Quantcast
Channel: Marefa.org
Viewing all 560 articles
Browse latest View live

الثمن (3)

$
0
0

يعرف التاريخ الأمريكي إثنين من الضباط العظام لمع إسماهما خلال الحرب العالمية الثانية، كان أحدهما وهو الأعلي رتبة والأكبر سنا هو الجنرال دوجلاس ماك آرثر قائد القوات الأمريكية علي جبهة الباسيفيك سواء ضد اليابان أو بعد ذلك ضد كوريا، وكان الثاني هو الجنرال دوايت آيزنهاور قائد القوات المشتركة للحلفاء علي جبهة الأطلنطي ومحقق نصر النورماندي وقاهر الفاشية في كل من المانيا وإيطاليا، بل والذي أصبح الرئيس الأمريكي الرابع والثلاثين فيما بعد.

ولكن الذي لا يذكر عن تاريخ هذين الرجلين كثيرا هو دورهما في قمع تظاهرات داخلية وقعت في مدينة واشنطن عاصمة الولايات المتحدة عام 1932.

كان النظام المعمول به داخل الجيش الأمريكي هو منح الجنود حوافز مادية مرتبطة بالرتبة والدخل الأصلي الذي يحصل عليه كل منهم. ولكن هذه الحوافز لم تدفع إلي الجنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولي ومن قبلها لم تدفع أيضا إلي الجنود الذين شاركوا في الحرب الأمريكية الإسبانية التي دامت 8أسابيع فقط وكان الدخول فيها مدفوعا إليه من الصحافة الأمريكية التي قامت بتهييج الراي العام علي إسبانيا بل ويقول المؤرخون اليوم أن سبب الحرب هو مختلق من جانب الأمريكيين، وهو تدمير السفينة الحربية الأمريكية Maineفي ميناء هافانا بكوبا والذي يشكك كثيرون في مسئولية إسبانيا عنه.

وبسبب الكساد الكبير الذي وقع في الولايات المتحدة عقب إنهيار البورصة في نيويورك في أكتوبر عام 1929 شعر كثير من الأفراد العاملين السابقين في القوات المسلحة بأن حقوقهم قد هضمت وأنهم قد ظلموا وكان أن أحد القساوسة قد أسس لسابقة التظاهر في واشنطن حين قاد مظاهرة للفلاحين المعدمين من ضحايا الكساد وطاف بهم شوارع العاصمة، فاتخذ الجنود السابقون هذا النهج مثالا وقاموا بالإعتصام في واشنطن طلبا للحوافز المادية التي لم يحصلوا عليها.

وهكذا تجمع حوالي 20 ألف معتصم في مدينة واشنطن بنسائهم وأطفالهم يطالبون الحكومة بصرف مستحقاتهم المالية وظلوا معتصمين بدءا من يونيو 1932 في خيام مؤقتة أمام مبني الكونجرس وكانت هناك حركة مؤيدة لهم من داخل الجيش العامل.

وزاد الطين بلة أن الكونجرس رفض تمرير القانون الخاص بصرف هذه الحوافز لهم مما زاد الأعصاب إشتعالا وجعل الأمور تتجه إلي نية الحسم بالقوة.

بدأت الأحداث بعد أكثر من شهر من بدء التظاهرات بقرار أصدره المدعي العام الأمريكي يأمر بفض الإعتصام ويسمح باستعمال القوة في تفريق المظاهرة كما أصدر قرارا بحظر التظاهر والإعتصام علي الاراضي العامة ولكن المعتصمين لم يرضخوا لهذه القرارات وظلوا يواصلون إعتصامهم.

وهكذا أرسلت الحكومة قوات الشرطة لفض الإعتصام بالقوة واستعملت الاسلحة النارية فسقط قتيلان من المعتصمين. وعند هذه النقطة قرر الرئيس هوفر إرسال القوات المسلحة إلي المدينة لكي تفض الإعتصام وكان القائد المحلي لهذه القوات هو الجنرال دوايت آيزنهاور ومعه الجنرال باتن الذي أصبح بعد ذلك أحد أهم قواده في غزو أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، وكان باتن يقود قوة مكونة من 6 دبابات، وكانت القوة المرسلة لفض الإعتصام تتكون إضافة إلي الدبابات من الفرسان وجنود المشاة  وفوق الجميع كان الجنرال دوجلاس ماك آرثر هو رئيس أركان الجيش الأمريكي (كان الجيش  في ذلك الزمان منفصلا عن البحرية والقوات الجوية ولم تكن رئاسة الاركالن مشتركة تشمل جميع الأسلحة كما هو الوضع الآن).

وبالطبع لم يتوقع المتظاهرون من العسكريين أن تشارك قوات الجيش في فض إعتصام يقوم به عسكريون سابقون فكانت المفاجأة مكتملة.

بدأ الهجوم بالفرسان ثم المشاة واستعمل الجنود الغاز المسيل للدموع ضد المعتصمين وحدث هرج ومرج وتدافع خصوصا في وجود نساء وأطفال وسقط 4 قتلي في ذلك اليوم بالإضافة إلي حوالي 1000 جريح منهم 70 من قوات الشرطة.

إلا أن الرئيس هربرت هوفر عندما علم بنتيجة الحملة العسكرية أمر بإيقافها ولكن الجنرال ماك آرثر قرر وحده أن يعاود الهجوم وهكذا فر المعتصمون جميعا وتركوا خلفهم خيامهم ومتاعهم ثم قام الجيش بعد ذلك بإحراق الخيام بما فيها.

وقد شارك في هذه الحملة العسكرية الداخلية نجوم المجتمع العسكري الأمريكي الذين لمعوا بعد ذلك وهم ماك آرثر وآيزنهاور وباتن.

وكانت هذه الواقعة سببا من أسباب إنتصار المرشح الديموقراطي فرانكلين روزفلت الذي خاض الإنتخابات بعد ذلك بأربعة شهور وأقام حملته علي اساس إنتقادها وانتقاد الطريقة التي يدير بها الرئيس الجمهوري هربرت هوفر شئون البلاد خصوصا في ظل أزمة إقتصادية قاسية طالت الجميع وبالذات الطبقات المحرومة والفقيرة التي كان جنود الجيش من المنتمين لها.

 

وبالطبع لم تحدث فيما بعد أي محاكمات ولا تقصي حقائق وانتهي الأمر وأصبح الضباط الثلاثة من الابطال بل أن أحدهم - آيزنهاور- إنتخب بعد 20 عاما رئيسا للبلاد.


المسحراتي والوداع / حكاية مدينة

$
0
0

تأليف : محمد السويسي

من مباهج شهر رمضان في مدينة طرابلس اللبنانية هي فرقة السحور التي كان يبتهج لها الأطفال ويسرون . وربما كانت حاجة فيما مضى لتوقظ الناس قبل أذان الصبح ليتناولوا وجبتهم قبل بدء يوم الصيام إقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .

ورغم التطور التكنولوجي في المنبهات الألكترونية ، بوسائل وأدوات عدة منها الساعات والهواتف ، فإن المسحراتي لازال مواظباً على عمله قائماً به منذ مئات السنين يعمل على إيقاظ أهل المدينة طوال شهر رمضان .

وكان المسحراتي فيما مضى حتى نهاية الثمانينات يبدأ جولته في منتصف الليل ومعه فرقة من الفتيان والشباب وقد حملوا بأيديهم زوجاً من الفوانيس المضيئة على عصاً طويلة ينشدون الأناشيد النبوية بصوت رخيم وبيدهم الدفوف والصنوج يدقون بها على وقع طبل كبير يحمله أكبرهم بإيقاع جميل يجبر الأطفال بفرح ظاهر للسعي والتفرج عليهم من الشرفات والشبابيك . وما كان المطر ولا البرد القارس ليمنعهم عن تأدية واجبهم هذا طوال هذا الشهر الكريم .  

ومن الطريف أن المسحراتي كان يعرف منزل كل شخص ويناديه بأسمه ، خاصة وأن تلك المنازل لم تكن في الأربعينات والخمسينات لتتعدى الطابق او الطابقين علواً إلا قلة منها ، فكان يقف كل يوم تحت شباك أحدهم لينشد له قصيدة على أسمه ثم يدعوه  للنهوض وتناول الطعام .

وعمل المسحراتي في السابق ، زمن العثمانيين ،  لم يكن عشوائياً لمن شاء أن يعمل به . إذ أن كان الأمر  يحتاج لترخيص أو بالأحرى لفرمان سلطاني . ويبدو أن السلطات اللبنانية كانت تدعم هذا الأمر إذ لم يلحظ القانون اللبناني أو تنظيماته أي مرسوم أو قرار في هذا الشأن . وليس ذلك بغريب إذ لازال لبنان يعمل في نواح عدة بالتنظيمات العثمانية وأهمها قانون تنظيم الجمعيات أو الأحزاب دون أي تعديل لملائمته .

ولذا فإن المسحراتي كان محمياً بهذا الفرمان السلطاني يعلقه في مكتبه ، الذي هو عبارة عن مخزن صغير للعطارة ، ليشاهده المواطنون ويتأكدوا من حقه في رعاية فرقة السحور والإستفادة منها ، لأن عمل المسحراتي كان يتقاضى عليه أجراً بدءاً من العشر الأخير من رمضان حيث تقوم فرقته بوداع الصائمين ، بدءاً من إنتهاء صلاة العشاء حتى منتصف الليل تقريباً ليناولهم كل رب عائلة ماتيسر له من المال .

   

فرقة الوداع : وهي نفسها فرقة السحور ، إلا أنها كانت تبدأ عملها في العشر الأخير من رمضان بأناشيد دينية خاصة مؤثرة ، حيث كان المسحراتي يلبس"الغمباز"كما عادة أهل زمان ويضع طاقية بيضاء على رأسه ويطرق كل باب على حدة ليغطي كامل الأحياء المعني بها ، لأنه كان هناك أكثر من مسحراتي لسائر أنحاء المدينة حيث كانوا يتوارثونها أباً عن جد .

إلا أنه من منتصف السبعينات لم يتقدم أحد من ورثة  حملة هذا الفرمان ليتابع مهنة آبائه وأجداده فأضحت مفتوحة لمن يشاء ، إلا أن رونقها قد ذهب مع تعدد المسحرين حتى في المنطقة الواحدة وكذلك من يودعون ، بحيث يدقون الأبواب لوداع شهر رمضان بعد خمسة أيام من بدئه لجمع ماأمكنهم من مال ؛ وقد يأتيك أكثر من مودع ليأخذ ماتيسر ولا رقيب أو حسيب

.وكان من الأفضل فيما لو عمد هؤلاء إلى طرق الأبواب إعلاناً بترحيبهم بشهر رمضان بدلاً من وداعه ومازال في أوله ، لكان ذلك أكثر قبولاً وترحيباً من وداعه زوراً وهو في بدء هلته .

إلا أن الأكثر طرافة أنه حتى منتصف الستينات وما قبل ، فإن فرقة الوداع كانت قد تأتي أحدهم  ليلاً  إلى منزله ولا تجده وقد غاب لسبب ما ،فلا تعيد الكرة  إذ إنها لم تكن لتملك الوقت الكافي  للعوده إليه فينتظره المسحراتي في محله الصغير في السوق الذي ماأن يراه حتى يقرع الطبل مهنئاً بالعيد فيعطيه الرجل مايطيب خاطره .

 

الثمن (الأخيرة)

$
0
0

أما آخر المعارك الكبري التي وقعت بسبب علاقات العمل فقد كانت معركة Battle of Blair Mountain  في ولاية وست فرجينيا الأمريكية عام 1921.

كان أساس المعركة كما هو المألوف في تلك الفترة القاسية من حياة المجتمع الأمريكي هو الصراع من أجل إنشاء النقابات العمالية. فقد كانت فكرة النقابات في ذاتها تمثل تحديا للروح التي تسود أصحاب العمل وأصحاب رأس المال. ولا ينس المرء أن تلك الفترة كانت هي التي شهدت أيضا إنهيار النظام الروسي القيصري وإنشاء النظام الشيوعي في روسيا والذي كان يمثل شبحا يحلق في سماء كل الدول الصناعية سواء ألمانيا أو إنجلترا أو فرنسا أو الولايات المتحدة. وكانت الفكرة النقابية قد إنتقلت من أوروبا إلي الولايات المتحدة في نهايات القرن التاسع عشر وهي فكرة كانت محاربتها تتم بالاساليب الأمنية من دس المخبرين والجواسيس بين العمال واتخاذ الإجراءات السريعة الحاسمة لمواجهة أي نمو لهذه البذرة في عقول العمال. كانت شركة إستخراج الفحم في وست فرجينيا قد خاضت تجارب متعددة مع عمالها خلال السنوات الأولي من القرن العشرين حيث كان العمال محل نزاع قاس بين إدارة الشركة من ناحية وأصحاب فكرة النقابات من الناحية الأخري. وكانت الإجراءات الإدارية المتبعة في حق العمال المنضمين للنقابات أو الذين يتعاطفون مع الفكرة تتدرج من الإنذار إلي الخصم إلي الفصل من الخدمة وتتعدي ذلك إلي الطرد من البيوت التي يعيشون فيها. وكانت العقلية السائدة قريبة الشبه من عقلية القرون الوسطي حيث كان أصحاب الأعمال يرون في العمال مجرد آلات لتنفيذ عمل معين لهم أجر يكفيهم الجوع والعراء ولكن ليس لهم أكثر من ذلك. بل أن بعضهم كان يعتبر أن طردهم من مساكنهم عقب فصلهم هو عمل مشروع حيث أن من لا يعمل لا يسكن !!

وكما قام هنري فريك قبل ذلك بثلاثين عاما باستدعاء شركة

 Pinkerton National Detective Agency  قام اصحاب مناجم الفحم في وست فرجينيا باستدعاء شركة مماثلة هي شركة  Baldwin Felts Detective Agency  وهي شركة حراسة وأمن عرف عنها العنف وسرعة اللجوء للسلاح.

وتحت هذه الظروف أخذت سحب النزاع تتجمع إذ أن عددا كبيرا من العائلات المطرودة من مساكنها لم تجد مأوا لها فقام الإتحاد بمساعدتها بإقامة معسكر من الخيام علي ضفة نهر تاج فورك.

وبالطبع فإن إجراءات طرد العائلات الفقيرة من بيوتها نساءا وأطفالا هو مما لا يقبله الفكر الإنساني مهما بلغ قدر المآخذ والأسباب. فكان أن تسبب ذلك الإجراء في نتيجة عكسية هي إنضمام أكثر من ثلاثة أرباع العمال إلي الإتحاد الأمريكي لعمال الفحم مما أوغر صدور أصحاب الأعمال ودق في ارواحهم ناقوس الخطر. وبالتدفق الطبيعي للأحداث في مثل هذه الظروف فقد تجمعت عائلات عدد كبير من العمال علي ضفة ذلك النهر وسط إنحياز واضح من جانب الدولة إلي جانب اصحاب الأعمال، إذ أنه حتي تلك الفترة لم يكن قانون تنظيم النقابات قد صدر بعد في الولايات المتحدة (صدر هذا القانون فيما بعد في عام 1933 في سياق قوانين النيو ديل التي جاء بها الرئيس المنتخب حديثا فرانكلين روزفلت).

وبما أن الحالة السائدة كانت تميل إلي حسم النزاع بالسلاح فقد قام العاملون في شركة الحراسة بقتل أهم الزعماء العماليين بعملية غدر مبيتة النية إذ تم إطلاق النار عليه داخل مبني محكمة كان عندما كان متجها لحضور جلسة مساءلته عن تهمة جنائية تتعلق بالعمل علي إحداث تفجيرات في مناجم الفحم.

وبالطبع فإن قتل زعيم عمالي في مثل هذه الظروف هو بمثابة إشعال الحرب العمالية بين الطرفين، إذ هاجت الخواطر وثارت النفوس وأعلن حاكم الولاية الأحكام العرفية فلجأ العمال إلي الإكثار من شراء السلاح وتخزينه وإنشاء دوريات مسلحة للحراسة وكانت الصورة العامة تنبىء بحدوث حرب أهلية في تلك المنطقة.

ووصل الأمر إلي أن رئيس الولايات المتحدة وارن هاردنج (رئيس جمهوري) قد هدد بإرسال القوات المسلحة لكي تفض تجمع العمال المسلحين بل صرح بأنه قد يرسل طائرات قاذف للقنابل لكي تساند مجهود فض الإنتفاضة العمالية !!

وكان رئيس البوليس من أشد الصقور حماسا ضد الحركة العمالية حتي أنه قد قام عامدا بخرق إتفاق تم التوقيع عليه قبل يومين بين الطرفين وذلك رغبة منه في الحسم بالسلاح. وبالفعل بدأت المعركة بإطلاق النار من جانب قوات الشرطة علي العمال من مؤيدي النقابة وتداعت الأحداث وصولا إلي إطلاق نار متبادل وكان ذلك في أغسطس عام 1921. بل وقد وصل الأمر إلي أن أصحاب المناجم إستأجروا  طائرات خاصة لكي تلقي بقنابل الغاز من مخلفات الحرب العالمية الأولي علي رؤوس العمال النقابيين !!

وأرسل الجيش الأمريكي أيضا طائرات قاذفة إلي ساحة القتال لكي تقوم بالإستطلاع وجمع المعلومات، رغم وجود وسريان قانون Posse Comitautsالذي يحظر علي الحكومة الفيدرالية إستعمال القوات المسلحة في داخل أمريكا لقضايا أمنية.

كان مشهدا شاذا لا يمكن تصوره إلا لمن عاشه. فهاهو المجتمع الأمريكي في القرن العشرين قبل النيو ديل يعبر عن متناقضاته بطريقة لم تعرفها المجتمعات الأوروبية ولا غير الأوروبية منذ القرن السابع عشر. ولو أن تلك الأحداث قد وقعت في دولة أقل إتساعا من الولايات المتحدة مترامية الأطراف لكان ذلك سببا مباشرا في حرب أهلية شديدة المراس !!

أسفرت الحملة الحربية التي وقعت في تلك الايام عن وقوع ما بين 50 و100 قتيل في صفوف العمال وما بين 20 و30 شرطي وموظف بشركة الحراسة. هذا بالإضافة إلي إعتقال 1000 عامل تقريبا وتوجيه التهم إليهم ومحاكمتهم. وقد قيل أن هذه المعركة قد أطلق فيها مليون رصاصة من الطرفين، وذلك من واقع التقرير الصادر عنها فيما بعد.

وقد كانت هذه المعركة سببا مباشرا في رغبة الرئيس الأمريكي الذي جاء بعد وقوعها بإثني عشر عاما في تعديل القوانين الفيدرالية للسماح بإنشاء النقابات العمالية وذلك في سياق مجموعة قوانين النيو ديل.

أي أن العبرة التي يمكن إستخراجها من كل هذه القصص هي أنه لا يوجد مجتمع عرف للتقدم طريقا وبني قاعدة إقتصادية ودستورية تشريعية متينة وصل تأسيسا عليها إلي مرحلة الرخاء إلا وكان قبلها قد دفع لذلك التقدم ثمنا باهظا. فلا يوجد شىء في هذه الحياة بالمجان. وهذه المجتمعات لم تولد هكذا متقدمة وثرية ولكناه دفعت ثمن هذا التقدم. وقد رأينا كيف كان الثمن الذي دفعته أوروبا باهظا علي شكل قرون من الصراع والحروب الداخلية والخارجية. وكذلك رأينا كيف دفع المواطن الأمريكي ثمنا باهظا لحريته التي قد تبهر البعض منا ممن يزورون تلك البلاد عابرين أو يعيشون فيها، فكافة هذه المجتمعات عانت واكتوت بنار الصراعات حتي عرفت في النهاية الطريق الي صياغة عقد مجتمعي سليم يحفظ الحقوق للجميع ويحدد بدقة واجبات وحقوق كل من الدولة والمواطن.

وهو ما ينطبق أيضا علي المجتمعات العربية وكل مجتمعات العالم الثالث. فلابد من الإستثمار في تعليم المواطن وتحسين مستوي فهمه وإدراكه وإخراجه من الخرافات والأكاذيب وتعويده علي الإنتاج المتميز.

 

ولابد من وضع حدود للحكام حتي لا يقع ظلم ولا ينشأ طغيان. وهذه الوصفات تحتاج إلي سنين طويلة لكي تنتج أثرها وعليه لابد من الصبر وعدم اليأس من المحاولة وعدم الحيود عن هذا الطريق الذي قد يبدو للبعض وعرا ولكنه الطريق الذي لا مناص منه لمن اراد الخروج من أزماته.

طرابلس الفيحاء في الذاكرة / الأعياد

$
0
0
 
تأليف : محمد السويسي
      
عيد الفطر السعيد : كان هذا العيد ، في الخمسينات وحتى منتصف السبعينات من القرن المنصرم ، يُستقبل بفرح ظاهر ويُعد له منذ العشر الأخير من رمضان حيث تقام الزينات الملونة في الأسواق وتضاء المدينة بأكملها باللمبات الساطعة والملونة لتزيد من أفراح العيد وبهجتة ، كما كان يُستقبل بالأناشيد الدينية قبل ثلاثة أيام من حلوله حيث تقوم فرق الإنشاد  الصوفية بالتجوال في أنحاء المدينة بمواكبة مع الفرق الموسيقية على إيقاع الدفوف والطبل والصنوج ، وكانت المدفعية تعلن عن قدوم العيد  بسبع طلقات مدوية  ليلة حلوله عصراً أو مساء ، كما كانت تطلق طلقتان طوال أيامه الثلاث  عند بدء كل آذان ، من أذان  الصبح حتى العشاء ،إلا أنه في اليوم الثالث منه كان يكتفي بإطلاق طلقتين فقط  عند العصر دون المغرب والعشاء  .
 
