وله قدرة كبيرة على تحمل الصبر, مثابر عنيد على النجاح بكل مهمة تسند إليه. شعاره إن أصبت نجاحاً فخيراً، وإلا فعذراً. يترك الأمر لتقويم عمله للعارفين من معاونين، وهؤلاء يلذون بالصمت. وهكذا تتراكم التفاصيل وتُطمس الحقائق، ويُجهّل الظالم والمظلوم، ويتماهى القاتل مع القتيل. فيما يخص بلاده، لا يلجأ إلى سبك الكلام الذي فيه من الأدب الديبلوماسي الذي لا يفيد محاوريه. صحيفة الحياة نشرت مقابلة لمراسلها عزت صافي عام 1992م,مع الابراهيمي, وجاء فيها: قلت للوزير الإبراهيمي في ديوانه في مقر وزارة الخارجية القريب من قصر الرئاسة الرابض على أطراف ساحة المرادية في العاصمة: لديكم الآن 188 نائباً من الجبهة الإسلامية للإنقاذ فازوا في الجولة الأولى من الانتخابات بأكثر من 80% من مقاعد المجلس الجديد. لم يدعني الوزير الإبراهيمي أكمل سؤالي. فقد قاطعني وقال: ليس عندنا نواب لجبهة الإنقاذ، ولا لغيرها. قلت له: ألا تسمّي هؤلاء الفائزين نواباً؟ أجابني الابراهيمي: أبداً ليسوا نواباً. قلت له: إذاً ماذا تسمّيهم؟ رد قائلاً: سمّهم مواطنين جزائريين لا أكثر ولا أقل. قلت له: لكنكم أجريتم انتخابات، فكيف ستتخلصون من نتائجها في جولة أولى؟ أجابني قائلاً: ألغيناها كما ألغينا موعد الجولة الثانية انتهى الأمر. قلت له: هل هذا القرار يستند إلى دستور أو قانون؟ أجابني قائلاً: نعم إنه دستوري وقانوني. وقبل أن أطرح سؤالاً آخر، قال لي الوزير الإبراهيمي: اسمع يا أخي إذا كنت تصر على الغوص في هذا الموضوع فيسعدني أن أستقبلك كضيف زائر، أما كصحافي، فلا مقابلة معي، ولا مقابلة مع الرئيس بو ضياف.

دخل الأخضر الإبراهيمي المعترك السياسي كفرد من جيل الثورة الجزائرية وصديق قادتها وممثلاً دبلوماسياً لها, فأتقن مهامه حتى أنها صارت في مرتبة مهنته وهوايته. فبات خبيراً بأزمات العالم العربي. ولعله فضّل الابتعاد عن بلاده إلى حيث تتوافر له فرص القيام بمهام إقليمية ودولية، لتوظيف خبراته بهدف إحلال السلام والأمان والوفاق بين الأنظمة والشعوب. وهو يقدم عليها بهمة الواثق من نفسه ومن النجاح بمهمته، متسلحاً بما يملكه من الخبرة والمعرفة والقدرة على التواصل والحوار، وتفهّم الفرقاء، واللغة والأسلوب، وطاقة صبر لا تنضب ولا تعرف الكلل أو الملل.

ثانياً- الشأن السوري

يبدو أن الأزمة السورية أتعبته وفشل في إيجاد حل لها, ودفعته لطلب إعفائه من مهمته, وهو حتماً آسف وحزين، لأنه حين غامر بمسك الملف السوري قبل ثلاث سنوات ربما لم يكن يدرك حينها خطورة كرة النار وهي تلتهب بين يديه. حاول أن يستعين بكل الدول المعنية بالشأن السوري، وبقدراتهم على المساعدة. فنظم مؤتمر جنيف 1 وجنيف 2، وبحضور الدول الخمس العظمى. والابراهيمي تحدث عن الشأن السوري وعن الربيع العربي وعن كثير من مهماته الشاقة والصعبة. ومواقفه حددها بتصريحاته التالية:

  • النظام السوري يعتبر ما يحدث مجرد مؤامرة خارجية من واجبه أن يحاربها ويفشلها.
  • المعارضة ومعها من يدعمها في المنطقة والعالم، مصممة على أنه لا حل إلا بإسقاط النظام. كان المعارضون يقولون: لا يمكن أن نتكلم مع أحد من النظام إلا بعد سقوطه. وكنت أجيبهم: لماذا تتكلمون معهم إذا كان النظام قد سقط؟
  • القضية السورية إن أهملت فإنها تصبح كالجرح الملتهب، وإن لم تقم بما يلزم لعلاجه فإنه سيستمر بالانتشار، ليس داخل البلد فحسب بل سيملأ أرجاء المنطقة.
  • أبلغت مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وشركاءه منذ تشرين الثاني 2013م بقدرات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأنه أكثر نشاطاً عشر مرات في العراق عما هو في سوريا. وأضاف قائلاً: أن تصرفات من سماهم الجهاديين في العراق مبنية على خلفية الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة. وتابع قائلاً: أن السنة سيدعمون الجهاديين ليس لأنهم جهاديون، ولكن لأن عدو عدوي هو صديقي.
  • سوريا ستتحول إلى صومال ثانية. ولن نشهد تقسيما للبلاد كما يتكهن كثيرون، بل إن سوريا ستتحول إلى دولة مفككة يسود فيها أمراء الحرب. وأضاف: على الأمد البعيد المنطقة بأسرها ستنفجر، إذا لم يتم التوصل إلى حل. وأضاف: هذا النزاع لا يقف عند سوريا، إنه يزعزع أصلا استقرار لبنان. وأضاف: داعش ناشطة في العراق وسوريا، والأردن يعاني للحفاظ على تماسكه والأمر ذاته بالنسبة لتركيا. وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة نفذت داعش 100اعتداء في سوريا وألفا في العراق.
  • الاستقالة الطريقة الوحيدة للاعتراض على إهمال المجتمع الدولي والإقليمي للوضع في سوريا. وأحذر الحكومات الغربية من مخاطر هذه الحرب عليها، وهناك ما بين 500 و600 فرنسي والعدد ذاته من البريطانيين، وآلاف غير السوريين يحاربون هناك.
  • الكثير من الدول أساء تقدير الأزمة السورية حيث توقعوا انهيار حكم الأسد مثلما حدث مع بعض الزعماء العرب الاخرين وهو خطأ تسببوا في تفاقمه بدعم جهود الحرب بدلا من جهود السلام.
  • قارن تحذيراته الحالية بتلك التي أطلقها قبل تفجيرات 11 أيلول، حين قال: هذا ما كنت أحاول إيصاله في سبتمبر/أيلول عام 1999م لكن لم يستمع إلي أحد، وفي عام 2001م فهم الناس ما كنت أحاول قوله.
  • أقدم اعتذاري مرة الأخرى للسوريين لأننا م نتمكن من مساعدتهم بقدر ما يستحقون وبقدر ما كان ينبغي أن نفعل، أقول لهم إن المأساة في بلادهم ستحل، لقد أظهروا مرونة لا تصدق، ويجب أن يتابعوا العمل.
  • الغالبية العظمى من السوريين تريد السلام والاستقرار مع المحافظة على حقوقها، وأنا متأكد من انهم سيحصلون عليها.
  • الانتخابات السورية ستجري، وبيان جنيف سيبقى محور المحادثات بشأن سوريا.
  • الأميركيين دمروا العراق وحطموه، وإن بلدان المنطقة هي التي سترث هذا الدمار، وإن إنقاذ العراق لن يكون إلا من خلال تعاون الدول العربية ودول الجوار. ولكن تلك الدول ترفض ذلك لأن واشنطن تريد منها أن تساعدها في تنفيذ سياستها العفنة‏.
  • الولايات المتحدة لم تتخذ قرارا واحدا سليما منذ غزوها العراق في آذار 2003م.
  • أسباب الغضب التي فجّرت الثورات العربية، أو ما يعرف بالربيع العربي، موجودة منذ زمن طويل. فالحاجة إلى التغيير كانت معروفة ولا تزال، وكذلك الرغبة فيه والإلحاح عليه. لكن هل يمكننا الحديث عن ثورة أو بالأحرى عن ثورات، كل واحدة وليدة مجتمع معين أم أنها مرتبطة بحكمها قائمة في وطن عربي واحد؟ جل التساؤلات المطروحة اليوم تتعلق بتوقيت هذه التحولات وما يترتب عنها واحتمال ولادة شرق أوسط جديد ما تزال ملامحه غامضة.
  • ما حصل في ليبيا فضح التقصير العربي، إذ كان من الأجدر بالدول العربية أن تتدخل لتسوية الوضع بدل من ترك المجال مفتوحاً أمام حلف شمال الأطلسي. وأضاف: نحن بالتالي مسؤولون جزئياً عن التدخل العسكري الأجنبي في بلد عربي وعن كون وزيرة الخارجية الأميركية أول مسؤول دولي يزور ليبيا.
  • من الناحية النظرية يمكن للحكام الحاليين أن يقودوا التغيير المنشود. لكن المشكلة تكمن في عدم ثقة المواطنين بحكوماتهم. الوقت محدود وإذا لم يتجاوب الحكام بسرعة مع مطالب الشعب سيفقدون مصداقيتهم.
  • الحرب على العراق كانت جريمة يتعين محاسبة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير على ما حدث في العراق.
  • الغرب لا يفهم الربيع العربي، لكن نحن أيضاً لا ندرك ماهيته وعواقبه وإمكانياته وأيضاً مخاطره. الربيع العربي خلق وضعاً جديداُ، وعلينا الآن أن نجعل منه نافذة للخروج من حالة التردي الذي تعيشها منطقتنا.
  • عدم تحرك الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية يعتبر تخاذلا. وأداء الجامعة مقارنة بأداء هيئات دولية تأسست بعدها يبقى هزيلاً.
  • سياسة إسرائيل الأمنية العنيفة والقمعية وتصميمها على احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية عرقلت المهمة في العراق, وتدفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى خطر أكبر.
  • الخطأ الرئيسي كان مطالبة العرب بفرض منطقة حظر جوي في ليبيا من دون تقييم هذا الإجراء ومدى قابليته للتنفيذ.
  • لا حديث عن مغرب عربي موحد دون حدود مفتوحة بين الجزائر والمغرب.

وهنالك من يوجه الاتهامات للإبراهيمي بخصوص عمله السياسي. ومن أهم هذه التهم:

  • الموفد الدولي الإبراهيمي يشجع الإرهاب. وأنه يكن يوما وسيطاً نزيهاً بل كان باستمرار طرفاً وموظفاً في مشروع تدمير الشرق الأوسط وتفتيته. (صحيفة الوطن).
  • الأخضر الإبراهيمي يحمل أجندة قومية عربية، وبالتالي يجب أن لا يمنح أي دور في تحديد مستقبل العراق. (أحمد الجلبي).

يمكن إيجاز فشل مهمة الإبراهيمي في سوريا بهذه السطور: علق المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي أمله بنجاح مهمته على توافق دولي وإقليمي وعربي, وعلى الأخص توافق أميركي روسي, وعلى أن القضية السورية دولت. وهو يعلم بأن الجهة التي تستطيع أن تملك ورقة حدود جنوب لبنان مع إسرائيل تملك ورقة التحكم بمستقبل منطقة الشرق الأوسط. وأن تاريخ منطقة الشرق الأوسط مكتوب بالدم، وبالنزاعات الطائفية والمذهبية والعرقية والنفطية. وكي لايتهم بأنه يحابي طرفاً سورياً على حساب طرف سوري آخر, حمّل كأفة الأطراف المسؤولية عما حصل ويحصل في سوريا ولكن بنسب مختلفة ومتفاوتة. ولكنه لم ينتبه هذه المرة رغم مرور سنوات ثلاث على مهمته أن بعض دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية يعوّلون على روسيا بمساعدتهم بفرض حل سياسي في سوريا يضمن لهم مصالحهم. وأنهم يبيعون السوريين والعرب وشعوب العالم والابراهيمي تصريحات وبيانات ومواقف ووعود فارغة. وأن رموز الادارة الأميركية بتصريحاتهم تعمدوا إحباط جهوده وإفشال مهمته, وخاصة ترويج الادارة الأميركية وبعض الساسة الغربيين وبعض ضباط المخابرات الأميركية لمقولة إن لا أحد يمتلك مفتاح الحل في سوريا، وأن الازمة ستطول لعدة سنوات. وهذه الأمور توصل إليها كوفي عنان خلال فترة قصيرة فأنسحب وأعتذر عن الاستمرار في مهمته. بينما أستمر السيد الأخضر الابراهيمي يعوّل على نجاح مهمته ويقاوم اليأس والفشل. إلا أن النتيجة كانت صفراً في حساب النجاح، وخلفت ركاماً عالياً من الكوارث الإنسانية والوطنية, أسأت إليه وشوهت كل نجاحاته السابقة. فأضطر مكرهاً أن يطلب من الأمين العام اعفائه من مهمته.

إسبانيا والفاشية

$
0
0

 

 

لم تكتف الفاشية بالتدمير المادى للمدن والتدمير الفكرى للعقول وإنما إمتد أثرها إلىتدمير الروابط الأسرية أيضا..

فإسبانيا واقعة الآن فى مأزق أخلاقى لا مثيل له فى التاريخ الحديث حيث تم إكتشاف شبكة عاملة منذ الأربعينات وحتى أواخر الثمانينات من القرن العشرين كانت تتاجر فى الأطفال الرضع بأن تستولى على الرضيع فور ولادته وتخبر الأبوين أنه قد مات ثم تبيعه لمن يدفع الثمن المطلوب..

وقد بدأت أحداث هذه المأساة الأخلاقية عقب نهاية الحرب الأهلية الإسبانية وتولى الجنرال فرانكو حكم البلاد بطريقة فاشية كطريقة كل من هتلر وموسولينى، إلا أنه كان أذكى من أن يدخل معهما الحرب فظل على الحياد، رغم أن الطائرات الألمانية هى التى كانت تساند قواته أثناء الحرب الأهلية التى وضعت أوزارها قبل بداية الحرب الثانية.. وقد خلد السيد/ بيكاسو الرسام العالمى هذه المذبحة التى جرت بيد ألمانية فى لوحته الشهيرة جورنيكا على إسم القرية التى قام سلاح الجو الألمانى بقصفها لكونها معقلا للثوار..

المهم هو أن الجنرال فرانكو إعتلى حكم البلاد وأعطى نفسه لقب الكاودييو بالعناية الإلهية

 

El Caudillo de Espana por la Gracia de Dios

 

وهو اللقب الذى كان يعنى مساندة الكنيسة الكاثوليكية له على طول الخط، والسبب طبعا معروف وهو الخوف من الشيوعية..

وقد نتج عن تلك الحرب الأهلية عدد هائل من الضحايا إما قتلا فى المعارك أو تصفية بعد نهاية الحرب وعلى ذلك نشأ جيل كامل من الأطفال الذين فقدوا أهليهم وأصبحوا بلا عائل، فقرر الجنرال فرانكو عام 1941 أثناء إنشغال العالم بالحرب العالمية أن يصدر قانون يسمح بالتبنى مع إطلاق إسم الابوين بالتبنى على الطفل فى شهادة ميلاد لا ذكر فيها للأب والأم الحقيقيين.. وهذه مخالفة صريحة بل جريمة فى حقوق الأطفال لأن قوانين التبنى توجب ذكر أسماء الأبوين الحقيقيين مع بيان أن الطفل هو بالتبنى وليس بحق الدم.. وبالتالى تحالفت الدولة الإسبانية مع الكنيسة الكاثوليكة على إلحاق هؤلاء الأطفال بأسر من الفاشيين حتى ينشأوا على الولاء للنظام الفاشى بدون حتى أن يعرفوا أنهم أطفال متبناة..

إلا أن الممارسة الكنسية لهذا الدور قد تخطت مرحلة الأطفال الناتجين عن الحرب إلى مرحلة التجارة الصريحة فى الأطفال ممن لهم أهل موجودين وراغبين فى ممارسة الأبوة والأمومة ولكن عن طريق الخداع كانت الراهبات تخبرن الأهالى من البسطاء وقليلى الحرص أن الرضيع قد ماتمنذ عدة أيام وقمنا بالفعل بدفنه ثم يقومون ببيع الرضيع لأسر قادرة على دفع ثمن عالى سواء كانت هذه الأسر من داخل إسبانيا أو من خارجها..

وقد بدأت أبعاد هذه المؤامرة القذرة تتكشف عندما وصل بعض من هؤلاء الأطفال إلى سن ما بعد المراهقة وبدأوا يشاغبون الآباء على طريقة الشباب وفى ساعة غضب أو نوبة مصارحة كان الأب أو الأم يكشف الحقيقة للإبن أو البنت.. ولكن المصيبة تقع فى كون مستندات التبنى قائمة على التزوير الذى أشرت إليه آنفا فلم يكن من الممكن الحصول على الأسماء الحقيقية للأب والام الجسديين.. ولما تعددت الحالات لجأت بعض الأسر إلتى قيل لها خلال الستينات والسبعينات بل والثمانينات أن أطفالها قد ماتوا، لجأوا إلى فتح المقابر والكشف عن محتوياتها فلم يجدوا سوى تزويرا، ففى مرة كانوا يجدون مقبرة خاوية وفى مرة وجدوا عظاما مسروقة من جثة لشخص بالغ لا يمكن أن يكون رضيعا وفى مرة يجدون جثة لطفلة أنثى بينما المسجل على المقبرة طفل ذكر وهكذا..

ولما ثارت ثائرة الناس على ذلك الوضع القذر المهين اصدرت الدولة حديثا جدا قانونا يسمح بتتبع تلك الجرائم بل وعينوا مفوضا أو منسقا عاما لتولى هذه المهمة وقادت الخيوط فى النهاية إلى الكنيسة الكاثوليكية التى كانت راهباتها يقمن بهذه التجارة.. بل ووصلوا إلى راهبة يصل عمرها الآن إلى 85 عاما كانت هى همزة الوصل بين المستشفيات والراغبين فى الشراء..

ولا يزال التحقيق مستمرا

والحقيقة أن تلك الممارسات قديمة وترجع لما قبل العصور الوسطى، فالتاريخ ملىء بالأطفال الناتجين عن المعارك الحربية والغزوات وهؤلاء كان القائد المنتصر يسبيهم ويحولهم إلى عبيد ومماليك فى إدارته بعد أن يقوم بتربيتهم على طريقته حتى ينشأوا على الطاعة والإخلاص للدولة أو للنظام وبالتالى يأمن لهم القائد أو خلفاؤه من بعده.. وقد كانت النظام الإدارى للدولة العثمانية قائما على هؤلاء الأسرى الصغار الذين يدخلون فى الإسلام وتتم تربيتهم فى مدارس خاصة تعلمهم القتال والقراءة والكتابة أحيانا لكى يصبحوا مسئولين تحت السلطان مباشرة لكى يصلوا إلى أعلى المناصب بما فيها الصدر الأعظم أى رئيس الوزراء أعلى سلطة فى الدولة بعد السلطان..

كذلك كان هتلر قد أسس منظمة أسماها  Lebensborn  الهدف منها هو إمداد عائلات ضباط ال S S  بالأطفال من ذوى الأصول الآرية ممن كانوا ينتجون عن المعارك وتثبت آريتهم أو كانوا يؤخذون من الملاجىء. إلا أننى لا أعرف أن النظام الألمانى كان يسمح بتسجيل اسماء الآباء المتبنين على أنهم آباء جسديين لهؤلاء الأطفال بحيث يندثر كل أثر للىباء والأمهات الحقيقيين كما كان الوضع فى إسبانيا، وهذا موضوع ربما يحتاج إلى بحث منفصل..

