تأليف : محمد السويسي
رغم تصاعد حدة الصراع الإعلإمي بين واشنطن وطهران ، فإن أمريكا احتلت العراق عسكريا بقوة ضخمة وسلمته لإيران التي عملت على تفتيته ونهب موارده وتهجير سكانه وإفقار شعبه وتشريده على أسس طائفية ومذهبية بحماية عسكرية امريكية في معاداة ظاهرة للعرب وكأنهم غير موجودين بما قد يعرض المصالح الأمريكية للخطر من جراء هذا العدوان .
إلا ان اي رد فعل من العرب على هذا التحالف ، قد يعرض مصالح أمريكا لهذا الخطر لم يحدث . وكان هذا الموقف السلبي متوقعاُ، وإلا لما تجرأت امريكا على تسليم العراق لإيران الذي مول العرب اجتياحه لإسقاط صدام حسين وحزب البعث ، وليس طهران ؟! .
وهنا نتساءل لما تحالفت امريكا مع إيران لغزو العراق وسلمتها إياه ، وماهي مصلحتها وأهدافها ؟.
خاصة وانها لازالت تدعم الإحتلال الإيراني للعراق وتغض النظر عن تدخله في سوريا ولبنان واليمن وليبيا وافغانستان ؟!
الواقع أن هدف امريكا من هذه السياسات الغريبة هو احتواء إيران واستخدامها لمصالحها ، وإلا لما طردت الشاه الذي كان يعتز بوطنه ويرفض السير في مخططات امريكا إذا لم تتطابق ومصالح إيران ومستقبلها ، على عكس حكام الملالي الحاليين الذي يهمهم دوام سلطتهم التي يعدونها نعمة الهية هبطت على الشعب الإيراني الذي يجب ان يضحى من اجل إنتصار وجهة نظرهم الدينية المهدية حتى لو عانى الفقروالجوع ، الذي لن يطول وفق تصريحاتهم الدائمة ، إلا انه قد طال عليه وعليهم الأمد دون اي ضؤ في نفق هذه المحنة .
ولكن ماهي خلفيات أمريكا من دعمها لطهران بحيث عمدت إلى إحتلال العراق وتسليمه لها بهدف إحتوائها لتنفيذ مخططاتها في عملية إغراء مخادعة ، كما حكاية الحمار والجزرة ، مستغلة قصر نظر حكام إيران من رجال الدين وسذاجتهم الذين لم يفطنوا الى هذا الخبث الأمريكي الصهيوني وإلا لرفضوا مشاركة امريكا بأن يكونوا اداة لها في في مخططاتها ولفضلوا الإلتفات لبناء بلادهم والنهوض بها بدلاً من ان يكونوا خدماً للمصالح الأمريكية ضد العرب وضد مصالح شعبهم .
إلا أنهم في قرارة أنفسهم يعتقدون انهم يستغفلون أمريكا وانهم سيستولون على البلاد العربية بدعمها ومن ثم يتخلون عن تبعيتهم لها ويفكون تحالفهم الغير معلن معها ؟!
إنها الطفولة السياسية البائدة التي سبق ان جربها اليسار المتطرف فيما مضى بدعم من السوفيات الى ان عانوا فشلها وبالتالي سقوط الشيوعية الى الأبد لعدم اتباعهم الطرق السليمة في التعامل مع شعوبهم والشعوب الأخرى ،بل اقتصروا في التحايل على أنفسهم وعلى شعوبهم بما يخالف العقل والمنطق .
وكذلك يفعل حكام طهران الذين لم يتعلموا من تجارب الآخرين لانه يعتقدون انهم الأذكى وأنهم يعملون بوحي الهي ، بينما يتلاعب بهم الأمريكان واليهود حتى العظم . وهذا حال كل رجال الدين الذين يتصدون للعمل السياسي إذ لايحصدون سوى الفشل .