وكان الإزدحام في الأسواق يتعاظم طوال ليلة العيد وقد عج بالناس يتبضعون مايحتاجونه من الألبسة والكلسات والأحذية والمأكولات والنقولات من مختلف أنواع الشوكولاه والسكاكر والحلويات المشكلة ، اما المعمول فكان  يصنع من قبل البعض في البيوت ويرسل إلى الأفران التي تسهر حتى الفجرلتتمكن من خبز كل الصواني التي ترد إليها .
  وكانت بلدية طرابلس اللبنانية تقوم قبل أيام بتنظيف باب الرمل حيث المقابر من الأوساخ والحجارة المتناثرة وأوراق الشجر وشطف ممراته ، ثم لتلتفت إلى شوارع المدينة وأزقتها حتى ليلة العيد لتقوم بكناستها وشطفها بالمياه بنشاط وهمة كبيرتان .
  وكان العيد يحتفل به أهل المدينة منذ الصباح وقد لبس الناس جميعاً من رجال ونساء وأطفال الحلل الجديدة ، حيث كانت العائلات تتجه عقب صلاة العيد نحو مقبرة باب الرمل بازدحام كبيرلتزيين ترب أمواتها بشتلات الآس الخضراء والزهور والورود ولتقرأ الفاتحة عن أرواحها . إلا أنه ماكان يلفت النظر هو تكاثر باعة الكعك والفقراء على جانبي الطريق من الجامع الكبير حتى المقبرة حيث تجزل الناس العطاء لهؤلاء المساكين بما تيسر ، وتشتري الكعك لأطفالها الذي كان من معالم العيد كما المعمول .
  وبعد أن ينتهون من زيارة المقبرة كانوا يقومون بمعايدة الأهل والأقارب طوال أيام العيد ويتبادلون الزيارت بالأحضان والقبلات والتهنئة بحلول العيد بالقول : "كل عام وأنتم بخير"ويتناولون المعمول المحشي بالجوز أو الفستق والتمر إلى جانب الغريبة ، كما يقدم لهم الشوكولاته والملبس والقهوة أو الشاي ، والليموناضة الباردة إذا كان الطقس حاراً ، ولازالت هذه العادات سائدة حتى اليوم مع بعض الإختلاف البسيط وإن خف زخمها .
  أما الأكلات المفضلة أول ايام العيد فكان الورق العنب المحشي بالأرز واللحم المفروم، كما الدجاج المحشي والضلع ، أي حساء الدجاج ، والقباوات المحشي بالأرز واللوز واللحم أو الكوسى باللبن ، هذا إذا كان العيد قد حل في فصل الربيع أو الصيف ، أما إذا حل في الشتاء فكان يفضل إلى جانب الدجاج الكبة بالصينية أوالمشوية والفاصولياء أوالملفوف .
  
عيد الأضحى المبارك : وكانت المدفعية تستقبله بسبع طلقات مساء حلوله كما عيد الفطر، وطلقتان طوال أربعة أيام عند كل أذان حتى عصر اليوم الرابع . وكانت الزينة والإحتفال به والمعايدات طوال أيام العيد مشابهة لتلك في عيد الفطر ، إلا أنه كان يتميز عنه بالأيام التي تسبقه حيث تملأ المدينة قطعان الخراف التي كان يقبل عليها الأثرياء والميسورين من أهل طرابلس للشراء والتضحية في أول أيام عيد الأضحى  وتوزيع لحومها على الفقراء . وكان مشهد قطعان الغنم  يفرح الأطفال فيتجمعون لمشاهدة معاينة الأكباش الضخمة بقرونها الكبيرة من قبل الزبائن ، بدسها من الظهر والبطن ثم الشراء .
   إلا أن أكثر المشاهد غرابة وأطرفها هو مشاهدة بدوي في السوق  وهو يسحب جملاً كبيراً وقد زينه بكل الألوان والعديد من الأجراس حول عنقه الطويل  التي ترن وتقرع مع كل خطوة من تنقله  وصاحبه  ينادي عن قرب ذبحه ليحجز المواطنين من الراغبين بلحم الجمل حاجاتهم منه فيسجل أسمائهم وعناوينهم ويقبض رعبوناً مالياً مقدماً ،وهو عبارة عن مبلغ زهيد من ثمن اللحم الموصي عليه تأكيداً للشراء ، حيث أن ثمن الكيلوغرام  من لحم الجمل أقل سعراً من مثيله من الغنم أو العجل ، وكان الرجل ليجول  في أنحاء المدينة حتى يبيع جمله بأكمله ثم ليغادر ويعود بعد يومين حاملاً حصة كل مشتر ويقبض باقي الثمن .
  
 العيد والأطفال : كان العيد يشكل فرحاً وعرساً حقيقياً للأطفال حيث ينامون ليلتهم وهم يحلمون بطلوع النهار للإحتفال به ، فيلبسون الملابس والأحذية الجديدة ويتلهفون لتقبيل ايادي آبائهم وأمهاتهم لتلقي العيدية من خمس إلى عشر ليرات لكل فرد منهم ومن ثم الذهاب مع العائلة عند أقاربهم لمزيد من المعايدة وبالتالي المزيد من العيديات التي تتيح لهم ، وقد امتلأت جيوبهم ، شراء مايحلو لهم . وأكثر ماكان يسعدهم هو شراء الألعاب والمفرقعات وشراء السيارات  التي تدور بالزنبرك يعبئونها بمفتاح جانبي أشبه بمفتاح علب السردين ثم يطلقونها بفرح لمرات عدة  ، كما كانوا يشترون مسدسات الفلين والكبسون ويلهون بفرقعة أصواتها في الهواء مسرورين بصوتها المدوي . أما المراجيح فكانت تتوزع في أنحاء عدة من المدينة القديمة في باب الرمل وأطراف شارع النجمة والتبانة حيث كانت محببة من البنات أكثر من الصبيان .
  كما كان يحلو  لهم أيضاً التوجه  نحو ساحة التل التي كانت تزدحم بباعة المخلل والترمس والكعك والسندويش المحشي باللبنة والمربى والجبنة ، وكان سعر السندويشة الواحدة من الخبز الإفرنجي بخمسة عشر قرشاً وصحن المخلل بفرنك واحد ، وقد يدخلون إلى المانشية اي الحديقة العامة حيث يتواجد عدة مصورين كما في ساحة التل لتُلتقط لهم الصور وتكون ذكرى لاتنسى عن أيام العيد ، وكان سعر الصورة الواحدة نصف ليرة يدفعها مقدماً ويعطى وصلاً ليأخذ صورته بعد عدة أيام من عند أحد المصورين قريباً من التل . ولكن أكثر ماكان يسرهم هو الدخول للسينما التي يترواح سعر بطاقتها بين ربع ونصف ليرة وفقاً لموقعها ، حيث كانت السينمات تبدأ العرض من الساعة العاشرة صباحاً حتى منتصف الليل دون انقطاع .
  عيدي الميلاد ورأس السنة : رغم أن مدينة طرابلس يغلب على تعدادها  المسلمون إلا أن طابع عيدي الميلاد ورأس السنة كان يتجلى خلال الستينات حتى منتصف السبعينات في شارعي عزمي والتل حيث كانت تضاء محلات المسلمين والمسيحين بشجرة الميلاد وزينتها من اللمبات الزجاجية الملونة مما يعطي مظهراً جميلاً للشارع والمخازن لجذب الزبائن ، وكان سكان القرى المسيحية المجاورة تفد إلى المدينة للتبضع منها ، حيث تجدهم أول أيام العيد يفدون إلى كنائسهم التي كانت في وسط المدينة وداخل الأسواق يدخلون إليها ويخرجون بأبهى حللهم الجديدة ، وكانوا يتزاورون ويتعايدون مع جيرانهم من المسلمين في الحي والمبنى ومع أقربائهم وأصحابهم  كما عادات المسلمين .
 

لمن تكون السيادة؟ (1)

$
0
0

 

لمن تكون السيادة؟

 

من العسير علي المرء أن يجد مجتمعا غربيا خاض عديد من التغيرات العميقة في بنيته التحتية أكثر مما وقع للمجتمع الألماني. ففي خلال المائة عام السابقة إنتقل عدة مرات من حكم قيصري إمبراطوري يؤمن صاحبه بأن له حق إلهي إلي حال من الفوضي وشبه الحرب الأهلية إلي فترة دوار يطلق عليها الألمان فترة جمهورية فايمار نسبة إلي المدينة التي إنعقد فيها المؤتمر الذي وضع الوثيقة الدستورية عام 1919 ثم حكم فاشي يسير علي النقيض تماما من فكرة الديموقراطية ثم خاض حربا قاسية مدمرة نتج عنها قسمة البلاد إلي جزئين متعارضين في كل شىء تقريبا وفي النهاية إنتصرت الفكرة الليبرالية الديموقراطية علي الشيوعية ونجحت في توحيد ألمانيا قانونيا ودستوريا من جديد. وقد وقعت هذه التغييرات في خلال أقل من مائة عام فقط، بل خلال 70 عاما لا أكثر !!

وبسبب أن دولة ألمانيا الموحدة تأخرت كثيرا في تحقيق وحدتها القومية فقد كان علي ما يبدو لازما أن يتم المرور في كل تلك التجارب بسرعة كبيرة وهي تجارب طالت في الدول الأقدم والأطول عمرا مثل فرنسا أو إنجلترا.

وفي خضم تلك التغيرات كان لابد للدولة التي أنشئت من جديد علي أنقاض ألمانيا الفاشية، كان لابد لها من الإستناد إلي مستودع الخبرة الموجود من الموظفين وأصحاب الكفاءات ممن خدموا في زمن حكم الفاشية، وفي ذلك صرح المستشار كونراد آديناور أن "المرء لا يلقي ما لديه من ماء قذر قبل أن يكون قد حصل علي ماء نظيف"!!

وكان أيضا من نتائج هذه السياسة أن مجموعات من الشباب الذي ولد في كثرته الغالبة في بداية الأربعينات، أي أنهم ممن دخلوا المدرسة الإبتدائية بعد نهاية الحرب، قامت مجموعة الشباب هذه بالثورة الفكرية علي نظام وطريقة الجيل القديم في الحياة والتشريع والتنظيم وكانت بداية ذلك في منتصف ونهاية الستينات من القرن الماضي.

وقد كانوا في بدايتهم مدفوعين بالحماس الشبابي المعتاد ولكن مع مرور الوقت بدأ العيار ينفلت ودخلوا منطقة إختراق قواعد القانون مما إستعدي الدولة والمجتمع عليهم فأصبحوا يعاملون كالمطاريد تلقي قوات الأمن القبض عليهم لاشتراكهم في جرائم سرقة بنوك لكي يقوموا بتمويل "الثورة العادلة".

وكانت هذه هي بدايات نشأة جماعة بادر ماينهوف التي تحولت بعد ذلك إلي عصابة بادر ماينهوف.

قامت هذه المجموعة باستهداف رموز المجتمع "الرأسمالي الفاشي المتعفن"كما كانوا يطلقون عليه فكان من بين ضحاياهم المحامي العام الفيدرالي لمحكمة النقض في ألمانيا سيجفريد بوباك الذي قتل في ربيع عام 1977 ورئيس دريسدنر بنك يورجن بونتو الذي قتل في صيف ذلك العام ورئيس رابطة أصحاب الأعمال في ألمانيا هانز مارتن شلاير الذي قتل في خريف نفس العام.

إلا أن جريمة قتل الأخير كانت أكثر الجرائم إثارة.. كما أنها ترتبط بسابقة قانونية هامة،  لذا وجب الوقوف أمامها..

تم إختطاف السيد شلاير من الشارع العام حيث إعترضت سيارته مجموعة من المسلحين وقاموا بقتل السائق وأحد مرافقيه ثم إقتادوه كرهينة إلي مكان مجهول وبدأت المفاوضات مع الدولة علي إطلاق سراحه مقابل موافقة الحكومة علي إطلاق سراح المحكوم عليهم من أعضاء الجماعة ممن يقضون فترة العقوبة في السجون. والحقيقة أن هذا النوع من الأعمال كان في وقته جديدا علي المجتمع الألماني الذى كان ينزع إلي الهدوء والسكينة وينبذ العنف بعد تجربة حكم الفاشية التي أجهزت علي البلاد إقتصاديا وماديا وفكريا وأصابت الناس بخيبة أمل شديدة في فكرة القومية ذاتها.

وفي البداية كانت الحكومة تريد كسب الوقت وتناور مع المختطفين لعلها تستطيع الكشف بالطرق البوليسية المعتادة عن مكان إحتجاز السيد شلاير. والسيد شلاير كان في شبابه عضوا في حزب العمال الألماني القومي الإجتماعي (حزب هتلر) ولهذا فقد كان مكروها بصفة خاصة من أعضاء الجماعة اليسارية الشبابية التي تحولت إلي الإرهاب.

وقد أرسلت الجماعة شريط فيديو يعرض السيد شلاير من محبسه يناشد فيه الحكومة الألمانية بالصوت والصورة أن تقبل شروط الخاطفين حيث أن حياته بالفعل في خطر ويلمح من جانب آخر إلي أن تشدد الحكومة في هذا الأمر هو مما يضر ولا ينفع.

ولما كان المجتمع بأسره من الرافضة لفكرة التبادل مع مجرمين حيث أن ذلك التبادل سوف يفتح الباب أمام كل الجماعات المشابهة لتكرار إبتزاز الدولة فقد إتخذت الحكومة بالتشاور مع المعارضة قرارا بأن البدل لا يشكل أي خيار للدولة لأنها لا تخضع للإبتزاز. حتي أن المستشار وقتها هلموت شميدت قال لرئيس المعارضة هلموت كول في ذلك الإجتماع: "لو أنك أنت شخصيا قد إختطفت صباح غد فلن نفتديك بمارك واحدة". وهكذا أصبح هذا القرار السري ملزما للجميع، مع عدم الإخلال بسريته.

وكانت أسرة السيد شلاير تناشد الحكومة الموافقة علي إجراء المبادلة حفاظا علي حياة رئيس هذه الأسرة وكان الأبناء يشعرون أن الحكومة إنما تماطل ولا تفرج عن المساجين الواردة أسماؤهم في قائمة طلبات الجماعة الإرهابية. وكان أن تفتق ذهن الإبن الأكبر للسيد شلاير عن رفع دعوي أمام المحكمة الدستورية الفيدرالية يطلب فيها أن تحكم المحكمة علي السلطة التنفيذية أن تفرج فعلا وبسرعة عن قائمة المساجين حقنا لدماء والده. وهذا هو موضوعنا.

يبيح قانون المحكمة الدستورية الفيدرالية للأشخاص الطبيعيين التقدم بدعوي أمامها وذلك في حالة كون أحد الحقوق الأساسية التي نص عليها الدستور الإتحادي قد تم التعدي عليه من جانب الدولة. وهذه الإمكانية تم وضعها لضمان إنفاذ نصوص الدستور ولإعلاء شأن تطبيق النصوص الدستورية فعلا في التعامل اليومي مع المواطنين. وقد علق قانون المحكمة قبول الدعوي علي شرط أن يكون رافعها قد تأثر هو شخصيا وبصورة مباشرة من العمل الإداري الذي قام به جهاز الدولة وأن يكون اللجوء إلي المحكمة الدستورية الفيدالية هو آخر خطوة بعد إستنفاذ كافة درجات التقاضي.

إلا أن القانون عاد وفتح الباب ضيقا أمام بعض الإستثناءات علي تلك القاعدة وذلك في حالة أن اللجوء للدرجات القضائية المتعددة هو مما لا يناسب الحال ولا يمكن طلبه من رافع الدعوي (أحوال الطوارىء مثلا).  وقد كان هذا هو الباب الذي دخلت منه دعوي السيد شلاير الإبن إلي المحكمة. فأقيمت دعوي مستعجلة بسبب ضيق الوقت حيث أن إستنفاد جميع درجات التقاضي لم يكن ممكنا في هذه الفترة البسيطة.

 

Artikel 2

(2) Jeder hat das Recht auf Leben und körperliche Unversehrtheit. Die Freiheit der Person ist unverletzlich. In diese Rechte darf nur auf Grund eines Gesetzes eingegriffen werden.

هذا هو نص الدستور الإتحادي الألماني في الفقرة الثانية من مادته الثانية وترجمتها هي

"لكل شخص الحق في الحياة والسلامة الجسدية. وحرية الأفراد لا تمس. وهذه الحقوق لا يمكن التدخل فيها إلا بمقتضي قانون"..

وكانت المحكمة الدستورية الفيدرالية في تلك الفترة من السبعينات قد أصدرت أحكام تتعلق بالمادة 218 من قانون العقوبات والتي تجرم الإجهاض وتعاقب عليه. وهذه الأحكام كانت في صف منع الإجهاض باعتبار أن الجنين في بطن أمه يتمتع أيضا بالحق في الحياة والسلامة الجسدية، ولهذا فقد بني المدعي دعواه أمام المحكمة الدستورية علي أساس أن حق السيد/ شلاير في الحفاظ علي حياته وسلامته الجسدية هو مما يكفله الدستور له وعلي الدولة ألا تتصرف بطريقة تعطل تمتعه بهذا الحق.

 

والآن هاهي المحكمة الدستورية الفيدرالية تقف موقفا عصيا علي الحل،إذ علي القاضي أن يقرر في شأن حياة وموت إنسان بريء تماما. فكيف تصرفت المحكمة؟

كيف يمكننا الإطلاع بالصوت والصورة على حقبة تاريخية مضت ؟

$
0
0

 

 

تأليف : محمد السويسي

سؤال  يلح علينا دائماً مع التطور العلمي المذهل   وهو هل بالإمكان استحضارالماضي بالصوت والصورة ؟!

قبل ان نعطي الجواب لابد من الإحاطة بمعلومات ضرورية عن أهمية الذرة ودورها وكيفية عملها .

 يتألف الكون بما فيه الإنسان والحيوان  والحجر والنبات والهواء والكواكب والنجوم وكل مانستشعره أو نراه ، إن باللمس او الشم أو النظر، بما فيه الماء والهواء والضؤ والنار،  يتألف ويتكون  من ذرات بالغة الصغر لاترى بالعين المجردة بحيث أن الملايين منها قد تجتمع على راس دبوس هو بمثابة ملعب كرة قدم بالنسبة لها .

فأنت عندما تمشي لست سوى مجموعة أو كتلة متراصة من الذرات المتجمعة من عناصر متنوعة متعددة، أهمها الكالسيوم والحديد والكربون ، وهي مواد نجمية ، من أصل إثنان وتسعون عنصراً تملأ الأرض وتترابط فيما بينها في مواقع عدة لتكون مركباً كيمائياً يعطيها مظهراً آخر، كما الماء الذي يتكون من إتحاد ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين ، فانتقل بذلك من حالة غازية غير منظورة الى مادة سائلة منظورة وملموسة لالون لها .

   وكل هذه العناصر الذرية باستثناء الهيدروجين وبعض الهليوم كانت قد "طبخت"في نوع ما من السيمياء النجمية قبل مليارات السنين فى مجاهل النجوم وفق تفاعلات نووية حرارية .

 فالهيدروجين الذي يشكل معظم الكون يندمج مشكلاً الكربون ، والكربون يندمج مشكلاً الأوكسجين ، وبعد ذلك تتعاقب في النجوم الكبيرة إضافات لنوى أخرى من الهليوم ، فيتشكل النيون ، والمغنيزيوم ، والسيليكون،والكبريت ..الخ . وتتم هذه الإضافات على مراحل ، بمعدل بروتونين ونيوترونين في كل مرحلة ، وتستمر هذه العملية وصولاً إلى الحديد .

فالذرة هي حجر الأساس في بناء الكيميائية والمادة بشكل عام ، وهي أصغر جزء يمكن الوصول إليه ويبقى كما هو أثناء التفاعلات الكيميائية .وبذلك فإنه عند الوصول لأي ذرة توجد بمفردها فإن هذه الذرة تعبر عن عنصر معين . وكل عنصر متفرد بعدد البروتونات الموجودة في نواة ذلك العنصر . وكل ذرة لها عدد من الألكترونات مساو لعدد البروتونات ، وفي حالة عدم وجود هذا التساوي تسمى الذرة بالأيون . ويمكن لذرات نفس العنصر أن تحتوى على عدد مختلف من النيوترونات . والذرات التي لها أعداد مختلفة من النيوترونات تسمى نظير هذا العنصر.

 أما مالذي يعطي لكل ذرة شخصيتها ويميزها عن مثيلاتها لمواد أخرى ، فلا يندمج مثلاً الخشب مع الحديد ولا القماش مع الذهب ، كما مواد أخرى متعددة لاتنتهي مع تشابه الذرات في الشكل ، فلأن هناك أختلافات في المحتوى ؛ فنواة كل ذرة تحتوى نواة أخرى أصغر منها ، وهكذا دواليك بارقام لاتنتهي ولايمكن احتسابها ؛ كمن يقف أمام مرأة وخلفه مرأة أخرى فيرى تكراراً لوجهه وجسده الى مالانهاية .

    وهكذا النواة ، إلا أن تكرارها يحمل مهمات عدة كالبصمة الوراثية بحيث لاتتشابه دور ومهمات  ذرة مادة ما مع ذرة مادة أخرى مما يعطيها شخصيتها المستقلة . كما وأن لكل منها حقلها المغناطيسي الخاص بها واختصاص اللون والطعم والرائحة بتأثيراتها على الألكترونات واتحاد مادة ما أو اندماجها مع مواد أخرى لتشكيل حالة جديدة وفق مناخ ملائم لحالة كل مادة .

وهذه البصمة الوراثية هي التي تحدد نوع النباتات والزهور  والروائح والعطور  والألوان وسائر المخلوقات على وجه الأرض والفضاء وسائر الكون .

وهكذا فإن الذرة على دقة حجمها المتناهي في الصغر ، إن في الأرض او جسم الإنسان أو الحيوان أو الهواء أوالماء ، أو في أي مكان فإن تركيبتها وفق البصمة الوراثية أشبه بآلة مسجلة وكاميرا تلفزيونية تصور كل ماحولها إلى ماشاء الله .

ولو استطاع الإنسان أن يتوصل الى فك تركيبة الذرة وكيفية تشغيلها لاستحضر التاريخ القديم والبعيد من حبة رمل في سرد شيق بالصوت والصورة لكل ماجرى من أحداث ؟!
وكذلك لو أخذت ذرة من شخص ميت قبل مئات أو ألآف السنين لسردت كل حوار تحدث به هذا الإنسان مع الآخرين ومع نفسه طوال حياته مع صوت وصورة ؟!
فهل يتوصل الإنسان الى شفك شيفرة الذرة ليعيد كتابة التاريخ بالإستماع للعظماء والقادة بأخذ ذرة من جثامينهم أو ذرة عن الأرض من حيث مسقط رأسهم .

لذلك ستشهد ذرات الإنسان عليه يوم القيامة بالصوت والصورة وفق قوله تعالى : 
يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ".

 

 وهنا نعود الى السؤال والتساؤل بعد ان اطلعنا على اهمية الذرة ودورها : هل بالإمكان الإطلاع على فحوى الذرة لإنسان ميت لنطلع على مارأه بعينيه قبل الآف السنين ونستمع الى ماسمعه بأذناه ؟

والجواب بالطبع نستطيع ذلك  فيما لو بذلنا الجهد مع تقدم العلم وتطوره في التصوير ونقل الصورة وفق آلية علمية .