ولعل آخر نظام كان يمارس تلك الرذيلة كان نظام شاوشيسكو فى رومانيا حيث كان يقوم بتدريب أطفال الملاجىء على أعمال الأمن والحراسة وحفظ النظام وكان ولاؤهم الأول للرئيس شاوشيسكو وزوجته وليس للدولة ذاتها وهم من كانوا يشكلون عماد جهاز الأمن القوى SECURITATE   الذى ظل يحاول قمع الثورة حتى النهاية فى عام 1989 وفشل فى مهمته..

 

 

ثم قام نظام آخر بعد ذلك بممارسة تلك الجريمة فى يوجوسلافيا السابقة فى نهاية التسعينات حيث أخذ الأطفال البوسنيون من الصرب بعد فناء أهلهم وتم تنصيرهم ووضعهم فى ملاجىء أو تبناهم صرب لكى يربونهم على المسيحية والقومية الصربية كنوع من الإنتقام لما فعله العثمانيون بالأطفال المسيحيين فى القرون الغابرة.. هكذا جاء الإنتقام عبر القرون حيث أن الغل لم ينته بين الأطراف..

مونديال أول للمال غير النظيف

$
0
0
كريستيانو رونالدو وإيرينا شيخ الإسلام
 
بعد 84 من ولادته تحت ظلال الهواية في الأورغواي، يعود المونديال إلى البرازيل، الأرض الأسطورية لكرة القدم، محمّلاً بأثقال سيئة: اللعب غير النظيف ماليّاً.
 
نعم. لتكن الصراحة أولاً. في الوقائع المحضة، يسجل لمونديال البرازيل 2014، أنه الأول تاريخياً الذي يلعب بعد ظهور مطالبة مريرة للـ"فيفا"بالسعي إلى فرض اللعب النظيف ماليّاً، على غرار ما جرى بالنسبة للعب النظيف من العنف. تخلّصت الكرة من العنف كثيراً، خصوصاً لكن رئاسة الـ"فيفا"لم تحرّك ساكناً لحد الآن لفرض "اللعب النظيف ماليّاً". أسوأ من ذلك، أن المونديال يعقد في ظلّ تحقيق عن دور سيّء للمال، بمعنى الرشاوى وشراء الذمم وتحطيم الأخلاق، في استضافة دولتين هما روسيا وقطر.
 
وبغض النظر عما آلت إليه الأمور في ذلك التحقيق، بمعنى رفع كثير من الشبهات عن بلدي الاستضافة المذكوريين، إلا أن ذلك لا يغيّر من واقع أن البرازيل ستشهد أول مونديال تفوح رائحة الفساد بالأموال وشراء الذمم منه، بطريقة يصعب تجاهلها. لعله أمر سيّء أن تسجل البرازيل "سابقة"من ذلك النوع. لكنها ليست ضحية. ليست البرازيل مجرد ضحية للمال وفساده في المونديال، على رغم أنها ليست روسيا ولا قطر.
 
يخشى عشاق الساحرة المستديرة عليها من أن تلاقي مصير رياضيتين تاريخييتين، ضربتهما أموال الفساد وحطمتهما. كانت الملاكمة معبوداً للجماهير في الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة. تدخّلت المافيات وتبييض الأموال فيها. لم ينقذها اللعب الأسطوري للبطل الرائع محمد علي كلاي، الذي كان آخر الأبطال الشعبيين، خصوصاً أن صعوده ترابط مع نضال الحقوق المدنية للسود وثقافة رفض حرب فيتنام في أميركا. ذوت تلك اللعبة، التي سمّاها اليونانيون في أولمبياداتهم التاريخية "الفن النبيل".
 
مازالت مباريات الملاكمة تُجرى. مازالت تنقل على الشاشات والإذاعات، لكنها ماتت في مخيلات الجمهور الواسع. مات "الفن النبيل"واقفاً، لم ينقذه أحد من قبضة فساد الأموال.
على غرار ذلك، سارت المصارعة إلى الضمور والانحسار. من يذكر آخر مصارع ارتسم في صورة البطل في أذهان جمهور الرياضة عالميّاً؟ أهو هالك هوغان؟ ربما. ما زالت المصارعة تلعب، لكنها كثيراً ما تشاهد كأنها أفلام أكشن ورعب ودماء، وليس كفن رياضي راقٍ.
 
كذلك من المستطاع ادراج رياضة كمال الأجسام في السياق عينه. الأرجح أن مدن لا حصر لها فيها أندية رياضية تدرب على ترويض الجسد وصنع عضلاته. في ستينات القرن الماضي، وصلت تلك الرياضة إلى قمة مذهلة، خصوصاً حين احتل الرياضي ستيف ريفز، صاحب الجسم الأكمل في تلك الرياضة تاريخياً، المخيلات الواسعة. وأدى ريفز دور البطل الأسطوري هرقل في سلسلة من أفلام هوليوود، حين كانت أميركا تقتحم عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية بقيم التحرر الفردي والجماعي وإزالة الاستعمار القديم، ومقاومة الشيوعية أيضاً. ربما كان أرنولد شوازنغر حسن الحظ لأنه آخر من تمددت شهرته كبطل للعضلات الهرقلية، والتقطه السينما ثم عالم السياسة. وأفسد المال والهرمونات وصراعات السياسة تلك الرياضة المنقوشة في أولمبيادات اليونان القديمة.
 
لماذا طالبت أندية كثيرة في أرجاء الأرض، ومنها أندية القارة العجوز نفسها، بأن تنقذ كرة القدم من فساد الأموال؟ لأن الأموال وأرقامها تضخّمت بطريقة مفزعة في تلك الرياضة.
لا يستطيع من يملك حدّاً أدنى من الحس البديهي إلا أن يحدس بأن كل تلك الأموال لا بد أن تحرك كثيراً من الضعف لدى البشر، وترجمة ذلك الفساد ومزيداً منه. عندما يكون في ملف قطر 22 ألف مليون دولار، ألا تنبهر عيون كثيرة، وتندلق ألسنة لا حصر لها باللهاث خلف الأموال؟ لا يتعلق الأمر حتى بقطر نفسها. لنفكر بمن ينال الحصص في بناء الملاعب والمنشأت وشراء التجهيزات وحقوق البث والإعلانات والسياحة الرياضية وغيرها.
 
كيف لا يرتفع الصوت ضد الأموال في كرة القدم، حين يكون التفاوت في القدرات المالية بين الأندية إلى حدّ أن لاعبين في نادي "برشلونة"، هما ليونيل ميسي ونيمار دا سيلفا، تبلغ قيمتهما ماليّاً ما يزيد على مجموع رأسمال نادي "أتلتيكو مدريد"الذي خاض حرباً شرسة لينال بطولة الدوري؟ هل أنه "لعب"ذلك الدور كي تزيد إثارة الدوري، ويتدفق مزيد من الأموال إلى المضاربات والمراهنات والبث المتلفز وأسعار التذاكر وحقوق الرعاية وغيرها؟
سجّل العام 2013 الذي سبق سنة مونديال البرازيل، اعترافات للاعبين دوليين بأن كثيراً من المباريات في كبريات الدوريات الأوروبية كانت مرتبة النتائج.
 
كذلك يصعب نسيان أن المنتخب الإيطالي وصل إلى مونديال العام 2006، بعد أن كُشِف أن نادي "جوفنتوس"كان يتلاعب في المباريات بطريقة مكّنته من الفوز مرات كثيرة بالدوري. حُرِم جوفنتوس من اللعب في دوري الدرجة الأولى الإيطالي، لكن نجومه ملأوا صفوف المنتخب الإيطالي في السنة التي دوّت فيها فضيحته ماليّاً! النتيجة؟ فاز المنتخب الإيطالي وأبطال فضائح الأموال، بمونديال العام 2006!

DANISTA

$
0
0

 

هذه الكلمة لها أصل لاتينى وعند الكشف عنها وجدت أنها ذات أصل إغريقى وتعنى بالضبط "المرابى"أى الشخص الذى يتقاضى أجرة عن إقراض المال للآخرين. وتكتسب هذه الكلمة أهميتها فى عالم اليوم من واقع أن النظام المصرفى الدولى قائم على الإقراض بالفوائد. بل أن النظام النقدى للدول ذات السيادة ينهض أيضا على أساس من تلك السياسة التمويلية بالإقراض والإقتراض والفائدة، أى أن كل إنسان يعيش على سطح هذا الكوكب هو بالتعريف دائن ومديون فى نفس الوقت، حتى وإن لم تكن له مع البنوك أية تعاملات مباشرة..

ونظرا لتمكن هذه الظاهرة من حياة البشر فى عصرنا هذا فقد سمى البعض فى ألمانيا هذا العصر بأنه عصر ال DANISTAKRATIEأى حكم المرابين ومؤجرى المال، ولست أدرى إن كان لهذه الكلمة الألمانية مرادف فى اللغة الإنجليزية.

يتكون النظام النقدى فى كل دول العالم من مجموعة من البنوك التى هى فى الغالب شركات مساهمة أصبحت على قدر عال من الثراء بفعل عاملين مهمين: الأول هو إمتلاكها لكثير من الأصول فى كل عناصر الإقتصاد الوطنى من صناعة وتجارة وزراعة وخدمات، والثانى هو إحتفاظها بمدخرات عدد كبير للغاية من أفراد الشعب.. وهذه المجموعة من البنوك هى التى تهيىء المناخ العام للبنك المركزى لكى يقوم بعمله، أى أن الأخير يعتمد على ما تمارسه هذه البنوك من أعمال كأرضية لعمله. والبنوك المركزية هى فى الحقيقة كائن غريب فى تكوينه القانونى، فهى فى الأصل تتكون أيضا من مجموعة من رجال البنوك الموجودة بالفعل ثم تحصل من الدولة على حق إمتياز إصدار عملة هى الوسيلة الوحيدة للإبراء ولاقتضاء الديون والمدفوعات ولها قابلية لدى كل من يعيش على أرض هذه الدولة بحيث أنه من غير المسموح به رفضها.. وفى مصر كان هذا الإحتكار من نصيب البنك الأهلى المصرى الذى صدر قرار بقسمته إلى جزئين سمى أحدهما البنك المركزى المصرى وظل الآخر محتفظا بإسم البنك الأهلى المصرى.. وفى حالة بنك أوف إنجلاند لم تكن هذه المؤسسة خاضعة للدولة ولا علاقة لها بها، بل كانت مجموعة من التجار والمرابين إقتطعوا من الملك وليام الثالث إمتياز إصدار أوراق مالية باسم البنك الذى أسسوه وهو بنك أوف إنجلاند..

وفي فرنسا كان رجال البنوك هم من قام بتمويل إرتقاء نابليون بونابرته إلى الحكم حيث أنهم توسموا فيه القدرة على إنهاء حالة الفوضي فى البلاد، وفي مقابل ذلك أصدر هو بمجرد توليه الحكم قانون إنشاء بنك فرنسا عام 1800 ومنحه حق إصدار العملة الورقية المقبولة فى جميع أنحاء البلاد.

ومجلس الإحتياط الفيدرالى فى أمريكا ليس إستثناءا لهذا العرف السائد فقد صدر به قانون عام 1913 ينشئه من أشخاص كلهم من العاملين فى القطاع البنكى الخاص وتم منحهم إمتياز إصدار أوراق النقد للولايات المتحدة..

وفى الأيام البعيدة الماضية عندما كنا أطفالا كانت العملة المصرية ذات طبيعة سندية حيث كتب عليها: "أتعهد عند الطلب بدفع مبلغ كذا جنيه لحامل هذا السند"أى أنه كان من الممكن إستبدال هذا السند المالى مثلما كان الحال فى أمريكا.. فقد كانت أمريكا حتى عام 1971 تضمن تسليم حامل الأوراق النقدية كمية من الذهب تعادل الرقم المكتوب على السند.. وكان ذلك هو أساس إختيار(أو إجبار) بقية دول العالم على إعتبار الدولار الأمريكى العملة العالمية المقبولة فى كل مكان بمقتضى إتفاقية بريتون وودز الموقعة عام 1944 قبل نهاية الحرب والتى وقعت عليها مصر فى حينها بوفد سافر إلى هناك وحضر المفاوضات.

لكن السيد/ ريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكى أعلن فى أغسطس عام 1971 أن الإلتزام الأمريكى بتحويل الدولار الورقى إلى كمية من الذهب لم يعد قائما وهو ما يعنى أن حامل الدولار لم يعد فى مكنته تبديله على مقتضى الإتفاقية الدولية، وهذا يعد فسخا من جانب واحد لهذه الإتفاقية.. وبالطبع فإن سبب هذا الإجراء كان التخلص من عبء عالمى فى ظل تدهور واضح لسعر صرف الدولار فى مقابل الذهب مما كان من الممكن أن يتسبب فى إفلاس الخزانة الأمريكية.. ولكن أين كانت تقع المصلحة الأمريكية فى الدخول فى إلتزام كهذا؟

الواقع أن إتفاقية بريتون وودز هذه من الإتفاقيات المعقدة التى يحتاج فهمها إلى وقت طويل. ولكن العلامة المميزة لهذه الإتفاقية هى إلتزام الدول بالحفاظ على حدود لعلاقة عملتها بالدولار الأمريكى حتى يحتفظ هذا بوضع العملة العالمية المقبولة.. وفى مقابل ذلك كانت الولايات المتحدة تتعهد بالتبديل عند الطلب..

إلا أن نمو إقتصاديات الدول المهزومة فى الحرب وهى ألمانيا واليابان جعل من بضائعها مغناطيس للعملاء الأجانب وباتلتالى تدفقت على هذين البلدين أموال غزيرة معظمها بالدولار المقبول عالميا مما جعل كمية النقد المحلى لديها قليل بالنسبة لكمية الدولار وبتطبيق قواعد العرض والطلب هبط سعر الدولار أمام هاتين العملتين بالذات. ولما تذرعت الولايات المتحدة بالإتفاقية وطالبت من ألمانيا الغربية أن تتدخل لحماية الدولار ورفع سعره فعلت ألمانيا الغربية ذلك عدة مرات لكنها فى النهاية رفضت المزيد من الإجراءات الحمائية وتركت الدولار لكى يهبط سعره بطريقة سريعة وغير مسبوقة وقد كان ذلك فى أبريل ومايو 1971 ولا أزال أذكر غلاف مجلة نيوزويك مرسوما عليه عديد من العملات وسهم كبير يهبط إلى أسفل وفى آخره الدولار الأمريكى.

المهم أن الدولار أثبت عدم جدواه كعملة عالمية لوقت طويل وبدأ العالم يرى أن الإعتماد عليه أمر محفوف بالمخاطر.. وتقع المصلحة الأمريكية بالطبع فى إعتبار الدولار عملة قياس كل السلع الإستراتيجية كالقمح والبترول والذهب والسلاح فى حماية الإقتصاد الأمريكى من تقلبات السوق.. ولكن الميزة الأكبر هى فى قبول سندات الخزانة الأمريكية فى كل دول العالم كمرفأ آمن للإستثمار حيث أن الخزانة الأمريكية لا تفلس إلا إن قام يوم الحساب.. وبما أن المخاطرة فى هذه الحالة هى أقل مخاطرة ممكنة بسبب الثبات المفترض للخزانة الأمريكية فإن سعر فائدة الإقراض، وهو إقراض من العالم كله للولايات المتحدة، فإن هذا السعر يقع زهيدا وبالتالى تحصل الولايات المتحدة على قروض منخفضة الفائدة خلافا لكل الدول الأخرى التى تحصل على قروض بشروط أصعب بسبب زيادة نسبة المخاطرة فى هذه الحالة عن نسبة المخاطرة (شبه المعدومة) فى حالة إقراض أمريكا.. وبهذه المناسبة قامت فى أمريكا أيضا شركات مكونة من أفراد من القطاع الخاص نصبوا من نفسهم حكاما على السوق العالمىأنفسهم حكاما على السوق العالمى وأنشطته بلا إستثناء وذلك عن طريق إصدار تقييمات لكل منشآت العالم الإقتصادية بما فى ذلك الدول ذات السيادة بل والولايات والمقاطعات فى كثير من دول العالم طالما أن لها شخصية قانونية ويمكن إقراضها بصفتها هذه.. وهذه الشركات الثلاث هى ستاندارد آند بور وفيتش ومودى ولا يوجد هذا النشاط التقييمى خارج الولايات المتحدة !!!

أى أن أسهل الحلول على المستثمر أصبح بمقتضى إتفاقية بريتون وودز هو نقل الأموال من العالم بأسره إلى الولايات المتحدة مع الإكتفاء بسعر فائدة بسيط وكذلك الإعتماد فى إجراء التقييم الإقتصادى لكل العالم على شركات أمريكية خالصة تبدى ما يحلو لها من آراء !!! وفى الوقت الذى تقترض فيه الولايات المتحدة بسعر فائدة زهيد كما أسلفت تعود فتقرض الدول المختلفة بسعر مرتفع يتحدد على ضوء تقييم الشركات المذكورة لاقتصاديات تلك الدول بمعنى أن أموال المقرضين تعود إليهم ولكن بسعر فائدة أعلى عليهم هم فقط !!

والسندات التى يصدرها كل بلد يتم بيعها أولا إلى البنوك العاملة فى هذا البلد ثم تعيد البنوك بيعها إلى العملاء سواء كانوا أشخاصا أو دولا.. وفى جميع الحالات تكسب البنوك العاملة فى أمريكا من ذلك مكاسب هائلة لأن العمولة حتى ولو كانت بسيطة للغاية فهى تنتج مبالغ هائلة بسبب كبر حجم التعاملات..

أى أن مجلس الإحتياط الفيدرالى أصبح يقوم بمهمة البنك التجارى الربوى، DANISTAمن جديد..

بل أكثر من ذلك، فقد كان مجلس الإحتياط الفيدرالى يقوم بحركة بارعة لا تتسنى إلا له وحده بسبب تراكم كميات النقود المتوافرة لديه من كل العالم، فقد كان يبيع لليابان مثلا فيما مضى أو للصين حديثا كميات هائلة من الدولارات الرخيصة على صورة تلك السندات بينما يكون سعر الدولار منخفضا أمام الين ويقوم بعد ذلك بسحب كميات هائلة من الدولارات يرفع بها سعره فى مواجهة الين ، وذلك قبل نهاية المدة المحددة لرد قيمة القرض على صورة سندات، بحيث يرد القرض بدولار قوى ويكسب من الفرق.. وبديهى أن تلك الألعاب لا يمكن أن يمارسها سوى من توافرت لديه كميات هائلة من الإعتمادات وله عملة مقبولة فى كل العالم..

ولعل هذا هو سبب قلق الأمريكيين من الصين التى توافر لها العنصر الأول فأصبحت صاحبة أكبر إحتياطى نقدى على وجه الأرض، إلا أن هذا الإحتياطى النقدى مودع فى جزء كبير منه على صورة سندات خزانة أمريكية وبذلك تصبح الصين من كبار دائنى الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الجانب الآخر فإن أمريكا تفتح أبوابها لمنتجات الصين لتغرق بها أسواق أمريكا ويتكرر معها النموذج الألمانى واليابانى وترتفع عملتها فى مواجهة الدولار بحيث يتباطأ إقتصادها بسبب قلة الطلب على منتجات زاد سعرها عالميا بسبب إرتفاع سعر عملة إنتاجها.. ذلك أن طلب أمريكا العزيز على قلبها منذ سنوات عديدة هو إعادة تقييم اليوان الصينى ليرتفع ويصبح ممثلا للقوة الحقيقية للإقتصاد الصينى ولكن الصين ترفض ذلك بشدة منذ وقت طويل لعلمها أن ذلك سوف يؤثر بالسلب على مئات المصانع التى تنتج سلعا رخيصة للتصدير..