قبل الإسترسال فلابد لنا ان نعدد الأهداف الأمريكية المعلنة والظاهرة في سعيها لاحتواء إيران ، مع وجود اهداف اخرى خفية قد لاندركها إلا مع مرور الوقت . اما الأهداف الحالية فهي كالآتي :
أ-إن احتواء امريكا الأساسي لطهران هو بتخطيط من رأسماليي وول ستريت ،و معظمهم من اليهود الذين رأوا في عرب الجزيرة الأثرياء خطراً كبيراً على مصالحهم المالية والمصرفية مع تمددهم المصرفي والإعلامي بشكل رئيسي في اوروبا وبلاد العالم الثالث ، كما و تمددهم الإقتصادي الإستثماري في أوروبا بما قد يصل بهم الأمر الى الإستثمار الصناعي في الصين وأمريكا ، الذي يعد خطاً أحمراً بالنسبة للأمريكان واليهود ، مما يقتضي لوقفه غزو بلدانهم بالتعاون مع إيران ، و نشر الفوضى فيها لتفتيتهم وتفكيك جيوشهم كما هو حاصل في سوريا والعراق وليبيا ، وبذلك يتم القضاء على قدراتهم المالية والإقتصادية ؟!
ب-بيع طهران النفط لروسيا والصين وكوريا بفارق ادنى كثيراً عن السعر العالمي على اساس المقايضة بسلع معينة دون ان تتقاضى مقابله دولاراً واحداً ، بينما تعمد روسيا الى بيعه للهند وآسيا ، وللصين احياناً بسعر ادنى من السوق العالمي ، مما لايتفق مع المصالح الأمريكية .
ج-رفض عراق صدام حسين التعاون مع منظمة اوابك في تحديد الأسعار ، والإقدام على بيعه النفط في السوق السوداء بنصف السعر العالمي للإضرار بالمصالح الأمريكية ؟
د-أهمية وضع إيران في مواجه باكستان على أرض افغانستان باعمال الإرهاب المليشياوية . إذ ان امريكا مهتمة بافغانستان لأنها تحوي 85% من اليورانيوم العالمي ،ولقطع موارد طالبان المالية من زراعة المخدرات وإنتاج الأفيون والهرويين لجعلها عبئاً مالياً على الجيش الباكستاني بحيث يتخلى عنها لصالح حكومة محلية منتخبة موالية لأمريكا وبعهدة إيران .
ه-بث الإرهاب والفوضى في المنطقة لتنشيط الهجرة ودفعها نحو اوروبا لحاجتها لعمالة رخيصة .
ح-حماية حدود إسرائيل ومستعمراتها في جنوب لبنان من هجمات المقاومة الفلسطينية بواسطة مليشيات مسلحة موالية لإيران .
ط-استنزاف قدرات إيران المالية مع تطوعها بتمويل المليشيات الإرهابية والأحزاب المسلحة المعادية للعرب ، كما واستنزاف قدرات العرب في تمويل حربهم الدفاعية ضد العدوان الإيراني شكلاً والأمريكي ضمناً.
كانت تلك اهم اهداف امريكا من احتواء إيران والتحالف معها على اعمال الإرهاب ضد العرب انطلاقاً من العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا واليمن التي سآتي على سردها .
إلا أن الهدف الرئيسي والأساسي الملح من إحتلال امريكا للعراق هو التحكم باسعار النفط برفعها الى الحد الأعلى الممكن .
وكان قد سبق غزو العراق إجتماعات بين الأمريكان والإيرانيين من اجل الإعداد للمعركة وأهدافها من خلال وسطاء إيرانيين وعراقيين مقربين من الطرفين . فكان من شروط إيران لتساهم في الحرب هو ان تقبل امريكا برفع اسعار النفط الى مئتي دولار للبرميل عقب الغزو ليمكنها من تنفيذ المخططات الأمريكية الإيرانية المتفق عليها بتمويل مليشيات مسلحة فوضوية لتفتيت العراق وباقي الدول العربية وجيوشها وتهجير سكانها على اسس طائفية ومذهبية .
وقد وافقت امريكا على الشرط الإيراني ، إلا انها لم تتقيد بتسعيرة معينة للنفط باعتبار ان السوق هو من يفرض السعر وفقاً لقانون العرض والطلب الذي تقتضيه المصالح الأمريكية .
اما سبب إختيار امريكا لإيران في تنفيذ مخططاتها الإرهابية ضد العرب دون اي دولة اخرى فلأن لإيران طابور شعوبي شيعي داخل الوطن العربي معادي للامة العربية ، هذا الطابور الذي تفتقده إسرائيل التي سبق ان حرضت اليهود العرب للهجرة اليها ، لذا اعتمدت امريكا على إيران لاحتلال العراق بدلاً من إسرائيل .