ويكون ذلك باستحضار قطعة من عظام رجل ميت قبل مئات أو آلآف السنين لتمرير تيار كهربائي مغناطيسي بسرعة  عالية ، لأننا كلما زدنا سرعة  التيار  كلما اسرعنا في استحضارتاريخ أبعد وإلا ظهرت لنا صورة سوداء لامعني لها وفقاً للشرح التالي :

إذ انناعند تمريرالتيار الكهربائي الممغنط من طرف الجهاز المعد لهذا الأمر وخروجه من طرفه الآخر وقطعة العظم في وسطه ، فيجب ان يكون مرتبط  بجهاز تصوير بالغ الدقة وسريع الإلتقاط وموصول بشاشة تمر فيها الصور بسرعة البرق وفق فولتاج كهربائي معين يكرر  مرات ومرات مع زيادة سرعة  التيارعند كل تكرار  الى ان نحصل على وميض مضىء يستنسخ الصور الموجودة داخل ذرة عظام الإنسان .

عندها نخفف سرعة التيار ونثبته عند حد معين حيث ظهر الوميض لنحصل على صور واضحة رائعة تعود لآلآف السنين وفق حاجتنا لنعيد كتابة التاريخ القديم بالصوت والصورة  لنضع حداً للكذب والتزوير  والتحريف للتاريخ مع معرفتة على حقيقته بالتحقيق والتمحيص بكل المسائل موضع الخلاف التي ستأتي على لسان اصحابها وصورتهم وكأنهم أحياء .كما نستحصل على وقائع وصور كل الجرائم المرتكبة والحروب في التاريخ القديم والحديث .

 

 

لمن تكون السيادة؟ (2)

$
0
0

كانت طلبات المدعي رافع الدعوي (الذي كان هو السيد هانز مارتن شلاير شخصيا بمقتضي توكيل صادر منه إلي إبنه، حيث أن الدعوي لابد أن تكون شخصية) كانت تركز علي واجب الدولة الذي ورد في نص المادة الثانية السابق بيانها. وكانت الحكومة الإتحادية قد وافقت قبل ذلك بعام علي إطلاق سراح أحد المحتجزين كفدية مقابل إطلاق سراح سياسي في برلين الغربية قامت نفس العصابة باختطافه. وهذه السابقة وضعها محامو المدعي كسند لدعواهم بمقتضي المعاملة بالمثل. ولذلك – كما جاء في عريضة الدعوي – فإن الحكومة الألمانية  تملك الوسيلة لإنقاذ حياة المدعي بالحق الدستوري ولديها سابقة يمكن الإستناد إليها هي سابقة إفتداء حياة السياسي لورنز من برلين ولديها السند القانوني في المادة 34 من قانون العقوبات والتي تبيح إطلاق سراح السجناء في أحوال الضرورة. هكذا جاء في عريضة الدعوي.

وبناءا عليه يطلب المدعي من المحكمة الدستورية الفيدرالية أن تصدر أمرا قضائيا إلي الحكومة الإتحادية يكون محتواه أن تفرج تلك عن السجناء الأحد عشر وتسمح بخروجهم من البلاد (إلي جمهورية اليمن الجنوبي) حتي تطلق الجماعة سراح السيد شلاير.

ولننظر الآن كيف جاء رد الحكومة الإتحادية التي مثلها في هذه الدعوي وزير العدل.

قد يندهش المرء من الدفوع التي قدمتها الحكومة ولكنها كانت مذكرة ذات قيمة مرتفعة في تأصيل الفكر الدستوري.

لم تلجأ الحكومة في ردها علي الدعوي إلي إستعمال مصطلح أعمال السيادة، بل أن هذا اللفظ لم يرد مرة واحدة في عريضة الدفاع المقدمة للمحكمة.

لكن الرد جاء أكثر شمولا وأقوي منطقا.

قالت مذكرة الدفاع المقدمة من الحكومة الإتحادية أنها تعترف بواجب الدولة في الدفاع عن حياة المواطنين وسلامتهم الجسدية. وقالت أن هذا الواجب ماثل أيضا في الحالات الفردية كالحالة التي تنظرها المحكمة.

ومضت المذكرة تؤكد أن الدولة من واجبها أن تبذل كل جهد إنساني ممكن لحماية الحق في الحياة والسلامة الجسدية لكل من يعيش علي أرضها ولو كان فردا واحدا. لكنها عادت لتذكر أن الحكومة تقف موقفا يتعين فيه عليها أن توازن بين أمرين. فعدم الرضوخ لطلبات الخاطفين من ناحية يعرض حياة السيد شلاير إلي خطر مباشر تقدره الحكومة حق قدره، ولكن من ناحية أخري فإن الإنصياع للعصابة ورغباتها يفرغ دولة القانون من محتواها أولا ثم أنه يعرض حياة كثيرين من المواطنين الذين لا دخل لهم بالمسألة للخطر. فالتجربة التي مرت بها الدولة في حالة خطف السياسي لورنز في برلين لم يسفر الإنصياع للخاطفين فيها عن وقف عملياتهم الإجرامية، بل بالعكس زادهم هذا الإنصياع جرأة علي القيام بالمزيد من الأعمال المخالفة للقانون. وعلي ذلك فإن علي الحكومة أن توازن بين العمل علي إنقاذ حياة شخص وإنقاذ حياة كثيرين في المجتمع من شر تلك العصابة. ثم تعرضت المذكرة  للمادة الثانية من الدستور والتي ترتكز عليها الدعوي بأسرها فقالت أن تطبيق المادة الثانية لا يعني بالضرورة الإفراج عن المساجين مقابل الإفراج عن المخطوف، إذ أنه لا يوجد قرار واحد يمكن وصفه بأنه القرار الصحيح الذي يمكن إتخاذه من جانب الحكومة لتطبيق نص المادة الثانية. ولهذا فلكل موقف ملابساته وأحواله التي تملي علي صاحب القرار طبيعة قراره. وفي النهاية قالت المذكرة أن جميع أجهزة الدولة لابد لها من مساحة من الحركة لكي تستطيع القيام بواجبها علي الوجه الذي رسمه لها الدستور، ولذلك فإن الرضوخ لمطالب الخاطفين يضع الدولة في موقف لا يسمح لها بهذه الحرية علي الحركة (أي أنه يلمح من بعيد لفكرة أعمال السيادة وإن لم يذكرها).

والآن علينا أن نري كيف جاء  قرار المحكمة.

بدأ القاضي الدستوري حكمه كالعادة بفحص الطلب من الناحية الإجرائية فذكر أن المحكمة تتفهم دوافع تقديم الطلب المستعجل الذي له ما يبرره بسبب الظروف التي يتعرض لها والتي قد تشكل خطرا داهما علي حياته.

ثم أكد الحكم علي أن الواجب الدستوري للدولة بكل أجهزتها وفقا لنص المادة الثانية هو العمل علي الحفاظ علي الحياة التي هي أسمي قيمة قانونية وأيضا الحفاظ علي السلامة الجسدية للإنسان علي أرض ألمانيا.

ثم دخل الحكم في موضوع الطلب مباشرة حيث ذكر أن أجهزة الدولة جميعا لها الحرية التي تسمح لها بتقرير الخطوات التي تتخذها لكي تنفذ هذه المهمة الدستورية في الحماية الفعالة للحياة والسلامة الجسدية وذلك وفقا للظروف التي تحيط بكل حالة. ثم قال القاضي الدستوري أن الاسلوب الذي تختاره أجهوة الدولة لتوفير هذه الحماية الفعالة  لا يمكن حصره في عمل واحد معين إلا تحت ظروف مشددة يكون هذا العمل هو التصرف الوحيد الذي يصد الخطر الداهم علي الحياة والسلامة الجسدية ويحقق غرض الحماية الفعالة. وهذه الظروف المشددة ليست متوافرة في حالة السيد/ شلاير.

فالطبيعة الذاتية لإجراءات الحماية المتاحة في حالات الإختطاف والإبتزاز الإرهابي تتميز بأن عليها أن تتوافق مع الوجوه المتعددة التي يمكن حملها علي الحالة الفردية. فهذه الإجراءات لا يمكن تقنينها أو وضعها مقدما في صورة واحدة من الصور وكذلك لا يمكن إستنباطها من الحق الفردي. فالدستور ينص علي حماية الحياة والسلامة الجسدية ليس فقط للأفراد ولكن أيضا لكل جموع المواطنين. وقال القاضي الدستوري أن التنفيذ الفعال لهذه المهمة الدستورية يحتم أن تكون أجهزة الدولة قادرة علي أن تقوم بالنظر في الموقف وتقييمه ثم إتخاذ القرار المناسب في شأن كل حالة علي حدة. ولا يمكن إختصار هذه الحرية اللازمة في خطوة واحدة أو تصرف بعينه لأن هذا الحصر في ذاته يشكل تعارضا مع النص الدستوري لنفس المادة الثانية التي يستند إليها المدعي !!

ثم أضاف القاضي الدستوري في حكمه سببا آخرا يمنع المحكمة من إصدار أمر إلي الحكومة الإتحادية يجعلها تفرج عن المساجين وهو أن هذا الإفراج لو أنه وقع بالفعل لكان ذلك سببا لمزيد من العمليات الإجرامية حيث أن رد فعل الدولة سوف يصبح بذلك معروفا للإرهابيين وهو مما لا يستقم مع مهمة الدولة في الحماية. أما بشأن السابقة التي ذكرها المدعي في عريضته عن حالة السياسي لورنز في برلين الغربية فقد ردت عليه المحكمة حجته بتقريرها أن ليس من المصلحة أن يكون رد فعل الدولة مصبوبا في قالب يتكرر في كل حالة.

وقبل أن ينهي القاضي الدستوري حكمه ذكر أن المحكمة ليس من سلطتها أن تملي علي أجهزة الدولة المسئولة طريقة عملها لأن هذه الأجهزة تتصرف وفق كل موقف علي حدة وتقرر بشأن الإجراءات المناسبة.

ثم أعلن عن رفض طلب المدعي السيد/ هانز مارتن شلاير.

وقد أصدر القاضي الدستوري هذا الحكم وهو يعلم أن هناك طائرة ركاب ألمانية مخطوفة من جانب جماعة فلسطينية يسارية متطرفة تريد إجبار الحكومة الألمانية علي إطلاق سراح هؤلاء المساجين بالتهديد بقتل 91 راكبا ألمانيا وذلك لزيادة الضغط علي حكومة شميدت إضافة لاختطاف شلاير. ولكنه مع ذلك رفض طلب المدعي.

 

كان مشهد الجنازة مؤثرا جدا في الكنيسة التي أقيمت فيها الصلاة علي روح السيد/ شلاير الذي أعدمته الجماعة فور نجاح القوات الخاصة الألمانية في إقتحام الطائرة المختطفة وتحرير كامل الرهائن بلا خسائر.

وقد حرص كل من المستشار الألماني ورئيس الدولة ورئيس البرلمان  علي الحضور شخصيا وكان تأثر المستشار شميدت باديا للغاية وقد تقدم إلي زوجة السيد/ شلاير وصافحها وانحني أمامها بطريقة حادة يستبين منها إعتذاره عما وقع  مع ندمه الشديد ، ليس لأنه لم يطلق سراح المسجونين ولكن لأن حكومته فشلت في العثور علي مخبأ العصابة قبل فوات الأوان. وقد تبين بعد ذلك أنهم كانوا بالفعل قريبين جدا منه ولكنهم لم يتخذوا العناية الواجبة إذ لم يتنبهوا إلي القرائن التي تجمعت بين أيديهم. أما في شأن عدم إطلاق سراح المسجونين فقد عبر هلموت شميدت بعد ذلك وفي كل المناسبات بلا إستثناء أن قراره بعدم الرضوخ لعصابة من المجرمين كان قرارا صحيحا وأنه لم يندم عليه في أي لحظة، وإن كان يشعر بالذنب بسبب تقصير قوات المباحث والشرطة بصفته رئيسهم الأعلي.

وهكذا إنتهت تلك القصة ذات المشاهد المتعددة بالتأكيد علي سيادة القضاء ولكن في نطاق إختصاصه. حيث أن الحكومة كانت ستصبح ملزمة بإخراج هؤلاء المجرمين لو أن الحكم قد صدر بطريقة مخالفة.

 

رفعت الجلسة..

إسرائيل وإيران ..لما العداء

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

ان حكام إسرائيل يعلمون تماماً ان يهود فرنسا وبريطانيا والصهيونية العالمية هم من اقاموا نظام الملالي الإيراني في العام 1979 بديلاً عن نظام الشاه وفق تنسيق مسبق ، بين المعارضة الإيرانية مع آل روتشيلد الفرنسيين ويهود بريطانيا   وبالتالي موافقة أمريكا ،  الذي تعهد فيه الملالي فيما لو وصلوا الى السلطة بحماية امن إسرائيل وحدودها من هجمات المقاومة الفلسطينية  وبذل الجهد لمنع قيام دولة فلسطينية بإنشاء مليشيا شيعية محلية في لبنان بديلاً عن جيش لحد الذي اضحى عبئاً على الجيش الإسرائيلي مع فشله الدائم في حماية أمن إسرائيل . 

مع شرط الموافقة على أن تتولى طهران الإنفاق على جميع الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية المعارضة للسلطة الفلسطينية لمنع وحدة الفلسطينيين وبالتالي عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية واختصارها في غزة مؤقتاً إلى حين موافقة مصر على ضم بعض أراضي سيناء اليها لترحيل جميع فلسطينيي الضفة والقدس نحوها ، وربما فلسطينيي الداخل ايضاً .

كما التعهد بتمويل التنظيمات و الحركات الدينية والأحزاب  الإسلامية في العالم العربي وخارجه  بالتنسيق المباشر مع امريكا وبريطانيا وإسرائيل .

إلا ان إيران فضلت ان يكون التنسيق فيما بينها وبين إسرائيل  من خلال وسطاء بريطانيين وألمان وروس وليس بشكل مباشر حتى لايفتضح الأمر .

وصل الملالي بشراكة مع قوى المعارضة في الخارج الى السلطة بديلاً عن الشاه بعد خروجه من إيران بناء لرغبة امريكية على ان يعود بعد أن تهدأ الأوضاع مطمئناً الى الجيش ليعيد مسك الأمور .

 إلا أن الحكام الجدد  جاؤوا لتطبيق نهج امريكي جديد بالنسبة لدول العالم الثالث وهو بالإستغناء عن الجيوش لتحل محلها قوات حرس وطني اشبه بالشرطة  بسلاح المليشيات لقمع التظاهرات مع جيش صغير بعديده وأسلحته للمحافظة على النظام والإستقرار دون حاجة للصدام مع دول أخرى مع وجود الشرطي الأمريكي بأساطيله البحرية وقواعده العسكرية في معظم انحاء العالم .

والقصد من ذلك هو توفير السيولة بين ايدي المواطنين لرفع قدراتهم الشرائية للبضائع الغربية من اوروبية وتلك المصنعة في الصين لحساب الشركات الغربية .

من هنا عمد الملالي فوراً  إلى إعدام كبار الضباط وحل الجيش لإعادة تكوينه من جديد وفق النمط المتفق عليه مع الأمريكان ولكن على اسس عقائدية دينية ليكون بخدمة الحكام ونظام ولاية الفقيه الإلهي دون الشعب .

هذا الضعف الذي اعترى الجيش الإيراني مع إعادة تكوينه  أغرى عراق صدام حسين للدخول في حرب مع إيران لتمزيق إتفاقية الجزائر لاستعادة اراض حدودية كان قد تنازل عنها لشاه إيران .

شجعت أمريكا الحرب بين العراق وإيران بغرض تدمير جيوشهما واستنزاف قدراتهما المالية والإقتصادية ، وحضت اوروبا على بيع السلاح للعراق ، وإسرائيل لبيع السلاح لإيران من خلال وسطاء إسرائيليين إيرانيين بإشراف مباشر  من الرئيس موشيه كاتساف الإيراني الأصل فيما عرف فيما بعد بفضيحة الكونترا ، عدا شراءالسلاح من روسيا والصين والسوق السوداء .

هذه الحرب وثقت العلاقة السرية بين إسرائيل وطهران بتشجيع  من اثرياء يهود أوروبا ووول ستريت مما شجع حكام طهران على مواجهة الأمريكان في خطف موظفي السفارة الأمريكية لديهم  فيما عرف بأزمة الرهائن في 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1979.

والقصد من خطفهم كان افتعال الخلاف مع واشنطن وقطع العلاقات معها  للتخلص من الإلتزامات الإيرانية تجاه واشنطن  بإشراك المعارضة الإيرانية في الحكم الذين تعتبرهم الملالي منافسين لها في السلطة ، فتمت مضايقتهم وتهشيلهم من البلاد الى الخارج متهمة إياهم بانهم عملاء لأمريكا ليحتكر الملالي السلطة في البلاد بمفردهم بيد من حديد بالغة القسوة .

هذا الطرد للمعارضة لتعطيل الديمقراطية في البلاد وإنشاء نظام ديكتاتوري فردي إلهي لم يكن ليتم إلا بموافقة وتحريض من اليهود الإسرائيليين من أصل إيراني بما لهم من مصلحة في ذلك ، إذ تم وضع يدهم على تجارة إيران الداخلية .

وقد تعززت هذه العلاقات الإيرانية الإسرائيلية مع غزو القوات الأمريكية للعراق حيث تم التعاون بشكل وثيق بين إسرائيل وإيران على ملاحقة علماء الذرة والصواريخ  والطياريين العراقيين لقتلهم إنتقاماً من قصفهم لإيران وتل ابيب خلال الحرب الإيرانية العراقية . الذي كان قد سبقه التعاون على حماية حدود إسرائيل ومستعمراتها الشمالية من هجمات المقاومة الفلسطينية واجتثات جيش لحد من جنوب لبنان الذي اضحى يشكل عبئاً مالياً وعسكرياً على الجيش الإسرائيلي مع إنعدام جدواه ومقدرته على بسط الأمن في مستعمرات إسرائيل الشمالية ليحل محله حزب الله الأكثر كفاءة بعنوان إسلامي وتعاون ودعم سوري بتمويل إيراني .

وإيران لم تكن لتسخّر حزب الله  الشيعي المذهبي لحماية حدود إسرائيل ومستعمراتها ، ولا كان الحزب ليرضى بهذه المهمة اللاأخلاقية التي تتعارض مع معتقداته الدينية  . ولكنها التقية المذهبية الدينية ، إذ كانت الوسيلة الوحيدة لخداع الرأي العام اللبناني والعربي لجعل سلاح حزب الله سلاحاً شرعياً بمواجهة سلاح الجيش اللبناني في تخطيط إيراني مستقبلي  لوضع يده على السلطة والحكم في لبنان وجعله محمية إيرانية كما حال العراق وسوريا ، واليمن حتى الأمس القريب .

رغم هذا التعاون الإستخباراتي والعسكري الوثيق بين طهران وتل ابيب فإن تهديدات إيران على لسان خامنئي ونجاد لم تكن لتتوقف عن محو إسرائيل عن الخريطة ولا تهديدات نتنياهو بقصف المفاعلات النووية الإيرانية وإسقاط النظام  في طهران ؟!

فما جدية تلك التهديدات وما دوافعها ؟

قد يتبادر للبعض من المطلعين على بواطن الأمور ان ذلك الخلاف مجرد  توزيع ادوار بين تل ابيب وطهران ومجرد تمثيلية لاأساس لها ، إلا ان الواقع غير ذلك بل إنها تهديدات جدية من قبلهما  .

 وإن كانت إيران عاجزة عن تنفيذ تهديداتها لضعفها العسكري إلا انها تعبر عن مكنونات حقيقة لديها في التمني  بإزالة إسرائيل فيما لو كان لديها المقدرة على ذلك .

ولنأخذ دوافع كل منهما على حدة لنفهم أسباب هذا العداء وخلفياته .

الخلفيات الإيرانية : رغم التعاون الوثيق بين طهران وتل ابيب على الصعيدين الإقتصادى ، واللوجيستي والمخابراتي  في سوريا والعراق ولبنان ، فإن إيران لاتنفك عن تهديد إسرائيل رغم عجزها عن ذلك مما يعني انه مجرد تهديد ديماغوجي فارغ عديم الجدوى ،إلا أن  القصد منه دعم حزب الله أمام الرأي العام العربي كحزب معادي لإسرائيل على مذهب ولاية الفقيه الإيراني  ، ولإزعاج امريكا التي ترفض مساواتها بإسرائيل في الإعتماد عليها منذ ان تحالفت معها في حرب العراق أو الأعتراف بها كدولة عظمى .

 وكأن امريكا هي من تعين وتحدد الدول العظمى وليس قوة البلدان الداخلية على الصعد الإقتصادية والمالية  والصناعية  والعلمية والعسكرية  التي تفتقدها إيران بأجمعها مع تفرغها لاعمال الإرهاب اللامجدية  ضد العالم العربي الذي خصصت له إنفاقاً مالياً غير محدود على حساب نهوض شعبها وتقدمه   ، بما يصب في مصلحة إسرائيل ويضر بالقضية الفلسطينية عن غير قصد منها دون شك  .

إذ انها تعتقد بأنها  في اعمالها الإرهابية ضد العالم العربي تستطيع ان تقنع امريكا والغرب بجدوى الإعتماد عليها كحليف وحيد في الشرق الأوسط بديلاً عن إسرائيل بعد ان اثبتت كفاءتها في حماية حدودها من الهجمات الفلسطينية والإستحواذ على العراق وسوريا من خلال مليشياتهاالمذهبية من شعوبيي الداخل بما عجزب عنه إسرائيل على مدى عقود طويلة منذ قيامها وحتى الآن ، وذلك لقصر نظر حكامها الذين وقعوا أسرى نظرية قرب ظهور المهدي الذي سيخلص العالم من الشرور ويوالي إيران ويجعلها زعيمة على العالم .

ونظرية الظهور المهدية  تلك لاتزال تتوالى في كل قرن أو عقد من الزمن  في العراق وإيران ودول عدة منذ الف عام وحتى الآن دون اي ظهور حقيقي سوى في الإعلام والمراكز  الدينية التي نشأت في الأصل من الفقه الإيراني ، بتأثيراته العقائدية  الفارسية  دون سواه واخذتها المذاهب الأخرى عنه مع ضعف الدولة العباسية وتخلف الإجتهاد وضياعة في سفسطات وفلسفات غريبة  مع هيمنة أئمة الأعاجم  الذين دخلوا في الإسلام على وضع الحديث .