ولعل هذا أيضا هو سبب نقمة أمريكا على صدام حسين فى الماضى وإيران فى الحاضر حيث يتقاضيان سعر البترول الخام ليس بالدولار وإنما باليورو أو الين.. فالخروج من حظيرة الدولار هو فى نفس الوقت خروج من حظيرة أمريكا التى تشكل عملتها فى نظرها العملة الوحيدة المقبولة عالميا..

وإستكمالا لحديث البنوك فالصحف كانت العام الماضى مليئة بأخبار من إيطاليا عن فضيحة إقتراض الحكومات المحلية والبلديات فى إيطاليا أموالا بلغت فى عشر سنوات 111 مليار يورو من بنوك إستثمارية (أى تقوم بالتعامل فى الأوراق المالية). وهذه الحكومات المحلية والبلديات ليس بها مستودع خبرة يسمح لها بفحص العقود التى تم بمقتضاها الإقراض.. اللطيف فى الموضوع هو أن مجلس اللوردات البريطانى أصدر قانونا يحرم على البنوك الإستثمارية أن تقرض الحكومات المحلية والبلديات فى كل بريطانيا، وبالتالى شرعت فى البحث عن زبائن آخرين لا يقعون تحت طائلة الحماية القانونية ووجدوهم فى إيطاليا..

والوسيلة التى تتبعها هذه البنوك (وهى يو بى إس السويسرى ودويتشه الألمانى وجى بى مورجان الأمريكى ونومورا اليابانى وكلها شركات بريطانية تابعة للبنوك الأصلية المذكورة ومقرها لندن) هى إنشاء ما يسمى المشتقات DERIVATIVESوهى منتجات مالية تتسم بالتعقيد حيث أن سعرها يتم إشتقاقه من أسعار عدة أوراق مالية تتغير نسبها باستمرار وتدخل وتخرج إلى ومن المشتقة أيضا باستمرار أى أنها منتج غير محدد المعالم.. وهذه المشتقات هى سبب خراب العالم الإقتصادى لأنها عندما تنهار وتفقد قيمتها لا تعطى صاحبها الحق فى أى شىء لأنه لا يملك ورقة أصلية بل مشتقة..

أما إصدار العملة الورقية وإحلالها محل الذهب فهو أمر له حديث مستقل..

الرؤية الأفريقية ......أمام تشظي صورة فلسطين

$
0
0

كأنما كُتب على الشعب الفلسطينى أن يظل مادة للمزايدات والترددات ، ليس على المستوى الداخلى وحده ، وإنما فى أنحاء كثيرة من العالم ..أحدثها مجموعة الدول الأفريقية وبعض كتابها..! كنا نقول أن تشبيه إسرائيل بالنظام العنصرى ، قد كفانا فى أفريقيا من الانقسام ، بل وأن تستفيد حركة التحرير الفلسطينية من صلابة الموقف الأفريقى ، بقدر ما استفادت "جبهة المؤتمر الوطنى الأفريقى "لسنوات طويلة من الحشد ضد النظام العنصرى ...ثم قلنا أن تبنى القمم الأفريقية منذ مؤتمر قمة "كمبالا" 1975للقول باعتبار فلسطين "قضية أفريقية "سوف يبقى على المنطق التوحيدى للعمل الأفريقى إلى جانب النضال الفلسطينى ، حتى ظل الأمر كذلك لآخر قمة أفريقية ، فى "مالابو"– غينيا الاستوائية آخر يونيو2014، أى قبل العدوان الاسرائيلى فى فلسطين بعدة أسابيع فقط...

كان الموقف فى كل هذه المناسبات وغيرها الكثيرينطلق من أن إسرائيل هى قوة الاستعمار الإستيطانى ، المعتدية دائما بحكم الاحتلال غير الشرعى ، على الشعب الفلسطينى . وأن ذلك يتطلب موقفا دوليا موحدا لتصفية الاستعمار الاستيطانى من أخر مواقعه ومنح الشعب الفلسطينى حقه فى إقامة دولته ، رغم القبول بمشروع الدولتين على أرض فلسطين والذى أقرته الأمم المتحدة فى جمعيتها العامة مؤخرا ...

لكن ما حدث فى ظرف عدة أسابيع بين منتصف يونيو وأوائل يوليو2014، نقل لغة البيانات الأفريقية ، من خطاب التصور الشامل للقضية وحلها شبه الجذرى فى الرأى الأفريقى – ومثاله قرار القمة نفسه – إلى لغة التردد لصالح النغمة الاسرائيلية الأمريكية التى فرضتها روح القوة، وروح التردى الفلسطينى فى نفس الوقت .

كان قرار القمة الأفريقية الأخير مازال قويا ,برز فيه -وبحضورممثل السلطة الفلسطينية المراقب- استنكار"حملة التهويد "، وتأكيد حل الدولتين ، وحق فلسطين فى عضوية كافة الاتفاقات الدولية ، وضرورة المصالحة بين فتح وحماس ، ومقاطعة السلع والمنتجات المصنوعة فى المستوطنات فى الاراضى الفلسطينية ، والانسحاب الشامل من أراضى فلسطين ( حدود 1967) والأراضى العربية فى سوريا ولبنان...

إننى أقدم هنا عناصر القرار السابق بهذا التفصيل, لتكون موضع دراسة لكثير من حكوماتنا العربية ، للعبرة..!كما أقدمها للكتاب والباحثين كتصور للتفكير المتكامل عندما يتحدثون أو يكتبون بدلا من المهاترات التى لم تعد مفهومة حتى للمواطن البسيط ، ونحن الذين كنا نقول فى "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية "مبكرا أن "قضية فلسطين مصرية "...

وبينما التصوير والخطاب بهذا الشمول الأفريقى ، وإذ بالعدوان الاسرائيلى ينفجر فى وجه الشعب الفلسطينى ، وينفجر معه مخزون التشظي الفلسطينى والعربى على السواء...فالعدوان يجرى- فى رأى ساستنا وإعلامنا على "غزة "وليس فلسطين ، والتفاوض "لوقف العدوان المدمر مطلوب ان يجري مع "حماس "وحدها وليس مع سلطة معترف بها فى كافة الدوائر كحكومة وليس كمجرد تنظيم باسم حماس أو فتح ، بل ويجرى تدريجيا وبشكل فج تجاهل حركة التحرر الوطنى الفلسطينية المعروفة فى العالم باسم "منظمة التحرير الفلسطينة" PLO !

ولم تعد الأطراف صاحبة الكلمة فى موضوع"وقف القتال"هى "القيادة الفلسطينية "، وإنما صارت مصر أو تركيا أو الدوحة ..! وكأن فلسطين دون "عاصمة"تتطلب الحديث عنها أولا ، وعند ذكر"طرف فلسطينى"فهى"سلطة محلية "في غزة انتهى موعد تمثيلها الرسمى ،اوحكومة تسيير الأعمال لا تلقي الاجماع المناسب ...! والغريب ان احدا لا ينتبه كثيرا لمثل هذا الوضع عند الحديث عن"دعم الشعب الفلسطيني", رغم بداية اثارته في مسالة المعابر,بل وقد يثار بالنسبة لمستقبلي المساعدات...! وهذا كله بسبب عملنا الدائم علي المدي القصير....

لم ندهش إذن لتأخر صدور بيان بشأن هذا العدوان الاسرائيلى من "مفوضية الاتحاد الأفريقى "إلا بعد أٌسبوعين من بدء العدوان ! وعندما يصدر فى 17يوليو2014فإنما يعبر عن"قلق "رئيسة مفوضية الاتحاد من"تطورات الموقف "واستنكارها للعدوان طبعا "الذى دمر البنية التحتية فى غزة ..."وهى إذ تؤيد نضال الشعب الفلسطينى ( دون ذكر أى جملة عن قيادته ) إنما تطالب "جميع الأطراف الفلسطينية "بوقف"الهجوم"من غزة على إسرائيل بالصواريخ...الخ"!

وقريب من هذا الموقف كان مضمون خطاب معظم الدوائر الأفريقية ، لكن القوى الديموقراطية والشعبية فى جنوب أفريقيا نفسها كانت الأكثر قدرة على الاحتفاظ بزخم الدعم الأفريقى الحقيقى للشعب الفلسطينى ، فيما صدر عن قيادات "بحزب "المؤتمر الوطنى "نفسه ،ا ومن اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا (كوساتو) ورابطة شباب جنوب أفريقيا ، الذين ما زالوا يتحدثون عن "دعم الدول الامبريالية الغربية الكبرى لإسرائيل ( المؤتمر الوطنى) وأن "نظام تل أبيب يتصرف كمعبر عن الهيمنة الامبريالية على الشرق الأوسط "بل وطالب "اتحاد الشباب "بطرد سفير اسرائيل من جنوب أفريقيا" . وإن طالبت قوى سياسية أخرى "بعودة الطرفين"فى اسرائيل وفلسطينإلى مائدة المفاوضات ووقف العقاب الجماعى للشعب الفلسطينى..الخ

لا أعرف ما اذا كان صمت دول أخرى فى أنحاء القارة ، ممن لهم عادة كلمة فى كثير من تطورات الشرق الأوسط ، ناتج عن معاناة بعضهم من هجوم المنظمات الإسلامية (نيجيريا-كينيا) مما لايجعلهم يتصورون الدفاع عن موقف تعبر فيه "حماس الاسلامية "وحدها عن القيادة فيه ، أم أن تردد اللغة بين غزة ورام الله والعواصم العربية هو الذى يؤدى إلى هذا التردد ...

أعود للقول هنا أن المسئول الحقيقى عن تردى الخطاب الدولى ، والأفريقى إزاء ما يحدث _غير الاعتبارات الدولية طبعا - ، إنما هو الخطاب العربى عموما من داخل فلسطين نفسها ، ثم من حولها فى العواصم العربية ...! إذ لم يألف الكثيرون فى أفريقيا أن ينطلق تنظيم من جزء من المستعمرة ليعبر وحده عما يجرى-مع تجاهل سلطات اخري - فى بقية الإقليم ، أو يقبل جزء من الإقليم حلولا لايمكن أن يطبقها الجزء الآخر ، وهذا ما يمثله فى الواقع الخلاف فى فلسطين حول الحديث باسم الشعب الفلسطينى ، من بين "أصحاب غزة "أم من أصحاب "أوسلو" (يذكر الافارقة منع البانتوستانات في جنوب افريقيا من قبول الحكم الذاتي او التمثيل المنفرد كل علي حده في الثمانينيات , كما سبق رفض الحل الداخلي في روديسيا عام 1965-66 حتي تم الاستقلال الكامل للبلدين )، ولذا نخشي ان يغيب التعبير الموحد القوى عن المقاومة باعتبارها مقاومة الشعب الفلسطينى كله والذى يعيش فى ظل نظام الأبارتهيد الذى بات يستنكره العالم علي نطاق واسع وبشهادات قوية من كارتر وتشومسكى ومفكرين افارقة - وغيرهم...

إننى آمل الا يستوعبنا تقديس بريق الصواريخ الفلسطينية من "غزة"لنعطى الخطاب الأفريقى ، والعالمى عامة – فرصة تجزئة القضية الفلسطينية أو حرفها عن مفهوم التحرر الوطنى الشامل ضد الاستعمار الاستيطانى متحولة إلى مجرد "قوة مقاومة مقاتلة"ما أسهل ما يعتبرونها ضمن القوى الارهابية ، أو قوى العنف الداخلى وغير ذلك من مسلمات الاعلام الغربى .

وتستطيع منظماتنا الديموقراطية والشعبية العربية والفلسطينية ، أن تمارس هنا دورا متعدد الوجوه , اوله الضغط لتكوين جبهة نضالية موحدة علي ارض فلسطين للتعبير عن قوي الشعب كله ,وثانيا ,اجراء اتصالات نافعة لمواجهة هذه الخطابات المزيفة نفسها فى الغرب,مستفيدين من قوة المظاهرات القائمة ضد اسرائيل , وثالثها سرعة النفاذ إلى الموقف الأفريقى بالاتصال بالنمظمات الشبيهة فى كافة المناسبات الأفريقية . وسأذكر للقارئ نموذجين هامين علي المستوي الافريقي , قريبين لهذا النشاط الواجب ، أقربها هواجتماع "المنتدى الاجتماعى الافريقى" African Social Forumفى داكار فى أكتوبر 2014 ، والذى يلتقى فيه أكبر عدد من النشطاء وممثلى الحركات الاجتماعية والنقابية والمثقفين ..الخ . كما يجتمع فى جوهانسبرج فى ديسمبر2014 "المنتدى الاجتماعى العالمى "نفسه ًٍWSF، والذى يعرف الجميع أهميته وسمعة سابقيه فى بورتوأليجرى وبومباى وغيرها.. كما أن جماهير جنوب أفريقيا تكون هى الأكثر حيوية مع قضايانا كما هى دائما.

وفي مثل هذه الأنشطة يمكن ان يتحقق حضور كافة تنظيمات الشعب الفلسطينى نفسه، بين قرنائه الحقيقيين على المستوى العالمى والافريقى على السواء ... لان اممية التحرر الوطني اوسع نطاقا وكفاءة من اممية الحل الاسلامي......!

حقيقة الدور المصرى فى الحرب على غزة

$
0
0

بقلم 

على سعيد بدوان- الجزيرة نت 

تبدو اللحظات الحاسمة متسارعة الآن بالنسبة لما يجري في الكواليس الخلفية للدبلوماسية السرية بشأن العدوان على قطاع غزة. فالنية تتجه نحو دفع الجامعة العربية إلى تبني المبادرة المصرية للتهدئة وإلزام الطرف الفلسطيني بها، وربما تسويقها دوليا لتتحول إلى وثيقه سياسية في سياق عملية تفاوضية مُختلة ومأزومة. 

فكيف نقرأ المبادرة المصرية الجديدة، والدور المصري بشكل عام على صعيد ما يجري من عدوان على قطاع غزة؟

مبادرة منحازة
نبدأ القول بأن المبادرة المصرية لوقف العدوان "الإسرائيلي"على قطاع غزة، فاقدة للمعايير الوطنية التي يريدها الفلسطينيون، فهي مبادرة تساوي وبكل صلافة بين الجلاد والضحية، بين الحمل والذئب، وتساوي بين العدوان "الإسرائيلي"والدفاع عن النفس، عندما تصف ما وقع ويقع من عدوان على الشعب الفلسطيني في القطاع بأنه "أعمال عدائية".

بل أكثر من ذلك هي مبادرة منحازة، ولا تلحظ حجم العدوان وكوارثه التي سقطت وانهالت على الشعب الفلسطيني الصامد الصابر على أرض قطاع غزة منذ سنوات طويلة من ليل الحصار، غزة التي شنت عليها أكثر من ألف غارة جوية، وألقيت عليها من الحمم النارية في العدوان الأخير ما تم إلقاؤه على مدينة "درسدن"الألمانية في الحرب العالمية الثانية عند حساب نسبة المساحة وعدد السكان والنسبة والتناسب.

"المبادرة المصرية  تساوي وبكل صلافة بين الجلاد والضحية، بين الحمل والذئب، وتساوي بين العدوان الإسرائيلي والدفاع عن النفس، عندما تصف العدوان على سكان القطاع بأنه أعمال عدائية"

المبادرة المصرية تعطي الاحتلال والدولة العبرية الصهيونية "صك براءة"أمام المجتمع الدولي بأسره حين تصر على موازاة فعل الاحتلال بالعمل المشروع لقوى المقاومة الفلسطينية التي تصدت وقاتلت جبروت الاحتلال بسلاحها المتواضع، واستطاعت أن تَقُض مضاجعه. 

كما أن المبادرة المصرية لا تلحظ إنجازات المقاومة العسكرية -حتى لو اعتقد البعض أنها متواضعة- ولا تريد لها أن تجني ثمارا سياسية، أولها فك الحصار الظالم منذ سنوات ورفعه عن القطاع، وهو مطلب دولي على كل حال قبل أن يكون مطلبا وطنيا فلسطينيا. 

إن المبادرة المصرية تُقدم للفلسطينيين حلا "إسرائيليا"بامتياز، يتجاوب مع رغبات حكومة نتنياهو ويتجاهل الرغبات الوطنية الفلسطينية، وهو حل -في أحسن الأحوال- يتجاهل نهر الدماء التي روت أرض القطاع، ولا يعطيها أدنى قيمة. 

إنها مبادرة تدعو وفودا "إسرائيلية"وفلسطينية على أعلى مستوى لتثبيت التهدئة واستكمال إجراءات بناء الثقة.! أي جر الطرف الفلسطيني إلى ما هو أبعد من التهدئة، إلى التسوية ومربع لعبة المفاوضات العبثية، أي أنها باختصار دعوة إذلال في جانب كبير منها للطرف الفلسطيني.
 
إنها مبادرة لا تستجيب لحقيقة أن "إسرائيل"هي دولة احتلال، وأن الفلسطينيين شعب تحت الاحتلال، ويمارس حقه في مقاومة الاحتلال ولا يمارس "أعمالا عدائية".

إنها مبادرة ستجعل شهية "إسرائيل"تندلق في سلوكها المُتعجرف، حيث يتوقع لها في ظل هذه المبادرة الشديدة الارتخاء، أن تُقدم على أعمال أكثر وحشية استنادا إلى موقفها من بدعة التهدئة أو الهدنة أو أي مُسمى آخر.


موقف دون المرتجى
لماذا هذا الدور المصري، وتحديدا بالنسبة لملف قطاع غزة؟ فهو موقف يتكرر عقب كل جولة عدوانية تقع على القطاع، ألم يحن الوقت لفك القيود التي تُكبّل الموقف الرسمي المصري منذ سنوات طويلة، والعمل من أجل العودة إلى موقف مصر التاريخي من القضية الفلسطينية.. مصر التي قدمت أنهارا من الدماء لأجل فلسطين؟.. أما آن الأوان لبلورة موقف رسمي مصري آخر -ونشدد على موقف رسمي لا شعبي- يساعد الفلسطينيين في القطاع، وينحاز إلى موقفهم العادل، كما تنحاز إليهم بورتوريكو وبوليفيا ونيكاراغوا ومدغشقر وجزر الرأس الأخضر.

ففي كل مرة يُشن فيها عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، تتجه الأنظار صوب مصر، ليس لأنها بلد عربي مركزي ومؤثر فحسب، بل لأنها أيضا البلد العربي الوحيد الذي يجاور غزة مباشرة، ولا بوابات للقطاع نحو العالم الخارجي دون مصر، وموقف قيادة هذا البلد وسلوكه يلعبان دورا مهما في تطورات ومسارات الأحداث في قطاع غزة وحتى في عموم مسارات القضية الوطنية التحررية العادلة للشعب العربي الفلسطيني.. إنها الجغرافيا السياسية، والبعد المتعلق بالأمن القومي المصري، كما هي التاريخ الحي للعلاقة بين مصر وفلسطين، وهو التاريخ الذي لا يستطيع أي طرف أن ينهيه أو أن يهيل التراب عليه. 


