Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

جوهر التغيير المحتمل في السياسة الإقليمية السعودية

$
0
0

جرى صراع حول الخلافة في السعودية بين جناح الملك الراحل عبدالله والجناح السديري كما هو معروف ومذاع، ولكن صراعاً آخر مستتراً ومتكتماً عليه حتى الآن يدور حول رؤى جناحي الحكم السعودي بخصوص الأولويات والتحالفات الإقليمية. الصراع المتكتم عليه أهم بكثير من المنظور الإقليمي والجيو ـــ سياسي من الصراع المعروف، والسبب أنه يطال دولاً وجماعات وتحالفات جديدة بين دول المنطقة. ولأن السياسة الإقليمية والخارجية لأي دولة هي في الواقع انعكاس لسياساتها الداخلية، فمن المنطقي أن تنعكس التغييرات الداخلية الجارية في السعودية في قمة هرم السلطة وفي هياكل المؤسسات على سياسات إقليمية مختلفة للملكة ـــ إلى حد ما ـــ عن تلك لدى الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز. داخلياً، لا خلاف على أن أولوية السلطة السعودية هي بقاء الأسرة المالكة عبر الآليات التي استقرت عليها تجربة الملك المؤسس عبد العزيز، حتى برغم مواجهتها تحديات اجتماعية متعاظمة في السنوات الأخيرة، وبرغم التنافس بين أجنحة العائلة الحاكمة. دولياً أيضاً ليس هناك نقاش سعودي يجري بين أجنحة العائلة الحاكمة حول جوهر التحالف الدولي للملكة، ذلك الذي دشنه الملك المؤسس مع الرئيس الأميركي الراحل روزفلت العام 1945 وفقاً لمسار المصالح المشتركة وعلى الشرائط المعلومة. باختصار غير مخل وبمنطق استبعاد الخيارات حتى، ستظهر على الصعيد الإقليمي أولويات الحكم السعودي الجديد في المرحلة المقبلة.

الأولويات الإقليمية للملك الراحل

شهدت المنطقة بعد 30 يونيو/حزيران 2013 خريطة جديدة للتحالفات الإقليمية ملخصها الأساسي إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» من السلطة في القاهرة، مع تراجع واضح للمحور التركي ـــ القطري وبقاء المحور الذي تقوده إيران على حاله، في مقابل زيادة حضور المحور الذي قادته السعودية مع الإمارات والأردن بعودة مصر إليه. هكذا أصبحت أولوية «مكافحة الإرهاب» وجماعة «الإخوان المسلمين» علماً على سياسات المملكة الإقليمية، الأمر الذي تلاقى مع أولويات ورؤى ومصالح الدول المنضوية في «محور الاعتدال»، أي الإمارات ومصر والأردن. ولأن التغيير في مصر اصطدم مع رؤى البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومراكز مؤثرة أخرى داخل الولايات المتحدة الأميركية بإدماج جماعة «الإخوان المسلمين» في هياكل السلطة ببلدان «الربيع العربي»، فقد جرى تمتين التحالف بين «محور الاعتدال» العائد في ثوبه القشيب الجديد مع مؤسسات أميركية وازنة أخرى تتشارك مع رؤيته لأولوية «مكافحة الإرهاب» مثل البنتاغون ومراكز الضغط والمصالح الأميركية المرتبطة به والدائرة حوله. وبالتوازي مع ذلك، بذل «المحور الجديد ـــ القديم» محاولات دؤوبة لعزل تركيا سياسياً عن المنطقة، وللضغط على قطر وهما الحليفتان الإقليميتان للجماعة التي أصبحت «محظورة» في مصر والسعودية والإمارات. وفيما رتبت الأولوية الإقليمية للملك السعودي الراحل دعماً سياسياً واقتصادياً للحكم المصري الجديد، في محاولة لتحييد «الخطر الإخواني» على المملكة، مع إعفاء الأخيرة من عبء المواجهة الإعلامية والسياسية مع تركيا، فقد تحولت تبعة ذلك إلى النظام المصري ووسائل إعلامه.

وحتى مبادرة المصالحة التي أجراها الملك الراحل في الشهور الأخيرة مع الدوحة، استهدفت في الواقع المزيد من العزلة التركية عبر تحييد شريكها القطري. وحتى لا ينفلت الخلاف السعودي ـــ التركي أيام الملك الراحل من عقاله انفلاتاً يضر بمصالح المملكة، فقد عمدت الرياض في الوقت ذاته إلى سياسة الموازنة التي اشتهرت تاريخياً بها، عبر استمرار التعاون الاقتصادي بين الرياض وأنقرة بوتيرة عالية من دون صخب كثير، ومن خلال إيداعاتها النقدية القصيرة الأجل في المصارف التركية، وهو أمر يجري دورياً حتى كتابة هذه السطور، وهو ما لطّف كثيراً من الضغوط المتوالية على الليرة التركية أمام العملات الدولية.

الأولويات الإقليمية للحكم السعودي الجديد

ترافق الإعلان عن وفاة الملك عبدالله مع دخول الحوثيين إلى العاصمة اليمنية صنعاء، في ترجمة عملية لموازين القوى الإقليمية المختلة لمصلحة إيران في صراعها الإقليمي مع السعودية. ولخص التزامن بين إعلان الوفاة وسقوط صنعاء بيد الحوثيين التوازنات الإقليمية الراهنة على نحو فريد وملموس في آنٍ معاً. هكذا ترافق التغير في شخصية الحاكم السعودي مع تغير في الرؤية الإقليمية والأولويات، ما يستتبعه في الواقع اجتراح سياسات وتحالفات مختلفة عن تلك التي استقرت عليها السعودية في السنتين الأخيرتين. يرى الجناح السديري ممثلاً في الملك سلمان والرجل القوي في تراتبية الحكم الجديدة الأمير محمد بن نايف أن إيران ما زالت تمثل الخطر الأكبر على المملكة وحضورها الإقليمي، وهو ما تمظهر بوضوح في نتائج ساحات المواجهة الإقليمية بين الغريمين طهران والرياض، سواء في العراق أو لبنان أو اليمن أو حتى سوريا التي لم يسقط نظامها حتى الآن.

ويعني ترتيب الأخطار على هذا النحو، توزيعاً جديداً للأولويات تتقدم بموجبه أولوية «مواجهة الخطر الإيراني» على أولوية «مكافحة الإرهاب». وبدوره يقتضي ذلك الأمر ترتيباً جديداً للتحالفات، بهدف حشد «الكتلة السنية» الأوسع في المنطقة لرفد السعودية في مواجهتها مع إيران ومحورها. هنا يتجاوز التغيير في السعودية الحدود السياسية للمملكة، ويتعداها إلى خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة، وهي النتيجة الأهم من المنظور الإقليمي والجيو ـــ سياسي.

جوهر التغيير المحتمل

يتطلب التحالف مع تركيا وقطر بداهة، تلطيفاً للصراع مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ليس على قاعدة عودتها إلى السلطة، فهذا أمر لا تقدر عليه السعودية ولا تريده حتى، بل على أساس تلطيف المواجهة مع الجماعة. والوسيلة الأفضل للقيام بذلك ـــ من المنظور السعودي الجديد ـــ تتم عبر إجراء «مصالحة داخلية» مع «الجماعة المحظورة»، بحيث لا تعود كذلك، بل تندمج في النظم السياسية لبلدانها بغرض تحييدها كعائق أمام تمتين «التحالف السني الأوسع» بين السعودية وتركيا. هنا يبدو أن فاتورة الأولوية السعودية الجديدة سيتم تحويلها، بمنطق الأمور، إلى القاهرة لسداد الثمن السياسي، ما يصطدم بشدة مع رؤية النظام المصري لأولوياته الداخلية والإقليمية. وفقاً لتلك المعطيات وذلك التبدل في الأولويات السعودية، يمكن تفسير مجموعة من الأحداث قد تبدو متناثرة للوهلة الأولى وإعادة ربطها في سياق متكامل: لقاءات بين شخصيات من المعارضة المصرية في الخارج والقريبة من جماعة «الإخوان المسلمين» مع ممثلين للجناح السديري الحاكم في السعودية جرت قبل حوالي شهرين، عودة الإعلام القطري للضغط على النظام المصري منذ الإعلان عن وفاة الملك السعودي الراحل، زيارة وفد قريب من جماعة «الإخوان المسلمين» للخارجية الأميركية قبل أيام، وزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لـ «تعزية» الملك السعودي الجديد قبل أسبوع.

ترتسم تغيرات إقليمية كبرى في الأفق بالتوازي مع التغيير الجاري في قمة السلطة السعودية وهياكلها وتراتبيتها، بحيث تتأسس السياسة الإقليمية الجديدة على أولوية مواجهة «الخطر الإيراني». بدورها، تعني الأولوية الإقليمية الجديدة للسعودية عملياً تصديع «محور الاعتدال» الذي كان والنظام المصري في القلب منه، إذ سيصبح الأخير مطالباً بدفع الفاتورة السياسية للأولوية السعودية الجديدة: تشكيل «محور سني كبير» يضمها إلى تركيا. في الواقع، ستدفع القاهرة وفقاً للأولوية السعودية الجديدة ثمناً كبيراً لضيق هامش مناورتها الإقليمية، في ظل علاقة غير متكافئة مع الرياض ولا تتسم بالحد الأدنى من الندية على مدار العقود الأربعة الأخيرة من دون استثناء. وعلى كل حال، يتمثل التناقض البنيوي للتحالف السعودي ـــ التركي الجديد، ذلك الراغب في مواجهة إيران في كون الأخيرة تفاوض نووياً وديبلوماسياً منذ سنوات الجناح الأميركي ذاته (إدارة أوباما والخارجية الأميركية) الذي يشكل الغطاء الدولي للتحالف «السني الكبير»، ما سيقيد موضوعياً من قدرة المعسكر السعودي ـــ التركي على الصدام مع إيران!


من تطبيقات دولة سيادة القانون في ألمانيا الإتحادية (1)

$
0
0

منذ قيام الثورة الفرنسية التي غيرت وجه الحياة في أوروبا ومنذ كتابة الدستور الأمريكي  الذي سبقها بعام والذي يعد أول دستور مكتوب يحدد الحقوق والواجبات، ومصطلح دولة القانون أو دولة حكم القانون أو دولة سيادة القانون هو جزء لا يتجزأ من أي دستور ولا تكف الكتابات عنه ولا يجف ينبوع الأفكار المبنية علي اساس منه.

وتعريف دولة القانون كما إتفق عليه كل الفقهاء هو تلك الدولة التي لا تمارس سلطاتها إلا من خلال إلتزامها بتطبيق قانون معروف سلفا ومعلن للكافة.

بادئ ذي بدء لابد من البحث عن مصطلح دولة القانون داخل الدستور الألماني الصادر في عام 1949.

في توصيف الدولة الألمانية في المادة 20 من هذا الدستور لا يرد مصطلح دولة القانون بصراحة كصفة من صفات الدولة ولكنه يجئ بالإشارة في الفقرة 3 من هذه المادة إذ ينص علي أن سن القوانين لابد له أن يتم متوافقا مع النظام الدستوري وأن أعمال السلطة التنفيذية وأحكام القضاء لابد لها من الإلتزام بتطبيق القانون.

أما صفات الدولة الواردة صراحة في تلك المادة الهامة فهيالديموقراطية والإتحادية والحفاظ علي المركبة الإجتماعية أو التكافل.

ثم يرد هذا المصطلح صراحة مرتين بعد ذلك في المادة 23 والمادة 28، إذ تتناول الأولي الأسس التي تبني عليها المانيا الإتحادية لكي تحقق حلم أوروبا الموحدة، فيذكر مصطلح دولة القانون كأحد هذه الأسس، بينما تتناول المادة 28  مسألة النظام داخل الولايات الألمانية والذي يجب عليه أن يراعي الحفاظ علي هذا المبدأ، وهنا يرد أيضا هذا المصطلح بطريقة صريحة.

ومن النتائج التي تنبني علي هذا المبدأ الاساسي في كل الدول الحديثة نتيجة إمكانية رفع دعوي علي الدولة إن كانت لم تراع القانون (ومن باب أولي الدستور) في أي عمل صادر عنها سواء كان ذلك عن سلطتها التنفيذية أو التشريعية.

ومن تطبيقات هذا المبدأ الذي حرصت كل الدول الديموقراطية علي أن تنص عليه دساتيرها الدعوي التي رفعتها سيدة مسلمة تعيش في ألمانيا منذ صباها ودخلت فيها المدرسة والجامعة وتخرجت في نهاية التسعينات من القرن الماضي.

تعد وظيفة التعليم في ألمانيا من الوظائف المحترمة التي لابد للحصول عليها من إجتياز إمتحان صعب تنظمه كل ولاية لنفسها وتنتقي من خلاله أفضل العناصر من المتقدمين وعند القبول يصبح المعلم موظفا من موظفي الدولة يتمتع بكل مميزات تلك الوظيفة حيث يصعب فصله  (إلا في حالة الجرائم المخلة بشرف الوظيفة الحكومية) كما أن الدولة تتكفل بأقساط تأمينه الصحي وتأمين معاشه طوال فترة خدمته بحيث تكون الخصومات من مرتبه قاصرة علي الضرائب فقط. وهي لذلك من الوظائف التي يفضلها كثيرون علي وظائف القطاع الخاص. وتضع كل ولاية الشروط التي تراها مناسبة في من يعين في وظائف التدريس وذلك بسبب الأهمية القصوي لتلك الوظيفة في إعداد الأجيال القادمة وتنشئتها علي أسس من الدستور والقيم التي ضمنتها نصوصه وحافظت عليها روحه.

وهذه الشروط المناسبة توضع في قانون يصدر عن برلمان الولاية ينظم تعيين ورفت الموظفين وشروط الإلتحاق بخدمة الدولة إلخ..

تقدمت تلك السيدة الشابة (وهي مسلمة من أصل أفغاني) بأوراقها إلي اللجنة الخاصة بتعيين المعلمين وكانت درجاتها في دراستها وفي الإمتحانات اللازم إجتيازها جيدة وتؤهلها بسهولة لأن تحصل علي تلك الوظيفة.

إلا أن اللجنة أوصت بعدم تعيين هذه الشابة المسلمة في الوظيفة التعليمية لأنها ترتدي حجابا تمتنع عن خلعه لدي القيام بعملها كمعلمة، وذكرت اللجنة في قرارها برفض التعين – رغم كفاية مؤهلاتها ودرجاتها العلمية – أن إرتداء حجاب هو مما لا يتفق مع شرط الإخلاص للدستور الالماني إذ يتعارض مع شرط الإيمان بمبدأ من المبادئ أو التوصيفات الواردة في المادة 20 من هذا الدستور وهو مبدأ الديموقراطية وكذلك يتعارض مع مبدأ النظام الديموقراطي الحر الذي كرر الدستور إستعماله في 7 من مواده الأخري كنظام عام للمجتمع الألماني..

وبطبيعة الأمور لابد للقوانين الصادرة عن الولايات أو الصادرة عن الإتحاد ألا تتعارض لا نصا ولا روحا مع نص دستوري حيث أن الدستور الإتحادي يسمو فوق جميع النصوص الألمانية داخل ألمانيا.

وكما يلحظ المرء فإن هذه القيم الدستورية (الحرية والديموقراطية والإتحادية والمركبة الإجتماعية) والتي حرص واضعو الدستور علي النص عليها في أكثر من موضع هي من الأدوات الأساسية في منع دفع المجتمع إلي الإتجاهين الذين تسببا في أكبر خراب وقع لهذا المجتمع خلال القرن العشرين، الفاشية والشيوعية.وفي نص قانون تنظيم تعيين موظفي الدولة في ولاية بادن فرتمبرج وضع المشرع هذه القيم والإيمان بها والإنصياع لها شرطا من شروط التعيين للوظيفة العامة في الولاية. وهذا التعارض إفترضت اللجنة أنه موجود بنص قانون تنظيم تعيين موظفي الدولة وحقوقهم وواجباتهم وهو قانون صادر عن برلمان ولاية بادن فرتمبرج في جنوب غرب ألمانيا، إذ أن من ترتدي حجاب يغطي الرأس لا يمكن إعتبارها ملتزمة بقيم النظام العام من  الحرية والديموقراطية .

إعترضت المواطنة المسلمة علي قرار رفض تعيينها ورأت أنه يمثل إجحافا بحقها فى الوظيفة العامة طالما كانت مؤهلاتها ودرجاتها التعليمية تسمح بالتعيين. وبما أن كل من الدستور الالماني الإتحادي وكذلك قانون إنشاء المحكمة الدستورية الإتحادية يسمحان للمواطنين بإقامة الدعوي المباشرة وذلك في حالة تعرض حق من حقوقهم الأساسية الواردة في الدستور إلي التعدي عليه من أي جهة، فقد إنعقد الإختصاص للمحكمة الدستورية الإتحادية بنظر الدعوي التي رفعتها تلك المواطنة المسلمة بالفعل.

كانت وجهة نظر اللجنة أن إرتداء الحجاب بما يمثله من إعلان الإنتماء لدين معين هو تعدي علي نص وروح قانون تنظيم تعيين وقصل وحقوق موظفي الولاية حيث أن الدستور الإتحادي قد نص في مادته رقم 140 علي أن نص الدستور القديم الصادر في عام 1919 فى مادته رقم 136 يؤخذ كما هو ويصبح جزءا من الدستور الأحدث. وهذه المادة القديمة تنص علي أن الدولة لا كنيسة لها (أي لا دين). والمقصود بهذا النص هو أن الدولة لا تحبذ أو تحابي دينا معينا بذاته سواء كان مسيحيا أو يهوديا أو غير ذلك إذ أنها كما يقال فى المصطلح القانوني "تقف علي مسافة واحدة من كل الأديان".. 

من تطبيقات دولة سيادة القانون في ألمانيا الإتحادية (2)

$
0
0

ولما كانت المدارس التي سوف تعمل بها هذه الفتاة في حال تعيينها هي من المدارس الحكومية التابعة للدولة فإن الزي الذي يدل علي دين معين هو في حقيقته ربط بين مؤسسة من مؤسسات الدولة بالصورة الخارجية لدين معين وذلك في عيون التلاميذ الذين سوف يتصورون أن المدرسة بما تمثله من قيمة تربوية قد تتحول إلي قدوة شخصية وبذلك تصبح المدرسة مجالا للإنحياز إلي دين بعينه ولا يتحقق المقصود من نص المادة المذكورة.