الخلفيات الإسرائيلية : التهديدات الإسرائيلية ضد طهران لاتقل عن مثيلتها الإيرانية .إذ ان مسؤولي تل ابيب لاينفكون عن التهديد بقصف المفاعلات النووية الإيرانية وإسقاط النظام الإيراني الإرهابي سبب الشر في المنطقة رغم العلاقات الوثيقة السرية والعلنية بينهما على صعد عدة  .

فما حقيقة ذلك ؟ وهل ان إسرائيل جادة فعلاً بإسقاط النظام الإيراني ؟!

لو نظرنا الى الوقائع على الأرض فإنه لامصلحة لإسرائيل باسقاط النظام الإيراني ، بل ولربما هي الأكثر تمسكاً به من خامنئي نفسه ومن الملالي ومن الحرس الثوري ، ويعود ذلك انها الأكثر إنتفاعاً من النظام الإيراني من بين دول العالم اجمع ومن الشعب الإيراني نفسه الذي يعاني الفقر والجوع بفعل مماراسات حكامه بالإنفاق على تصدير الثورة التي تستنزف معظم مداخيلهم النفطية .

 وإيجابياته العديدة بالنسبة لإسرائيل  هو انه قد سخر ميليشيا حزب الله لحماية حدودها ومستعمراتها من هجمات المقاومة الفلسطينية دون ان اي إنفاق مالي من قبلها ، كما كان يجري الحال من قبل ان يأتي النظام الإيراني ويتفاهم معها على هذا الأمر من خلال يهود أوروبا .

كما وان إيران نجحت في بث الإرهاب بين العرب وإذكاء حرب مذهبية شعوبية ، والى تفتيت جيشي العراق وسوريا واليمن بما لم تكن تحلم به امريكا أو تل ابيب عدا شق الصف الفلسطيني بما تبذل طهران من سخاء مالي للأحزاب المعارضة لحكوماتها وللمنظمات الفلسطينة المعارضة للسلطة بما ادى الى عرقلة قيام الدولة الفلسطينية .

ولكن الأهم من كل ذلك هو ان إسرائيل من خلال اليهود الإسرائيليين من اصل إيراني قد وضعوا أيديهم على كل التجارات الإيرانية من استيراد وتصدير بما فيه النفط والسجاد والمنتجات الزراعية وبعض مكونات المفاعلات النووية  ، لان إسرائيل هي الوحيدة التي تستطيع ان تتجاوز العقوبات دون اي محاسبة ،الى حد أن الرئيس جورج دبليو بوش قد تمنى عليها في خطاب علني قبل إنتهاء ولايته باسابيع ان تتوقف عن  تسويق البضائع الإيرانية من سجاد وفستق وغيره من المنتوجات ، لأن ذلك يضعف مفعول العقوبات الدولية ضد إيران .

لذا فإن إسرائيل من خلال اللوبي اليهودي في امريكا عمدت الى تأخير المحادثات النووية على مدى اثني عشر عاماً خوفاً من رفع العقوبات عن إيران ، لانه عندها ستستغني طهران عن خدماتها لتقوم هي بتسويق بضائعها واستيراد حاجياتها مباشرة دون حاجة لوساطة يهود إسرائيل .

ومن هنا فإن إسرائيل تهدد وتسمع أمريكا واوباما بالذات لتعاطفه مع إيران ، بأنها ستقصف المفاعلات النووية الإيرانية بما قد يؤدي الى إسقاط النظام الإيراني الذي تحتاجه أمريكا في اعمال الإرهاب ضد الدول العربية ،  إذا لم يتم تجميد العمل بالإتفاقية النووية وإعادة النظر فيها . على أمل ان تمتد المفاوضات إلى مالانهاية لإبقاء العقوبات على حالها بحيث تظل إسرائيل المهيمنة على الإقتصاد الإيراني .

لذا ليس  من المستبعد ان تعمد إسرائيل الى قصف المفاعلات النووية كعملية إنتقام لوقف مصالحها مع إيران إن لم تبادر إدارة اوباما الى وقف  العمل بهذه الإتفاقية .ولكن مع تمسك اوباما بها فإن اسرائيل اتجهت نحو الكونغرس ، وإلى الحزب الجمهوري بالذات من خلال اللوبي اليهودي للعمل على وقفها وإبطالها والعودة الى نقطة الصفر في المفاوضات ، لتعود مصالحها في الإستفادة كما كانت عليه قبل إبرام الإتفافية .

والواقع إن المصالح الإسرائيلية الإيرانية اصطدمت مع مصالح الشركات  الغربية من امريكية وأوروبية وروسية التي تسعى الى الإستفادة من 150 مليار دولارإيرانية مجمدة بفعل العقوبات ، لهذا سعت من خلال حكوماتها الى الضغط على امريكا للإسراع في انجاز الملف النووي الإيراني كيفما اتفق ، خاصة وانهم هولوا على إيران وخدعوها من خلال بريطانيا وروسيا والمانيا بانه في حال امتنعت إيران عن توقيع إلإتفاقية ضمن مهلة زمنية محددة فإن صقور  إسرائيل قد اعدت العدة لقصفها وتدمير مفاعلاتها على غير راي القيادة السياسية .

 

 

 

 


داعش فون أوبنهايم (1)

$
0
0

داعش فون أوبنهايم

 

كان ماكس فون أوبنهايم باحثا في الآثار القديمة ومهتما بالشرق وحضاراته الزائلة. 

وقد كان من عائلة أوبنهايم المالية اليهودية في كولن بغرب ألمانيا إذ أن والده كان سالومون أوبنهايم صاحب بنك S. Oppenheimالمعروف حتي اليوم.

ولكنه كان في نفس الوقت النظير المقابل للضابط البريطاني توماس لورنس الذي أرسلته بريطانيا غداة قيام الحرب لكي يؤلب القبائل العربية علي العثمانيين ويدمر خط سكك حديد الحجاز لمنع نقل القوات العثمانية.

وكانت خطة ماكس فون أوبنهايم هي إعلان الجهاد بين المسلمين في الشام والعراق لكي تنتصر الدولة العثمانية بقوة هذا الجهاد الذي يمارسه العرب. بينما كانت خطة إنجلترا هي سلخ المناطق العربية عن تركيا بإشعال الثورات ضد السلطان العثماني (الذي كان علي كل حال مجرد صورة لا حول لها ولا قوة إذ كانت السلطة الحقيقية في يد الضباط الثلاثة أنور وطلعت وجمال).

وبالطبع فشلت خطة الجهاد ونجحت خطة القومية العربية واندحرت الدولة العثمانية حليفة ألمانيا في الحرب ثم إندحرت بعدها المانيا نفسها وأصبح الأمر مجرد حكايات تاريخية.

ولكن..

ماالذي ظل باقيا من خطة ماكس فون أوبنهايم حتي اليوم؟ 

كنت قد كتبت لكم من قبل عن تطور فكرة الدولة القومية خلال القرن التاسع عشر علي الأقل في أوروبا والولايات المتحدة التي كانت تشجع ثورات اللاتين ضد الإستعمار الإسباني وكلنا نذكر خطاب الرئيس مونرو في حالة الإتحاد حين طالب بأن تكون أمريكا للأمريكيين وذلك مبكرا في عام 1823. وهي نفس الفترة التي قامت فيها حركة قومية في اليونان ضد العثمانيين وساهم الجيش المصري في محاولة إخمادها إلي جانب الجيش العثماني ولم ينل المصريين منها سوي الهزيمة النكراء وحرق أسطولهم وتشتيت جيشهم في موقعة نفارين عام 1827. وكان مؤسس هذه الحركة القومية هو ريجاس فاليستينليس من منطقة فالستين في شمال اليونان والذي إستلهم الدستور الفرنسي بل ونشيد الميرسييز الفرنسي وجعله نشيدا قوميا لليونان ولكنه لم ير ثمرة نجاحه إذ قتله الأتراك.

المهم أن تلك الحركة القومية تبعتها حركات أخري أوروبية في كل من إيطاليا التي حققت وحدتها عام 1859 وبلجيكا الكاثوليكية التي إنفصلت عن هولندا البروتستانتية عام 1830 وألمانيا التي حققت وحدتها عام 1871 وتبعتها محاولات إيرلندا التي إمتدت حتي مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919.

المهم في كل ذلك أنه قد نشأت نظريتان أثناء الحرب العالمية الأولي للحصول علي التأييد المطلوب من المنطقة التي أصبحت تنتج المادة الوحيدة التي تصلح وقودا للآلات الحربية الحديثة، البترول.

كانت النظرية البريطانية تقول بأن هذه الشعوب العربية مظلومة ومهضوم حقها بسبب القهر التركي للعرب وعلي ذلك لابد من نقل الافكار الجديدة عن الدولة القومية إلي هذه المنطقة. وهكذا ظهرت الحركات القومية وكان أولها تطبيقا في مصر.

وكانت هناك النظرية الأخري التي تتبناها ألمانيا والتي تري أن الحفاظ علي الدول المتعددة القوميات (كالنمسا مثلا أو روسيا) لا يكون إلا بعنصر الدين. 

وقد حدث أن زار القيصر الالماني الآستانة عام 1898 في طريقه لأداء زيارة الاراضي المقدسة في أورشليم وأعلن أن الإمبراطورية الألمانية تعد نفسها صديقة للعقيدة الإسلامية وللسلطان العثماني.

وكانت الدولة العثمانية تعتمد في معظم سياستها الخارجية علي نصيحة وإرشاد إنجلترا خصوصا في فترة حكم الملكة فكتوريا التي إتسعت في عهدها أملاك بريطانيا إلي الحد الاقصي في تاريخها. وكانت الدولة العثمانية تحاول التلاعب علي التناقض القائم بين السياستين البريطانية والفرنسية حيث أنهما كانتا الدولتين الوحيدتين من ذوات الإهتمام الستراتيجي العالمي.

إلا أن توحيد الإمارات الألمانية في دولة واحدة عام 1871 قد خلق قوة أوروبية صتاعية ذات وزن سكاني وإقتصادي هائل مما قلب الموازين السارية وأفضي إلي تقارب فرنسا مع بريطانيا تقاربا وصل إلي منتهاه في الإتفاق الودي المنعقد بينهما عام 1904. وهذا الإتفاق الودي دفع الدولة العثمانية إلي تغيير ستراتيجيتها بحيث إقترب حكام الدولة الجدد من الضباط العثمانيين من الدولة الألمانية المحكومة بالطريقة التقليدية التي تناسب فكرهم وليس من فرنسا وبريطانيا المحكومتين بالديموقراطية.

وكان قيصر روسيا في منتصف القرن التاسع عشر قد صرح لسفير فرنسا  بأن الدولة العثمانية هي الرجل المريض علي البوسفور، وهو مصطلح كان له الرواج وقتها فأصبح التسابق الإستعماري يجري علي الأملاك المفككة خارج القارة الأوروبية حيث أنها كانت قد فقدت كل أملاكها الأوروبية. أي أن التسابق كان علي الشرق الأوسط بالذات.

ومنطقة شرق الشام ما بين العراق حاليا وسوريا حاليا هي منطقة قلاقل وفتن نظرا لتعدد الأعراق والمذاهب، خلافا لمصر التي لا تعرف هذه المذهبية الشديدة والقبلية العالية. وكانت نفس هذه المنطقة قد شهدت كل الأحداث الهامة في التاريخ سواء الممتد الطويل أو الإسلامي الاقصر.

ومنطقة داعش اليوم هي نفسها منطقة نهر الزاب التي جرت علي ارضها معركة إنهاء الخلافة الأموية وانتصار الخلافة العباسية منذ حوالي 1300 عام.

وأظنها كانت الطريق الذي مشي عليه التتار في زحفهم علي مصر عقب سقوط بغداد. والسبب في كثرة الحروب هناك هو كما ذكرت التعدد العرقي والديني والقبلي.

والسيد توماس لورانس البريطاني كان من دارسي اللغة العربية والثقافة والتاريخ العربي. والسيد ماكس فون أوبنهايم كان أيضا كذلك.

 

ومن الغريب أن الساسة المصريين عندما تم توقيع الإتفاق الودي Entente cordialeهاجوا وماجوا وأرغوا وأزبدوا وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وعلي رأسهم مصطفي كامل الذي كان يعقد الآمال الطوال علي مساندة فرنسية. وقد جاء ذلك الغضب  وذلك لعلمهم أن إتفاق القوتين الكبيرتين في ذلك الزمان لن تكون نتيجته في صالح القوي الصغيرة مثل مصر. (وقع وضع مشابه لذلك عام 1990 عندما إنهار الإتحاد السوفيتي وأنهي المعسكر الغربي الحرب الباردة بالحسم لصالحه فتاهت كثير من الدول التي كانت تستند إلي الدولة الكبري التي سقطت). بل أن جيلنا في دروس التاريخ في المدرسة الإعدادية قد تعلم أن الإتفاق الودي كان إتفاقا علي مصر !!!

 

والحقيقة أن هذا الإتفاق كان مناط إنعقاده هو مواجهة الثقل الألماني الصناعي العسكري الإقتصادي المالي الذي كان يخيف كل من إنجلترا وفرنسا علي السواء. وفي تلك الفترة أنشىء خط سكك حديد الحجاز الذي يصل تركيا بالعراق والشام ومنه تفريعة متجهة إلي فلسطين والقدس مما يجعل مصر أيضا متصلة بتركيا والعراق والشام بخط واحد. وكان المشروع بتمويل من الدويتشه بنك وبمعدات ألمانية. وبريطانيا لم تكن أبدا راضية عن إنشاء هذا الخط منذ البداية وكان أول ما قامت به في الحرب الأولي هو تحطيمه في عدة نقاط حتي يصبح بلا قيمة عسكرية وقد عرفنا كيف كانت توجيهات وزارة الحرب البريطانية إلي قنصل بريطانيا في القدس إذ طلبوا منه العمل علي جعل مسار الخط قريبا من ساحل البحر في فلسطين حتي يكون في مرمي مدافع الأسطول البريطاني لو أريد تدميره في حرب قادمة!!

الأعراس / حكاية مدينة

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

لكل بلد في العالم عاداته وأعراسه التي تختلف من منطقة الى أخرى التي تتغير مع الوقت وفقاً للتطور العلمي والحضاري والمديني .

وسوف أقصر مقالي بالتحدث عن الأعراس في مدينة طرابلس الفيحاء اللبنانية خلال القرن الماضي من  بداياته حتى منتصف الخمسينات منه  حيث كان الحجاب هو السائد لجميع نساء المدينة المسلمات من صبايا ونساء قبل أن ينحسر الى منديل أسود أو ملون يغطي الرأس نهاية الخمسينات ومن ثم السفور كالأجنبيات مع تقدم العلم والتعليم المدرسي والجامعي الذي اقتضى الإختلاط .

لذا فإنه قبل السفور كان لايستطيع  الشاب الزواج إلا برأي أمه او أخواته وقريباته حيث يختارون له العروس التي يجدونها ملائمة له وفق مواصفات يعرضها لهم سلفاً  لإنتقاء شريكة حياته .

وكان بعض أهالي العروس لايمانعون  في إعارة  صورة لإبنتهم بغطاء  الرأس لعرضها على العريس . كما كان هناك خاطبات يحملن بعض الصور ويتنقلن بها بين البيوت من معارفهن ، إلا انهن  كن  قلة نادرة  لايعتمد عليهن   إلا في الطبقات الشعبية والدنيا.

وعندما كانت تتم الموافقة على العروس  برأي الأم غالباً  ، كان العريس يتوجه مع والديه الى بيت العروس لطلب يدها من والدها او ولي امرها بحيث يتاح له ان يشاهدها وهي تقدم له ولمرافقيه أكواب من شراب الليموناضة التي هي عبارة عن عصير الليمون الحامض ممزوجاً بالماء ومحلى بالسكر مع قطرات من ماء زهر النارنج الفوّاح  .

بعد تقديم الشراب  تجلس العروس باستحياء وخفر لاترفع عيونها عن الأرض بجانب  والدتها . عندها بعد الإنتهاء من شرب الأكواب  يهمس العريس في أذن امه بالموافقة او الرفض . إلا ان الرفض نادراً ماكان يحدث خوفاً من إغضاب الشاب لوالده وامه وأهله . وإن تمت الموافقة ينتحي العريس مع والده ووالد العروس جانباً ليتفقوا على المهر من مقدم ومؤخر ومكان السكن وعن موعد العرس للإنتقال الى بيت الزوجية .

اما عن المقدرة المالية ونوع العمل فيكون قد تم السؤال عنها من الأم  عند زيارتها الأولى ، إلا أنه يتم التأكيد عليها من العريس .

ولكن الموافقة على العريس للحضور الى البيت لطلب عروسه لاتتم إلا من بعد اسبوع او اسبوعين من زيارة الأم لبيت العروس و طلب يدها لإبنهم ، ليتمكن والدها من السؤال عن اخلاقيات الشاب وقدراته المالية وسلوكه في العمل او المهنة أو الوظيفة .

بعد أن تتم الموافقة على العروس وعلى جميع الشروط من الطرفين ، تقرأ الفاتحة ليسمح للعريس التحادث مع عروسه للتعرف عليها جيداً قبل الإقتران بها وللتفاهم معها على إعداد العرس والمدعوين ، إلا ان حضوره يكون بوجود والديها وإخوتها واخواتها ليجلس مدة نصف ساعة تقريباً بالقرب منها يتحادثان ثم ينصرف على أن يتم عقد القران أو "كتب الكتاب"خلال ايام قليلة من هذه اللقاءات ، دون ان يسمح لها بالمغادرة معه الى أي مكان .

وكان يتم عقد القران من قبل المأذون ووكلاء العروس والعريس في منزل والد العروس بحضور الأهل ليوزع الشراب ومن ثم الملبس في صرر على المدعوين إحتفالاً بالمناسبة . وإذا تم عقد القران بحضور الأصدقاء والمقربين فيوزع الملبس  في علب خاصة   بهذه المناسبات ، فضية أو زجاجية ، إلا أنه لاتظهر العروس ابداً إلا بعد ذهاب المدعوين باستثناء الأهل .كما ولايتم تحرير العقد إلا سؤال المأذون للعروس برفقة والدها، من خلف باب غرفة غرفة جانبية لتطل برأسها بحضور امها واهلها ، إن كانت توافق على العريس ام لا.

الإعداد للعرس : بعد ان يتم عقد القران بحضور المأذون والشهود وتحديد المهر المتفق عليه عند الخطبة يسمح للعريس الخروج مع خطيبته ، بعد تبادل  تلبيس الخواتم الذهبية من قبل العريس والعروس ، شرط ان ترافقها امها او أخوها وذلك لشراء فستان العرس وشراء "العلامة "أو "النقوط"وهي عبارة عن عقد وأساور وخواتم ذهبية تقدم من العريس ومن أهلها ، كل على حدة ، وفق قدرات العريس المالية وقدرات أهلها ، اما نفقات العرس فهي على أهل العروس كاملة ، إلا انه من الممكن القبول بتقديم الفستان من العريس إن أصر على ذلك  .

أم العرس فيتم في بيت أهل العروس لتخرج من بيت أهلها الى بيت الزوجية بعربة تجرها حصان او بالسيارة .

ويتم تحديد العرس خلال أيام ما أن يتم الإنتهاء من شراء "العلامة" ومن خياطة فستان العرس ، أي خلال شهر من عقد القران حيث يتم الإتصال بمتعهدات الأعراس الذين كن  لايتجاوزن الثلاثة او الأربعة متعهدات في كل المدينة .

 إلا أن اشهرهن "أم جميل "السورية ، التي كانت كبيرة السن وقوامها كقوام الممثلة مديحة يسري في بعض أفلامها في دور العالمة في المقاهي والحانات ، حيث كانت "أم جميل مع الحمرة والبودرة الفاقعة  على وجهها والشامات السوداء تضع الكحل حول عينيها بشكل ظاهر  وأقراط الألماس والذهب تتدلى طويلة من اذنيها مع عقود الألماس والذهب  تطوق جيدها مع حزمة من أساور الذهب تلتف حول ساعديها الإضافة لخلاخل الذهب حول كاحليها حتى حافة بابوجها الأحمر .

 ولكن شهرتها كانت في قدرتها الفائقة في العزف على العود الذي يرافق فرقتها من راقصة ومغنية وضاربات على الطبل والدفوف والصنوج بمشاركة صبايا العرس في التصفيق والرقص الحماسي والمشاركة بالغناء الى مابعد منتصف الليل حيث يأتي العريس ويجلس على "البرزة"مع عريسه دون وجود أي رجال آخرين في الحفل لتنطلق  الزغاريد والغناء مجدداً الذي يتعالى ويزداد  مع بدء العريس تلبيس "العلامة "من الذهب والألماس  لعروسه لتبدأ بعدها النقوط من خواتم وعقود واساور وليرات ذهبية من الأهل والمقربين ، ومن  ثم ليأخذ عروسه بعد وداع أبويها واخوتها واهلها جميعاً على الباب والشرفات حتى تغيب في عتمة الليل لرحلة زوجية طويلة .

تتخلل الحفل ، الذي يقتصر على النساء دون الرجال ،  فترات استراحة لتستريح المغنية  والراقصة التي تذهب الى غرفة خاصة لتستبدل بذلة الرقص بأخرى من لون آخر من اصل سبع بذلات ، هذا إذا كانت إذا كانت عدد ايام العرس سبعة ايام ، أما إذا كان العرس لثلاثة ايام فتستبدل الراقصة ثلاث بذلات فقط ، مع سبع استراحات يوزع خلالها سبعة انواع من النقولات ، اي من السكاكر والشكولاه وعرموش الفستق والنوجه  والحلقوم والملبن كما وأصناف اخرى مختلفة .

 وقد يكون هناك أكثر من مغنية واكثر من راقصة وفق رغبة اهل العروس أو مصلحة  "أم جميل "التي كانت تتقاضى خمس ليرات ذهبية عن كل يوم عرس يوماً بعد يوم إلى ان ينتهي العرس تدفع لها سلفاً  قبل بداية مساء الحفل .

لذا كان العرس على هذا المستوى مكلفاً جداً لايقوى عليه إلا الأثرياء من الطبقات الوسطى الغنية وما فوق .

اما الآن فمعظم الأعراس تقام في الأوتيلات وصالات الأفراح في المدينة وخارجها المخصصة لذلك التي تبلغ كلفتها  بالنسبة  للطبقات الوسطى حوالي 25 الف دولار على اقل تقدير وفقاً لأعداد المدعوين الذي يصاحبه  غداء فاخر ، اما بالنسبة للأثرياء فلا تقل كلفة العرس الواحد عن المئة الف دولار .