"حصار غزة في عهد السيسي يختلف حتى عن عهد مبارك، إذ لا يقف عند حدود إغلاق معبر رفح أو تدمير الأنفاق، بل تعداهما خطوات كبيرة من خلال اعتبار حماس تنظيما إرهابيا"

لكن للأسف، فإن مصر الرسمية ومنذ اتفاقية كامب ديفد الأولى الموقعة عام 1979، لا تلعب دورها المطلوب والمرتجى من قبل الفلسطينيين لجهة الضغط على الاحتلال، بل تلعب -وفي كل مبادراتها أو خطواتها السياسية على صعيد الصراع مع الاحتلال- دور "الرسول"بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، تنقل الرسائل و-في أحيان كثيرة- التحذيرات والتهديدات التي كانت تُطلقها الحكومات "الإسرائيلية"، وكان بعضها من التحذيرات الوهمية التي سبق أن نقلها الجنرال عمر سليمان الذي كان يدير جهاز المخابرات الحربية المصرية لسنوات طويلة، حين كان ممسكا بالملف المتعلق بالموضوع الفلسطيني في قطاع غزة وملف الفصائل والقوى الفدائية الفلسطينية، وقد رحل عن دنيا الوجود وفي جعبته الكثير من الأسرار التي لو قيض لها أن تخرج لأحدثت دويا في الساحة الفلسطينية وحتى المصرية لجهة الموضوع الفلسطيني.

وتحضرنا في هذا السياق المقولة التي كان يرددها الرئيس المخلوع حسني مبارك مع كل جولة عدوانية على القطاع، ومع كل جولة استعصاء سياسي في مسار المفاوضات "أنا لست مع هذا أو ذاك.. أنا وسيط".

مصر وخسارة الدور
قصارى القول إن مصر الرسمية -لا الشعبية- ما زالت في موقع الخسارة لدورها القيادي في المنطقة، وهو الدور المفترض به أن يتناسب مع ثقلها المركزي في العالم العربي، حيث لم يقع حتى الآن تبدل إستراتيجي في الدور المصري على صعيد إدارة ملف الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال، وملف الأوضاع في قطاع غزة.

والسبب الرئيسي وراء تلك الخسارة أن الموقف الرسمي المصري ما زال يراوح مكانه رغم كل التبدلات التي وقعت في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهي تبدلات باتت تضع العديد من إشارات الاستفهام على دور العسكرتاريا الحالي.

والمؤسف الآن -ونقولها بكل مرارة- أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاوز جميع من سبقوه في سوء أدائه في الحرب الراهنة على غزة، فقد أعاد إلى الأذهان تواطؤ نظام حسني مبارك في التحضير للعدوان على غزة في أكثر من مرة في سياق الضغط على الفلسطينيين وحتى على الرئيس الراحل ياسر عرفات، وذلك عبر إيفاد السيسي مدير المخابرات العامة محمد فريد التهامي إلى تل أبيب قبل يومين من العدوان، بما يذكّر بزيارة تسيبي ليفني إلى القاهرة عام 2008 قبل أيام من عدوان "الرصاص المصبوب"على غزة آنذاك. 

والمؤسف الآن أن حصار غزة في عهد السيسي يختلف حتى عن عهد مبارك، إذ لا يقف عند حدود إغلاق معبر رفح أو تدمير الأنفاق، بل تعداهما خطوات كبيرة إلى الأمام من خلال اعتبار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "تنظيما إرهابيا"في قطاع غزة وعموم فلسطين، وهنا المقتل الآخر والمصيبة الكبرى للموقف الرسمي المصري الحالي.

هذا إضافة إلى قيام بعض وسائل الإعلام المصرية -وعلى رأسها بعض الرموز من إعلاميي النظام- بتزييف الوعي وشن حملة كبيرة على الفلسطينيين وعلى القطاع تحديدا، بل وصل الأمر ببعضهم حد الطلب من حكومة نتنياهو باستمرار عدوانها على القطاع لاجتثاث الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وباقي القوى الفدائية الفلسطينية.
 

فى طبيعة مهام القانون

$
0
0

 

هناك فرق ثقافي واضح جدا بين الحياة فى ألمانيا والحياة فى مصر. وهنذا الفارق الثقافي لا أجد تعبيرا عنه أقوي من النصوص القانونية.

فحسن النية فى القانون الألماني هو من المزايا التي يجزيها المشرع جزاءا حسنا. والطرف حسن النية فى القانون الألماني لا يخسر أي شىء تقريبا بل يحصل على معظم المميزات.

فلو أن شخصا قام باستئجار شىء معين من صاحبه الذى هو مالكه، ثم قام هذا المستأجر ببيع هذا الشىء لشخص ثالث حسن النية لا يعرف أنه ملك للمؤجر الأصلي تنتقل ملكية الشىء فعلا إلى الحائز الجديد حسن النية ولا يبقي للمالك الاصلي سوي رفع دعوي التعويض على المستأجر سىء النية..

وهذا الوضع يثير شبهة حول دستورية هذا القانون،  إذ أن المالك الأصلي بهذه الطريقة قد فقد ملكه، أي أنه قد نزعت ملكينه.. ونزع الملكية ممنوع بحكم الدستور إلا لقاء تعويض عادل. فكيف يمكن لهذا القانون أن يمر دون السقوط فى حومة عدم الدستورية؟

الحل موجود طبعا..

بالطبع هناك قواعد كثيرة للتعويض العادل أهمها الإثراء بلا سبب والمسئولية التقصيرية والتعويض عن العمل الضار وكلها تصب فى قناة تعويض هذا المالك عن فقدان ملكه.

وهذه القاعدة إحتاجت مني وقتا طويلا حتي أهضمها وأقبلها.. حيث أن القانون المصري - وأظن أيضا الفرنسي الذى هو أبوه الروحي وملهمه - به قاعدة أخرى هي أن عقد البيع هذا يكون ساريا ونافذا فى مواجهة الكافة إلا فى مواجهة المالك الاصلي الذى له أن يطالب - لا بفسخه ولا ببطلانه كما قد يعتقد البعض - ولكن يطالب بعدم نفاذه فى مواجهته.

إذ أن القانون يشترط لنشوء العقد شروطا معينة ليس من بينها أن البائع هو المالك. ولهذا ينشا العقد صحيحا.. وهذه أيضا قاعدة إحتاجت مني وقت لكي أهضمها فى مصر.

وعلي ذلك فلو أن المالك الأصلي تقدم للقاضي بطلب إبطال العقد فسوف يرفض القاضي الدعوي. وهذه النتيجة هي تجسيد لمبدأي حياد القاضي وحماية الحيازة.

وإن لم يتقدم المالك الأصلي بهذا الدفع الذى يرتبه له القانون والذى هو موجود لمصلحته فإن البيع يظل ساريا حتي تنتهي فترة التقادم ويصبح المالك الأصلي فى مركز متساوي مع غيره ويفقد ملكه لأن العقد يصبح نافذا في مواجهته.

أي أن القاضي لا يحكم بعدم النفاذ إلا بناءا على دفع مقدم من المالك الأصلي.. وهو ما يعني أن القاضي لا يساند المالك الأصلي إن هو لم يطلب ذلك..

 هذا بالطبع فى المنقولات، أما العقارات فلها نظام الشهر العقاري الذى ينظم إنتقال ملكيتها والتصرفات التي تجرى عليها..

وهذه المميزات التي تعطيها القوانين للحائز حسن النية قصد من ورائها أن تستقر المعاملات وتنشأ الثقة بين الناس.

وكما أسلفت فقد تطلب الأمر مني وقتا ومجهودا ذهنيا عاتيا حتي أتقبله وأتفهمه.

وهذه الحماية التي تسبغها القوانين المختلفة على الحيازة هي ظاهرة جديرة بالدراسة العميقة.

وأظن أن أساسها يقع لدي الرومان. ولهذا يجد المرء تلك الحماية واضحة فى كل النظم القانونية ذات الأساس الروماني. أما نظم الشريعة العامة فليس لدي فكرة عنها ولعل الإخوة أبناء العم سام ينيرونا بعلمهم فى هذه النقطة.

والحيازة هي ظاهرة محيرة للغاية ويتعثر فى فهمها تقريبا كل دارس للقانون.

فالحيازة هي السلطة المنفردة على شىء مادي قابل للإحتواء فى حيز معروف. وعلى ذلك التعريف لا تعتبر الأشياء الغير مادية كحقوق الملكية لبفكرية محلا للحيازة..

 الأستاذ السنهورى كما سبق وذكرت لكم ذكر فى كتابه الشهير عن القانون المدني أن التقنين الألماني يعد  أدق التقنينات وأكملها صنعة وهو يبز كافة التقنينات الأخري إلا أنه يتميز بالتعقيد وتناول الكثير من الحالات مما يجعله يبدو صعبا عصيا على التطبيق ولهذا لم ينل نصيبا من النقل إلى الدول الأخري..

وهذا الكلام صحيح إلى حد بعيد ولكن نقله جاء من نصيب اليونان التي أخذته وترجمته وجعلته قانونها المدني، تماما كما نقلت تركيا التقنين السويسرى وترجمته وجعلته قانونها المدني.

يبلغ عدد مواد القانون الألماني 2385 وعدد مواد القانون المدني المصري 1150 على ما أذكر.. ولكن الألماني به أحكام الأسرة والمواريث بينما المصري لا يشمل تلك الأحكام

ومنشأ القانون المدني الألماني كان مختلفا جدا عما وصل إليه الآن. فقد خرج إلى الوجود فى عام 1896 لكي يتدارسه الناس ويبدي الفقهاء ملاحظاتهم عليه ولم ينفذ إلى الحياة القانونية إلا عام 1900. وفى ذلك الوقت كانت نظرة المشرع للمجتمع مختلفة جدا عن النظرة السائدة حاليا. فقد كان المشرع يري أن الداخلين فى تعاقدات أو تصرفات قانونية هم من الأشخاص المتساوين قدرا وقدرة وبالتالي فإن مراكزهم القانونية كانت متساوية. وقد كان ذلك النظر هو السائد خلال القرن التاسع عشر عندما كانت ألمانيا إمبراطورية يحكمها القيصر.

لكن هذه الأوضاع سرعان ما تغيرت عقب هزيمة الحرب العالمية الأولي وأصبح هناك تيار عريض يدعو إلى إعادة تقسيم ثروات البلاد وأعباء الضرائب وكان هذا التيار ممثلا فى الفكر الإشتراكي الديموقراطي وكذلك فى الفكر الإشتراكي العلمي (الشيوعي) حيث كان الجناحان يطالبان بحماية الضعيف من القوي.

وهكذا عندما نشأت الحاجة الإجتماعية إلى التغيير وقع هذا التغيير أيضا فى القوانين فظهر قانون العمل الذي أخرج علاقات العمل من القانون المدني وجعل لها بابا مستقلا بمحاكم مستقلة تراعي المركبة الإجتماعية سواء من جهة عقد العمل وإثباته وأحكامه وفسخه والتعويضات المترتبة على فسخه وكلها أمور لم تكن ماثلة لواضعي هذا القانون المدني الذى تعدل عدة مرات.

كذلك كان القانون المدني يفترض أن التركيبة الأسرية الألمانية (فى ذلك الوقت طبعا) هي تركيبة أبوية يقوم الرجل الزوج فيها بدور رئيس الاسرة بلا منازع فأعطاه القانون المدني بعضا من المميزات التي تصادمت عقب الحرب العالمية الثانية مع مطالبات حركات تحرير المرأة فتم إلغاء هذه المواد، التي كان منها موافقة الزوج علي عمل زوجته وقدرته على فسخ عقد عملها بإرادته دون الرجوع إليها ووجوب الحصول على إذنه لفتح حساب مصرفي للزوجة ومسألة الذنب فى أحوال الطلاق وإستحالة الحياة الزوجية إلخ...

وهكذا ألغيت المواد التي كانت تمثل هذه الروح التقليدية المحافظة وكان آخرها على ما أعتقد عام 1958.

كذلك عندما فتحت الأسواق وتدفقت السلع الأجنبية من كل حدب وصوب وأصبح العالم متصلا بلا إنفصام وبرزت مشاكل حماية المستهلك من خداع بعض الشركات عدل المشرع الألماني من أوضاع القانون المدني فوسع جدا من دائرة حقوق المستهلك فى مواجهة الشركات وجعل الرقابة القضائية فى كثير من الأحيان إلزامية خصوصا فى حالات الشروط والقواعد العامة فى العقود والتي تدخلها الشركات كجزء من العقد أو جزء مكمل له.

وحديثا عندما دخلت التجارة الإلكترونية إلى حيز البيوت والمستهلكين أصبح من الضرورى تنظيم عقودها بنصوص لم تكن موجودة من قبل فتم تعديل مواد القانون المدني لكي يشمل تنظيم تلك العقود.

وعندما برزت السياحة والنشاط الإرتحالي فى المجتمع كظاهرة ملحوظة لها وزنها إستحدث المشرع الألماني أيضا مواد أسمها مواد عقد الرحلات تتناول العلاقة العقدية بين المسافر ومنظم الرحلة.

وعندما ظهرت حركات المطالبة بحقوق الحيوان لم يتوان المشرع الألماني عن إخراج الحيوانات من دائرة الأشياء المادية وجعل لها طبيعة خاصة تنطبق عليها قوانين الأشياء فى حدود معينة فقط وغير ذلك لها قانون للحفاظ عليها وعلى وجودها وحقوقها ككائنات وليس كأشياء..

واستحدث أيضا فى باب أحكام الأسرة مواد تنظم علاقات المعاشرة على أساس لا زواجي إذ أن هذه المعاشرة تنتج أطفالا وبالتالي فهي ترتب حقوقا ولابد من تنظيمها، وقد كان..

ثم إبتدع حديثا جدا فى باب العقود المسماة أحكام عقد العلاج الطبي وشدد المسئولية المهنية على الطبيب المعالج وجعل عبء الإثبات دائما عليه وشدد على واجب إبلاغ المريض مقدما بأخطار العمليات الجراحية أو العلاجات التي قد تشمل نوعا من الخطر.. وهكذا

 

وهكذا هو التشريع، إذ لابد له أن يأخذ فى إعتباره الحاجات المتجددة للناس ويكون منتبها متيقظا لما يستجد من تعاملات وما ينشأ فى الحياة من صور لم تكن متواجدة لكي يتناولها بالتنظيم ويراعي حقوق الأطراف..

وكالة "ناسا"والمخلوقات الفضائية

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

أعلنت وكالة “ناسا” الأمريكية لعلوم الفضاء ، منتصف شهر تموز/ يوليو من العام الجاري 2014 أنها بصدد الإعلان عن وجود مخلوقات فضائية خلال العشرون عاماً القادمة ؟!

تصريح يثير الإستغراب والتعجب عن سبب تأخير الإعلان عن وجود هذه المخلوقات ، خاصة أنهم وسبق أن أعلنوا لأكثرمن مرة  على مدى سنوات عدة عن وجودها مع الوعد بالإعلان عنها ولكن دون طائل .

والسؤال هنا ، هل أن هذا الإعلان  مجرد دعابة ومزاح سمج ، أم أن هناك فعلاً مخلوقات فضائية عثرت عليها الوكالة المذكورة من خلال مراصدها المتعددة التي ترسلها بشكل مستمر نحو الفضاء منذ سنوات طويلة ولم تعد تنشر عنها على موقعها إلا القليل النادر رغم أنها تملك ملايين الصور  بما يشبه عملية المسح الفضائي لما هو أبعد من المريخ بكثير مع التطور الكبير لمراصدها الهائمة بين الكواكب والنجوم في عمليات التقريب والبث الواضح نحو الأرض ،وهو الذي  جعلها تعلن عن هذه المخلوقات دون أن تنشر صورها ، كما وتتردد في الإعلان عنها بشكل صريح لأسباب ودوافع عدة نجهلها تتعلق بالمصالح الأمريكية دون شك .ولكن رغم ذلك نتساءل عن المخاوف التي تدفع بالأمريكيين إلى تأخير الإعلان عن هذه المخلوقات رغم تعدد إعلانهم عنها خلال السنوات الأخيرة إلى حين تصريحهم الأخير بأنهم سيأخرون الإعلان عنها على مدى عشرون عاماً القادمة ، مما يبعث على الحيرة والتشويق ؟!

ولكن قبل أن تعلن "ناسا"عن تأخير إعلانها عن وجود المخلوقات هل هي متيقنة أن لاأحداً  يعرف مالذي تحاول أن تخفيه من معلومات  عن هذه المخلوقات ومواقعها ، وما هي أهدافها من هذا التعتيم عليها ؟!

قبل أن أكمل لابد أن أوضح كيفية عمل هذه الوكالة الفضائية الأضخم في العالم التي تضمها مبان واسعة عديدة  اشبه بقرية كبيرة أو بلدة صغيرة . تسعى إدارتها الى استجلاب العقول الواسعة بطريقة ذكية وهي بالإعلان عن حاجتها الدائمة للموظفين في عملية سخاء في الرواتب وكثرة الموظفين والمتعاقدين بما يشبه التبذير والتبديد للمال ، كالذي  ينفقه على فريق ضخم وسفينة للبحث عن كنوز مفقودة في عرض البحر بروح المغامرة غير عابىء بالتكاليف ، إذ أنها في إعلان دائم بحاجتها لعلماء في إختصاصات معينة لتوظيفهم في الوكالة . لذا توافق على أي متقدم للوظيفة يحمل شهادات عليا في مواد عملية أوتاريخية أو جغرافية أو إقتصادية أو إدارية ، لافرق ، لأنها تسعى لاقتناص الأفكار الجديدة بما يتيح لها التقدم في مشروعها في إكتشاف الفضاء .

وعليه فإنها تعطي الفرصة لعام كامل لمن تقبله في الوظيفة براتب شهري ضخم للتجول بين الأقسام العديدة للإطلاع على مايشاء ، والإستماع الى المحاضرات والمناقشات اليومية لمخططاتها ومشاريعها الفضائية في قاعة مخصصة لذلك على أن يتقدم نهاية العام بفكرة جديدة أو تطوير فكرة مطروحة للمناقشة بتقرير مكتوب ، فإن نجح في ذلك ولاقت  أفكاره القبول ثبت في وظيفته وإن فشل يستغنون عنه ، إذ يعتبرون أنه لاحاجة لهم به لإنتفاء الفكر الخلاق لديه وهكذا .

ولكن أعظم إهتمامات "ناسا" في الإعلان عن الوظائف هو البحث عمن يجيد قراءة الصور التي ترسلها المراصد من الفضاء ، لأن قراءتها تحتاج الى تدقيق كبير اشبه بالإلهام في تحديد ماهية محتواها،  لذا ظلت الوكالة  لسنوات عدة تنشر عن جهل وعدم خبرة كل ماترسله المراصد دون تمحيص ، إلى أن رزقت بموظفين قرّائين جيدين لمحتوى هذه الصور وما فيها من أسرار ، مما جعلها تقنن في الإعلان عما ترسله المراصد حتى لاتطلع الدول الأخرى على محتواها . ومن هنا نستطيع ان نعود الى التساؤل عن الأسباب التي دعت الوكالة للتأخير المتعمد في الإعلان عن هذه المخلوقات ؟

لنعد إذن إلى أهم مرصد لدى "ناسا"وهو مرصد "هابل"الذي فتح باب الإكتشافات الفضائية الهامة ، اوبالأحرى الذي حمل ادق الأسرار في نقل محتوى الفضاء ، وأهمها وجود مخلوقات فضائية وثروات لم تكن متوقعة بما يذهل العقول ويحير الألباب ، في وقت كان فيه الإتحاد السوفياتي يعاني سكرات الأفول لصالح الدولة الروسية الحديثة وبالتالي انهيار مشاريعهم الفضائية الى حد التخلي عن محركات الصواريخ الدافعة للفضاء التي اشتراها منهم الأمريكان بثمن بخس لتعطيل برامجهم الفضائية و تأخيرها  .