وهذا النظر لا يقتصر فقط على الإسلام بل أنه يشمل المسيحية أيضا إذ أن المحكمة الدستورية الإتحادية كانت قد حكمت في منتصف التسعينات بإزالة التمثال الخشبي للمسيح المصلوب من كافة فصول المدارس الحكومية وذلك بعد أن رفع أحد الآباء دعوي يطالب فيها بالإزالة لأنه يمثل إنحيازا من المدرسة تجاه دين بعينه وكان ذلك في ولاية بافاريا المعروف عنها إرتباطها بالمذهب الكاثوليكي.وقد نجح في دعواه وحصل بالفعل علي حكم بالإزالة ولكنه لم ينفذ بسبب قيام تظاهرات شعبية تعترض علي الحكم وبالتالي تقاعست الشرطة عن تنفيذه. كما أن المتقدمين للوظائف العامة وخصوصا التعليمي منها يستبعدون لو عرفت عنهم ميول شيوعية أو فاشية أو تخريبية أو غير متفقة مع القيم العامة للمجتمع كما أسلفت، أي أنه هناك سوابق علي إستبعاد أشخاص آخرين من وظائف التعليم ولا علاقة لهم بالإسلام..

وفي حالة الإسلام في هذه الدعوي فإن التساوي بين الأجناس مثلا هو من نقاط عدم التلاقي بين القيم الديموقراطية والقيم الإسلامية، أو الحرية المتاحة في الأمور الجنسية أو الحظر علي أفكار معينة أو الدخول في مناقشة المعتقدات الغيبية أو الخروج من الدين الإسلامي إلخ. كذلك فإن عقوبة الإعدام التي تنظمها أحكام الشريعة الإسلامية فى بعض الحالات تقف في تعارض واضح مع الإلغاء الكامل لتلك العقوبة في نص المادة 102 من الدستور الألماني..

نظرت المحكمة الدستورية الإتحادية الدعوي وكانت لها وقفة ينبغي دراستها تفصيلا علي ضوء قراءة مقاطع من الحكم.. فإلي الحكم..

كانت وجهتا النظر السابق عرضهما هما المتنازعتان أمام المحكمة، نص قانون تنظيم عمل وتعيين وحقوق موظفي الدولة (الإخلاص للدستور ولقيم الحرية والديموقراطية كشرط من شروط التعيين) ونص الدستور الالماني سواء في في المادة 33 (الحق في تولي الوظائف العامة) والمادة 4 (ممارسة حرية الإعتقاد بشقيها السلبي للتلاميذ والإيجابي للمعلمة).  فالمادة 4 تنص علي أن حرية الإعتقاد والضمير والتفكير سواء منه الديني أو الدنيوي لا تمس، وكذلك تنص علي أن ممارسة الشعائر الدينية لا مساس بها وذلك بضمان الدولة.

وكانت أول نقطة في تحليل الموقف هي التقرير إن كان إرتداء الحجاب هو أمر من صلب الدين الإسلامي أم لا؟ قالت المحكمة أن هذا الأمر لا وزن له في الدعوي لأن السيدة لها الحق في إرتداء الحجاب تحت أي مسمي سواء كان دينيا أو دنيويا. أما محل الدعوي هو المفاضلة بين النصوص لتغليب أحد النظرين علي الآخر.

ثم إنتقلت المحكمة بعد ذلك إلي حق الآباء في تنشئة أطفالهم علي نهج من الفكر الذي يراه الآباء متوافقا مع أفكارهم وطريقة نظرهم للحياة والقيم. وهذا الحق منصوص عليه في المادة 6 من الدستور. وقد رأت المحكمة أن قيام مدرسة مسلمة ترتدي حجابا ظاهرا بالتدريس لأطفال هو مما يعطل حرية الآباء في إختيار نوع الفكر الذي يحكم وينظم تربية عقول وارواح هؤلاء الأطفال، وهذا هو ما يطلق عليه الفقه تعبير "الحرية السلبية"أو حرية المتلقي (التلاميذ) في عدم التأثير عليهم بما لا يتفق وقناعات أهلهم.

وبعد ذلك إنتقلت المحكمة إلي تحليل محتوي "الحرية الإيجابية"فقالت في حكمها أن الفتاة تمارس حقا في التعبير عن إنتمائها لدين معين وهو ما يندرج تحت المادة 4 من الدستور لأن ممارسة الشعائر والطقوس الدينية مضمونة من الدولة ولذلك فهي لم ترتكب ما يسيء إلي أي شخص. وبذلك وقفت المحكمة موقفا علي الأقل محايد تجاه الحجاب.

ولكن..

ولكن هناك نصوص قانون تنظيم عمل وتعيين وحقوق الموظفين العاملين في ولاية بادن فرتمبرج، وهذه لا يجب أن تغفلها المحكمة فما هي طريقة حل هذه المعضلة؟

ذكرت المحكمة أن إستناد اللجنة إلي قانون موظفي ولاية بادن فرتمبرج هو إستناد صحيح ولا غبار عليه، ولكن في نطاق دولة القانون وإعمالا للتعريف الذى ذكر في البداية فلابد أن يكون القانون الذي تستند إليه الولاية في قراراتها الإدارية (مثل قرارات قبول ورفض تعيين الموظفين) قانونا واضحا  ومحددا بدقة. وقالت المحكمة أن نص إحترام الدستور والإخلاص للقيم الدستورية من حرية وديموقراطية لا يعد نصا كافيا لكي يفسر علي أساسه حظر حجاب النساء المسلمات، بل علي مشرع الولاية (برلمان ولاية بادن فرتمبرج) أن يحدد في قانونه الخاص صور الحظر وأسبابها حيث أن الأصل في الأشياء هو الإباحة والإستثناء هو المنع، وعلي ذلكلابد أن يأتي المنع من خلال نص قانونيوإلا إعتبر رفض تعيين الفتاة المحجبة رفضا تعسفيا لا يصح له أن يكون في دولة تحترم القانون وتسمي نفسها دولة سيادة حكمه.

وعلي ذلك حكمت المحكمة بإلغاء قرار اللجنة الرافض لتعيين المعلمة المسلمة لأنه لا يستند إلي صحيح القانون بسبب عدم وجود نص يحظر ذلك.

وتم تعيين الفتاة المسلمة بحكم محكمة ألمانية في دولة تحترم القانون.

ومعني ذلك هو أن الآباء الذين لا يريدون لأطفالهم أن يتلقوا تعليما علي يد إمرأة محجبة عليهم أن يبحثوا لأبنائهم عن مكان آخر غير هذه المدرسة !!

وبهذه المناسبة فقد إلتقطت ولاية أخري هي ولاية بريمن طرف الخيط وقام البرلمان فيها بإعداد وإصدار قانون للموظفين في مجال التعليم بالذات يقضي بحظر الحجاب للنساء في مجال الوظيفة العامة من العاملات بالتعليم وضمنه في قانون المدارس، وبذلك لا يمكن للمحجبة أن تعمل في وظيفة عامة بالتعليم في ولاية (مدينة) بريمن ولا يمكن لحكم المحكمة الدستورية في ولاية بادن فرتمبرج أن يجد له تطبيقا في ولاية بريمن بسبب إختلاف الوضع القانوني بين الولايتين. أما الموظفة الأفغانية بطلة القصة فلا يمكن فصلها حتي لو تغير القانون في ولايتها حيث أن الأثر الرجعي ممنوع، وهو مبدأ آخر من مبادىء الدستور في دولة من دول حكم القانون..

صدر هذا الحكم التاريخي في عام 2003.

رفعت الجلسة..       

سندس الجنة.....شيماء الشماء......والموت وقوفًا

$
0
0
سندس الجنة.....شيماء الشماء......والموت وقوفًا

 بقلم: م/يحيى حسن عمر

 (1)
    إذا كان عنوان المقال قد طال فلا بأس....فإن الليل أطول.....وأطول منه شعاع نور يقطعه من أوله إلى آخره.

(2)
    وتتواصل مسيرة الشهداء – بإذن ربهم – يوم 23 يناير تسقط (سندس أبو بكر) شهيدة بإذن ربها في الإسكندرية، وفي اليوم التالي تسقط (شيماء الصباغ) في القاهرة، وردتان تسقيان الروح الوطنية المصرية من جديد.

(3)
    مهما طالت السنون وبقي من العمر بقية فإن تلك الصورة ستظل محفورة في الذاكرة لن تنمحي، صورة يعجز عنها أي رسام مهما علا شأنه، صورة الفتاة المصرية البطلة (شيماء) هي تموت واقفة، تنظر في أسى والدماء تنزف من وجهها، ويأتي شاب ليحملها ليسرع بها مسعفًا، فتأتي اللقطة وكأنه يتشبث بها لتظل واقفة !، أو كأنه يحتمي بها من قسوة الزمان وهي النازفة ذات النظرات الحزينة، ومن وراءهم في خلفية الصورة يظهر الجنود الذين أطلقوا النار عليها، بزيهم وسلاحهم الأسود، يشاهدون تداعيات جريمتهم !.

(4)
    ويريد الله لهذ الصورة أن تكون أكثر تعبيرًا، فيظهر في الصورة إثنان من (كبار رجال) – وما هم بكبار ولا رجال - الحزب الذي وثقت فيه وإنتمت له شيماء، كلاهما على بعد خطوات منها، أما الأول فيدخن سيجاره وهو يخطو مبتعدًا ببطئ وكأنه لا يرى ما يحدث على الإطلاق، لدرجة أنني شككت في البداية أنها صورة مركبة !!، وأما الآخر فيخطو مبتعدًا خوفًا على نفسه وهو يختلس النظر إلى شيماء فتاة حزبه وكأنه يقول: نفسي نفسي !، وأعجب ما فيه تلك اللحظة أن الصور تظهر يدها اليمنى مازلت قابضة على اللافتة الورقية الصغيرة التي تحملها، فهي تتشبث برسالتها حتى آخر لحظة في حياتها.


(5)
  ما كان لمشهد أن يكون معبرًا عن حالة مصر الآن مثل هذه الصورة، صورة تلخص واقع مصر كله في هذه اللحظة، كأن مصر تحتضر وتموت على يد الظلمة وجنودهم، لكنها حتى في اللحظات التي تصارع فيها الموت فإنها واقفة، لأن أنبل من فيها يتشبثون بها لتظل واقفة تقاوم، وهم في ذات الوقت يحتمون بها، يحمونها وتحتمون بها، يحملونها ويتحملونها، بينما فئة أخرى من أدعياء الثورة والذين أقسموا ألا يتخلوا عنها، أما ينظرون في بلادة ويدخنون كأن الأمر لا يعنيهم، أو يبتعدون متسللين من الخوف.

(6)
   ومع أن الصور التي تظل عالقة في الذاكرة صورًا لا تأتي في العادة إلا كل عدة سنوات، إلا أن صورة أخرى من تلك النوعية من الصور سبقت صورة شيماء بيوم واحد فقط، لبطلة شهيدة أخرى، من الأسكندرية هذه المرة، سندس، لم تلتقط الكاميرا لحظة رحيلها، ولكن إلتقطت صورة لوجهها وهي في أكفانها البيضاء، يا الله، وجه مضئ هادئ فيه نور الإطمئنان لا ترى فيه أثر الموت !!!، من أين لها بنومة العروس هذه ؟!!، وكيف للموت أن ينبض بالحياة هكذا ؟!!، وبقدر ما ارتسم على وجهها من الهدوء بقدر ما ارتسم عليه من التصميم !!، كأنها رسالة للإحياء قبل الرحيل، أن الموت حياة للأبطال، والحياة موت للأنذال !!، وجه سندس مضئ، فلا نامت أعين الجبناء، وجه سندس نابض بالحياة وهي ميتة، بينما وجوه تتحرك وتتنفس وعليها غبرة الموت وكلاحته وإصفراره، (الناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء).

(7)

وهكذا تعوض بعضًا من فتيات مصر ونساءها النقص الحالي في الرجال !!.

(8)
   لقد علمتنا سندس أن الموت حياة، وأن الرحيل يمكن أن يكون بجمال العرس وبعظمة الملكات، وعلمتنا شيماء أن الموت يمكن أن يكون وقوفًا.

(9)
   وقد وضعت بوستًا على الفيسبوك به صورة شيماء ومكتوب فيه تعليقًا عليها (إما أن تموت وأنت واقف....أو أن تعيش وانت راكع)، فعلق أحد الأصدقاء وقد رأي فيه إحتمالان كلاهما مر، فقال (ألا يمكن أن نحيا واقفين) ؟!، ففكرت وكتبت ردًا عليه: سألت نفسي هذا السؤال، لعل هذه المرحلة تأتي كمرحلة ثالثة، لابد أولًا أن يموت أناس وهم واقفون، فيقف لموتهم بعض الراكعين، ثم يقفون تباعًا، ساعتها سيظل هناك من يحيا واقفًا !!.

yehia_h_omar@yahoo.com

 

إيران في ذكرى انتصار ثورتها: فرص وتحديات

$
0
0

تهل هذا الأسبوع الذكرى السادسة والثلاثون لانتصار الثورة الإسلامية في إيران وعودة الإمام الخميني من منفاه، مدشناً فصلاً جديداً من تاريخ إيران والمنطقة. تختلف ذكرى الثورة الإيرانية هذا العام عن كل سابقاتها، لأن طهران اليوم في بؤرة المشهد الإقليمي، وليست على هامشه مثلما كانت في الماضي. وفي الوقت نفسه، وبالتوازي مع زيادة الحضور الإقليمي، فقد أصبحت إيران محطاً لنقمة قطاعات شعبية واسعة في العالم العربي، بسبب انخراطها المتعاظم في قضايا إشكالية من العراق إلى سوريا ولبنان وحتى اليمن، ما يأتي على قبولها الشعبي اللازم لتتويجها قوة إقليمية في المنطقة. وبالترافق مع ذلك، تتفاوض إيران مع الولايات المتحدة الأميركية على ملفها النووي صراحة، وضمناً على دورها الإقليمي في المنطقة، ما يشرّع أمامها نوافذ الفرص في حال نجاح المفاوضات، ويفتح أبواب الأخطار على مصراعيها في حال فشل تلك المفاوضات. لا تفاوض طهران خصماً سهلاً، فهي تواجه في الكواليس وعلى موائد التفاوض عملياً النظام الدولي الذي تمثل واشنطن قمته وعاصمة إمبراطوريته.
كما أن الاستمرار في التفاوض مع «الشيطان الأكبر» له كلفة معنوية عالية غير مرئية بالعين المجردة، كونه يستنزف مخزون «الذخيرة الثورية» التي اشتهر النظام الإيراني بها وجعلها علماً على محاججاته الإعلامية والسياسية ضد أخصامه السياسيين في المنطقة. وفوق ذلك كله، يئن الاقتصاد الإيراني تحـــــت وطأة العقوبات الاقتـــــصادية المفروضة عليه، إلى درجة تضغط بشدة على قراره السياســـــي والتفاوضي، حتى ولو أكثر المتــــــفاوضون الإيرانيون من الابتسام على موائد التفاوض وأمام الكاميرات.

الفرص الإيرانية التفاوضية

تفتح المفاوضات النووية الفرص أمام إيران لتقنين حضورها الإقليمي، إذ إن الاتفاق في ملفها النووي لن يشمل رفعاً للعقوبات المفروضة عليها فقط، بل سيعبّد الطريق أمام تعاون إيراني ـــ أميركي في المنطقة. وتترافق المفاوضات الإيرانية ـــ الأميركية مع انهيار مشهود للقدرات العربية تشهد عليها حالة المشرق العربي، بما يقدم فرصة تاريخية لإيران لتمديد حضورها الإقليمي في المنطقة، ولكن بضوء أخضر أميركي هذه المرة. وبعيداً عن التفاصيل التقنية، فقد بات معلوماً أن أي حل تفاوضي للملف النووي الإيراني، سيسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها وامتلاك دورة الوقود النووي الكاملة، مع آلية للرقابة والضمانات بألا يتحول هذا البرنامج إلى طابع عسكري. بمعنى آخر، لم تعد تصفية البرنامج النووي الإيراني مطروحة على موائد التفاوض، وإنما حجم ونطاق هذا البرنامج لا أكثر ولا أقل، ما سيشكل في حال نجاح المفاوضات انتصاراً معنوياً كبيراً لإيران. ومع نجاح المفاوضات، تتوقع إيران أيضاً استثمارات أجنبية كبرى في قطاعها النفطي، ما يرفع مداخيلها من ناحية، ويحدّث اقتصادها من ناحية أخرى، ويرفع عبء العقوبات من على كاهل مواطنيها من ناحية ثالثة. نظرياً، تتوافر لإيران أفضل الفرص لتقنين حضورها الإقليمي والاحتفاظ ببرنامجها النووي والارتقاء بمستوى حياة مواطنيها، وهي فرص ستذهب في حال تحققها باعتبارها أكبر إنجازات وطنية أمكن لإيران تحقيقها منذ قرون مضت. لعل أصدق تعبير عن ضخامة الفرص الإيرانية من التفاوض النووي مع أميركا هو ذلك المثل الإنكليزي القائل: It is too good to be true.