وبالفعل فقد تم رفع سعر برميل النفط تدريجاً بعد احتلال العراق الى حدود عالية مؤذية حتى كاد يلامس المئتي دولار لولا رد الفعل العالمي لتضرر المصانع الغربية ، بما فيها الأمريكية ، إثر هذا الإرتفاع الغير مبرر بما جعل امريكا تتراجع عن هذه التسعيرة لتراوح المئة دولار ونيف لسنوات عدة ، مما اغضب الإيرانيين الذين اعتبروا انهم خدعوا من قبل امريكا بمشاركتهم الحرب معها في العراق دون ان تلبي مطالبهم بشان النفط .
إلا انهم لم ينسحبوا من هذا التحالف لحاجتهم اليه لضعفهم . فزادهم الإحتلال للعراق والإنفاق على المليشيات فيه ، وفق نظرية تصدير الثورة ، إرهاقاً مالياً واقتصادياً ليتجازوا علاقتهم وشراكتهم وتحالفهم مع الأمريكان في المنطقة إثر ذلك ويتجهوا نحو روسيا التي تلقفتهم بترحاب .
عرضت طهران على الروس الصداقة والتعاون لقاء مساعدتها في القطاع النووي والتسليح ، مقابل اسعار نفط تفضلية تقل عن أسعار السوق بكثير .وقد رحب الروس بهذا العرض إلا انهم اشترطوا المقايضة بالسلع المختلفة بما فيه السلاح مقابل النفط بحجة انهم لايملكون فائضاً من النقد الأجنبي . وقد وافق الفرس على هذا الشرط وكذلك الصنيين والكوريين الشماليين .
ولكن بعد احتلال موسكو لشبة جزيرة القرم أحس الأمريكان بأن الروس يستفيدون بمخططاتهم من اسعار النفط المرتفعة لدعم إقتصادهم ، عدا بيع مخزون الذهب لديهم مستفيدين ايضاً من ارتفاع اسعاره .فاعادوا حساباتهم في مواجهة مع روسيا وعدلوا اتفاقهم مع إيران بشان النفط وتخلوا عنه دون الرجوع اليها ليعمدوا الى تخفيض كبير لأسعار النفط دون الخمسين دولاراً للبرميل ، مع توقعات بتخفيضات إضافية اخرى في مزيد من ضغط على الروس ،عدا تخفيضهم لأسعار الذهب مما وضع الروس والإيرانيين في ازمة اقتصادية ومالية حقيقية .
هذا التخفيض بالأسعار أغضب الفرس كثيراً مع توسعهم في الإنفاق على دعم الإرهاب وتصدير الثورة في العراق وسوريا لبنان واليمن في حربهم العدائية المفتوحة ضد العرب رداً على هزيمتهم في معركة القادسية فجر الإسلام ، مستلغين دعم الأمريكان التاريخي لهم والروس بما لم يكونوا يحلمون به بالإضافة للدعم البريطاني والصيني والكوري الشمالي ، والعسكري الشعوبي من خونة الأمة العربية والحاقدين عليها في سوريا والعراق واليمن ولبنان .
ولكن الإيرانيين كما العرب غير قادرين في رد فعلهم ضد الأمريكان سوى على التصريحات الغاضبة والتهويلات الكلامية التي لاجدوى منها ولافائدة مع عدم قدرتهم على القيام بشيء لضعفهم الإقتصادي والعسكري والصناعي بحيث لاتأثير لهم في عدوانهم ضد العرب لولا الدعم الأمريكي والروسي ، وعليه فلا قيمة لهم او شأن وفق واقعهم الحالي المتهالك لقصور نظرهم وتعصبهم الشوفيني .
ومن الأهداف الأمريكية الصهيونية الأخرى المستترة من استخدامهم لإيران في عدوانها على العرب في اعمال إرهابية إجرامية غيرمسبوقة في التاريخ الحديث ، فهو لدفع المهجرين العرب من اراضيهم وبيوتهم واوطانهم بعد تدميرمدنهم وقراهم ، للنزوح نحو بلاد الغرب للعمل في مصانعه كيد سوداء رخيصة ، بما يشبه خطف الأفارقة وشحنهم كعبيد وأقنان الى امريكا بحراً قبل 400 عام للعمل بالسخرة ، حيث كانوا المدماك الأساس في مد السكك الحديد والزراعة والصناعة والبناء .