 لذا فإن الروس مع إنشغالهم لم ينتبهوا لمحتوى الصور التي كان يرسلها مرصد "هابل "ومحتواها التي كانت تنشرها وكالة ناسا على موقعها بتباه وغباء  دون الإنتباه لمضمونها لعدم وجود موظفين أكفّاء قادرين على قراءتها ،إلى ان قيض لهم موظفين جدد في السنوات الأخيرة لفتوا نظر الوكالة  الى ماتحمل هذه الصور من إكتشافات فضائية مذهلة دفعتهم الى سحب كافة الصور التي احتواها موقعهم وإلى إعادة بث صور جديدة بموافقة الفريق الجديد  المختص بقراءة الصور التي لم يعد فيها من شيء سوى صور عامة لاتحتوي أي اكتشافات جديدة مهمه أو إثارة إلا للهواة الجدد . وهنا نتساءل ماهي  طبيعة هذه الصور التي سحبتها ناسا عن موقعها وماهو محتواها ؟

وأجيب بأن هذه الصور العلمية الدقيقة عن محتوى الفضاء ومستعمراته التي سبق ان ارسلها مرصد هابل  لم  تعد موجودة على موقع ناسا منذ أكثر من خمس سنوات وللأسف ، كما ولم تعد تنشر جميع الصور الجديدة التي لازالت المراصد الأخرى ترسلها يومياً الى الوكالة التي حرمت المهتمين  من متابعة مايجري في الفضاء .

ومع ذلك لاأنكر بانني كنت في متابعة لكل ماكانت تنشرة وكالة ناسا ونشاطها لسنوات عديدة مرت في نقاش وانتقاد لخطأ ماتعلنه احياناً عن الفضاء والكواكب  ، ولكنها كانت تكتفي بالرد المقتضب ثم تصحح  إعلانها  السابق ، ولكن لتنسبه اليها على لسان احد العلماء عندها دون توجيه اي كتاب شكر ، مما دفعني الى الإكتفاء بمتابعة نشاطها على موقعها دون اي تراسل معها لدجلها وكذبها ومراوغتها إذ أنها تكتفي بسرقة أفكار الآخرين دون حياء أو خجل دون أن تعلن عن صاحبها الأصيل .

بعد هذه المقدمة فإنني استطيع الان أن أبيّن محتوى صور هابل المفقودة عن موقعها لأنني لم أعد اجدها منذ خمس سوات تقريباً وحتى الآن .

وهذه الصور المزالة عمداً كانت تظهر وجود مستعمرات فضائية ضخمة بين المجرات التي تملأ الفضاء خارج الكواكب والنجوم حيث تعيش فيها مخلوقات غريبة قريبة الشبه بالإنسان ، إلا أنها اضخم حجماً بما يشبه العمالقة ، وفيها المتوحش والمسالم والعميق التفكير والسطحي والحليق الذقن ، وصاحب اللحية الكبيرة من الشيوخ وكبار السن ، إلا أنهم اصحاب ثقافة وعلم وقراءة حيث الشيوخ منهم ينصبون على مطالعة الكتب بينما الشباب يذهبون الى التلهي والصيد والتجوال في الفضاء بما يملكون من مقدرة خارقة في السرعة والتنقل بين الكواكب والنجوم دون اي جهد أو إعاقة وفق ماكان ينقله مرصد هابل .

ويتمتع شبانهم بقوة خارقة إذ يسخّرون الضباع والأسود والنمور لخدمتهم وقد دجنوهم في جوارهم مع الغزلان والكلاب والأرانب والقطط المنزلية والنمور والأفيال ، وعندما يخرجون للصيد فإنما يضعون على اكتافهم النسور والصقور والكلاب . وأسلحتهم القوس والنشاب والعظام والحجارة ولايبدو في الصور أنهم يستخدمون الحديد في أسلحتهم . إلا أن أكثر مايثير الغرابة في حياتهم الإجتماعية الواضحة تمام الوضوح في صور هابل هي أن قبورهم المفتوحة هي عبارة عن حفر واسعة عميقة تلقى فيها جثث أمواتهم وجثث الحيوانات والطيور مع بعضها البعض ،لافرق ؟!

أما حياتهم العائلية فإن الجدة هي من تتولى أمور البيت والطبخ والقيام على تربية الأولاد وتأتي بهم من المدارس من مستعمرات بعيدة ولكن بسرعة البرق حيث تمسك كل طفل بيده وإن كانوا أكثر يذهب معها أحد من بناتها  أو الأقرباء .وأولادهم كثيري الحركة والنشاط والفوضى وقد يستعينون بآبائهم لمعاقبتهم لإجبارهم على التعقل والدرس ، وقد يلجأ الولد الى جده للإحتماء خوفاً من الضرب . ولكن يلاحظ أن أثوابهم شبه أسمال تعود الى القرون الوسطى في مظهرها وتعدد طبقاتها  .

ولكن سر الأسرار الذي جعل وكالة ناسا تسحب معظم الصور من موقعها هو أن طبيعة أرض بعض هذه المستعمرات من رمال وجبال وصخور وحصى هو من الحجارة الكريمة والذهب والزمرد والياقوت والألماس ظاهرة واضحة ، بحيث يستحيل أن تتمكن ناسا أن تضع صورة لمخلوق فضائي الا وورائه وتحته احجار كريمة .

وعليه فإن إنتقال المخلوقات الفضائية من مستعمرات لأخرى هو للصيد وتعليم أولادهم في المدارس ولجلب الخضار والفواكه من ملفوف وخيار وليمون وتفاح ورمان وإجاص بالإضافة لأنواع نجهلها ويطبخونها في قدور واسعة ويوقدون تحتها النار من أخشاب لم يعرف مصدرها إن كانت من مستعمراتهم أو مستعمرات أخرى ، لأنه لم يلحظ أي اشجار في هذه الصور .

لهذه الأسباب ، مع وجود الكنوز في الفضاء فإن وكالة ناسا تؤخر الإعلان عن اكتشافها للمخلوقات الفضائية خوفاً من مزاحمة الدول الأخرى في الوصول إليها خاصة مع عودة الروس الى نشاطهم الفضائي .

المطالبة بعودة الإستعمار

$
0
0

بقلم جميل مطر

 

 

يتحقق الآن أبشع ما جال في خاطر البعض منا في أعقاب حصول شعوبنا على استقلالها، خفنا من احتمال أن يفشل مشروع الاستقلال الوطني، فنعود نحن إلى أيام الاستعمار.  لم يفشل بعد "تماما"، ولم تخرج مظاهرات مليونية أو مائوية تطالب بعودته. من ناحية أخرى لم يعلن بعد وفاة النظام الدولي الذي حل محل النظام الاستعماري. هذا النمط من القواعد والعلاقات الذي قاد البشرية على امتداد مائة وسبعين عاما. لم تعم الفوضى بعد أغلب أرجاء الكوكب ولكنها سائدة ومهيمنة في أجزاء كبيرة منه.  لم يصل بعد عدد الفقراء في عالم اليوم إلى حده الأقصى المتوقع، ولكنه يقترب منه بسرعة مخيفة. تفاقمت ظاهرة هجرات القوارب، التي بدأت مع نهاية الحرب الفيتنامية، تفاقمت وتطورت. تفاقمت منذ أن صارت تهدد شواطئ أوروبا الجنوبية بجحافل غزو منظم. وتطورت إلى حد صارت أغلبية المهاجرين من أطفال يعسكرون على امتداد الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. 

هذه الظواهر، وغيرها كثير، لم تتجاوز بعد الذي يبرر هذه الدعوة المحمومة في بعض الكتابات الغربية لاستعادة الاستعمار. يعتقد منظرو هذه الدعوة أن الاستعمار هو "النظام الدولي"الوحيد القادر على إبطاء معدلات تدهور أحوال العالم الثالث، ووقف الحروب الأهلية أو تحريمها كما فعل في إفريقيا في القرن التاسع عشر.  هو أيضا النظام الأقدر على إنقاذ الأغنياء من زحف الفقراء، وفرض "الأمن والسلام"في المواقع الاستراتيجية في العالم، مثل الممرات البحرية والبرية، ومصادر الطاقة والمواد الخام، ومعامل تفريخ العنف والإرهاب.

 أجد لهؤلاء المحللين المتحمسين لاستعادة الاستعمار بعض العذر.  أهمية الطرح الذي يقدمونه يكمن في أنهم في حقيقة الأمر يحذرون وينبهون إلى حقيقة واقعة، وهي أن مسالك عديدة انسدت في وجه جهود تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط تحديدا وأفريقيا ووسط آسيا عموما، وانسدت في وجه جهود رفع الضنك الشديد عن الفقراء وتضييق الفجوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء، وبخاصة بعد أن صارت الفجوة المتفاقمة جزءا أصيلا من "عقيدة"الحالة الدولية القائمة، وصار لها منظّرون يبررون وجودها ويشجعون على تفاقمها ويضغطون ضد مقاومتها.

ماذا يمكن أن يقال؟ بحسن النية أو بغيره، عن الشرق الأوسط الراهن سوى أنه صار أشبه ما يكون بأحوال أفريقيا قبل وصول المستعمر الأبيض. قبائل تتصارع حتى الموت، بشر يباعون ويُشترَوْن ونساء تنتهك أعراضهن وأجيال متعاقبة من أطفال بلا أهل ولا مأوى. شعوب تموت من الجوع والمرض وتخضع في حياتها لهيمنة كهنوت من السحرة والمشعوذين، لا حكومة أو جهة مركزية تفرض الطاعة بدون قمع أو تعذيب أو استهانة بقيمة الإنسان، ولا قانون يحكم ويحتكم إليه الناس، لا أمل في مستقبل.

قد لا يكون هذا الحال حال الشرق الأوسط بكامله، ولكنه بالتأكيد حال بقعة واسعة من الإقليم تزداد اتساعا منذ أن تقرر احتلال أفغانستان وبعدها العراق، ومنذ أن انفرط عقد النظام الإقليمي العربي دون أن يجتمع أعضاؤه على بديل شرق أوسطي أوسع أو بدائل "إقليمية"متعددة، أو حتى على بديل انفراط على أساس كيانات قطرية مستقلة.

وفي قلب الشرق الأوسط، وهي بالفعل في قلبه،تدهورت قضية فلسطين بمعنى التوسع في تهويدها أرضا، وفي تهويد توجهات بعض قيادات النخب السياسية الحاكمة في الوطن العربي. اختارت إسرائيل التعامل مع حكومات المنطقة العربية والإسلامية بمنطق التقاليد الاستعمارية، معتمدة على دعم كافة الدول الغربية.  ولا شك أن التجربة اثبتت نجاحها بدليلين، استقرار الأمن حيث طبقت، وانفجار المقاومة والعنف حيث لم تطبق، كما في غزة.

لذلك لم تكن مفاجأة أن أسمع معلقا أجنبيا يعلق على الدعوة التي تبناها رئيس السلطة الفلسطينية، بمباركة قانونية من الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومباركة سياسية من مجلس الجامعة أعلى مؤسسات القرار في النظام العربي، بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية.  كان أهم ما جاء في تعليقه اعتبار أنها الدليل المؤكد على أن المسؤولين العرب قد توصلوا إلى قناعة قوية لا يعلنونها صراحة ولكن يضمنونها قراراتهم وسياساتهم الخارجية.  وهي أن أساليب الاستعمار القديم ربما كانت الأنجع، أو الوحيدة، للمحافظة على ما تبقى من أرض، وضمان الحد الأدنى من الاستقرار والأمن والتعليم والصحة، ووضع خريطة سياسية جديدة للمنطقة تصلح لقرن قادم أو قرنين، وفي مقابل هذا تتعهد القوى الحاكمة بتأجيل مطالب الكرامة والحرية والاستقلال الوطني.

سمعنا النغمة ذاتها تتردد في واشنطن وعواصم أمريكا الوسطى، وسط الضجة السياسية والإعلامية التي أثارتها قضية نزوح أطفال أمريكا الوسطى إلى الولايات المتحدة.  سمعنا خوان هرنانديز وأوتو بيريز مولينا وشافيز سيرين، رؤساء جمهوريات هندوراس وجواتيمالا والسلفادور، يطلبون من القادة الأمريكيين تحويل المبالغ التي تنفق على حراسة الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، (عشرون مليار دولار)، إلى حكوماتهم للإنفاق منها منفردة أو بإشراف أمريكي على مشروعات التنمية.  قال الرؤساء إن الهجرة تتزايد لأن الفقر يتفاقم، ولأن أمريكا بحربها الطويلة ضد مهربي المخدرات خربت اقتصاد دول أمريكا الوسطى بعد أن خربت اقتصاد كولومبيا والمكسيك. تحادث الرؤساء الثلاثة مع الرئيس أوباما وأعضاء الكونغرس. حاولوا اقناع الأمريكيين بأن الحل موجود وسهل.  الحل الذي يقترحونه هو فتح الحدود الجنوبية في وجه المهاجرين وليس إغلاقها. وقد وجد الرؤساء آذانا صاغية من بعض أعضاء الكونغرس قال أحد هم مبدياً تعاطفه مع المهاجرين: "كلنا أمريكا". نادى آخرون بضرورة استقبال الأطفال المهاجرين ومنحهم حق اللجوء.

 من ناحية أخرى، اشتد ساعد الرافضين للهجرة، ومنهم حاكم ولاية تكساس الذي حشد قوات الحرس الوطني لمنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول البلاد. جاءت المفاجأة الكبرى من الرئيس أوباما الذي ظهر في اجتماعه برؤساء أمريكا الوسطى مكتئبا، وبخاصة حين أعلن استعداد واشنطن منح حق اللجوء إلى الراغبين في الهجرة من أمريكا الوسطى بشرط عدم تغيير محال إقامتهم، ليتمتعوا بمزايا المواطن الأمريكي وحماية الولايات المتحدة وهم في بلادهم، أو على الأقل لحين مغادرتهم البلاد.  أعلن كذلك عن خطة لمواجهة الأزمة تستند إلى فكرتين، إحداهما شن حملات إعلامية لتوعية أهالي أمريكا الوسطى بعدم الهجرة، والثانية فكرة حشد قوات عسكرية أمريكية ومن دول أمريكا الوسطى مهمتها مطاردة العصابات التي تتولى تشجيع الأطفال على الهجرة إلى الولايات المتحدة.

لم تحصل قرارات الرئيس أوباما على رضاء الكثيرين، سواء في الكونغرس الأمريكي أو في دول أمريكا الوسطى، أو على مستوى رؤساء دول أمريكا الجنوبية بشكل عام، بل راح معلقون أمريكيون يسخرون منها باعتبار أنها لم تكن على مستوى الأزمة الحادة التي تواجهها العلاقات بين الأمريكتين.  راحوا أيضا يسخرون من فكرة عودة الولايات المتحدة إلى تبني سياسات استعمارية، حتى أن أحدهم اقترح على الحكومة الأمريكية ترشيح اسماء معينة من كبار نساء ورجال الكونجرس لتولي مناصب "نائب الملك"، أي ممثل الامبراطورية الأمريكية، وأسماء أخرى مناصب وزارة في حكومات المستعمرات التي ستشكلها واشنطن لإدارة شؤون أمريكا الوسطى وغيرها.

الأمر ليس كله هزلا، وليس كله أسود قاتما، وهو في كل الأحوال جد خطير ولابد من تداركه قبل فوات الأوان. أقول، عن منطقتنا على الأقل، إن الأمر جد خطير.  ولدي من الأسباب ما يبرر هذا الرأي، أعرضها باختصار:

أولا: تزداد أحوال الفقراء والفقر عموما سوءاً عاما بعد عام، ولا يقتصر على دولة دون أخرى، فهي متفاقمة في العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا ومصر وفلسطين. لن يفيد طويلا مد أمد المساعدات النقدية وعقد عدد لا نهائي من مؤتمرات المانحين وإقامة مشروعات استثمارية هدفها الربح العاجل ولا تراعي ظروف الفقر الضاغط والاستقطابات السياسية وفساد مختلف المؤسسات.

ثانيا: يزداد اقتناعي بأن النظام الدولي الذي قام في أعقاب الحرب العالمية الثانية دخل بعمق في مرحلة الفشل. أعرف زملاء وأصدقاء يفضلون الرأي القائل إن النظام الدولي، منتهي الصلاحية وانتفي الغرض من وجوده. تزداد المشكلة تعقيدا عندما نكتشف أن لا بديل لهذا النظام تبلور فعلا أو مازال في مرحلة التكوين. نعرف أن في مثل هذه الأوقات الحرجة التي تشهد تحولات في النظام الدولي، تشتد الاضطرابات وتعم الفوضى الإقليمية والدولية وتفشل دول وتنهار أو تضعف مؤسسات وتغيب أعراف دولية. وفي كل الأحوال اعتقد شخصيا أن الاستعمار كنظام دولي يصلح في الظروف الراهنة بديلا للنظام الدولي القائم.

ثالثا: الكثير مما يقال في أزمة النظام الدولي في مرحلة التحول الحالية يمكن أن يقال عن أزمة النظام الإقليمي العربي، وهي الأزمة التي تستحق أن يتفرغ لها على الفور المتخصصون في العلاقات الدولية والعربية وفي التنظيم الدولي. أقول لهؤلاء وللمسؤولين المهتمين بالعمل العربي المشترك، أو على الأقل بمن تبقى منهم ولم يبلغ به اليأس ما بلغ بآخرين، أقول لكل هؤلاء إن الأزمة حقيقية وخطيرة ليس فقط لأنها تعكس حال تفكك إقليمي وانفراط مؤسسي وتنظيمي، ولكن ايضا لأنها تعزز رأي بعض علماء السياسة بأن مشروع الدولة القطرية، وبالتالي مشروع الاستقلال الوطني من أساسه، قد تجاوز هو الآخر مدة صلاحيته.   الدولة القطرية قررت، وإن بتردد ملحوظ، أن تنفرط شيعا وقبائل وأعراقا، قررت أن تعود إلى حالتها الطبيعية قبل أن يتعهدها برعايته وهيمنته الاستعمار الغربي. يبدو أيضا أن بعض النخب السياسية بدأت تبحث عن أشكال عصرية مبتكرة لنظام استعماري يساعدها في إدارة شؤون بلادها، أو يديرها بنفسه.

 رابعا: أذكر أننا دعمنا في وقت من الأوقات جهود دول رائدة في العالم الثالث لإقامة نظام اقتصادي وسياسي جديد يصحح مسيرة النظام الدولي أو ترميم ما تصدع في هياكله.  قامت وسقطت تجربة عدم الانحياز، ونهضت وفشلت تجارب التكتلات الأفريقية الآسيوية، والآن تحاول مجموعة دول البريكس الخمس إقامة نظام دولي فرعي  ينبه ويصحح ويضع شرخا أو أكثر في نظام الهيمنة، ولكن الصعوبات التي تقابل جهود البريكس  هائلة والنجاح يبدو بعيدا جدا.

لا يهم الآن الرأي في حجم الجد والهزل في مضمون وهدف الدعوة لعودة الاستعمار، في شكل أو آخر، لإدارة شؤون دول العالم الثالث. الأمر الواضح تماما هو أن الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط لم تعد تتحمل سلوكيات الفوضى والاسترخاء المستشرية في أداء صناع السياسة العرب. الأمر جد خطير.