المخاطر التفاوضية على إيران

تمثل المفاوضات النووية حدثاً دراماتيكياً في حد ذاته، لأنها تطرح تحديات مثلما تطرح فرصاً في الوقت عينه. تتمثل أولى المخاطر في خروج إيران من متاريسها في الشرق الأوسط إلى موائد المفاوضات النووية، ما جعلها، للمفارقة، مكشوفة أمام الولايات المتحدة الأميركية أكثر من أي وقت مضى. ثانياً، أصبحت الطموحات الإيرانية الإقليمية مادة للتجاذب السياسي داخل النظام السياسي الأميركي، فإذا كان لإيران بعض الأنصار في اللوبي النفطي الأميركي وفي قطاع الزراعة وأجزاء من لوبي المصارف والتأمين، فإن لخصومها تأثيراً عميقاً وحضوراً كثيفاً في الكونغرس الأميركي، سواء من اللوبي الصهيوني أو المجمع الصناعي ـــ العسكري أو باقي اللوبي النفطي، وهذا التصارع بين مجموعات الضغط العملاقة وشبكات المصالح في الولايات المتحدة الأميركية، لا يمكن حساب إحداثياته بمعايير ومفهوم ومصطلحات الشرق الأوسط، حتى ولو بدت حسابات إيران التفاوضية راجحة حتى الآن. ثالثاً، جمّدت إيران برنامجها النووي بموجب «اتفاق جنيف 2013» طيلة فترة التفاوض، من دون ربط ذلك بموعد محدد لنجاح المفاوضات، ما نزع من إيران عامل المبادأة التفاوضية. وحتى في حال عودة إيران إلى التخصيب بمستويات عالية، ستنهار المفاوضات، ويفتح الباب أمام خطر تصعيد غربي غير مسبوق يؤدي إلى احتمالات شتى لا يمكن استبعاد الصدام العسكري منها. رابعاً، منذ انتخاب الرئيس الأسبق محمد خاتمي وحتى الرئيس الحالي حسن روحاني، تعتمد إيران روشتة نيوليبرالية لإدارة اقتصادها وترسل رسائل إلى الغرب تفيد برغبتها في الانضمام إلى «منظمة التجارة العالمية» وغيرها من المؤسسات الاقتصادية العالمية، بما يعني عدم معارضة إيران لآليات وميكانيزمات السيطرة الرأسمالية. هكذا تناطح إيران النظام الدولي في نسخته السياسية، رغبة في الحصول على موقع أفضل فيه، فيما توافق على النظام الدولي ذاته في طبعته الاقتصادية بآلياته وميكانيزماته المعلومة. هنا تتعرض إيران إلى مفارقة بين صورتها لنفسها باعتبارها «قوة عالمثالثية مناهضة للإمبريالية»، وبين أهدافها المعلنة. خامساً، لا تستطيع إيران المتفاوضة مع واشنطن أن تدير بعد الآن معاركها الإعلامية في المنطقة على قاعدة «الرجعية العربية الموالية للغرب» في مقابل «مناهضة الاستكبار العالمي»، بل على قاعدة «مكافحة الإرهاب»، مع ملاحظة أن الأخير تأسس موضوعياً على عوامل شتى من بينها تعاظم النفوذ الإيراني في سوريا والعراق، وانضمام إيران كطرف في حروب المشرق العربي الأهلية في مواجهة أطراف أخرى.

الخلاصة

لا يمكن إنكار البراعة الإيرانية في النفاذ من ثغرات المنطقة وفي استثمار التراجع المدوّي للقدرات العربية الشاملة، لكن تزامن عمليات التفكك في بنى دول المشرق العربي مع المفاوضات النووية الإيرانية ـــ الغربية لا يعني بالضرورة أن تكون إيران الرابح الأكبر والأوحد من الخسائر العربية الكبرى في المنطقة. كما أن التوصل لاتفاق نووي يضمن الحقوق الإيرانية كمدخل للحضور الإقليمي المعترف به دولياً لطهران، والحصول على مزايا اقتصادية كبرى بجانب كل ذلك، هو أمر يتجاوز بكثير موازين القوى الفعلية في الشرق الأوسط. لا يغيب عن البال أن تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي ودول الخليج العربية، وفي مقدمها السعودية، تعارض التوصل لاتفاق نووي بين إيران والغرب، وتبذل قصارى جهدها في عرقلة صعود إيران الإقليمي، ولا يمكن النظر إلى هذه القوى باعتبارها منعدمة القدرة على الفعل والتأثير إقليمياً ودولياً. وإذ تمر عملية صنع القرار في الولايات المتحدة بمراحل أعقد كثيراً من الحسابات الإيرانية الناجحة حتى الآن بمنطق النفاذ من ثغرات الشرق الأوسط، يمكن القول ـــ بكثير من الاطمئنان ـــ إن توازنات النظام السياسي الأميركي لا تسمح لإيران بالحصول على أهدافها التفاوضية والإقليمية كافة، حتى ولو أقرها الرئيس الأميركي باراك أوباما على ذلك. في النهاية، تجسد قرارات البيت الأبيض محــــــصلة التوازن بين المؤسسات والمصالح ومجموعات الضغط الأميركية، بغض النظر عن اسم الجالس في المكتب البيــضاوي. وإذا كان اسم أوباما مترجماً مباشرة إلى الفارسية يعني «هو معنا»، فالأكثر حصافة ربما أن يستذكر القارئ المثل الإيراني القائل: «عد أفراخك الصغيرة فقط عند نهاية الشتاء»، بمعنى عدم الإفراط في التفاؤل وتقدير الأرباح!

يأس علماء العرب في المهجر وسقوط جهاز «صوابع الكفتة»

$
0
0

بات بإمكان الطبيب- المقدم باسم يوسف أن يبتسم كثيراً، مع شيء كثير من المرارة ربما، لأنه هو الذي ابتسم أخيراً في تلك القصة. وبعد يرون سنة من ذلك الحادث التراجيدي- الكوميدي الذي لطّف وقعه المصريون بخفة دمهم المعهودة ووصفوه بـ»جهاز صوابع الكفتة»، شقّت الوقائع الصلبة طريقها عبر إعلان نقابة الأطباء المصريين بدء تحقيق في تلك الفضيحة العلميّة المذهلة. وقبل سنة، ظهر على الشاشات المرئيّة- المسموعة من ادّعى أنه صنع جهازاً قادراً على تحويل فيروس الكبد من النوع «سي»، وهو مرض قاتل يضرب أجساد خُمْس الشعب المصري، إلى «صوابع كفتة»، وتخليص الجسم منه نهائيّاً.

ومع حسم أطباء مصر لذلك الهزل المؤلم، ربما أيضاً صار بإمكان باسم يوسف أن يغلق العدّاد الذي أطلقه بانتظار حسم تلك المسألة، مع شيء من الفرح المشوب بالحزن لأن برنامجه الشهير «البرنامج» سبق جهاز «صوابع الكفتة» في الاختفاء.

 

... وللإسكندرية رواتها

 

الأرجح أن بديع الزمان الهمذاني كان محظوظاً. وضع «مقاماته»، وهي مجموعة من الحكايات الطريفة لها مرام اجتماعية وأخلاقية على لسان راوٍ سمّاه عيسى بن هشام، وهذا الأخير كان يجعل لقصصه لساناً فيرويها نقلاً عن شخصية خياليّة سمّاها «أبو الفتح السكندري». وهناك مقامة ظريفة اسمها «المضيريّة» التي تدور حول حلول أبي الفتح السكندري ضيفاً على أحد أثرياء الحرب، فوعده بعشاء من طبق «المضيرة»، وهي لحم مطبوخ باللبن يؤكل مع الأرز، ما زالت رائجة في دول عربية كثيرة. ولما أفرط ثريّ الحرب في التباهي بثروته التي جمعها عبر مآسي الآخرين في الحروب، حاول أبو الفتح السكندري الهرب منه، لكنه وقع بين يدي صبية رشقوه بالحجارة سخرية منه. فردّ بحجر غاص في عمامة شيخ كان يعبر الطريق، ما قاد أبو الفتح إلى السجن، فأقسم ألا يأكل المضيرة إلى آخر عمره.

لماذا ذكر بديع الزمان ومقامته المضيرية؟ ربما لأنه لو حاور مواطن عربي أحد علمائنا العرب المغتربين الذين يتألقون في المراكز العلميّة المتقدّمة في الغرب، لأقسم ذلك المواطن ألا يحاور عالِماً عربيا أبداً. فغالباً، يصعب الكلام عن أحوال هؤلاء العلماء، خصوصاً نظرتهم إلى أوطانهم ودرجة «تقدّمها» علميّاً (يا لروعة الكلام! لماذا لا نكون أصدق ونقول «شدّة تخلّفها»)، إلا بلغة مقامات بديع الزمان وهروب أبي الفتح من أكلة المضيرة حتى لو طابت طعماً ومذاقاً.

وإذ يحنّ بعض هؤلاء إلى «مضيرة» اسمها الوطن، فإنهم يستقبلون بأطباق لا يسمعون فيها إلا قصص تجميع الثروات والسلطات والنفوذ من حروب الهزائم العربيّة المتكررة في الخروج من التخلّف ومواكبة ركب الأمم الحديــثة. وتتــلى على مـسامعهم أخبار لا تذكّرهم إلا بالمآسي التي قذفت بهم إلى خارج أوطانهم أصلاً.

 

دموع الـ 500 دولار

 

لنترك التشبيه مع مقامات بديع الزمان. ولننتقل إلى بعض من «مضيرات» علماء العرب المغتربين. مثلاً، تألق العالِم الجزائري إلياس زرهوني في أميركا إلى حدّ تكريمه في البيت الأبيض وتعيينه مسؤولاً عن «معاهد الصحة» الأميركية التي تدير بحوث الطب والبيولوجيا بموازنة فلكيّة. وفي عام 2008، أجرت «الحياة» مقابلة معه، فذكّرها بأنه واجه سابقاً حديثاً عربيّاً مرتفع النبرة عن احتكار الغرب العلوم والتكنولوجيا.

وطرح زرهوني سؤالاً عما إذا كان العرب أعدّوا أنفسهم لتلقي العلوم، في حال «هطلت» عليهم من الغرب. ولأنه يعرف عما يتحدث، ضرب مثلاً بمعلومات الجينوم البشري التي أتيحت لشعوب الأرض قاطبة، بفضل مبادرة الرئيس بيل كلينتون، منذ عام 2000. وذكر أن موقع الجينوم يحصي الداخلين إليه، فلا يجد بينهم من العرب إلا أرقاماً تضعهم في أسفل قائمة الساعين الى تلك المعلومات العلميّة.

ومن دون ذكر أسماء، تحدث عالِم عربي يعيش في أميركا عن تجربته في جاهزية العرب لتلقي العِلم. ثم بدأ يبوح بأوجاعه. ونقل أن رئيس جامعة عربية كبيرة، طلب منه أن يقترح على الجامعة الأميركية التي يعمل فيها ذلك العالِم أستاذ كرسي في علوم الأدوية، أن تقبل معادلة شهادات تلك الكليّة العربيّة فيها. ورد العالِم بأن الأمر يقتضي أن تنسّق مناهج الدراسة في الكليّة العربيّة مع نظيرتها الأميركية. كان عبثاً ما فكّر به. كل ما تفتّقت عنه عبقرية ذلك المسؤول العلمي العربي، هو اقتراح أن يُدفع إلى «النظير الأميركي» مبلغ 500 دولار مقابل كل شهادة مُعادَلَة. وبكلام خالطه ما يشبه البكاء، ذكر العالِم العربي- الأميركي أن النوم جافاه بسبب كلام المسؤول العربي، بل كاد يصاب بجلطة قلبيّة، تهون أمامها الحجارة التي أصابت أبا الفتح.

إذا كان مسؤول مؤسسة جامعية عربيّة كبرى يفكّر على هذا النحو، فكيف يكون حال جامعاتنا ومدارسنا ونُظُم تعليمنا؟ كيف نخرج من الجهل؟ كيف ندخل إلى مواكبة العلوم المتصاعدة في الأزمنة المُعاصِرة؟ أسئلة الأرجح أنها لم تؤرق لا أبا الفتح السكندري ولا بديع الزمان الهمذاني.

فنلندا دولة عظمي

$
0
0

 

في أحد تغطيات إذاعة البي بي سي لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في العالم  قال أحد الجنرالات من فنلندا أن بلاده تساهم بالمجهود الأكبر في عمليات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية في كل أرجاء العالم ثم أردف قائلا في نوع من الفكاهة: "إن فنلندا هي قوة عسكرية عظمي في مجال حفظ السلام الدولي". وفنلندا بلد صغير مجاور لروسيا التي قامت بغزوه عدة مرات في التاريخ كان آخرها عام  1939 عقب بداية الحرب العالمية مباشرة فيما أصبح يعرف بحرب الشتاء. وجيشها بالفعل له إسهام كبير في مجال حفظ السلام الذي تشرف عليه منظمة الأمم المتحدة تحت تفويض مجلس الأمن.

ونحن في مصر نعرف القوات الفنلندية التي كانت هي عماد فصل القوات بين مصر وإسرائيل عقب حرب 1973 ونتذكر إسم الجنرال إنزيو سيلاسفو قائد هذه القوة.

والواقع أن ملاحظة ذلك الجنرال في لقائه مع الإذاعة البريطانية قد لفتت إنتباهي إلي أن كل دولة مهما صغر حجمها أو قل تعداد سكانها إلا أن لها مجال تتميز فيه بقوة عن باقي دول العالم بحيث تستحق في مجالها لقب القوة العظمي.

وبتطبيق هذه القاعدة علي مصر لابد من التساؤل عن المجال الذي تتميز به مصر عن باقي العالم بحيث تستحق عنه لقب القوة العظمي..

لخوض هذا البحث لابد أولا من تحديد المعايير التي تؤسس للإختيار. وأول هذه المعايير هو الإستمرارية عبر الزمان وثانيها هو المركز الدولي المتميز.

والواقع أنني لم أهتد في بحثي معتمدا علي هذين المعيارين إلا إلي مجال واحد فقط تحتل مصر فيه المكانة العظمي دوليا، وهو مجال الفكر الديني، أو الفكر المبني علي أساس ديني.. كيف؟

لشرح هذا الأمر لابد من العودة إلي الوراء أكثر من 1000 عام حين سقطت الخلافة الأموية بدحر الدولة الأموية في موقعة الزاب (نفس المكان الذي تتواجد فيه دولة داعش اليوم) وتبعتها الدولة العباسية التي إستمرت منذ منتصف القرن الثامن الميلادي إلي منتصف القرن الثالث عشر حين تولي المغول أمر تدمير الدولة العباسية بالكامل بغزو بغداد وتحطيم دار الخلافة وإحراق المدينة.

كان الأمر وقتها يبدو خطرا داهما علي الإسلام إذ أن التتار لم يكنوا قد دخلوا بعد في الإسلام ولهذا فقد كان إنتصارهم في بغداد تهديدا مباشرا بتصفية كل الدين الإسلامي وإخراج أتباعه من الربقة.

وقد جاءت غزوة التتار هذه في نهايات عصور الدويلات الصليبية التي حاولت أن تستقر في الشرق العربي حول بيت المقدس ولكنها إضطرت للنهاية للخروج حيث أنها مثل كل غزوة، لابد لأرباحها أن تربو علي تكاليفها وإلا أضحي الأمر مضيعة للمال والرجال.

ويذكر التاريخ أن الجيش الذي كتب له أن ينتصر علي هذا الخطر الهمجي كان جيشا قد خرج من مصر لملاقاة التتار في موقعة عين جالوت علي أرض فلسطين، فالمصريون أصحاب عقيدة ستراتيجية مبناها عدم السماح للخطر بالدخول إلي الوادي بل الخروج إليه لملاقاته في شرق البلاد، وهي ستراتيجية ثبت نجاحها منذ عصور الفراعنة. وفى هذه المرة أيضا أثبتت هذه الستراتيجية جدواها إذ أن الجيش الذي تم تجهيزه على أرض مصر نجح في إنهاء التهديد المغولي وفي إنقاذ الدين الإسلامي بأسره من الفناء النهائي، إذ أن سقوط مصر في أيدي المغول كان يعني فتح الطريق إلي أوروبا وشمال أفريقيا بحيث تتم تصفية كل من المسيحية والإسلام بضربة واحدة.

وهذا النصر التاريخي جعل المصريين يشعرون بنوع من التميز عن الشعوب المجاورة إذ أنه قد قدر لهم أن يحتفظوا بلقب حماة الدين الإسلامي (وكانوا من قبل يعتزون بأنهم حماة الدين المسيحي حيث لجأت إلي أرضهم السيدة العذراء هربا من بطش الرومان كما أن وقائع عصر الشهداء كانت في جزء كبير منها وقائع مصرية)..

وبسب وقوع بغداد في القبضة المغولية وتدميرها نتيجة لذلك وضياع كل محتوياتها، ومن قبل ذلك تمزق بلاد الشام وفلسطين في الحروب الصليبية التي لم تطل مصر، فقد تحولت القاهرة التي لم تمس بسوء مباشر من كل تلك الأحداث إلي العاصمة الإسلامية الأولي فقهيا وتعليميا، إذ أن الجامع الأزهر كان قد بدأ يظهر كقبلة للعلم السني عبر كل العالم الإسلامي. وهو ظهور علي كل المؤسسات الدينية الإسلامية الأخري  لم يتوقف منذ ذلك الحين وحتي بدايات القرن العشرين.

 

وبالطبع وكما عرفنا عن طباع المصريين فقد كانوا أكثر من مرحبين بمركزهم الجديد كمقر للفكر الديني الإسلامي وملتقي كل أنظار المؤمنين، فالشعب المصري له تجربة رائدة للغاية مع العقائد والأديان بله كان أول من وضع الدين كمفهوم في سياق الفكر السياسي الإنساني للحكم والتنظيم وسبق الجميع إلي وضع قواعد العلاقة بين المجتمع والمؤسسة الدينية.

أوباما وخامنئي وأفكارهما المُؤسِّسَة

$
0
0

تفصلنا خمسة أسابيع عن انتهاء المهلة التفاوضية بين إيران والدول الست الكبرى حول الملف النووي الإيراني في الرابع والعشرين من آذار المقبل. كلما اقترب الموعد، زادت السخونة السياسية والديبلوماسية في الملف. يرسل أوباما رسائل إلى خامنئي والأخير يرد بالمثل، وتبرز أجنحة الحكم في إيران تمايزاتها حول الصفقة المحتملة، مثلما تظهر المؤسسات الأميركية انحيازاتها حيال الاتفاق النووي الممكن. في كلتا الحالتين المنطقة تترقب؛ فالاتفاق أو عدم الاتفاق سينعكس بشكل عميق على توازناتها الإقليمية.

الأفكار المؤسسة لسلوك أوباما التفاوضي

يواجه الرئيس الأميركي معارضة مؤسسية عارمة لأطروحاته فيما يخص إيران والاتفاق النووي معها، لأسباب ليست فنية أو تقنية، وإنما بضغط متصاعد من اللوبي الإسرائيلي المتحالف مع الأغلبية الجمهورية في الكونغرس. ولا تنحصر معارضة أوباما في الجمهوريين فقط؛ إذ إن السيناتور روبرت مينديز الديموقراطي من ولاية نيو جيرسي أعدّ، بالاشتراك مع السيناتور الجمهوري مارك كيرك من ولاية إلينوي، مشروعاً لحزمة عقوبات جديدة على إيران، في حال انتهت المهلة التفاوضية المقبلة من دون اتفاق. وتزداد الأمور تفاقماً بملاحظة الزيارة المرتقبة لرئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للكونغرس مطلع الشهر المقبل، لشرح موقف دولته من الاتفاق المرتقب مع إيران، وذلك على الضد من رغبة أوباما، وفي إظهار واضح لحجم ومدى النفوذ الإسرائيلي في واشنطن.