 ولكن ما يؤلم ان الطبقات الوسطى التي تصر على هكذا أعراس تحمّل نفسها مالايطاق احياناً ، حيث تستدين مبالغ ضخمة من اجل إقامة هذا العرس في منافسة مع الأصدقاء والأقرباء الذين سبقوهم .

وأختم بأن الأعراس عادات سخيفة لامعنى لها ، إذ انها هدر اموال في غير محلها  .فقد تكون مبهجة للنساء .ولكنها كم هي سخيفة للرجال إن حضروها .
سابقاً كانت تقام  للنساء ، مع الرقص والغناء والزغاريد تمتد من ثلاثة الى سبعة ايام، على عكس اليوم حيث اصبحت مختلطة للرجال والنساء مع بذخ وتبذير مالي وهدر لليلة واحدة. من هذا المنطلق فإني لاأحضر عرساً حتى لو كان لأقرباء أو مقربين .

 

داعش فون أوبنهايم (2)

$
0
0

كما أننا عرفنا أيضا أن حيرة بريطانيا مع الوضع القانوني لمصر عقب نشوب الحرب قد حسمت بقرار وضعها تحت الحماية مع عدم جعلها أراضي بريطانية (مثل الهند) حيث أن الشعور القومي للمصريين كان يقف حجر عثرة في طريق إلغاء هويتها كدولة. وهذا هو الفارق المهم بين مصر ودول عربية أخري كثيرة بل لعله الفارق بين مصر وتقريبا جميع الدول العربية، إذ أن مصر دولة قديمة جدا وإلغاؤها لا يمكن أن يتم بسهولة، خصوصا في تلك الحقبة منذ أكثر من 100 عام حين بدأ النشاط التعليمي المستمر منذ عهد الخديو إسماعيل يثمر أجيالا متعددة من صفوة كلها حسنة التعليم عارفة بقدر البلاد ولديها شعور قومي غالب علي أمره، بله أقوي من شعورهم الديني كما هو حال معظم المصريين في ذلك الزمان.

لكن الأوضاع في منطقة الشام وغرب العراق كانت جد مختلفة عن أوضاع مصر..

The Middle Kingdom

هو اسم الصين الذي تطلقه علي نفسها لو أن المرء قام بترجمة الاسم. كذلك فإن اسم الولايات المتحدة لو قام المرء بترجمته من الصينية هو 

Beautiful land

 

اي ان الصينيين يرون أن بلادهم تقع في وسط العالم. وكذلك تفعل‏ كل الحضارات القديمة حيث أن الغرور القومي والجهل باستدارة الأرض كانا سببين في هذه الأفكار. 

وعندنا في ‏مصر نقول أن مصر هي أم الدنيا.

وكذلك فإن المصريين لم يعتادوا علي الهجرة، بل بالعكس هم معتادون علي تلقي المهاجرين الي مصر.

ولكن هل يمكن القول ان الدول العربية تاريخيا لها نفس الشعور القومي بهذا العمق الذي تأكدنا من وجوده لدي المصريين؟

أظن أن الإجابة هي بالنفي..

فالمصريون كانوا حتي القرن العشرين  حريصين علي‏ بلادهم وعلي تجنب تدميرها. ولهذا فإنهم غالبا لم يدخلوا حروبا كثيرة خلال الثلاثة آلاف عام الماضية، بل فتحوا أبوابها للاغريق والرومان والعرب بلا مقاومة حقيقية. وكل صراعات السلطة في الدولة الإسلامية كان المصريون يشاركون فيها بالأفكار وليس بالجيوش. وهو ما لا يمكن قوله عن الشوام والعراقيين.

كذلك فإن مصر لم تقع بها ابدا اية حروب أهلية. وذلك بسبب اعتماد أهلها جميعا علي شيئين في حيانهم، الخطاب الديني الواحد  الذي يحض علي عدم العصيان، والنيل الواحد  الذي لا يمكن لأي منهم أن يستاثر بخيره دون غيره‏.

وقد كان سبب فشل الوحدة المصرية السورية في نهاية الخمسينات من القرن الماضي هو في المفام الأول "الفرعنة المصرية"من جانب الضباط علي الضباط السوريين والطريقة الغير ملائمة في حكم سوريا من جانب السلطة المصرية. وهكذا طردت مصر من الشام للمرة الثانية في خلال قرن واحد إذ أن الحكم المصري للشام تسبب أيضا في ثورة أيام محمد علي.

فالعشائرية والقبلية في تلك المناطق أشد رسوخا من الشعور القومي الذي يربط جميع المواطنين. وطول بقاء نظام حزب البعث في الحكم في سوريا (والعراق أيضا) لا يمكن رده إلي حب جماهيري لهذا الحزب أو شعبية جارفة تبقيه في السلطة لعدد من العقود، ولكنها القدرة بالحديد والنار والمال والإغواء علي الحفاظ علي التوازن المطلوب. بل أن أكرد سوريا لم يحصلوا علي جنسيتها إلا عام 2011 عقب بدء الثورة التي نراها مشتعلة منذ سنوات خمس. فالكردي لا يري نفسه إلا كرديا والعلوي لا يري نفسه إلا علويا وهكذا. أما صفة السوري فهي تالية للصفة العرقية أو القبلية، هذا إن جاء ذكرها أصلا. وهذا إختلاف هائل عن مصر.

وليس من قبيل المصادفة أن إتفاقية سايكس بيكو كانت تركز علي الجزء الآسيوي من ممتلكات الدولة العثمانية وترسم له بالقلم الرصاص حدودا بخطوط علي الورق، بينما بقيت مصر بعيدة عن أي ورق أو قلم رصاص.

وهذه الأمور لابد لمن يريد التخطيط لسياسة هيمنة وتحالف في تلك المناطق أن يعرفها. وهذه كانت مهمة الضابط البريطاني بيرسي كوكس ومساعده توماس لورنس علي الجانب البريطاني.

 

وهكذا قررت بريطانيا أن تنهج نهج البعث القومي العربي في الجزء الآسيوي من أراضي الدولة العدوة، العثمانية.

ولكن ماكس فون أوبنهايم الألماني كان يحاول أن يبعث فكرة الجهاد العابر للقوميات والذي ينهض فقط علي العقيدة الإسلامية وذلك حتي يشتد عود الدولة العثمانية في حربها الأوروبية ضد كل من روسيا في الشمال وبريطانيا التي حاولت غزوها من الغرب عن طريق البوسفور في معركة جاليبولي. وهنا لا يمكن نسيان أن الأسطول العثماني كان موضوعا تحت إمرة أدميرال ألماني هو الأدميرال سوشون. فالتعاون بين تركيا وألمانيا كان متغلغلا في كل شىء له علاقة بالحرب، وقد رأينا أن خط سكك حديد الحجاز كان فكرة ألمانية بتمويل من الدويتشه بنك قبل الحرب بعدة سنوات..

داعش فون أوبنهايم (3)

$
0
0

وما نشهده الآن هو أعراض تفكك بل هو فشل للدولة القومية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن. وهذا يجيء نتيجة طول فترة حكم الرؤساء (صدام والأسد وصالح) إلي جانب التدخلات الأجنبية (لبنان واليمن والعراق ثم سوريا).  فالدولة القومية لابد أن تكون كما يدل عليها إسمها، قومية وليست دينية أو عرقية. وهذا الشرط لم يكن يوما ما متوفرا في تلك الدول الأربع. صحيح أن اليمن تختلف عنهم قليلا لكنها تظل مجتمعا قبليا ينهض علي فكرة الإنتماء القبلي والإنقسام بين زيود وشوافع في الدين وشمال وجنوب في العرق. ولهذا فإن فكرة الجامعة الدينية تعود من جديد إلي الحياة علي صورة داعش وما يشابه داعش من التنظيمات التي تقوم في اساسها الجماهيري علي فكرة الدين وفي أساسها الإقتصادي علي رفض الخضوع لأي سلطة وأخذ ما يعتبرونه حقا بقبضة اليد ممسكة بسلاح.

وهو ما اراد أوبنهايم منذ مائة عام أن ينظمه في صورة جهاد ديني يتوجه بالكامل إلي خدمة السلطان.

ومصر في إحتكاكها بالدول الواقعة في شرقها خلال النصف قرن الأخير إستوردت منهم كثيرا جدا من العادات التي لم تكن معروفة في مصر من قبل : الإستهلاك المفرط فيه، النعرة الدينية المعادية لغير المسلمين، التقليل من شأن الدولة والإعلاء من شأن الرابطة الدينية ثم أخيرا ظهرت عقب أحداث 2011 موجة من الإستعداد للعنف والقتل بدون تفكير راح ضحيتها عشرات الكنائس وعشرات الاقباط وعدد من الشيعة وكثير من السنة وكثير من غير المتدينين وباتت الدولة علي شفا الإنهيار رغم قدمها إلي ما يجاوز 5500 عاما.

وعلي الرغم من أن تركيز الصحافة والتليفزيون واقع علي العراق والشام فقط إلا أنه من الواضح أن هناك تعاطفا من بعض الشباب المصري مع فكرة دولة الإسلام كما تطبق في هاتين الدولتين السابقتين.

فالأمر خرج عن نطاق نزاع بين الإخوان والجيش وتعدي ذلك إلي حرب مفتوحة ضد الجيش الذي هو الشيء الوحيد الباقي من صفات الدولة في مصر. ولا أظن أن من يهاجمون ثكنات الجيش وجنوده مهتمون أصلا بقضايا الحرية والديموقراطية والتعددية والإنتخابات. بل أنني أعتقد (والدليل موجود) أن هذه الهجمات سوف تستمر حتي لو فتح الجيش الباب أمام ال‘نتخابات الحرة التعددية. فقد كانت هذه الهجمات موجودة خلال حكم العسكر أيام طنطاوي ولم تتوقف خلال عام حكم الإخوان. وهذا هو الدليل علي أن الأمر قد أصبح DOGMA   في عقول هؤلاء الشباب، إما أن نحكم وإما فلا حياة لأحد.

هم إذن من الرافضة لكل ما عداهم ومن سواهم.

والحل مع تلك الجماعات لا يمكن أن يكون إلا بالتصفية.

كنت قد كتبت كثيرا من قبل عن محنة الإرهاب اليساري في المانيا في سبعينات القرن الماضي وكيف أن الدولة الألمانية كانت تتبع خطا مزدوجا في التعامل مع هؤلاء الإرهابيين. أولاإتخاذ كل ما يسمح به القانون من إجراءات شديدة سواء بوليسية أو قانونية من جانب النيابة العامة ضدهم وعدم التهاون بأي شكل في تطبيق القانون عليهم..  وثانياعدم إعتبار هؤلاء الإرهابيين أعداء للوطن ينطبق عليهم قانون الحرب بل إعتبارهم أولاد لآباء المان ربما ضلوا الطريق ولكن إمكانية العودة عن طريق السوء هذا لم تغلق في وجوههم.

وللمستشار الألماني وقتها هلموت شميدت خطاب شهير قال فيه علي هؤلاء الأولاد والبنات أن يتحملوا عناء السجون وشظف العيش فيها لعلهم يتعلمون أن التعامل مع المجتمع لا يكن بهذه الطريقة. وإذا عادوا عن هذا الطريق فتحنا لهم باب العودة فهم أولادنا ولهم علينا حق الأبوة طالما إلتزموا بالقانون الذي إرتضاه المجتمع.

ولكن هل هذا الأسلوب يصلح للتطبيق مع الشباب العربي والمصري من أعضاء دولة الإسلام؟

الحقيقة أنني فكرت طويلا في هذا السؤال، وإجابته صعبة للغاية..

 

أولالابد من ملاحظة أن الدولة الالمانية هي كيان يقوم علي القومية وليس علي العرق أو الدين. فلا فرق بين بافاري من جنوب ألمانيا وألماني شمالي من هامبورج أو شرقي من برلين. كما أن أحدا لم يتساءل عن الإنتماء المذهبي لهؤلاء الأولاد والبنات، بل أن جودرون إنسليم  العضوة القيادية الثالثة بعد أولريكا ماينهوف وأندرياس بادركان والدها قسيسا بروتستانتيا. ومع ذلك لم يفرق أحد في تجريمهم جميعا سواء الكاثوليك منهم أو البروتستانت، بل أن أحدهم كان كوهن بينديت اليهودي ولكنه لم يشارك أبدا في أعمال العنف بل كان يشارك في التظاهرات ويدعو إلي نبذ العنف. المهم في كل ذلك هو أن الدولة كانت تنظر إليهم كمواطنين لدولة قومية وليس كافراد في تنظيم ديني أو عرقي.

ثانيالابد من ملاحظة أن هذه الدولة الألمانية لم تنظر نفس هذا النظر إلي العناصر الفلسطينية من تنظيم أحمد جبريل وجورج حبش الذين تطوعوا بخطف الطائرة الألمانية لوفتهانزا العائدة من إسبانيا ليجبروا الدولة الألمانية علي الإفراج عن المساجين وشرعوا بالفعل في إحراقها بمن فيها وذلك عقب قتل قائدها بدون جريرة وإلقاء جثته علي ممر الهبوط في عدن. فهؤلاء الفلسطينيون كانت تنظر الدولة إليهم علي أنهم مجرمون في حالة حرب معها ولذلك تعاملت معهم بالرصاص فورا في مقتل وبلا إنذار، وهي في ذلك كانت محقة حيث أن الفلسطينيين لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل في أمر ألماني داخلي بحت، بل هم كانوا قتلة بالأجر أو حتي بغير أجر. والمؤكد أنهؤلاء الفلسطينيين قدتطوعوا لمجرد إسداء الخدمات.. وقد عرف بعد ذلك أن تدريبهم كان لدي مخابرات المانيا الشرقية التي يشرف علي القسم الخارجي فيها ماركوس فولف اليهودي الالماني الذي لم تقم ضده أية دعاوي جنائية قضائية وخرج بعد الوحدة سليما بوساطة أو شفاعة إسرائيلية لأنه كان يمد إسرائيل أولا بأول بكل ما تريده من معلومات عن هذه المنظمات الفلسطينية بحيث تكون المخابرات الإسرائيلية سباقة دائما خطوة علي الاقل في التخطيط والمعلومات..

ثالثاأن الدولة الألمانية كانت تريد من هؤلاء المساجين سواء الموجودين في حوزتها أو من قبض عليهم لاحقا أن يبدوا الندم علي ما فعلوا وأن يعلنوا تخليهم عن العنف طريقا لتغيير المجتمع، وقد نجحت مع بعضهم وأفرج عنه بالفعل ولم تنجح مع البعض الآخر فقضوا مدد أحكامهم في السجن.

 

 

هذا عن الوضع في المانيا.

قناة السويس ومسألة إستيفاء الرسوم بالدولار او الجنيه

$
0
0

 

 بقلم : محمد السويسي

ماأن أعلن عن افتتاح قناة السويس الجديدة حتى بدأت الإقتراحات والتساؤلات عن نوع النقد الذي ستستوفى به رسوم المرور ، بالدولار أم بالجنيه المصري ؟

وقد طرح الموضوع للنقاش في الصحافة والمواقع  الألكترونية ليصبح موضع جدل  لكل قاص ودان من العامة دون أهل الإختصاص .

لذا كان من الطبيعي ان يأخذ الأمر طابع الحماسة للعملة الوطنية ليطالب الكثير من المشاركين بأن تستوفي رسوم المرور في القناة بالعملة الوطنية ، اي بالجنيه المصري ،  لاعتقادهم ان ذلك يزيد من قوة النقد الوطني وقيمه ؛ إلى حد أن احدهم قد كتب مقالاً في إحدى الصحف  بعنوان "الدولار الى ثلاثة جنيهات "بعد مرور عام من العبور في القناة ؟!.

حماس يأخذ طابع الجهل ولكن لايمكن ان يكون بريئاً في جميعه .إذ ان أصحاب المؤسسات المالية والصيارفة والبنوك لها مصلحة بأن يكون استيفاء الرسوم بالجنيه المصري لما لها مصلحة من عمولات وسمسرة في تبديل العملات وصرفها .

 ولامانع في ذلك ، ولكن من سلبياته  أنه قد  يعيق حركة السفن ويربكها  كما ويعيق اعمال إدارة القناة دون طائل كما الدولاب الكذاب .

ولو أخطأت إدراة القناة واستوفت الرسوم بالعملة المصرية فإنها ستكون دون شك فاسدة من قبل  أن تبدأ ، او أن من يتولى امرها او من أعطاها الأمر أما فاسد ومرتش أو انه جاهل ، ولايمكن ان يكون امر الإستيفاء بيد جاهل ، إذ يجب ان يصدر عن الحكومة مجتمعة ، فأما ان تكون واعية ، أو متخلفة و مرتشية في حال استوفت الرسوم بالعملة المصرية .

وسبب هذا الإتهام انه يضعها في موضع الشك بالشراكة مع المؤسسات المالية وأصحاب محلات الصرافة لأن قبطان الباخرة العابرة للقناة  إذ طلب اليه الدفع بالنقد الوطني المصري فإن سيعمد الى التوقف واستبدال الدولار الذي بحوزته  بالعملة المصرية .

وهنا قد يتم التساؤل : وأين الضرر في ذلك حيث ستنشط قطاعات مالية عديدة وأفراد من وراء هذا النشاط في استبدال العملات ؟

والجواب ان من سلبيات ذلك ان الدولار المبدل ستحتفظ به المؤسسات المالية وقد يرحل الى الخارج ،مما يعني مزيد من التضخم المالي المحلي وبالتالي انخفاض قيمة الجنيه المصري على المدى الطويل .

  بينما لو استوفت إدارة القناة رسوم العبور بالدولار فإنه سيعود مباشرة الى الخزينة العامة وبالتالي ستتعزز قيمة العملة الوطنية .

لذا فإن طرح هذا الأمر على العامة للمناقشة  وإبداء الراي فإنما  يدل اما عن الجهل ، أو سؤ النية وهو الغالب . 

هل من طوفان ثالث يغرق العالم ؟

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

مجرد طرح هذا السؤال  عن طوفان ثالث قد يأتي ويغرق العالم سيبادر الجميع الى التساؤل  والإستفهام بالقول ، وهل هناك من طوفان سبق طوفان نوح أوآخر سياتي بعده  ؟

السؤال قد يبدو غريباً ، ولكن لو اطلعنا على تركيبة الكون ومسيرته وتعقيداته  فإن طرح هذا السؤال لن يبدو غريباً ولكن مع ذلك لايمكن لأحد من العلماء   الإجابة عن هذا السؤال بشكل دقيق وقاطع .

ولكن مع ذلك فقد نجيب عليه بأنفسنا إن تحدثنا عن الطوفان الأول ،  وأسبابه ونتائجه ، الذي لم يلحظها اي من  العلماء او يشيرون اليه ، إذ لازالوا في جهل له حتى الآن  وإن تحدثوا عن نتائجه دون ان يدركوا  المسببات التي سآتي على ذكرها فيما يلي .

كل علماء الأرض والفضاء يتحدثون عن اختفاء الديناصورات والحياة عن الأرض في مرحلة ما  قبل 65 مليون عام دون ان يتوصلوا الى نتيجة مقنعة لكيفية اختفاء هذه الديناصورات وباقي الحيوانات ، إلا انهم يردونها الى اسباب عدة اهمها هو ان نيزكاً ضخماً قد ضرب الأرض فقضى على كل الديناصورات واشكال الحياة فيها ؟!.

 كلام طفولي لانه يدل على العجز في إعطاء الجواب المقنع كما العجز عن معرفة حقيقة ماحصل .

نعم جواب غير مقنع ، لانهم في سياق حديثهم وتحليلاتهم فإن هذا النيزك قد ضرب الأرض في مكان معين حدده اكثرهم في القطب الشمالي لانهم وجدوا فيه هياكل ديناصورات وافيال ماموث وحيوانات شبه سليمة .

حسناً ولكن كيف نفسر وجود هياكل ديناصورات او أجزاء منها ومن حيوانات أخرى في أمريكا وروسيا والصين و آسيا وأفريقيا والبحر المتوسط وكافة انحاء الكرة الأرضية الأربع ، إذا كان النيزك المذكور قد اقتصرت ضربته على القطب الشمالي ؟!

لذا لابد من تفسير مقنع لما حدث  إذ يستحيل على نيزك أو زالزال قد طال منطقة جغرافية معينة ان يطال الحياة على كافة انحاء الكرة الأرضية .لذا فلابد من ان هناك حدثاً ما قد أصاب الكرة الأرضية جميعها وادى الى إختفاء الحياة عنها .

 فما هو هذا الحدث الخطير ، وما هي ماهيته ؟

لاشك ان هذا الأمر يعود لحدث كوني اشد هولاً في تاثيراته السلبية من النيازك وهو المادة السوداء التي سنحصل من خلال عرضنا لطبيعتها ودروها جواباً عن اسئلتنا المحيرة والعصيّة حتى الآن في شأن اختفاء الديناصورات والطوفان الماضي والمتوقع .

المادة السوداء :

إن الدور المتميز للمادة السوداء هي أنها مع ولادتها أو تشكلها بالقرب من موقع الإنفجار الكوني وبالتالي عند طرفي توسعه فإنها تقوم بتجميع ذرات  الغبار الدقيقة والناعمة المسحوقة جداً  نحو داخلها ، مما أكسبها شبه لزوجة في نواتها  أشبه بالسخام على جوانب المدفأة .

 لأن عناصرهذه المادة عبارة عن ذرات فاقدة لألكتروناتها وخامدة في بروتوناتها الى حد العدم  ، وهذا مايجعلها كثيفة جداً في وسطها لتستطيع أن تشكل قوة مغناطيسية إيجابية بما يسمح بالتشكل إلى  كتلة واحدة ، إنما  مغايرة في طبيعتها عن كل ماحولها بحيث أنها لاتنسجم ولاتتآخى مع أي عنصرأو جسم  من الكواكب والنجوم الأخرى  بما يحرمهم من أي مقدرة أو قوة مغناطسية سلبية ملائمة  لمواجهتها وطردها أو إبعادها عنهم  إن شاءت أن تجاورهم أو تمر بقربهم أو تعبر فيما بينهم.

 إذ أن لكل نجم من النجوم أوالكواكب حدوداً إقليمية محسوبة بدقة  في الفضاء بحيث لايتعدى أحدها على الأخر بفعل السلاح الذي يملكه كل منهم ، وهو المغناطيسية السلبية الإيجابية التي تفرض احترامها على الجميع وتلزم كل كوكب ونجم في موقعه وعند حدوده  وفق القانون الكوني المحكم.