الذرة .. كاميرا تسجيل بالصوت والصورة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

 يتألف الكون بما فيه الإنسان والحيوان  والحجر والنبات والهواء والكواكب والنجوم وكل مانستشعره أو نراه ، إن باللمس او الشم أو النظر، بما فيه الماء والهواء والضؤ والنار،  يتألف ويتكون  من ذرات بالغة الصغر لاترى بالعين المجردة بحيث أن الملايين منها قد تجتمع على راس دبوس هو بمثابة ملعب كرة قدم بالنسبة لها . فأنت عندما تمشي لست سوى مجموعة أو كتلة متراصة من الذرات المتجمعة من عناصر متنوعة متعددة، أهمها الكالسيوم والحديد والكربون ، وهي مواد نجمية ، من أصل إثنان وتسعون عنصراً تملأ الأرض وتترابط فيما بينها في مواقع عدة لتكون مركباً كيمائياً يعطيها مظهراً آخر، كما الماء الذي يتكون من إتحاد ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين ، فانتقل بذلك من حالة غازية غير منظورة الى مادة سائلة منظورة وملموسة لالون لها .

   وكل هذه العناصر الذرية باستثناء الهيدروجين وبعض الهليوم كانت قد "طبخت"في نوع ما من السيمياء النجمية قبل مليارات السنين فى مجاهل النجوم وفق تفاعلات نووية حرارية . فالهيدروجين الذي يشكل معظم الكون يندمج مشكلاً الكربون ، والكربون يندمج مشكلاً الأوكسجين ، وبعد ذلك تتعاقب في النجوم الكبيرة إضافات لنوى أخرى من الهليوم ، فيتشكل النيون ، والمغنيزيوم ، والسيليكون،والكبريت ..الخ . وتتم هذه الإضافات على مراحل ، بمعدل بروتونين ونيوترونين في كل مرحلة ، وتستمر هذه العملية وصولاً إلى الحديد .

فالذرة هي حجر الأساس في بناء الكيميائية والمادة بشكل عام ، وهي أصغر جزء يمكن الوصول إليه ويبقى كما هو أثناء التفاعلات الكيميائية .وبذلك فإنه عند الوصول لأي ذرة توجد بمفردها فإن هذه الذرة تعبر عن عنصر معين . وكل عنصر متفرد بعدد البروتونات الموجودة في نواة ذلك العنصر . وكل ذرة لها عدد من الألكترونات مساو لعدد البروتونات ، وفي حالة عدم وجود هذا التساوي تسمى الذرة بالأيون . ويمكن لذرات نفس العنصر أن تحتوى على عدد مختلف من النيوترونات . والذرات التي لها أعداد مختلفة من النيوترونات تسمى نظير هذا العنصر.

 أما مالذي يعطي لكل ذرة شخصيتها ويميزها عن مثيلاتها لمواد أخرى ، فلا يندمج مثلاً الخشب مع الحديد ولا القماش مع الذهب ، كما مواد أخرى متعددة لاتنتهي مع تشابه الذرات في الشكل ، فلأن هناك أختلافات في المحتوى ؛ فنواة كل ذرة تحتوى نواة أخرى أصغر منها ، وهكذا دواليك بارقام لاتنتهي ولايمكن احتسابها ؛ كمن يقف أمام مرأة وخلفه مرأة أخرى فيرى تكراراً لوجهه وجسده الى مالانهاية .

    وهكذا النواة ، إلا أن تكرارها يحمل مهمات عدة كالبصمة الوراثية بحيث لاتتشابه دور ومهمات  ذرة مادة ما مع ذرة مادة أخرى مما يعطيها شخصيتها المستقلة . كما وأن لكل حقلها المغناطيسي الخاص بها واختصاص اللون والطعم والرائحة بتأثيراتها على الألكترونات واتحاد مادة ما أو اندماجها مع مواد أخرى لتشكيل حالة جديدة وفق مناخ ملائم لحالة كل مادة .

وهذه البصمة الوراثية هي التي تحدد نوع النباتات والزهور  والروائح والعطور  والألوان وسائر المخلوقات على وجه الأرض والفضاء وسائر الكون .

وهكذا فإن الذرة على دقة حجمها المتناهي في الصغر ، إن في الأرض او جسم الإنسان أو الحيوان أو الهواء أوالماء ، أو في أي مكان فإن تركيبتها وفق البصمة الوراثية أشبه بآلة مسجلة وكاميرا تلفزيونية تصور كل ماحولها إلى ماشاء الله .

ولو استطاع الإنسان أن يتوصل الى فك تركيبة الذرة وكيفية تشغيلها لاستحضر التاريخ القديم والبعيد من حبة رمل في سرد شيق بالصوت والصورة لكل ماجرى من أحداث ؟!
وكذلك لو أخذت ذرة من شخص ميت قبل مئات أو ألآف السنين لسردت كل حوار تحدث به هذا الإنسان مع الآخرين ومع نفسه طوال حياته مع صوت وصورة ؟!
فهل يتوصل الإنسان الى شفك شيفرة الذرة ليعيد كتابة التاريخ بالإستماع للعظماء والقادة بأخذ ذرة من جثامينهم أو ذرة عن الأرض من حيث مسقط رأسهم .

لذلك ستشهد ذرات الإنسان عليه يوم القيامة بالصوت والصورة وفق قوله تعالى :
"يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون".

 

 

 


شراء الديون المعدمة للأرجنتين، ثم ابتزازها

$
0
0

شركة إليوت تحاول ابتزاز الأرجنتين بتهديدها بإيصالها للإفلاس عبر قضيتين، في نيويورك ولندن، لتحصيل 4 مليار دولار على سندات ديون معدومة اشترتها إليوت بمبلغ 13 مليون دولار في 2006.

لم تفلس دول رسمياً إلا مصر (1877) والأرجنتين (2001).

ببساطة الأرجنتين كانت في أزمة اقتصادية خانقة في أواخر التسعينات، اضطرت معه لطرح سندات بسعر فائدة هائل 12-20% لاجتذاب مشترين للسندات (أي مقرضين للدولة). سبب ارتفاع الفائدة هو لانخفاض الثقة في قدرة الدولة على سداد تلك الالتزامات حين يأتي موعد سدادها. لذلك فتلك السندات يكون سعر تداولها في بورصات السندات في العالم أقل من قيمتها الاسمية. ويتغير سعر كل سند بتغير أخبار وأوضاع الجهة المصدرة للسند. ولزيادة الترغيب في شراء سنداتها، أعلنت الأرجنتين، ككل دول العالم الثالث حين تطرح سندات سيادية في الأسواق العالمية، بأن السندات تخضع لقوانين ولاية نيويورك (للسندات المطروحة في نيويورك) وتخضع للقانون الإنجليزي (للسندات المطروحة في لندن).

وفي عام 2001 أعلنت الأرجنتين عجزها عن سداد التزاماتها المالية، ومنها السندات. فأصبحت الدولة رسمياً "مفلسة". 
نتيجة لإشهار الإفلاس، فقد انخفض سعر السندات الأرجنتينية في بورصة السندات إلى نحو 2-3 سنت للدولار، أي أصبح في مقدورك شراء سند بنحو 2% من قيمته الاسمية، بالرغم من أن القيمة الاسمية أعلى كثيرا، وفوقها كان هناك التزام (انكسر) بسداد كوبونات فائدة عالية 12-20%.

وفي عام 2006، أي بعد إفلاس الأرجنتين، اشترت شركة إليوت مندجمنت كماً من سندات الأرجنتين السيادية، التي كانت الدولة قد توقفت عن سدادها، بقيمة اسمية قدرها 650 مليون دولار. أي أن إليوت دفعت فيها نحو 13 مليون دولار.

في عام 2010، تحسنت الأحوال الاقتصادية للأرجنتين، وقامت الدولة بعملية إعادة هيكلة للديون. واعادة الهيكلة، كما يجري في "نادي باريس"، ببساطة هي أن تطرح الدولة على حملة السندات القديمة تبديلها بسندات جديدة بقيمة أقل. وفي حالة الأرجنتين، كان التبديل يعني منح حملة السندات ثلث (33%) القيمة الاسمية القديمة. وافق حملة 98% من السندات على العرض الجديد، ولم يرفضه إلا شركة إليوت مندجمنت، التي طالبت بأكثر من ضعف العرض. فرفضت الأرجنتين.

رفعت إليوت قضايا على حكومة الأرجنتين في لندن ونيويورك. أيدت محكمة لندن شركة إليوت في حقها في الحصول على القيمة الكاملة للسند زائد الفوائد. وأضافت المحكمة البريطانية أنه يحق لشركة إليوت احتجاز أي أصول ملك الدولة الأرجنتينية بما يصل قيمته إلى المبلغ المطلوب.

في نوفمبر 2012، قامت شركة إليوت باستئجار شركة أمنية بريطانية يملكها مارك ثاتشر. وقامت تلك الشركة في نفس الشهر بالاستيلاء في غانا على سفينة تدريب تابعة لسلاح البحرية الأرجنتينية، على متنها 200 جندي تحت التدريب. تقدمت الأرجنتين بشكوى عاجلة للجنة قانون البحار الدولي في الأمم المتحدة، وحصلت على قرار فوري بالاجماع بضرورة أن يخلي المختطفون السفينة الحربية الأرجنتينية، وهو ما فعلوه بعد شهر.

الأرجنتين في وضع اقتصادي مستقر، وتقوم بسداد التزاماتها المالية في أوقاتها المحددة؛ إلا أنها ترفض الرضوخ لابتزاز شركة إليوت.

ولعل الأرجنتين في طرحها للسندات في عامي 2000-2001 حسب القانونين الأمريكي والإنجليزي، لم تكن تتوقع كل هذه المتاعب القانونية. فها هما القضائين الأمريكي والبريطاني يصدرا أحكاماً ضد الأرجنتين حتى يتم اعتبارها في وضع المتخلف عن سداد التزاماته.

المشكلة ليست محصورة في قاضي واحد، كما يحلو للصحافة غير الأمريكية تصويرها. فهناك قاضي محكمة نيويورك الابتدائية في مارس 2012، ثم القاضي البريطاني في نوفمبر 2012 ثم قاضي ابتدائي بنيويورك في 2013، ثم قاضي الاستئناف الأمريكي 2014
ثم توجيه وزارة العدل الأمريكية للمحكمة ألا تخاف من ادانة دولة الأرجنتين.

الأرجنتين تعلم أنها لو رضخت لضغط إليوت فسيتراجع جميع الدائنين ليطالبوا بضعف ما رضوا به في 2012. مما يضاعف ديون الأرجنتين، وفي تلك الحالة يصبح الإفلاس خطرا حقيقياً.

 

في 30 يوليو 2014 كان موعد استحقاق كوبون للسندات الأرجنتينية، وقد قامت الحكومة الأرجنتينية بتحويل المبلغ المطلوب، 560 مليون $ إلى بنك نيويورك بهدف التوزيع، إلا أن قاضي بمحكمة ابتدائية بنيويورك حكم بألا يُصرف المبلغ حتى يشمل الدفع سداد 4 مليار $إلى شركة إليوت مندجمنت (على دين اشترته إليوت بنحو 13 مليون $). الأرجنتين رفضت، وبذل حملة السندات وخصوصا صندوق المعاشات الإيطالي وشركة ربسول النفطية الاسبانية ضغوطاً على المحكمة لأن وقف الصرف سيلحق ضررا بالغا بالاقتصادين الإيطالي والاسباني. فقررت المحكمة صرف الكوبون مع اعطاء الأرجنتين مهلة أسبوع لتسوية الوضع مع إليوت قبل البت في وضع الأرجنتين من حيث اعتبارها "متخلفة عن السداد"أم لا. 


أما عن عدد مرات تخلف الارجنتين عن سداد قسط لدين فقد تخلفت عن السداد 7 مرات في المئتي سنة الماضية. ولكن مثلها في ذلك مثل عشرات الدول، ومنهم مصر في 1984. طالع قائمة مفصلة في مقال 

http://www.marefa.org/index.php/افلاس_سيادي

التفاصيل كثيرة ومثيرة ، ولها تشابه كبير مع ما حدث ويحدث وسيحدث في مصر.

اقرؤوا المقال في المعرفة عن إليوت مندجمنت

http://www.marefa.org/index.php/إليوت_مندجمنت_كورپوريشن

الانتخابات الرئاسية التركية 2014

$
0
0

تتأهب تركيا لموعد الانتخابات الرئاسية يوم الأحد القادم، حيث ستجرى الجولة الأولى من الانتخابات، على أن تجرى الجولة الثانية بعدها بأسبوعين في حال فشل أي مرشح في حيازة خمسين في المئة من الأصوات زائد واحدا. في هذه الحالة سيدخل المرشحان الحاصلان على أعلى الأصوات جولة الإعادة المقرر أن تجرى يوم 24 أغسطس/آب الجاري، ليفوز بالانتخابات المرشح الحاصل على أكثر الأصوات. يلزم المرشح طبقاً للدستور التركي أن تكون سنه أربعين عاماً أو أكثر في تاريخ الانتخابات وأن يكون حاصلا على مؤهل جامعي ويملك الشرائط اللازمة للترشح للبرلمان (ليس بالضرورة أن يكون عضوا في البرلمان الحالي)، ولكن يتعين على المرشح الحصول على توقيعات عشرين عضوا بالبرلمان لاعلان ترشحه. تجرى هذه الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى باقتراع مباشر من الشعب، طبقاً للاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي قدمه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم العام 2007، وكان الرؤساء الأتراك ينتخبون سابقاً من نواب البرلمان مباشرة. يتنافس ثلاثة مرشحين في الانتخابات الرئاسية 2014: رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الحالي واليميني صاحب الطموح العارم، وأكمل الدين إحسان أوغلو السكرتير العام السابق «لمنظمة التعاون الإسلامي» الأكاديمي الوسطي، وصلاح الدين دميرتاش عضو البرلمان التركي عن حزب «الديمقراطية الشعبية» واليساري المغمور.

تاريخ الانتخابات الرئاسية التركية

عرفت تركيا منذ تأسيس الجمهورية العام 1923، الرؤساء التالية أسماؤهم: مصطفى كمال أتاتورك في الفترة من 1923 حتى 1938، وعصمت إينونو في الفترة من 1938 وحتى 1950، وجلال بايار في الفترة من 1950 وحتى 1960، وجمال غورسيل في الفترة من 1961 وحتى 1966، وجودت سوناي من 1966 وحتى 1973، وفخري كوروتورك 1973 حتى 1980، وكنعان إفرين من 1982 وحتى 1989، وتورغوت أوزال من 1989 حتى 1993، وسليمان ديميريل من 1993 حتى 2000، وأحمدت نجدت سيزر من 2000 حتى 2007، وعبد الله غول من 2007 وحتى 2014. بخلاف رؤساء موقتين حلوا محل رؤساء متوفين أو مقعدين حتى نهاية المدة الرئاسية، مثل مصطفى عبد الخالق ريندا الذي تولى المنصب ليوم واحد بعد وفاة أتاتورك وقبل انتخاب عصمت إينونو، وإبراهيم شوقي أتاساغون الذي حل محل جمال غورسيل لأسباب صحية لمدة شهرين، وإحسان صبري شاغلايانغيل الذي حل محل فخري كوروتورك بعد الإنقلاب العسكري، وحسام الدين شيندورك الذي حل محل تورغوت أوزال بعد وفاته وحتى نهاية ولايته لفترة شهر واحد فقط العام 1993.

اليساري المغمور

يعد صلاح الدين دميرتاش مرشح «غيزي بارك»، أي الانتفاضة الشهيرة التي عرفتها اسطنبول العام 2012 للاحتجاج على هدم حديقة بهذا الاسم، وتطورت لتشمل احتجاجات واضطرابات هي الأعنف في تاريخ حكومة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم اعتراضاً على سياسات أردوغان. يحظى دميرتاش الناشط الحقوقي بتأييد الأقلية الكردية في تركيا ودوائر اليسار المعادية لتوجهات أردوغان الشمولية والمحافظة. ولد دميرتاش في ديار بكر ذات الغالبية الكردية العام 1973، ودرس الحقوق في جامعة أنقره. يبني الشاب دميرتاش على نفور قطاعات تركية من الطابع الشمولي المتزايد لشخصية أردوغان، وكتب موقعه الإلكتروني لحملة دميرتاش الانتخابية أن أردوغان «لا يعكس التعددية والتنوع التركيين». يشتكي دميرتاش من انحياز الإعلام التركي الرسمي لأردوغان وبالأخص قناة «تي أر تي» الرسمية، برغم حقه كمرشح رئاسي في أوقات بث متساوية. نقطة الضعف الرئيسية في حملة دميرتاش أن دوائر المصالح الاقتصادية الكبرى في تركيا لا تحبذه وتفضل أيا من أردوغان أو إحسان أوغلو عليه، وهو ما ينعكس في التبرعات الهزيلة لحملته الانتخابية والتي لم تتجاوز مليون ليرة تركية. يجسد «نداء من أجل حياة جديدة» شعار حملة دميرتاش الانتخابية، المهمة في رمزيتها السياسية، لأن دميرتاش مرشح الأكراد واليسار الراديكالي ـ بحسب كل استطلاعات الرأي التي أجريت في تركيا ـ يحل في المرتبة الثالثة بفارق كبير بعد أكمل الدين إحسان أوغلو. على كل حال، لن يبقى دميرتاش مغموراً بعد الانتخابات الرئاسية، إذ سيصبح بعدها وبغض النظر عن النتيجة أحد رموز الحياة السياسية التركية.

الوسطي الأكاديمي

ولد أكمل الدين إحسان أوغلو في القاهرة العام 1943 لعائلة تركية، درس العلوم في جامعة عين شمس وتخرج منها العام 1966. حصل على الدكتوراه من أنقره العام 1974 وتخصص في العلاقة بين العلم والدين وتاريخ العلوم وعمل أستاذا زائرا في جامعات تركية وأوروبية. بعدها عمل لمدة عشر سنوات سكرتيرا عاما «لمنظمة التعاون الإسلامي»، كأول تركي يشغل هذا المنصب. نقطة القوة في حملة إحسان أوغلو ليس سجله السياسي، إذ لم يعرف عنه نشاط سياسي حزبي طيلة حياته، وإنما لكونه مرشح المعارضة التركية ممثلة في حزب «الحركة القومية» اليميني وحزب «الشعب الجمهوري» اليساري في مواجهة أردوغان. عند إعلان ترشح إحسان أوغلو لمنصب رئاسة الجمهورية التركية، خرج كمال كيليشيدار أوغلو زعيم حزب «الشعب الجمهوري» على الأتراك يداً بيد مع دولت باهشلي زعيم حزب «الحركة القومية» ليقول: «نقترح اسما سيوافق عليه كل شخص وسيصنع نموذجا بسمعته وإخلاصه وعلمه وخبرته: أكمل الدين إحسان أوغلو». سيحصل إحسان أوغلو على أصوات المؤيدين للحزبين، وربما أيضاً على أصوات إسلامية لم تعد ترى في أردوغان رمزها المفضل. ولقدرته النظرية على استمالة أصوات إسلامية، فقد قرر حزبا المعارضة ترشيحه في إجماع نادر بينهما. وفقاً للمعطيات القائمة، فقد ضمن إحسان أوغلو ـ على الأرجح ـ المركز الثاني في السباق، وربما يفجر المفاجأة ويدخل دورة إعادة مع أردوغان. ببساطة يمكن القول ان إحسان أوغلو هو مرشح اللحظة أو المرة الواحدة، إذ لا شعبية مخصوصة لديه وجاء ترشحه لاعتبـارات تكتيكـية وتوافقـية وليس لحيثياته الشخصية في حد ذاتها.