يريد أوباما التعامل بشكل براغماتي مع إيران وملفها النووي، تحقيقاً لمصالح أميركا الحيوية في المنطقة ومن ضمنها أمن إسرائيل. على ذلك يعتقد أوباما أن تقليص البرنامج النووي الإيراني إلى أدنى حد ممكن، مع وضعه تحت الرقابة الدائمة، وتقليص عدد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، وإرسال مخزون اليورانيوم الإيراني إلى روسيا، سيضمن عدم وصول إيران إلى سلاح ذري. ولا تقتصر الإجراءات الرقابية على ما سبق ذكره فقط، إنما تمتد أيضاً إلى قطع طريق إيران للوصول إلى القنبلة عبر المياه الثقيلة (تحويل مفاعل «أراك» إلى أغراض أخرى)، وهي مكاسب تفاوضية ممتدة إلى مسافة زمنية عمرها خمسة عشر عاماً – بموجب مشروع الاتفاق - ستمنع إيران بالفعل من التحول إلى قوة نووية عسكرية خلال تلك الفترة. ولا تفوت ملاحظة أن إيران لن يمكنها التحول إلى قوة نووية عسكرية، إلا بالتملص من الرقابة والاشتراطات والعودة إلى التخصيب بمستويات مرتفعة تصل إلى سنة، وهو ما سيعطي أي إدارة أميركية مقبلة فرصة كافية للتعامل مع إيران عسكرياً. في المقابل، يرى المعارضون لأوباما أن إلغاء البرنامج النووي الإيراني هو الوسيلة الناجحة لحل مشكلة الملف النووي الإيراني من أساسها، ويرون بالتالي في أي اتفاق أو صفقة أمراً خاطئاً. تكمن مشكلة معارضي أوباما في أن إيران امتلكت بالفعل دورة الوقود النووي الكاملة، حتى قبل أن يدخل أوباما البيت الأبيض. كما أن إيران راكمت من المعارف التقنية اللازمة لعملية التخصيب، إذ تدور آلاف من أجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية الإيرانية. لذلك لا يمكن قصف المعارف النووية الإيرانية في عقول التقنيين والمهندسين، أو إرجاع المكاسب الإيرانية على الأرض إلى الوراء إلا بضربة عسكرية. بدورها تعتقد غالبية التقديرات الأميركية أن ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية لن تنهي البرنامج النووي الايراني، وانما سترجعه بضعة سنوات إلى الوراء على أقصى تقدير. المشكلة الحقيقية التي يواجهها أوباما أنه لا يستطيع - وربما لا يريد - رفع العقوبات المفروضة على إيران بالكامل عند الوصول إلى اتفاق، وهو ما يهدد فرص الاتفاق في النجاح، لأن المرشد الإيراني يشترط رفعاً كاملاً للعقوبات عند إبرام الاتفاق. لا يتبق أمام أوباما إذاً إلا مواجهة معارضيه في الداخل، وتخيير طهران بين مشروعه للاتفاق من دون رفع كامل للعقوبات أو فتح الباب للفشل، وما يعنيه ذلك الفشل من انتصار لأنصار الحرب في أميركا.

الأفكار المؤسسة لسلوك خامنئي التفاوضي

يعلم مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي أن مشروع الاتفاق النووي هو فرصته ليلعب بورقة الملف النووي في مقابل رفع كامل العقوبات الاقتصادية على بلاده، ومن المفيد في هذا السياق ملاحظة أن العقوبات فرضت على إيران قبل وجود برنامج نووي بغرض تغيير سلوكها في المنطقة. أنفقت إيران عشرات المليارات من الدولارات على برنامجها النووي، وتحملت خسائر أخرى بالمليارات أيضاً من جراء العقوبات الإضافية التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي، ودفعت رأسمالاً سياسياً باهظاً تمثل في عزلتها الدولية لسنوات طوال. هذه الأثمان السياسية والاقتصادية الكبرى، تستأهل من منظور خامنئي ثمناً مناسباً يتوازى مع تكلفتها إن لم يزد عليها. وإذا كان أوباما لا يضمن رفعاً كاملاً للعقوبات عند توقيع الاتفاق، فمن المستبعد أن يقوم أي رئيس أميركي مقبل برفعها.

من ناحية أخرى، يعلم المرشد الإيراني بالضرورة أن أسباب النفوذ الإيراني في المنطقة لا علاقة لها في الواقع بالملف النووي الإيراني، بل غزو العراق واحتلاله العام 2003، وانهيار الدول العربية في المشرق وتراجع القوة العربية الشاملة في الميزان الإقليمي؛ الأمر الذي سمح لإيران بتعبئة الفراغ في المنطقة. لذلك يعد رفع العقوبات الاقتصادية وتطبيع العلاقات مع واشنطن والخروج من العزلة الدولية مناسباً لإطلاق يد إيران أكثر في المنطقة، مع ما يتطلبه ذلك من تغيير للخطاب الإيراني من «مواجهة المستكبرين» إلى «مواجهة التكفيريين»، وهو ثمن زهيد يمكن تقديمه بسهولة. لذلك يريد خامنئي للمفاوضات أن تنجح. في المقابل، فللمفاوضات النووية محاذير تتواكب مع فوائدها في الحسابات الإيرانية، لأن عدم رفع العقوبات بالتوازي مع ضغط أميركي - إسرائيلي - تركي - سعودي بغرض تقليص نفوذ إيران يبدو خطراً ماثلاً في المخيلة الإستراتيجية الإيرانية. ومثلما تعلم إيران أنها مددت حضورها الإقليمي وأن مصالحها تتقاطع إلى حد كبير مع المصالح الأميركية في المنطقة، فإنها تعلم أيضاً أنه ما من قوة إقليمية أو دولة في المنطقة ترغب في رؤية الاتفاق النووي وقد نجح، وليس دولة الاحتلال الإسرائيلي فقط. باختصار تعلم طهران أنها بغضّ النظر عن إبرام اتفاق نووي من عدمه، فإن اصطفافاً إقليمياً قد ينشأ في مواجهتها، وأن ما يمنع هذا الاصطفاف عوامل داخلية في أقطابه، وعوامل عدم حماس الإدارة الأميركية له، ومن شأن فشل الاتفاق أن يحول نظرة الإدارة الأميركية تجاه هكذا اصطفاف. من ناحية ثالثة، أراد خبراء الأمن القومي الإيراني دوماً مواجهة خصومهم في ساحات بعيدة عن جغرافيا إيران، عارفين بتضاريس ومسالك ومسارب تلك الساحات. لذلك فإن تحدي النفوذ الإقليمي الإيراني في المشرق العربي بالتوازي مع إبقاء العقوبات الاقتصادية أو جزء كبير منها على إيران، قد يفتح الباب أمام خطر تحدي السلطة داخل إيران نفسها لاحقاً، وهو سبب إضافي كاف من منظور خامنـــئي لرفض أي اتفاق نووي يهدد نفوذ ايران الإقليمي باعتباره الدرع الواقي لبقاء سلطته في طهران.

الخلاصة

لا تريد إيران الراغبة في اتمام الاتفاق النووي، بشرط رفع العقوبات عنها، أن تبدو في مظهر المتعنّت لتفويت الفرصة على خصومها في الكونغرس للتضييق على إيران؛ وصولاً إلى تصعيد عسكري ضدها في وقت لاحق. لذلك كانت خطابات المرشد الإيراني متتالية لتأييد الفريق التفاوضي الإيراني، وللرد على أوباما وملاقاته في منتصف الطريق. في المقابل، يريد أوباما إبرام اتفاق مع إيران في ضوء امكاناته الفعلية، أي رفع بعض العقوبات بقرارات رئاسية وإبقاء البعض الأخر الذي يتطلب موافقة الكونغرس على رفعها في مكانها. وكلا الطرفين يريد الإفادة من التوازنات الإقليمية البازغة في المنطقة، بما يحقق الفائدة المشتركة لكل من واشنطن وطهران. تقنياً لا يوجد ما يمنع اتفاقاً بين الطرفين، لكن السياق الإقليمي الذي سيخلقه مثل هذا الاتفاق سيبقى محدداً للفشل أو النجاح. شخصياً لا اعتقد بإمكانية نجاح اتفاق يشمل رفعاً كاملاً للعقوبات المفروضة على إيران، لأن ذلك يتخطى موازين القوى داخل الولايات المتحدة الأميركية.


الاستثمار السياسى للإرهاب

$
0
0

لابد أنه قد لفت إنتباه الكثيرين ، حالة الصمت التى أعقبت حادث "شارلى إبدو"، مع توقف الضجيج الإعلامى والسياسى حوله ، بينما يقع الإلتفاف حول النظام الفرنسى ، الذى ينتقل بسرعة إلى "ملاحقة "الإرهاب فى مناطق أخرى !

ومن الطبيعى أن تشغل الأحداث الإرهابية ، الدول والسياسات والمجتمعات ، ومن ثم تصبح جزءا من الظواهر السياسية ، مثل الانتخابات ، أو الانقلابات أو الاضطرابات الاجتماعية ...الخ ! لكن يبقى السؤال خاصا بمدى المعالجة الحقيقية ، سياسية أو أخلاقية أو اجتماعية ، لهذه الظاهرة الخطيرة ...

وتكاد تكون "الظاهرة الإرهابية "الآن ظاهرة مجتمعية فى كافة المجتمعات والثقافات ، مثلما كانت "الجماعات السرية "فى المجتمعات البدائية "مبكرا أو الجماعات الانتحارية ، مثل "الحشاشين"أو "الخوارج "فى العصور الوسيطة . وإذ بالتقنية الحديثة تتيح لعصرنا عولمة "الجماعات الإرهابية "المنظمة والمنتشرة فى كافة القارات والمجتمعات ، و يتوفر الغطاء الثقافى لذلك دائما ، ما دمنا لا نسأل لماذا؟ ففى القديم كانت الأضحية ، وفى العصرالوسيط كان الإيمان ، وفى الحديث كان التمرد أو الرفض أو الفقر إلى أن وصلت ...لآليات "المافيا"للمصالح الكبرى ...!

وبتوفر تكنولوجيا التفوق على الآليات المحلية المتخلفة ( لدى الشرطة والجيوش) تتفوق آليات "مافيا الإرهاب"، وتدخل فى خدمة قوى متنوعة الأغراض ، مثل سيطرة الشركات العابرة للقارات ومنافساتها ، أو النفوذ السياسى على هذه المنطقة أو تلك. وهذا ماتقدمه لنا معظم "الحالات الإرهابية "من أفغانستان إلى الصومال ، إلى المشرق العربى ..وإلى نيجيريا ومالى ....

ومثلما تستغل الدول الكبرى ومصالحها كل ذلك لإثارة الاضطراب أو الفوضى الخلاقة للأغراض الاقتصادية والسياسية الواضحة ، فإن نظما محلية أو إقليمية تستغلها بالمثل لأغراض مختلفة ...فأثيوبيا تستفيد من الإرهاب فى الصومال للتوسع فيه وصولا إلى موانى المحيط الهندى ( بربره – جيبوتى – ....الخ) والعسكريون فى نيجيريا يستفيدون من استمرار "بوكو حرام"فى تجارة السلاح أو السيطرة على الحكم ، ومثل ذلك حالات الشرق الأوسط فى سوريا والسودان واليمن وغيرها بالطبع .

وقد بدت لنا "المسألة الدينية "دائما لفترة تمتد من السبعينيات وما بعدها كغطاء ، مقرونة بالحديث عن الصراع الثقافى والحوار الحضارى ...الخ ، ثم يأتى استثمارها عقب ذلك من قبل قوى ما سمى "بالإسلام السياسى "كوسيلة للصعود إلى الحكم أو محاولة ذلك هنا وهنالك ( مصر- السودان- سوريا ) بل وأصبح الاستثمار شاملا نظم الحكم نفسها الراغبة فى الاستبداد . وما نراه الآن هو تطور جديد يجرى فيه الاستثمار السياسى للظاهرة ، لأبعد من حدود المسألة الدينية أو الثقافية ، وإن ظلت آليات الدين والثقافة على المحك....

فمن المدهش مثلا أننا لم نعد نسمع ضجيجا فى أوربا حول "شارلى إبدو"رغم "المهرجان"السياسى الذى أقامته السلطات الفرنسية ضد الإرهاب فى عاصمة "العقلنة والنور"، لتحشد رؤساء العالم لدعم السلطة التى تؤهل الجميع من حيث ندرى أو لا ندرى "للتكتل الدولى "لمحاربة الإرهاب لكن ,,,فى المناطق الأخرى! دون إجراء واحد لمعالجة الإرهاب وأصوله ومبرراته على الأرض الفرنسية للأن ! و أصبح المؤكد فقط هو أن "الظاهرة الإرهابية تحتاج إلى بيع وترويج السلاح وتدريب "الجيوش الأخرى"، فى المشرق العربى والصحراء الكبرى ، والشمال الأفريقى ! ما دام البتروليون سيدفعون جيدا ...!

ويبدو أن "الاستثمار السياسى "للحالات الإرهابية ، يمتد كل يوم وآخر إلى تفاعلات متنوعة فى كل المناطق . فالحديث حول معالجة حالات الإرهاب واستثماره فى مناطق "الجنوب"أو العالم الثالث يعالج كل الشقوق فى معسكر الشمال ، من حل مشاكل الغرب مع أوكرانيا إلى الموقف من السلاح النووى فى إيران ، إلى ما يبدو من عودة إلى الاقتراب الهادئ من قوى الإسلام السياسى فى المشرق أو الخليج , وشاهدنا هنا هو حالة "التفاوض "التى يدفع إليها الغرب فى سوريا واليمن وليبيا ، وقد يحاولون مع مصر ، ويحكم كل ذلك القدر الذى يحققه من الاستقرار للمصالح الكبرى فى كل هذه الأنحاء . وكل ذلك فى أجواء صفقات السلاح وخطوات التبعية التى لا تهدأ ...

المصالح متعددة إذن " ... فالإرهابيون"يتحركون أو يتحكمون يثروات بترولية كبيرة فى المشرق ، وفى ليبيا ، وتجارة السلاح على أشدها مع الإرهابيين أنفسهم ، أو مع الجيوش المحلية فى علاقاتها بدول تجارة السلاح الكبرى .... ويغطى ذلك عملية تشكيل قوات التحالف الدولى ، دون شرعية دولية "، وهى الظاهرة التى تبلورت من قبل من أجل الصومال ، وانتقلت إلى ليبيا ثم إلى المشرق العربى ، وبسرعة وصلت إلى نيجيريا . ويستخدم غطاء التنظيمات الاقليمية مثل الإتحاد الأفريقى والجامعة العربية فى كل تلك التحركات دون حرج مع شعوبها ....

أين الإسلام السياسى إذن فى كل ذلك ...بل وأين الدين والصراع الحضارى المنوه عنه فى أولى طلعات "المجاهدين"إلى أفغانستان فى السبعينيات والثمانينيات ؟ لا أحد يسمع بذلك الآن.
هناك فقط عصف ذهنى أوروبى حول "الدولة الإسلامية داعش" ....!. ولأن الإرهاب مافيا عالمية مقصودة ، فقد تطورت مسميات "القاعدة "المحلية ، إلى مسمى "داعش"كماركة عالمية موحدة ! لأن مصدر الاستثمار بات واحدا وعالميا بالطبع ! 

ما نأسف له حقا هو موقف أصحاب "الإسلام السياسى "الذين تم استثمارهم طوال الوقت باسم الدين ، فانتهى بهم الحال إلى جيوب صغيرة فى عدد من البلدان هنا وهنالك من الأناضول إلى جنوب البحر الأحمر ، يلهثون فى طلب هذه السلطة أو خدمة لأخرى ...ولا يذكر أحد الآن فى كل المعارك الجارية ، مسألة الدين ولا "الصحوة الإسلامية "الإسم الأصلى للإسلام السياسى ، ولا الحوار الحضارى ....وإنما هناك استثمار عالمى لمعارك باسم الدين ، واستثمار محلى فى أكثر من دولة للظاهرة الإرهابية – الملتحفة بالدين- إما للوصول للحكم عند المقاتلين أو لانجاز اجراءات الاستبداد السياسى وقهرالشعوب ، عند مقاوميهم ...!
بينما كنا نتوقع – مع الن– أن يكون هدف القوى الإسلامية والمسيحية على السواء – هو التنوير العقلانى لفهم الظواهر الدينية ، وليس حتى فكرة "التجديد"التى ستعود بنا للزعم أنها تبحث عن الأصول ، فتقع فى شباك الأصولية ، والصراع مرة أخرى 

نريد التوقف أمام هذه الصراعات ، لوقف الاستثمار السياسى للدين ، حتى لا يتحول إلى استثمار سياسى للإرهاب أو ضده باسم الدين ...أى لابد من خطاب سياسى مدنى جديد للقوى الإسلامية ، تتحول به إلى قوة وطنية مدنية – إن شاءت – بديلا لدور الغطاء السياسى للإرهاب.

 

15-2-2015

السينما / حكاية مدينة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

حتى بداية الستينات من القرن المنصرم ، كانت دور  السينما في مدينة طرابلس الفيحاء اللبنانية  مزدهرة وتلقى إقبالاً شديداً ورواجاً في الدخول اليها ، خاصة الفخمة منها بحيث إن تأخرت في قطع تذكرة في الموعد المحدد فإنك قد لاتجد مقعداً لك  فيما لو كان الفيلم قد سبقته شهرته ولم يسبق أن عرض بأي صالة أخرى داخل المدينة .

وكانت الأفلام الأمريكية ومن ثم المصرية هي الغالب على شاشات العرض . والسينما الأمريكية في ذاك الوقت كان يغلب عليها قصص الغرب الأمريكي من أفلام الكاوبوي   أي رعاة البقر ، ومن ثم الأفلام البوليسية والمافيا . وقد زاد الإقبال على السينما من قبل الجمهور في مطلع  الستينات مع تطور شاشات العرض التقليدية المربعة الى شاشات سكوب عملاقة للأفلام الملونة التي حلت محل الشاشات الصغيرة لأفلام الأبيض والأسود .

وكانت  السينما المصرية متأخرة وقتذاك عن مثيلتها الأمريكية في إنتاج الأفلام الملونة  المبهرة مع التقنية والإبداع في الإخراج . إلا أن التلفزيون الملون مع بداية السبعينات مع إنخفاض سعره أثّر كثيراً في تراجع زبائن السينما التي بدأت بالتناقص والتراجع الى حد إغلاق معظم الصالات بحيث أضحت تعد على اصابع اليد الواحدة لأفلام قديمة يرتادها بعض العاطلين عن العمل و العمال خلال الليل لإضاعة الوقت والتسلية إذ لم تعد تعمل نهاراً تقريباً ،  باستثناء سينما واحدة صغيرة  تعمل في النهار والليل ضمن تجمع تجاري يرتادها الطلاب بتعاون مع المدارس أحياناً  لافلام معينة جديدة  ولكن ببدل عال نسبياً  .