 ولكن رغم هذا السواد الداكن للمادة السوداء وإنعدام أي بصيص أو نور أو إضاءة داخلها أو منها ، يوحي وكأنها عنصر سلبي في الكون . ولكن مع التعمق في دورها فإننا سندرك أهميتها بل وضرورتها  في حفظ الكون وسلامته واستمراره . وقبل أن استرسل بالتحدث عن دورها فلابد من الإشارة أن تشكلها عند حدود التوسع الكوني يتطلب حجماً معيناً لها لتستطيع الإنطلاق والسياحة في الكون ، ولذا ستظل ملتصقة بهذه الحدود لالتهام المزيد والمزيد من  الغبار الدقيق لعدة مليارات من السنين الى أن يصبح لديها الحجم والقوة المطلوبتان  للإنفصال والإبتعاد عن موقع ولادتها  للسياحة  في الفضاء . 

   وهنا في سيرها وابتعادها عن مكان ولادتها تظهر أهمية دورها الفريد في تجميع أدق عناصر الغبار المتفلتة عن التوسع الكوني ،المنتشرة في الفضاء بين الكواكب والنجوم  التي قد تشكل خطراً على التوازن الكوني والأخلال به  مع تكاثرها المطرد ، ولولا ان تلتقطها المادة السوداء فإنها ستسود الكون وبالتالي تقضي على هذا الجمال الأخاذ للفضاء بحيث ينعدم ضؤ النجوم والأقمار والشموس فيه وبالتالي تنعدم الحياة على الأرض ، كما وأنها قد تخل بالتوازن المغناطيسي بين الكواكب والنجوم وتؤدي الى انهيارها  .

  ورغم إيجابية دور المادة السوداء فإن لها سلبيات مؤذية في حال إن مرت على كوكب فيه حياة ، فإنها تسلبه روحه إن حل في وسطها  بما تسود عليه من غبار أسود كثيف يسبب إلإلتهابات والموت لكل مخلوق فيه  بما يحدث له من ضيق في التنفس وبالتالي انقطاع الأوكسجين والإختناق ، وهذا ماحدث قبل 65 مليون عام حين مرت إحدى كتل المادة السوداء واحتوت درب اللبانة بأكمله وبالتالي الأرض فأهلكت كل ماعليها من حيوان وطير بإعدام الحياة فيها فكانت هي السبب الأساسي والرئيسي في إبادة الديناصورات وكل مايدب على الأرض أو يطير في السماء باستثناء المخلوقات التي تعيش في المياه كالأسماك أوالتي التجأت الى كهوف تحت الماء كالحيوانات البرمائية. فالمادة السوداء تتميز عن الكواكب والنجوم في أنها ، مع انعدام مغناطيسيتها ، تنطلق فور ولادتها دون أي عائق في السير في الفضاء للقيام بواجباتها التي خلقت لأجلها لتنظيف الكون من مخلفات الغبار لتحتفظ به بهي الطلعة ومتلألأ .

وهي عند ولادتها ككتل متعددة مستقلة عن بعضها البعض ، تكون متجاورة إلا أنها تنطلق دفعة واحدة تقريباً ، كما خيول السباق التي تنطلق من حظائرها بسرعة شبه متقاربة ، لتردفها بعد وقت دفعة أخرى بعد استكمال ولادتها . وعليه فإن الأرض لن تشهد أي خطر من إحتواء مادة سوداء أخرى لها قبل مرور بضعة مليارات من السنين على الأقل ، ولكن لايعني هذا أنها قد اجتازت مرحلة الخطر ،إذ أنه بعد خمسمائة عام ونيف وفقاً للمسيرة الكونية  قد تمر كتلة من المادة السوداء بمحاذاة من مجرتنا وتغمر الأرض ببعض أطرافها فتملؤها بالغبار الأسود كالدخان مما سيسبب الألتهابات في الأعين مع طفح جلدي  وضيق في التنفس يؤدي الى الإختناق ، كما وقد تحجب نور الشمس لأسابيع عدة الى أن تتابع مسيرتها وقد خلفت ورائها آثاراً سلبية على البشر والحيوانات.

   والواقع أن تأثيرها هذا وإن كان سلبياً إلا أنه سيعتبر أمراً هيناً لأن أطرافاً منها هامشية جداً ، رقيقة وخفيفة ،هي التي  ستغمر طرفاً من الأرض ،خاصة وأن خط سيرها يبعد كثيراً عن موقع مجرتنا  التي إن دخلت في وسطها فلن تبقى عليها حياة .

إذ أن  المادة السوداء تكون عادة كثيفة في وسطها و قليلة الكثافة  عند أطرافها ؛ وما أضرارها تلك  سوى لأنها تحتوى في ذراتها أكثر من مائة عنصر ، وهو أكثر مما على الأرض من عناصر ، إلا أنها جمعياً عناصر خامدة تبقي المادة السوداء على طبيعتها دون تعديل معظم حياتها .

 وهذا الخمود في ذراتها  هو من ميزاتها لأنه عنصر التجانس الذي يجمع فيما بينها ، مما يتيح لها الإنطلاق في الفضاء بتحررها من مغناطيسية الأجسام الأخرى من الكواكب والنجوم ومن مغناطيسية سلبية ذاتية  تعيق سيرها ، وذلك لانعدام  النواة الملتهبة من الهليوم داخلها التي يجب أن  تشكل حقلها المغناطيسي كما هو مفترض لجذب عناصرها وبالتالي تكتلها  واستقرارها، مما يجعل الأمر محيراً ومستغرباً ويدعو الى التساؤل ، ماالذي يجعل المادة السوداء العديمة النواة والحقل المغناطيسي قادرة على التكتل ، مع ضعف ذراتها وانعدام الكتروناتها ؟!

 ولكن السؤال الأهم  هو ماالذي يمنع تكاثرها ، مع التوسع الكوني الحاصل والتحامها  فيما بينها مستقبلاً واتحادها ؟ وبالتالي تصبح مادة سلبية مقلقة بما قد تشكل من تهديد دائم ومقلق على استمرار الحياة في الكون .

الواقع إن الأمر هو غير ذلك تماماً ، فمن أعظم أدوار المادة السوداء أنها في سيرها الدائم في الفضاء تلتقط ذرات الغبار فيه لتحافظ على نظافته المطلوبة لاستمراره في الحياة ، ولكن دورها الأهم والأعظم أنها في الأساس ليست سوى مادة خام خامدة  لكل عناصر الطبيعة الذرية التي قام عليها الكون قابلة للتشكل والتحول في حال اتحادها مع عناصر أخرى تحييها وتبعثها باشكال جديدة متعددة وجميلة تساهم في تجدد الكون وإثرائه  وهذا مايحصل دائماً.

 ولكن كيف يتم هذا الإتحاد والتحول  ومع أي من العناصر أو الأجسام ؟

ومع إدراكنا لطبيعة المادة السوداء فإنها بكثافتها عندما تقترب من الأرض فإنها ستحررها  من الجاذبية المضادة الضاغطة للمجرات الأخرى لتندفع المياه من داخلها بانفجار هائل نحو الخارج بترافق مع ذوبان المحيطات مع انحباس الحرارة وارتفاعها بفعل هيمنة المادة السوداء الكثيفة الذرات على وجه الأرض .

ومن هنا فإن الديناصورات التي اختفت عن سطح  الأرض فإنها ساحت في مختلف انحاء الكرة الأرضية بفعل الطوفان واندفاع المياه في جميع انحائها ناقلة جثثها وجثث الحيوانات الأخرى  من مكان الى آخر ومن قارة الى أخرى .

أما الطوفان ألاخر قد تمت الإشارة اليه في الكتب السماوية وبعض الملاحم القديمة الجدارية  الأثرية المنقوشة الذي يقدر حدوثه الى 500 عام مضت .

اما الطوفان الثالث فأمره متوقع بشكل جزئي ولكن ليس قبل مئات السنين الذي بدأت نذره بذوبان للثلوج في القطب الشمالي من الكرة الأرضية الذي ينذر باقتراب  إحدى كتل المادة السوداء من الأرض لرض .

وهذا الذوبان الثلجي معرض للذبذبة بين اندفاع وانحسار ، مما يعني اتساع هامش اطراف المادة السوداء الذي يتأتى من الإلتقاط للذرات الهائمة  في مسيرتها المستقيمة التي لاتعرف الإنحراف .

ولكن مع اتساع هامشها عند منتصفها خلال سيرها فإن هذا الهامش مع رقته وشفافيته فإن ذراته قد تغطي جزءاً من شمال الأرض بما فيه امريكا الشمالية بأسرها وروسيا مما يعني هلاكاً واسعاً يتمدد نحو منتصف الكرة الأرضية على مدى اسابيع ثم ينحسر كلياً لثبات موقع الأرض ومسيرتها . ولكن لن يحدث ذلك وفق الشواهد الطبيعية وطبيعة حركة المادة السوداء قبل عدة مئات من السنين .

أعتقد بعد هذا الشرح فإننا بتنا ندرك ونعرف عن طوفانين حدثا في الزمن الغابر ،  أما الثالث فإنه سيكون طوفاناً جزئياً وفق حركة الكون أو بالأحرى وفق مسيرة وحركة المادة السوداء .

وعليه  فلن يكون هناك طوفاناً ثالثاً كاللذان سبقا  إلا يوم القيامه مع انفجار الجبال وبالتالي انفجار الكرة  الارضية  والبحار والمحيطات وانكماش الكون بعد تناثره  ليعود الى بداياته كقبضة اليد .

 

 

 

 

 

 

داعش فون أوبنهايم (الأخيرة)

$
0
0

 

والآن نعود إلي دراسة الوضع في المنطقة العربية.


أولا لابد أن يفرق المرء بين من يريد تعديل النظام الإجتماعي داخل نفس الدولة ومن يريد هدم الدولة من أساسها ولا يعترف بها. فجماعة بادر ماينهوف في ألمانيا لم تكن تريد هدم تنظيم الدولة الألمانية ولكنها كانت تريد تعديل طريقة عمل هذه الدولة وترتيب أولوياتها. وهذا فرق جوهري بين الحالتين. 
فدولة الإسلام في العراق والشام (وربما أيضا في مصر) ترفض أي تنظيم لا تسيطر هي عليه بنسبة 100%. فهي في سوريا ترفض الأكراد وترفض الشيعة وترفض الغير منتمين للدين الإسلامي كما أنها ترفض المسلمين الغير مستعدين للخضوع لها خضوعا كاملا.

ورغم أن هذا الرفض يبدو في ظاهره رفضا حديثا إلا أن جذوره - علي الأقل بالنسبة لمصر - تمتد إلي عصر الرئيس السادات.

فلا تزال حية وحاضرة في ذاكرتي تلك المناقشة الحادة المفتوحة علي صفحات جرائد الدولة المصرية في النصف الثاني من السبعينات، وهي ذات الفترة التي شهدت تدفق أعداد غفيرة للغاية من المصريين إلي دول الخليج للعمل وتحسين مستوي المعيشة لأسرهم وأولادهم في الجيل الثاني داخل مصر. والحقيقة أن تلك التجربة كانت ذات نتائج هائلة الأثر علي المجتمع المصري.

ومن ضمن هذه الآثار المستجدة علي المجتمع الزراعي الريفي فكرة أن الزكاة تغني عن دفع الضريبة. وهي فكرة نالت قسطا وافرا من الإهتمام في تلك الفترة وقامت الدولة المصرية في ذلك الحين بتجنيد عدد كبير من الفقهاء والمشايخ للدفاع عن الضريبة والإفتاء - عن حق طبعا - بأنها تكليف منفصل تماما عن الضريبة. فالعيش في دول الخليج في تلك الفترة في ظل إرتفاع حاد في سعر البترول وبالتالي تعاظم عوائد بيعه في خزائن هذه الدول، بالإضافة إلي القلة السكانية التي كانت تمتاز بها تلك المجتمعات، كل ذلك أدي إلى أن هذه الدول لم تكن تعرف الضرائب ولا التكاليف الإجتماعية التي عرفتها الحضارات جميعا. فالتأمين الصحي مثلا له تكلفته المادية ولكن في دول الخليج تتغاضي الدولة عن إقتضاء التكلفة من المواطنين، رغم أنهم لا يدفعون أصلا ضرائب. وهذا بسبب قلة عدد المواطنين ووفرة الموارد.

وتأمين المعاشات كذلك حيث أن خزانات التأمين في معظم دول العالم قد تحتاج أحيانا كثيرة إلي دعم حكومي للقيام بمهماتها.

وهكذا فقد ورد إلي الفكر المصري - الذي يجوب رؤوس كثير من الأغنياء المصريين ممن عاشوا هذه التجربة - أنه يمكن تمويل نشاط الدولة (المكتظة بالسكان مثل مصر) علي الطريقة الخليجية.

والثابت من تجارب كل الأمم منذ بداية حضارة الإنسان المدني سواء كان ذلك في العراق أو في مصر مرورا بالإغريق والفرس ثم الرومان وكل من جاء بعدهم، الثابت هو أن أي دولة لا يمكنها القيام باي نشاط بدون حصيلة من الضرائب تجعلها قادرة علي تنفيذ هذه المهام. ولا يقدح في ذلك أن بعض الحكومات تسيء إستعمال حاصلات الضرائب فتنفقها فيما لا يفيد مثل الحروب الخارجية أو المؤامرات الداخلية أو ما شابه ذلك من أمور. فحق الدولة في إقتضاء الضرائب من مواطنيها هو حق راسخ لا نقاش حوله. والزكاة بالطبع عمل إختياري بينما الضرائب عمل إجباري. فالخلط بين الوجهين هو خلط ينطوي في أغلبه علي سوء نية ورغبة في إثارة البلبلة وعدم الفهم بيم الناس.

 

ثانيا فإنه خلال الأعوام الأربعين التي مضت منذ تفجر هذا النقاش في مصر، قد وقعت أحداث كثيرة وكبيرة كان أولها الركود الفكري واللتعليمي والثقافي والسياسي وآخرها حركات الإنتفاضة التي وقعت في سياق ما أطلق عليه الربيع العربي. وهذا الحدث الأخير أنتج شبابا لا يعترفون بالدولة ليس فقط في مجال الضرائب، (هم علي كل حال فقراء بدرجة لا تضعهم في أي شريحة ضريبية) ولكن التغير الذي وقع جاء اساسا في مجال القبول الفعلي المادي لمظاهر الدولة متمثلة في شرطة وجيش وجهاز إداري وقوانين وقرارات. فما هو العمل مع هؤلاء؟

من الصعب طبعا وضع وصفة لمجتمع كامل واقع تحت تاثير فكر مريض.

ولكن قد يكون لنا في تجارب الدول الأخري ربما بعض من حسن الاسوة..

والحل الذي اراه اقرب للتطبيق في الدول العربية المصابة بداء حركات الإنفصال هو توسيع نطاق فرض الضرائب علي الأغنياء لكي تستطيع الدولة تقديم مزيد من الخدمات للطبقات الافقر.

والملاحظة الأولي التي تقع عينا كل زائر لدول الشرق الأوسط وخصوصا الجمهوريات منها هو إختفاء الطبقة الأهم في كل المجتمعات، وهي الطبقة المتوسطة. فالتناسب مختل تماما بين مواطني تلك الدول المنكوبة. وهذا الخلل هو ما تحاول منظمات مثل داعش أن تدخل منه إلي المجتمع وبالذات شبابه.

علي أغنياء الدول الفقيرة أن يعرفوا أنهم أغنياء في دول فقيرة وليسوا أغنياء في دول غنية.  وهذا يعني أن مستوي البذخ والعيش الرغد الذي يعرفه أغنياء الدول الفقيرة لابد له أن يتعدل إلي اسفل.

كانت الحياة في المجتمع الأمريكي قاسية حتي مطلع القرن العشرين وكان المجتمع بالفعل منقسما إلي أغنياء وفقراء. وكانت الطبقة المتوسطة شبه غائبة أو هامشية لا قيمة لها ولا وزن إقتصادي أو سياسي.

وقد نجح الرئيس الديموقراطي فرانكلين روزفلت في إيجاد طبقة متوسطة في الولايات المتحدة ساعدت علي النهوض بكل البلد إلي ما نراه اليوم. وكان الإجراء الذي قام به الرئيس روزفلت هو مجموعة تشريعات ما أطلق عليه نيو ديل New Deal  وترجمتها بالعربية الصفقة الجديدة ولكنني أفضل ترجمة إعادة التوزيع حيث أن توزيع أوراق الكوتشينة يطلق عليه في اللغة الإنجليزية  to deal  ولهذا فالترجمة الاقرب لطبيعة هذه الإجراءات هي إعادة التوزيع.

 

ولكن هل يصلح حل كهذا في الدول العربية أو بمعني أصح في المجتمعات العربية التي بدأت تتخلي عن الدول؟

هذا موضوع شرحه يطول جدا جدا..


الأهداف الأمريكية من احتلال العراق وتسليمه لإيران

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

رغم تصاعد حدة  الصراع  الإعلإمي بين واشنطن وطهران ، فإن أمريكا احتلت العراق عسكريا بقوة ضخمة وسلمته لإيران التي عملت على تفتيته ونهب موارده وتهجير سكانه وإفقار شعبه  وتشريده على أسس طائفية ومذهبية بحماية عسكرية  امريكية في معاداة ظاهرة للعرب وكأنهم غير موجودين بما قد يعرض المصالح الأمريكية للخطر من جراء هذا العدوان .

 إلا ان اي رد فعل من العرب على هذا التحالف ، قد يعرض مصالح أمريكا لهذا الخطر لم يحدث . وكان هذا الموقف السلبي متوقعاُ،  وإلا لما تجرأت امريكا على تسليم العراق لإيران الذي مول العرب اجتياحه لإسقاط صدام حسين وحزب  البعث ، وليس طهران ؟! .

وهنا نتساءل لما تحالفت امريكا مع إيران لغزو العراق وسلمتها إياه ، وماهي مصلحتها وأهدافها ؟.

خاصة وانها لازالت تدعم الإحتلال الإيراني للعراق وتغض النظر عن تدخله في سوريا ولبنان واليمن وليبيا  وافغانستان ؟!

الواقع أن هدف امريكا من هذه السياسات الغريبة هو احتواء إيران واستخدامها لمصالحها ، وإلا لما طردت الشاه الذي كان يعتز بوطنه ويرفض السير في مخططات امريكا إذا لم تتطابق ومصالح إيران ومستقبلها ، على عكس حكام الملالي  الحاليين الذي يهمهم  دوام سلطتهم التي يعدونها نعمة الهية هبطت على الشعب الإيراني الذي يجب ان يضحى من اجل إنتصار وجهة نظرهم الدينية المهدية حتى لو عانى الفقروالجوع ،  الذي لن يطول  وفق تصريحاتهم الدائمة ، إلا انه قد طال عليه وعليهم الأمد دون اي ضؤ في نفق هذه المحنة  .

ولكن ماهي خلفيات أمريكا من دعمها لطهران بحيث عمدت إلى إحتلال العراق وتسليمه لها بهدف إحتوائها لتنفيذ مخططاتها  في عملية إغراء  مخادعة ، كما حكاية الحمار والجزرة ، مستغلة قصر نظر حكام إيران من رجال الدين  وسذاجتهم الذين لم يفطنوا الى هذا الخبث الأمريكي الصهيوني وإلا لرفضوا مشاركة امريكا بأن يكونوا اداة لها في في مخططاتها ولفضلوا الإلتفات لبناء بلادهم والنهوض بها بدلاً من  ان يكونوا خدماً للمصالح الأمريكية ضد العرب وضد مصالح شعبهم .

 إلا أنهم في قرارة أنفسهم يعتقدون انهم يستغفلون أمريكا وانهم سيستولون على البلاد العربية بدعمها ومن ثم يتخلون عن  تبعيتهم لها ويفكون تحالفهم الغير معلن معها  ؟!

إنها الطفولة السياسية البائدة  التي سبق ان جربها اليسار المتطرف فيما مضى بدعم من السوفيات الى ان عانوا فشلها وبالتالي سقوط الشيوعية الى الأبد لعدم اتباعهم الطرق السليمة في التعامل مع شعوبهم والشعوب الأخرى ،بل اقتصروا في التحايل على أنفسهم وعلى شعوبهم   بما يخالف العقل والمنطق .

 وكذلك يفعل حكام طهران الذين لم يتعلموا من تجارب الآخرين لانه يعتقدون انهم الأذكى وأنهم يعملون بوحي الهي ، بينما يتلاعب بهم الأمريكان واليهود  حتى العظم . وهذا حال كل رجال الدين الذين يتصدون للعمل السياسي إذ لايحصدون سوى الفشل .

قبل الإسترسال فلابد لنا ان نعدد الأهداف الأمريكية المعلنة والظاهرة في سعيها لاحتواء إيران  ، مع وجود اهداف اخرى خفية قد لاندركها إلا مع مرور الوقت  . اما الأهداف الحالية فهي كالآتي  :   

أ-إن احتواء امريكا الأساسي لطهران هو بتخطيط  من رأسماليي وول ستريت ،و معظمهم من اليهود  الذين رأوا في عرب  الجزيرة الأثرياء خطراً كبيراً على مصالحهم المالية والمصرفية مع تمددهم المصرفي والإعلامي بشكل رئيسي في اوروبا وبلاد العالم الثالث ، كما و تمددهم الإقتصادي الإستثماري في أوروبا بما قد يصل بهم الأمر الى الإستثمار الصناعي في الصين وأمريكا ، الذي يعد خطاً أحمراً بالنسبة للأمريكان واليهود ، مما يقتضي لوقفه  غزو بلدانهم  بالتعاون مع إيران ،  و نشر الفوضى فيها لتفتيتهم وتفكيك جيوشهم  كما هو حاصل في سوريا والعراق وليبيا ، وبذلك يتم القضاء على قدراتهم المالية والإقتصادية ؟!

ب-بيع طهران النفط لروسيا والصين وكوريا بفارق ادنى كثيراً عن السعر العالمي على اساس المقايضة بسلع معينة دون ان تتقاضى مقابله دولاراً واحداً ، بينما تعمد روسيا الى بيعه للهند وآسيا ، وللصين احياناً بسعر ادنى من السوق العالمي ، مما لايتفق مع المصالح الأمريكية  .