اليميني الطموح

ولد رجب طيب أردوغان العام 1954 في مدينة ريزه الساحلية على البحر الأسود، لأسرة ذات أصول جورجية. عمل أبوه في خفر السواحل التركية وانتقلت عائلته إلى اسطنبول وعمر رجب طيب حوالي ثلاثة عشر عاماً، فعمل بائعاً متجولاً للسميط والليموناضة، كي يعاون نفسه على تكاليف معيشته. تخرج أردوغان من جامعة مرمرة في كلية التجارة والاقتصاد العام 1981، وقبلها من مدرسة «إمام خطيب» الدينية. دخل أردوغان حلبة السياسة مبكراً، وصعد أول درجات السلم مع توليه منصب محافظ اسطنبول خلال الفترة الواقعة بين 1994 وحتى 1998. دخل رجب طيب السجن لترديده أبياتاً من الشعر، اعتبرتها المحكمة متصادمة مع الأسس العلمانية للجمهورية، وهناك في السجن اختمرت فكرة الانفصال عن معلمه نجم الدين أربكان وتكوين حزب إسلامي معتدل. فاز حزبه في الانتخابات البرلمانية العام 2003، ومن وقتها يشغل أردوغان منصب رئيس الوزراء.
إذا فاز أردوغان بالرئاسة كما هو راجح، فسيقوم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي يملك الأغلبية في البرلمان باختيار بديل له في رئاسة الوزراء، وربما تجرى انتخابات برلمانية مبكرة (مقرر لها منتصف حزيران 2015) لحسم تشكيلة البرلمان وهوية رئيس الوزراء القادم. إذا خسر أردوغان الانتخابات الرئاسية فسيظل محتفظاً بموقعه كرئيس للوزراء ولا حاجة دستورية له كي يستقيل من منصبه بغرض الترشح لانتخابات الرئاسة. المرجح أن يتداخل أردوغان كرئيس للجمهورية في الشأن السياسي بفعالية، على خلاف الرؤساء السابقين، وهو لم يخف أبداً طموحه القاضي بتعديل النظام السياسي التركي لتصبح تركيا دولة رئاسية وليست برلمانية كما هو الحال الآن. ما زال أردوغان متمتعاً بتأييد واسع من جمهور حزب «العدالة والتنمية»، وبمساندة الشطر الأكبر من النخبة الاقتصادية التركية التي تراه مرشحها المفضل.

الخلاصة

لن تؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية التركية في سياسية تركيا الخارجية في حال فوز أردوغان، إذ ستستمر سائرة في إطارها العثماني الجديد بوجود أردوغان في الرئاسة وبترشيح رئيس جديد للوزراء يرضى عنه أردوغان ويسير في ركابه. ما سيتغير حكماً هو تشكيلة النظام السياسي التركي، الذي سيميل أكثر فأكثر إلى النظام الرئاسي وليس البرلماني، وإلى شخصنة متزايدة للسياسة لم تعرفها تركيا منذ وفاة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. ستذهب نسبة الأصوات التي سيحرزها أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة مؤشراً على سرعته في إحداث التغيير بالنظام السياسي التركي نحو الجمهورية الرئاسية، إذ كلما زادت الأصوات المؤيدة له ارتفعت وتيرة التغيير المرتقب. وسواء اختلفت أم اتفقت مع أردوغان وسياساته، سيشكل فوزه بانتخابات الرئاسة التركية فصلاً جديداً من تاريخ النظام السياسي التركي وسيدخل أردوغان التاريخ بوصفه أحد أكثر الزعماء السياسيين إشكالية وطموحاً في تاريخ الجمهورية التركية. بدوره، يجسد طموح أردوغان السياسي مفارقة نادرة، إذ كلما تحقق ذلك الطموح وترسخت تلك الشخصنة السياسية وتماهى النظام السياسي مع شخصه، اقتربت تركيا أكثر فأكثر من السياق العام في الشرق الأوسط!

الفلاح المصري

$
0
0

يتعجب المرء لدي مطالعة تاريخ مصر تعجبا شديدا. فهذا التاريخ ملىء بحالات من الهبوط الحاد ثم عودة الصعود البطيء بعد أن يكون اليأس قد تملك النفوس وأصبح كل شىء ملفوفا في ظلام الفوضى وعتمة المجهول.

وهذه الظاهرة ليس لها تفسير عقلاني يمكن الإمساك به، فالمجتمعات تتغير وتتبدل باستمرار وتصعد وتهبط مع مرور الزمان، إلا أن المجتمع المصري كان دائما يدور حول نفس النقطة تقريبا يتحرك حولها ولا يراوحها. فما هو السبب؟

أولا لابد من تحديد المقصود بمصطلح المجتمع المصري حيث أن هناك عدة مجتمعات. فهناك المجتمع الزراعي وهناك مجتعات لا زراعية ولكنها تقيم فى قرى كالصيادين، وهناك بالطبع مجتمع المدن الكبري القاهرة والأسكندرية وأسيوط  ثم أن هناك البدو وقاطني الصحراء.

والمجتمع المؤثر فعلا فى الحياة الإقتصادية من بين كل تلك المجتمعات هو المجتمع الزراعي، إذ أن مصر التي درج على تسميتها أم الدنيا فى ذلك الزمان كانت لا تعرف للطعام إلا مصدرا واحدا هو الإنتاج الزراعي المحلي. قد تستورد الحرير من الهند أو المنسوجات القطنية أو الآلات من أوروبا ولكن الطعام كان حكرا على الأداء الزراعي المحلي.

وهذا الإحتكار الزراعي لمصر كان واقعا في يد نفس الشخصية التي لم تتغير فعلا عبر الزمان، شخصية الفلاح المصري.

ولهذا فلابد من فحص أغوار هذه الشخصية لكي نفهم دوافعها وبواعثها على التصرف خلال كل هذا التاريخ الطويل الذي لم يغير فيها شيئا لحوالي 55 قرنا من الزمان..

 

في ألمانيا يقولون ما لا يعرفه الفلاح من طعام لا يضعه فى فمه.

Was der Bauer nicht kennt, frisst der Bauer nicht.

 وهذا المثل عن الفلاح الألماني يطلق من قبيل السخرية ممن لا يريدون تجربة أي شىء جديد ويتخوفون من المجازفة، ولكنه واقعي للغاية وهو أيضا منطبق على الفلاح المصري الذى هو فى حقيقته عاشق للمكسب والربح، إلا أنه لا يري مجالا للربح فى أي نشاط غير النشاط الزراعي، إذ أن هذا هو ما يفهم فيه وفيما يتعلق به يثق فى نفسه وفى خبراته الشخصية التي تضمن نجاح مشروعه.

فالزراعة وكل ما يتعلق بها من شئون مثل تربية الحيوانات المنزلية النافعة والتصنيع البسيط للمنتجات الغذائية هي المجال الوحيد الذى لا يتخوف الفلاح من الدخول فيه، إذ أنه بطبعه حريص ومتمسك بالمدخرات والأصول لا يفرط فيها ابدا.

ونتيجة لهذه الصفة التي تقصر نشاط الفلاح على الزراعة فإن حب الأرض يكاد يكون حب العاشقين.

وليس المقصود هنا هو الأحاديث الرومانسية عن إرتباط الفلاح بالأرض وأنه يعاملها كالمحبوبة وهذا الهراء الذى يتشدق به مثقفو القاهرة والمدن، لكن المقصود هو عدم التفريط بأي شكل من الاشكال فى الأرض.

فالفلاح قد يرهن الأرض، لكنه أبدا لا يبيعها، وهو يحرص دائما على أن يكون أحد أبنائه فلاحا حتي يرث الأرض من بعده ولا يدخل إليها غريب. وإن لم يكن له ولد ذكر فإن زوج إبنته يتم إختياره من خلال معيار نفعه أو ضرره للأرض.

وهذا الإرتباط بين الفلاح والأرض هو ما ينبغي أن نقف أمامه بالتأمل.

 

فالفلاح المصري مهووس بامتلاك الأرض كلما اذن له الزمان بذلك. وهو لا يمتلكها أبدا بغرض التجارة أو إعادة البيع بعد أن ترتفع قيمتها، أبدا، بل هو إن تملكها ففي ذهنه أنه إمتلاك إلى الأبد لا تنفصم عراه إلا يوم القيامة، إن كان ليوم القيامة وجود. فيوم القيامة فى علم الغيب أما الأرض فهي فى علم الحاضر المعلوم.

وفى الموجة العاتية لبناء عنابر الدواجن فى السبعينات كان الفلاحون من الجيل الجديد يحاربون آباءهم من الحرس القديم حتي يسمح الأب لإبنه باستقطاع مساحة لن تزيد على قيراطا أو قيراط ونصف من الحيازة لكي يبني عليها عنبرا "بالطوب الأحمر والأسمنت"لإيواء الكتاكيت وتربيتها بهدف البيع المربح إقتصاديا. وكان كل هم الأب هو أن الأرض لو دخلها الأسمنت فسوف تفسد ولن تصلح فيما بعد للزراعة.

أى أن الهدف من إمتلاك الأرض هو الزراعة بصفة اساسية وتربية الحيوان بصفة ثانوية ولا شىء غير ذلك. ولو أن تربية الحيوان (هنا الدواجن) سوف تتسبب فى إفساد الصفة الزراعية للأرض (بالاسمنت)  فلا مجال للمناقشة، المشروع مرفوض.!!

ويبدو والله أعلم أن عملية الزراعة ومعاشرة النبات ينمو يوميا هي عملية تسبب نوعا من الإدمان لدي الفلاحين حيث أنهم يصبحوا بعد عدة مواسم زراعية غير قادرين على تصور أى عمل آخر سواء داخل الأرض، وبالطبع ومن باب أولي خارجها.

وأظن أن هذا الإدمان - الذى هو فى حقيقته إدمان جيد جدا ومفيد للغاية -  كان هو الذى قام بمهمة تثبيت السفينة المصرية قرونا عديدة في وجه كل هذه العواصف والأعاصير التي هبت علي البلاد خلال 55 قرنا هي كل تاريخها المكتوب. فالإكتفاء الذاتي من المواد الغذائية هو عامل حاسم وجوهرى فى السلام الإجتماعي حتي ولو كان هناك قدر هائل من سوء توزيع الثروة، ولكنلا أحد يموت من الجوع، كما يقول الفلاحون حتي يومنا هذا.. وهو نموذج مصري متميز..

ففى الصين مثلا خرج ماوتسي تونج بفكرة مشروع القفزة الهائلة إلى الأمام فى نهاية الخمسينات والتي كان محتواها أن تتغير التركيبة الإقتصادية للريف الصيني من الزراعة إلى الوحدات الصناعية المنتجة فأنشئ فى كل قرية فرن عالي بدائى لصهر الحديد وإستخراج الصلب وقام الحزب بتوجيه الفلاحين إلى التخلص من الأدوات الزراعية المعدنية بإلقائها فى هذا الفرن العالي لأن المستقبل هو فى التصنيع.!!

وبالطبع عندما أهملت الزراعة وبارت الأرض وقعت مجاعة هائلة هي أكبر مجاعة فى التاريخ الإنساني راح ضحيتها ما لا يقل عن 40 مليون شخص إضطر فيها الناس إلى أكل الفئران ولحاء الشجر وبيع أطفالهم وكان حجم الكارثة غير مسبوق.

ونهجا كهذا لا يمكن له أن ينجح فى مصر، ذلك أن الفلاح المصري الذى يطيب للبعض أن يسميه الفلاح الفصيح يعلم أهمية الزراعة وجدوى الأرض ولا يفرط فى معداته الزراعية التي تعينه على نوازل الدهر.

وكنت قد كتبت لكم من قبل عن التقرير الذى بعث به أغاخان عقب زيارته لمصر فى بداية الحرب العالمية الأولي (كان يكتب تقريره لإنجلترا التي أرسلته)  إذ كتب يقول أن سر قوة مصر الحقيقية هم الفلاحون الذين يعملون على إنتاج الطعام، وأن هؤلاء هم من نريدأن نكسبهم إلى صفنا لكي يقتنعوا بدخول الحرب إلى جانب الإمبراطورية..

أى أن المركز الحقيقي للثقل المصري لا يقع إلا فى الزراعة التي يقوم بها الفلاح.

وجميع الثروات التي بناها المصريون فى الأوقات التقليدية كانت من الزراعة وما يرتبط بها من الأنشطة.

وأهل الريف هم من كانوا يتملكون العقارات الغالية فى القاهرة والأسكندرية من عوائد ممارسة الزراعة، وكانوا يأتون بأهل المدن للعمل فى هذه المنازل كخدم ومحاسيب وتابعين وشماشرجية.

فجميع زعماء مصر قبل الحركة المباركة عام 52 كانوا من ملاك الأراضي الزراعية الذين إستثمروا جانبا من الثروة لكي ينتقلوا إلى القاهرة أو الاسكندرية عن طريق شراء عقار يسكنونه بعض الوقت ويسكنون الريف البعض الآخر من الوقت. ولكن هذه الطائفة ليست هي محل الحديث هنا..

 

لو جاز للمرء إستعمال مصطلح الأصلي والفرعي فى مجال الأديان  لصح القول أن الدين الأصلي للفلاح هو الأرض وخدمتها والعمل لصالحها. ثم بعد الإيمان بهذا الدين الاصلي والتسليم به وممارسة طقوسه على الوجه الأكمل قد يأتي الدين الفرعي وهو الإسلام مثلا أو المسيحية أو قبلهما الديانات التي كانت سائدة فى مصر القديمة.

أعلم أن هذا التقسيم سوف يثير غضب البعض ولكنني كما أسلفت أعبر عن رؤيتي الخاصة التي لا تلزم أحدا.

وبيان ذلك إن الفلاحين فى مصر ليسوا موغلين فى التدين كما تصورهم الروايات السينمائية والقصص المكتوبة فى نوادي القاهرة أو على بلاجات الاسكندرية. فالفلاح لا يزكي مثلا ولا يذهب للحج إلا كل أربعة أو خمسة أجيال، إن ذهب. والصلاة ليست هامة جدا بالنسبة إليه كما نراها فى الأفلام. وكما أن الإفطار فى رمضان ليس سببا فى الإستهزاء منه، كذلك فإن الصوم ليس باعثا على مزيد من الإحترام.

فالباعث على الإستهزاء مثلا هو إرتكاب كبري الجرائم مثل بيع الارض، وهنا يستخدم كثيرا لفظ "خايب"حيث أن بيع الأرض هو "خيابة".. أو يمكن أن يكون الباعث على الإستهزاء هو الفشل فى الأمور الاصغر مثل التعرض للخداع فى صفقة بيع حمار أو عدم توخي الحرص فى شراء جاموسة يتضح فيما بعد أنها مريضة. وهذه أيضا تقع فى باب "الخيابة".. أو حتي التعرض للغش البسيط عند الحداد لدي شراء فأس أو جاروف لخدمة الأرض، وهي أيضا "خيابة"!!  و هذه الدرجات من "الخيابة"فى القضايا الدنيوية هي التي تجلب الإستهزاء، أما أمور الدين فهي جد ثانوية لا تلفت النظر.

أما علي جانب المعاملات فالفلاح لا يعترف مثلا بالنظام الإسلامي للمواريث إذ أن له نظاما خاصا به لا يحيد عنه،الأرض للذكور..

 

وفى ذلك ما فيه من مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية، ولكن من الذي يهتم بذلك من الفلاحين؟ إذ أن الدين الأصلي ينص على ذلك بينما لا ينص على التوزيع بين الذكور والإناث سوي ذلك الدينالآخر صاحب الإختصاصالفرعي، وبالتالي لا تطبق إلا أحكام الدين الأصلي،دين الأرض !!!

وقد كتب كثيرون جدا عن لؤم الفلاحين وكيف أنهم لا يقولون الصدق إلا إضطرارا وأنهم أصحاب إبتسامة صفراء تخفي ما تخفيه. وهذا الكلام هو إلى حد بعيد صحيح، ولكن أسبابه تتعلق كما هو واضح بالقهر السياسي الذى رأي الفلاح أن مقاومته غير مجدية وبالتالي قرر أن يلتف من حوله بهذه الطريقة الملتوية حتي لا يصطدم به، وبالطبع فإن كل ما يهمه من أمر هذا القهر هو ألا يتعدي الحاكم القهري على قرة عين الفلاح: الأرض.. وهذا اللؤم الذي ينسب عن حق إلى الفلاح هو ليس صفة قاصرة عليه وحده، بل هو يتشارك فيها مع كل أفراد المجتمع المصري ممن يتعرضون للظلم البين ولا يريدون لحياتهم أن تنتهي فى السجن أو على عود المشنقة، أضف إلى ذلك أن للفلاح هم إضافى هو هم المحافظة على الأرض، حيث أنه لو دخل السجن، وهو أمر لا يعبأ به الفلاح كثيرا، إما سوف تبور الأرض أو أنها ستصبح محلا لاستيلاء الآخرين عليها، وهذه هي الكارثة المحققة وليس فقدان الحرية فى ذاته كما نتصور نحن أبناء المدن.

وهذه الظاهرة هي سبب تفضيل كثير من الفلاحين الحبس لمدة بسيطة قد تصل إلى عام بسبب التهرب من الخدمة العسكرية مثلا على دفع الغرامة المالية، ليس فقط بسبب الفقر وعدم القدرة، بل بسبب الإطمئنان إلى أن الأرض سوف تكون محل عناية أخيه أو أبيه أو إبن عمه أثناء وجوده لتلك الفترة البسيطة فى الحبس.

والآن وقد تعرفنا على طبيعة تلك العلاقة العضوية بين الفلاح والأرض، علينا أن نبحث عن آثارها فى الحياة المصرية الحاضرة..

 

وهنا نبدأ حديث الكوارث..

خصخصة قناة السويس

$
0
0

خصخصة قناة السويس 

أعلن الرئيس السيسي في 6 أغسطس عن مشروع إنشاء ما أسماه "قناة السويس الجديدة". وهو بداية صغيرة جيدة، نرجو أن يكون باكورة لمشاريع عدة لتحريك عجلة الاقتصاد المصري بعد طول ركود. ولكن هناك قضايا وتساؤلات خطيرة.

 

المشروع:

تفريعة شرقية لازدواج قناة السويس بين البلاح (الكيلو 60 [من بورسعيد]) والمدخل الشمالي لبحيرة تمساح (الكيلو 90)، أي بطول 30 كيلومتر. كما يضم المشروع تكريك (تعميق) أماكن لركن سفن قافلة الشمال عرضياً في بحيرة تمساح حتى تمر سفن قافلة الجنوب. وتقدّر هيئة قناة السويس إجمالي أطوال مواضع الركن العرض للسفن بنحو 42 كيلومتر.

  

هذا هو الممكن والمتاح

وهو الأمر الممكن مالياً فتكلفة حفر 30 كيلومتر في الرمل ليست بالأمر المعضل للدولة (وأن كنا سنناقش تمويل المشروع لاحقاً). كما وأنه بعد طول ثرثرة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين عن تنمية محور قناة السويس، فإن ازدواج كل أو جزء من المجري الملاحي للقناة هو المتاح تعاقدياً، فالمدخل الشمالي قد تم تأجيره في 2009 لمدة 49 سنة لشركة ميرسك الدنماركية (بسمسرة قطرية). والمدخل الجنوبي تم تأجيره في 2009 لمدة 49 سنة لشركة بي آند أو البريطانية (التي أصبحت دبي العالمية للموانئ). فلم يبقى سوى المجري الملاحي للقناة.