ومن الطرائف التي تروى للدخول الى صالات السينما في حينه ، هي عن سينما "ماجستيك"الشعبية  التي كانت تقع في منطقة النوري بالقرب من الجامع الكبير ، حيث مبنى البلدية حالياً تحت المخفر . وكانت عبارة عن قاعة كبيرة توزعت فيها كراسي الخيزران بشكل عشوائي لتجلس حيث تشاء . وكان ثمن الدخول هو خمسة عشر قرشاً ، أي حوالي سبع سنتات أمريكية ، إلا أنه لم يكن هناك من قاطع للتذاكر  بل تدفع للموظف الواقف على الباب ليسمح لك بالدخول ، إلاأنه كان يكتفي برغيف من الخبز وعليه بعض اللبنة او الجبنة او الزيتون أو الصعتربديلاً عن التذكرة للدخول . وهذا ماكنت أفعله وأولاد الحارة ، إذ كان مصروفنا اليومي أو خرجيتنا لاتتعدى العشرة قروش في اليوم ، لذا كنا نضن بها للشراء من المدرسة ونعطي الموظف  رغيف خبز وزيتون ، أكثر الأحيان ،  نستحضره من مونة البيت ليدخلنا الى السينما .

 إلا أن هذه السينما قد أزيلت في منتصف الخمسينات من القرن المنصرم عند توسيع المفرق في الطريق نحو الجامع الكبير ، كما وشق طريق نحو الرفاعية في نفس الوقت ، ليفتتح عوضاً عنها سينما رويال في ساحة الكورة وسينما النجمة بالقرب من مقبرة باب الرمل .

وكانت السينما في ذلك الوقت تعرض الدعايات لبعض المحلات التجارية داخل المدينة أو عن بعض انواع السلع لماركات مشهورة من مساحيق الغسيل او الصابون ومن ثم تعرض نشرة أخبار دولية فرنسية مترجمة عن أهم الأحداث في العالم لخمس دقائق ومن ثم تعرض أفلام كرتون لخمس دقائق أخرى لتنتهي بعرض مسلسل  " 3 مخاليع "وهو مسلسل هزلي أمريكي لعشر دقائق إضافية الذي كان يلقى رواجاً كبيراً بين الأطفال ، ومن ثم أفلام لوريل وهاردي بمواقفهم الهزلية المضحكة  ليبدأ من بعدها عرض الفيلم الأصيل .

وكانت أفلام طرزان ، رجل الغابات الأبيض  للممثل جوني ويسمولر هي الأشد رواجاً ، وهو أول ممثل لشخصية طرزان الأسطورية  في الأفلام الأمريكية بالأبيض والأسود قبل ان يتقاعد ويخلي دوره لممثلين آخرين عديدين في أفلام ملونة ، ثم تليه في الأهمية أفلام "زورو"المقنع  التي كانت الأكثر شعبية وقبولاً من قبل الصبية  بما فيها من مغامرات وبطولات  ومشاهد حماسية .

أما النساء والصبايا والفتيات فكن يفضلن الأفلام المصرية بما فيها من غناء وعاطفة ودموع ، خاصة تلك التي يسند فيها دور البطولة لعبد الحليم حافظ أو فريد الأطرش أوفاتن حمامة . أما الفتية والشبان فكانوا يفضلون الأفلام الهزلية لإسماعيل ياسين وتلك التي تتضمن مشاهد  البطولة والمغامرات والعصابات لفريد شوقي ومحمود المليجي .

وكانت أسعار تذاكر الدخول تتفاوت بين سينما وأخرى وفقاً لموقعها وفخامتها .فأسعار الدخول في المناطق الشعبية كانت لاتتعدى ال25 قرشاً اي مايعادل 12 سنتاً أمريكياً . أما في المناطق الأخرى فكانت 60 قرشاً في الصالة الأرضية و125 قرشاً في اللوج ، أي الطابق الأعلى من السينما حيث لاضجيج يصدر عن الحضور أو صفير لاختلاف طبقة المشاهدين وتميزها عن زبائن الصالة في اليسر والبحبوحة المالية .

واشهر صالات العرض الشعبية كانت في المدينة القديمة او على أطرافها كسينما النجمة التي اضحت حالياً محلاً للسمانة ثم سينما الشرق في باب الرمل بمواجهة مدافن المدينة   وسينما رويال التي اضحى اسمها فيما بعد  سينما اودويون مع تغير مالكها ، ثم سينما الركس التي اضحت حالياً محلاً للثياب وسينما الروكسي التي هدمت وقام محلها عمارة للمكاتب ومخازن تجارية .

 أما صالات السينما الفخمة فكانت سينما بالاس ، الأشهر ثم لحقتها سينما متروبول وسينما كولورادو وسينما اوبرا في منطقة التل ، أما سينما الريفولي فقد خصصت للأفلام العربية فقط ، وجميعهم أغلق لإنحسار الزبائن لصالح التلفزيون الملون حيث يتفرج  المشاهد في بيته وفي المقهي وفي مخزنه على مايشاء من الأفلام .

أود أن اختم بالإشارة  بأنه خلال فترة الإستراحة لتغيير بكرة العرض السينمائي ، كان يدور بائع أو أكثر بين المشاهدين في صالة السينما في كشّة خشبية مشدودة الى صدره برباط جلدي ، منادياً على المخلل  والمخلوطة اي المكسرات ، والبسكويت والشوكولاه والبوظة  والفستق العبيد والكازوزة والكولا والبوشار والسندويش من الفلافل واللبنة والمربى أحياناً  ، حيث كان المشترين  يتناولون البذر والفستق  ويلقون بالقشور على الأرض ليكنسها العامل في الصباح التالي قبل بداية العرض من جديد الذي كان يبدأ في الثالثة بعد الظهر وينتهي عند منتصف الليل بشكل يومي دائم .

أما في الأعياد فكانت السينما تفتح ابوابها اعتباراً   من الثامنة صباحا لتعمل بشكل متواصل حتى منتصف الليل مع توفر العيدية بين أيدي الأولاد .

 

فنلندا دولة عظمي (2)

$
0
0

وهذا السبق المصري في مجال الدين جعل من العسير تصور فصل الدين عن السياسة – بالمفهوم الأوروبي - في هذا البلد، وإن كان هناك إستقرار علي فصل من نوع مخفف ومخالف مبناه الحرص علي عدم تعدي الحاكم علي قداسة الدين في قلوب المصريين ومراعاته للمشاعر الدينية بينما تلتزم المؤسسة الدينية بتأييد الحاكم والدعاء له علي المنابر – سواء المنابر الإسلامية أو المسيحية – في مقابل عدم تقتير الحاكم في التعامل المالي مع تلك المؤسسة. وبذلك وقع ما يمكن أن يسميه المرء"الفصل في الإختصاصات"  وليس "الفصل في الكيانات"كما هو الحال في أوروبا عقب تجاربها الطويلة مع الكنيسة، وهو فصل مخفف كما أسلفت.. ودراسة العلاقة بين الحكم والكنيسة في أوروبا تسهل بالمقارنة بدراسة العلاقة المناظرة لها في دول الشرق، إذ أن دول الشرق كانت هي مصدر كل الفكر الديني عبر التاريخ سواء كان هذا الفكر توحيديا أو تعدديا، كما أن التاريخ الديني للشرق يسير متوازيا مع التاريخ العام لتلك المنطقة، فلا شرق بلا دين، بينما التاريخ الديني للغرب هو في حقيقته تاريخ مسيحي فقط،إذ أن ما كان موجودا قبل ذلك كان نوعا من اللادين أو التحرر من الدين، سواء في زمن الإمبراطورية الرومانية أو الشعوب الأوروبية الشمالية الغير خاضعة للرومان.

 وليست هذه المقارنة محلا لموضوعنا هنا ولكن التنويه إلي طبيعة هذا الفرق هو أمر لازم لفهم وإدراك العوامل التي جعلت من مصر تلك "القوة العظمي"في مجال الفكر الديني.

وقد كان هذا هو النموذج الشرقي التعايشي في التعامل بين المؤسستين، فلا رجال الدين يريدون الحكم ولا رجال الحكم يتدخلون في شئون الدين،مع إحتفاظ رجال الحكم بالكلمة الأخيرة والمرجعية العليا في كل شىء.

والإمبراطورية العثمانية لم تكن خروجا عن هذا التفاهم، فشيخ الإسلام فيها كان في نهاية المطاف أحد رعايا السلطان وعندما دب بينهما أحد أنواع الخلاف قام الثاني بإعدام الأول بدون تردد ولم ينبس أحد من رجال الدين بكلمة إعتراض واحدة، فالسلطان كان هو الخليفة. وهذا الفصل الإختصاصي  والقائم  منذ القدم ظل ساريا في مصر أيضا حتي بدايات أو منتصف القرن العشرين، وهناك واقعتان هامتان في التاريخ تظهران بوضوح طبيعة الفكر الديني المصري في مواجهة مركز السلطان الخليفة في مصر.

1. في النصف الأول من القرن التاسع عشر وقع أن حاكم مصر محمد علي قرر أن السلطان العثماني قد غبنه حقه ولم يعدل في معاملته بالمعاملة التي يستحقها نظير خدماته لمقام السلطنة سواء في الحجاز أو في اليونان وبالتالي فقد شق عليه عصا الطاعة ودخل في نزاع مسلح مع الدولة العلية التي هي فى أساسها دولة قائمة علي مبدأ الخلافة الإسلامية التي تتبعها مصر. فما هو رد فعل المؤسسة الدينية المصرية لدي رؤيتها لحاكم البلاد يتحدي خليفة رسول الله؟

2. وفي النصف الأول من القرن العشرين وقع أن من يضعون أيديهم علي مصر بحكم الإنتداب قد زجوا بالفلاحين المصريين في أتون حرب عالمية يقاتلون فيها ضد قوات السلطان الذي يحمل في نفس الوقت لقب خليفة رسول الله. وقد قاتل هؤلاء المصريون ولم نسمع عن إنشقاق واحد من هؤلاء الفلاحين بسبب مكانة السلطان الدينية. فماذا كان رد الفعل الصادر عن المؤسسة الدينية المصرية؟

 

لو تفحص المرء هاتين الواقعتين لتوصل إلي عدد من النتائج الكاشفة.

المصابغ والكوي / حكاية مدينة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

كانت المصابغ أو محلات الكوي  في مدينة طرابلس الفيحاء  اللبنانية من خمسينات القرن الماضي قليلة جداً . إذ أن معظم الناس كانت تكوي ثيابها في بيوتها ، لأنه من النادر في ذاك الوقت أن يرسل أحداً ثيابه للمصبغة للتنظيف أو الكوي ، الإ عائلات من الطبقة الوسطى والأثرياء ، التي كانت تقتصر على البذلات والقمصان والبناطلين الرجالية والفساتين النسائية ومايصعب كويه في البيت من برادي وشراشف مطرزة بخيوط الحرير للطاولات او الأسرّة .

وكان تجمّع معظم المصابغ الكبيرة في شارع عزالدين ، الموازي  لشارع التل ، التي كانت تتميز عن المصابغ الصغيرة في الأحياء الداخلية بالتطور مع كل تحديث يطرأ . وقد انتقلت في عملها من مكاوي الفحم الى مكاوي الحديد التي كانت توضع فوق بابور كاز على الأرض ، ثم ترفع بعد ان تصبح جمراً بسيخ  من حديد طويل ينتهي بمسكة خشبية ثم يعمد المكوجي  الى تغطيسها في سطل ماء للتخفيف من حرارتها ليتصاعد منها البخار الكثيف الحارق ، ثم يضعها على طاولة الكوي ليمسك مقبضها بخرقة من القماش سميكة مطوية لعدة طويات ثم يبدأ بكوي الثياب بعد أن يضع فوقها قطعة من الكتان الأبيض يرطبها بإسفنجة مبللة بالمياه بين سحبة وأخرى . ولو أخطأ احدهم وغطّس المكواة في سطل المياه دون الإستعانة بسيخ الحديد لاحترقت يده فوراً من البخار الحارق واحتاج لعلاج فوري في المستشفى .

أما المصابغ الصغيرة في الأحياء  والزواريب فكان يقتصر عملها على الكوي بمكواة الفحم في الأربعينات ومن ثم مكواة الحديد مع بداية الخمسينات . ومكواة الفحم شبيهة بالمكواة العادية ، إلا أنها تعلو بسماكة 12 سنتم عن الأرض تقريباً ،  دون مقبضها الخشبي ، حيث كانت تفتح كالعلبة  من فوق ليوضع فيها الفحم وبعض السبيرتو الزرقاء على خرقة قماش وتشعل بعود من الكبريت وتترك حتى يلتهب الفحم ويصبح جمراً ، ومن ثم يتم الكوي بها بعد وضع قطعة قماش مرطبة بالماء على الثوب حتى لايحترق .

وكانت ربات المنزل تستعمل نفس المكواة ولكن بحجم أصغر . إلا ان محلات الكوي كانت تستعمل عدة مكاوي دفعة واحدة تشعل فحمها بأوقات متفاوتة بحيث ما أن يستهلك الجمر في إحداها وتبرد حتى يعمد الى استعمال الأخرى فوراً التي تكون قد اصبحت جاهزة لمواصلة العمل دون توقف لتلبية حاجات الزبائن .

اما عملية تنظيف الثياب قبل كويها فكانت تتم بوضعها في وعاء ماء مع برش الصابون ، ومن ثم مع مساحيق الغسيل في وقت متأخر من الخمسينات ، لتفرك باليد ومن ثم تنشر في الهواء الطلق على حبل عال يمتد في أزقة الشارع من طرف الى أخر حتى المساء ومن ثم ليتم كويها في اليوم التالي .

إلا أن هذه المهنة قد تطورت مع بداية الستينات ، إذ أصبحت المصابغ الصغيرة تستعمل المكواة الكهربائية بدلاً من الجمر  وكذلك البيوت لتصبح مكواة الفحم اثراً نادراً من التراث .

أما المصابغ الكبيرة في شارع عزالدين فقد تطورت الى استعمال الأجهزة البخارية لكوي الملابس ، إلا انها ظلت تغسل الثياب باليد الى أن ظهرت في شارع يزبك ، المتفرع من وسط التل ، مصبغة حديثة أكثر تطوراً تغسل الثياب وتعقمها وتنشفها في وقت واحد في جهاز كهربائي  كبير أشبه بخزانة حديدية ضخمة ومن ثم تحيلها للكوي على البخار مباشرة كما حال المصابغ اليوم ، بحيث ان معظم المصابغ الصغيرة والكبيرة التي لم تتطور مع الحداثة قد اغلقت جميعها مع منتصف السبعينات لتحل محلها المصابغ الكبرى الحديثة .

أختم بالإشارة الى ان المصابغ كانت لاتصبغ الثياب مباشرة من خلالها بل ترسلها الى مصابغ متخصصة بصباغ الأقمشة والجلد  والثياب فقط دون الكوي .

إلا أن من ميزة هذه المصابغ أو بالأحرى محلات الكوي في أنها كانت إن  رأت فتقاً او تمزقاً في ثوب او نقص في الأزرار فكانت تصلحه دون اي أجر إضافي ، إذ كان لديهم دائماً من يجيد  مثل هذه الأعمال ، أما الآن فإنها اعفت نفسها من تقديم مثل هذه الخدمات  نهائياً .

فنلندا دولة عظمي (3)

$
0
0

الثابت أنه في الواقعتين لا يجد الباحث أي دلائل جدية علي حدوث معارضة من جانب المؤسسة الدينية (الأزهر المصري) لتصرفات الحكام.

فالواقعة الأولي أن محمد علي كان قد إرتقي الحكم بمطالبة شعبية من وجهاء البلد وعلمائها (أو من تسميهم الشريعة أهل الحل والعقد) وكان ذلك عام 1805. واستمر الرجل في سدة الحكم حتي وفاته عام 1849 طبقا للمعروف من المبادىء الشرعية من أن الخروج علي الحاكم لا يصح إلا إن هو خرج عن مقتضي الشرع الإسلامي أو أنكر ما هو معروف من الدين بالضرورة. وبالطبع فإن الأزهر المصري في ذلك الوقت قام بتقييم الموقف ووجد في نهاية بحثه أن محمد علي لم يخرج عما هو معروف من الدين بالضرورة ولم يكفر أو يخرج عن الربقة وبالتالي فهو لا يزال متمتعا بشرعيته التي حازها عام 1805 وامتدت مع كل سنوات حكمه حتي توفاه الله.

ومحمد علي عاد مرة أخري عقب كل تلك المعارك ضد السلطان فتصالح معه وزار الآستانة في نهاية حياته وصدر من السلطان فرمان يثبت مقررات مؤتمر لندن التي تعطي محمد علي إستقلالا داخليا في مصر يجعل حكمها واقعا في ذريته من الذكور في قابل الأيام. وبهذا فقد تحولت البيعة التي حصل عليها محمد علي من أهل الحل والعقد إلي أحقية في ملك وراثي بموافقة الخليفة وهو نفس النظام الذي سار عليه نهج الدولة الإسلامية منذ الفتنة الكبري. وعلي ذلك فلم يكن هناك شيئ غير مالوف يجعل المؤسسة الدينية تعارض ما هو جار من أحداث. هذا عن الواقعة الأولي..

أما الواقعة الثانية فقد كانت أكثر تعقيدا، إذ أن الجند المصرية خرجت تحت لواء بريطاني مسيحي بغرض محاربة جيش الدولة العلية التي تمثل الخلافة المحمدية وكان إسهامها الحربي مهما كان متواضعا من أحد أسباب هزيمة الدولة العثمانية هزيمة نهائية في الحرب العالمية الأولي مما جعل من إستمرار وجودها نفسه نوعا من العبث إذ أن السلطان محمد وحيد الدين قد قبل شروط المنتصرين بإعادة المنطقة الساحلية إزمير إلي اليونان وإقامة دولة مسيحية أرثوذكسية تكون العاصمة العثمانية إستنبول عاصمة لها وهو تقويض صريح لكل ما حدث خلال الخمسة قرون السابقة. كل هذا قبل به السلطان محمد وحيد الدين ولم يجد الحلفاء المنتصرون من يتصدي لهم سوي ضابط عثماني من الجيش المنهزم نجح في لملمة بعض شتات من فلول الجيش المنحل إلي جانب بعض المتطوعة من المدنيين وقام بمهاجمة القوات الأوروبية المنتصرة وحرر تركيا من نتائج مؤتمر فرساي، إنه مصطفي كمال الشهير بكمال أتاتورك أي أبي الترك..