ج-رفض عراق صدام حسين التعاون مع منظمة اوابك في تحديد الأسعار ، والإقدام على بيعه النفط في السوق السوداء  بنصف السعر العالمي  للإضرار بالمصالح  الأمريكية  ؟

د-أهمية وضع إيران في مواجه باكستان على أرض افغانستان باعمال الإرهاب المليشياوية . إذ ان امريكا مهتمة بافغانستان لأنها تحوي 85% من اليورانيوم العالمي ،ولقطع موارد طالبان المالية من زراعة المخدرات وإنتاج الأفيون والهرويين لجعلها  عبئاً مالياً  على الجيش الباكستاني بحيث يتخلى عنها لصالح حكومة محلية منتخبة موالية لأمريكا وبعهدة إيران  .

ه-بث الإرهاب والفوضى في المنطقة لتنشيط الهجرة ودفعها نحو اوروبا لحاجتها لعمالة رخيصة .

ح-حماية حدود إسرائيل ومستعمراتها في جنوب لبنان من هجمات المقاومة الفلسطينية بواسطة مليشيات مسلحة موالية لإيران .

ط-استنزاف قدرات إيران المالية مع تطوعها بتمويل المليشيات الإرهابية والأحزاب المسلحة المعادية للعرب  ، كما واستنزاف قدرات العرب في تمويل حربهم الدفاعية ضد العدوان الإيراني شكلاً والأمريكي ضمناً.

كانت تلك اهم اهداف امريكا من احتواء إيران والتحالف معها على اعمال الإرهاب ضد العرب انطلاقاً من العراق وسوريا واليمن ولبنان  وليبيا واليمن  التي سآتي على سردها .

إلا أن الهدف الرئيسي والأساسي الملح  من إحتلال امريكا للعراق هو التحكم باسعار النفط برفعها الى الحد الأعلى  الممكن .

وكان قد سبق غزو العراق إجتماعات بين الأمريكان والإيرانيين من اجل الإعداد للمعركة وأهدافها من خلال وسطاء إيرانيين وعراقيين مقربين من الطرفين . فكان من شروط إيران لتساهم في الحرب   هو ان تقبل امريكا برفع اسعار النفط  الى مئتي دولار للبرميل عقب الغزو ليمكنها من تنفيذ المخططات الأمريكية الإيرانية  المتفق عليها بتمويل مليشيات مسلحة فوضوية لتفتيت العراق وباقي الدول العربية وجيوشها وتهجير سكانها على اسس طائفية ومذهبية .

وقد وافقت امريكا على الشرط الإيراني ، إلا انها لم تتقيد بتسعيرة معينة للنفط باعتبار ان السوق هو من يفرض السعر وفقاً لقانون العرض والطلب الذي تقتضيه المصالح الأمريكية .

اما سبب إختيار امريكا  لإيران في تنفيذ مخططاتها الإرهابية ضد العرب دون اي دولة اخرى فلأن لإيران طابور شعوبي شيعي داخل الوطن العربي معادي للامة العربية ، هذا الطابور الذي تفتقده إسرائيل التي سبق ان حرضت اليهود العرب للهجرة اليها ، لذا اعتمدت امريكا على إيران لاحتلال العراق بدلاً من إسرائيل .

وبالفعل فقد تم رفع سعر برميل النفط  تدريجاً بعد احتلال العراق الى حدود عالية مؤذية حتى كاد يلامس المئتي دولار لولا رد الفعل العالمي لتضرر المصانع الغربية ، بما فيها  الأمريكية ، إثر هذا الإرتفاع الغير مبرر بما جعل امريكا تتراجع عن هذه التسعيرة لتراوح المئة دولار ونيف  لسنوات عدة ، مما اغضب الإيرانيين الذين اعتبروا انهم خدعوا من قبل امريكا بمشاركتهم  الحرب معها في العراق دون ان تلبي مطالبهم بشان النفط  .

 إلا انهم لم ينسحبوا من هذا التحالف لحاجتهم  اليه لضعفهم  . فزادهم الإحتلال للعراق والإنفاق على المليشيات فيه ، وفق نظرية تصدير الثورة ، إرهاقاً مالياً واقتصادياً  ليتجازوا علاقتهم وشراكتهم وتحالفهم مع الأمريكان في المنطقة إثر ذلك  ويتجهوا نحو روسيا التي تلقفتهم بترحاب  .

عرضت   طهران على الروس الصداقة والتعاون لقاء  مساعدتها في القطاع النووي والتسليح ، مقابل اسعار نفط تفضلية تقل عن أسعار  السوق بكثير .وقد رحب الروس بهذا العرض إلا انهم اشترطوا المقايضة بالسلع المختلفة بما فيه السلاح  مقابل النفط بحجة انهم لايملكون فائضاً من النقد الأجنبي . وقد وافق الفرس على هذا الشرط  وكذلك الصنيين والكوريين الشماليين .

ولكن بعد احتلال موسكو لشبة جزيرة القرم أحس الأمريكان بأن الروس يستفيدون بمخططاتهم من اسعار النفط المرتفعة لدعم إقتصادهم ،  عدا بيع مخزون الذهب لديهم مستفيدين ايضاً من ارتفاع اسعاره .فاعادوا حساباتهم في مواجهة مع روسيا  وعدلوا اتفاقهم مع إيران بشان النفط  وتخلوا عنه دون الرجوع اليها ليعمدوا الى تخفيض كبير لأسعار النفط دون الخمسين دولاراً  للبرميل  ، مع توقعات بتخفيضات إضافية اخرى في مزيد من ضغط على الروس ،عدا تخفيضهم لأسعار الذهب  مما وضع الروس والإيرانيين في ازمة اقتصادية ومالية حقيقية .

هذا التخفيض بالأسعار أغضب الفرس كثيراً مع توسعهم في الإنفاق على دعم الإرهاب وتصدير الثورة في العراق وسوريا لبنان واليمن في حربهم العدائية المفتوحة ضد العرب رداً على هزيمتهم في معركة القادسية  فجر الإسلام ، مستلغين دعم الأمريكان التاريخي لهم والروس  بما لم يكونوا يحلمون به بالإضافة للدعم  البريطاني والصيني والكوري الشمالي ، والعسكري الشعوبي من خونة  الأمة العربية والحاقدين عليها في سوريا والعراق واليمن ولبنان  .

 ولكن الإيرانيين   كما العرب غير قادرين في رد فعلهم ضد الأمريكان سوى على التصريحات الغاضبة والتهويلات الكلامية  التي لاجدوى منها ولافائدة  مع عدم قدرتهم على القيام بشيء لضعفهم  الإقتصادي والعسكري والصناعي بحيث لاتأثير لهم في عدوانهم ضد العرب لولا الدعم الأمريكي والروسي ، وعليه فلا قيمة لهم او شأن  وفق واقعهم الحالي المتهالك لقصور نظرهم  وتعصبهم الشوفيني .

ومن الأهداف الأمريكية الصهيونية الأخرى المستترة من استخدامهم لإيران في عدوانها على العرب في اعمال إرهابية إجرامية غيرمسبوقة في التاريخ الحديث ، فهو لدفع المهجرين  العرب  من اراضيهم وبيوتهم واوطانهم  بعد تدميرمدنهم وقراهم  ، للنزوح نحو بلاد الغرب للعمل في مصانعه كيد سوداء رخيصة ، بما يشبه خطف الأفارقة وشحنهم كعبيد وأقنان الى امريكا بحراً قبل 400 عام للعمل بالسخرة ، حيث كانوا المدماك الأساس في مد السكك الحديد والزراعة والصناعة والبناء .

 وهكذا فإن التاريخ يكرر نفسه بطرق اخرى من خلال نفس المستبد الأمريكي الذي كان يشحن الرقيق  بحراً ويهلك منهم الكثير . وعليه فلازال الوضع كما كان عليه في السابق في شحن الأفارقة والعرب من امكنة عدة بمعدل خمسة آلاف مهاجر يومياً إنطلاقاً من ليبيا بشكل رئيسي  في بواخر ومراكب بحرية غير ملائمة حيث يهلك منهم الكثير لسؤ النقل ، فما اشبه اليوم بالبارحة .

وبالتالي يعمد الغرب الى التخلص  من بعض إرهابييه ومجرميه للهجرة الى دولة الخلافة الإسلامية الإرهابية "داعش "التي اتحفتنا بها امريكا بالإعلان عنها ورسم حدودها على غير إرادة المسلمين والعرب ،  كدولة امر واقع  التي اعلن عنها البيت الأبيض في السابع من آب 2014 بتعاون مع المخابرات الإيرانية ،وحدد حدودها داخل العراق وسوريا   بدعم مخابراتي بشري متخفي من امريكا وبريطانيا وروسيا وأفغانستان وتركمانستان والشيشان وإسرائيل بتمويل  من إيران وتسليح من امريكا بتعاون مع العراق المحتل .

امام هذا الواقع المفجع الأليم  يجب ان يتصدى العرب لهذا المخطط الأمريكي الصهيوني ضدهم بأدواته الإيرانية . إذ ان امريكا تعتبر ان العرب غنيمة سهلة ، لذا اوكلت بهم إيران على ضعفها ونزاقتها وتخلفها . 

لذا يجب على العرب ان يحتاطوا لأنفسهم قبل  تفتيتهم على الطريقة العراقية والسورية  وزوالهم ، بان يعاملوا إيران بنفس معاملتها لهم بالتمدد نحو الداخل الإيراني لتحرير عربستان وإثارة المشاكل في وجهها لتعود عن غيها وتتوقف عن عدوانها ضدهم ،  وعندها يستطيع العرب التمدد نحو البلاد الإسلامية المحيطة بروسيا والصين ومساعدتها ، إن انتصروا على إيران ووضعوا حداً لعدوانها .

 عندها ستحترمهم امريكا وروسيا وتحسب لهم الف حساب وتقيم لهم وزناً مما سيعنيهم على نهوضهم الإقتصادي والمالي والصناعي .ولكن لايمكن ان يستقيم هذا إلا باستعادة العرب للعراق ومن ثم سوريا ، ليكون منطلقاً نحو إيران لوضع حد لعدوانها ، كما والإنطلاق نحو البلاد  الإسلامية المحيطة بها لمساعدتها على النهوض والنمو وتبادل الخبرات ، خاصة وأن العراق كما سوريا   في حالة إهتراء كامل بفعل الإحتلال الفارسي   وينتظر الزحف العربي اليه لتحريره من الظلامية الإيرانية عدوة الحضارة والإنسانية .

واختم بأخطر تصريح أمريكي  ساذج  قرأته اليوم بتاريخ 12/8/2015 لوزير خارجية أمريكا جون كيري لانه يحاول من خلاله استغفال الكونغرس الأمريكي ودول العالم اجمع بقوله :

إذا رفض الكونغرس المصادقة على الإتفاق النووي الإيراني ، فإن الدولار الأمريكي سينتهي كعملة إحتياطية ؟.

وهو بهذا التصريح كشف عن سر عدواني أمريكي خطير ضد العرب ، إذ انه يقصد بأن عدم التوقيع على الإتفاق النووي مع طهران فإن ذلك قد يؤدي الى فك إيران تحالفها مع أمريكا وانسحابها من اعمال الإرهاب ضد العرب ،  مما يعني  تحرر العراق وسوريا واليمن ولبنان من الإحتلال والهيمنة الإيرانية التي  كانت تشغل العرب عن النهوض ببلدانهم باستنزاف اموالهم  ، بحيث سيتفرغون لمتابعة جهودهم بالإستثمار المالي والإقتصادي في اوروبا بما يفيد اليورو ويجعله عملة إحتياطية متقدمة ومفضلة على الدولار الأمريكي ؟!

 

 

طريق الحرير الصيني

$
0
0

طريق الحرير
هنا تكثيف لبعض الافكار التي يوحي بها هذا التطور الانساني الكبير

طريق الحرير ....حزام صينى حول العالم
حلمى شعراوى

أثارت أنباء تخفيض قيمة "اليوان "الصينى ، دهشة الكثيرين فى أنحاء العالم لاشاراته الأولى إلى انخفاض معدل

نمو الناتج القومى ...الخ .

لكن رغم عدم صلتى بالمسائل الاقتصادية الفنية ، اندهشت أيضا من زاوية أخرى فى الأخبار ، هى الإعلان المتكرر لأجهزة الإعلام الصينية وأصدقائها عن الأبعاد "العالمية ""للحزام الاقتصادى لطريق الحرير وجناحه البحرى " !. والذى يجرى الحديث حول بلوغ مخصصاته للتنمية 5و2 تريليون دولار وفق تصريح للرئيس الصينى مؤخرا ! ومثل هذا الحديث عن هذا المشروع الذى تطوق به الصين العالم كله شمالا وجنوبا مستمر طوال العامين الأخيرين ، مرة بسبب الهجوم الاقتصادى بالمشروع فى وسط آسيا ، وأخرى عن طرق السكك الحديدية تبع المشروع فى شمال أوربا ، مرورا بالمجروحتى شبه جزيرة أيبيريا ، وثالثة عن المرور بإيران حتى غرب آسيا ، ورابعة عن الوصول للخليج ، والقرن الأفريقى عبر البحار والمحيطات ، للوصول ثانية إلى المتوسط وجنوب أوربا ...! وليس ذلك كله من باب أضغاث الأحلام ، ولكن ثمة اتفاقيات وقعت مع حوالى خمسين دولة ، واتفاق على

مشاريع الترتيبات وصل إلى أكثر من 160 مليار دولار...!
نحن إذن أمام مارد ضخم ، ليس سهلا تصوره فى حالة ضعف تستدعى تخفيض العملة أو الإنفاق ، إلا إذا كان المارد يختبر آلية جديدة للتعامل مع العالم الذى يحاول تطويقه ، فضلا عن حديث آخر عن محاولة فرض "اليوان"الصينى كعملة دولية بما وراءها من أسواق ناتجة عن سيولة التجارة بعد التخفيض.
ما يهمنا هنا ، ومن وراء الدخول فى بعد اقتصادى لانجيده ، هو تساؤل فلسفى عما إذا كانت العولمة قد بدأت تكتشف طريقا آخر غير الهيمنة السياسية والعسكرية لدول "الناتو"ومن لف لفها ؟ أم أنها تغوص فى اقتصاديات جديدة ، مازالت تعزف لحن الاقتصادوية الصينية دون انشغال بهيمنات أخرى ؟ أم أن الصين تقترب من العام العشرين مبكرا وقد كان حديث الصينيين دائما إجابة لأى تساؤل سياسى ، بأن ننتظر حتى 2020 لنسمع منها

الجديد ...وها قد بدأنا نسمع ...!
ما سمعناه من وفد شعبى صينى ، حضرت استضافته من قبل منظمة التضامن الأفريقى الآسيوى مؤخرا ، أنهم

يريدون "كل الخير ، لجميع الناس "...!وأنهم بالفعل رسل سلام واستقرار ..! ، وأنهم إلى جانب تخصيص 50مليار من قبل مساعدات وديون لأفريقيا ، فإنهم خصصوا 40 مليارا لصندوق "طريق الحرير" ...الخ ...الخ ...بل ويشاركون في صندوق منظمة "بريكس "الذي يبلغ مائة مليار دولار ..! ولذلك بدات بعض المصادر الغربية تتحدث عن "وفاق بيكين "الذي قد يحاصر "وفاق واشنطن "ونفوذ البنك والصندوق الدوليين ..... وهذا معني البحث عن خصائص

 

العولمة الجديدة بقيادة الصين ...!
ولأننا فى مصر نعيش هاجس قناة السويس الجديدة نهارنا وليلنا ، فقد اتجه التفكير ، والنقاش أحيانا ، إلى هذه القضية ، وهل تعنى خطوط "الحزام الحريرية "من وسط آسيا لأوربا ، أو إلى القرن الأفريقى ، تأثيرا سلبيا على القناة ؟، أم أن المجئ إلى المحيط الهندى جنوبا سيتبعه بالضرورة الصعود إلى السويس ؟. وقادنى الهاجس ، لأقترح على الوفد الصينى _ان جاز لمثلي ان يخاطب المارد الصيني !,"_ التفكير"فى أنهم من القرن الأفريقى ، سيكونون إذن فى قلب حوض النيل ومنظمة "كوميسا"واسعة النطاق ، بل والمنظمات الإقليمية جنوب ذلك الخط فى شرق وجنوبى أفريقيا وهو بدوره خط كيب / كايرو. فهم هنا إذن أمام حجم مصر كله وليس أمام القناة وحدها . قلت ذلك ولا أخفى خوفى من تهديد أى من هذه "الخطوط الحريرية"للقناة الجديدة ...وكالعادة لا يجيب

الصينيون حيث يجيدون الاستماع ...!
شجعنى صمتهم على التفكير الصامت بدورى ، حول اهتمام "حزامهم الحريرى "بوسط آسيا وتوقيع اتفاقيات مع إيران فى حدود 20مليار دولار فى استثمارات الطاقة ..وغير ذلك من تطور سيفرضه تحرير إيران من المقاطعة الغربية ..وعين الصين فى نفس الوقت على دول الخليج ...
إذن فسوف نكون أمام توسع إيرانى ، رفقة صديق ذي وضع جديد ، فهل ستكتفى إيران بالاستفادة من ذلك فى وسط آسيا أساسا ، لتلعب أمام التنافس الصينى الروسى – الذى يظهر بدوره بسبب خطة الروس لاقامة تكتل أوروآسيوى ، أم تلعب إيران فى اتجاه ساحات الشرق الأوسط وغرب آسيا والخليج ..بنفس روح "كل الخير ..لكل الناس .."التى عبر عنها الوفد الشعبى الصينى ؟ 
هنا ،على العقلاء أن يوقفوا خفة الحديث – أو استخفافه – عن صراع الشيعة والسنة ، وطوائف المشرق والمغرب ، لأننا سنبدو بذلك صغارا أكثر من اللازم ..والمسألة تتعلق كما قلت بعولمة جديدة ..لابد أن نستكشف فيها روح الصين الجديدة ، وطبيعة الحزام الذى ستطوق به العالم ...

14-8-2015

أين المشكلة في مأساة بطالة العمالة الوطنية ؟

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

البناية تحتاج الى طرش ودهان ..الملتزم أحضر عشرة عمال من الكادحين وكأنهم من وراءالكون او من العصر الحجري لشدة ماقسى عليهم الدهر من فقر وجوع عدّل من سحنة بعضهم وتضعضعت أسنانه وفقد معظمها لسؤ التغذية ؛ وبرزت عظام البعض الآخر وهزلت اجسام آخرين منهم كادت ان تزيل وجودهم عن سطح الأرض . وبعضهم كالخيال ، اشبه بمخلوقات  العصر الحجري  لاإنسان العصر الحالي ، ولم يتعد اكبرهم الثلاثين من العمر .

إلا انهم جميعاً تزينوا بالوشوم الزرقاء على سواعدهم وزنودهم من شعارات صوفية الى عناوين أغنيات عاطفية الى عبارات حب وهيام وتغن بالحبيب الولهان .

رغم كل هذا فإنهم يبادرون بالسلام ماأن يشاهدوك وبتهذيب جم . وبتبادل الحديث معهم  لسبر غورهم تبين لي ان كل منهم ملتزم بزعيم أو شيخ صوفي منتمٍ لزعيم وقد عضهم الدهر وأرخى ظله  ثقيلاً عليهم .

ومع توالي التحية والسلام باغتني أحدهم يوماً بسؤاله : أليس عندك من مداخلات لتوظيفي  ياإستاذ ؟!

قلت له ، ياريت .. فهل تراني نائباً او وزيراً لأساعدك في هذا الأمر ؟!.

ويدور بيني وبينه هذا الحوار بحضور بعضاً من رفاقه الذين تحلقوا حوله  :

ولما تحتاج للوظيفة وانت تعمل في مهنة الطرش والدهان ..الا يكفيك دخلها  ؟

ويأتيني الجواب جمعاً : كلنا نحتاج للوظيفة ، إن شغلنا الذي نمارسه غير دائم ياإستاذ والبطالة فيه أكثر من العمل ، ومدخولنا الشهري بالكاد يكفي للطعام .لذا فالوظيفة أمان من الفقر والعوز مهما كان الراتب ضئيلاً ؟!.

وأسأل : إذن لما لاتلجأون للنواب في وطن الوساطة ؟

 ويأتيك الجواب الصادم منهم جميعاً بالقول : كلهم كاذبون ويضحكون علينا .

ليتبين لي بعد الحوار ان معظمهم كانوا موظفين كعمال في مؤسسات عدة  وشركات مشهورة وعالمية .

وسألتهم :طالما أنكم كنتم موظفين في مؤسسات وشركات مهمة فلما تخليتم عن وظائفكم ؟

جاءني الجواب المأساة : صرفونا ياإستاذ من اشغالنا لأنهم استبدلونا بعمال سوريين أقل أجراً مع هجرتهم من بلدهم بسبب الحرب ، إذ يرضون  بأي أجر ؟!

سألتهم : وهل كنتم تقبلون بأجر أقل ،  كما العمال السوريين ؟

جاءني  جوابهم المؤلم : بالطبع كنا نقبل بأي أجر ، ولكن لم يسألونا ذلك .والآن  بالكاد نجد عملاً يسد رمقنا طوال الشهر ؟

أين المأساة هنا ؟

المأساة هنا  تكمن في قانون تحديد الحد الأدنى للأجور الذي يحفظ حق العامل بالأجر العادل ، إلا أنه لايحتفظ له  بحق العمل ودوامه ولايؤمن له العمل  ، خاصة مع انعدام التأمينات الإجتماعية للعاطلين عن العمل .

وهنا تقع المشكلة الحقيقية في عدم اهتمام الدولة في البحث عن حل ملائم مع اصحاب العمل وليس مع النقابات او الإتحادات العمالية .

فالنقابات والإتحادات لاتصلح للنقاش معها في مشاكل العمال  إذ تعتمد المزايدة للمزايدة فقط ، كما انها في واقع الأمر غير مؤهلة لإيجاد حل لمثل تلك المشاكل المستعصية التي يذهب ضحيتها العمال من كثرة المزايدين .

كما ان هؤلاء العمال قد ظلموا وذهبوا ضحية قوانين العمل الجامدة التي لا تعرف المرونة لجهل من واضعيها  .

واضرب مثلين  فقط مع تعدد الأمثلة التي لاتنتهي لاستخلاص هذه المشاكل التي يواجهها رب العمل إن من ناحية الأجر او من ناحية قوانين العمل الجامدة وبالتالي انعكاسها سلباً على العمالة الوطنية.