استهل الرئيس السيسي سرده لقصة المشروع بأنه طلب من البنك الدولي ترشيح شركة لتقييم العروض الهندسية المقدمة لمشروع تطوير قناة السويس. ولما كانت الحلول السياسية وليست الهندسية هي تخصص البنك الدولي، ولتطرق الرئيس في نفس الفقرة من خطابه لأهمية إنجاز شبكة الطرق الجديدة (الخاصة بالتقسيم الجديد للمحافظات) في خلال عام، ثم تطرقه في نفس الفقرة لأهمية ترشيد استهلاك مياه الري. ثم ختم تلك الفقرة بوجوب استعداد المصريين لتحمل ثلاث سنوات من شح المياه أثناء مل خزان سد النهضة - وذلك يعني أننا رضخنا لمطالب إثيوبيا بالكامل دون أي تفاوض معها.

كل ذلك معاً يدفعنا للتخمين أن المشاريع الثلاث هي جزء من حزمة مشاريع وسياسات مقترحة من البنك الدولي مع خفض الدعم.

 

الهندسة

المشروع، على جودته، إلا أنه صغير نسبياً ولا يتطلب تعديل في البنية التحتية حول القناة، من نفق وجسرين وسحارة وطرق. لذلك فمن الغريب أن يُسند المشروع لجهة خارج هيئة قناة السويس نفسها. فالمشروع بالكامل يقع في نطاق إمكاناتها وسابق خبراتها. كما أن إدخال مقاول لحساب الدولة يثير تعقيدات وشبهات لا حد لها في كيفية السداد.

وهناك مبالغة شديدة في حجم المشروع وتكلفته وحجم العمالة المطلوبة فيه. فتكلفة شق قناة طولها 30 كيلومتر يجب ألا يتعدى 100-150 مليون دولار، أي أقل من واحد مليار جنيه. ويجب أن تطرح كراسة مواصفات من هيئة قناة السويس بذلك. ودخل القناة الحالي كفيل بتمويل مثل هذا المشروع الصغير، والذي يُفترض أن يسترد .

من سيراجع تكلفة المشروع؟ من سيكون مالك المشروع؟  ومن سيكون مهندس المالك؟ وما سلطات مهندس المالك على المقاولين؟

وقد أوردت أحد الصحف البند التالي من العقد، ولا نعرف مصداقيته: 

◄ تضمن بند تسوية النزاعات بين الشركة الاستشارية وقناة السويس فى تنفيذ المشروع مجموعة من الخطوات تبدأ بالتسوية الودية على أن يجتهد الطرفان قدر استطاعتهما فى تسوية ودية للنزاعات التى تنشأ أو تكون ذات صلة بهذا العقد أو تفسيره. ثم الطريقة الثانية باللجوء للتحكيم طبقا للبند الثاني لتسوية المنازعات الذي ينص علي ان أى نزاع بين الطرفين فيما يتعلق بالأمور التى تنشأ بمقتضى هذا العقد، والتى يتعذر تسويتها ودياً خلال «30» ثلاثين يوماً بعد تلقى أحد الطرفين طلباً من الطرف الثانى بالتسوية الودية، يمكن لأى من الطرفين طرح هذا النزاع إلى التحكيم.

 

ينص عقد الاستشاري (دار الهندسة العالمية بلندن) أنه في حال وقوع خلاف بينه وبين المالك (هيئة قناة السويس؟ أم الدولة؟ أم الهيئة الهندسية للجيش؟) فسيذهبا للتحكيم. التحكيم في لندن أم في القاهرة؟ وحسب القانون الإنجليزي أم القانون المصري؟

فالدولة المصرية لها تاريخ غابر في خسارة تقريبا كل قضايا التحكيم الدولي التي دخلت فيها منذ 1860 وحتى اليوم، وعددها أكثر من مئة قضية. (وهذه مشكلة اخرى: فشل التعليم القانوني في مصر في مجالي القانون الدولي والتحكيم الدولي، أبعد من مجرد تسمية شعبة بكلية الحقوق: حقوق إنجليش)

التعميق لعله كان أولى من التوسيع. الأمر يحتاج أن تسعى هيئة قناة السويس لزيادة أبعاد السفن التي يمكنها المرور في القناة، وهو ما يسمى سويس‌ماكس Suezmax

http://www.marefa.org/index.php/سويس‌ماكس 

كما أن قرارات تطوير المجرى الملاحي لقناة السويس يجب أن تعتمد على خريطة مرورية لحجم مرور السفن بين موانئ العالم الرئيسية لتقدير مدى مرونة الطلب على التوسعات المختلفة في قناة السويس. كما يجب أن يكون لدى هيئة قناة السويس جدولين لتعداد السفن في العالم مقسماً مرة حسب الغاطس، ومرة حسب العارضة 

 

التمويل

أعلن الرئيس السيسي أن تمويل المشروع سيكون عن طريق طرح أسهم وسندات للمشروع. وهنا تبرز تساؤلات:

* سؤال: ما هو العائد/الدخل الذي سيسدد هذه الأسهم والسندات؟  

الإجابة: حيث أن التفريعة المقترحة ليست مشروعاً قائماً بذاته، فالسفن المارة به لا يمكن أن تدفع رسم اضافي منفصل. لذلك فعائد الأسهم وسداد  قيمة السندات سيكون من الدخل المعتاد لمرور السفن بقناة السويس.

إذاً فالأسهم ستكون في شركة قناة السويس نفسها، والتي ظلت منذ تأميمها وحتى اليوم ملك الدولة المصرية، بالرغم من إعلان عبد الناصر في 1956 أنها شركة مساهمة مصرية. ولكن ظلت الدولة مالكة جميع الأسهم.

أي أن المهم في هذا المشروع الصغير، بالمقارنة بتوسعات السادات للقناة في السبعينات، هو خصخصة قناة السويس، وهو الهدف الذي نادى به البنك الدولي منذ السبعينات وناضل من أجله جمال مبارك ورجاله منذ مطلع التسعينات.

قرار بيع او خصخصة أغلى ما تملكه مصر، وهو قناة السويس، يجب ألا يترك ليفهم عرضا في سياق اعلان عن مشروع ضئيل، بالمقارنة بقيمة القناة نفسها. بل يجب طرح هذا الأمر للنقاش العام وعرضه في استفتاء شعبي. فالقناة التي حفرت بأرواح المصريين وروتها دماؤهم لتبقى ملكا للشعب، لا يمكن التفريط فيها بسهولة.

وكم ستكون النسبة من دخل قناة السويس المخصصة للأسهم؟ أو بالأصح بكم سيتم تقييم القيمة السوقية لقناة السويس اليوم لكي يتم حساب نسبة الأسهم المطروحة للمشروع؟

وأنظر بكثير من الحذر والخوف لرقمي 8 مليار دولار و 80 مليار دولار اللذين ذكرهما السيد الرئيس السيسي في خطاب اعلان المشروع. وأرجو ألا تكون تلك الأرقام سيستخدمها البعض لتعظيم نسبة ما سيتم بيعه/مصادرته من قناة السويس لصالح مقاولي هذا المشروع الصغير.

تجنب الخلط بين التكاليف المحدودة للتفريعة وبين مشروع التنمية المبهم.

من سيحدد قيمة الأصل، قناة السويس، وقيمة الاضافة؟ وهيكل الملكية المساهمة الجديدة للقناة؟ وعدد الأسهم المطروحة للبيع/الخصخصة؟

 

السندات:

السندات تكون بضمان أصل ثابت، الذي هو في هذه الحالة "قناة السويس"نفسها. يعني طرح السندات هو رهن لقناة السويس. فما هو المبلغ الذي ستصدر به السندات؟ وما الجهة المصدرة للسندات؟ وما الغرض من هذا المبلغ؟ وكيف ترى الدولة سداد هذا المبلغ؟

أين ستُطرح السندات الدولارية؟ في بورصة نيويورك أم بورصة لندن؟ وكلتا البورصتين تفرضان على الهيئة المصدرة للسندات أن تلتزم بالقانون المحلي لتلك البورصة، في حال نشوب خلاف بين مشتري للسند ومصدِر السند. ولعل في أزمة الأرجنتين الحالية أكبر عظة لتجنب ذلك.

 

طالع: "شراء سندات الأرجنتين، ثم ابتزازها"

https://www.facebook.com/Dr.Nayel.Shafei/posts/720331921366831

فقد أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكماً بالغ الأهمية، يقول: لقد صادرت الأرجنتين حقوقها وحصانتها السيادية كدولة حين وقـّعت على أوراق طرح سندات. وأصبح التعامل معها يشبه التعامل مع أي شركة تبعا لقانون بلد البورصة.

طالع: "أوجه الشبه بين أزمة الإفلاس الظالم المفروض على الأرجنتين ووضع مصر"

https://www.facebook.com/Dr.Nayel.Shafei/posts/721256584607698

 

حصر التداول على المصريين

من الصعب تطبيقه، والأصعب الدفاع عن هذا الشرط في المحاكم.

 

الأنفاق:

الحديث عن حفر ست أنفاق تحت قناة السويس هو من قبيل النوايا الحسنة، ولا أظنه سيتحقق على الاطلاق. فلدينا نفق أحمد حمدي المعطوب من قبل افتتاحه، وحتى اليوم لا يرضى أحد بإصلاحه. لا أظن أن أياً من منتجي آلات حفر الأنفاق سيرضى ببيع آلة لمصر قادرة على حفر أنفاق تحت قناة السويس. فهذه القدرة تخل بتوازن القوى في سيناء، لأنها تتيح لمصر نقل أعداد كبيرة من المدرعات إلى سيناء في وقت قصير. 

 

شركة التقييم الفرنسية

ذكر الرئيس السيسي أن البنك الدولي رشح له شركة فرنسية لتقييم العروض المقدمة لتطوير محور قناة السويس، وأنه قد رحب بها لأنه لم تكن بين المتقدمين أي شركات فرنسية. ولكن يجدر ذكر أنه في شهر يوليو 2014 صدر أمر تكليف لترسية مشروع امتداد مترو الأنفاق بالقاهرة على شركة فرنسية بدون عطاءات أو منافسة. يبدو أن أمر التكليف كان مرتبط بشكل ما بتقييم عروض محور قناة السويس.

 

دار الهندسة

دار الهندسة أسسها كمال الشاعر، المهندس الفلسطيني، وكانت مع CCC ذراعي تمويل غير رسمي لمنظمة التحرير في الستينات والسبعينات. ومع تقدم الزمن ابتعد كمال الشاعر وشركته عن المنظمة وأقترب من الممالك العربية. وفي الثمانينات كان الفرع السعودي لدار الهندسة مرتبطاً بالشيخ كمال أدهم، مؤسس الاستخبارات السعودية وشقيق الملكة عفت قرينة الملك فيصل وصاحب مجموعة شركات "المباني". إلا أن الكفيل/الشريك السعودي تغير منذ التسعينات، إذ يرى مهندسو التصميم الهندسي أن دار الهندسة السعودية حالياً هي شراكة بين كمال الشاعر والملك عبد الله بن عبد العزيز نفسه، أو من خلال أحد أبنائه. ولعل إلقاء نظرة على قائمة جزئية لأهم مشاريع دار الهندسة (في الرابط التالي) تساعد على ادراك الدعم السياسي الهائل المطلوب لفوز الشركة بالكثير من المشاريع السيادية الكبرى في دول عربية وأفريقية، مثل المطار الرئيسي في كل من جدة، اليمن، دبي، كردستان العراق، دبي، أبو ظبي، الكويت، إثيوبيا، نيجريا.

http://www.marefa.org/index.php/دار_الهندسة 

 

المقال قيد الإنشاء. تابعونا مرارا فسأواصل كتابته.

داعش وإخوان من طاع الله

$
0
0

الرئيس الأمريكي باراك اوباما قرر عشية أمس، 7 أغسطس 2014، القيام بضربات جوية للقضاء على خطر داعش الذي يهدد العراق.

استخدام التطرف الإسلامي لترويع شعوب المنطقة لرسم خرائط جديدة ليس بالأمر الجديد. فما نشهده اليوم في العراق هو نسخة طبق الأصل لما حدث في العراق أيضاً في عام 1930، من ارهابيين معظمهم سعوديين، اجتاحوا العراق وتفننوا في جز الرؤوس والتمثيل بجثث ضحاياهم. ومثل الحدث الأقدم، تتدخل دولة غربية لتريح المنطقة من شرور أولئك السفاحين بإبادتهم - ولا مانع من ترسيم الخريطة كذلك. فبينما المشرق مشدوه بأهوال إخوان ابن سعود، وتهديدهم بهدم قبر الرسول وتحرشهم بالمحمل المصري والحجاج من أرجاء العالم، تم سلخ لبنان ولواء الإسكندرون عن سوريا، التي تفتتت بقيتها إلى أربع دول: دمشق وحلب وجبل الدروز، جبل العلويين. وتسارع تشكيل المستوطنات المؤسسة للدولة الجديدة، إسرائيل.

الأمر يذكرنا بقيام سلاح الجو الملكي البريطاني، في يناير 1930، بغارات جوية على قوات "جماعة الإخوان"السلفية النجدية، أو "إخوان من طاع الله" (ولا علاقة لها بجماعة الإخوان المسلمين الني تأسست في مصر)، والتي تجمعت في المنطقة التي هي الآن حفر الباطن بشمال السعودية والخاصرة الغربية للعراق. وكانت تحاصرها من الشمال القوات البريطانية بالعراق ومن الجنوب قوات عبد العزيز آل سعود. فأبيد عشرات الآلاف منهم في يناير 1930.

تكتيك إعلام الترويع[تحرير]

سبب الغارات البريطانية المعلن كان وقف فظائع وأهوال غارات قطع الرؤوس والنهب التي يشنها الإخوان السلفيون على مدن العراق، البصرة وشرق السعودية. وكان أهم تلك الهجمات إغارة الإخوان على مركز شرطة البصرة وذبحهم جميع جنود وضباط المركز، إلا واحد أطلقوه ليروي ما رأى. كما قاموا بمهاجمة قوافل الحجاج لفرض تعاليم الوهابية عليهم أو القتل.

نشأتهم[تحرير]


غلاف كتاب عن سيرة سانت جون فيلبي بقلم إليزابث مونرو.


جيش الأخوان، كما صوره فوتوغرافياً وليام شيكسپير، ضابط المدفعية البريطاني المصاحب لهم، في 1915.

"إخوان من أطاع الله"السلفيون أنشأهم ومولّهم وسلّحهم ونظـّمهم ضابط المخابرات البريطاني، سانت جون فيلبي (الحاج عبد الله فيلبي)، في نجد عام 1914، بقيادة فيصل الدويش وسلطان بن بجاد. وأشرف على تنظيم دروس يلقيها عليهم الشيخ "محمد بن عبد الوهاب"، صاحب الحركة الوهابية". وكان يتم تجنيدهم بزيارات للإمام محمد بن عبد الوهاب، يشرف عليها فيلبي، لأفخاذ أكبر قبيلتين في نجد، "مطير"و"عنزة".

 

الغرض من إنشاء تنظيم إخوان من أطاع الله كان تكوين جيش لإبن سعود (عبد العزيز آل سعود)، أمير الدرعية الذي كان يتلقى راتباً شهرياً من سانت جون فيلبي. وذلك لمد سلطة ابن سعود على مملكة الحجاز المتحضرة،وإمارة جبل شمر (حائل) المتحالفة مع السلطان حسين كامل، حاكم مصر ومع الدولة العثمانية الآيلة للسقوط.

نجح "إخوان من أطاع الله"في ترويع أرجاء الجزيرة العربية بأفعال دموية نقشعر منها الأبدان لبث الرعب والإرهاب في قلوب المعارضين. وكان السلطان ابن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب يباركان أفعالهم في احتلال حائل والحجاز. بل أن ابن سعود سمح لهم بنهب جدة ومكة لمدة ثلاثة أيام، زادوها لخمس، كمكافأة لهم على احتلالهما. وما أن فتح الإخوان مكة، حتى كان أول خطيب للحرم المكي في عهد آل سعود، ولعدة شهور، هو فضيلة الشيخ عبد الله (سانت جون) فيلبي، الذي كتب في مذكراته أنه لم يعتنق الإسلام قط.

ويجدر ذكر أن كل معارك ابن سعود كانت تقوم على الإخوان كجيشه الرئيسي، وكانت تصاحبهم كتيبة مدفعية بريطانية بقيادة الكولونل "وليام شيكسپير" (غير الكاتب الشهير). وقد لقي شيكسبير مصرعه في معركة جراب ضد إمارة حائل في 1915.

كان "إخوان من أطاع الله"أداة هامة في تنفيذ خريطة سايكس-بيكو للشرق الأوسط الجديد أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى. الولايات المتحدة خرجت غاضبة من الحرب العالمية الأولى، التي تقاسمت غنائمها بريطانيا وفرنسا. وبدأت شركات النفط الإنگليزية في اكتشاف النفط في الجانب الإيراني من الخليج. فسعى الأمريكان لموطئ قدم في الساحل العربي للخليج.

http://www.marefa.org/index.php/شركة_النفط_الأنگلو-فارسية

دخل الأمريكان الشرق الأوسط وجندوا سانت جون فيلبي (وتابعه عبد العزيز آل سعود) ضد بريطانيا.

بعد ذلك، في 1927، بدأت غارات "الإخوان السلفيون"على العراق، مما أزعج بريطانيا بشدة. وتدفق التمويل الأجنبي من جهات عدة على "إخوان من أطاع الله"، فبدأوا انتفاضة ضد ابن سعود، الذي أصبح ملكاً.  واتهم الملك عبد العزيز بريطانيا بأنها تسلح وتمول "إخوان من طاع الله"عبر الكويت لتقوم بهجماتها ضد السعودية وضد العراق. فأجمعت بريطانيا والسعودية على ضرورة التخلص منهم. فكانت مذبحة السبلة، حيث حاصرهم ابن سعود من الجنوب والبريطانيين من الشمال، ثم أبادهم الطيران البريطاني عن بكرة أبيهم.

 

 

يي‌خواني : استغلال التطرف الإسلامي في مولد الصين الحديثة في 1930[تحرير]


الجنرال المسلم ما بوفانگ، قائد الجهاد ضد اليابان وضد الشيوعية.

لم يكن استغلال المتطرفين الإسلاميين محصوراً على المشرق العربي، ففي أواخر العشرينات ومع الثلاثينات برز تنظيم "يي‌خواني"الإسلامي المتطرف في الصين، والذي دعمته الدول الغربية ومعها اليابان (حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية) في الحرب الأهلية الصينية ضد الشيوعيين. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، أعلن اليي‌خواني الجهاد على اليابانيين. وكانوا طرفاً رئيساً (حليفاً للزعيم اليميني چيانگ كاي-شك) في تلك الحرب التي راح ضحيتها الملايين. وسقط اليي‌خواني بين فكي كماشة اليابانيين والشيوعيين، فبدأت حملة إبادة هائلة للجيوش المسلمة في الصين ولم يك چيانگ كاي-شك في موقف يمكنه من مد يد العون لحلفائه. وبعد استقلال الصين الشعبية، لجأ قائد اليي‌خواني الجنرال المسلم ما بوفانگ إلى مصر عام 1952 وحتى 1955، ثم استقر في السعودية.

فهل غادر الشعراء من متردم؟ 
إلى متى سنظل أداة في يد الآخرين؟

 

http://www.marefa.org/index.php/انتفاضة_الإخوان

Viewing all 560 articles
Browse latest View live