ولكن جزاءه عن فعلته كان عكسيا، فإسمه لا يذكر إلي اليوم إلا في صحبة اللعنات رغم أنه صحح خطأ السلطان (الخليفة) وضرب بمقررات فرساي عرض الحائط..

وربما أن المؤسسة الدينية المصرية لم تكن مرتاحة لا إلي خروج الفلاحين المصريين لحرب خليفة رسول الله ولا مرتاحة لتصفية الخلافة ولا إلي الإتجاه التغريبي الذي إتخذته صفوة البلاد في ذلك الزمان. إلا أن المؤسسة الدينية لم تتجاوز في نعبيرها عن عدم الراحة حدود الإتفاق الساري منذ القدم، الحكم لكم والمنبر لنا لكي ندعو لكم من عليه..

والواقع هو أن تلك الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولي كانت فترة غير عادية في جميع أنحاء العالم، بل هي البداية الحقيقية للقرن العشرين والنهاية الفاصلة لما قبله من قرون.

فقد الحصان دوره التاريخي في القتال وأصبحت السيادة للدبابة علي الأرض وللطائرة في الجو..

قفز البترول لكي يصبح السلعة الستراتيجية رقم واحد في العالم حيث أن كل تلك الاسلحة اللازمة لخوض الحرب تتحول إلي خردة في غيابه..

الحروب المستقبلية سوف تكون جميعا حروب منتجات صناعية تكنولوجية ولن تلعب شجاعة الجنود ولا روحهم المعنوية دورا كبيرا في حسمها.

سقط حكم القياصرة الروس كآخر أسرة تحكم بالحق الإلهي.

سقط حكم القياصرة النمساويين في إنهيار مشابه للإنهيار الروسي.

سقط حكم آل عثمان اصحاب لقب الخلافة المحمدية وأصبح المسلمون لأول مرة منذ موت الرسول بلا خليفة.

سقط كذلك حكم القيصر الالماني واصبحت المانيا جمهورية.

سقط حكم الإمبراطورية الصينية قبل ذلك بعدة سنوات وبدأ القرن العشرون وامتدت أحواله القلقة من الصين إلي أوروبا .

قامت في روسيا حكومة تعتنق المذهب الشيوعي الإجتماعي الإقتصادي الذي تتم تجربته لأول مرة في التاريخ وهو نفس المذهب الذي قضت علي أول تجاربه طلقات المدافع والبنادق التي إستعملها الجيش الفرنسي مصحوبا بالجيش الالماني في عام 1871 ليحصد بالقتل المكثف أول تجربة حكم شيوعي في التاريخ فيما أصبح يعرف بحكومة باريس التي لم تستمر لأكثر من شهرين. La commune de Paris (إشتقت الشيوعية بعد ذلك إسمها من تلك الحركة)..

عرف العالم لأول مرة في تاريخه أن هناك قوة ذات إمكانات هائلة لسيادة العالم تسمي الولايات المتحدة الأمريكية كان دخولها الحرب في مرحلتها النهائية سببا مباشرا لنصر الحلفاء.

خرج الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (الديموقراطي) علي العالم بمشروعه ذي النقاط الأربع عشرة والذي يدعو في أساسه لتصفية الإستعمار وتحرير الدول الراغبة في الحرية.

ظهر إلي الوجود لأول مرة إقتراح إنشاء منظمة دولية عالمية يمثل فيها القوي والضعيف جنبا إلي جنب وكان إقتراحا أمريكيا من نفس الرئيس صاحب النقاط الاربعة عشر.

 

أنها حقا تغيرات هائلة بل تعد إنقلابا علي كل التاريخ الإنساني الذي عرف قبله، وقد حدث ذلك في فترة قصيرة للغاية، فأصيب العالم بالدوار والحيرة العميقة وعدم القدرة علي التكيف..

 

ومصر لم تكن في معزل عن كل تلك التغيرات، بل كانت في مركز القلب منها إذ وقعت الواقعة في مصر..

هل تخلًت أمريكا عن داعش ؟!

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

هل تخلت أمريكا عن مليشيا داعش الإرهابية التكفيرية ؟ سؤال قد يبدو طرحه غريباً  للوهلة الأولى . ولكن مع عودتنا قليلاً إلى الوراء ، الى المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض من أب الماضي من العام 2014 ، فقد أعلن عن قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام "المعروفة بداعش ، معترفاً بها كدولة أمر واقع على أجزاء كبيرة ممتدة من وسط العراق حتى وسط سوريا في تقسيم جديد معلناً إنتهاء العمل بإتفاقية سايكس بيكو وتقسيماتها الى غير رجعة لصالح تقسيمات مستجدة يفرضها واقع المنطقة التي تقتضي تقسيم العراق الى ثلاث دويلات ، إحداها الدولة الكردية في الشمال ، وأخرى سنيّة داعشية في الوسط ، وثالثة شيعية تمتد من جنوب بغداد حتى البصرة مما أثار الإستغراب والدهشة .

إلا أن الحيرة كانت أكبر عندما أعلن أوباما قبل فترة عن تكوين تحالف أمريكي أوروبي عربي لضرب مقرات داعش التي اضحت خطراً على مصالح أمريكا والغرب ودعوة العرب الى تشكيل قوة مشتركة لمواجهة داعش ؟! .

فما الذي تغيّر لتُغير أمريكا موقفها من دولة داعش التكفيرية ولمّا   يمض أشهر على إعترافها بها ، رغم أنها تتطابق ومخططات الإحتلال الأمريكي  في تقسيم العراق وتمزيقه وتقويض جيشه وأمنه واقتصاده بما يتلاءم والمصالح الأمريكية وأمن إسرائيل .

إذن لنبحث الظروف التي أدت الى تشكيل تنظيم داعش والأسباب التي دعت أمريكا الى الإعتراف به كدولة أمر واقع  به ومن ثم  سحب اعترافها منه والدعوة الى استئصاله ؟!.

إن من أهداف أمريكا في إحتلال العراق كما اسلفنا أعلاه هو تجزئة العراق الى ثلاث دول ، كردية وسنية وشيعية ، إلا أنها عجزت عن ذلك مع تصاعد المقاومة والفوضى والمشاكل  التي كانت تثيرها المليشيات المذهبية الشعوبية الموالية لإيران   في أعمال الإبادة والقتل والتهجير  ضد العرب المسلمين ،  ومحاربة جيش الإحتلال الأمريكي بهدف إخراجه من العراق للإستفراد به وجعله ولاية إيرانية .

إلا أن إصرار واشنطن على تقسيم العراق وخلق دولة عربية سنية في وسطه جعل طهران تلجأ الى حل أشبه بالإنتحار  وهو إقامة تنظيم مليشاوي إرهابي يدين بالإسلام برأس عربي مغيب غير منظور سوى بالإعلام  ، يكون موالياً لها ومتمماً لمليشياتها الشعوبية الإرهابية التكفيرية  . فكان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا المعروف بداعش ، الذي تم تشكيل نواته بأوامر مباشرة  من طهران الى حكومة نوري المالكي الموالية لإيران بإطلاق سراح آلآف المساجين من المجرمين الخطرين في سجون بغداد شرط التحاقهم بداعش في سوريا ، عقب جلاء الإحتلال الأمريكي من العراق نهاية العام 2011 ، حيث تم استلحاقهم فوراً بعناصر من المخابرات الإيرانية معظمهم من مواطني عربستان الذين يجيدون العربية ، بالإضافة لمرتزقة  من بعض الدول الأفريقية والأوروبية والأمريكية من اللصوص وعتاة المجرمين ،  الى حد الإستعانة بعاهرات الغرب وبيوت الدعارة لارسال بناتها للإلتحاق بداعش والتزوج من أمرائها للعيش حياة مرفهة بأفضل من وضعهم المذل ، مما اعطى دفعاً لخريجي السجون والعاطلين عن العمل في معظم أنحاء العالم للإندفاع نحو سوريا والعراق للإلتحاق بداعش في سبيل وضع مالي ومعيشي افضل  بما في ذلك من سلطة ونفوذ وتعدد للزوجات ، عدا التمتع بالنساء من السبايا والكافرات وفق الفقه الداعشي .

إلا أن إيران كانت تفضل ، عدا مواطنيها ، المجموعات الشيشانية والروسية نظراً لعمق تحالفها مع روسيا التي كانت تسهل لها هذا الأمر ، حيث استحضرت أخطر المجرمين ليعملوا وفق فقه العقيدة الإيرانية التي تتيح قتل المسلمين العرب الكفرة كيفما اتفق .

ومن هنا كانت جرائم مليشيا داعش متممة لأعمال المليشيات الإيرانية والحرس الثوري في العراق وسوريا في أعمال القتل والإبادة والحرق والتهجير الطائفي والمذهبي وتدمير المدن والقرى واستباحة النساء وتكفير جميع العرب والمسلمين .

وعليه فإن حكومة نوري المالكي بعد إطلاق سراح السجناء  العراقيين عمدت فوراً الى تسليح داعش بأحدث الأسلحة الحربية بأن أمرت بعض قادة  الجيش العراقي بالإنسحاب من الثكنات  وتسليمها مع كل آلياتها العسكرية الى تنظيم داعش ، خاصة في ولاية الموصل تحت حجة العجز عن مقاومتها .  فحصلت دولة داعش بذلك على مئات الدبابات والمدرعات والاليات العسكرية والمدافع ، مما جعلها أقوى مما تبقى من الجيش العراقي النظامي  ، لتقوم أمريكا بإلقاء المزيد من السلاح اليها من الجو دعماً لها من قبل أن تقرر محاربتها والتخلص منها .

لقد نشأ تنظيم داعش بتعاون بين المخابرات السورية والإيرانية والعراقية بداية العام 2012 تحت عنوان اسلامي سني زوراً لمواجهة الجيش الحر والثورة السورية بتكفير كل مشارك فيها ، إذ ان قادتها من عناصر المخابرات السورية والإيرانية الملثمين الذين استباحوا كل المحظورات الدينية والأخلاقية في قتل المدنيين الأبرياء في عملية استحضار من ظلامية التاريخ  لممارسات القرامطة والخوارج ضد المسلمين والعرب .

ولكن وفق المثل السائر فإن حساب الحقل قد لايتطابق دائماً  مع حساب البيدر  عند الحصاد ، وهذا ماحصل مع إيران وأمريكا مع تنامي تنظيم داعش وتوسعه. إذ أن أمريكا كانت قد وافقت طهران على إقامة هذا التنظيم التكفيري بعد وساطة بريطانية ، ليكون بديلاً للعشائر العربية لإقامة دولة إسلامية وسط العراق بعد تقسيمه وذلك بعد ان تعهدت إيران وأكدت بولاء داعش   لها نظراً لانها هي من كونته واستقدمت المرتزقة اليه ومولتهم وسلحتهم وعينت قادته من المليشيات الشعوبية العراقية الموالية لها .

وامريكا بتفاهم وإقناع بريطاني أمِنت للمخططات الإيرانية وإن لم تأمن لحكام طهران في إنشاء تنظيم داعش والإعتراف به نظراً الى أن مهماته متممة لأعمال المليشات الشعوبية الإرهابية الإيرانية في العراق وسوريا بكل سلبياتها ضد العرب والمسلمين ، مما يمكن أمريكا أن تجعل من دولة داعش ، الممتدة على اراض من  سوريا والعراق ،  منطلقاً لتفتيت العالم العربي بأسره وتقسيمه وتدمير جيوشه ، بديلاً عن النظام الإيراني بمليشياته الشعوبية بعد تصاعد أعماله الإجرامية المذهبية مما جعله مكشوفاً ومرفوضاً  من العرب كما إسرائيل ،  بعد كشف توجهاته ضد الأمة العربية  .

 لذا لجأوا الى واجهة سنية ولكن ضمن النفوذ الأمريكي نفسه  والرعاية الإيرانية ذاتها في معاداة العرب والمسلمين ،  بما يحفظ أمن إسرائيل واستمرارها ، كما ويسىء لسمعة العرب والمسلمين في بلاد الغرب الذين يجهلون المخططات الصهيونية الأمريكية في هذا المضمار ، بحيث يمكن مواجهة تمددهم المؤسساتي المالي والعقاري والإعلامي  في أوروبا وأمريكا ، لأن هذا التمدد العربي قد يشكل خطراً على مصالح الصهيونية العالمية والشركات الأمريكية مستقبلاً إن ظل على هذا المنوال  في أسواق البورصة ، خاصة في اسواق وول ستريت في نيويورك التي هي مصدر قوتهم وسيطرتهم على القرارات السياسية الأمريكية والغربية وصناعتها .

إلا أن المشكلة التي واجهت أمريكا هو فشل إيران في السيطرة على داعش ، كما سبق أن تعهدت ، التي اضحت موئلاً للقاعدة ووعاء للمجرمين والخارجين عن القانون من كافة انحاء العالم الذين خرجوا اصلاً على دولهم ومجتمعاتهم ودينهم لاختلال في عقولهم وضعف إيمانهم وحب التسلط والسيطرة والقتل كما عادة كل المجرمين على مدى التاريخ ،  فكيف يمكن ان يدينوا لإيران أو أمريكا او اي دولة أخرى بعد أن اصبح لهم مواقع سلطة ونفوذ وآبار نفط بهمة أمريكا وإيران ؟!.

 لقد سبق لامريكا أن أنشأت تنظيم القاعدة لإجلاء الروس عن افغانستان ثم فقدت سيطرتها عليه ليصبح عدواً لها مع توقفها عن تمويله وتسليحه ودعمه ، كما حال النظام الإيراني الذي أضحى على عداء معها رغم أنها أقامته على حساب الشاه وأدخلته العراق ووهبته له . إلا أن طهران سعت الى تطويع أمريكا لإرادتها بمحاولة إبتزازها أثناء تواجدها في العراق ، إذ أنها  تطمع في المزيد من السيطرة على العالم العربي إلى حد  انها تهدد أمريكا بين فترة واخرى بإثارة القلاقل في وجهها ، كما وتهدد بمحو حليفتها إسرائيل من الوجود إذا لم تستجب واشنطن لرغباتها وأطماعها  في السيطرة على العالم العربي وصناعة القنبلة الذرية ؟

وحال أمريكا ، عندما أوكلت أمر العراق لإيران ، كحال صاحب الغنم الذي أوكل  أمر رعاية قطيعه للذئب لينهش فيها كما يشتهي وفق طبيعته التي لايمكن تغييرها في عدوانيته التي جبل عليها.

ومن هنا فإن فقدان إيران السيطرة على تنظيم داعش بدأ بعد تمدده من سوريا إلى  العراق  الذي وجد في العشائر العربية وبقايا الجيش البعثي العربي العراقي  المعارض للحكومة العراقية ، مدخلاً للثورة ضد النفوذ الإيراني في العراق واسترجاع السلطة والحكم ، فأتخذت من داعش بعد تحالف الضرورة معها غطاء مالبث ان توسع في أعمال التفجير في العاصمة بغداد  بما شكل خطراً على الحكومة العراقية الموالية لأمريكا وبالتالي تهديد إيران عسكرياً في عمق دارها في محاولة  للتمدد نحو معارضة الداخل الإيراني والتنسيق معها لقلب الحكومة الإيرانية مما ادخل الذعر في قلوب الأمريكان .

 إذ أن واشنطن لازالت تأمل ب"جزرتها "العراقية من الإستمرار بإحتواء إيران والتمسك بها من خلال بريطانيا كنظام هش كما الرجل المريض  ، لاستعمال مليشياتها الشعوبية في الداخل العربي لتقويض الأنظمة العربية وتفتيت دولها وتشتيت جيوشها كما حصل مع جيوش العراق وسوريا وليبيا واليمن بما يريح إسرائيل ويحفظ أمنها حاضراً و مستقبلاً.

 لذاسارعت أمريكا منتصف  العام الماضي الى العودة سريعاً للعراق دعماً لنفوذ طهران فيه ودفعاً للخطر عن النظام الإيراني الذي لم تنته الحاجة إليه مع توجهه العدواني ضد الأمة العربية خاصة دول الخليج ، ومقاومة وعرقلة  اي تحركات عربية حدودية ضد إسرائيل التي تنعم بالأمن والسلام بأفضل من اي دولة عربية وفق توصيف الأمين العام لحزب الله اللبناني في الرسالة التي حمّلها للمبعوث الروسي بوغدانوف الى نتنياهو وأعلنها في الصحف من اجل حصول موافقة إسرائيل على دخول سوريا لمشاركة الحرس الثوري والمليشيات الشعوبية العراقية وداعش والنصرة في قمع الثورة الجماهيرية للشعب والجيش ضد النظام الذي سلم أمور البلاد لإيران كما هو حاصل في العراق  .

لذا فإن استهداف الطيران الأمريكي وطيران التحالف لمواقع دولة داعش ، إنما هو استهداف لإعادة تحجميها  وتطويعها للمخابرات الإيرانية والعراقية في أعمال الإرهاب المخطط لها في سوريا والعراق وعدم تجاوز حدود دولتها ، التي رسمها لها الرئيس أوباما في مؤتمره الصحفي الشهير عقب اعترافه بها ، مع محاولتها التمدد خارج حدودها المعترف بها الى حدود الدولة الكردية ومدنها وقراها لضمها اليها ، إذ تُعتبر الدولة الكردية خطاً أحمر بالنسبة لأمريكا وروسيا والغرب يمنع تجاوزه  او التعرض له حتى من إيران أو العراق أو اي دولة أخرى .

ولكن المشكلة أن داعش اضحت دواعش عدة أي عصابات ومافيات مسلحة ومجرمين جاؤوا  من دول عدة عديدة ، من ادنى الأرض ومشارقها ومغاربها الى العراق وسوريا من اجل السرقة والتسلط  والنهب بحيث ضاعت داعش الإيرانية الأمريكية الأساسية وبالتالي فقدت  السيطرة عليها من قبل إيران ومن ثم تخلي ثورة الجيش العراقي الصدامي عن تحالفه مع داعش بعد أن شعر ان قياداته مستهدفة منها مع اكتشافه لعناصر مخابراتية إيرانية وأمريكية وبريطانية وإسرائيلية  متغلغلة بقوة داخل تنظيم داعش الذي لم يعد  يُعرف اصله وفصله مع تعدد التنظيمات الداعشية في العالم العربي .