وهكذا فإن التاريخ يكرر نفسه بطرق اخرى من خلال نفس المستبد الأمريكي الذي كان يشحن الرقيق بحراً ويهلك منهم الكثير . وعليه فلازال الوضع كما كان عليه في السابق في شحن الأفارقة والعرب من امكنة عدة بمعدل خمسة آلاف مهاجر يومياً إنطلاقاً من ليبيا بشكل رئيسي في بواخر ومراكب بحرية غير ملائمة حيث يهلك منهم الكثير لسؤ النقل ، فما اشبه اليوم بالبارحة .
وبالتالي يعمد الغرب الى التخلص من بعض إرهابييه ومجرميه للهجرة الى دولة الخلافة الإسلامية الإرهابية "داعش "التي اتحفتنا بها امريكا بالإعلان عنها ورسم حدودها على غير إرادة المسلمين والعرب ، كدولة امر واقع التي اعلن عنها البيت الأبيض في السابع من آب 2014 بتعاون مع المخابرات الإيرانية ،وحدد حدودها داخل العراق وسوريا بدعم مخابراتي بشري متخفي من امريكا وبريطانيا وروسيا وأفغانستان وتركمانستان والشيشان وإسرائيل بتمويل من إيران وتسليح من امريكا بتعاون مع العراق المحتل .
امام هذا الواقع المفجع الأليم يجب ان يتصدى العرب لهذا المخطط الأمريكي الصهيوني ضدهم بأدواته الإيرانية . إذ ان امريكا تعتبر ان العرب غنيمة سهلة ، لذا اوكلت بهم إيران على ضعفها ونزاقتها وتخلفها .
لذا يجب على العرب ان يحتاطوا لأنفسهم قبل تفتيتهم على الطريقة العراقية والسورية وزوالهم ، بان يعاملوا إيران بنفس معاملتها لهم بالتمدد نحو الداخل الإيراني لتحرير عربستان وإثارة المشاكل في وجهها لتعود عن غيها وتتوقف عن عدوانها ضدهم ، وعندها يستطيع العرب التمدد نحو البلاد الإسلامية المحيطة بروسيا والصين ومساعدتها ، إن انتصروا على إيران ووضعوا حداً لعدوانها .
عندها ستحترمهم امريكا وروسيا وتحسب لهم الف حساب وتقيم لهم وزناً مما سيعنيهم على نهوضهم الإقتصادي والمالي والصناعي .ولكن لايمكن ان يستقيم هذا إلا باستعادة العرب للعراق ومن ثم سوريا ، ليكون منطلقاً نحو إيران لوضع حد لعدوانها ، كما والإنطلاق نحو البلاد الإسلامية المحيطة بها لمساعدتها على النهوض والنمو وتبادل الخبرات ، خاصة وأن العراق كما سوريا في حالة إهتراء كامل بفعل الإحتلال الفارسي وينتظر الزحف العربي اليه لتحريره من الظلامية الإيرانية عدوة الحضارة والإنسانية .
واختم بأخطر تصريح أمريكي ساذج قرأته اليوم بتاريخ 12/8/2015 لوزير خارجية أمريكا جون كيري لانه يحاول من خلاله استغفال الكونغرس الأمريكي ودول العالم اجمع بقوله :
إذا رفض الكونغرس المصادقة على الإتفاق النووي الإيراني ، فإن الدولار الأمريكي سينتهي كعملة إحتياطية ؟.
وهو بهذا التصريح كشف عن سر عدواني أمريكي خطير ضد العرب ، إذ انه يقصد بأن عدم التوقيع على الإتفاق النووي مع طهران فإن ذلك قد يؤدي الى فك إيران تحالفها مع أمريكا وانسحابها من اعمال الإرهاب ضد العرب ، مما يعني تحرر العراق وسوريا واليمن ولبنان من الإحتلال والهيمنة الإيرانية التي كانت تشغل العرب عن النهوض ببلدانهم باستنزاف اموالهم ، بحيث سيتفرغون لمتابعة جهودهم بالإستثمار المالي والإقتصادي في اوروبا بما يفيد اليورو ويجعله عملة إحتياطية متقدمة ومفضلة على الدولار الأمريكي ؟!