أحدهم يملك مؤسسة صغيرة في طور النشؤ يحتاج فيها الى عاملين لمساعدته ، إلا أن اجرهما معاً  كان ثقيلاً عليه لأن هناك مصاريف أخرى من إيجار وكهرباء وتبريد لزوم العمل ،عدا مصروفه الأسري ،  لذا اكتفى بعامل واحد لتبدأ مأساته ايضاً مع أنه رب عمل .

إذ وجد بعد عام أن دخله أو بالأحرى أرباحه لاتزيد ، بعد المصاريف ،عن أجر العامل الذي لديه . علماً انه يعمل بجهد مضاعف لهذا العامل الذي ماان ينتهي دوام عمله حتى يغادر غير سائل عن عذاب رب عمله وجهده او يشفق عليه ،  إلا إذا دفع له رب العمل أجر ساعتين مقابل أجر كل ساعة إضافية وفق قوانين العمل التي ترعاه .

 وذلك لانعدام المسؤولية عنده رغم  انه وجد عملاً بصعوبة في هذه المؤسسة الصغيرة صدفة لانه كان اول الباحثين لديها عن عمل إلا أنه لم يحفظ هذه النعمة . لأنه لعدم غيرته على عمله و رب عمله غاب عنه  انه يتساوى في المسؤولية والحرص  على استمرار عمل المؤسسة كما صاحبها.

لأنه فيما لو اغلقت المؤسسة لعجز مالي فإنه سيصبح عاطلاً عن العمل ، إلا أنه في حقيقة أمره لايفكر سوى في المال حتى الإبتزاز مستقوياً بقوانين العمل التي ترعاه ضد رب عمله   .

ووقع المحظور ليفلس صاحب المؤسسة وبصرف العامل من عمله ليأخذ تعويضاته من وزارة الشؤون ويهيم في الأرض بحثاً عن عمل في مدينة غلب عليها البطالة وكثرة المقاهي .

ولكن الظروف أبت إلا ان تساعد صاحب العمل إذ هبت العائلة لمساعدته ليعود بعد أشهر لينشأ مؤسسة جديدة . إلا انه في هذه المرة وظف عاملين اجنبيين نشيطين بأجر عامل وطني كسول واحد مع ساعات مضاعفة . إذ يرافقونه في عمله صباحاً حتى يغلق ولو لمنتصف الليل إن اضطر الأمر في المواسم  دون اي تأفف منهم  أو طمع في زيادة أجر لأنهم ضمناَ يطمعون في نجاح المؤسسة وبقاءها واستمرارهم في العمل ، فقد ساووا أنفسهم بصاحب المؤسسة في الغيرة عليها حرصاً على استمرارها واستمرارهم وقد اصبحوا اربعة عمال بدلاً من اثنين ، إذ زاد نشاط صاحب العمل   وارباحه وازدهرت تجارته .

وكان أجيره الوطني القديم يأتيه كل أشهر يسأله عملاً عنده ،  إلا انه كان يعتذر فقد قاسى منه  الأمرين و أصابه منه الضرر الشديد ، ليس لذنب منه فقط ،  بل بسبب قوانين  العمل العشوائية التي اضرت بالعامل قبل صاحب المؤسسة الذي  استطاع ان يتأقلم مع هذه القوانين ويتحاشى سلبياتها  مع وجود عمال  أجانب .

اما العامل الوطني فقد اوقعت به الدولة بقوانينها الملزمة ،  وتسبب بالضرر لنفسه  لضيق أفقه مع عدم مرونته لاعتقاده ان صاحب العمل كما الدولة يملك اموالاً طائلة لاتنضب ، إلا انه غاب عنه ان الدولة  تنهب شعبها بالضرائب والرسوم وترهقه ، بما فيهم الفقراء والمعوزين ،اما صاحب العمل فلايملك إلا زنده لتحصيل لقمة عيشه .

مثل آخر عن شاب ورث عن والده مصنعاً ضخماً للنجارة يضم ثلاثين عاملاً ، إلا انه لم يكن يتعاطى بشؤون العمال ، بل كان والده يترك إدارتها عليه ليتفرغ معظم ايام الأسبوع  في ملاحقة مشاكل العمال وشكواهم الدائمة ضد رب عملهم في الدوائر المختصة الذي اغتصب حقوقهم وفق شكواهم في تشغيلهم احياناً لساعات إضافية دون ان يدفع أجرها .

توفى الوالد وورث الشاب العمل ، ولكنه بعد احتساب الأرباح  السنوية قرر ان يغلق المنشأ ة ويتجه الى تجارة الخشب ، بعد  ان صرف العمال جميعاً .

وحجته في ذلك ان شكاوي العمال التافهة ضده واستدعاء الدوائر المختصة له قد ارهقته وعطلت إشرافه واشغاله ، فوجد بعد عام ان المنشأة الى تراجع فخاف من تنامي الخسارة فيما لو استمر على هذه الحال ،  فأغلق المصنع للحد من خسارته ، ليهيم العمال على وجوههم  في البحث عن عمل في صحراء من البطالة  يشكون حظهم ويندبونه مع تراجع الأشغال ويلومون القدر .

اين المأساة هنا ؟

المأساة هنا تكمن في قوانين  العمل الجائرة عن جهل لاعن قصد  ،  إذ يجب على الدولة ان تضع حداً ادنى للأجور ،  فقط من اجل تحديد تعويضات نهاية الخدمة من قبلها على أن تدفعها من صندوقها لقاء الإشتراكات والرسوم المستوفاة مسبقاً من صاحب العمل سنوياً ، لاأن  تفرض قيمة الحد الأدنى للأجر   على رب العمل الذي لايستطيع احتماله مع وجود عمال اجانب اقل اجراً . وذلك بترك حرية التعاقد بين صاحب العمل والعمال دون اي تدخل منها إذا كانت حريصة على التخفيف من حدة البطالة بتشغيل العمالة الوطنية قبل الأجنبية .

إلا إذ كانت تفضل تشغيل العمال الأجانب  ، على حساب العمالة الوطنية ، طمعاً في رسوم الإقامة السنوية المرتفعة التي تستوفيها منهم .. وهذا مؤسف .

 

 

أبو الجماجم / حكاية مدينة

$
0
0
تأليف : محمد السويسي
كانت طريق النجمة الموازية لطول السور الخلفي لحديقة الجامع المنصوري الكبير جزءاً من المدينة المملوكية  القديمة لطرابلس الفيحاء اللبنانية ببيوتها وأقبيتها ومخازنها  ، من قبل أن تداهمها المدنية الحديثة لتهدم وتزال لشق طريق نحو الرفاعية ، مطلع خمسينات القرن الماضي ، لتسهيل مرور السيارات صعوداً نحو تلة أبي سمراء مع توسع المدينة شرقاً .
مع بداية الهدم وامتداده من الجهة الملاصقة لقبوة الطرطوسي ، وصلت فرق  العمال بأشغالها إلى مفرق جامع القرطاوية أو قرطائي بك قبل طلعة الرفاعية حيث كان هناك منزلاً ضخماً متعدد الطبقات أشبه بالقصر الذي  كان يتخذه متسلم طرابلس مصطفى أغا بربر مسكناً له وقد بناه أوائل القرن الثامن عشر ، وبدأت الهدم فيه إلى أن وصلت إلى الطابق الأرضي ليُكشف عن مفاجأة غير متوقعة بوجود غرفة تحت الطابق الأرضي أشبه بالبئر وقد ملئت بالمئات من الجماجم المختلفة الأحجام ، وأطراف لعظام بشرية ؟! فتوقف الحفر لأيام عدة حيث حضرت قوة من الدرك وشرطة المباحث المدنية بالمعاطف الرمادية وقد اعتمروا قبعات شبيهة بأبطال أفلام المافيا والمباحث الأمريكية ليبدأ المزيد من النبش والحفر من قبل العمال بإشرافهم وقد طوقوا المكان بالأشرطة والحبال ليمنعوا المتطفلين والصبية من إجتيازها  . وظلوا على هذه الحال من البحث والتحري لأيام عدة إلى أن غادروا نهائياً بعد أن أخذوا معهم بعضاً من العظام والجماجم .
وما أن إنتهى حرم الدخول للموقع من قبل رجال الأمن حتى دخل جمع غفير من الناس للتفرج على البئر لفترة ثم لينفضوا بعد أن أشبعوا فضولهم ، ليتسابق الأولاد والفتيان على نبش البئر واستخراج الجماجم ليعلقوها على رؤوس القصب والعصي ويدورون بها مهللين بما يبعث على الخوف والرهبة والإشمئزاز والقشعريرة ، خاصة وأنهم كانوا يتعمدون إخافة الصغار من الأطفال والبنات لمزيد من الضحك والتهريج فيما بينهم  .
وقد دام الأمر على هذا الحال لأكثر من اسبوع والجماجم متناثرة ، بين كومات الأحجار وكثبان الأتربة ، من عبث الأطفال بها  إلى أن جاء رجل رث الحال والثياب وبدأ يجمعها مع بعض العظام ويدخلها  في أكياس من الخيش كبيرة وينبش في البئر للمزيد منها .
وكان الرأي المتداول بين الكبار بما يسمع منهم الصغار ،بأن هذه الحفرة كانت مقبرة لعائلة بربر آغا ، وآخرين يردها إلى مساجين لديه أو معارضين على خصومة معه  قتلهم وعائلاتهم من نساء وأطفال وألقى بهم في البئر ..كما روايات أخرى متعددة ومتناقضة في هذا الشأن ؟!
إلا أنه كان هناك مفاجأة أخرى غير متوقعة وهو عن الرجل الكهل الذي كان يجمع الجماجم التي لقب باسمها ، ليظهر بعد عام تقريباً  وهو يحمل عصاً غليظة طويلة بيده وقد علق على رأسها وبها وحول رقبته  عدة جماجم وعظام وقد تدلت على صدره ويرفع بيد أخرى لافتة من الكرتون ملأى بعبارات النقد للدولة والمسؤولين لغياب الضمانات الإجتماعية والصحية وتفشي البطالة والفقر والفساد ، ثم ليتوقف في منتصف الأسواق أوعند كل زاوية طريق أو زقاق ليلقى خطاباً بصوت متهدج رفيع حاد داعياً السياسيين والنواب والزعماء والقيادين والأغنياء إلى الإتعاظ بما آل إليه الحال ممن سبقهم وأضحوا عظاماً ورؤوساً فارغة كما هي حال الجماجم التي يحملها ليبدأ الهز بها والرج والتلويح وقد ربطها بأجراس عدة ليشد الأنظار إليها عند كل مفصل كلام من خطبه الرنانة على وقع رقص الجماجم .
مع بدء حملة أبو الجماجم التحذيرية والتذكيرية تلك ، بدأ الصبية يلاحقونه ويجرون خلفه من شارع إلى شارع ومن حارة إلى أخرى وهم يهزجون ويضحكون من افعاله وخطبه وقد اتخذوه مسخرة لهم مرددين بلقبه "أبو الجماجم ..أبو الجماجم ".. إلا أنه  كان يترفع عن أفعالهم ولايلق لهم بالاً  وكأنه لايلاحظهم ، إلى أن ملّوا منه لعدم مناوشته لهم ومقارعتهم بما كانو يرجونه ، فاكتفوا بالتفرج بعد اسابيع طويلة من عظاته .
وظل الأمر على هذه الحال لمدة عامين تقريباً إلى أن اختفى من المدينة دون أن تعرف وجهته .وقيل أن الدولة قد اعتقلته لشدة نقده لها بتحريض من زعامات سياسية ، وآخرين قالوا أنه رحل إلى بيروت ليواصل دعوته ؛ كما قصص أخرى انه قد توفى ، أو لربما أن أحداً من أسرته قد أقنعه بالعدول عن مسيرته  ومد له يد المساعدة وأمّن له سبل العيش ، إذ كان ابن عائلة كريمة معروفة ، إلا أن ضيق العيش قد دفع به إلى سلوك هذه الطريق . وإن اختلفت القصص إلا أن أحداً في المدينة لم يعد يراه لتنتهي قصته وينتهي شق الطريق بعد أن تم تزفيتها ورصفها لتصبح سالكة نحو أبي سمراء .

أهداف وأبعاد تهجير السوريين نحو أوروبا

$
0
0

 

تأليف : محمد السويسي

مأساة الشعب العربي السوري ليس لها مثيل في التاريخ البعيد والقريب نظراً لوحشيتها في محاولة إبادة شعب بأكمله وتهجيره ، بتوجيه وتعاون وتنسيق  من  الرأسمالية العالمية مع إيران وداعش ، وتهديم مدنه وقراه على أسس طائفية ومذهبية في سياق مخطط أميركي صهيوني يؤكده غياب اي اهتمام جدي غربي في وضع حد وحل سريع لهذه المأساة الكارثية التي ارهقت الشعب السوري على مدى أربع سنوات دامية .

وهذه الحرب العدوانية ضد الشعب السوري لم تكن لتحدث لولاالتسهيلات التي قدمتها اميركا لإيران  في التمدد نحو سوريا  إنطلاقاً من شراكتهما في احتلال العراق وتدمير سوريا تحت حجج مذهبية ، وهو الدفاع عن مقام السيدة زينب العربية السنية القرشية بدءاً،  ثم الإدعاء فيما بعد بأنهم دخلوا سوريا للدفاع عن الرئيس السوري لتتطور الحجج فيما بعد بالدفاع عن النظام السوري من هجمات المعارضين للنظام ثم  ليتطور الأمر اكثر فأكثر بحجة الدفاع عن سوريا من هجمات داعش الإرهابية صنيعة المخابرات الإمريكية بتعاون إيراني ، التي انطلقت من العراق تحت يافطة إسلامية سنية أصولية للتخفيف من رد الفعل العربي والإسلامي ضد هجمات المليشيات الشيعية الإيرانية الشعوبية  ضد المسلمين السنّة  ، التي تَكوًّن جيشها عند تأسيسه من مجرمي سجون المالكي بعد تهريبهم من السجون بتعليمات إيرانية أميركية ومن ثم تسليحهم من سلاح ثكنات الجيش العراقي مع أحدث الأسلحة الأميركية الثقيلة والخفيفة  وألآليات وبالتالي استكمال تسليحهم فيما بعد بعلمية إنزال جوي من الطائرات الأمريكية  . مما حيرّ العالم وجعل الأمر غامضاً للعامة رغم وضوحة للدارسين والباحثين .

ومن هنا نتساءل عن أهداف اميركا  من إستهداف الشعب السوري  وتهجيره للخارج ،  بترهيب من سلاح داعش وإيران ومليشياتها ،  بأعداد غفيرة بلغت الملايين نالت منها اوروبا الغربية مئات الآف من النازحين حتى تاريخه ، بعد ان كان  تهجيره مقتصراً على الداخل والجوار العربي .

نعم نتساءل عن أهداف الولايات المتحدة الأميركية الممثلة للرأسمالية العالمية من استهداف الشعب والنظام السوري المسالم الذي سامح بالجولان المحتلة لتضمه إسرائيل اليها ويصبح جزءاً من  إسرائيل دون اي محاولة من النظام  لاسترداده ، رغم قدرته العسكرية على ذلك ، مفضلاً الإبتعاد عن إثارة القلاقل  بينه وبين إسرائيل للحفاظ على نظامه ، مقايضاً الأرض بالسلام مع العدو بالتفاهم الضمني بوساطة روسية  دون بيان رسمي أو إتفاق معلن .

والجواب على هذا التساؤل هو أن هذه الحرب الإلغائية ضد الشعب السوري وتهجيره إنما هي من تداعيات الأزمة المالية التي ضربت أميركا والغرب  نهاية العقد المنصرم التي لاتزال تتفاقم حتى الآن دون جدوى رغم كل محاولات الإصلاح الغربية .

ومع ذلك نتساءل ماعلاقة الشعب السوري بمشاكل الغرب المالية والإقتصادية ؟!

سؤال في محله سأجيب عليه في السياق بعد عرض موجز عن مشاكل الأزمة المالية التي دعت الى تهجير الشعب السوري بعد سنوات على حدوثها .

الأزمة المالية انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية  فيما عرفت بأزمة الديون العقارية بسبب تعثر السداد العقاري التي بلغت ذروتها  في العام 2008 . وهي ازمة مفتعلة من وول ستريت والحكومة الأميركية معاً في تخطيط مالي إقتصادي للجم التضخم والحد من تنامي إرتفاع الأجور بإغلاق المصانع والشركات الضخمة والمؤسسات المالية بما فيها من مصارف وبنوك وإعادة استثمار أموالها  في الصين بأيد عاملة رخيصة لتجبر الأيادي العاطلة عن العمل الى القبول بأجر أقل وإلى تأسيس محلات ومخازن عائلية صغيرة دون أجر ثابت والدفع نحو الزراعة العائلية في الريف بأجر ضئيل يغني عن الفاقة .

ولتسريع  هذه الخطة رفعت أسعار المحروقات لعدة اضعاف مما أجبر معظم المصانع الغربية على الإغلاق مع ارتفاع تكاليف الإنتاج بحيث لم يعد يعوض عليها فارق  إنخفاض الأجور ، مما دفع الرأسمالية العالمية  ضمن خطة مسبقة محكمة ، الى ترحيل اموالها نحو الصين في معظمها حيث الأجور شبه معدومة بما يشبه الإستغلال لليد العاملة في نظام حديدي آلي مسير  كالروبوت .

باختصار شديد فإن كل الجهود التي وضعت لإعادة النهوض بالإقتصاد الغربي كانت فاشلة ، بل زاد من تفاقمها في معظم الدول الأوروبية  باستثناء المانيا . لان الأزمة المالية كما سبق ان قلنا كانت مفتعلة لتهجير  الأموال نحو المانيا والصين  لاستثمارها هناك .

 كما وأن إرتفاع اسعار النفط كان متعمداً لشل قدرات المصانع الأوروبية بالذات على الإستمرار والمتابعة . بينماالصين كانت قادرة على الإستمرار  في التصنيع باسعار كلفة منافسة لأنها دولة بترولية حيث بإمكانها احتساب الكلفة بسعر نفط رخيص إن احتاج الأمر ، إلا انها كانت تستورد معظم حاجاتها من النفط بالمقايضة على السلع  من إيران التي فرض عليها الغرب المقاطعة الإقتصادية ضمن خطة محكمة لإنهاك مواردها المالية لإجبارها على بيع نفطها باسعار متدنية حيث كانت تبيعه في السوق السوداء وللصين  بأبخس الأسعار للأنفاق على تصدير الثورة بما أفاد الصناعة الصينية التي كانت لاتتقيد بالعقوبات الغربية على إيران نظراً لموقعها الإقتصادي الفاعل وهمينتها على الأسواق .

مع تزايد الإستثمار الغربي في الصين فإنه أصبح لديها فائضاً في الإنتاج يزيد عن حاجة السوق مما أدى الى تراجع التصدير الى حد إضطرار العديد من المصانع الصينية الى التوقف  مع تكدس البضائع وبالتالي إغلاقها نهائياً الى جانب ارتفاع الأجور من عام الى عام مع توفر الأرباح والمنافسة بين المصانع مع ارتفاع كلفة السلع .

هذا الأمر أدى الى تخوف الرأسمالية الأميركية من تكرار أزمة الكساد العالمية في الربع الأول من القرن الماضي ، مما دفعها بإعادة النظر بخططها الإستثمارية في الصين لتعيد للسوق الأميركي نشاطه الصناعي والمالي السابق بتأن لانها لم تعد تأمن للصين مع اندفاعها لغزو الاسواق الأميركية  الخارجية تجارياً واقتصاديا ، ومالياً وهو الأخطر على مصالح وول ستريت  .  وقد سبق أن فصلت ذلك في مقال سابق دون حاجة لتكراره ، في آسيا والمتوسط والهند وأفريقيا .

لذا أُعِيد التخطيط مجدداً لمواجهة هذا الخطر الصيني المستفحل ولجمه ، مع توفر السيولة الهائلة لدى الصين من النقد الأجنبي وقروض الخارج ، حتى للولايات المتحدة الأمريكية .

وإعادة الأسواق التجارية  الغربية للإنتعاش كانت تقتضي تخفيض أسعار النفط بالدرجة الأولى وتوفير الأيدي العاملة الرخيصة لتمكين منافسة الإنتاج الصيني ، خاصة مع فارق أسعار النقل لفارق المسافة بين أوروبا والصين بالنسبة لدول البحر المتوسط .

ولكن توفير الإيدي العاملة الرخيصة  بوفرة وبشكل سريع كان يتطلب حرباً عالمية ثالثة استبدلت بأعمال التهجير من خلال إيران وداعش في أعمال مجارز دموية أرعبت المواطنين السوريين ليخرجوا من وطنهم هرباً بالملايين تجنباً لأعمال القتل الطائفية والمذهبية التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً ، وفق هدف محدد وهو ترحيلهم نحو أوروبا ، وإلى المانيا بالذات حيث انها الدولة الصناعية الأنشط والأقدر على منافسة العديد من المنتجات الصينية .

إلا ان اختيارالسوريين بالذات لترحيلهم ، رغم عمليات ترحيل العراقيين السابقة ،   فلأن لهم خبرة بالزراعة والصناعة بأفضل من العراقيين ويقبلون بأجور اقل .

وقد شجعت المانيا توجه المهاجرين السوريين الى بلادها حيث استقبلتهم بحفاوة ووزعتهم على ولايات عدة وبلدات حيث المصانع والأراضي الزراعية إذ تخطط  للاستفادة من المهاجرين لسد النقص في الأيدي العاملة لديها .

اما أمريكا فلاتحتاج الى اي من  قوافل المهاجرين السوريين إذ تعتمد على الأيدي العاملة السوداء من المكسيك وسائر اميركا الجنوبية .

وبالمحصلة فإن الحرب السورية  وتلك التي جرت في المنطقة فإنها كانت لاهداف عدة ، أهمها تهجير شعوبها   كأيد عاملة رخيصة  لتساق كما الأقنان بما يشبه عملية خطف الأفارقة وشحنهم في البواخر  الى اميركا زمن الإستعباد قبل مئات الأعوام، إنما بإخراج آخر .

وتأكيداً لهذا التوجه فقد صرحت "ايزابيلا كوبر"المتحدثة باسم الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس)، أن الاتجار بالبشر الذي يشبه أحيانا الاستعباد الجنسي والاستغلال في وظائف بأجور زهيدة، هو "التجارة الأكثر ربحا على ما يبدو"من كل الانشطة الاجرامية، ويتخطى حتى تجارة الأسلحة وتجارة المخدرات .

 

 

 

Viewing all 560 articles
Browse latest View live