 إذ اضحى داعش ، كما القاعدة عنواناً لكل عصابة في سوريا والعراق ،  الذي اضحى تعدادها يفوق الألف عصابة ، كلها تتخذ من اسم داعش تعريفاً لها . إلى حد تمددها الى خارج الحدود حيث اتخذت بعض التنظيمات الإرهابية الليبية شعار داعش واعلامها عنواناً لها للتعريف عن نفسها بعد أفول نجم "القاعدة"التي تخلت عنها أمريكا وإعلان زوالها بمقتل زعيمها بن لادن لتعترف بتنظيم داعش كبديل عنها .

لذا يصعب السيطرة على هذا التنظيم مادامت أمريكا تدعم النظام الإيراني في  إنشاء جيش عراقي من 120 ألف عنصر كمرحلة أولى ، معظمه من المليشيات الهمجية  الإرهابية الإجرامية الشعوبية بحجة أنها  أمر واقع ، التي لم تكن  المنطقة لتعرفها لولا   ا لوجود الإيراني في العراق .

لذا فإن خلاف أمريكا مع داعش هو خلاف إعلامي مخادع وإلا لما انشأتها وسلحتها من خلال إيران .وطيران التحالف  لايستهدف داعش ،  بل يستهدف التنظيمات الموازية لها وفق إحداثيات يرسلها تنظيم داعش الموالي لطهران ويمنعها من التمدد خارج حدودها المعلنة من أمريكا  .

 

فنلندا دولة عظمى

$
0
0

كل دولة في العالم لها شيء تتميز به على باقي الدول. ففنلندا، على حد قول أحد ممثليها، هي قوة عسكرية عظمي في مجال حفظ السلام الدولي. وتتميز مصر بانتاج الفكر الديني الاستئصالي.

هذه هي سلسلة مقالات يكتبها أيمن زغلول.


فنلندا دولة عظمي (4)

$
0
0

فهم المصريون بسرعة حجم التغيرات الهائلة وأدركت صفوتهم المتعلمة تعليما غربيا أن الفرصة قد سنحت لكي تنشأ عملية إعادة نقسيم للثروة وللسلطة في المجتمع المصري، وبالذات إعادة تقسيم تصب في مصلحة المصريين من أبناء القطر المصري بعد سقوط الدولة التي كانت تحمي وتبدي العنصر التركي الشركسي علي غيره من العناصر. كما أدركت الصفوة أنه لابد من كتابة دستور جديد يجعل الملكية في مصر ملكية دستورية وليست ملكية مطلقة، وهي خطوة هائلة الدلالة في مجتمع لم يعرف طوال الستة آلاف عام السابقة علي ذلك سوي الملكية المطلقة القاهرة المستبدة.

كذلك تجرأت الصفوة ووضعت نصا في دستور مصر الجديد يؤكد علي حرية العقيدة مطلقا بلا حدود. وهذا هو ما يهمنا فيما نحن بصدده.

عرف المجتمع المصري في عشرينات القرن العشرين تطبيقا كاملا لهذا النص بحيث لم يكن الملحدون يخجلون من المجاهرة بأنهم ملحدون، وهي حالة فريدة في التاريخ المصري الذي يقوم في 100% من وقائعه علي الربط بين الدين والقبول المجتمعي. ولم ينتج عن ذلك لا عنف ولا إحتكاك بل ولا حتي إعتراض. والحادثتان اللتان يذكرهما التاريخ هما قضية علي عبد الرازق وكتاب الإسلام وأصول الحكم وقضية طه حسين وكتاب الشعر الجاهلي، والحالتان لم تتخذ حيالهما أية إجراءات من جانب الدولة التي إلتزمت بالدستور وحكمه السابق ذكره.

ولئن كان هذا هو الخط العام في المجتمع المصري إلا أن الأمر لم يسلم من وجود بعض التيارات الهامشية التي بقيت بلا أثر يذكر في الحياة السياسية والتي كانت تبكي علي الخلافة الضائعة. وأهم هذه التيارات كانت بعض أجنحة الحزب الوطني الذي كان مصطفي كامل قد أسسه في العقد الأول من القرن العشرين. وهذا الحزب كان ينادي بجلاء الإنجليز عن كل مصر ولكنه كان في نفس الوقت ينادي بالحفاظ علي مصر جزءا من الخلافة العثمانية حتي عقب تصفيتها.

والغريب أن هذا الحزب كانت له ذراع سرية مقرها المانيا !! وكان من ضمن هذه المنظمات السرية منظمة تسمي الحزب الراديكالي. وهذا الحزب كانت له إتجاهات إسلامية معادية للأزهر ولكنها في نفس الوقت ِإشتراكية تطالب بإعادة توزيع الثروة وهي مطالبة تشابه ما كانت تطالب به الحركة الشيوعية في أوروبا، وهنا لا يمكن إغفال التاثير الألماني إذ أن هذا الحزب الغريب كان مقره ألمانيا !!

وكان لهذا الحزب مجلة تحمل عنوان "القصاص"تصدر علي هيئة منشور يتم تهريبه إلي مصر. وفي عدد سبتمبر 1924 أي عقب إلغاء الخلافة نهائيا بعدة شهور جاءت النشرة حاوية لبرنامج الحزب المذكور ويشمل ما يلي:

1.    

قلب نظام الحكم: خلع من يدعونه ملكا وطرد هذه العائلة الحاكمة

2.    

حل مجلس الشيوخ والنواب

3.    

الإنتقام للوطن من كل خائن بادئين بسعد

4.    

مقاومة الخطر الصهيوني والإسرائيلي

5.    

محاربة الدخلاء والأجانب

6.    

إغلاق الأزهر وإجبار علمائه علي الأشغال اليدوية

7.    

العمل ضد الاقباط

8.    

المساواة بين جميع الطبقات وتقسيم الثروة

9.    

إنشاء جمهورية إسلامية لمصر والسودان

10.                       

العمل ضد الإنجليز.

وهو برنامج إسلامي سلفي الطبع سياسيا يقترب به من أحلام المراهقين وبه مسحة إشتراكية لعلها مستوردة من أوروبا وبالذات من التجربة السوفيتية الناشئة في تلك الفترة إذ أن القساوسة كانوا بالفعل يضطهدون هناك ويجبرون علي العمل اليدوي. كما أن تقسم الثرة والمساواة الكاملة هي أفكار ماركس الالماني التي طبقها عميل المخابرات الألمانية لينين الروسي ومن بعده ستالين.( أي أن فكر السلفية هو في أصله أيضا مصري(!!!

والغريب أن هذا الحزب قد تبنه مبكرا للخطر الصهيوني والإسرائيلي وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا علي ضوء خبرته الأوروبية الالمانية حيث أن تلك الفترة كانت تشهد تكثيفا للهجرة من روسيا وبولندا إلي فلسطين وهو أمر ربما كان من يعيش في أوروبا يلحظه أكثر.

ومن بين أعضاء هذا الحزب جاء إلي القاهرة الشاب عبد اللطيف عبد الخالق الدلبشاني الذى كان يدرس الطب في برلين وحاول إغتيال سعد زغلول الذي كانت منشورات الحزب تصفه ب "الأزهري سعد زغلول"وكأن الأزهرية سبة !! ولكن المحاولة لم تنجح ولم يوضع الجاني في السجن بل أودع مستشفي الأمراض العقلية رغم شهادة أطباء المستشفي أكثر من مرة أنه سليم القوي العقلية.

ولا ننسي أن محمد فريد زعيم الحزب الوطني بعد مصطفي كامل كان قد لجأ في سنين الحرب إلي المانيا التي توفي بها ودفن في برلين ثم أعيد دفنه بمصر مرة أخري بعد نقله.

وألمانيا كانت طوال سنوات الحرب الحليف الأقوي للدولة العثمانية بل أن الاسطول العثماني كان موضوعا تحت تصرف أدميرال ألماني هو الأدميرال سوشون.

إلا أنه كما سلف البيان لم يكن لهذا التيار اي نصيب يذكر من الشعبية أو الإنتشار لأن شعبية الوفد وسعد زغلول والأزهر إلي جانبه كانت جارفة، وهو التطبيق العملي للإتفاق القديم للغاية والغير مكتوب بين المؤسسة الدينية ورجال الحكم بأن لكم السلطة ولنا المنابر لكي ندعو لكم من فوقها..

كما أن هناك حالة ثالثة ولكنها غير مشهورة وهي قضية المساءلة في البرلمان عن منهج الأدب الإنجليزي في كلية آداب القاهرة والتي يدرس بها نص الشاعر جورج برنارد شو في مسرحية جان دارك  يقول فيه شيئا مثل محمد سائق الجمال Camel Driver إلا أن الأستاذ الإنجليزي الذي سئل في ذلك تمسك بالحق في الحرية العلمية ورفع الأمر للعميد طه حسين الذي رفض التحرك. ولم يزد الأمر عن ذلك وألغيت المسرحية من المقرر وما أظن أن أحدا أحس به  خارج حدود الجامعة وأوساط الأكاديميين.

ولكن علي ما يبدو فإن هذا النهج الجديد كان قد وجد من يطعن عليه ولا يقبل به لمخالفته للمالوف من التاريخ المصري. لقد بدأ التيار التقليدي يتنبه إلي أن  رجاءه في الأزهر قد خاب وأن الإسلام قد أصبح بلا خلافة وأن التغريب يجري علي قدم وساق في طول البلاد وعرضها وأن الأجانب يعيشون جنبا إلي جنب مع الأهالي فخاف هؤلاء من زوال الهوية التي رأوها قومية، وأساسها الدين الإسلامي.

 

وهكذا بدا خلط الهوية القومية بالدين الإسلامي عن طريق تأسيس جمعية الإخوان المسلمين.

صفيّة وبائع الغريبة / حكاية مدينة

$
0
0
 
تأليف : محمد السويسي
 
كان الباعة الجائلين او الجوالين من الذين يحملون بضاعتهم على العربة أو في صدور نحاسية أو فرش خشبية على رؤوسهم  كثرٌ في المدينة  ينشطون من الصبح حتى الظهر ، وبعضهم حتى العصر إلى أن ينفقوا بضاعتهم ليعود كل منهم الى موقعه الذي انطلق منه ليعد بضاعة جديدة يعرضها في اليوم التالي . وهكذا دواليك لتأمين قوته وقوت عياله يوماً بعد يوم .
 
وسأقتصر في الحديث عن "شكيب "بائع الغريبة الشهير في طرابلس الفيحاء وقتذاك ، من خمسينات القرن المنصرم ، الذي كان يباشر  ببيع بضاعته من "الغريبة"  بدءاً  من الساعة العاشرة صباحاً ، على صدر كبير هو عبارة عن صينية واسعة من النحاس يرفعه على رأسه منادياً "هون الطيب هون ".
و"الغريبة"التي كان ينادي عليها هي نوع طيب من الحلويات بشكل اقراص صغيرة مفرطحة دائرية مصنوعة من دقيق القمح الأبيض والسمن والسكر ، وفي وسط كل قرص منها حبة صنوبر محمرة من حرارة النار وسط محيط ذهبي لذيذ الطعم مقرمش .
 
وكان يبدأ جولته من ساحة الدفتار بلباسه القروي حيث مسكنه في زقاق "الحمّص"منطلقاً نحو الأسواق مروراً بشارع الحتّة متابعاً سيره بمحاذاة الرفاعية ليتوقف كل بضعة أمتار لدقائق ، ينزل خلالها بضاعته عن رأسه ويضعها على محمل خشبي مربع القاعدة على قوائم أربع مستديرة  عند الأعلى، متابعاً معزوفته اللازمة "هون الطيب هون " .."يالّلا بفرنك ".
وهكذا دواليك إلى أن يصل بركة الملاّحة مخترقاً سوق البازركان نهاية جولته ، حيث ينفق بضاعته ظهراً ويعود إلى مركز عمله حيث دكان صغير كان يبيت فيه إذ لاعائلة لديه .
وكان أكثر مايطيل وقفته عند منتصف سوق الصاغة حيث كانت إمرأة تطل عليه من الشباك وتناديه أن ينتظرها لشراء قرص من  الغريبة ، وتنزل اليه ليعطيها قرصاً  أو قرصين يلفهما في ورقة رقيقة دون أن يأخذ ثمنهما ، مما جعلها زبونة دائمة لديه تنتظره عند زاوية الزقاق الذي تسكن فيه قبل ساعة من وصوله أكثر الأحيان .
 
والزبونة تلك كانت إمرأة ساذجه تسكن وحيدة في بيت علوي يزورها كل اسبوع تقريباً بعض النساء من اهلها يحملون إليها الطعام  ويعطونها بعض الدراهم لتشتري ماتحتاجه إن تأخروا عنها لسبب ما .
مرت سنوات على هذه الحال قبل ان تتعرف "صفيّة "على بائع الغريبة ، ولكن بعد اشهر من توطد علاقاتها به بما يحسن به اليها من الغريبة ، تورّم بطنها وانتفخ ، مما أثار علامات الإستفهام والإستغراب في السوق ولدى أهلها الذين قلقوا عليها ليخبرهم الطبيب المختص انها حبلى ؟! فطار صوابهم وأقاموا الدعوى لدى مخفر الشرطة ضد مجهول ، لتأتي المباحث للتحقيق في السوق على مدى أسابيع دون جدوى إذ كانت صفيّة على سذاجتها لاتفقه معنى الأسئلة الموجهة اليها وترفض الإجابة عليها ملتزمة الصمت ، مما زاد من الحيرة .
 
إلا أن أحد رجال التحري كان ملحاً في اكتشاف سر هذه المرأة فانتظر حتى أغلق السوق ليأتي اليه مراقباً مدخل منزلها من بعيد جالساً على الأرض كالمتسولين ، إلى أن رأى أحدهم يدلف في العتمة في الزقاق ويصعد في السلم نحو بيت صفيّة ليدق على الباب طرقاً خفيفاً لتفتح له ويدلف الى الداخل دون أن ينتبه أنه مراقب .
 
لم يحرك التحري ساكناً ، إلا أنه صعد منطلقاً في العتمة واستند الى الحائط  بجانب البيت دون حراك لساعة من الوقت إلى أن خرج الرجل ليمسك به من خناقه ويعيده من حيث خرج لتصرخ صفّية بالتحري محاولة تخليصه صارخة : أترك زوجي ؟؟
ولم يتلق الرجل أكثر من صفعة واحدة ليقر ويعترف انه صاحب حملها ، ليتبين أنه "شكيب"بائع الغريبة ؟.ولما لم يكن الرجل يحمل اي وثيقة تثبت زواجه منها فقد أخذه التحري إلى المخفر لأنتهاك عرض إمرأة مستغلاً سذاجتها .

ولكن في الصباح انتهى الأمر بالزواج بشكل رسمي بحضور أهلها وأفرج عن شكيب لتلد صفيّة صبياً ربته بمفردها لغياب أبوه الذي اختفى بعد اسابيع من هذه الواقعة

فنلندا دولة عظمي (5)

$
0
0

والملاحظ هو أن جمعية الإخوان المسلمين لم تكن تأبه كثيرا بالسياسيين المنتخبين إنتخابا مباشرا من قبل الشعب، بل كانت تنااصبهم العداء في بعض الأوقات وتمالئهم في أوقات أخري كما يفعل كل السياسيين. وهي في ذلك ملتزمة بالأداء الديموقراطي من جهة. ولكنها من جهة أخري كانت لا تتجرأ علي نقد الملك ولا علي توجيه أي كلمة غير إيجابية في حقه، وهم في ذلك أوفياء للخط الإسلامي التقليدي الذي يري أن الخروج علي الحاكم هو خروج علي الشرع إن كان الحاكم لا يزال مسلما مجاهرا بإسلامه. وفاتهم بالطبع أن الملك بحكم الدستور القائم وقتها كان لا يحكم بنفسه وإنما يحكم فقط من خلال وزرائه، بل أن توقيعه علي ورقة لم يكن له قيمة دون توقيع رئيس الوزراء.

والواقع أن إنشاء جمعية الإخوان المسلمين في تلك الظروف بالذات، سقوط خلافة/ فقدان القدرة علي التوجه لدي غير المتعلمين تعليما غربيا وهم الأكثرية الكاثرة من الناس/ أزمة إقتصادية طاحنة في الثلاثينات إستلزمت إجراءات قاسية قادها إسماعيل صدقي باشا/ رمعاهدة مع بريطانيا تفتح أرض مصر للقوات البريطانية في حال قيام حرب / قلاقل في فلسطين الواقعة تحت إنتداب بريطانيا  بين العرب واليهود المستوطنين مما أجج مشاعر البسطاء إلخ... كان إنشاء الجمعية يضمن لها كثيرا من التأييد العاطفي من طوائف كثيرة بالذات من غير المتعلمين أو المتعلمين تعليما بسيطا.

وفي تلك الفترة لعبت كتابات حسن البنا دورا كبيرا للغاية في تبرير إنشاء الفكر الإسلامي الغير مرتبط بالمؤسسة أو الغير ملتزم بخط الدولة. ولأن حسن البنا كان يعتبر أن رسالته عالمية إسلامية فقد حرص علي أن ينشر كتاباته في الدول الإسلامية الأخري كسوريا واليمن وجزئيا في العراق إذ لم يحاول الإتصال بالثقافة الشيعية التي تسوده، وبالطبع بقي بعيدا عن إيران. ولكنه كان متصلا بالهند أثناء فترة التفاوض علي الإستقلال بعد الحرب، ولا يعرف سبب عدم إهتمامه بالدول الواقعة في الجانب الغربي من مصر، رغم أنها دول إسلامية ايضا، فقد سقطت من حسابه علي ما يبدو. وهناك من الأسباب الكثيرة ما يجعل المرء يظن أن حسن البنا قد توسم خيرا في إنشاء دولة باكستان علي أنقاض الهند الكبيرة، فقد كان له إتصال بالهند وبمحمد علي جناح مؤسس الدولة ولعله رأي أنها بذرة صالحة لتطبيق القوانين الإسلامية !!

والذي يهمنا هنا هو الفكر الديني المصري الذي أسست له جماعة الإخوان وسعت إلي نشره، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري الفكر الديني المصري الذي لم تقل به جماعة الإخوان وإنما نشا كنتيجة لوجودها وعملها.

وليس المقصود من ذلك هنا هو أي إسهام في النقاش الدائر حاليا حول الحياة السياسية في مصر، فهذا عرض جانبي من أعراض المشكلة، ولكن المقصود هو معرفة أثر خروج جناح من الفكر الديني المصري علي المؤسسة الاصلية التي كانت حتي سقوط الخلافة تحتكر وحدها تنظيم الحياة الدينية فكرا وإفتاءا.

 

و قبل الدخول في حقل الألغام هذا لابد من التصريح الواضح بأن جماعة الإخوان ليست دائما هي من تصدر هذه الافكار بل علي العكس هي بريئة منها براءة مباشرة، ولكنها في نفس الوقت مسئولة مسئولية غير مباشرة عن فتح هذا الباب المفضي إلي ما نحن فيه. فالخروج عن الخط التقليدي للمؤسسة الدينية (لكم الحكم ولنا المنابر لندعو لكم من فوقها) هو في النظرة الأولي تطور إيجابي يتماشي مع الحرية وفك الإسار الفكري وفتح الباب أمام سبل جديدة للإجتهاد. إلا أن النظرة الثانية تشي بالعكس تماما. فالذي يحدث في أمثال هذه المجتمعات التي لا خبرة لها في أمور التعددية والرأي ونقيضه هو شيء لا يمكن تسميته إلا فوضي. وهذه الفوضي تفتح بابا واسعا لتدخلات أجنبية ليس الغرض من ورائها إلا الإضرار بهذا المجتمع الذي ينظر إليه الأجنبي علي أنه جاهل. وهذا هو ما وقع خلال النصف قرن المنصرم.. 

فنلندا دولة عظمي (الأخيرة)

$
0
0

هناك عدة أفكار تقدمت بها جمعية الإخوان إلي المجتمع، يمكن تلخيصها فيما يلي

1.    

فكرة الزعيم صاحب الأمر والنهي.

2.    

مفهوم الفصل بين الحق والباطل.

3.    

فكرة العمل المباشر.

وفكرة الزعيم صاحب الأمر والنهي هي فكرة أصبحت مشتركة بين جميع التنظيمات الإسلامية علي تباينها وتنوعها. ويكاد المرء يعدم أن يجد تنظيما إسلاميا لا يعمل علي أساس منها. وهي تتلخص في ذوبان إرادة الفرد العضو في إرادة التنظيم بطريقة مغالي فيها، إذ أن ما يطلق عليه في علم الأحزاب السياسية الإلتزام الحزبي هو كيان شبيه بكيان الزعيم صاحب الأمر والنهي، إلا أن المفهوم الإسلامي يتشدد جدا ويغالي في تطبيق هذا الإلتزام بحيث يصعب علي صاحب الراي المخالف أن يصرح به. أما مفهوم الفصل بين الحق والباطل فهو من أخطر الأفكار التي نجحت في ظل الجهل العام وتحت جناح الدكتاتورية السياسية التي تعيشها مصر منذ 70 عاما، نجحت في خلق فكر يحمل صفة الإسلامي وينهض علي التميز والسمو لاصحابه علي كل من عداهم. ومن هذه الفكرة التمييزية وعلي اساسها نشأت منظمات كثيرة مثل التنظيمات الجهادية والتكفير والهجرة والكتائب المختلفة. وهذا السمو يجعل  أي شىء قليل القيمة أو عديمها إلي جانب إرادة التنظيم التي يجب لها النفاذ. وهذه كلها افكار نشأت في مصر وقال بها مصريون ضاقت بهم أرض مصر فغادروها ونشروا افكارهم في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي بل ووصلوا إلي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي بعض الأحيان وجدت صدي في تلك المجتمعات بالذات بين صغار السن والمحرومين ماليا وتعليميا في الطبقات الدنيا.

أما العمل المباشر وعدم الإلتفات للظروف المجتمعية فهي الصفة التي نري تطبيقها حاليا في كل مكان، أـن يري شخص أو تنظيم مهما صغر أن ساعة العمل قد حلت فينفذ ما يحلو له سواء كان ذلك تحرشا بمعارضيه أو سرقة محلات الذهب المملوكة لغير المسلمين أو حتي القتل الإرادي والتفجير.

فكلنا نعرف تنظيم التكفير والهجرة، وهو قائم علي النظر للمجتمع علي أنه مجتمع الكفار الذي يجب ألا يخالطه المسلم الحق، وبالتالي فهو يهجره ويخرج منه، ولكن الذي لا يقال هو الجزء الثالث من الفكرة، وهي العودة من الهجرة لفرض إرادة التنظيم، فإسمه المعبر عن حقيقة فكره ينبغي له  إذن أن يكون التكفير والهجرة ثم العودة.وهي أفكار مصرية صميمة لم يعرفها سوي المصريين.

وهكذا بعد أن كانت مصر مركزا للفكر الديني المتصالح مع البيئة من حوله والراغب في العيش بسلام أصبحت مصر هي أيضا المركز الرئيسي للفكر الجهادي المحبذ للعنف والقائل بالعمل المباشر والتغيير الإجباري.

في تقرير لإدارة حماية الدستور في ألمانيا، وهي المعادل للمباحث في شأن الأنشطة الهدامة وهي تراقب كل من يعتقد فيه أنه يحمل فكرا معاد للدستور والديموقراطية، في تقرير حديث جاء أن المراهقين والشباب من الألمان أو الألمان من أصل عربي ممن يعتنقون فكر الجهاد وينتوون السفر إلي سوريا للمشاركة في الحرب إلي جانب تنظيم داعش، جزءا كبيرا منهم قد زار مصر بعد ثورة يناير وقبل إنهاء حكم الإخوان المسلمين وعادوا جميعا من مصر مستعدين لممارسة الجهاد.

وكانت نتيجة هذه الأفكار الواردة من مصر وبالا علي كل من ينتمي للإسلام، سواء علي أرض الإسلام أو في الخارج.

 وكل هذه "الإنجازات"هي صناعة مصرية خالصة لم يشارك المصريين أحد في إنتاجها.

وزاد الطين بلة أن المؤسسة القديمة التي كان لها صوت مسموع حتي منتصف القرن العشرين قد ضعفت للغاية وأصبح تأثيرها شبه منعدم في مجتمعات الفساد التي عاشتها مصر خلال العقود السبعة الماضية. بل أصبح عجزها متبديا في أسلوب إختيارها لميدان المعركة التي تخوضها، فبدلا من الحديث في قضايا المجتمع الحادة والحالة مثل الحريات وتوزيع الثروة وأخذ التطورات الديموجرافية في الحسبان، نسمع هذه المؤسسة تتحدث في حقوق البخاري علي الناس وأهمية الحفاظ علي تراث السلف مهما جاء مخالفا للعقل !! وعلي الجانب الآخر لا ننس تصريح رأس الكنيسة بأنه يؤيد رئاسة إبن الرئيس رغم أنه لم يرشح نفسه بعد !! لقد أخطأت المؤسستان الدينيتان بشدة في تعاملهما مع الواقع السيء لمصر.

ثم جاءت ثالثة الاثافي من خلال الخطاب العام في بيانات الحكومات المتعاقبة وترديدات الإعلام التي تقوم دائما بوضع اللائمة علي "مؤثرات غريبة عن البيئة المصرية"مثل الفكر الوهابي وفكر الخوارج. وهي حجج واهية لا تصف الداء وبالتالي لا تعرف كيف تصل للدواء. فالاساس الفكري لكل هذه الأعمال هو أساس مصري سواء جاء قديما أو حديثا. ونسبة المكون الأجنبي سواء جاء وهابيا أو حروريا خوارجيا هي نسبة ضئيلة للغاية حيث أن المكون الأصلي مصري خرج من بلد هو صاحب أقدم تاريخ ديني في كل العالم.

وهذا الفكر المصري يقع سببه في عدة عوامل منها التاريخ الطويل للمؤسسة الدينية في مصر وشعور المصريين العاطفي وحبهم للإستئثار بالدين وسوء الأحوال السياسية وتردي أوضاع الإقتصاد وثبوت تلاعبات أجنبية وقصر نظر (أو سوء غرض) من ينشرون هذا الفكر.

 

نعم نحن في مصر نحتكم علي قوة عالمية عظمي في مجال الفكر الديني، ولكننا للأسف قد أخرجناها من وضع القوة العظمي البناءة إلي وضع القوة العظمي المخربة الهدامة، إذ ينعدم وجود منظمة إسلامية عنيفة في أي بقعة من العالم لا يحتل أحد المصريين أو بعضهم مركزا مرموقا في إدارتها ولا يشكل الفكر المصري المطبوع أو المسموع العمود الفقري لمنهاجها

ضغوط الرياض وخيارات القاهرة

$
0
0

تسابقت وسائل الإعلام الإقليمية في إطلاق التكهنات حول لقاء محتمل يجمع الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في السعودية، حيث يزور كلاهما الرياض في توقيت متزامن. أكد الرئيسان كل على حدة لاحقاً، أن التزامن في توقيت الزيارتين هو محض «صدفة»، وأنه لا مجال للقاء بينهما. والحال أن السعودية العارفة بأصول البروتوكولات، تقصدت تماماً التزامن في التوقيت أملاً منها في إجراء «مصالحة» مصرية – تركية، تساهم في تثبيت اصطفاف إقليمي جديد قوامه السعودية - مصر- تركيا؛ ذلك الذي أطلقت عليه هذه السطور في وقت سابق «التحالف السني الأوسع» (مصطفى اللباد - «السفير»: جوهر التغير المحتمل في السياسة السعودية الإقليمية 2/2/2015). لم تتكلل المساعي السعودية بالنجاح التام، لأنه وبرغم موافقة الطرفين على تزامن الزيارة، فسرعان ما ظهرت التصريحات من الجانبين التي تتضمن شروطاً على الطرف الآخر.

وبرغم عدم حدوث اللقاء، تظهر الضغوط السعودية على مصر للانخراط في التحالف الإقليمي الجديد، وفق ضوابط جديدة تتضمن تسهيل انضواء تركيا وقطر في هذا التحالف. وقد أصبحت القاهرة أمام أحد خيارين: إما تقديم تنازلات خارجية تتعلق بتغيير رؤيتها لطرق حل ملفات ساخنة في المنطقة مثل سوريا واليمن، وأخرى داخلية تتمثل في إجراء مصالحة مع جماعة «الإخوان المسلمين» وما يترتب عليها من تغيير لكامل الخطاب السياسي المصري، أو المغامرة بتدهور العلاقات مع السعودية، يحصل هذا في توقيت حرج يتزامن مع قرب انعقاد المؤتمر الاقتصادي منتصف الشهر الجاري، الذي تعوّل عليه القاهرة بشدة لدفع اقتصادها إلى أمام. على ذلك، يبدو عامل التوقيت وقد تمّ حسابه بدقة في الرياض، سواء في تزامن الزيارتين الرئاسيتين للسعودية، أو في الربط الواضح للطلبات السعودية بالتزامن مع قرب انعقاد المؤتمر الاقتصادي.
تقدّم الضغوط السعودية – من حيث لا تحتسب - هدية ثمينة للقاهرة، إذا أحسنت الأخيرة إدراك واقعها بأبعاده المتعددة وامتلكت الإرادة السياسية لتغييره، بغرض تحصين موقعها في المنطقة وتحويل التهديد الراهن لمواقعها الإقليمية إلى فرصة ثمينة يتوجب اغتنامها. في هذا الإطار، تلقي هذه السطور الضوء على خطوتين أساسيتين مطلوبتين من النظام المصري لبناء شبكة أمان لأدوار مصر الإقليمية والخارجية: أولاً إعادة الاعتبار لتحالف «30 يونيو»، وثانياً تعبئة الموارد المحلية وفقاً لأجندة وطنية.

إعادة الاعتبار لتحالف «30 يونيو 2013»
يدور الصراع الإقليمي في المنطقة ـ في أحد وجوهه - على صراع النماذج التي تقدمها الأطراف الإقليمية الأساسية، في مقابل بعضها بعضاً. وفقاً للمنطق ولنظريات القوى الإقليمية، يتوجب على كل دولة إقليمية طامحة أن تخلق – ابتداء - سرديتها الخاصة لنفسها التي تميّزها عن غيرها من القوى المتنافسة، ثم البناء على هذه السردية لتشكيل صورة جذابة للدولة المعنية في عيون جماهير المنطقة، بغرض حشد المقبولية الشعبية لأدوارها، وفي النهاية تغطي الدول الإقليمية مصالحها الوطنية الخاصة بها داخل إطار الصورة التي ترسمها لنفسها. تسوّق تركيا صورتها في المنطقة باعتبارها الاقتصاد الناهض (أكبر اقتصاد في المنطقة) المنفتح على الغرب والنظام السياسي الذي يسمح بتداول سلمي للسلطة، أما إيران فتركّز على مشروع وطني كبير (البرنامج النووي) وممانعتها لقوى الهيمنة الغربية ودعمها لحركات المقاومة، في حين تفضل السعودية لنفسها صورة الإسلام التقليدي المحافظ وحماية الحرمين الشريفين مع التقديمات الاجتماعية لمواطنيها، والتي يتيحها النفط. وبغض النظر عن نسبة الحقيقة في الصور الثلاث التركية والإيرانية والسعودية، فهناك صراع نماذج يدور بين الصور/ الدول الثلاث. بالمقابل، امتلكت مصر بعد «الربيع العربي» وهج الثورة التي أطاحت بنظام حسني مبارك وبمشاركة الشباب وبشعارات الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. ولكن هذه الصورة انتكست مع صعود جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة وانخراطها في المحور الذي قادته تركيا وقطر، فضاعت فرصة خلق نموذج/ صورة مصرية في الإقليم. ثم سنحت الفرصة مرة ثانية مع «انتفاضة 30 يونيو» 2013 وصورة عشرات الملايين من المصريين المنتفضين في مواجهة حكم جماعة «الإخوان المسلمين»، وتأكدت هذه الفرصة لرسم صورة/ نموذج عبر التحالف السياسي الواسع الذي شكل أول حكومة بعد 30 حزيران 2013 من قوى ليبرالية وناصرية ويسارية. لكن هذه الحكومة لم تستمر سوى أقل من عام واحد، حيث يتم تغييرها بالتوازي مع عودة فلول النظام السابق إلى صدارة المشهد السياسي وتشديد الأحكام بالحبس على المتظاهرين السلميين والتضييق على أنصار الثورة المؤسسة: «25 يناير» 2011. على هذا الأساس، لا يعد مطلب إعادة الاعتبار لتحالف «30 يونيو» مطلباً فئوياً أو لفريق سياسي بعينه، وإنما ضرورة وطنية لتحصين الجبهة الداخلية المصرية، ومن ثم تعظيم قدرة القاهرة على الصمود أمام الضغوط الإقليمية والدولية. كما أن هذا المطلب يمثل شرطاً ضرورياً لرسم صورة مصرية جديدة في الإقليم: صورة «الدولة الوطنية العربية» وتحتها خطان، تلك التي تحارب الإرهاب باصطفاف سياسي تحالفي واسع يؤمن بأهداف الثورة وحق مصر في التقدم. أليس الأفضل والأنسب لمصالح مصر الوطنية «التنازل» أمام القوى السياسية والوطنية المشاركة في 30 حزيران 2013، وهو إجراء داخلي محض لا تترتب عليه أثمان خارجية، بدلاً من الاضطرار إلى تقديم تنازلات لأطراف سياسية محلية لا تؤمن بالدول الوطنية، وبضغوط إقليمية ستتصاعد أكثر في الفترة المقبلة؟

تعبئة الموارد المحلية المصرية
لا يعقل أن تملك مصر مساحة مليون كيلومتر مربع على مفترق القارات الثلاث أفريقيا وآسيا وأوروبا، بإطلالة واسعة على البحر الأبيض المتوسط وأخرى على البحر الأحمر، وتحظى بمنحة ربانية قوامها عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من موارد المياه العذبة (نهر النيل) وثروات معدنية ضخمة (ذهب وفوسفات ومنجنيز) وقاعدة صناعية كبيرة نسبياً بنيت بسواعد مواطنيها، وبكتلة بشرية هي الأضخم في كامل الشرق الأوسط، وتستمر في حالة العوز الاقتصادي بهذا الشكل المؤسف. طبعاً، المهمة ليست سهلة، ولكنها ليست مستحيلة بأي حال، والتاريخ شاهد على قدرة مصر في العصر القديم والوسيط والحديث على النهوض بقدراتها الذاتية، عبر التوظيف الخلاق لمزاياها والتغلب على عوائقها الطبيعية لتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي. وقد تراكمت في العقود الأربعة الأخيرة، خصوصاً جوانب المعضلة، حتى صار الضعف الاقتصادي الوسيلة الممتازة لانتزاع تنازلات سياسية مصرية. لعل البداية تكمن في محاربة الفساد المستشري بجدية وحسم، لأن مصر تخوض - بالتوازي مع تحدياتها الإقليمية - صراعاً وجودياً مع الفساد لن ينتهي إلا بالقضاء على أحد طرفيه (مصطفى اللباد - «السفير»: مصر وصراعها الوجودي مع شبكات الفساد 5/1/2015). لم نلحظ حتى الآن جدية كافية من النظام الجديد لمحاربة الفساد، برغم أن ذلك سيوفر موارد هائلة للخزانة المصرية يمكن أن تعزز كثيراً من مستوى معيشة شعبها، ومن قدرة القاهرة على الوقوف بثبات في وجه الضغوط الإقليمية الآتية من باب المساعدات الاقتصادية. لم يساهم الاستمرار في اجترار النموذج الاقتصادي العشوائي ذاته في تخفيف أزمات مصر الاجتماعية، وإنما في تكريسها. تغيّر العالم، وتغيّرت الرؤى الاقتصادية ولم يعد التأميم والقطاع العام ركائز التنمية، لكن تخلي الدولة عن أدوارها والتزاماتها الاجتماعية حيال مواطنيها بهـــــذا الشكل المؤسف أمر غير متوافر حتى في أعتى البلدان التي تتبنى النيوليبرالية الاقتصادية.

الخلاصة

تظهر الضغوط السعودية على مصر الآن للانخراط في اصطفاف إقليمي جديد يتضمّن تهميشاً للوزن المصري، ارتباطاً عضوياً لا فكاك منه بين السياسة الإقليمية المستقلة التي تحقق مصالح مصر الوطنية من ناحية، وتعبئة الموارد المحلية المهدرة في خطة تنموية شاملة من ناحية أخرى. تقدّم السعودية – من حيث لا تحتسب - إلى القاهرة هدية تحويل الضغط إلى فرصة ترتيب البيت الداخلي عبر خطوتين أساسيتين: إعادة الاعتبار لتحالف 30 يونيو 2013 وتعبئة الموارد المحلية المصرية. في حال لم تغتنم القاهرة تلك الفرصة، فستتكرر الضغوط في الفترة المقبلة وستكر معها سبحة التنازلات. صدق المتنبي حين قال: «على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ.. وتأتي على قدر الكرام المكارمُ».

Viewing all 560 articles
Browse latest View live